المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. بسم الله الرحمن الرحيم القواعد الحسان لتفسير القرآن. تأليف العلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي المتوفي الف وثلاث مئة وستة وسبعين هجرية. المقدمة. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره. ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا هيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه على اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فهذه اصول وقواعد في تفسير القرآن الكريم. جريدة المقدار عظيمة النفع تعين قارئها ومتأملها على فهم كلام الله والاهتداء به. ومخبرها اجل من وصفها فانها تفتح للعبد من طرق التفسير ومناهج الفهم عن الله ما يغني عن من التفاسير الخالية من هذه البحوث النافعة. ارجو الله واسأله واسأله ان يتم ما قصدناه ايراده. واعلم ان علم التفسير اجل العلوم على الاطلاق وافضلها واوجبها واحبها الى الله. لان الله امر بتدبر كتابه والتفكر في معانيه. والاهتداء باياته واثنى على القائمين بذلك وجعلهم في اعلى المراتب ووعدهم اثنى المواهب. فلو انفق العبد جواهر عمره في هذا الفن لم يكن ذلك كثيرا في جنب ما هو افضل المطالب اعظم المقاصد واصل الاصول كلها. وقاعدة اساس السعادة في الدارين وصلاح امور الدين والدنيا والاخرة. وبه يتحقق للعبد حياة زاهرة بالهدى والخير والرحمة ويهيئ الله له اطيب الحياة الباقيات الصالحة والباقيات الصالحات. فلنشرع الان بذكر القواعد والضوابط على وجه الايجاز الذي يحصل به المقصود لانه اذا انفتح للعبد الباب وتمهدت بفهم القاعدة الاسباب وتدرب منها بعدة امثلة توضحها وتبين طريقة ومنهجها لم يحتج الى زيادة البصل وكثرة التفاصيل. ونسأله تعالى ان يمدنا بعونه ولطفه وتوفيقه. وان يجعلنا هادين مهتدين بمن وكرمه واحسانه. القاعدة الاولى في كيفية تلقي التكسير. كل من سلك طريقا وعمل عملا واتاه من ابوابه وطرقه الموصلة اليه فلابد ان يفلح وينجح ويصل به الى غايته. الى غايته كما قال تعالى واتوا البيوت من ابوابها. وكلما عظم المطلوب تأكد هذا الامر وتعين البحث التام عن امثل واقوم الطرق الموصلة الموصلة اليه. ولا ريب ان ما نحن فيه هو اهم الامور واجلها هو اساسها واصلها. فاعلم ان هذا القرآن العظيم انزله الله لهداية الخلق وارشادهم وانه في كل وقت وزمان ومكان يرشد الى اهدى امور واقومها ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. فعلى الناس ان يتلقوا معنى كلام الله كما تلقاه الصحابة رضي الله عنهم فان انهم كانوا اذا قرأوا عشر ايات او اقل او اكثر. لم يتجاوزوها حتى يعرفوا ويحققوا ما دلت عليه من الايمان والعلم والعمل. فينزلونها على وهذه الواقعة يؤمنون بما احتوت عليه من العقائد والاخبار وينقادون لاوامرها ونواهيها ويطبقونها على جميع ما يشهدون من الحوادث والوقائع موجودة بهم وبغيرهم. ويحاسبون انفسهم هل هم قائمون بها او مخلون بحقوقها ومطلوبها؟ وكيف الطريق الى الثبات على الامور النافعة دارك ما نقص منها وكيف التخلص من الامور الضارة فيهتدون بعلومه ويتخلقون باخلاقه وادابه ويعلمون انه خطاب من عالم الغيب والشهادة موجه اليهم. ومطالبون بمعرفة معانيه والعمل بما يقتضيه. فمن سلك هذا الطريق الذي سلكوه وجد واجتهد في تدبر الله انفتح انفتح له الباب الاعظم في علم التفسير. وقويت معرفته واستنارت بصيرته. واستغنى بهذه الطريقة عن كثرة التكلفات وعن البحوث الخارجية وخصوصا اذا كان قد اخذ من علوم اللغة جانبا قويا. وكان له المام واهتمام بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم واحواله مع اوليائه واعدائه فان ذلك اكبر عون على هذا المطلب. ومتى علم العبد ان القرآن فيه تبيان كل شيء وانه كفيل بجميع المصالح. مبين لها حاصل عليها زاجر عن المضار كلها. وجعل هذه القاعدة نصب عينيه ونزلها على كل واقع وحادث سابق او لاحق. ظهر له عظم مواقفه وكثرة فوائدها وثمرتها. القاعدة الثانية العبرة بعموم الالفاظ لا بخصوص لا بخصوص الاسباب. وهذه قاعدة نافعة جدا في مراعاتها يحصل للعبد خير كثير. وعلم غزير وباهمالها وعدم ملاحظتها يفوته علم كثير. ويقع الغلط والارتباك الخطير. وهذا الاصل اتفق عليه المحققون من اهل الاصول وغيرهم. فمتى راعيت القاعدة؟ فمتى راعيت القاعدة حق الرعاية وعرفت ان ما قاله المفسرون من اسباب النزول انما هو على سبيل المثال لتوظيح الالفاظ وليست معاني الالفاظ والايات مقصورة عليها فقولهم نزلت في كذا وكذا معناه ان هذا مما يدخل فيها. ومن جملة ما يراد بها فان القرآن كما تقدم. انما نزل لهداية اول الامة واخرها. حيث تكون هو ان تكون والله تعالى قد امرنا بالتفكر والتدبر لكتابه. فاذا تدبرنا الالفاظ العامة وفهمنا ان معناها يتناول اشياء كثيرة. فلاي شيء نخرج بعض هذه المعاني مع دخول ما هو مثلها ونظيرها فيها. ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه اذا سمعت الله يقول يا ايها الذين امنوا فارعها اسمعك فانه اما خير تؤمر به واما شر تنهى عنه. فمتى مر بك خبر عن صفات الله واسمائه؟ وعما يستحقه من كمال وما يتنزه عنه من النقص فاثبت له جميع ذلك. المعنى الكامل الذي اثبته سبحانه لنفسه. ونزيه عن كل ما نزه نفسه او عنه وكذلك اذا مر بك خبر عن رسله وكتبه واليوم الاخر وعن جميع الامور السابقة واللاحقة. فاجزم جزما لا شك فيه انه حق على حقيقته. بل هو اعلى انواع الحق اعلى انواع الحق والصدق. قيلا وحديثا. واذا امر بشيء نظر الى معناه وما يدخل فيه وما لا يدخل. وعلمت ان ذلك الامر موجه الى جميع الامة وكذلك في النهي. ولهذا كانت معرفة حدود ما انزل الله على رسوله اصل كل خير اصل كل الخير والفلاح. والجهل بذلك اصل كل الشر والخسران. فمراعاة هذه القاعدة عون على معرفة حدود ما انزل الله على رسوله والقيام بها. والقرآن قد جمع قد جمع اجل المعاني وانفعها واصدقها الالفاظ واحسنها. كما قال تعالى ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. الفرقان. يوضح ذلك ويبينه وينهج طريقته. القاعدة الثالثة الالف واللام الداخلة على الاوصاف واسماء الاجناس تفيد الاستغراب بحسب ما دخلت عليه. وقد نص على ذلك اهل الاصول واهل العربية. واتفقا على اعتبار ذلك اهل العلم والايمان. فمثل قوله تعالى ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما. يدخل في هذه الاوصاف كل ما تناوله من معاني الاسلام والايمان والقنوط والصدق الى اخرها وان بكمال هذه الاوصاف يكمن لصاحبها ما رتب عليها من المغفرة والاجر العظيم. وبنقصانها ينقص وبعدمها يفقد. وهكذا كل وصف عليه اجر وثواب. وكذلك ما يقابل ذلك كل وصف نهى الله عنه ورتب عليه وعلى المتصف به عقوبة وشرا ونقصا. يكون له من ذلك حسب ما قام به من الوصف المذكور. فكل انسان هذا وصفه الا من استثنى الله بقوله الا المصلين الى اخرها. كما ان قوله والعصر ان الانسان لفي خسر دال على ان كل انسان عاقبته ومآله الى الخسارة الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وامثال ذلك كثير. واعظم ما تعتبر به هذه قاعدة بالاسماء الحسنى. فان في القرآن منها شيئا كثيرا. وهي من اجل علوم القرآن بل هي المقصد الاول للقرآن. فمثلا يخبر الله تعالى عن نفسه انه الرب الحي القيوم وانه المالك والعليم والحكيم والعزيز والرحيم والقدوس. السلام والحميد المجيد. فالله هو الذي له جميع معاني الربوبية التي يستحق ان يؤله لاجلها. وهي صفات الكمال كلها والمحامد كلها. له والفضل كله. والاحسان كله وانه لا شاركوا الله احد في معنى من معاني الربوبية. ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. لا بشر ولا ملك بل هم جميعا عبيد لربهم بكل انواع الربوبية مقهورون خاضعون لجلاله وعظمته. فلا ينبغي ان يكون احد منهم ندا ولا شريكا لله في عبادته والهيته فبربوبيته سبحانه يربى الجميع من ملائكة وانبياء وغيرهم. خلقا ورزقا تدبيرا واحياء واماتة. وهم يشكرونه على ذلك باخلاص العبادة كلها له وحده. فيؤلهونه ولا يتخذون من دونه وليا ولا شفيعا. فالالهي حقها الالهية حق له سبحانه على عباده بصفة ربوبيته. وانه الملك الذي له جميع معاني الملك وهو الملك الكامل. وهو الملك الكامل والتصرف النافذ. وان الخلق كلهم مماليك لله سبحانه وتعالى. عبيد تحت احكام ملكه القدرية والشرعية والجزائرية وانه العليم بكل شيء الذي لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء. الذي احاط علمه بالبواطن والظواهر والخفيات والجليات والواجبات والجائزات. مثال ان الله يعلم المستحيلات قوله سبحانه وتعالى لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا. هذا يتعلق بالشيء المستحيل لان مستحيل انه مستحيل ان يكون الهة مع الله. اخبر الله ان لو كان هناك الهة لفسدتا. فاخبر عن شيء لا يمكن وجوده فهذا مستحيل لا يمكن ان يقع. والامور السابقة واللاحقة والعالم العلوي والسفلي والكليات والجزئيات وما يعلم الخلق وما لا يعلمون ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم. وانه الحكيم الذي له الحكمة التامة الشاملة لجميع ما قضاه وقدره وخلقه. وجميع ما شرعه لا يخرج عن حكمته لا مخلوق ولا مشروع. وانه العزيز الذي له جميع معاني العزة على وجه الكمال التام. من كل وجه. عزة القوة وعزة الامتناع. وعزة القهر والغلبة. وان جميع الخلق في غاية الذل ونهاية الفقر ومنتهى الحاجة والضرورة الى ربهم. وانه الرحمن الرحيم الذي له جميع معاني الرحمة. الذي وسعت رحمته كل شيء ولم يخلو مخلوق من احسانه وبره طرفة عين. تبلغ رحمته حيث يبلغ علمه. حيث يبلغ علمه ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما. وانه القدوس السلام المعظم المنزه عن كل عيب وافة. ورقص وعن مماثلة احد وعن ان يكون له ند من خلقه. وهكذا بقية الاسماء الحسنى. اعتبرها بهذه القاعدة الجليلة ينفتح لك باب عظيم. من ابواب معرفة الله بل اصل الله تعالى معرفة ما تحتوي عليه اسماؤه الحسنى وتقتضيه هذه المعاني العظيمة. بحسب ما يقدر عليه العبد. والا فلن يبلغ حلم احد من الخلق بذلك. ولن يحصيه احد ثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه. وفوق ما يثني عليه عباده. ومن ذلك قوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان. يشمل جميع انواع البر والخير. وتشمل التقوى جميع ما يجب اتقاؤه من انواع المخوفات والمعاصي والمحرمات والاثم اسم جامع لكل ما يؤثم. ويوقع في المعصية كما ان العدوان اسم جامع. يدخل فيه جميع التعدي على الناس في الدماء والاموال والاعراض والتعدي على مجموع الامة وعلى الحكومات والتعدي على حدود الله. والمعروف في القرآن هو اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعا وعقلا. وعكسه المنكر والسوء والفاحشة. وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم امته الى هذه القاعدة. وارشدهم الى اعتباره اذ علمهم ان يقولوا في التشهد في الصلاة. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فقال فانكم اذا قلتم ذلك سلمتم على كل عبد صالح من في السماء والارض. رواه البخاري. القاعدة الرابعة اذا وقعت النكرة في سياق النفي او النهي او الشرط او الاستفهام دلت على العموم كقوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا فانه نهى عن الشرك به في النيات والاقوال والافعال وعن الشرك الاكبر والاصغر والخفي والجلي فلا يفعل العبد لله ندا ومشاركا في شيء من ذلك. ونظيرها قوله فلا تجعلوا لله اندادا. وقوله في وصف يوم القيامة يوم لا نفس لنفسه شيئا يعم كل نفس وانها لا تملك شيئا من الاشياء لان لاي نفس اخرى مهما كانت الصلة لا ايصال شيء من المنافع ولا دفع شيء من المضار. وكقوله تعالى وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو. وان يردك بخير فلا راد لفضله فكل ضر قدره الله على العبد ليس باستطاعة احد من الخلق كائنا من كان. كشفه بوجه من الوجوه. ونهاية ما يقدر عليه المخلوق من الاسباب ادوية انما هو جزء من اجزاء كثيرة داخلة في قضاء الله وقدره. وقوله ما يفتح ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل او من بعده. وقوله وما بكم من نعمة فمن الله يشمل كل خير في العبد ويصيب العبد. وكل نعمة فيها حصول او دفع مكروه فان الله هو المنفرد بذلك وحده. وقوله هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض لا اله الا هو واذا دخلت من صارت نصا في العموم كقوله تعالى فما منكم من احد عنه حاجزين. وقوله ما لكم من اله غيري ولها امثلة كثيرة. القاعدة الخامسة المقرر ان المفرد المضاف يفيد العموم كما يفيد ذلك اسم الجمع. فكما ان قوله تعالى حرمت عليكم امهاتكم الى اخرها يشمل كل ام انتسبت اليها وان علت وكل بنت انتسبت اليها وان نزلت الى اخر المذكورات فكذلك قوله تعالى واما بنعمة ربك فحدث فانها تشمل النعم الدينية والدنيوية وقوله تعالى قال قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين فانها تعم الصلوات كلها والانساك كلها. وجميع جميع ما في العبد آآ وجميع ما العبد فيه وعليه في حياته ومماته. الجميع من الله فضلا واحسانا. وانك قد اتيت ما اتيت من آآ منه واوقعته واخلصته لله وحده لا شريك له. وقوله تعالى واتخذوا بمقام ابراهيم مصلى. على احد القولين انه يشمل جميع مقاماته في مشاعر الحج اتخذوه معبدا واسرحوا منها ذا قوله تعالى ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا وهذا شامل لكل ما هو عليه من التوحيد والاخلاص لله تعالى والقيام بحق العبودية. واعم من ذلك واشمل قوله تعالى لما ذكر الانبياء اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. فامر الله سبحانه وتعالى ان يقتدي بجميع ما عليه المرسلون من الهدى الذي هو العلوم النافعة والاخلاق الزاكية والاعمال الصالحة والهدى المستقيم. وهذه الاية احد الادلة على الاصل المعروف ان شرعا من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه. وشرع الانبياء سابغين هو هداهم في اصول الدين وفروعه وكذلك قوله تعالى وان هذا صراط مستقيما فاتبعوه. وهذا يعم جميع ما شرعه لعباده فعلا وتركا واعتقادا ونينا وانقيادا. واضافة الى نفسه في هذه الاية في كونه واظافه الى نفسه في هذه الاية لكونه هو الذي نصبه لعباده. كما اضافه الى الذين انعم عليهم في قوله صراط الذين انعمت عليهم. لكونه هم السالكين له. فصراط الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ما اتصفوا به من العلوم والاخلاق والاوصاف والاعمال. وكذلك قوله ولا يشرك بعبادة ربه احدا. يدخل في ذلك جميع العبادات الظاهرة والباطنة. والعبادات الاعتقادية والعملية. كما ان الله كما ان وصف الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالعبودية المضافة اليه. كقوله سبحانه وتعالى سبحان الذي اسرى بعبده. وكقوله وان كنتم في ريب مما نزلنا عليكم على عبدنا وقوله تبارك الذي نزل الفرقان على عبده تدل على انه وفي جميع مقامات العبودية حيث نال اشرف المقامات بتو وفيته لجميع مقامات العبودية. وقوله اليس الله بكاف عبده؟ فكلما كان العبد اقوم بحقوق العبودية كانت كفاية الله له اكمل واتم وما نقص منه نقص من الكفاية بحسبه. وقوله وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر وقوله انما قولنا لشيء اذا ان نقول له كن فيكون يشمل جميع اوامره القدرية الكونية. وهذا في القرآن شيء كثير. القاعدة السادسة في طريقة القرآن في تقرير بالتوحيد ونفي ضده. القرآن كله لتقرير التوحيد ونفي ضده. واكثر الايات يقرر الله فيها توحيد الالوهية. واخلاص العبادة لله وحده لا شريك له. ويخبر هو ان جميع الرسل انما ارسلت تدعو قومها الى الى ان يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا. وان الله تعالى انما خلق الجن والانس ليعبدوه. لماذا لم يكن تقرير الانبياء ودعوتهم الى توحيد الربوبية. لان توحيد الربوبية كانوا مقرين به لا ينكرونه ولم ينكر احد توحيد الربوبية ابدا الا مكابرة. والا ما في احد حد يعتقد ان هذا الكون آآ خلق نفسه ابدا حتى المجوس الثانوية يرون ان للعالم خالقين ومع هذا يرون ان احد تلقى ان احد الخالقين اكمل من الثاني. يرون ان النور يخلق الخير والظلمة تخلق الشر ويقولون ان النور اله خير نافع والظلمة اله اله شر شر شرير. ويظن ايضا بعظهم ان هذه الظلمة حادثة بعد ان لم تكن بخلاف النور. وعلى هذا وعلى كل حال ما تجد احدا من الخلق يقولون ان هذا العالم خلق بغير بدون خالق ابدا الا مكابر. والمكابر مشرك. اما الالوهية انه هو الذي وقع فيها النزاع والجدال بين الرسل واممهم. وان الكتب والرسل بل الفطر والعقول السليمة وان الكتب والرسل بل الفطر والعقول السليمة كلها اتفقت على هذا الاصل. الذي هو اصل الاصول كلها وانما يد بهذا الدين الذي هو اخلاص العبادة والقلب والعمل لله وحده فعمله باطل. لان اشركت ليحبطن عملك. ولو اشركوا عنهم ما كانوا يعملون. ويدعو العباد الى ما تقرر في فطرهم وعقولهم من ان الله المنفرد بالخلق والتدبير. والمنفرد بالنعم الظاهرة او الباطنة هو الذي يستحق العبادة وحده. ولا ينبغي ان يكون شيء منها لغيره. وان سائر الخلق ليس عندهم اي قدرة على خلق ولا نفع ولا دفع ضر عن انفسهم فضلا عن عن ان يغنوا عن احد غيرهم من الله شيئا. عن احد غيرهم من الله شيئا. ويدعو ايضا الى هذا الاصل بما يتمتع به ويثني على نفسه الكريمة. من تفرده بصفات العظمة والمجد والجلال والكمال. وان من له هذه هذا الكمال المطلق الذي لا يشارك فيه مشارك احق من اخلصت له الاعمال الظاهرة والباطنة. ويقرر هذا التوحيد بانه هو الحاكم وحده فلا يحكم وغيره شرعا ولا جزاء. ان ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه. وتارة يقرر هذا بذكر محاسن التوحيد. وانه الدين وحيد الواجب شرعا وعقلا وفطرة على جميع العبيد. وبذكر مساوئ الشرك وقبحه واختلال عقول اصحابه بعد اختلال اديانهم. وتقليب افئدتهم وكونهم اضل وكونهم اضل من الانعام سبيلا. وتارة يدعو اليه بذكر ما رتب عليه من الجزاء الحسن في الدنيا والاخرة والحياة الطيبة في الدور الثلاث. وما رتب على ضده من العقوبات العاجلة والاجلة. وكيف كانت عواقب المشركين آآ اسوأ العواقب وشرها. وبالجملة فكل خير عاجل واجل فانه من ثمرات التوحيد. وكل شر عاجل واجل فانه من ثمرات الشرك. والله القاعدة السابعة. في طريقة القرآن في تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. هذا الاصل الكبير قرره الله تعالى في كتابه بالطرق المتنوعة التي يعرف بها كمال صدقه صلى الله عليه وسلم. فاخبر انه صدق المرسلين ودعا الى ما دعوا اليه. وان المحاسن التي في الانبياء اه في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وما نزهوا عنه من النقائص والعيوب. فرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم اولاهم واحقهم بهذا التنزيل. وان شريعته مهيمنة على جميع الشرائع. وكتابه مهيمنا على كل الكتب. فجميع محاسن الاديان والكتب قد جمعها الله في هذا الكتاب وفي هذا الدين. وفاق وفاق عليها بمحاسن واوصاف لم توجد في غيره. وقرر نبوة بانه امي لا يكتب ولا يقرأ. ولا جالس احدا من اهل العلم بالكتب السابقة. بل لم يفجأ الناس الا وقد جاءهم بهذا الكتاب. الذي اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثله. ما اتوا ولا قدروا ولا هو في استطاعتهم. ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وانه محال مع هذا ان يكون ومن تلقاء نفسه او ان يكون قد تقوله على ربه او ان يكون على الغيب ضنينا. واعاد القرآن وابدى في هذا النوع. وقرر ذلك لانه يخبر بقصص الانبياء السابقين مطولة على جميع الواقع. الذي لا يستريب فيه احد ثم يخبر تعالى انه ليس له طريق لا وصول الى هذا الا بما اتاه الله من الوحي. كمثل قوله تعالى لما ذكر قصة موسى مطولة وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا يا موسى الامر ولما ذكر قصة يوسف واخوته مطولة قال وما كنت لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون. فهذه الامور والاخبار المفصلة التي يفصلها الرسول صلى الله عليه وسلم. بما اوحى اليه بما اوحي اليه تفصيلا. صحح به اكثر الاخبار. والحواجز حوادث التي كانت في كتب اهل الكتاب المحرفة. محرفة ومشوهة بما اضافوا اليها من خرافات واساطير. حتى ما يتعلق منها بعيسى وولادتهما ونشأتهما وبموسى وولادته ونشأته كل ذلك وغيره. لم يكن يعرفه اهل الكتاب على حقيقته حتى جاء القرآن فقص ذلك على ما وقع وحصل. مما ادهش اهل الكتاب وغيرهم. واخرس السنتهم حتى لم يقدر احد منهم ممن كان في وقته ولا ممن كانوا بعد ذلك ان يكذبوا بشيء منها. فكان ذلك من اكبر الادلة على انه رسول من الله حقا. وتارة يقرر نبوته بكماله حكمة الله سبحانه وتعالى. وتمام قدرته. وان تأييده لرسوله صلى الله عليه وسلم. ونصره على اعدائه وتمكينه في الارض. هو مقتضى حكمه رحمتي ورحمة العزيز الحكيم. وان من قدح في رسالته فقد قدح في حكمة الله وفي قدرته. وفي رحمة الله بل وفي ربوبيته وكذلك قصره وتأييده الباهر لهذا النبي صلى الله عليه وسلم. على الامم الذين هم اقوى اهل الارض من ايات من ايات رسالته وادلة توحيده كما هو ظاهر للمتأملين. وتارة يقرر نبوته ورسالته بما جمع له وكمل به من اوصاف الكمال. وما هو عليه من الاخلاق الجميلة وان كل خلق كل خلق عال سام فلرسول صلى الله عليه وسلم منه اعلاه واكمله. فمن عظم وصفاته وفاقت نعوته جميع الخلق التي اعلاها الصدق والامانة. اليس هذا اكبر الادلة على انه رسول رب العالمين؟ والمصطفى اختاروا من الخلق اجمعين وتارة. يقررها بما هو موجود في كتب الاولين. وبشعارات الانبياء والمرسلين السابقين. اما باسمه العلم او باوصافه واوصى في امته واوصاف دينه كما في قوله تعالى ومبشرا برسوله يأتي من بعدي اسمه احمد. وتارة يقرر رسالته بما ومن الغيوب الماضية والغيوب المستقبلة التي وقعت في زمان مضى على زمانه او وقعت في زمانه والتي لا تزال تقع في تقع في في كل وقت فلولا الوحي ما وصل اليه شيء من هذا ولا كان له ولا لغيره طريق الى العلم به. وتارة يقررها بحفظه اياه له من الخلق مع تكالب الاعداء وضغطهم عليه. وجدهم التام في الايقاع به بكل ما في وسعهم. والله يعصمه ويمنعه منهم وينصره عليهم وماذا الا لانه رسوله حقا. وامينه على وحيه. والمبلغ بما امر به. وتارة يقرر رسالته بذكر عظمة ما جاء به وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ويتحدى اعداءه ومن كفر به ان يأتوا بمثله او بعشر سور مثله او في سورة واحدة فعجزوا ونقصوا وباءوا بالخيبة والفشل وهم اهل اللسان المبرزون. المبرزون في ميدان القول والفصاحة ومع ذلك استطاعوا مع شدة حرصهم ومحاولتهم ان يأتوا بصورة منه. وما استطاعوا ولا قدروا مع شدة حرصهم ومحاولتهم. ان يجدوا فيه نقصا او عيبا ينزل به من اعلى درجات الفصاحة التي ملكت ازمتي ازمة قلوبهم. فلجأوا الى السيف واراقة دمائهم. وما كانوا يعمدون الى اهذا لولا انهم لم يجدوا سبيلا الى محاربته بالقول وما كانوا يزعمونه عندهم علوما وحكما؟ فكان عدولهم قم الى السيف واراقة الدماء اكبر الادلة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم. وانه لا ينطق عن الهوى. ان هو الا وحي يوحى. واقطع البراهين على انه الحق والهدى من عند الله الذي جمع الله فيه لرسوله وللمؤمنين به كل ما يكفل لهم سعادة الدنيا والاخرة في كل شؤونهم هذا القرآن لاكبر ادلة ادلة اكبر ادلة رسالته. واجلها واعمها والله تعالى يقرر ان القرآن كاف جدا ان يكون هو الدليل الوحيد على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع عدة. منها قوله او لم يكفهم انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليه ان في ذلك رحمة وذكرى لقومه يؤمنون. وتارة يقرر رسالته بما اظهر على يديه من المعجزات وما اجرى له من الخوارق والكرامات ده لكل واحد منها منها بمفرده. فكيف اذا اجتمعت على انه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى كده هو الا وحي يوحى. فتارة يقررها بعظيم شفقته على الخلق. وحلوه الكامل على امته. وانه بالمؤمنين رؤوف رحيم وانه لم يوجد ولن يوجد احد من الخلق اعظم شفقة ولا برا واحسانا الى الخلق منه. واثار ذلك ظاهرة للناظرين فهذه الامور والطرق قد اكثر الله من ذكرها في كتابه وقررها بعبارات متنوعة ومعان مفصلة واساليب عجيبة وامثلتها تفوق عد والاحصاء والله اعلم. القاعدة الثامنة. طريقة القرآن في تقرير المعاد. وهذا الاصل الثالث من الاصول التي اتفقت عليها الرسل والشرائع كلها. وهي التوحيد والرسالة وامر المعادي وحشر العباد. وهذا قد اكثر الله من ذكره في كتابه الكريم بطرق متنوعة. منها اخباره وهو اصدق القائلين عنه وعن ما يكون فيه من الجزاء الاوفى. مع اكثار الله من ذكره فقد اقسم عليه في ثلاث مواضع من كتابه فقوله تعالى لا اقسم بيوم القيامة. ومنها الاخبار بكمال قدرته تعالى ونفوذ مشيئته وانه لا يعجزه شيء. فاعادة العباد بعد موتهم فرد من افراد اثار قدرته. ومنها تذكيره العباد بالنشأة الاولى. وان الذي اوجدهم ولم يكونوا شيئا مذكورا لابد ان يعيدهم كما بدأهم. وان الاعادة اهون عليه. واعاد هذا المعنى في مواضع كثيرة باساليب متنوعة ومنها احياؤه الارض الهامدة الميتة بعد موتها. وان الذي احياها سيحيي الموتى وقرر ذلك بقدرته على ما هو اكبر لذلك وهو خلق السماوات والارض والمخلوقات العظيمة فمتى اثبت المنكرون ذلك؟ لن يقدروا على انكاره. فلاي شيء يعيدون احياء الموتى. وقرر ذلك بسعة علمه وكمال قدرته وانه لا يليق به. ولا يحسن ان يترك خلقه سدى. مهملين لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون. وهذا طريق قرر به النبوة والامر الميعاد. ومما قرر به البعث ومجازاة المحسنين باحسان والمسيئين باساءتهم ما اخبر به من ايامه وسننه سبحانه وتعالى في الامم الماضية والقرون الغابرة. وكيف نجي الانبياء واتباع اتباعهم واهلك وكيف نجى الانبياء واتباعهم؟ واهلك المكذبين لهم المنكرين للبعث ونوع عليهم العقوبات واحل به المثولات فهذا جزاء معجل ونموذج من جزاء الاخرة. اراده اراه الله سبحانه وتعالى عباده ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن ميت ومن ذلك ما ارى الله عباده من احياءه الموتى في الدنيا. كما ذكره الله عن صاحب البقرة والالوف من بني اسرائيل. الذين مر على قرية والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها. وقصة ابراهيم الخليل. ابراهيم الخليل والطيور واحياء عيسى ابن مريم للاموات وغيرها مما اراه الله سبحانه وتعالى عباده في هذه الدار. ليعلموا انه قوي ذو اقتدار. وان العبادة لا بد ان يرد الى دار القرار اما الجنة واما النار. وهذه المعاني ابداها الله واعادها في محال كثيرة والله اعلم القاعدة التاسعة في طريقة القرآن في امر المؤمنين وخطابهم للاحكام الشرعية. قد امر الله تعالى بالدعاء على سبيله الى سبيله بالتي هي احسن. اي باقرب طريق موصل للمقصود. محصل للمطلوب. ولا شك ان الطرق التي سلكها الله في خطاب عباده المؤمنين باحكام شرعية هي احسنها واقربها. فاكثر ما يدعوهم الى الخير وينهاهم عن الشر بالوصف الذي من عليهم به وهو الايمان فيقول يا ايها الذين امنوا افعلوا كذا واتركوا كذا. لان في ذلك دعوة لهم من وجهين. احدهما من جهة الحث على القيام بلوازم ايمان وشروطه ومكملاته فكأنه يقول يا ايها الذين امنوا قوموا بما يقتضيه ايمانكم من امتثال الاوامر واجتناب النواهي والتخلق بكل خلق حميد والتجنب فان الايمان الحقيقي هكذا يقتضي. ولهذا اجمع السلف ان الايمان يزيد وينقص وان جميع شرائع الدين الظاهرة فاطمة من الايمان ولوازمه كما دلت هذا على هذا الاصل كما دلت على هذا الاصل الادلة الكثيرة من من الكتاب والسنة وهذا احدها حيث يصدر الله امرا يصدر الله امر المؤمنين بقوله يا ايها الذين امنوا. او يعلق فعل ذلك على الايمان. وان او لا يتم الايمان الا بذلك المذكور. والوجه الثاني ان يدعوهم بقوله تعالى يا ايها الذين امنوا افعلوا كذا او اتركوا كذا او يعلق ذلك بالايمان يدعوهم بمنته عليهم بهذه المنة التي هي اجل المنن. اياما من الله عليهم بالايمان قوموا بشكر الله آآ بشكر هذه النعمة بفعل كذا وترك كذا. فالوجه الاول دعوة لهم ان يتمموا ايمانهم ويكملوه بالشرائع الظاهرة والباطنة. والوجه الثاني دعوة وهم الى شكر نعمة الايمان ببيان تفصيل هذا الشكر وهو الانقياد التام لامره ونهيه. وتارة يدعو المؤمنين الى الخير وينهاهم عن الشر بذكر الخير يعاق عواقبه الحميدة العاجلة والاجلة. وبذكر اثار الشر وعواقبهم الوخيمة في الدنيا والاخرة. وتارة يدعوهم الى ذلك. بذكر نعمه المتنوعة والاءه الجزيلة. وان النعم تقتضي فهم الغياء القيام تقتضي منهم القيام بشكرها. وشكرها هو القيام بحقوق الايمان. وتارة يدعوهم الى ذلك في الترغيب والترهيب ويذكر ما اعد الله للمؤمنين الطائعين من الثواب وما للعصاة من العقاب. وتارة يدعوهم الى وذلك بذكر ما له من الاسماء الحسنى وما له من الحق العظيم. على عباده. اه وان حقه وان حقه عليهم ان يقوم بعبوديته ظاهرا وباطنا. ويتعبد له وحده ويدعوه باسمائه الحسنى وصفاته المقدسة. فالعبادات كلها شكر لله وتعظيم وتكبير واجلال واكرام ود اليه وتقرب منه. وتعرف من يدعوهم الى ذلك لاجل ان يتخذوه وحده وليا وملجأ وملاذا ومعاذا. ومفزعا اليه في الامور كلها وينيب وينيب اليه في كل حال. ويخبرهم ان هذا هو اصل سعادة العبد وصلاحه وفلاحه وانه لم يدخل في ولاية الله. وتوليه الخاص تولاه عدوه الذي يريد له الشر والشقاء. وانه ان لم يدخل في ولاية الله وتوليه الخاص تولاه عدو وهو عدوه. الذي يريد له الشر والشقاء. ويمنيه ويغره حتى يفوته المنافع والمصالح ويوقعه في المهالك وهذا كله مبسوط في القرآن بعبارات متنوعة. وتارة من يحثهم على ذلك ويحذرهم من التشبه باهل الغفلة والاعراض والاديان لان لا يلحقهم يلحقهم من اللوم ما لحق اولئك الاقوام. كقوله ولتكونن من الخاسرين. وقوله فتكونن من وقوله ولا تكن من الغافلين وقوله الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل. فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون. الى غير ذلك من ايات القاعدة العاشرة. في طرق القرآن الى دعوة الكفار على اختلاف مللهم. يدعوهم الى الاسلام والايمان بمحمد صلى الله الله عليه وسلم بما يصفه من محاسن شرعه ودينه. وما يذكره من براهين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. ليهتدي من قصد الحق والانصاف وتقوم الحجة على المعالج. وهذه اعظم طريق يدعى بها جميع المخالفين لدين الاسلام. فان محاسن دين الاسلام ومحاسن النبي صلى الله عليه وسلم واياته وبراهينه فيها كفاية تامة للدعوة بقطع النظر عن ابطال شبههم وما يحتجون به. فان الحق اذا اتصح اذا اتضح علم ان كل ما خالفه فهو باطل وضرر. ويدعوهم بما يخوفهم من احداث الامم وعقوبات الدنيا والاخرة وبما في ذلك من الاديان الباطلة في من انواع الشرور والعواقب الخبيثة وانها انما تقوم على الغفلة والتكذيب لايات الله الكونية والعلمية. بالوقوع تحت سلطان الجهل وتقليد الاعمال الاباء والشيوخ والسادة. ويحذرهم من طاعة هؤلاء الرؤساء فانهم رؤساء الشر ودعاة النار وانهم لابد ان تتقطع نفوسهم على ما وقدموه حسرات وانهم يتمنون ان لو اطاعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يطيعوا السادة والرؤساء. وان مودتهم وصداقتهم ستتبدل بغضا وعداوة. ويدعوهم ايضا بنحو ما يدعو المؤمنين بذكر الائه ونعمه. وان المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة هو الذي يجب على العباد طاعته وامتثال امره واجتناب نهيه. ويدعوهم ايضا بشرح ما في اديانهم الباطلة. وما احتوت عليه من القبح ويقارن بينها وبين دين الاسلام. ليتبين ويتضح ما يجب ايثاره وما يتعين اختياره. ويدعوهم بالتي هي احسن. فاذا وصلت الحال الى العناد والمكابرة الظاهرة توعدهم بالعقوبات الصوارم. وبين للناس طريقتهم التي كانوا عليها وانهم لم يخالفوا الدين جهلا وضلالا او لقيام شبهة اوجبت لهم التوقف وانما ذلك جحود ومكابرة وعناد. وبين لهم مع ذلك الاسباب التي منعتهم عن متابعة الهدى مع رياسات واغراض نفسية. وانهم لما اثروا الباطل على الحق طبع على قلوبهم وختم عليها. وسد عليهم طريق الهدى عقوبة على اعراضهم وتوليهم الشيطان واعراضهم عن الرحمن وانه ولاهم ما تولوا لانفسهم. وهذه المعاني الجزيلة مبسوطة في القرآن في مواضع كثيرة. فتأمل وتدبر القرآن لتجدها واضحة جلية. والله اعلم. القاعدة الحادية عشرة مراعاة دلالة التضمن مطابقة والالتزام. كما ان المفسرين القرآن يراعي ما دلت عليه الفاظه مطابقة وما دل في ضمنها فعليه ان يراعي لوازم تلك المعاني تستدعيه من المعاني التي لم يعرج في اللفظ على ذكرها. وهذه القاعدة من اجل قواعد التفسير وانفعها. وتستدعي قوة فكر وحسن وصحة قصد فان الذي انزله للهدى والرحمة هو العالم بكل شيء. الذي احاط علمه بما تكن الصدور وما تضمنه القرآن من المعاني وما يتبعها وما يتقدمها وتتوقف هي عليه ولهذا اجمع العلماء. على الاستدلال باللوازم في كلام الله لهذا السبب والطريق الى سلوك هذا الاصل النافع. ان تفهم ما دل عليه اللفظ من المعاني فاذا فهمتها فهما جيدا. ففكر في الامور التي تتوقف عليها ولا تحصل بدونها. وما يشترط لها. وكذلك فكر فيما يترتب عليها وما يتفرع عنها. وينبغي عليها واكثر من هذا التفكير اكثر من هذا التفكير وداوم عليه واكثر من هذا التفكير وداوم عليه حتى تصير لك ملكة جيدة في الغوص على المعاني الدقيقة فان القرآن حق لازم الحق حق وما يتوقف عن الحق حق وما يتفرع عن الحق حق. ذلك كله حق ولا بد. فمن وفق لهذه الطريقة واعطاه الله توفيقا ونورا انفتحت له في القرآن العلوم النافعة. والمعارف الجليلة والاخلاق السامية والاداب الكريمة العالية. ولنمثل لهذا الاصل امثلة توضحه. منها في اسماء الله الحسنى الرحمن الرحيم. فانها تدل بلفظها على وصفه بالرحمة. وسعة رهبته. فاذا فهمت ان الرحبة التي لا يشبهها رحمة. هي فوصفه الثابت وانه اوصل رحمته الى كل مخلوق. ولم يخلو احد من رحمته طرفة عين. عرفت يا عم هذا الوصف يدل على هذه حياته وكمال قدرته واحاطة علمه ونفوذ مشيئته. وكمال حكمته لتوقف الرحمة على ذلك كله. ثم بسعة رحمته على ان شرعه نور ورحمة. ولهذا يعلل يعلل الله تعالى كثيرا من الاحكام برحمته واحسانه. لانها من مقتضاها واثارها. ومنها قوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل اذا فهمت ان الله امر باداء الامانة الى اهلها استدللت بذلك على وجوب حفظ الامانة وعدم اضاعتها والتفريط والتعدي فيها. وانه لا يتم الادب هؤلاء اهلها الا بذلك. واذا فهمت ان الله امر بالحكم بين الناس بالعدل. استدللنا بذلك على ان كل حاكم بين الناس في الامور الكبار والصغار لابد ان يكون عالما بما يحكم به. فان كان حاكما عاما فلا بد ان ان يحصل من العلم ما يؤهله ما يؤهله الى وان كان حاكما ببعض الامور الجزئية كالشقاق بين الزوجين حيث امر الله سبحانه وتعالى ان نبحث ان نبعث حكما من اهله وحكما من اهلها فلابد ان يكون عارفا بهذا الامور الذي يريد ان يحكم فيها ويعرف الطريق التي توصله الى الصواب منها. وبهذا بعينه نستدل على وجوب طلب العلم. وانه فرض عين في كل امر يحتاجه العبد. فان الله امرنا اوامر كثيرة ونهانا عن امور كثيرة. ومن المعلوم اما امتثال امره ان امتثال امره وشناب نهيه يتوقف على معرفة المأمور به والمنهي عنه وعلمه. فكيف يتصور ان ان يتمثل الجاهل الامر الذي لا يعرفه. او يتجنب النهي الذي لا يعرفه. وكذلك امره لعباده. ان يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. يتوقف بالمعروف والمنكر ليأمروا بهذا وينهوا عن هذا فما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. وما لا يحصل ترك البديهي عنه الا به فهو وواجب فالعلم بالايمان والعمل الصالح متقدم على القيام به والعلم بضد ذلك متقدم على تركه لاستحالة في تركيبة لا يعرفها العبد قصدا وتقربا وتعبدا. حتى يعرفه ويميزه عن غيره. ومن ذلك الامر بالجهاد والحث عليه باللازم ذلك الامر بكل ما لا يتم الجهاد الا به. من تعلم الرمي بكل ما يرمى به والركوب لكل ما يركب. وعمل الاته صناعاته مع ان ذلك كله داخل دخول مطابقة في قوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. فانها تتناول كل قوة عقلية وبدنية وسياسية وصناعية ومالية ونحوها. ومن ذلك ان الله استشهد باهل العلم على توحيده وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكته. وهذا يدل على عدالتهم. وانهم حجة من الله تعالى على من كذب بمنزلة اياته وادلته. ومن ذلك سؤال عباد الرحمن ربهم ان يجعلهم للمتقين اماما. يقتضي سؤالهم الله جميع ما تتم به الامامة في الدين من علوم ومعارف جليلة واعمال صالحة واخلاق فاضلة. لان سؤال العبد لربه شيئا. سؤال له وما لا يتم الا به كما اذا سأل العبد الله الجنة واستعاذ به من النار فانه يقتضي سؤاله كلما يقرب الى هذه ويبعد من هذه ومن ذلك ان الله امر وبالصلاح والاصلاح واثنى على المصلحين واخبر انه لا يصلح عمل المفسدين فيستدل بذلك على ان كل امر فيه صلاح للعباد في امر دينهم ودنياهم وكل امر يعين على ذلك فانه داخل في امر الله وترغيبه. وان كل فساد وظرر وشر فانه داخل في نهيه والتحذير عنه انه يجب تحصيل كل كل ما يعود الى الصلاح والاصلاح بحسب استطاعة العبد. كما قال شعيب عليه السلام اذ اريد الا الاصلاح ما استطعت. ومن ذلك قوله تعالى وبشر المؤمنين وقوله يحرض المؤمنين على القتال. يقتضي الامر بكل ما لا تتم البشارة الا به. والامر بكل ما فيها حث وتحريض على القتال وما يتوقف على ذلك. ويتبعه من الاستعداد والتمرد على اسباب الشجاعة والسعي المعنوية من التآلف واجتماع الكلمة ونحو ذلك. ومن ذلك الامر بتبليغ الاحكام الشرعية والتذكير بها وتعذيبها فان كل امر يحصل به التبليغ وايصال الاحكام الى المكلفين يدخل في ذلك. حتى انه يدخل فيه اذا ثبتت الاحكام الشرعية. ووجدت اسبابها وكانت تخفى عادة كثبوت الصيام والفطر والحج وغيره بالاهلة. ابلاغها بالاصوات والروي وابلاغها بما هو ابلغ من ذلك كالبرقيات ونحوها وكذلك يدخل فيه كل ما اعان على ايصال الصوت الى السابعين. من الالات الحادثة فحدوثها لا يقتضي منعها كل امر يرفع الناس فان القرآن لا يمنعه. بل يدل عليه لمن احسن الاستدلال وانتفع والانتفاع به. وهذا من ايات في القرآن واكبر براهينه. انه لا يمكن ان يحدث علم صحيح ينقض شيئا منه. فانه يرد بما تشهد به العقول جملة وتفصيلا او يرد بما لا تهتدي اليه العقول. وابى وروده بما تحيله العقول الصحيحة وتبلعه فهذا محال والتجربة شاهدان بذلك. فانه اما توسعت الاختراعات. وعظمة الصناعات وعظمت الصناعات. وتبحرت المعارف الطبيعية وظهر في هذه الاوقات ما كانوا يجهلونه قبل ذلك فان القرآن ولله الحمد لا يخبر باحالته بل نجد بعض الايات الايات فيها وارشادات تدل عليه. وقد ذكرنا شيئا من ذلك في غير هذا الموضع. والله اعلم واحكم. وبالله التوفيق القاعدة الثانية عشرة. الايات القرآنية التي يفهم منها قصار النظر التعارض يجب حمل كل نوع منها على ما يليق ويناسب المقام كل بحسبه. وهذا في مواضع متعددة من القرآن. منها الاخبار في بعض الايات ان الكفار لا ينطقون لا يتكلمون يوم القيامة. وفي بعضها انهم ينطقون ويحاجون ويعتذرون ويعترفون. فما حمل كلامهم ونطقهم انهم في اول الامر يتكلمون ويعتذرون وقد ينكرون ما هم عليه من الكفر. ويقسمون على ذلك ثم اذا ختم على السنتهم وافواههم وشهدت عليهم جوارحهم هم بما كانوا يكسبون. ورأوا ان الكذب غير مفيد لهم اخرسوا فلم ينطقوا. وكذلك الاخبار بان الله تعالى لا يكلمهم ولا ينظر اليهم يوم القيامة مع انه اثبت الكلام لهم معه. فالنفي واقع على الكلام الذي يسرهم. ويجعل لهم نوع اعتبار. وكذلك النظر والاثبات واقع على الكلام الواقع بين الله وبينهم على وجه التوبيخ لهم والتقريع. فالنفي يدل على ان الله ساخط عليهم. غير راض عنهم اثبات يوضح احوالهم ويبين للعباد كما لعدل الله فيهم. اذ هو يضع العقوبة وموضعها. ونظير ذلك ان في بعض الايات اخبر انه لا يسأل عن ذنبه انس ولا جان. وفي بعضها انه يسألهم ما كنتم تعبدون. وماذا اجبتم المرسلين؟ ويسألهم عن اعمالهم كلها فؤاد المنفي هو سؤال الاستعلام والاستفهام عن الامور المجهولة فانه لا حاجة الى سؤالهم مع كمال علم الله واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم وجليل ودقيقها. والسؤال المثبت واقع على تقريرهم باعمالهم وتوبيخهم واظهار ان الله حكم فيها بعدله وحكمته. ومن ذلك الاخبار في بعض الايات انه لا انساب بين الناس يوم القيامة. وفي بعضها اثبت لهم ذلك. فالمثبت هو الامر الواقع والنسب الحاصل بين الناس كقوله تعالى يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه الى اخرها. والمنفي هو الانتفاع بها فان الكفار يدعون ان انسابهم تنفعهم يوم القيامة. فاخبر الله تعالى انه يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم. ونظير ذلك الاخبار في بعض الايات ان النسب نافع يوم القيامة كما في الحاق ذرية المؤمنين بابائهم في الدرجات. وان لم يبلغوا منزلتهم وان الله يجمع الجنات والدرجات العالية من صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم. فهذا لما اشتركوا في الايمان واصل الصلاح زادهم من فضله وكرمه. من غير ان ينقص من اجور السابقين لهم شيئا. ومن ذلك الشفاعة فانه اثبت في عدة مواضع ونفها في مواضع من القرآن. وقيدها في بعض المواضع باذنه لمن ارتضى من خلقه فتعين حمل المطلق على المقيد وانها حيث نفيت فهي الشفاعة بغير اذنه ولغير من رضي الله قوله وعمله وحيث اثبتت فهي الشفاعة التي باذنه لمن رضيه الله واذن فيه. ومن ذلك ان الله اخبر في اية كثيرة انه لا القوم الكافرين والفاسقين والظالمين ونحوها. وفي بعظها انه يهديهم ويوفقهم. فتعين حمل المنفيات على من حقت عليه كلمة الله لقوله تعالى ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم. والحملة المثبت منها على ما لم ما لم تحق عليهم الكلمة. وانما حقت كلمة الله بالعذاب والطرد على من ارتكسوا في حمأة التقليد. وغرقوا في في بحر في بحر الغفلة وابوا ان يستجيبوا لداعي ايات الله الكونية والعلمية. فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم والذين اهتدوا زادهم هدى كلمته الازلية يعني الذي قدر عز وجل انهم في النار فهم لا يؤمنون. وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه. ومن ذلك الاخبار في بعض الايات انه العلي الاعلى وانه فوق عباده وعلى عرشه وفي بعضها انه مع العبادة اينما كانوا وانه مع الصابرين والصادقين والمحسنين ونحوهم فعلوه تعالى امر ثابت له وهو من لوازم ذاته ودنوه ومعيته لعباده. لانه اقرب الى كل احد من حبل الودير فهو على عرشه حري على خلقه ومع ذلك فهو معهم في كل احوالهم لا منافاة بين الامرين. لان الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع نعوته وما يتوهم بخلاف ذلك فانه في حق المخلوقين. واما تخصيص المعية بالمحسنين ونحوها فهي معية اخص من المعية العامة. تتضمن محبتهم وتوفيقهم وكنائتهم واعانتهم في كل احوالهم. فحيث وقعت في سياق المدح والثناء فهي من هذا النوع. وحيث وقعت في سياق التحذير والترغيب والترغيب فهي من النوع الاول. ومن ذلك النهي في كثير من الايات عن موالاة الكافرين وعن موادتهم والاتصال بهم. وفي بعضها الامر بالاحسان الى من له حق على الانسان منهم ومصاحبته بالمعروف كالوالدين والجار ونحوهم. فهذه الايات العامات من الطرفين فقد وظحها الله غاية التوضيح في قوله لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم او تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله ويحب المنقسطين. انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون. فالنهي واقع على التولي والمحبة لاجل الدين. والامر بالاحسان والبر واقع على الاحسان لاجل القرار او لاجل الجيرة او الانسانية على وجه لا يخل لا يخل بدين الانسان. ومن ذلك انه اخبر في بعض الايات ان الله خلق الارض ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات وفي بعضها انه لما اخبر عن خلق السماوات اخبر ان الارض بعد ذلك فهذه الاية تفسر المراد وان خلق الارض متقدم على خلق السماوات ثم لما خلق الله السماوات بعد السماوات بعد ذلك دح الارض فاودع فيها مصالح المحتاج اليها اليها سكانها. ومن ذلك انه تارة يخبر انه بكل شيء وتارة يخبر بتعلق علمه ببعض اعمال العباد وبعض احوالهم. وهذا الاخير فيه زيادة معنى وهو يدل على المجازاة على كذلك العمل سواء كان خيرا او شرا. فيتضمن مع احاطة علمه الترغيب والترهيب. ومن ذلك الامر بالجهاد في ايات كثيرة وفي بعض الايات الامر بكف الايدي والاخلاد الى السكون. فهذه حين كان المسلمين ليس حين كان المسلمون ليس لهم قوة. ولا قدرة على الجهاد باليد والايات الاخرى حين قوي وصار ذلك عين المصلحة. والطريق الى قمع الاعداء. ومن ذلك انه تارة يضيف الاشياء الى اسبابها التي وقعت وتقع بها. وتارة يضيفها الى عموم قدره. وان جميع الاشياء واقعة بارادته ومشيئته. فيفيد مجموع الامرين اثبات التوحيد وتفرد الباري بايقاع الاشياء بقدرته ومشيئته. واثبات الاسباب والمسببات والامر بالمحبوب منها والنهي عن المكروه واباحة مستوى الطرفين. فيستفيد المؤمن الجد والاجتهاد في الاخذ بالاسباب النافعة وتدقيق وملاحظة فضل الله في كل احواله. والا يتكل على نفسه في امر من الامور بل يتكل على الله ويستعين بربه. وقد يخبر ان ما اصاب عبدا من حسنة فمن الله. وما اصاب من سيئة فمن نفسه. ليعرف عباده ليعرف عباده ان الخير والحسنات والمحاب. تقع بمحض فضله وجوده وان جرت ببعض الاسباب الواقعة من العباد. فانه هو الذي انعم بالاسباب وهو الذي يسرها. وان السيئات وهي المصائب التي تصيب العبد فانما اسبابها من نفس العبد وبتقصيره في حقوق ربه وتعديه لحدوده. فالله وان كان هو المقدر لها فانه قد اجراها على العبد بما كسبت يداه. ولهذا امثلة يطول عبدها. القاعدة الثالثة عشرة. طريقة القرآن في الحجاج والمجادلة مع اهل للاديان الباطلة. قد امر الله تعالى بالمجادلة التي بالتي هي احسن. ومن تأمل الطرق التي نصب الله المحاجة بها مع المبطلين على ايدي رسل على ايدي رسله رآها من اوضح الحجج واقواها واقومها وادلها على احقاق الحق وازهاق الباطل على وجه لا تشويش فيه ولا ازعاج تأمل محاجة الرسل مع اممهم وكيف دعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له. من جهة انه المتفرد بالربوبية والمتوحد بالنعم وهو هو الذي اعطاهم العافية والاسماع والابصار والعقول والارزاق وسائر اصناف النعم. كما انه المنفرد بدفع النقم وان احدا من الخلق ليس يقدر على رفع ولا دخل ولا ضر ولا نفع فانه بمجرد معرفة العبد ذلك واعترافه به لابد ان ينقاد للدين الحق الذي به تتم النعمة وهو الطريق الوحيد وكثيرا ما يحتج على المشركين في شركهم وعبادتهم لالهتهم من دون ربهم بالزامهم. باعترافهم بربوبيته وانه الخالق لكل شيء والرزاق لكل شيء فيتعين ان يكون هو المعبود وحده. فانظر الى هذا البرهان وكيف ينتقل الذهن منه باول وهلة الى وجوب عبادة من هذا شأنه؟ ذلك ان اثار ربوبيته تنادي بوجوب الاخلاص له. ويجادل المبطلين ايضا بذكر عيب الهتهم وانها ناقصة من كل وجه تغني عن نفسها فضلا عن عابدها بشيء. ويقيم الادلة على اهل الكتاب بان لهم سوابق. آآ سوابق المخالفات لرسلهم ما لا منه مخالفتهم لرسوله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم. الذي جاء مصدقا لما سبقه من الرسالات التي مقصدها جميعا واحد وهو فك اغلال التقليد عن قلوب بني ادم لينتفعوا بسمعهم وابصارهم وافئدتهم. بالتفكر في ايات ربهم فيعرف بذلك انه الاله الحق وان كلما اتخذه الناس بوحي شياطين الانس والجن من الهة فلا يخرج شيء منها عن ان يكون اثرا من اثار هذه الايات. وانها لذلك الا تليق باي وجه لمشاركة ربها وخالقها في الالهية. ولا ينبغي ان تعطي ان تعطى الا حقها في المخلوقية والعبودية. وان ليس كمثله شيء هو المستحق لكل انواع العبادة. والا يعبد الا بما احب وشر. وينقض على رؤساء المشركين ودعاة في الباطن دعاويهم الباطلة وتزكيتهم لانفسهم بالزور. ببيان ما يضاد ذلك من احوالهم واوصافهم. ويجادلهم بتوضيح الحق وبيان وبياني برهان براهينه وان صدقه وحقيقته تدفع بمجردها جميع الشبه المعارضة لها. فماذا بعد الحق الا الضلال فانى تصرفون. وهذا الاصل في القرآن كثير. فانه يفيد في الدعوة للحق ورد كل باطل ينافيه. ويجادلهم بوجوب تنزيل الامور منازلها وانه لا يليق ان يجعل للمخلوق العبد الفقير العاجز من كل وجه. شيئا من حقوق الرب الخالق الغني الكامل من جميع الوجوه. ويتحداهم ان يأتوا في كتاب او شريعة اهدى واحسن من هذا الكتاب ومن هذه الشريعة. وان يعارضوا القرآن فيأتوا بمثله ان كانوا صادقين. ويأمر نبيه بمباهلة من ظهرت مكابرته وعناده فينكصون عنها فينكسون عنها لعلمهم انه رسول الله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى وانهم لو باهلوه لهلكوا. وفي التي لا تجد طريقا نافعا. فيه احقاق الحق وابطال الباطل الا وقد رسمه القرآن من اكمل الوجوه. القاعدة الرابعة عشر حذف المتعلق المعمول فيه يفيد تعميم المعنى المناسب له. وهذه قاعدة مفيدة جدا متى اعتبرها الانسان في القرآنية اكسبته فوائد جليلة. وذلك ان الفعل وما هو في معناه متى قيد بشيء تقيد به. فاذا اطلقه الله تعالى وحذف المتعلق كان القصد من ذلك التعميم. ويكون الحذف هنا احسن وافيد كثيرا من التصريح بالمتعلقات. واجمع المعاني النافعة ولذلك امثلة كثيرة جدا. منها انه قال في عدة ايات لعلكم تعقلون لعلكم تذكرون لعلكم تتقون فيدل ذلك على ان المراد لعلكم تعقلون عن الله كل ما ارشدكم اليه وكل ما علمكموه وكلما انزل عليكم من الكتاب والحكمة لعلكم تذكرون فلا تنسون ولا تغفلون. فتكونون دائما متيقظين مرهفي الحواس. تحسون كل ما تمرون به من سنن الله واياته فتذكرون جميع مصالحكم الدينية والدنيوية. ولعلكم تتقون جميع ما يجب اتقاؤه من الغفلة والجهل والتقليد وكل ما يحاول عدوك عدوكم ان يوقعكم فيه من جميع الذنوب والمعاصي. ويدخل في ذلك ما كان في سياق الكلام فيه وهو فرد من افراده وبهذا المعنى العام. ولهذا كان قوله تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم صيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون يفيد كل ما قيل في في حكمة الصيام. اي لعلكم تتقون المحارم عموما. ولعلكم تتقون ما حرم الله على الصائمين من المفطرات والممنوعات ومن كل الاحوال والصفات السيئة والخبيثة ولعلكم تتصفون بصفة التقوى وتحصلون كل ما يقيكم مما تكرهون يتخلقون باخلاقها وهكذا سائر ما ذكر فيه هذا اللفظ. مثل قوله هدى للمتقين اي المتقين لكل ما يتقى من الكوفري والفسوق والعصيان. المؤدين للفرائض والنوافل التي هي خصال التقوى. وكذلك قوله تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون. اي ان الذين كانت التقوى وصفهم واليقظة والتدبر لسنن الله سبحانه وتعالى واياته حالهم. وترك المحرمات شعارهم متى زين لهم الشيطان بعض ذنوبي ولبس عليهم الطريق وحاول تحذيرهم اتأوا تخديرهم بالشبهات او الشهوات تذكروا كل امر يوجب لهم المبادرة الى المتاب اجلالا لعظمة الله. وما يقتضيه الايمان وما توجبه التقوى. وتذكروا عقابه ونكاله. وتذكروا ما تحدثه الذنوب من العيوب وما تسلبه من الكمالات. فاذا هم مبصرون من اين اوتوا. مبصرون الوجه الذي فيه التخلص من هذا الذنب الذي وقعوا فيه. فبادر بالتوبة النصوح والرجوع الى صراط الله المستقيم. فعادوا الى مرتبتهم وعاد الشيطان خاسئا مدحورا. وكذلك ما ذكره على وجه الاطلاق عن المؤمنين بلفظ المؤمنين ولفظ ان الذين امنوا ونحوها فانه يدخل فيه جميع ما يجب الايمان به من الاصول والعقائد والاعمال والاحكام. مع انه قيد ذلك في بعض الايات مثل قوله قولوا امنا بالله. وكذلك ما امر به من الصلاح والاصلاح وما نهى عنه عن الفساد والافساد مطلقا يدخل فيه كل صلاح كما يدخل في النهي كل فساد كذلك. وكذلك قوله ان الله يحب المحسنين. واحسنوا للذين احسنوا الحسنى. هل جزاء الاحسان الا الاحسان يدخل في ذلك كله الاحسان في عبادة الخالق بان تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. والاحسان الى المخلوقين بجميع وجوه الاحسان من قول وفعل وجاهل وعلم ومال وغيرها. وكذلك قوله تعالى الهاكم التكاثر. فحذف فحذف المتكاثر به ليعم ليعم ما يقصد الناس فيه المكاثرة. من الرياسات والاموال والجاه والضياعات والاولاد وغيرها. مما تتعلق به اغراض النفوس فيلهيها ذلك عن طاعة الله. وكذلك قوله تعالى والعصر ان الانسان لفي خسر. اي في خسارة لازمة من جميع الوجوه الا من اتصف بالايمان والعمل والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. وقوله فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. فذكر المسؤولين فذكر واطلق المسؤول عنه ليعم كل ما يحتاجه العبد ولا يعلمه. وكذلك امره تعالى بالصبر ومحبته للصابرين ثناءه عليهم وبيان كثرة اجورهم. من غير ان يقيد ذلك بنوع ليشمل انواع الصبر الثلاثة. وهي الصبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى اقدار الله المؤلمة. ومقابل ذلك ذم الكافرين والظالمين والفاسقين والمشركين والمنافقين والمعتدين نحوهم ممن ونحوهم من غير ان يقيده بشيء ليشمل ذلك ليشمل جميع ذلك المعنى. ومن هذا قوله فان احصرتم ليشمل كل حصر. ومنه قوله فان خفتم فرجالا او ركبانا ليعم كل خوف. وقد يقيد ذلك ببعض فيقيد به ماسيق الكلام لاجله. وهذا شيء كثير لو ذهبنا نذكر امثلة عليه لطابت. ولكن قد فتح قد في حلق الباب فامشي على هذا السبيل المفتي الى رياض بهيجة. من اصناف العلوم. القاعدة الخامسة عشرة جعل الله الاسباب للمطالب العالية مبشرات لتطمين القلوب وزيادة الايمان. وهذا في عدة مواضع كتابه فمن ذلك النصر. قال في انزال الملائكة به وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم. وقال في اسباب الرزق ونزول المطر ومن اياته ان يرسل الرياح مبشرات وليذيقهم من رحمته. واضح انها بشرى لهم النصر في المستقبل وكذلك تطمئن به قلوبهم في الحاضر واعم من ذلك كله قوله الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين امنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة. وهي كل دليل وعلى ما تدلهم على ان والله قد اراد بهم الخير وانه من اوليائه وصفوته فيدخل فيه الثناء الحسن والرؤيا الصالحة ويدخل فيه ما يشاهدونه من اللطف والتوفيق والتيسير في صراع وتجنيبهم العسرى لان الله يقول فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. ويقول ومن اتق الله يجعل له من امره يسرا. فاذا رأيت الامور متيسرة لك ومسهلة وان الله يقدر لك الخير حتى وان كنت لا لا تحتسب فهذه لا شك انها بشرى. واذا رأيت الامر بالعكس فصحح مسارك فان فيك بلاء والنعم ما تكون استدراجا الا لمن اقام على معصية الله كما قال تعالى والذين كذبوا باياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. اما اذا كانت من المؤمن فليستدراك ومن ذلك بل من الطف من ذلك ان يجعل الشدائد مبشرة بالفرج مبشرة بالفرج والعسر مؤذنا باليسر. واذا تأملت ما قصه من عن انبيائه واصفيائه وكيف لما اشتدت بهم الحال وضاقت عليهم الارض بما رحبت وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله؟ الا ان نصر الله قريب رأيت من ذلك العجب العجاب وقد قال تعالى فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا. وقال تعالى واعلم وقال صلى الله عليه وسلم واعلم ان النصر مع الصبر وان الفرج الكرب وان مع العسر يسرا وامثلة ذلك كثيرة والله اعلم. القاعدة السادسة عشر حذف جواب الشرط يدل على تعظيم الامر وشدته في مقامات الوعيد. وذلك كقوله ولو ترى اذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم وقوله ولو قائد فزعوا فلا فوت وقوله ولو يرى الذين ظلموا اذ يرون العذاب ان القوة لله جميعا وقوله ولو ترى اذ توقفوا على على ربهم وقوله ولو ترى اذ وقفوا على النار. فحذف الجواب في هذه الايات وشبهها اولى من ذكره. هي على عظمة ذلك المقام. وانه لهوله وشدته وفظاعته لا يعبر عنه بلفظ. ولا يدرك بالوصف مثله قوله تعالى كلا لو تعلمون علم اليقين اينما اقمتم على ما انتم عليه. من التفريط واللهوة والغفلة. القاعدة السابعة عشرة. بعض اسماء الواردة في القرآن الكريم اذا افرد دل على المعنى المناسب له. واذا قرن مع غيره دل على بعض المعنى. ودل ما قرن ومعه على باقيه. ولهذه القاعدة امثلة كثيرة. هذا مر معنا كثيرا والكلمة لو افردت عمت. واذا قرن معها غيرها خصت فيقال اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا. منها الايمان افرد وحده في ايات كثيرة. وقرن مع العمل الصالح في اياته كثيرة. فالايات التي افرد فيها يدخل فيها جميع عقائد الدين وشرائعه الظاهرة والباطنة. ولهذا يرتب الله عليه حصول الثواب والنجاة جاءت من من العقاب ولولا دخول المذكورات ما حصلت اثاره وهو عند السلف قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح والايات التي قرن الايمان فيها بالعمل الصالح كقوله تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات يفسر الايمان فيها بما في القلوب من المعارف والتصديق. والاعتقاد والانابة والعمل الصالح بجميع الشرائع القولية والفعلية. وكذلك لفظ البر والتقوى فحيث افرد البر دخل فيه امتثال الاوامر واجتناب النوايا. وكذلك اذا افردت التقوى. ولهذا يرتب الله على البر وعلى التقوى عند الاطلاق الثواب المطلق والنجاة المطلقة. كما يرتبه على الايمان وتارة يفسر اعمال البر بما يتناول افعال الخير وترك المعاصي. وكذلك في بعض الايات تفسير خصال التقوى كما في قوله تعالى وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت المتقين الذين ينفقون في السراء والضراء. الى اخر ما ذكره من الاوصاف التي تتم بها التقوى. واذا جمع بين البر والتقوى مثل قوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى كان البر اسما جامعا لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاقوال والافعال الظاهرة والباطنة. وكان التقوى اسما جامعا يتناول ترك جميع المحرمات. وكذلك لفظ الاثم والعدوان. اذا قرن فسر الاثم بالمعاصي التي بين العبد وبين ربه والعدوان بالتجرؤ على الناس في دمائهم واعراضهم. واذا افرد الاثم دخل فيه كل المعاصي التي تؤثم صاحبها كانت بينه وبين ربه او بينه وبين الخلق. وكذلك اذا افرد العدوان. وكذلك لفظ العبادة والتوكل ولفظ العبادة والاستعانة. الى اذا افردت العبادة في القرآن تناولت جميع ما يحبه الله ويرضاه ظاهرا وباطنا. ومن اول واهم ما يدخل فيها التوكل والاستعانة واذا جمع بينها وبين التوكل والاستعانة نحو اياك نعبد واياك نستعين ونحو فاعبده وتوكل عليه فسرت عبادة بجميع المأمورات الباطنة والظاهرة. وفسر التوكل باعتماد القلب على الله في حصولها وحصول جميع المنافع ودفع المضار مع الثقة التامة بالله في حصولها. وكذلك لفظ الفقير والمسكين. اذا افرد احدهما دخل فيه الاخر كما في اكثر الايات. واذا جمع كما في اية الصدقات وهي قوله انما الصدقات للفقراء والمساكين. فسر الفقير بمن اشتدت حاجته وكان لا يجد شيء او من يجد شيئا لا يقع منه موقعا. وفسر المسكين المسكين بمن حاجته دون ذلك. ومثل ذلك الالفاظ الدالة على كتاب على تلاوة الكتاب والتمسك به واتباعه. ويشمل ذلك القيام بالدين كله. فاذا قرنت معه الصلاة كما في قوله اتلوا ما اوحي اليك كمل الكتاب واقيم الصلاة وقوله والذين يمسكون بالكتاب واقاموا الصلاة كان ذكر الصلاة تعظيما لها وتأكيدا لشأنها وحثا عليها فهي داخلة في الاسم العام وهو التلاوة والتمسك به. وما اشبه ذلك من الاسماء. القاعدة الثامنة عشرة اطلاق الهداية والاظلال وتقييدها. في كثير من الايات يخبر الله بانه يهدي من يشاء ويظل من يشاء وفي بعظها يذكر مع ذلك الاسباب المتعلقة بالعبد. الموجبة للهداية او الموجبة وكذلك حصول المغفرة وضدها. وبسط الرزق وتقديره وذلك في ايات كثيرة فحيث اخبر انه يهدي من يشاء ويذل من يشاء ويغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ويرحم من يشاء. ويبسط الرزق لمن يشاء. ويقدره على من يشاء. يدل ذلك على كمال وانفراده بخلق الاشياء. وتدبير جميع الامور وان خزائن الاشياء كلها بيده. يعطي ويمنع ويخفض ويرفع فيقتضي مع ذلك من العباد ان يعترفوا بذلك وان يعلقوا املهم ورجاءهم به وحده. في حصول كل ما يحب في حصول كل ما يحبون منه. منها ودفع كل ما يكرهون والا يسألوا احدا غيره كما في الحديث القدسي يا عبادي كلكم ضال الا من هديت فاستهدوني اهدكم الى اخره. وفي بعض الايات يذكر فيها اسباب ذلك ليعرف العباد الاسباب والطرق المفضية اليها فيسلكوا النافع ويدع الضار كقوله تعالى اما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره بشرى فبين ان اسباب الهداية والتيسير ايمان العبد بحكمة ربه في سننه وخلقه وشرعه. واخذه بهذه السنن انقياده لامره الشرعي. وان اسباب الضلال والتعسير ضد ذلك. وكذلك قوله تعالى في صفة القرآن يهدي به الله من اتبع سبل السلام. وقوله يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين. وقوله فريق نادى وفريق قد حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله. فاخبر ان الله يهدي بالقرآن من كان قصده حسنا رغب في الخير واتبع رضوان الله وانه يضل من فسق عن سنن الله الحكيمة وتمرد على الله وتولى اعداءه من شياطين الانس والجن ورضي بولاية عن ولاية رب العالمين. وكذلك قوله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين قوله ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. وكذلك يذكر في بعض الايات الاسباب التي تنال بها المغفرة والرحمة والتي تحق بها كلمة العذاب كقوله تعالى واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى وقوله ورحمته وسعت كل شيء فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم باياتنا يؤمنون الذين يتبعون وقوله ان رحمة الله قريب من المحسنين وقوله وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين. ثم ذكر الاسباب التي تنال بها المغفرة والرحمة. وهي خصال التقوى المذكورة في هذه الاية وغيرها ان الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله. وقال تعالى واذا اقرأ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون. واعم من ذلك كله قوله تعالى واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون فطريق الرحمة والمغفرة سلوك طاعة الله ورسوله عموما وهذه الاسباب المذكورة خصوصا. واخبر ان العذاب له اسباب متعددة وكلها راجعة الى شيئين. التكذيب لله ورسوله والتولي عن طاعة الله ورسوله. كقوله تعالى لا يصداها الا العشق الذي كذب وتولى سيجنبها الاتقى الذين اوتي ماله يتزكى. وقال تعالى انا قد اوحي الينا ان العذاب على من كذب وتولى وكذلك يذكر اسباب الرزق وانها لزوم طاعة الله ورسوله والسعي الجميل في مناكب الارض. مع لزوم التقوى كقوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. وانتظار الفرج والرزق كقوله تعالى سيجعل الله بعد عسره يسرا. وكثرة الذكر والاستغفار. قال تعالى وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه. يمتعكم متاعا حسنا الى اجل مسمى كل ذي فضل فضله. وقال تعالى فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا فاخبر ان الاستغفار سبب يستجلب به مغفرة الله ورزقه. وخيره وضد ذلك سبب للفقر. والتيسير وامثلة هذه القاعدة كثيرة وقد عرفت طريقها فالزمه. القاعدة التاسعة عشرة. ختم الايات باسماء الله الحسنى يدل على ان الحكم المذكور له تعلق بذلك الاسم الكريم وهذه قاعدة لطيفة نافعة عليك بتتبعها في جميع الايات المختومة بها. تجدها في غاية المناسبة وتدلك على ان الشرع والامر والخلق كله صادر عن اسمائه وصفاته ومرتبط بها وهذا باب عظيم من معرفة الله ومعرفة احكامه. وهو من المعارف واشرف العلوم. تجد اية الرحمة مختومة باسماء الرحمة وايات العقوبة والعذاب مختومة باسماء العزة والقدرة والحكمة والعلم والقهر. ولا بأس هنا ان نتتبع الايات الكريمة في هذا ونشير الى مناسبتها بحسب ما وصل اليه علمنا القاصر عبارتنا الظعيفة ولو طالت الامثلة هنا لانها من اهم المهمات ولا تكاد تجدها في كتب التفسير الا يسيرا منها. فقوله تعالى سبع سماوات وهو بكل شيء عليم. ذكر احاطة علمه بعد ذكر خلقه للارض والسماوات. يدل على كاحاطة علمه بما فيها من العوالم العظيمة وانه حكيم. حيث وضعها لعباده واحكم صنعها في احسن خلق واكمل نظام. وان خلقه لها من من ادل علمه كما قال في الاية الاخرى الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فخلقه للمخلوقات من اكبر الادلة العقلية على علمه. فكيف يخلقها وهو لا يعلمها؟ ولما ذكر كلام الملائكة حين اخبرهم انه جاعل في الارض خليفة. ومراجعتهم لربهم في ذلك. فلما خلق ادم وعلمه اسماء كل شيء وعجزت الملائكة عنها انبأهم ادم به ادم بها قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم. فاعترفوا لله تعالى بسعة العلم وكمال الحكمة وانهم مخطئون في مراجعتهم. في استخلافه في الارض. وفي هذا ان الملائكة على عظمتهم وسعة معارفهم بربهم اعترفوا بان علومهم تضمحل. عند علم ربهم وانه لا علم لهم الا منه. فختم هذه الايات بهذين الاسمين الكريمين الدالين على علم الله وتمام حكمته في خلقه وما يترتب على ذلك من المصالح المتنوعة من احسن المناسبات. واما قوله عن ادم فتلقى ادم من ربه في كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم. وختمه كثيرا من الايات بهذين الاسمين بعد ذكر رحمته ومغفرته وتوفيقه وحلم وحلمه فمناسبته جليلة لكل احد وانه لما كان هو التواب الرحيم اقبل بقلوب التائبين اليه ووفقهم لفعل الاسباب التي عليهم ويرحمهم بها. ثم غفر لهم ورحمهم فتاب عليهم اولا بتوفيقه بتوفيقهم للتوبة والاسباب. وتاب عليهم حين قبل متابهم واجاب سؤالهم. ولهذا قال في الاية الاخرى ثم تاب عليهم ليتوبوا. اي اقبل بقلوبهم فانه لولا توفيق اي اقبلوا بقلوبهم فانه لولا توفيقه وصرف ولولا توفيقه وصرف قلوبهم الى ذلك لم يكن لهم سبيل الى ذلك. حين استولت عليهم النفس الامارة فانها لا تأمر الا بالسوء الا من رحم الله. فاعاذه منها ومن نزغات الشيطان لما ذكر الله النسخة اخبر عن كمال قدرته وتفرده بالملك. الم تعلم ان الله على كل شيء قدير؟ الم تعلم ان الله له ملك السماوات والارض وفي هذا رد على ما من انكر النسخ كاليهود. وان نسخه لما ينسخه من اثار قدرته وتمام ملكه فانه تعالى يتصرف في عباده ويحكم بينهم في احكامه القدرية. واحكامه الشرعية فلا حجة عليه في شيء من ذلك. ولما قال ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم الله ان الله واسع عليم. اي واسع الفضل واسع الملك جميع العالم العلوي والسفلي. داخل في ملكه ومع في ملكه وفضله فهو محيط علمه بذلك كله. ومحيط علمه بالامور الماضية والمستقبلية. ومحيط علمه بما في التوجه او القبلة المتنوعة من الحكمة. ومحيط علمه بنيات مستقبلين لجهة لجهة من الجهات اذا اخطأوا القبلة المعينة فحيث يتيمم المصلي تيمم الى وجه ربه. واما قول الخليل واسماعيل عليهما السلام هما يرفعان القواعد من البيت ويتقبل منا انك انت السميع العليم. فانه توسل الى الله بهذين الاسمين. الى قبول هذا العمل الجليل. حيث كان الله يعلم نياته ومقاصدهما. ويسمع كلامهما ويجيب دعاءهما فانه يراد بالسميع في مقام الدعاء. دعاء العبادة ودعاء المسألة معنى المستجيب كما قال الخليل في الاية الاخرى ان ربي لسميع الدعاء. واما ختم قوله ربنا وبعث فيهم رسولا منهم بقوله انك انت العزيز الحكيم. اي فكما انك بعثت لهذا الرسول فيه الرحمة السابقة. كما ان بعثتك لهذا الرسول فيه الرحمة السابقة فيه تمام عزة الله وكمال حكمته فانه ليس من حكمته ان يترك الخلق سدا عبثا. لا يرسل اليهم رسولا حقق الله حكمته ببعثته لئلا يكون للناس على الله حجة. والامور كلها قدريها وشرعيها لا تقوم الا بعزة الله ونطقها وقد يكتفي الله بذكر اسمائه الحسنى عن التصريح بذكر احكامها. وجزائها لينبه عباده انهم اذا عرفوا الله بذكر العظيم عرفوا ما يترتب عليه من الاحكام مثل قوله تعالى فان زللتم من بعد ما جاءتكم البينات. لم يقل فلكم العقوبة بل قال فاعلموا ان الله عزيز حكيم. اي فاذا عرفتم عزته وهو قهره وغلبته وقوته وامتناعه. وعرفتم حكمته وهو وضعه الاشياء في مواضعها وتنزيلها محالها اوجب لكم الخوف من البقاء على ذنوبكم وزلالكم. لان من معاقبة من يستحق العقوبة وهو المصر على الذنب مع علمه. وانه ليس لكم امتناع عليه ولا خروج عن عن حكمه وجزاءه كمال قهره وعزته. وكذلك لما قال الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم. لم يقل فاعفوا عنهم او اتركوهم ونحوها. بل قال فاعلموا ان الله غفور رحيم. يعني فاذا عرفتم ذلك وعلموا وعلمتموه عرفتم ان من تاب واناب فان الله يغفر له ويرحمه فيدفع عنه العقوبة ولما ذكر عقوبة السارق قال في اخرها نكالا من الله والله عزيز حكيم. اي عز وحكم فقطع يد السارق. وعز وحكم فعاقب المعتدي شرعا وقدرا وجزاء. ولما ذكر الله مواريث الورثة وقدرها. قال فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما. فكونه عليما حكيما. يعلم ما لا يعلم العباد ويضع الاشياء مواضعها. فاخضعوا لما قاله وفصله في توزيع الاموال على مستحقيها. الذين يستحقونها بحسب علم الله وحكمته فلو وكل العباد الى انفسهم وقيل لهم وزعوه انتم بحسب اجتهادكم لدخلها الجهل والهوى وعدم الحكمة. وصار المواريث فوضى وحصل في ذلك من الضرر ما الله به عليم. ولكن تولاها وقسمها باحكم قسمة. واوفقها للاحوال واقربها النفع ولهذا من قدح في شيء من احكامه او قال لو كان كذا او كذا فهو قادح في علم الله وفي حكمته. ولهذا يذكر الله العلم العلم الحكمة بعد ذكر الاحكام. كما يذكرها في ايات الوعيد ليبين للعباد ان الشرع والجزاء مربوط بحكمته. غير خارج عن علمه ويختم الادعية باسمائه تناسب المطلوب وهذا من الدعاء بالاسماء الحسنى. ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها. اي تعبدوا الله بها واطلبوه بكل اسم مناسب بمطلوبكم وقوله تعالى ليدخلنهم مدخلا يرضونه وان الله لعليم حليم والايات المتتابعة التي بعدها كل واحدة ختمت باسمين كريمين. فالاول منهما هذه ختمها بالعلم والحلم. يقتضي علمه بنياتهم الجميلة واعمالهم واعمالهم الجليلة ومقاماتهم الشامخة فيجازيهم على ذلك بالفضل العظيم. ويعفو ويحلم عن سيئاتهم فكأنهم ما فعلوها. وختم بالعفو الغفور. فانه اباح المعاقبة بالمثل وندب الى مقام الفضل وهو الغفور. وعدم معاقبة المسيء. وان ينبغي لكم ان تتعبدوا الله بالاتصاف بهذين الوصفين الجليلين. لتنالوا عفوه ومغفرته. وختم الاية الثالثة بالسميع البصير. يقتضي سمعه لجميع ما سكن في الليل والنهار. وبصره بحركاتهم على اختلاف الاوقات وتباين الحالات. وختم الاية الرابعة بالعلي الكبير لان علوه المطلق وكبرياءه وعظمته ومجده تضمحل منها المخلوقات. ويبطل معها كل ما عبد من دونه. وباثبات كمال في علوه وكبريائه يتعين انه هو الحق وما سواه باطل. وختم الاية الخامسة باللطيف الخبير الدالين على سعة علمه وخبرته باطنك الظواهر. وبما تحتوي عليه الارض من اصناف البذور والوان النباتات. وانه لطف بعباده حيث اخرج لهم اصناف الارزاق بما انزل من الماء النمير والخير الغزير. وختم الاية السادسة بالغني الحميد. بعدما ذكر ملكه للسموات والارض وما فيهما من المخلوقات. وانه لم هما حاجة منه منه لها فانه الغني المطلق. ولا ليكتمل بها فانه الحميد الكامل. وليدلهم على انهم كلهم فقراء اليه من جميع الوجوه. وانه حميد في اقداره. حميد في شرعه. حميد في جزائه. فله الحمد المطلق ذاتا وصفات وافعالا وختم الاية السابعة بالرؤوف الرحيم. اي من رأفته ورحمته تسخيره المخلوقات لبني ادم وحفظ السماوات والارض وابقاؤها لان لا تزول فتختل مصالحهم. فرحمهم حيث خلق لهم المسكن واودع في كل ما يحتاجونه وحفظه عليهم والقاه فلما ذكر في سورة الشعراء قصص الانبياء مع اممهم ختم كل قصة بقوله وان هو العزيز الرحيم. فان كل قصة تضمنت نجاة النبي واتباعه. وذلك برحمة الله ولطفه واهلاك المكذبين له. وذلك من اثار عزته وقد يتعلق مقتضى الاسمين بكل من الحالتين. فانه نجى الرسول واتباعه بكمال قوته وعزته ورحمته. واهلك المكذبين بعزته وحكمته ويكون ذكر الرحمة يقتضي عظم جرمهم. وانه لولا ان جرمهم تعاظم وسدوا على انفسهم ابواب الرحمة. ولم يكن لهم طريق اليها لما حل بهم العقاب. واما قول عيسى عيسى عليه السلام ان تعذبهم فانهم عبادك. وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم ولم يقل انت الغفور الرحيم. فان المقام ليس مقام استعطاف واسترحام وانما هو مقام مقام غضب وانتقام. ممن اتخذه الها مع الله فناسب ذكره العزة والحكمة وصار اولى من ذكر الرحمة. ومن الطف مقامات الرجاء انه اذكروا اسباب الرحمة واسباب العقوبة ثم يختمها بما يدل على الرحمة. مثل قوله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور وقوله ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله رحيما. وذلك يدل على ان رحمته سبقت غضبه وغلبته فصار لها الظهور اليها. واليها ينتهي كل ما من وجد فيه ادنى سبب من اسباب الرحمة. ولهذا يخرج من النار من كان في قلبه ادنى مثقال حبة من خردل من ايمان. ولنختصر على هذه الامثلة فانه يعرف بها الاستدلال بها. القرآن كله محكم. باعتبار وكله متشابه باعتبار وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار ثالث. وقد وصفه الله تعالى بكل واحدة من هذه الاوصاف الثلاثة فوصفه بانه محكم فيه في عدة ايات وانه احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. ومعنى ذلك انه في غاية الاحكام ونهاية الانتظام فاخباره فاخباره كلها حق وصدق لا تناقض فيها ولا اختلاف. واوامره كلها خير وبركة وصلاح ونواهيه متعلقة بالشرور والاضرار والاخلاق الرذيلة والاعمال السيئة. فهذا احكامه. ووصفه بانه متشابه في قوله الله ونزل احسن الحديث كتابا متشابها اي متشابها في الحسن والصدق والحق. ووروده بالمعاني النافعة المزكية للعقول المطهرة للقلوب المصلحة للاحوال. فالفاظه احسن الالفاظ ومعانيه احسن المعاني. ووصفه بانه منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات. فهنا وصفه بان بعضه هكذا وبعضه هكذا. وان اهل العلم بالكتاب يردون المتشابه منه الى المحكم. فيصير كله محكما ويقولون كل من عند ربنا. اي وما كان من عنده فلا تناقض فيه. فما منه في موضع فسره الموضع الاخر المحكم. فحصل العلم وزاد الاشكال. ولهذا النوع امثلة منها ما تقدم من الاخبار بانه على كل شيء قدير وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وانه يهدي من يشاء ويضل من يشاء. فاذا اشتبهت فاذا اشتبهت على من ظن به خلاف الحكمة. وان هدايته واظلاله يكون جزافا لغير سبب. وظحت وظحت هذا الاطلاق الايات الاخر الدالة على ان هدايته لها اسباب يفعلها العبد. ويتصف بها مثل قوله يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. وان اظلاله عبده له اسباب في العبد وهو توليه للشيطان. فريقا هداه فريقا حق عليهم الضلالة. انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله وقال تعالى فلما زاغوا وزاغ الله قلوبهم واذا اشتبهت على الجبري الذي يرى ان افعال العباد مجبورون عليها بينتها الايات الاخر الكثيرة الدالة على ان الله لم يجبر العباد. وان اعمالهم واقعة باختيارهم وقدرتهم. باختيارهم واضافها اليهم في ايات غير منحصرة. كما ان هذه الايات التي اضاف الله فيها الاعمال الى العباد حسنها وسيئها. اذا اشتبه على القدرية على القدرية النفاة وظنوا انها منقطعة عن قضاء الله وقدره. وان الله ما شاءها منهم ولا قدرها تليت عليه الايات كثيرة الصريحة بتناول قدرة الله تعالى لكل الاشياء من الاعيان والاعمال والاوصاف. وان الله خالق وان الله خالق كل وان الله خالق كل شيء. ومن ذلك اعمال العباد. وان العباد لا يشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين. وقيل للطائفتين ان الايات والنصوص كلها حق ويجب على كل مسلم تصديقها والايمان بها كل الايمان بها كلها وانها لا تتنافى فهي واقعة منه وبقدرتهم وارادتهم. وان الله تعالى خالقهم. وخلق قدرتهم وارادتهم وما وما اجمل في بعض الايات فسرته ايات اخر. وما لم يتوضح في موضع توضح في موضع اخر. وما كان معروفا بين الناس ورد فيه القرآن امرا ونهيا كالصلاة والزكاة والزنا والظلم. ولم يفصله فليس مجملا لانه ارشدهم الى ما كانوا يعرفون واحالهم على ما كانوا ملتبسين. فليس فيه اشكال والله اعلم. القاعدة الحادية والعشرون. القرآن يجري في ارشاداته مع الزمان في احكامه الراجعة للعرف والعوائد. هذه قاعدة جليلة المقدار. عظيمة النفع فان الله امر عباده بالمعروف وهو ما عرف حسنه شرعا وعقدا وعرفا. ونهاهم عن المنكر ووصفهم بذلك. فما كان من المعروف لا يتغير في الاحوال والاوقات كالصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من الشرائع الراتبة. فانه امر به في كل وقت. والواجب على الاخرين نظير الواجب على الاولين من هذه الامة. وما كان من من المنكر لا يتغير كذلك بتغير الاوقات كالشرك والقتل بغير حق والزنا وشرب الخمر ونحوها. ثبتت في كل زمان ومكان تغير ولا يختلف حكمها. وما كان يختلف باختلاف الامكنة والازمنة والاحوال هو المراد هنا. فان الله تعالى يردهم فيه الى العرف والعادة والمصلحة متعينة في ذلك الوقت. وذلك انه امر بالاحسان الى الوالدين بالاقوال والافعال. ولم يعين لعباده شيئا مخصوصا من الاحسان والبر عم كل ما تجدد من الاوصاف والاحوال. فقد يكون الاحسان اليهم في وقت غير الاحسان في الوقت الاخر وفي حق شخص دون حق الشخص الاخر الواجب الذي اوجبه الله النظر في الاحسان المعروف في وقتك ومكانك في حق والديك. ومثل ذلك ما امر به من الاحسان العقاري والجيران والاصحاب ونحوهم. فان ذلك راجع في نوعه وجنسه وافراده الى ما يتعارفه الناس احسانا. وكذلك ضده من العقوق والاساءة ينظر فيه الى العرف. وكذلك قال تعالى وعاشروهن بالمعروف. ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. فرد الله الزوجين في عشرة واداء كل حق منهما على الاخر الى المعروف. المعتاد عند الناس في قطرك وبلدك وحالك. وذلك يختلف اختلافا عظيما لا يمكن احصاؤه وعدى فدخل ذلك كله في هذه النصوص المختصرة. وهذا من ايات القرآن وبراهين صدقه. وقال تعالى وكلوا واشربوا اشرفوا وقال تعالى يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا. فامر عباده بالاكل والشرب واللباس ولم يعين شيئا من الطعام والشراب واللباس. وهو يعلم ان هذه الامور تختلف باختلاف الاحوال. فيتعلق بها امره. حيث كانت لا ينظر الى ما كان موجودا فيها وقت نزول القرآن فقط. وكذلك قوله. واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. ومن المعلوم ان السلاح والقوة الموجودة وقت نزول القرآن غير نوع القوة الموجودة بعد ذلك. فهذا النص يتناول كل ما يستطاع من القوة في كل وقت بما يناسبه ويليق به كذلك لما قال تعالى الا ان تكون تجارة عن تراض منكم. لم يعين لنا نوعا من التجارة ومن التجارة ولا جنسا ولم يحدد لنا الفاظا تحصل بها الرضا وهذا يدل على ان الله سبحانه وتعالى اباح ان الله سبحانه وتعالى اباح كل ما عد تجارة ما لم ينهى عنه الشارع. وان كل ما حصل به الرضا من الاقوال والافعال انعقدت به التجارة. فما حقق الرضا من قول او فعل انعقدت به المعاوضات والتبرعات وكم في القرآن من هذا النوع شيء كثير. القاعدة الثانية والعشرون في مقاصد امثلة القرآن اعلم ان القرآن الكريم احتوى على اعلى واكمل وانفع المواضيع التي يحتاج الخلق اليها في جميع الانواع. فقد احتوى على احسن طرق التعليم وايصال المعاني الى القلوب بايسر شيء واوظحه فمن انواع تعاليمه العالية ظرب الامثال وهذا النوع يذكره الباري في الامور المهمة كالتوحيد وحال الموحد والشرك وحاله وحالة اهله والاعمال العامة الجليلة ويقصد بذلك كله توضيح المعاني النافعة وتمثيلها بالامور المحسوسة ليصير القلب كانه يشاهد معانيها رأي العين. وهذا من عناية الباري بعباده ولطفه. فقد مثل الله الوحي والعلم الذي انزله على رسوله في عدة ايات. بالغيث النازل من السماء وقلوب الناس بالاراضي والاودية. وان عمل الوحي والعلم في القلوب كعمل الغيث والمطر في الاراضي. فمنها اراض طيبة. تقبل الماء وتنبت الكلأ والعشب. آآ وتنبت الكلع والعشب الكثير. فمثلا القلوب الفاهمة التي تفهم عن الله ورسوله وحيه وكلامه وتعقله وتعمل به علما وتعليما بحسب حالها كالاراضي بحسب حالها. ومنها اراض تمسك الماء ولا تنبت الكلأ فينتفع الناس بالماء الذي تمسكه فيشربون ويسقون مواشيهم واراضيهم. كالقلوب التي تحفظ الوحي من القرآن والسنة. وتلقيه الى الامة لكن ليس عندها من الدراية والمعرفة بمعانيهما عند الاولين. وهؤلاء على خير ولكنهم دون اولئك. ومنها اراض لا تمسك ماء ولا تنبت كمثل القلوب التي لا تنتفع بالوحي لا علما ولا حفظا ولا عملا. ومناسبة الاراضي للقلوب كما ترى في غاية الظهور. واما من محاسبة تشبيه الوحي بالغيث فكذلك. لان الغيث فيه حياة الارض والعباد. وارزاقهم الحسية. والوحي فيه حياة القلوب والارواح ومادة ارزاقهم المعنوية. وكذلك مثل الله كلمة التوحيد بالشجرة الطيبة التي تؤتي اكلها كل حين باذن ربها. فكذلك شجرة التوحيد ثابتة بقلب صاحبها. معرفة وتصديقا وايمانا وارادة لموجبها. وتؤتي وهو منافعها كل وقت من النيات الطيبة والاخلاق الذكية والاعمال الصالحة والهدى المستقيم ونفع صاحب وانتفاع الناس به وهي صاعدة الى السماء لاخلاص صاحبها وعلمه ويقينه. ومثل الشرك والمشرك ان من اتخذ مع الله الها اخر يتعزز به. ويزعم منه النفع ووقع الظر. في ظعفه ووهنه كالعنكبوت اتخذت بيتا وهو اوهن البيوت واوهاها. فما ازدادت باتخاذه الا ضعفا الى ضعفها. وكذلك المشرك. ما ازداد باتخاذه وليا ولا نصيرا من دون الله الا ضعفا. لان قلبه انقطع عن الله. ومن انقطع قلبه عن الله حله الظعف من كل وجه. وتعلقه بالمخلوق زاده وهنا الى وهنه. فمن اتكل عليه وظن منه حصون المنافع فخاب ظنه وانقطع امده. واما المؤمن فانه قوي بالله بقوة ايمانه وتوحيده وتعلقه بالله وحده. الذي بيده الامر والنفع ورفع الظر وهو متصرف في احواله كلها كالعبد الذي على صراط مستقيم. في اقواله وافعاله منطلق الارادة حر عن رق المخلوقين. غير مقيد له بوجه من الوجوه بخلاف المشرك فانه العبد الاصم الابكم الذي هو كل على مولاه اينما يوجهه لا يأتي بخير. لان قلبه متقيد مخلوقين من مخلصين مشرقا لهم. ليس له انطلاق وتصرف في الخير. فمثله ايضا كالذي خر من السماء فتخطفته الطيور ومزقته كل ممزق. وهؤلاء الذين زعموا انهم الهة ينفعون ويدعون. لو اجتمعوا كلهم على خلق اضعف المخلوقات وهو الذباب لم يقدروا باجتماعهم على خلقه. فكيف ببعضهم؟ فكيف فرد من مئات الالوف منهم؟ وابلغ من ذلك ان الذباب لو يسلبهم شيئا لم يقدروا على استخلاصه منه ورده. فهل فوق هذا الضعف من ضعف؟ وهل اعظم من هذا الغرور الذي وقع فيه المشرك شيء وهو مع هذا الغرور وهذا الوهن والضعف منقسم قلبه. بين الهة كالعبد الذي بين الشركاء المتشاكسين. لا تمكنوا من ارضاء احدهم دون الاخر. فهو معهم في شر دائم وشقاء متراكم. فلو استحضر المشرك بعض هذه الاحوال الوخيمة لربأ بنفسه عما هو عليه ولعلم انه قد اضاع عقله ورأيه بعدما اضاع دينه. واما الموحد فانه خالص لربه لا يعبد الا هو ولا يرجو ولا يخشى الا هو وقد اطمئن قلبه واستراح وعلم انه على الدين الحق. وان عاقبته احمد العواقب ومآله الخير والفلاح والسعادة الابدية فهو في حياة طيبة ويطمح في حياة اطيب منها. ومثل الله الاعمال بالبساتين. فذكر العمل الكامل الخالص له الذي لم يعرض له ما يفسده كبستان في احسن المواضع واعلاها. تنتابه الرياح النافعة. وقد ضحى وبرز للشمس وفي خلاله الجارية المتدفقة. فان لم تكن غزيرة فانها كافية له كالطل. الذي ينزل من السماء ومع ذلك فارضه اطيب. الاراضي ازكاها. فمع توفر هذه الشروط لا تسأل عما هو عليه من زهاء الاشجار وطيب الظلال ووفرة الثمار. فصاحبه في نعيم ورغد متواصل وهو امن عن انقطاعه وتلفه. فان كان هذا البستان لانسان قد كبر وضعف عن العمل وعنده عائلة ضعاف لا حدث منهم ولا كفاءة. وقد اغتبط به حيث كان مادته ومادة عائلته. ثم انه جاءته افة واعصار احرقه واتلفه عن اخره فكيف تكون حسرة هذا المغرور؟ وكيف تكون مصيبته؟ وهذا هو الذي جاء بعد العمل بما يبطل عمله. الصالح من الشرك والنفاق او المعاصي المحرقة. فيا ويحه بعد ما كان بستانه زاكيا زهيا. اصبح تالفا قد ايس من من عوده بقي بحسرته مع عائلته. فهذا من احسن الامثال وانسبها. فقد ذكر الله صفة صفة بستان بستان من ثبته الله على الايمان والعمل وبستان من ابطل عمله بما ينافيه ويضاده. ويؤخذ من ذلك ان الذي لم يوفق للايمان ولا للعمل اصلا انه ليس له وبستاند اصلا. ووجه تشبيه الاعمال بالبساتين ان البساتين تمدها المياه. وطيب المحل وحسن الموقع فكذلك الاعمال يمدها الوحي النازل لحياة القلوب الطيبة. وقد جمع العامل جميع شروط قبول العمل من الاجتهاد والاخلاص والمتابعة فاثمر عمله كل زوج بهيج. وقد مثل الله عمل الكافر بالسراب. الذي يحسبه الظمآن ماء. فيأتيه وقد اشتد به الظمأ وانهكه الاعياء فيجب سرابا. ومثله بالرماد الذي احرق فجاءته احرق فجاءته الريح. فذرته فلم تبق منه باقية. وهذا مناسب بحاله وبطلان عمله فان كفره ومعاصيه بمنزلة النار المحرقة. وعمله بمنزلة الرماد والسراب الذي لا حقيقة له. وهو كان يعتقده نافعا له. فاذا وصله لم يجده شيئا تقطعت نفسه حسرات. ووجد الله عنده فوفاه حسابه. كما مثل نفقات المخلصين بذلك البستان الزكي الزاهي. ومثل نفقات المرائين بحجر املس عليه شيء من تراب. فاصابه مطر تركه صلبا لا يقدر على شيء. لا يقدر لا شيء تركه صلدا لا شيء عليه. لان قلب المرائي لا ايمان فيه ولا اخلاص بل هو قاسم كالحجر. فنفقته حين حيث لم تصدر فنفقته حيث لم تصدر عن ايمان بل رياء وسمعة لم تؤثر في قلبه حياة ولا زكاة. هكذا كهذا المطر الذي لم يؤثر في هذا الحجر الاملس شيئا. وهذه الامثال اذا طبقت على ممثلاتها وضحتها وبينتها وبينت مراتبها من الخير والشر والكمال والنقصان. ومثل الله حال المنافقين بحال من هو في ظلمة فاستوقد نارا من غيره. ثم لما اضاعت ما حوله وتبين له الطريق. ذهب نورهم وانطفأ ضوئهم فبقوا في ظلمة عظيمة. اعظم من الظلمة التي كانوا عليها اولا. وهكذا المنافق استنار بنور الايمان. فلما تبين له الهدى غلبت عليه الشكوى واستولت عليه الحيرة. فذهب عنه احوج احوج ما هو اليه. وبقي في ظلمته متحيرا. فهم لا يرجعون لان سنة الله في عباده ان من ان له الهدى واتضح له الحق ثم رجع عنه انه لا يوفقه بعد ذلك للهداية. لانه رد الحق فتركه وعرف الضلالة فاتبعه وهذا المثل ينطبق على المنافقين. الذين تبصروا وعرفوا ثم غلبت عليهم الاغراض الضارة فتركوا الايمان. والمثال الثاني هو قوله او كصيد من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق. يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيطه بالكافرين. ينطبق هذا على المنافقين الضالين المتحيرين. الذين يسمعون القرآن ولم يعرفوا المراد منه واعرضوا عنه وكرهوا سماعه. اتباعا لرؤسائهم وساداتهم. ومثل الله الحياة الدنيا وزهرتها والاغترار بها بحالة زهرة الربيع. تعجب وتغر الجاهلين. ويظنون بقائها ولا يأملون زوالها. فلهو بها فلهوا بها عما خلقوا له. فاصبحت عنهم زائلة واضحوا لنعيمها لنعيمها مفارقين في اسرع وقت. كهذا الربيع اذا اصبح بعد الاخضرار هشيما. اذ اذا اصبح بعض الاخضرار هشيما وبعد الحياة يبسا رميما. وهذا الوصف قد شاهده الخلق واعترف به البر والفاجر ولكن سكرة الشهوة وضعف داعي الايمان اقتضى ايثار العاجل على الاجل. القاعدة الثالثة والعشرون ارشادات القرآن على نوعين. احدهما ان يرشد امرا ونهيا وخبرا الى امر معروف شرعا او معروف كما تقدمت. والنوع الثاني ان يرشد الى استخراج الاشياء النافعة من اصول معروفة. ويعمل الفكر في استفادة المنافع منها. وهذه القاعدة شريفة جليلة. اما النوع الاول فاكثر ارشادات القرآن في الامور الخبرية. والامور الحكمية داخلة فيه. واما النوع الثاني وهو المقصود هنا فانه دعا عباده في ايات كثيرة الى التفكر في خلق السماوات والارض وما خلق الله فيهما من العوالم. والى النظر فيها. واخبر انه سخرها لمصالحنا ومنافعنا. وانزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس. وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه. ونبه العقول على التفكر فيها واستخراج انواع والفوائد منها. وذلك اننا اذا فكرنا فيها ونظرنا حالها واوصافها وانتظامها. ولاي شيء خلقت ولاي لفائدة ابقيت وماذا فيها من الايات وما احتوت عليه من المنافع؟ افادنا هذا الفكر فيها علمين جليلين. احدهما اننا نستدل بها على ما الله على على ما الله من من صفات الكمال والعظمة وما له على ان نستدل بها على مال الله من صفات الكمال والعظمة وما له من النعم الواسعة والايادي المتكاثرة. وعلى صدق ما اخبر وبه من المعادي والجنة والنار. وعلى صدق رسوله وحقيقة وحقيقة ما جاءوا به. وهذا النوع قد اكثر منه اهل العلم وكل ما وكل ذكر ما وصل اليه علمه. فان الله اخبر ان الايات انما ينتفع بها اولو الالباب هذا اجل العلمين واعلاهما واكملهما. والعلم الثاني عندما نتفكر فيها ونستخرج منها المنافع المتنوعة. فان الله سخرها لنا وسلطنا على استخراج جميع ما في ما لنا فيها من المنافع والخيرات الدينية والدنيوية. فسخر لنا ارضها لنحرثها ونزرعها ونستخرج معادنها وبركتها. وجعلها طوع علومنا واعمالنا لنستخرج منها صناعات نافعة. فجميع فنون الصناعات على كثرتها وتنوعها وتفوقها لا سيما في هذه الاوقات. كل ذلك داخل في تسخير هذا الماء. وقد عرفت الحاجة بل الضروريات وفي هذه الاوقات الى استنباط المنافع منها وترقية الصنائع الى ما لا حد له. وقد ظهر في هذه الاوقات الاوقات من موادها وعناصرها امور فيها فوائد عظيمة للخلق. وقد تقدم لنا في قاعدة اللازم ان ما لا تتم به الامور المطلوبة فهو مطلوب وهذا يدل على ان تعلم الصناعات والمخترعات الهادفة من الامور المطلوبة شرعا كما هي مطلوبة لازمة عقلا وانها من الجهاد في سبيل الله. ومن علوم القرآن فان القرآن نبه العباد على انه جعل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس انه سخر لهم ما في الارض. فعليهم ان يسعوا لتحصيل هذه المنافع من اقرب الطرق الى تحصيلها. وهي معروفة بالتجارب. وهذا من ايات القرآن بل هو اكبر دليل على سعة علم الله وحكمته ورحمته بعباده. بان اباح لهم جميعا نعم. ويسر لهم الوصول اليها في كل بطرق لا تزال تحدث وقتا بعد وقت. وقد اخبر في عدة ايات انه تذكرة يتذكر به العباد كلما فينفعهم فيسلكونه وما يضرهم فيتركونه. وانهم الهداية لجميع المصالح. القاعدة الرابعة والعشرون القرآن يرشد الى التوسط والاعتدال في الامور. ويذم التقصير والغلو ومجاوزة الحد. قال الله تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان. وقال تعالى قل امر ربي بالقسط. والايات الامرة بالعدل والناهية عن ضده كثيرة والعدل في كل الامور لزوم الحد فيها. والا يغلو ويتجاوز والا يغلو ويتجاوز ويتجاوز الحد كما لا يقصر ويدع بعض الحق. ففي عبادة الله سبحانه وتعالى امر بالتمسك بما عليه النبي صلى الله عليه وسلم في ايات كثيرة ونهي عن مجاوزة ذلك وتعدي الحدود في ايات كثيرة. وذم المقصرين عنه في ايات كثيرة فالعبادة التي امر الله بها جمعت ما جمعت الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول وما فقد فيه الامران او ان الامران او احدهما فهي من الاعمال اللاغية. فالعبادة التي امر الله بها آآ اذا ما جمعت الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول وما فقد فيه الامران فالعبادة التي امر الله بها جمعت اخلاصا للمعبود والمتابعة للرسول. وما فقد فيه الامران واحدهما فهي من الاعمال اللاغية. وفي حق الانبياء والرسل آآ والرسل والصلاة والسلام امر بالاعتدال وهو الايمان بهم ومحبتهم المقدمة على محبة الخلق وتوقيرهم واتباعهم معرفة اقدامهم ومراتبهم التي اكرمهم الله بها. ونهى عن الغلو فيهم في ايات كثيرة. وهو ان يرفعوا فوق منزلتهم التي انزلهم الله ويجعل لهم من الحقوق من حقوق الله التي لا يشاركه فيها مشارك شيئا. كما نهى عن التقصير في حقهم في الايمان بهم ومحبتهم وترك توقيرهم وعدم اتباعهم. وذم الضالين فيهم كالنصارى ونهوهم في عيسى. اه في ايات كثيرة. كما ذم الجافين لهم. كاليهود حين قالوا في عيسى ما قالوا. وذم من فرق بينهم فامن ببعض دون بعض. واخبر ان هذا كفر بجميعهم. وكذلك يتعلق هذا الامر في حق العلماء الاولياء يجب محبتهم ومعرفة اقدارهم. ولا يحل الغلو فيهم واعطاؤهم شيئا من حق الله وحق رسوله الخاص. ولا كل مجافاتهم وعداواتهم. فمن عادى الله فمن عادى لله وليا فقد بارزه بالحرب. وامر بالتوسط فى النفقات والصدقات. ونهى عن والبخل والتقدير. كما نهى عن الاسراف والتبذير. وامر بالقوة والشجاعة بالاقوال والافعال. ونهى عن الجبن وذم الجبناء واهل الخور النفوس. كما ذم المتهورين الذين يلقون بانفسهم وايديهم الى التهلكة. وامر وحث على الصبر في ايات كثيرة. ونهى عن الجزع هلعي والسخط. كما نهى عن التجبر وعدم الرحمة والقساوة. في ايات كثيرة. وامر باداء الحوق باداء حقوق من له حق. عليك الوالدين والاقارب والاصحاب ونحوهم. والاحسان اليهم قولا وفعلا. وذم من قصر في حقهم او اساء اليهم قولا او فعلا كما ذم من غلا فيهم وفي غيرهم حتى قدم رضاهم على رضا الله وطاعتهم على طاعة الله. وامر بالاقتصاد في الاكل والشرب واللباس. ونهى عن الشرف والترف كما نهى عن التقصير الضار للقلب والبدن. وآآ وبالجملة فما امر الله بشيء الا كان وسطا بين خلقين ذميمين. تفريط او افراط. القاعدة الخامسة والعشرون. حدود حدود والله قد امر بحفظها ونهى عن تعدها وقربانها. قال الله تعالى والحافظون لحدود الله. وقال تعالى تلك حدود الله فلا تعتدوها. وقال تلك حدود الله فلا تقربوها. اما حدود الله فهي ما حده لعباده من بيع الظاهرة والباطنة. التي امرهم بفعلها والمحرمات التي امرهم بتركها. فالحفظ لها اداء الحقوق اللازمة. وترك المحرمات الظاهرة والباطنة. ويتوقف هذا الفعل وهذا الترك على معرفة الحدود على وجهها. ليعرف ما يدخل في الواجبات والحقوق فيؤديها على ذلك الوجه كاملة غير ناقصة. وما يدخل في المحرمات ليتمكن من تركها. ولهذا ذم الله من لم يعرف حدود ما انزل الله على رسوله. واثبت على من عرف ذلك. وحيث قال تعالى تلك حدود الله فلا تعتدوها. كان المراد بها ما احله الله لعباده. وما فصله اشي رائع فانه نهى عن مجاوزتها وامر بملازمتها كما امر بملازمة ما احله من الطعام والشراب واللباس والنكاح. ونهى من تعدى ذلك الى ما حرم منها من الخبائث. وكما امر بملازمة ما شرعه من الاحكام في النكاح والطلاق والعدة وتوابع ذلك عن تعدي ذلك الى فعل ما لا يجوز شرعا. وكما امر بالمحافظة على ما فصله من احكام المواريث. ولزوم حده ونهى عن تعدي ذلك وتوريث من له وحرمان من لا وحرمان من يرث وتبديل ما فرضه وفصله بغيره. وقال حيث قال تلك حدود الله فلا تقربوها كان المراد بذلك المحرمات. فان قوله فلا تقربوها نهي عن فعلها. ونهي عن مقدماتها واسبابها الموصلة الموصلة اليها والموقعة بها. كما نهاهم عن المحرمات على الصائم. وبين لهم وقت الصيام فقال تلك حدود الله فلا تقربوها. وكما حرم على الازواج ان يأخذوا مما اتوا ازواجهم شيئا الا ان يأتين بفاحشة مبينة. قال تلك حدود الله فلا تقربوها. وكما صرح بالمحرمات في قوله ولا اقرب الزنا وقال ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن. فالخير والسعادة والفلاح في معرفة حدود الله والمحافظة عليها. كما ان اصل الشر كما ان اصل الشر واسباب العقوبات والجهل في حدود الله او ترك المحافظة عليها او الجمع بين الشرين والله اعلم. القاعدة السادسة والعشرون. الاصل ان الايات ان الايات التي فيها قيود لا تثبت احد احكامها الا بوجود تلك القيود الا في ايات يسيرة. وهذه قاعدة لطيفة فانه متى رتب الله في كتابه حكما على شيء وقيده بقيد او شرط لذلك او شرط لذلك شرطا تعلق الحكم به على ذلك الوصف الذي وصفه الله تعالى. وهذا في القرآن لا حصر له. وانما المقصود ذكر المستثنى من هذا الاصل الذي يقول كثير من المفسرين اذا تكلموا عليها هذا هذا قيد غير مراد. وفي هذه العبارة فان كل لفظة في كتاب الله فان الله ارادها وفيها فائدة قد تظهر للمتكلم وقد تخفى. وانما مرادهم بقولهم غير مراد الحكم بها. فاعلم ان الله تعالى يذكر الاحكام الشرعية من اصول وفروع. ويذكر اعلى حالة يبرزها منها لعباده ليظهر لهم حسنها. ان كانت مأمورا بها وقبحها ان كانت منهيا عنها. وعند تأمل هذه الايات التي بهذا الصدد يظهر لنا منها عيانا منها قوله تعالى ومن يدعو مع الله الها اخر لا برهان له به. ومن المعلوم ان من دعا مع الله الها اخر فانه كافر وانه ليس له برهان وانما قيدها الله بهذا القيد بيانا لشناعة الشرك والمشرك. وان الشرك قطعا ليس له دليل شرعي ولا عقلي. والمشرك ليس بيده ما يسوغ له من ذلك شيئا. ففائدة هذا القيد التشنيع التشنيع البليغ على المشركين بالمعاندة ومخالفة براهين الشرعية والعقلية وانه ليس بايديهم الا اغراض نفسية ومقاصد سيئة. وانهم لو التفتوا ادنى التفات لعرفوا ان ما هم عليه لا يستجيزه له لا يستجيزه من له ادنى ايمان ولا معقول. ومنها قوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم من نساء اللاتي دخلتم بهن. مع ان كونها في حجره او في غير حجره ليس شرطا لتحريمها. فانها تحرم مطلقا ولكن ذكر الله هذا القيد تشنيعا لهذه الحالة وانه من القبيح اباحة الربيبة التي هي في حجر الانسان بمنزلة بنته ذكر الله فذكر الله المسألة متجلية بثياب قبحها لينفر عنها ذوي الالباب. مع ان التحريم لم لم يعلق بمثل هذه الحالة. لم يعلق بمثل هذه الحالة. فالانثى اما ان تكون مباحة مطلقا او محرمة مطلقا. سواء كانت عند الانسان كحالة بقية النساء المحللات والمحرمات. ومنها قوله تعالى ولا تقتلوا اولادكم من املاق. وخشية املاق مع ان انه من المعلوم النهي عن قتل الاولاد. في هذه الحالة وغيرها. فالفائدة في ذكر هذه الحالة انها حالة جامعة للشر كله. كونه قتلا بغير حق وقتل من جبلت النفوس على شدة الشفقة التي لا نظير لها عليه. وكون ذلك صادرا عن التسخط لقدر الله واساءة ظني بالله. فهم تبرموا بالفقر. هذا التبرم واساءوا ظنونهم بربهم حيث ظنوا انهم ان ابقوهم زاد فقرهم واشتدت ضرورتهم فصار الامر بالعكس فانه اذا كان منهيا عن قتلهم في هذه الحالة التي دفعهم اليها خشية الافتقار او حدوثه ففي غير في هذه الحالة من باب اولى واحرى. وايضا ففي هذا بيان للحالة الموجودة غالبا. عندهم. فالتعرض لذكر الاسباب الموجودة يكون اجلى واوضح للمسائل واما قوله تعالى في الرجعة وبعولتهن احق بردهن في ذلك ان ارادوا اصلاحا فمن العلماء من قال انه من هذا النوع وانه يستحق ردها سواء اراد الاصلاح او لم يرده. فيكون ذكر هذا القيد حثا له على لزوم ما امر الله به من قصد الاصلاح حريما لردها على وجه المضارة. وان كان يملك ردها كقوله تعالى فامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف. ومن العلماء من جعل هذا القيد على الاصل للعام وان الزوج لا يستحق رجعة زوجته في عدتها الا اذا قصد الاصلاح. فاما اذا قصد ضد ذلك فلاحق له في رجعتها وهذا هو الصواب. ومنها قوله تعالى وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاذبا فرهان مقبوضا. مع ان الرهن يصح حذرا وسفرا. ففائدة هذا القيد ان الله ذكر اعلى الحالات واشد الحاجات للرعد. وهي هذه الحالة في السفر والكاتب مفقود والرهن مقبوض فاحوج ما يكون لما يحتاج الانسان للرهن هذه الحالة التي تعذرت فيها التوثيقات الا بالرهن بالرهن المقبوظ. وكما قاله الناس في قيد السفر فكذلك على الصحيح في قيده بالقبض وان قبضه ليس شرطا لصحته وانما ذلك للاحتياط وزيادة الاستيثاق. وكذلك فقد الكاتب ومنها قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان مما ترضون من الشهداء مع ان الحق يثبت الرجل والمرأتين. ولو مع وجود الرجلين لكن ذكر الله اكمل حالات حالة يحصل بها الحفظ للحقوق. دليل على ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد الواحد مع اليمين والاية ليس فيها ذلك آآ لهذه الحكمة وهو ان الاية ارشد الله فيها عباده الى اعلى حالة يحفظون بها حقوقهم لتمام راحتهم وحسم اختلافهم ونزاعهم. واما قوله تعالى فذكر ان نفعت الذكرى فانه انها من اصل القاعدة. ويظن بعض الناس ان هذا من هذا النوع. وانه يجب التذكير نفعت او لم تنفع. لكن هذا غلط. فنفع الذكرى اذا كان يحصل بها الخير او بعضه او يزول بها الشر كله او بعضه فاما اذا كان ظرر التذكير اعظم من نفعه فانه منهي عنه في هذه الحال ما نهى الله عن سب الهة المشركين. اذا كان وسيلة لسب الله وكما نهى عن الامر بالمعروف اذا كان يترتب على ذلك شرا اكبر. او فوات خير اكثر من الخير الذي يؤمر به. وكذلك النهي عن المنكر اذا ترتب عليه ما هو اعظم منه شررا شرا وضررا. فالتذكير في هذه الحال غير معمول به بل منهي عنه. وكل هذا من تفصيل قوله تعالى ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة. فعلم ان هذا قيد مراد ثبوت الحكم بثبوته. وانتفاء الحكم لانتفائه. والله اعلم. ومنها قوله تعالى ويقتلون النبيين بغير حق. مع انه لا يقع الا بغير حق. فهذا نظير ما ذكره في الشرك. وان هذا تشنيع لهذه الحالة التي لا شبهة لصاحبها. بل صاحبها اعظم الناس جرما واشدهم اساءة. واما قوله تعالى ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق. فليست من هذا النوع وانما هي من النوع الاول الذي هو الاصل آآ والحق الذي قيدها الله به جاء مفسرا. في قوله صلى الله عليه وسلم النفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة قوله تعالى وان كنتم مرضى وعلى سفر سفر او جاء احد منكم من الغايض. او لامستم النساء فلم تجدوا ماء مع ان فقد الماء ليس من شرطه وجود السفر. فانه اذا فقد اجاز التيمم حظرا وسفرا لكن ذكر السفر بيان للحالة الغالبة الموجودة التي يفقد فيها الماء. اما الحذر فانه يندر فيه عدم ما. ومن هذا السبب فظن بعض العلماء ان السفر وحده مبيح وان كان الماء موجودا وهذا في غاية الضعف وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه والمسلمين مخالف لهذا ومن ذلك قوله تعالى واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة. ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا مع ان الخوف ليس بشرط لصحة القصر. ومشروعيته بالاتفاق. ولما اورد هذا اورد هذا على النبي صلى الله عليه وسلم قال في جوابه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته. يعني وصدقة الله واحسانه في كل زمان ومكان لا تقيد ولا غيره. ومن العلماء من قال ان هذا القيد من القسم الاول. وان القصر التام وهو قصر العدد وقصر الاركان والهيئات شرطه اجتماع السفر والخوف كما في الاية. فان وجد الخوف وحده لم يقصر عدد الصلاة وانما تقصر هيئاتها وصفاتها. وان وجد السفر وحده لم تقصر هيئاتها وشروطها وانما يقصر عددها. ولا ينادي هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم. فانهم انما سألوه عن قصر العدد فقط جابهم بان الرخصة فيه عامة. في كل الاحوال وهذا تقرير مليح موافق للاية غير مخالف لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ايتعين الاخذ به؟ القاعدة السابعة والعشرون. المحترزات في القرآن تقع في كل المواضع في اشد الحاجة اليها. وهذه قاعدة جليلة النفع عظيمة الوقع وذلك ان كل ان كل وضع يسوق الله فيه حكما من الاحكام او خبرا من الاخبار فيتشوف الذهن وفيه الى شيء اخر الا وجدت الله قد قرن به ذلك الامر الذي يعلق في الاذهان في بينه احسن بيان. وهذا اعلى انواع الذي لا يبقي اشكالا الا ازاله ولا احتمالا الا اوضحه. وهذا يدل على سعة علم الله وحكمته وذلك في القرآن كثير جدا. ولنذكر اذكر بعض امثلة توضح هذه القاعدة وتحسن للداخل الدخول اليها. فمن ذلك قوله تعالى انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها لما خصها بالذكر. ربما وقع في بعض الاذهان تخصيص ربوبيته بها. ازال هذا الوهم بقوله وله كل شيء. ومنها قوله تعالى فلا تكن في مرية مما يعبد هؤلاء. لما كان قد يقع في الذهن انهم على حجة وبرهان فابان بقوله ما يعبد الا كما يعبد اباؤهم من قبل. انهم ضلال اقتدوا بمثلهم. ثم لما كان قد يتوهم المتوهم انهم في طمأنينة من قوله تعالى من قولهم وعلى يقين من مذهبهم ولربما توهم ايضا انه الاليق الا تبسط لهم الدنيا احترز من ذلك بقوله لم يوفوهم نصيبهم غير منقوص. الى قوله وانهم لفي شك منه مريب. ولما قال تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين. ربما يظن الظان انه هم لا يستوون مع القاعدين ولو كانوا معذورين. ازال هذا الوهم بقوله غير اولي الضرر. وكذلك لما قال تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا. ربما توهم احد ان المفضولين ليس لهم عند الله مقام ولا مرتبة. فازال هنا الوهم بقوله وكلا وعد الله الحسنى. ثم لما كان ربما يتوهم ان هذا الاجر يستحق بمجرد العمل المذكور ولو خلا من الاخلاص ازال هذا الوهم بقوله والله بما تعملون خبير. ومنها قوله تعالى وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض. ربما وقع في الذهن انهم يفسدون وقد يصلحون. ازال هذا بقوله ولا يصلحون. اي لا خير فيهم اصلا مع شرهم العظيم. ومنها انه قال في عدة مواضع ولا تسمع الصم الدعاء. ربما يتوهم احد انهم وان لم يسمعوه فانهم يفهمون الاشارة. ازال هذا الاحتمال بقوله اذا ولوا مدبرين. فهذه حالة لا تقبل سماعا ولا رؤية لتحصل الاشارة. وهذه نهاية الاعراض. ومنها قوله تعالى ولكن الله يهدي من يشاء. ربما توهم احد ان هدايته جزاء من غير سبب ازال هذا بقوله وهو اعلم بالمهتدين. اي بمن يصلح للهداية لزكائه وخيره ممن ليس كذلك فابانا ان هدايته تابعة لحكمته. التي هي وضع الاشياء مواضعها. ومن كان حسن الفهم يرى من هذا النوع شيئا كثير القاعدة الثامنة والعشرون. في ذكر الاوصاف الجامعة التي وصف الله بها المؤمن. لما كان الايمان اصل الخير كله والفلاح وبفقده يفقد كل خير ديني ودنيوي واخروي. اكثر من ذكره في القرآن جدا. امرا به ونهيا بدء وترغيبا فيه وبيان اوصاف اهله وما لهم من الجزاء الدنيوي والاخروي. فاما اذا كان المقام مقام خطاب للمؤمنين بالامر والنهي. او مقام اثبات الاحكام الدنيوية بوصف الايمان فانها تتناول كل مؤمن سواء كان متمما لواجبات الايمان واحكامه او ناقصا في شيء منها. واما ان كان المقام مقام مدح وثناء وبيان الجزاء الكامل للمؤمن فانما المراد بذلك المؤمن حقا. الجامع بمعاني الايمان وهذا هو المراد بيانه هنا فنقول وصف الله المؤمن في كتابه باعترافه وتصديقه بجميع عقائد الدين. وبارادة ما يحبه الله ويرضاه للعمل بما يحبه الله ويرضاه. وبترك جميع المعاصي. والمبادرة بالتوبة مما صدر منه. وبان ايمانهم اثر في اخلاقهم واقوالهم وافعاله وافعاله من الاثار الطيبة. فوصف المؤمنين بالايمان بالاصول الجامعة وهو الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره. وانهم يؤمنون بكل ما اوتيه الرسل. كلهم ويؤمنون بالغيب ووصفهم بالسمع والطاعة ظاهرا وباطنا. ووصفهم بانهم اذا ذكر الله وجلت قلوبهم. واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا. وعلى ربهم تتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. اولئك هم المؤمنون حقا. ووصفهم بان جلوس تقشعر وعيونهم تفيض من الدمع. وقلوبهم تلين وتطمئن لايات الله وذكره. وبانهم يخشون ربهم في الغيب والشهادة وانهم يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون. ووصفهم بالخشوع في احوالهم عموما وفي الصلاة خصوصا. وانهم عن اللغو معرضون الزكاة فاعلون ولفروجهم حافظون. الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير مظلومين. وانهم بشهاداتهم قائمون ولاماناتهم بهم مراعون ووصفهم باليقين الكامل الذي لا لا ريب فيه. وبالجهاد باموالهم وانفسهم في سبيل الله. ووصفهم بالاخلاق لربهم في كل ما يؤتون ووصفهم بمحبة المؤمنين والدعاء لاخوانهم من المؤمنين السابقين واللاحقين. وانهم يجتهدون في ازالة الغل من قلوبهم. في سادة الغل من قلوبهم على المؤمنين. وبانهم يتولون الله ورسوله وعباده المؤمنين. المؤمنين ويتبرأون من موالاة جميع اعداء الدين. وبانهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويطيعون الله ورسوله في كل احوالهم. فجمع الله لهم بين العقائد الحقة واليقين الكامل والانابة التامة. التي اثارها انقياده لفعل المأمورات وترك المنهيات. والوقوف على الحدود الشرعية. فهذه الاوصاف الجليلة هي وصف المؤمن المطلق الذي سلم من العقاب حق الثواب. ونال كل خير رتب على الايمان. فان الله رتب على الايمان في كتابه من حسن الفوائد والثمرات. ما لا يقل عن مائة فائدة. كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها. رتب على الايمان نيل رضاه الذي هو اكبر من كل شيء. ورتب عليه دخول الجنة والنجاة من النار. والسلامة من عذاب القبر ومن صعوبات القيامة وتعسر احوالها. والبشرى الكاملة في الحياة الدنيا وفي الاخرة. والثبات في الدنيا على الايمان والطاعات. وعند الموت وفي القبر على الايمان التوحيد والجواب النافع السديد. ورتب عليه الحياة الطيبة في الدنيا. والرزق والحسنة وتيسير العبد العبد لليسرى. وتجنيبه للعسرى وطمأنينة القلب وراحة النفس والقناعة التامة والصلاح الاحوال وصلاح الذرية وجعلهم قرة عين للمؤمنين. والصبر عند المحن والمصائب. وحمل الله عنهم الاثقال وحمل الله عنهم الاثقال. ومدافعة الله عنهم جميع الشرور والنصر على الاعداء. ورفع المؤاخذة عن الناس والجاهل والمخطئ منهم. وان الله لم يضع عليهم الاثار بل ازالها. ولم يحملهم ما لا طاقة لهم به. ومغفرة الذنوب ايمانهم والتوفيق للتوبة. فالايمان اكبر وسيلة للقرب من الله. والقرب من رحمته ونيل ثوابه واكبر واكبر وسيلة لمغفرة الذنوب وازالة الشدائد او تخفيفها وثمرات الايمان على وجه التفصيل كثيرة. وبالجملة خيرات الدنيا والاخرة مرتبة على الايمان. كما ان الشرور مرتبة على فقده والله اعلم. القاعدة التاسعة والعشرون. في الفوائد التي يجتنيها العبد في معرفة وفهمه الاجناس وفهمه لاجناس علوم القرآن. وهذه القاعدة تكاد ان تكون هي المقصود الاعظم في علم التفسير. وذلك ان القرآن مشتمل على علوم متنوعة واصناف جديدة من العلوم. فعلى العبد فعلى العبد ان يعرف المقصود من كل نوع منها ويعمل على هذا ويتبع ويتبع الايات الواردة فيه. فيحصل فيحصل المراد منها علما وتصديقا وحالا وعمل فاجل علوم القرآن على الاطلاق علم التوحيد. وما لله من صفات الكمال فاذا مرت عليه الايات في توحيد الله واسمائه وصفاته. اقبل عليها فاذا فهمها وفهم المراد بها اثبتها لله على وجه لا يماثله فيه احد. وعرف انه كما ليس لله مثيل في ذاته فليس له في صفاته وامتلأ قلبه من معرفة ربه وحبه بحسب علمه بكمال الله وعظمته. فان القلوب مجبولة على محبة الكمال. فكيف بمن له كل ومنه جميع النعم الجزال. ويعرف ان اصل الاصول هو الايمان بالله. وان هذا الاصل يقوى ويكمل بحسب معرفة عبدي بربه وفهمه لمعاني صفاته ونعوته. وامتلأ القلب من معرفتها ومحبتها. وايضا يعرف انه بتكميله بتكميله هذا العلم تكمل علومه واعماله فان هذا هو اصل العلم واصل العقيدة. ومن علوم القرآن صفات الرسل واحوالهم. وما جرى لهم وعليهم من مع من رافقهم وخالفهم وما هم عليه من الاوصاف الراقية. فاذا مرت عليه هذه الايات عرف بها اوصافهم وازدادت معرفته بهم ومحبتهم وعرف ما هم عليه من الاخلاق والاعمال. خصوصا امامهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم. فيقتدي باخلاقهم واعمالهم فبما يقدر عليه ويفهم ان الايمان ان الايمان بهم تمامه وكماله معرفته التامة باحوالهم ومحبتهم واتباعهم. وفي القرآن تعاني من نعوثهم الشيء الكثير. الذي يحصل به تمام الكفاية. ويستفيد ايضا الاقتداء بتعليماتهم العالية. وارشاداتهم للخلق وحسن جوابهم وتمام صبرهم. فليس القصد من قصصهم ان تكون ثمرا. وانما القصد ان تكون عبرا. ومن علوم القرآن علم اهل السعادة والخير الشقاء والشر. وفي معرفته لهم ولاوصافهم ونعوتهم. فوائد الترغيب في الاقتداء بالاخيار والترهيب من احوال الاشرار. والفرقان بين هؤلاء وهؤلاء وبيان الصفات والطرق التي وصل بها هؤلاء الى دار النعيم. واولئك الى دار الجحيم. ومحبة اولئك الاتقياء من الايمان كما ان بغض اولئك من الايمان. وكلما كان العبد اعرف لاحوالهم تمكن من هذه المقاصد ومن علوم القرآن. علم الجزاء في الدنيا والبرزخ في والاخرة. على اعمال الخير واعمال الشر. وفي ذلك مقاصد جليلة. الايمان بكمال عدل الله وسعة فضله والايمان باليوم فان تمام الايمان بذلك يتوقف على معرفة ما يكون فيه. والترغيب والترهيب بالرغبة في الاعمال التي رتب الله عليها الخير الخير الجزيل والرهبة والرهبة من ظدها. ومن علوم القرآن الامر والنهي وفي ذلك مقاصد جليلة. معرفة حدود ما انزل معرفة حدود ما انزل الله على رسوله. فان المكلفين مكلفون بمعرفة ما امروا به وما نهوا عنه. وبالعمل بذلك والعلم سابق العمل وطريق ذلك اذا مر عليه نص فيه امر بشيء عرفه وفهم ما يدخل فيه وما لا يدخل. وحاسب نفسه هل هو قائم بذلك كله او بعضه او تاركه. فان كان قائما به فليحمد الله ويسأله الثبات. والزيادة من الخير وان كان مقصرا فيه. فليعلم انه مطالب به ملزوم به فليستعن. فليستعن الله على فعله وليجاهد نفسه على ذلك. وكذلك في النهي ليعرف ما يراد منه وما يدخل ذلك الذي نهى الله عنه ثم لينظر الى نفسه. فان كان قد ترك ذلك فليحمد الله على ذلك. ويسأله ان يثبته على ترك الملاهي كما يسأله الثبات على فعل الطاعات. وليجعل الداعي له على الترك وليجعل الداعي له على الترك امتثال طاعة الله. ليكون تركه عبادة كما كان فعله عبادة. وان كان غير تارك له فليتب الى الله. منه توبة جازمة وليبادر ولا تمنعه الشهوات الدنية عن مجانبة ما تدعو اليه النفس الامارة بالسوء. فمن كان عند هذه المطالب وغيرها عاملا على هذه الطريقة عاش على الصراط المستقيم والطريقة المثلى فيما عليه من الاسترشاد بكتاب الله. وحصل بذلك علم غزير. وخير كثير. القاعدة الثلاثون اركان الايمان بالاسماء الحسنى ثلاثة ايماننا بالاسم وبما دل عليه من المعنى وبما تعلق به من الاثار. وهذه القاعدة العظيمة خاصة باسماء الرب وفي القرآن من الاسماء الحسنى ما ينيف عن ثمانين اسما. كررت في ايات متعددة بحسب ما يناسب كما تقدم بعض الاشارة الى المناسبة بها. وهذه القاعدة تنفعك في كل اسم من اسمائه الحسنى المتعلقة بالخلق والامن والثواب والعقاب. فعليك ان تؤمن بانه عليم وذو علم. عظيم محيط بكل شيء. قدير ذو قدرة وقوة عظيمة ويقدر على كل شيء ورحيم وذو رحمة عظيمة ورحمته وسعت كل شيء. والثلاثة متلازمة فالاسم دل على الوصف. وذلك دل على المتعلق فمن نفى واحدا من هذه الامور الثلاثة فانه لم يتم ايمانه فانه لم يتم ايمانه ايمانه اسماء الرب وصفاته الذي هو اصل التوحيد. ولنكتفي بهذا الانموذج ليعرف ان الاسماء كلها على هذا النمط القاعدة الحادية والثلاثة. ربوبية الله في القرآن على نوعين. عامة وخاصة. كثر في القرآن ذكر ربوبية الرب لعباده علاقاتها ولوازمها وهي على نوعين. ربوبية عامة تدخل فيها المخلوقات كلها. برها وفاجرها. بل مكلفوها وغير المكلفين. حتى الجمادات. وهي انه تعالى المنفرد بخلقها ورزقها وتدبيرها واعطائها ما تحتاجه او تضطر اليه في بقائها. وحصول منافعها مقاصدها فهذه التربية لا يخرج عنها احد. والنوع الثاني في تربيته لاصفيائه واوليائه. فيربيهم بالايمان الكامل ويوفقهم لتكميل ويكملهم بالاخلاق الجميلة. ويدفع عنهم الاخلاق الرذيلة وييسر لهم وييسرهم لليسرى. ويجنبهم العسر وحقيقتها التوفيق لكل خير والحفظ من كل شر. وانابة المحبوبات العاجلة والاجلة. وصرف المكروهات العاجلة والاجلة. فحيث اطلقت ربوبيته وتعالى فان المراد بها المعنى الاول مثل قوله رب العالمين وهو ربك وهو رب كل شيء. ونحو ذلك وحيث قيدت بما فيحبه ويرضاه؟ او وضع السؤال بها عن الانبياء واتباعهم فانما المراد بها النوع الثاني وهو متظمن للنوع الاول ولهذا تجد اسئلة الانبياء واتباعهم في القرآن بلفظ الربوبية غالبا فان مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة ليلحق العبد هذا المعنى النافع. ونظير هذا المعنى الجليل ان الله اخبر في عدة ايات من ان الخلق كلهم عباده وعبيده ان كل من في السماوات والارض الا اتي الرحمن عبدا. فكلهم ممالك وليس لهم من الملك والامر شيء. ويخبر في بعض الايات ان عباده بعض خلقه كقوله وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا. ثم ذكر صفاتهم الجديدة اليس الله بكاف عبده وفي قراءة عبادة؟ سبحان الذي اسرى بعبده وان كنتم في ريب مما على عبدنا فالمراد بهذا النوع من قاموا بعبودية الله واخلصوا له الدين على اختلاف طبقاتهم. فالعبودية الاولى يدخل فيها البر هو الفاجر والعبودية الثانية صفة الابرار ولكن الفرق بين الربوع ولكن الفرق بين الربوبية والعبودية ان الربوبية وصف الرب فعله والعبودية وصف العبيد وفعلهم. القاعدة الثانية والثلاثون. اذا امر الله بشيء كان نهيا عن ضده واذا عفا عن شيء كان امرا بظده. واذا اثنى على نفسه او على اوليائه واصفيائه بنفي شيء من النقائص كان ذلك اثباتا الكمال وذلك لانه لا يمكن امتثال الامر على وجه الكمال الا بترك ضده. فحيث امر بالتوحيد والصلاة والزكاة والصوم الحج وبر الوالدين وصلة الارحام والعدل. كان ناهيا عن الشرك وعن ترك الصلاة وترك الزكاة وترك الصوم وترك الحج وعن العقوق والقطيعة وحيث نهى عن الشرك وترك الصلاة الى اخر المذكورات كان امرا بالتوحيد وفعل الصلاة الى اخره. وحيث امر بالصبر والشكر واقبال القلب على الله ومحبته وخوفا ورجاء كان ناهيا عن الجزع والسخط وكفران النعم واعراض القلب عن الله في تعلق في هذه الامور بغيره. وحيث نهى عن الجزع وكفران النعم وغفلة القلب كان امرا بالصبر الى اخر المذكورات. وهذا ظرب مثل والا فكل الاوامر والنواهي على هذا النمط وكذلك المدح. لا يكون الا باثبات الكمالات فحيث اثنى على نفسه وذكر تنزهه عن النقائص والعيوب كالنوم والسنة واللغوب والموت وخفاء شيء في العالم من الاعيان والصفات والاعمال وغيرها. والظلم فيتضمن الثناء عليه بكمالص حياته وكمال قيوميته وقدرته وسعة علمه وكمال عدله. لان العدم المحض لا كان فيه حتى ينفى تكميلا للكمال. وكذلك اذا نفى عن كتابه الريب والاختلاف والشك والاخبار بخلاف كان ذلك لكمال دلالته على اليقين في جميع المطالب. واشتمال الحق في كل الاحكام والانتظام التام والصدق الكامل الى غيره لذلك من صفات كتابه وكذلك اذا نفى عن رسوله صلى الله عليه وسلم الكذب والتقوى والجنون والسحر والغلط ونحوها كان ذلك لاجل اثبات كمال صدقه. لاجل اثبات كمال صدق آآ كان ذلك لاجل اثبات كمال صدقه وانه لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. وكمال عقله وزوال كل ما يقدح في كمال نبوته ورسالته. فتفطن لهذه القاعدة في كل ما يمر عليك من الايات القرآنية في هذه الامور وغيرها تنل خيرا كثيرا القاعدة الثالثة والثلاثون. المرض في القرآن مرض القلوب نوعان. مرض شبهات وشكوك ومرض شهوات ومرض المحرمات والطريق الى تمييز هذا من هذا مع كثرة ورودهما في القرآن يدرك من السياق. فان كان السياق في ذم المنافق والمخالفين في شيء من امور الدين كان هذا مرض الشكوك والشبهات. وان كان السياق في ذكر المعاصي والميل اليها. كان مرض شهوة ووجه انحصار المرض في هذين النوعين ان مرض القلب خلاف صحته. وصحة القلب الكاملة بشيئين كمال معرفته كمال علمه ومعرفته ويقينه وكمال ارادته ما يحبه الله ويرضاه. فالقلب الصحيح هو الذي عرف الحق واتبعه وعرف الباطل وتركه فان كان علمه شك وعنده وعنده شبهات تعارض تعارض ما اخبر الله به من اصول الدين وفروعه فعلمه منحرف. وكان مرض قلبه قسوة وضعفا. بحسب هذه الشكوك والشبهات. وان كانت ارادته مائلة لشيء من معاصي الله كان ذلك انحرافا في ارادة في ارادته ومرضا. وقد يجتمع الامران فيكون القلب منحرفا في علمه وفي ارادته. فمن النوع الاول تعالى عن المنافقين في قلوبهم مرظ وهي الشكوك والشبهات المعارضة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فزادهم الله مرضا عقوبة على ذلك المرض الناتج عن اسباب متعددة. عن اسباب متعددة كلها منهم وهم فيها غير معذورين ونظير هذا قوله تعالى واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وكذلك قوله تعالى ليجعل ما يلقي فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم. فان مريض القلب بالشكوك وضعف العلم اقل شيء يريبه. ويؤثر ويفتتن به. ومن الثاني قوله تعالى فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض اي مرض شهوة. وارادة للفجور اقل شيء من اسباب الافتتان يوقعه في الفتنة. طمعا او فعلا. فكل من اراد شيئا من معاصي الله فقلبه مريض مرض شهوة ولو كان صحيحا بصفات الازكياء الابرياء الانقياء الموصوفين بقوله ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون. فضلا من الله ونعمته والله عليم حكيم. فمن كان قلبه هذا الوصف الذي ذكره الله فليحمده على هذه النعمة. التي لا يقاومها شيء من النعم. وليسأل الله الثبات على ذلك. والزيادة من فضل الله ورحمته. القاعدة الرابعة والثلاثون. دل القرآن في عدة ايات ان من ترك ما ينفعه مع الامكان ابتلي بالاشتغال بما يضره وحرم الامر الاول. وذكر انه ورد في عدة ايات ان المشركين لما زهدوا في عبادة الرحمن ابتلوا بعبادة الاوثان. ولما استكبروا عن الانقياد للرسل بزعمهم انهم بشر. ابتلوا بالانقياد الى ما رج العقل والدين فلما عرض عليهم الايمان اول مرة فعرفوه ثم تركوه. قلب الله قلوبهم وطبع عليها وختم. فلا يؤمنون حتى يروا العذاب الاليم ولما بين لهم الصراط المستقيم وزاغوا عنه اختيارا. ورضوا بطريق الغي عن طريق الهدى. عوقبوا بان ازاغ الله قلوبهم وجعلهم في طريقهم. ولما اهانوا ايات الله ورسله اهانهم الله بالعذاب المهين. ولما استكبروا عن الانقياد للحق اذلهم الله في الدنيا والاخرة. ولما منعوا مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعوا في خرابها. ما كان لهم بعد ذلك ان يدخلوها الا خائفا. ومنهم من عاهد الله لان اتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين. فلما اتاهم من فضله بخلوا وتولوا وهم معرضون. فاعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه. بما اخلفوا الله ما وعدوا هو بما كانوا يكذبون. والايات في هذا المعنى كثيرة جدا يخبر فيها ان العبد كان قبل كان قبل ذلك بصدد ان يهتدي وان يسلك الطريق المستقيم. ثم اذا تركها بعد ان عرفها وزهد فيها بعد ان سلكها انه يعاقب ويصير الاهتداء الى غير ممكن في بحقه جزاء على فعله كقوله عن اليهود ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كانهم لا يعلمون. واتبعوا ما تتلوا الشياطين. على ملك سليم فانهم تركوا اجل الكتب وانفعها. تركوا اجل الكتب وانفعها واصدقها فابتلوا باتباع ارذلها واكذبها واضرها. والمحاربون لله ورسوله تركوا انفاق اموالهم في طاعة الرحمن وانفقوها في طاعة الشيطان. القاعدة الخامسة والثلاثون. في القرآن عدة ايات فيها الحث على اعلى المصلحتين. وتقديم اهون المفسدتين. ومنع ما كانت مفسدته ارجح من مصلحته. وهذه قاعدة جليلة نبه الله عليها في ايات كثيرة. فمن الاول المفاضلات بين الاعمال وتقديم الاعلى. منها كقوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل وكقوله اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن امن بالله واليوم الاخر. وجاهد في سبيله لله لا يستوون عند الله وكقوله لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون في سبيله دين الله. ومن الثاني قوله تعالى وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله. والفتنة اكبر من القتل. يبين تعالى ان ما نقمه الكفار على المسلمين من قتال في الشهر الحرام انه وان كان مفسدة. فما انتم عليه من الصد عن سبيل الله والكفر به. والكفر بالله وبالمسجد حرام واخراج اهله منه اكبر عند الله من الختمة. وقوله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطأوهم ايات فكفى الله عن القتال في المسجد الحرام مع وجود المقتضي من الكفار. خوف خوف المفسدة المترتبة على ذلك من اصابة المؤمنين والمؤمنات من معرة الجيش ومضرته. وكذلك جميع ما جرى في الحديبية من هذا الباب من التزام تلك الشروط التي ظاهرها ضرور على المسلمين ولكنها صارت هي عين المصلحة. ومن هذا امره بكف الايدي قبل ان يهاجر الرسول المدينة. لان الامر بالقتال في ذلك الوقت اعظم ضررا من الصبر والاخلاد الى السكينة. ولعل من هذا مفهوم قوله فذكر نفعت الذكرى يعني فان ضرت فترك التذكير الموجب الموجب الظرر الكثير هو المتعين. والايات في هذا النوع كثيرة جدا. ومن الثالث قوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس. واثمهما ما اكبر من نفعهما هذا كالتعديل العام ان كلما كانت مضرته واثمه اكبر من نفعه فان الله من حكمته لابد ان يمنع منه عباده ويحرمه عليهم. وهذا الاصل العظيم كما انه ثابت شرعا فانه هو المعقول بين الناس. المفطورين على استحسانه والعمل به في الامور الدينية والدنيوية. والله اعلم. القاعدة السادسة والثلاثون. طريقة القرآن اباحة باقتصاص من المعتدي ومقابلته بمثل عدوانه. والنهي عن ظلمه والندب الى العفو والاحسان. وهذا في اياته كثيرة كقوله وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. وقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله انه لا يحب الظالمين. فذكر المراتب الثلاثة ولما كان القتال في المسجد الحرام محرما قال تعالى فان قاتلوهم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين وقال فان ارتعوا فلا عدوان الا على الظالمين. الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص وهو كل ما حرمه الله الله سبحانه وتعالى وامر باحترامه. فمن انتهكه فقد اباح الله الاقتصاص منه بقدر ما اعتدى به لا اكثر وقوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله وقوله يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتل. الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى. وقوله وكتبنا عليهم فيها ان النفس نفس الاية وقوله ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا. فلا يسرف في القتل انه كان منصورا وقوله لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم. والايات في هذا المعنى كثيرة والله اعلم. القاعدة السابعة ثلاثون. اعتبر الله القصد والارادة في ترتب الاحكام على اعمال العباد. وهذا الاصل العظيم صرح به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله انما الاعمال بالنيات والمقصود هنا ان ورود ايات كثيرة في هذا الاصل فمنها وهو اعظمها انه رتب حصول الاجر العظيم على الاعمال بارادة وجهه. لما ذكر الصدق والمعروف والاصلاح بين الناس. قال تعالى ومن يفعل ذلك ابتغاء ومرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما. وقال الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضات الله وفي مقابله رئاء الناس ووصف الله نبيه وخيار خلقه من الصحابة رضي الله عنهم بانهم يبتغون فضلا من الله ورضوانه. وقال تعالى في الرجعة وبعولتهن الحق بردهن في ذلك ان ارادوا اصلاحا. وقال لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وقال شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وقال لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون وقال وان تخالطوهم فاخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح وفي دعاء ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا. قال تعالى قد فعلت. وليس عليكم جناحه فيما اخطأتوا به ولكن ما تعمدت قلوبكم. وذكر الله قتل الخطأ ورتب عليه الدية والكفارة ثم قال ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها. وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما. وقال في الصيد ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم وقال واعلموا ان الله يعلم ما في فاحذروه الى غير ذلك من الايات الدالة على ان اعمال الابدان واقوال اللسان صحتها وفسادها وترتب اجرها او جذرها بحسب ما قام بالقلب. القاعدة الثامنة والثلاثون. قد دلت ايات كثيرة على جبر خاطر المنكسر قلبه ومن تشوقت نفسه لامر من الامور ايجابا واستحبابا. وهذه قاعدة لطيفة اعتبرها الباري وارشد عباده اليها في عدة ايات منها المطلقة فانها فانه لما كان في الغالب منكسرة القلب حزينة على فراق بعلها امر الله بمتعتها على الموسع قدره على المبطل قدره متاعا بالمعروف. وكذلك من مات زوجها عنها فان من تمام جبر خاطرها ان تمكث عند اهله سنة كاملة وصية ومتعة مرغب فيها. وكذلك اوجب الله للزوجة على الزوج النفقة والكسوة في في مدة العدة اذا كانت رجعية او كانت حاملا مطلقة وقال تعالى واذا حضر القسمة اولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم وقولوا لهم قولا معروفا. ويدخل الواجب والمستحب في مثل قوله واتوا حقه يوم حصاده. وكذلك اخباره عن عقوبة اصحاب الجنة الذين اقسموا ليصرمنها مصبحين. وتواصوا الا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وقال تعالى اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة. وقال تعالى فاتي ذا القربى حقه والمسكين وبنى السبيل. وقد ذكر الله تعالى جبره لقلوب انبيائه واصفيائه اوقات الشدائد. واجابته لادعيتهم او خواتي الحاجات والظرورات. وامر عباده بانتظار الفرج عند الازمات. فهذا اصل قد اعتبره الله وارشد اليه. فينبغي للعبد ان يكون على باله في كل وقت المناس في كل وقت المناسبات ويعتبره عند وجود سببه. القاعدة التاسعة والثلاثون. في طريقة القرآن في احوال السياسة الداخلية والخارجية. طريقة القرآن في هذا اعلى طريقة واقرب الى حصول جميع المصالح الكلية والى دفع المفاسد. ولو لم يكن في القرآن من هذا النوع الا قوله تعالى وشاورهم في الامر. واخباره عن المؤمنين ان امره ان امرهم شورى بينهم. فالامر مفرد مضاف لي الى المؤمنين. وفي الاية الاولى قد دخلت عليه ال المفيدة للعموم والاستغراق يعني ان جميع امور المؤمنين وشؤونهم واستجلاب مصالحهم واستدفاع مضارهم معلق بالشورى والتراود على على اليقين الامر الذي يجرون اليه. وقد اتفق العقلاء ان الطريق الوحيد للصلاح الديني والدنيوي هو طريق الشورى. فالمسلمون قد ارشدوا الله الى ان يهتدوا الى مصالحهم وكيفية الوصول اليها باعمال افكارهم مجتمعة. فاذا تعينت المصلحة في طريق سلكوه واذا كانت المضرة في طريق تركوه. واذا كان في ذلك مصلحة ومضرة نظروا ايها اقوى واولى واحسن عاقبة. واذا رأوا امرا من الامور ايه هو المصلحة؟ ولكن ليست اسبابه عتيدة عندهم ولا لهم قدرة ولا لهم قدرة عليها نظروا باي شيء تدرك تلك الاسباب في اي حال تنال على وجه لا يظر. واذا رأوا مصالحهم تتوقف على الاستعداد بالفنون الحديثة. والاختراعات الباهرة سعوا لذلك بحسب اقتدارهم ولم يملكهم اليأس والاتكال على غيرهم. الملقى الملقي الى التهلكة. واذا عرفوا وقد عرفوا ان السعي الاتفاقي وتوحيد الامة هو الطريق الاقوم للقوة المعنية جدوا في هذا واجتهدوا. واذا رأوا المصلحة في المقاومة مهاجمة او في المسالمة والمدافعة بحسب الامكان سلكوا ما تعينت مصلحته. فيقدمون في موضع الاقدام في موضع الاحجاب. وبالجملة لا يدعون داخلية ولا خارجية دقيقة ولا جليلة الا تشاوروا فيها. وفي طريق تحصيلها وتنميتها نفع ما يضادها ويناقضها. فهذا النظام العجيب الذي ارشدهم اليه القرآن هو النظام الذي يصلح في كل زمان ومكان في كل امة ضعيفة او قوية ومن ذلك قوله تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. فهذه الاية نص صريح بوجوب الاستعداد الاعداء بما استطاعه المسلمون من قوة عقلية ومعنوية ومادية. مما لا يمكن حصر افراده. وفي كل وقت يتعين سلوك ما ذلك الوقت ويناسبه. ومن ذلك قوله تعالى يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم. ونحوها من الايات التي ارشد الله الى التحرز من الاعداء. فكل طريق وسبب يتحرز به من الاعداء فانه داخل في هذا. ولكل وقت ولكل وقت ومن عجيب ما نبه عليه القرآن من النظام الوحيد ان الله عاتب المؤمنين بقوله وما محمد الا رسول قد خلت من قبل فارشد عباده الى انه ينبغي ان يكونوا بحالة من جريان الامور على طرقها ولا يزعزعهم عنها فقد رئيس وان عظم. وما ذاك الا بان يستعدوا لكل امر من امورهم الدينية والدنيوية بعدة اناس اذا اذا فقد احدهم قام به غيره. وان تكون الامة متوحدة في ارادتها وعزمها ومقاصدها وجميع شؤونها جميعا ان تكون كلمة الله هي العليا. وان تقوم جميع الامور ان تقوم جميع الامور بحسب قدرتهم. وقال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم اي اتقوا غضبه وعقابه في القيام بما امر به من كل خير وصلاح. لكم جماعة ومنفردين فكل مصلحة الله بها وهي متوقفة في حصولها او في كمالها على امر من الامور السابقة او اللاحقة. فانه يجب تحصيلها بحسب الاستطاعة. فلا يكلفه الله ما لا يطيقون. وكذلك كل مفسدة ومضرة لا يمكن اجتنابها الا بسلوك بعض الطرق السابقة او اللاحقة فانها داخلة في تقوى الله. وذلك ان الحق حق والوسائل لها احكام المقاصد. ومن الايات الجامعة في السياسة قوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعم ما يعظكم به. الاية والاية التي بعدها فالامانات يدخل فيها اشياء كثيرة. ومن اجلها الولايات الولايات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة الدينية والدنيوية. فقد امر الله ان تؤدى الى اهلها بان يجعل بان يجعل فيها الاكفاء لها وكل ولاية لها اكفاء مخصوصون فهذا الطريق الذي امر الله به في الولايات من من اصلح الطرق لصلاح جميع الاحوال فان صلاح الامور بصلاح المتولين والرؤساء فيها. والمدبرين لها والعاملين لها وبحسب تولية الامثل فالامثل ان خير من استأجرت القوي الامين. فصلاح المتولين للولايات الكبرى والصغرى عنوان صلاح الامة. وظده بظده. ثم الى الحكم بين الناس بالعدل. الذي ما قامت السماوات والارض الا به. فالعدل قوام الامور او قوام الامور وروحها وبفقده تفسد الامور. والحكم بالعدل من لازمه معرفة العدل في كل امر من الامور. فان كان المتولون للولاية هم القنبل من الرجال الاكفاء للاعمال وجرت تدابيرهم وافعالهم على العدل والسداد متجنبين للظلم والفساد ترقت الامة وصلحت احوالها وتمام ذلك في الاية الاخرى التي امر الله بها بطاعة ولاة الامور. فهل يوجد اكمل واعلى من هذه السياسة الحكيمة التي عواقبها التي عواقبها احمد العواقب. ومن الايات المتعلقة بالسياسة الشرعية جميع ما شرعه الله من الحدود على الجرائم والعقوبات على المتجرئين على حقوقه وحقوق عباده. وهي في غاية العدالة والحسنى وردع المجرمين والنكال والتخويف لاهل الشر والفساد. وفيها صيانة لدماء الخلق واموالهم واعراضهم. والايات التي فيها بالمعروف والنهي عن المنكر والتكلم بالحق مع من كان وفي اي حال من الاحوال. وكذلك ما فيه من النهي عن الظلم فيه سعد للحرية النافعة التي معناها التكلم بالحق. وفي الامور التي لا محظور فيها. كما ان الحدود والعقوبات والنهي عن الكلام القبيح هو الفعل القبيح. فيها رد الحرية الحرية الباطل فيها رد الحرية الباطلة. فان ميزان الحرية الصحيحة النافعة هو ما ارشد اليه القرآن. واما اطلاق عنان الجهل والظلم والاقوال الضارة للمجتمع للمجتمع. المحللة للاخلاق فانها من اكبر اسباب الشر والفساد وانحلال الامور والفوضوية المحضة. فنتائج الحرية الصحيحة احسن النتائج. ونتائج الحرية الفاسدة اقبح النتائج فالشارع فتح الباب للاولى. وعقد الاولى واغلق عن الثانية. تحصيلا للمصالح ودفعا للمضار والمفاسد والله اعلم القاعدة الاربعون في دلالة القرآن على اصول الطب. اصول الطب ثلاثة حفظ الصحة باستعمال الامور النافعة والحمية عن الامور الضارة ودفع ما عرض للبدن من المؤذيات. ومسائل الطب كلها تدور على القواعد وقد نبه القرآن عليها في قوله تعالى في حفظ الصحة ودفع المؤذي وكلوا واشربوا ولا تزرفوا فامر بالاكل والشرب الذي لا تستقيم ابدان الا بهما. واطلق ذلك ليدل على ان المأكول والمشروب بحسب ما يدائم الانسان وينفعه في كل وقت وحال. ونهى عن الاسراف في ذلك واما زيادة اما زيادة في كثرة المأكولات والمشروبات واما بالتخليط وهذا حمية عن كل ما يؤذي الانسان. فاذا كان القوت من الطعام والشراب اذا صار بحالة يتأذى منه البدن ويتظرر منه منع. فكيف بغيره؟ وكذلك اباح الله للمريض التيمم اذا كان استعمال الماء يضره حمية له عن المضرات كلها. واباح للمحرم الذي به اذى من رأسه ان يحلقه ويفتي. وهذا من باب الاستفراغ وازالة ما يؤذي البدن. فكيف بما ضرره اكبر من هذا؟ ونهى عن الالقاء بالبدن الى التهلكة فيدخل في ذلك استعمال كل ما يتضرر به الانسان من الاغذية والادوية. ودفع ما يضر. بمدافعة الذي لم يقع والتحرز عنه وبمعالجة الحادث. بالطريقة الطبية النافعة وكذلك ما ذكره الله في كتابه من الاعمال كلها كالجهاد والصلاة والصوم والحج وبقية الاعمال والاحسان الى الخلق فانها وان كان المقصود الاعظم منها نيل رضا الله وقربه وثوابه والاحسان الى عبيده فان فيها صحة الابدان وتمرينا لها فان فيها صحة للابدان وتمرينا لا ورياضة وراحة للنفس وفرحا للقلب. واسرارا خاصة تحفظ الصحة وتنميها وتزيل عنك المؤذيات. وبالجملة فان جميع الشرائع ترجع الى صلاح القلوب والارواح والاخلاق والابدان والاموال والدنيا والاخرة والله اعلم القاعدة القاعدة الحادية والاربعون يرشد الله عباده في كتابه من جهات العمل الى قصر نظرهم الى الحالة الحاضرة الساعة التي هم فيها. ومن جهة الترغيب فيه والترهيب من ضده الى ما يترتب عليها من المصالح. ومن جهة النعم الى النظر الى ضدها وهذه القاعدة الجليلة دل عليها القرآن في ايات عديدة. دل عليه القرآن في ايات عديدة. آآ وهي من اعظم ما يدل على حكم على على حكم الله. ومن اعظم ما يرقى العاملين الى خيري الدنيا والاخرة. ومن اعظم ما يرقي العاملين الى خيري الى خير ديني ودنيوي. فان العامل اذا كان مشتغلا بعمله الذي هو وظيفة وقته فان قصر فكره وظاهره وباطنه عليه نجح وتم بحسب حاله. وان نظر وتشوقت نفسه الى اعمال اخرى. لم يحسن وقتها بعد اثرت قطرت عزيمته وانحلت همته وصار نظره الى الاعمال الاخرى ينقص من اتقان عمله الحاضر قمع الهمة عليه. ثم اذا جاءت وظيفة العمل الاخر جاءه وقد ضعفت همته وقل نشاطه. وربما كان الثاني متوقفا على الاول في حصوله تكميلي فيفوت الاول والثاني بخلاف من جمع قلبه وقالبه وصار اكبر همه القيام بعمله الذي هو وظيفة وقته انه اذا جاء العمل الثاني فاذا هو قد استعد له بقوة ونشاط وتلقاه بشوق وصار قيامه بالاول معونة على قيامه بالثاني ومن هذا قوله تعالى مصرحا بهذا المعنى. الم تر ان الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة واتوا الزكاة. فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية. فانظر كيف حالهم؟ الاولى وامنيتهم وهم مأمورون بكفهم الايدي فلما جاء العمل الثاني ضعفوا ضعفوا كل الضعف عنه. ونظير هذا ما عاتب الله به اهل احد اهل احد في قوله ولقد تتمنون الموت من قبل ان تلقوه. فقد رأيتموه وانتم تنظرون. وقد كشف هذا المعنى كل الكشف في قوله تعالى. ولو ان انا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم او اخرجوا من دياركم ما فعلوه. ما فعلوه الا قليل منهم. ولو انهم فعلوا ما به لكانوا خيرا لهما اشد تثبيتا. لان فيه تكميلا للعمل الاول وتثبيتا من الله وتمرنا على العمل الثاني. ونظيره تعالى ومنهم من عاهد الله لان اتانا من فضله ونصدقن ولنكونن من الصالحين. فلما اتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون. فاعقبهم نفاقا في قلوبهم. فالله ارشد العباد ان يكونوا ابناء وقتهم. وان بالعمل الحاضر ووظيفته. ثم اذا جاء العمل الاخر صار وظيفة ذلك الوقت واجتمعت تلك الهمة والعزيمة عليه. وصار القيام بالعمل الاول قلي معين على الثاني. وهذا المعنى في القرآن كثير. واما الامور المتأخرة فان الله مرشد العاملين الى ملاحظتها لتقوى هممهم. على العمل المثمر للمصالح والخيرات. وهذا كالترغيب المتنوع من الله على اعمال الخير والترهيب من افعال الشر بذكر عقوباتها وثمراتها الذميمة. فاعرف فرق بين النظر الى العمل الاخر الذي لم يجيء وقته وبين النظر الى ثواب العمل الحاضر. الذي كلما فتل فترته همته صاحبه. وتأمل ما يترتب عليه من الخيرات استجد نشاطه وقوي عليه وهانت عليه مشقته. كما قال تعالى ولا تهنوا في ابتغاء القوم ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون. واما ارشاده من جهة النعم التي على العبد من الله بالنظر الى ضدها ليعرف قدرها. ليعرف قدرها ويزداد شكره لله. ففي القرآن منه كثير. يذكر عباده نعمته عليهم بالدين والاسلام وما يترتب على ذلك من النعم كقوله تعالى لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا الى قوله وان كانوا من قبلنا في ضلال مبين. وقوله واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم. فاصبحتم نعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها. كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون اي الى الزيادة لشكر نعم الله. وقوله واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الارض. تخافون ان يتخطفكم ناس فاواكم وايدكم بنصره. ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون. وقوله قل ارأيتم ان جعل الله عليكم الليلة سرمدا الى يوم القيامة الى اخر الايات. حيث يذكرهم ان ينظروا الى ضد ما هم فيه. الى ضد ما هم فيه من النعم والخير يعرف قدر ما هم فيه. وهذا الذي ارشد اليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال انظروا الى من هو اسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم فانه الا تزدروا نعمة الله عليكم. وقوله تعالى فاذكروا الاء لعلكم تفلحون. وقوله الم يجدك يتيما فاوى ووجدك عائلا فاغنى الى اخرها. القاعدة الثانية والاربعون. في ان الله قد ميز في كتابه بين حقه الخاص وحق رسوله الخاص والحق المشترك. فالحقوق ثلاثة حق الله وحده لا يكون لغيره وهو حق لله وحده لا يكون لغيره وهو عبادته وحده لا شريك له بجميع انواع العبادات. وحق لرسوله صلى الله عليه وسلم خاص وهو التعزير والتوقير والقيام بحقه اللائق والاقتداء به. وحق مشترك وهو الايمان بالله ورسوله وطاعة الله ورسوله ومحبته محبة الله ورسوله. وقد ذكر الله الحقوق الثلاثة في ايات كثيرة من القرآن. فاما حقه فكل اية فيها الامر بعبادته واخلاص العمل له والترغيب في ذلك وهذا شيء لا يحصى. وقد جمع الله ذلك في قوله لتؤمنوا بالله ورسوله. وهذا مشترك وتعزروه وتوقروه وهذا خاص بالرسول وتسبحه بكرة واصيلا فهذا حق لله وحده. وقوله اطيعوا الله واطيعوا الرسول في ايات كثيرة وكذلك امنوا بالله ورسوله وكذلك والله ورسوله احق ان يرضوه وكذلك سيؤتينا الله من فضله ورسوله. فهذا مشترك. انا الى الله راغبون هذا مختص بالله تعالى. ولكن ينبغي ان يعرف العبد من كل وجه ان الحق المشترك ليس معناه ان ما لله منه يثبت نظيره من كل وجه لرسوله بل المحبة والايمان بالله والطاعة لله لابد ان يصحبها ان يصحبها التعبد والتعظيم لله والخضوع. واما المتعلق بالرسول صلى الله الله عليه وسلم فانه حب في الله. وطاعة لاجل ان من اطاع الرسول فقد اطاع الله. بل حق الرسول على امته من حق الله الله تعالى فيقوم المؤمن به امتثالا لامر الله وعبودية له وقياما بحق رسوله وطاعة له وانما قيل له حق الرسول لتعلقه بالرسول جميع ما امر الله به وحث عليه من القيام بحقوق رسوله وحقوق الوالدين والاقارب وغيرهم كله حق لله تعالى. فيقول به العبد امتثالا لامر الله وتعبدا له. وقياما بحق ذي الحق واحسانا اليه. الا الرسول. فان الاحسان منه كله الى فما وصل اليهم خير الا على يديه صلى الله عليه وسلم. القاعدة الثالثة والاربعون يأمر الله بالتثبت وعدم العجلة في الامور التي يخشى من عواقبها. ويأمر ويحث على المبادرة على امور الخير التي يخشى فواتها. وهذه في القرآن كثير. قال الله تعالى في القسم الاول يا ايها الذين امنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا وفي قراءة فتثبتوا قال يا ايها يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. ان تصيبوا قوما بجهالة وقد عاتب الله المتسرعين الى اذاعة الاخبار التي يخشى من اذاعتها. فقال تعالى واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعه ودور الدهون الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمهم الذين يستنبطونه منهم. وقال تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلم ومن هذا الباب الامر بالمشاورة في الامور واخذ الحذر. والا يقول الانسان ما لا يعلم. وفي هذا ايات كثيرة. واما القسم الثاني في قوله وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض. وقوله فاستبقوا الخيرات قول اولئك يسارعون في الخيرات. هم لها سابقون. وقوله والسابقون السابقون اي السابقون في الدنيا الى الخيرات هم السابقون في الاخرة الى الجنات والكرامات. والايات كثيرة في هذا المعنى. وهذا الذي ارشد الله عباده اليه هو الكمال. ان كونوا حازمين لا يفوتون لا يفوتون فرص الخيرات وان يكونوا متثبتين. خشية وقوع المنكرات والمضرات ومن احسن ومن احسن من الله حكما قومي يوقنون. القاعدة الرابعة والاربعون عندما يلان النفس او خوف ميلانها الى ما لا ينبغي. يذكرها الله ما يفوتها من خير وما يحصل لها من الضرر. وهذا في القرآن كثير وهو من انفع الاشياء في حصول الاستقامة. لان الامر والنهي المجرد لا يكفي اكثر الخلق في عما لا ينبغي حتى يقرن ذلك بذلك ما يفوت من المحبوبات. التي تزيد اضعافا مضاعفة على المحبوب الذي يكرهه الله. وتميل اليه وما يحصل من المكروه المرتب عليه. كذلك قال الله تعالى انما اموالكم واولادكم فتنة. فهنا لما ذكر فتنة الاموال والاولاد التي مالت باكثر الخلق عن الاستقامة. قال مذكرا لهم ما يفوتهم ان آآ ان افتتنوا وما يحصل لهم ان سلموا من الفتنة والله عنده اجر عظيم. وقال تعالى ها انتم يا اولاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا. فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ام من يكون عليه وقال تعالى من كان يريد حرف الاخرة نزد له في حرثه وقال تعالى افرأيت ان متعناهم سنين ثم جاهم ما كانوا يوعدون. ما اغنى عنهم ما كانوا يمتعون. والايات في هذا الجليل كثيرة جدا. فاذا فاذا بان للناظر اصلها وقاعدتها سهل عليه تنزيل كل ما يرد منها على الاصل والله اعلم. القاعدة الخامسة والاربعون حث الباري في كتابه على الصلاح والاصلاح. هذه القاعدة من اعم القواعد فان القرآن يكاد ان يكون كله داخلا تحتها. فان الله امر بصلاحه في اية متعددة والاصلاح. واثنى على الصالحين والمصلحين في اية اخرى والصلاح ان تكون الامور ان تكون الامور كلها ان تكون الامور كلها مستقيمة معتدلة. مقصودا بها غايتها الحميدة. فامر والله بالاعمال الصالحة. واثنى على الصالحين لان اعمال الخير تصلح القلوب. والايمان وتصلح الدين والدنيا والاخرة. وضدها فسادها هذه الاشياء. وكذلك في ايات متعددة فيها الثناء على المصلحين. ما افسد الناس والمصلحين بين الناس. والتصالح فيما بين النازحين واخبر على وجه العموم ان الصلح خير. فاصلاح الامور الفاسدة فاصلاح الامور الفاسدة والسعي في ازالة ما يحتوي عليه الشرور والظرر العام والخاص. ومن اهم انواع الاصلاح السعي في اصلاح احوال المسلمين. في اصلاح دينهم ودنياهم كما قال شعيب عليه السلام ان اريد الا الاصلاح ما استطعت. فكل ساع في مصلحة دينية او دنيوية للمسلمين فانه مصلح والله لا يصبح عمل المفسدين. ومن اهم ما يكون ايضا السعي في الصلح بين المتنازعين. كما امر الله بذلك في الدماء والامراض والحقوق بين الزوجين. والواجب ان ان يصلح بالعدل. ويسلك في طريق في طريق توصل الى الملاءمة بين المتنازعين فان اثار الصلح بركة وخير وصلاح. حتى ان الله تعالى امر المسلمين اذا جنح الكفار الحربيون الى المسالمة والمصالحة ان يوافقوهم على ذلك متوكلين على الله. وامثلة هذه القاعدة لا تنحصر وحقيقتها السعي في الكمال الممكن حسب صدري اه وحقيقتها سعي في الكمال الممكن حسب القدر بتحصيل المصالح او تكميلها او ازالة والمضار او تقديرها. الكلية والجزئية المتعدية والقاصرة والله اعلم. القاعدة السادسة والاربعون ما امر الله به في كتابه اما ان يوجه الى من لم يدخل فيه فهذا امر له بالدخول فيه. واما ان يوجه لمن دخل فيه فهذا امر به. ليصحح ما وجد منه يسعى في تكميل ما لم يوجد منه. وهذه القاعدة مطردة في جميع الاوامر القرآنية. اصولها وفروعها. فقوله تعالى يا ايها الذين اوتوا الكتاب امنوا بما نزل من القسم الاول. وقوله يا ايها الذين امنوا امنوا من القسم الثاني والثالث. فانه امرهم بما يصحح ويكمل ايمانهم من الاعمال الظاهرة والباطنة وكمال الاخلاص فيها والنهي عما يفسدها وينقصها. وكذلك امره للمؤمنين ان يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا رمضان امر بتكميل ذلك. والقيام بكل شرط ومكمل لذلك العمل. والنهي عن كل مفسد ومنقص لذلك العمل. وكذلك امره لهم بالتوكل ونحوها من اعمال القلوب هو امر بتحقيق ذلك وايجاد ما لم يوجد منه. وبهذه القاعدة نفهم جواب الايراد الذي يولد على طلب المؤمنين من ربهم الهداية الى الصراط المستقيم. والله قد هداهم للاسلام. جوابه ما تضمنته هذه القاعدة. ولا يقال هذا الحاصل فافهم هذا الاصل الجليل النافع. الذي يفتح لك من ابواب العلم كنوزا وهو في غاية الجسر والوضوح. القاعدة السابعة والاربعون اذا اذا كان سياق الايات في امور خاصة واراد الله ان يحكم عليها وذلك الحكم لا يختص بها بل يشملها ويشمل غيرها جاء الله بالحكم العام في القاعدة من اسرار القرآن وبدائعه واكبر دليل على احكامه وانتظامه العجيب. وامثلة هذه القاعدة كثيرة منها لما ذكر الله المنافقين وذمهم. واستثنى منهم طيبين فقال الا الذين تابوا واصلحوا واعتصموا بالله واخلصوا دينهم لله فاولئك مع المؤمنين. فلما اراد الله ان لهم بالاجر. لم يقل وسوف يؤتيهم اجرا عظيما. بل قال وسوف يؤتيناه المؤمنين اجرا عظيما ليشملهم وغيرهم. من كل مؤمن ولان لا اختصاص الحكم بهم. ولما قال ان الذين ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسوله الى قوله اولئك هم الكافرون حقا. واعتدنا للكافرين عذابا مهينا. لم يقل واعتدنا لهم للحكمة التي ذكرناها. ومثله قل الله ينجيكم منها اي هذه الحالة التي وقع سياق لاجلها. ومن كل ذكر. القاعدة الثامنة والاربعون. متى علق الله بالامور بعد وجودها كان المراد بذلك العلم الذي يترتب عليه الجزاء. وذلك انه تقرر في الكتاب والسنة السنة والاجماع. ان الله بكل شيء عليم. وان علمه محيط بالعالم العلوي والسفلي والظواهر والبواطن والجليات والخفيات. والماظي والمستقبل وقد علم ما العباد عاملون قبل ان يعملوا الاعمال. وقد وردت عدة ايات يخبر بها انه شرع كذا او قدر كذا. ليعلم كذا. فوجه على ان العلم الذي يترتب عليه الجزاء انه ان هذا العلم الذي يترتب عليه الجزاء واما علمه باعمال العباد وما هم عاملين وما هم عاملون قبل ان يعمل فذلك علم لا يترتب عليه الجزاء. لانه انما يجازي على ما وجد من الاعمال. وعلى هذا الاصل نزل ما يرد عليك من الايات كقوله يا ايها الذين امنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله ايديكم ورماحكم. ليعلم الله من يخافه بالغيب. وقوله ما جعلنا القبلة نتي كنوت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول. ممن ينقلب على عقبيه. وقوله وليعلمن الله الذين امنوا وليعلمن المنافقين وقوله لنعلم اي الحزبين احصى لما لبثوا امدا وما اشبه هذا كلها على هذا القاعدة التاسعة والاربعون وهذا من لطفه القاعدة التاسعة والاربعون اذا منع الله عباده المؤمنين شيئا تتعلق به ارادتهم فتح لهم بابا انفع لهم واسهل واولى. وهذه وهذا من لطفه قال تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض كالرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبنا. واسألوا الله من فضله. فنهاهم عن التجني الذي ليس بنافع. وفتح لهم ابواب الفضل والاحسان وامرهم ان يسألوه بلسان المقال وبلسان الحال. ولما سأل موسى عليه السلام رؤية ربه حين سمع كلامه ومنعه الله منها سلاه بما ومن الخير العظيم قال يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالات وبكلام فخذ ما اتيتك وكن من الشاكرين وقال تعالى من اية او نسيها نأتي بخير منها او مثلها وقال وان يتفرقا عيون الله كلا من سعي وفي هذا المعنى ايات كثيرة. القاعدة الخمسون. ايات الرسول صلى الله عليه وسلم هي التي يبديها الباري يبتديها. واما ما ابداه المكذبون له واقترحوه فليست ايات وانما هي تعنتات وتعجيزات. وبه هذا يعرف الفرق بينها وبين الايات وهي البراهين والادلة على صدق الرسول وغيره من الرسل. وعلى صدق كل خبر اخر اخبر الله به وانها الادلة والبراهين التي يلزم من فهمها من فهمها على وجهها صدق ما دلت عليه ويقينه. وبهذا المعنى ما ارسل الله من رسول الا اعطاه من الايات ما على مثله امن البشر. واما ما اتى الله محمدا صلى الله عليه وسلم من الايات فهي لا تعد ولا تعد من كثرتها وقوتها ووضوحها ولله الحمد. ولم يبق لاحد من الناس بعدها عذر. فعلم بذلك ان اقتراح المكذبين لايات يعينونها ليست هذا القبيل. وانما مقصودهم بهذا انهم وطنوا انفسهم على دينهم الباطل. وعدم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم. فلما دعاهم الى الايمان واراهم شواهد الايات ارادوا ان يبرروا ما هم عليه عند عند الاغمار والسفهاء بقولهم ائتنا بالاية الفلانية. والاية الفلانية ان كنت صادقا وان لم تأتي بذلك فلا نصدقك. فهذه طريقة لا يرتضيها ادنى منصف. ولهذا يخبر تعالى انه لو اجابهم الى ما طلبوا لم يؤمنوا. لان وطنوا انفسهم على الرضا بدينهم وعرفوا الحق ورفضوه. وايضا فهذا من جهلهم في الحال والمآل. اما الحال فان هذه الايات التي تقترح وتعين. جرت العادة على ان المقترحين لها لم يكن قصدهم الحق. فاذا جاءت ولم يؤمنوا عوجلوا بالعقوبات الحاضرة. واما المآل فانهم جزموا جزما لا تردد فيه انهم اذا جاءت امنوا وصدقوا وهذا قلب للحقائق. واخبار بغير الذي في قلوبهم فلو جاءتهم لم يؤمنوا الا ان يشاء الله تعالى. وهذا النوع ذكره الله في في كتابه عن المكذبين في ايات كثيرة جدا بقولهم لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا. وقولهم ولو ان اننا نزلنا عليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم. وحشرنا عليهم كل شيء وقودا. وايضا اذا هذا الاقتراحات التي عينوها لم تجد لم تجدها في الحقيقة من جنس البراهين. وانما هي لو فرض الاتيان بها تكون شبيهة ايات الاضطرار التي لا ينفع الايمان معها ويصير شهادة. وانما الايمان النافع هو الايمان بالغيب. فكما انه المنفرد بالحكم بين في اديانهم وحقوقهم. وانه لا حكم الا حكمه. وانه وان من قال ينبغي او يجب ان يكون الحكم كذا وكذا فهو متجرأ على الله. متوثب على حرمات الله واحكامه. فكذلك براهين احكامه لا يتولاها الا هو. فمن اقترح شيئا من عنده فقد ادعى مشاركة الله في حكمه ومنازعته في الطرق التي يهدي ويرشد بها عباده. ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي ولم يوحى اليه شيء ولم يوحى اليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما انزل الله. القاعدة الحادية والخمسون كلما ورد في القرآن الامر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله والثناء على الداعين تناول دعاء تناول دعاء المسألة ودعاء العبادة. وهذه قاعدة نافعة فان اكثر الناس انما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة دعاء المسألة فقط ولا يظنون دخول جميع العبادات في الدعاء. ويدل على عموم ذلك قوله تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم. اي استجب طلبكم وتقبل عملكم. ثم قال تعالى ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين. فسمى ذلك عبادة. وذلك لان الداعية على دعاء الداعي دعاء المسألة. يطلب مسؤوله بلسان المقال والعابد يطلب من ربه القبول والثواب ومغفرة ذنوبه بلسان الحال فلو سألته ما قصدك بصلاتك وعبادتك وحجك وقيامك بحق الله وحق الخلق لكان قلب المؤمن ناطقا بان قصده من ذلك رضا ربي ونيل ثوابه والسلامة من عقابه. ولهذا كانت هذه النية شرطا لصحة الاعمال وكمالها. وقالت فادعوا الله مخلصين له الدين اي اخلصوا له اذا طلبتم حوائجكم واخلصوا له اعمال البر والطاعة. وقد يقيد احيانا بدعاء الطلب كقول فدعا ربه اني مغلوب فانتصر. واما قوله. واذا مس الانسان الضر دعانا لجنابه او قاعدا او قائمة فيدخل فيه دعاء الطلب. فانه لا يزال ملحا بلسانه سائلا دفع ظرورته. ويدخل دعاء العبادة فان قلبه في هذه الحال يكون راجيا طامعا منقطعا عن غير الله. عالما انه لا يكشف السوء الا الله وهذا دعاء وعبادة. وقال تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية. يدخل فيه الامران كما ان من كمال دعاء الله كما ان من كمال دعاء الطلب كثرة التضرع والالحاح. واظهار الفقر والمسكنة واخفاؤه ذلك واخلاصه. فكذلك دعاء العبادة لا تتم العبادة وتكمل الا بالمداومة عليها. ومقارنة الخشوع والخضوع واخفاؤها. واخلاصها لله تعالى وكذلك قوله عن خلاصة الرسل انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا. فان الرغبة والرهبة وصف لهم اذا طلبوا وسألوا. ووصف لهم اذا تعبدوا وتقربوا باعمال اعمال الخير والقرب وقوله ولا تدعو مع الله الها اخر. ومن يدعو مع الله الها اخر لا برهان له به. وقوله فلا تدعوا ما الله احدا. فلا تدعوا مع الله احدا. يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة. فكما ان من طلب من غير الله حاجة لا يقدر عليها لا اله الا الله فهو مشرك كافر. فكذلك من عبد مع الله غيره فهو مشرك كافر. ومثله ولا تدعوا من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فان فعلت فانك اذا من الظالمين. كل هذا يدخل فيه الامران. وقوله تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها يشمل دعاء المسألة اخوتي ودعاء العبادة. واما دعاء المسألة فانه يسأل الله تعالى في كل مطلوب باسم يناسب ذلك المطلوب. ويقتضيه فمن سأل رحمة الله ومغفرته دعاه باسمه الرحيم الغفور. وحصول الرزق باسم الرزاق وهكذا. واما دعاء العبادة فهو التعبد لله باسمائه الحسنى. فيفهم اولا سيفهم اولا معنى ذلك الاسم الكريم ثم يديم استحضاره بقلبه ويمتلئ قلبه منه فالاسماء الدالة على العظمة والجلال والكبرياء تملأ القلب تعظيما واجلالا لله تعالى. والاسماء الدالة على الرحمة والفضل والاحسان تملأ القلب طمعا في فضل الله ورجائي ورجائي لروحه ورحمته والاسماء الدالة على الوداد والحب والكمال تملأ القلب محبة ووداة وتأملها وانابة لله تعالى. والاسماء الدالة على سعة علمه ولطيفه. خبره توجب للعبد مراقبة الله تعالى والحياء وهذه الاحوال التي تتصف بها القلوب هي اكمل الاحوال واجل وصف يتصف به القلب. وينصبغ به. ولا يزال العبد يمرن نفسه هو عليها حتى تنجذب دواعيه منقادة راغبة وبهذه الاعمال القلبية وبهذه الاعمال القلبية تكمن الاعمال البدنية فنسأل الله على ان يملأ قلوبنا من معرفته ومحبته والانابة اليه فانه اكرم الاكرمين واجود الاجودين. القاعدة الثانية اذا وضح الحق وبان لم يبق للمعارضة العلمية والعملية محل. وهذه قاعدة شرعية عقلية فطرية. قد وردت في القرآن وارشد اليها في مواضع كثيرة. وذلك انه من المعلوم ان محل المعارضات وموضع الاستنكارات وموضع التوقفات ووقت المشاورات اذا كان الشيء فيه اشياء او احتمالات فترد عليه هذه الامور لانها الطريق الى البيان والتوضيح فاما اذا كان الشيء لا يحتمل الا معنى واضحا. وقد تعينت المصلحة فالمجادلة والمعارضة من باب العبث. والمعارض هنا لا يلتفت ولا يلتفت لاعتراضه لانه يشبه المكابر المنكر للمحسوسات. قال تعالى لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. يعني اذا تبين هذا من هذا لم يبقى للاكراه محل. لان الاكراه انما يكون على امر فيه مصلحة خفية. فاما امر قد اتضح ان مصالح الدارين مربوطة به ومتعلقة به. فاي داع للاكراه واي موجب له؟ ونظير هذا قوله تعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمنوا ومن شاء فليكفر. اي هذا هذا الحق الذي قامت البراهين الواضحة على حقيقته. فمن شاء فليؤمن ومن شاء كقوله يهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. وقوله وشاورهم في الامر اي في الامور التي تحتاج الى مشاة ويطلب فيها وجه المصلحة. فاما امر قد تعينت مصلحته وظهر وجوبه فقال فيه فاذا عزمت فتوكل على الله وقد كشف الله هذا المعنى غاية الكشف في قوله يجادلونك في الحق بعد ما تبين. اي فكل من جادل في الحق بعد ما تبين علمه او او طريق عمله فانه غالط شرعا وعقلا. وقال تعالى وما لكم الا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل فلا ما هم على عدم التزام الاكل مما ذكر اسم الله عليه. وذكر السبب لهذا اللوم وهو انه تعالى فصل لعباده كلما حرم عليهم. فما يذكر تحريمه فانه حلال واضح ليس للتوقف عنه محل. ولما ذكر تعالى الايات الدالة على وجوب وبخ ولام المتوقفين عنه بعد البيان فقال فما لهم لا يؤمنون. واذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ولما بين جلالة القرآن وانه اعلى الكلام واللغة قال تعالى فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون لما ذكر عظيم نعمه الظاهرة والباطنة قال فباي الاء ربك تتمارى؟ وقال وقال فماذا بعد الحق ان الضلال؟ وكذلك في ايات كثيرة. يأمر سبحانه وتعالى وفي ايات يأمر الله سبحانه وتعالى بمجادلة المكذبين وجدالهم بالتي هي احسن. حتى اذا وصل معهم الى وضوح الحق التام وازالة الشبهة كلها. انتقل من مجادلتهم الى الوعيد لهم بعقوبات الدنيا والاخرة. والايات في هذا المعنى الجليل القاعدة الثالثة والخمسون. من قواعد القرآن انه يبين الاجر والثواب على قدر المشقة. في طريق العبادة ويبين ومع ذلك ان تسهيله لطريق العبادة من مننه واحسانه. وانه لا تنقص الاجر شيئا. وانها لا تنقص الاجر شيئا. وهذه القاعدة تبين من لطف الله واحسانه وحكمته الواسعة. ما هو اثر عظيم من اثار تعريفاته ونفحة عظيمة من نفحاته. وانه ارحم الراحمين قال تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون. فبين تعالى ان هذه العبادة العظيمة لعظم مصلحتها وكثرة فوائدها العامة والخاصة انه فرضها على العباد وان شقت عليهم وكرهتها نفوسهم بما فيها من التعرض للاخطار في النفوس والاموال. ولكن هذه المشقات بالنسبة الى ما ما تفضي اليه من الكرامات ليست بشيء. بل هي خير محض واحسان صرف من الله على عباده حيث قيض لهم هذه العبادات التي توصلهم الى منازل لولاها لم يكونوا واصليها. قال تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. وقال تعالى ولنبلونكم بشيء من الخوف الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات. وبشر الصابرين. الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون. وقال تعالى انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب فكلما عظمت مشقة الصبر في فعل الطاعات وفي ترك المحرمات لقوة الداعي اليها وفى الصبر على المصيبات كان الاجر اعظم. والثواب اكثر. وفي الصبر على المصيبات كان الاجر اعظم والثواب اكثر قال الله تعالى في بيان لطفه في تسهيل العبادة الشاقة. اذ يغشيكم النعاس امنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام. اذ يوحي ربك الى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين امنوا سالقي في قلوب الذين كفروا الرعب. فذكر منته على المؤمنين بتيسيره وتقديره لهذه الامور. التي جعلها الله تعالى مسهلة للعبادة مزيلة لمشقتها محصلة لثمراتها. وقال تعالى الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين امنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة. فالبشرى التي وعد الله بها اولياءه في الحياة الدنيا من اشرفها واجلها. انه ييسر لهم العبادات ويهون عليهم المشقة القربات. وانه ييسرهم للخير ويعصمهم من الشر بايسر عمل وقال تعالى اي لكل حالة فيها تيسير اموره تسهيلها. قال تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن. فلنحيينه حياة طيبة. ومن الحياة الطيبة التي يرزقونها ذوق حلاوة الطاعات واستحلاء المشقات في رضا الله تعالى. وهذه الاحوال كلها خير للمؤمن. ان سهل الله له طريق العبادة وهونها. حمد الله وشكره وان شقت على النفوس صبر واحتسب الخير في عنائها. ومشقته ورجى في عنائها وفي ورجى عظيم الثواب وهذا المعنى في القرآن في اية متعددة. والله اعلم. القاعدة الرابعة والخمسون. كثيرا ما ينفي الله الشيء لانتفاء فائدته وثمرته المقصودة منه. وان كانت صورته موجودة. وذلك ان الله خلق الانسان وركب فيه القوام من السمع والبصر والفؤاد وغيرها. ليعرف ربه ويقوم بحقه. فهذا المقصود منها وبوجود ما خلقت له تكمل صاحبها وبفقد ذلك يكون وجودها اضر على الانسان من فقدها. فانها حجة الله على عباده ونعمته التي توجد بها مصالح الدنيا فاما ان تكون نعمة تامة اذا اقترن بها مقصودها او تكون محنة وحجة على صاحبها اذا استعملها في غير ما خلقت ولهذا كثيرا ما ينفي الله تعالى هذه الامور الثلاثة من اصناف الكفار والمنافقين. كقوله صم بكم عمي فهم لا يعقلون وكقوله واكثرهم لا يعقلون وكقوله ولكن اكثرهم لا يعلمون. وكقول لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها. فاخبر ان صورها موجودة ولكن فوائدها مفقودة وقال تعالى فانها لا تعمل ابصاره ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. وقال تعالى انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء اذا ولوا مدبرين الآيات في هذا المعنى كثيرة جدا. وقوله تعالى ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض. ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا. اولئك هم الكافرون حقا. فاثبت الكفر من كل وجه. فلم يكن دعواهم الايمان ببعض مما يقولون. ببعض ما يقولون ببعض من ببعض فلم يكن دعواهم الايمان ببعض من يقولون امنا به من الكتب والرسل بموجب لهم الدخول بالايمان لان ايمانهم بهم مفقودة فائدته حيث كذبوهم في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وغيره من الرسل. الذين لم يؤمنوا بهم وحيث انكرهم من براهين الايمان ما هو اعظم من الطريق الذي اثبتوا به رسالة من ادعوا الايمان به. وكذلك قوله تعالى ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين. لما كان الايمان النافع هو الذي يتفق عليه القلب واللسان وهو المثمر لكل خير. وكان المنافقون يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم نفى الله عنهم الايمان لانتفاء فائدته وثمرته يشبه هذا ترتيب الباري كثيرا من الواجبات والفروض على الايمان. كقوله وعلى الله فليتوكل المؤمنون. وكقوله وعلى الله توكلوا ان كنتم مؤمنين وكقوله واعلموا ان ما غنمتم من شيء فان لله خمسا الى قوله ان وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان. وقوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجدتهم قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا. وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينورون اولئك هم المؤمنون حقا. وذلك ان الايمان الواجب يقتضي اداء الفرائض والواجبات ويقتضي اجتناب المحرمات. فما لم يحصل ذلك فهو الان لم يتم. ولا ولم يتحقق فاذا وجدت هذه الامور تحقق. ولهذا قال اولئك هم المؤمنون حقا. وكذلك كيف لما كان العلم الشرعي؟ يقتضي العمل به والانقياد بكتب الله ورسله. قال تعالى عن اهل الكتب المنحرفين لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراءه كانهم لا يعلمون. ونظير ذلك قول موسى عليه السلام لما قال له بنو اسرائيل اتتخذنا هزوا؟ قال اعوذ بالله اكون من الجاهلين. فكما ان فقد العلم جهل ففقد العمل به جهل قبيح. القاعدة الخامسة يكتب للعبد عمله الذي باشره. ويكمل له ما شرع فيه. وعجز عن تكميله. ويكتب له مشى عن عمله. فهذه الامور الثلاثة وردت في القرآن الكريم. اما الاعمال التي باشرها العبد فاكثر من ان تحصى النصوص الدالة عليه كقوله تعالى بما كنتم تعملون وقوله لها ما كسبت وقوله لي عمل لي عملي ولكم عملكم. واما الاعمال التي يشرع العبد فيها ولم يكملها فقد دل عليها قوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه المغول فقد وقع اجره على الله. فهذا خرج للهجرة وادركه الاجل قبل تكميل عمله. فاخبر تعالى انه واقع اجره عظيم فكل من شرع في عمل من اعمال الخير ثم عجز عن اتمامه بموت او عجز بدني او عجز مالي او مانع داخلي او خارجي وكان فمن نيته لولا المانع لاتمه فقد وقع اجره على الله فانما الاعمال بالنيات. وقال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبل وكل من اجتهد في الخير هداه الله الطريق الموصلة اليه. هداه الله الطريق الموصلة اليه سواء اكمل ذلك العمل او حصل له عائق عنه. واما اثار الاعمال اثار اعمال العبد فقد قال تعالى انا نحن نحيي الموتى اكتبوا ما قدموا اي باشروا عمله واثارهم التي ترتبت على اعمالهم من خير وشر. وقال في المجاهرين ذلك بانهم لا يشردهم ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطعا يغيظ الكفار. ولا ينالون من عدو ميلا الا كتب له به عمل صالح. ان الله لا يضيع اجر المحسنين. فكل هذه الامور من اثار عملهم. ثم ذكر اعمالهم التي باشروها بقوله ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة. والاعمال التي هي من اثار عمله نوعان. احدهما ان تقع بغير قصد من الانسان. كان اعمل اعمالا صالحة خيرية فيقتدي به غيره في هذا الخير فان ذلك من اثار عمله. وكمن يتزوج بغير نية عصور الاولاد الصالحين فيعطيه الله واولاد صالحين فانه ينتفع بهم وبدعائهم. والثاني وهو اشرف النوعين ان يقع ذلك بقصده. كمن علم علما نافعا فنفس فنفس فنفس تعليم كمن علم علما نافعا. فنفس تعليمه ومباشرته له من اجل الاعمال. ثم ما حصل من العلم والخير المترتب المترتب على ذلك فانه من اثار عمله. وكمان يفعل الخير ليقتدي به الناس او يتزوج لاجل حصول الذرية الصالحة ويحصل مراده فان هذا من اثار عمله وكذلك من يزرع زرعا او يغرس غرسا او يباشر صناعة مما ينتفع بها الناس في امور دينهم ودنياهم وقد قصد بذلك النفع فما ترتب من نفع ديني او دنيوي على هذا العمل فانه من اثار عمله. وان كان يأخذ على عمله الاخر اجرا وعوضا فان الله يدخل بالسهم الواحد الجنة ثلاثة. صانعه وراميه والممد له. القاعدة السادسة والخمسون يرشد القرآن يرشد القرآن المسلمين الى الى قيام جميع مصالحهم وانه اذا لم يمكن حصولها من الجميع فليشتغل بكل مصلحة من مصالحهم من يقوم بها. ويوفر وقته عليه لتقوم مصالحهم تكون وجهتهم جميعا واحدة. وهذه من القواعد الجليلة ومن السياسة الشرعية. فان كثيرا من المصالح العامة الكلية لا يمكن اشتغال الناس كلهم بها. ولا يمكن تفويتها فالطريق الى حصولها ما ارشده الله عباده اليه. قال تعالى في الجهاد والذي هو اعظم مصالح الدين والعلم. وما كان المؤمنون لينفروا كافة. فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوها الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون. فامر ان يقوم بالجهاد طائفة كافية. وبالعلم في طائفة اخرى وان القائمة الجهاد تستدرك ما فاتها من العلم اذا رجعت. وقال تعالى ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وقال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى. وقال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وقال تعالى وامرهم شورى بينهم الى غير ذلك من الايات الدالة على هذا الاصل الجليل. والقاعدة النافعة. وبقيام كل منهم بمصلحة من المصالح تقوم المصالح كلها. لان كل فرد مأمور ان يراعي المصالح الكلية. ويكون سائرا في جميع اعماله اليها. فلو المسلمون لسلوك هذه الطريق لاستقامت احوالهم وصلحت امورهم وغابت عنهم شرور كثيرة. فالله المستعان. القاعدة السابعة والخمسون في كيفية الاستدلال بخلق السماوات والارض وما فيها على التوحيد والمطالب العالية. قد دعا الله عباده الى التفكر في هذه المخلوقات في ايات كثيرة. واثنى على المتفكرين فيها واخبر ان فيها ايات وعبر. ان فيها ايات وعبر. فينبغي لنا ان اسلك الطريق المنتج للمطلوب بايسر ما يكون. واوضح ما يكون. وحاصل ذلك على وجه الاجمال اننا اذا تفكرنا في هذا الكون العظيم عرفنا انه لم يوجد بغير موجد ولا اوجد نفسه هذا امر بديهي. فتيقنا ان الذي اوجده الاول الذي ليس قبله شيء كامل القدرة عظيم السلطان واسع العلم. وان ايجاد الادميين في النشأة الثانية للجزاء اسهل من هذا بكثير. لخلق السماوات الارض اكبر من خلق الناس. وعرفنا بذلك انه الحي القيوم. واذا نظرنا ما فيها واذا نظرنا ما فيها من والاتقان من الاحكام والاتقان والحسن والابداع عرفنا بذلك كمال حكمة الله وحسن خلقه وسعة علمه. واذا رأينا ما فيها من المنافع والمصالح الضرورية والكمالية التي لا تعد ولا تحصى ولا تحصى. عرفنا بذلك ان الله واسع الرحمة عظيم الفضل والبر والاحسان والجود والامتنان. واذا رأينا ما فيها من التخصيصات فان ذلك دال على ارادة الله ونفوز مشيئته. ونعرف من ذلك كله انها ان من ان من هذه اوصافه وهذا شأنه هو الذي لا يستحق العبادة الا هو. وانه المحبوب المحمود الجلال والاكرام والاوصاف العظام الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة الا اليه. ولا يصرف خالص الدعاء الا له. لا لغيره من المخلوقات المربوبات المفتقرات الى الله في جميع شؤونها. ثم اذا نظرنا اليها من جهة انها كلها خلقت لمصالحنا. وانها لنا وان عناصرها وموادها وارواحها قد مكن الله الادمي من استخراج اصناف المنافع منها. عرفنا ان هذه الاختراعات جديدة في الاوقات الاخيرة من جملة المنافع التي خلقها الله لبني ادم. فسلكنا بذلك كل طريق نقدر عليه في استخراج ما يصب ما يصلح احوالنا منها بحسب القدرة. ولم نخلد الى الكسل والبطالة. او او نصف علم هذه الامور بانه علوم باطلة. بحجة ان الكفار سبقوا اليها وفاقوا فيها. فانها كلها كما نبه الله عليه داخلة في تسخير الله الكون لنا. وانه لا يعلم لا يعلم الانسان ما لم يعلم. وانه يعلم الانسان ما لم يعلم. القاعدة الثامنة والخمس اذا اراد الله اظهار انبيائه واصفيائه بالصفات الكاملة اراهم نقصها في غيرهم من المستعدين للكماد. وذلك في امور كثيرة وردت في القرآن. منها لما اراد اظهار اظهار شرف ادم على الملائكة بالعلم وعلمه اسماء كل شيء ثم امتحن الملائكة فعجزوا عن معرفتها. فحينئذ نبأهم ادم عنها فخضعوا لعلمه وعرفوا فضله وشرفه. ولما اراد الله تعالى شرف يوسف. يوسف في سعة العلم والتعبير ارى الملك تلك الرؤية. وعرضها على كل من لديه علم ومعرفة فعجزوا عن معرفتها ثم بعد ذلك عبرها يوسف ذلك التعبير العجيب. الذي ظهر به من فضله وشرفه وتعظيم الخلق له شيء لا يمكن التعبير عنه. ولما عارض فرعون الايات التي ارسل التي ارسل بها موسى وزعم انه سيأتي بسحر يغلوه فجمع كل سائر عليم من جميع انحاء المملكة. واجتمع الناس في يوم عيدهم والقى السحرة عصيهم وحبالهم في ذلك الجمع العظيم. واظهروا للناس من عجائب السحر. سحروا اعين الناس وسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم. فحينئذ القى موسى عصاه فاذا هي تلخف وتبتلع رأى الناس جميعا جميع عبادهم وعصيان. فظهرت هذه الاية الكبرى وصار اهل الصنعة اول من خضع بعدها ظاهرا وباطنا. ولما نكس اهل الارض من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم. وتمالأ عليه جميع اعدائه ومكروا مكرتهم الكبرى للايقاف نصره الله ذلك النصر العجيب. فان نصر المنفلت الذي احاط به عدوه الشديد حرضه. القوي الذي جمع كل كيده ليوقع به اشد الاخذات واعظم النكبات وتخلصه وانفراج الامر له من اعظم كما ذكر الله هذه الحالة التي عاتب بها اهل الارض فقال الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا. فايده فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها. وقريب من هذا نصره اياه يوم حنين حيث اعجبت الناس كثرتهم. فلم تغني عنهم شيء وضاقت عليهم الارض بما رحبت ثم ولوا مدبرين. وثبت صلى الله عليه وسلم فانزل الله عليه سكينته. ونصره في هذه الحالة فكان لهذا النصر من الموقع الكبير ما لا يعبر عنه. وكذلك ما ذكره الله من الشدائد التي جرت على انبيائه واصفيائه. وانه اذا اشتد الوقع والبأس وكاد ان يستولي على النفوس اليأس. انزل الله فرجه ونصره. ليصير بذلك موقع في القلوب وليعرف العباد طاف علام الغيوب. ويقارب هذا المعنى انزاله ان زاده الغيث. على العباد بعد ان كانوا من قبل ان ينزل عليهم مبلسين. فيحصل من رحمة الله والاستبشار بفضله ما يملأ القلوب حمدا وشكرا. وثناء على الباري تعالى. وكذلك يذكرهم نعمه بلفت انظارهم الى كتأمل ضدها كقوله قل ارأيتم ان اخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به وقوله قل ارأيتم ان جعل الله عليكم الليل شرمة الى يوم القيامة الايات. وتلمح على هذا المعنى قصة يعقوب وبنيه. حين اشتدت لهم الازمة ودخلوا على يوسف. قالوا يا ايها العزيز مسنا واهلنا انظر ثم بعد قليل قال ادخلوا مصر ان شاء الله امنين. في تلك النعمة الواسعة والعيش الرغيد والعز المتين والجاه العريض. فتبارك فمن لا يدرك العباد من الطافه ودقيق بره الا القليل. ويناسب هذا من الطاف الباري ان يذكر عباده في اثناء المصائب ما من النعم لان لا تسترسل النفوس للجزع. فانها اذا قابلت بين المصائب والنعم خفت عليها المصائب وهان عليها حملها. كما ذكر والله المؤمنين حين اصيبوا باحد ما اصابوا من المشركين ببدر. فقال اولما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها وادخل وادخل هذه الاية في اثناء قصة احد. ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذنة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ويبشر عباده بالمخرج منها حين تباشره المصائب للمصائب ليكون هذا الرجاء مخففا لما نزل من البلاء. قال تعالى واوحينا اليه لتنبئنه بامرهم هذا وهم لا يشعرون وكذلك رؤيا يوسف. اذ ذكرها يعقوب رجاء الفرج. وهب على قلبه نسيم الرجاء لهذا قال يا بني يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله. وكذلك قوله تعالى لام موسى واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني. انا رادوه اليك وجاعلون من المرسلين واعظم من ذلك كله. ان وعد الله لرسله بالنصر وتمام الامر هون عليهم المشقات. وسهل عليهم كريهات فتلقوها بقلوب مطمئنة وصدور منشرحة. والطاف الباري فوق ما يخطر بالبال او يدور في الخيال. القاعدة التاسعة والخمس ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. ما اعظم هذه القاعدة؟ والاصل العظيم الذي نص عليه نصا صريحا وعمم ذلك ولم يقيده بحالة من الاحوال فكل حال هي اقوم في العقائد والاخلاق والاعمال والسياسات الكبار والصغار. والصناعات والاعمال الدينية والدنيوية فان القرآن كان يهدي اليها ويرشد اليها. ويأمر بها ويحث عليها. ومعنى اقوم اي اكمل واصلح واعظم واعظم قياما واصلاحا. فاما العقائد فان عقائد القرآن هي العقائد النافعة التي فيها اصلاح القلوب وغذاؤها. وكمالها فانها تملأ القلوب محبة لله وتعظيما له والوهية وانابة وهذا المعنى هو الذي اوجد الله الخلق لاجله. واما اخلاقه التي يدعو اليها. فانه يدعو الى التحلي بكل خلق جميل من الصبر والحلم والعفو وحسن الخلق والاداب وجميع مكارم الاخلاق. ويحث عليها بكل طريق وينشد اليها بكل وسيلة. واما الاعمال الدينية التي يهدي اليها فهي من احسن الاعمال التي فيها القيام بحقوق الله وحقوق العباد على اكمل الحالات واجلها. واسهلها واوصلها الى المقاصد. واما سياسات الدينية فهو يرشد الى سلوك الطريق النافعة. في تحصيل المصالح الكلية وفي دفع المنافع ويأمر بالتشاور على ما لم مصلحته. والعمل بما تقتضيه المصلحة في كل وقت بما يناسب ذلك الوقت والحال. حتى في سياسة العبد مع اولاده وخادمه واصحابه ومعامليه. فلا يمكن انه وجد ويوجد حالة يتفق العقلاء انها اقوم من غيرها واصل الا والقرآن يرشد اليها نصا او ظاهرا او دخولا تحت قاعدة من قواعده الكلية. وتفصيل هذه القاعدة لا يمكن استيفاؤه وبالجملة فالتفاصيل الواردة في القرآن وفي السنة من الاوامر والنواهي والاخبارات كلها تفصيل لهذا الاصل المحيط. وبهذا وغيره يتبين لك انه لا يمكن ان يرد علم صحيح او معنى نافع او طريق او ان يرد علم صحيح او معنى نافع او طريق طريق صلاح ينافي القرآن. والله تعالى ولي الاحسان. القاعدة الستون من قواعد التعليم الذي ارشد الله اليه في كتابه ان المبسوطة يجملها في كلمات يسيرة ثم يبسطها. والامور المهمة يتنقل يتنقل في تقرير فيها نفيا واثباتا من درجة الى اعلى او انزل منها. وهذه قاعدة نافعة فان هذا الاسلوب العجيب يصير له موقع كبير وتتقرب فيه المطالب المهمة. وذلك انه اذا اجملت القصة بكلام كالاصل والقاعدة لها. ثم وقع التفصيل بعد ذلك الاجماع وقع ايضاح وبيان تام كامل لا يقع ما يقاربه. لو فصلت القصة الطويلة من دون تقدم اجمال وقد وقع هذا النوع في القرآن في مواضع منها في قصة يوسف في قوله نحن نقص عليك احسن القصص ثم قال لقد كان في يوسف واخوته ايات السائلين. ثم ساق القصة بعدها وكذلك في قصة اهل الكهف. لما قال ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من اياتنا عجبا اذا اول فتية الى الكهف فقالوا ربنا اتنا من ندنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا. فضربنا على اذانهم في الكاف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم ايها الحزبين احصى لما لبثوا امدا. فهذا اجمال. فهذا اجمالها. قد حوى مقصودها وزبدتها. ثم وقع بعد التفصيل بعده التفصيل بقوله نحن نقص عليك نبأه بالحق الى اخر القصة. وكذلك في قصة موسى لما قال مطلوق عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق من قومه يؤمنون. الى قوله يحذرون. هذا مجملها. ثم وقع التفصيل. وقال تعالى ولقد وعهدنا الى ادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما فاجملها ثم وقع بعده التفصيل. واما التنقل في تقرير الاشياء من امر الى ما هو اولى منه كثير. منها لما انكر على من اتخذ مع الله الها اخر. زعم ان الله اتخذ ولدا. قال في ابطال هذا ما لكم به من علم ولا ابائهم فابانا ان قولهم هذا قول بلا علم. ومن المعلوم ان القول بلا علم من الطرق الباطلة ثم ذكر قبحه فقال كبرت كلمة تخرج من افواههم ثم ذكره ثم ذكر مرتبة هذا القول من البطلان فقال ان يكونون انا كذبا. وقال في حق المنكرين للبعث بل ادارك علمهم في الاخرة اي علمهم فيما علم ضعف علمهم فيما اي علمهم فيها علم ضعف لا يعتمد عليه لا اعتمدوا عليه. ثم ذكر ما هو ابلغ منه فقال بل هم في شك. ومن المعلوم ان الشك ليس معه من العلم شيء. ثم انتقل منه الى قوله بل هم منها عمود والعمى اخر مراتب الحيرة والضلال. وقال نوح عليه السلام في تقرير رسالته عند من كذبه وزعم انه في ظالم مبين. قال يا قومي ليس فلما نهى الضلالة من كل وجه اثبت بعده الهدى الكامل من كل وجه فقال ولكني رسول من رب العالمين ثم انتقل الى ما هو اعلى من ذلك وان مادة هذا الهدى الذي جئت به من الوحي هو الذي اه الذي جئت به من الوحي الذي هو اصل الهدى ومنبعه ومادته وقال ابلغكم رسالات ربي وانصح لكم واعلم من الله ما لا تعلمون. وكذلك هود عليه السلام. وقال في في رسالتي رسالتي اكمل الرسل والنجم اذا هو ما ضن صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى. الى اخر الايات وهو في القرآن كثير جدا. كانتقاله من ذكر هبته الولد لزكريا الى ذكر مريم وعيسى. واما وامر بالتوجه الى القبلة بعد وتعظيمه للبيت وغيرها. القاعدة الحادية والستون. معرفة الاوقات وظبطها حث الله عليها حث الله وعليه حيث يترتب عليه حكم عام او حكم خاص. وذلك ان الله رتب كثيرا من الاحكام العامة والخاصة على على مدد وازمنة تتوقف الاحكام عملا وتنفيذا على ضبط تلك المدة واحصائها. قال تعالى يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج. وقوله مواقيت يدخل فيه مواقيت الصلاة والصيام والزكاة. وخص الحج بالذكر لكثرة ما يترتب عليه من الاوقات الخاصة والعامة. وكذلك مواقيت العدد والديون والاجازات والايجارات وغيرها. قال تعالى لما ذكر العدة واحصل عدة. وقوله الصيام فعدة من ايام اخر. وقال تعالى ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. وقال تعالى ثم بعثناهم لنعلم اي الحزبين احصى لما لبثوا امدا. وذلك لمعرفة قدرة الله في افاقة فانهم لو استمروا على نومهم لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك من قصتهم. فمتى ترتب على ضبط الحساب واحصاء المدة مصلحة في او في الدنيا كان مما حث وارشد اليه القرآن. ويقارب هذا قوله تعالى او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها. الى اخر الايات وقوله وليتعلموا عدد سنين والحساب ونحوها من الايات. القاعدة الثانية وستون الصبر اكبر عون على كل الامور والاحاطة علما وخبرا هو الذي يعين على الصبر. وهذه القاعدة عظيمة النفع قد دل القرآن عليها صريحا وظاهرا في اماكن كثيرة. قال تعالى واستعينوا الصبر والصلاة. اي استعينوا على جميع المطالب وفي جميع شؤونكم بالصبر. فان الصبر يسهل على العبد القيام بوظيفة الطاعات واداء حقوق الله وحقوق عباده وبالصبر يسهل عليه ترك ما تهواه نفسه من المحرمات. فينهاها عن هواها. حذر شقاها وطلبا لرضى مولاها وبالصبر تخف عليه الكريهات. ولكن هذا الصبر وسيلته والته التي ينبني عليها ولا يمكن وجودها بدونه. هو معرفة الشيء المصبور عليه معرفة الشيء المصبور عليه وما فيه من الفضائل وما يترتب عليه من الثمرات. فمتى عرف العبد ما في الطاعات من صلاح القلوب وزيادة الايمان استكمال الفضائل وما تثمره من الخيرات والكرامات وما في المحرمات من الضرر والرذائل وما توجبه من العقوبات المتنوعة وعلم ما في اقدار الله من وما لمن قام بوظيفته من الاجور اهان عليه الصبر على جميع ذلك. وبهذا يعلم فضل العلم وانه اصل العمل والفضائل كلها ولهذا كثيرا يذكر في كتابه كثيرا يذكر الله في كتابه ان المنحرفين في الابواب الثلاثة انما ذلك لقصور علمهم احاطتهم التامة بها. وقال انما يخشى الله من عباده العلماء. وقال انما التوبة على الله للذين يعملون السيئات السوء بجهالة. ليس معناه انهم لا يعترفون انها ذنوب وسوء. وانما قصر علمهم وخبرتهم بما توجبه الذنوب من العقوبات المضرات وزوال المنافع. وقال تعالى مبينا انه متقرر ان الذي لا يعرف ما يحتوي عليه شيء يتعذر عليه الصبر فقال عن الخضر لما قال له موسى وطلب منه ان يتبعه ليتعلم مما علمه الله. قال انك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا فعدم احاطته به خبرا يمتنع معه صبر ولو تجلد ما تجلد فلابد ان ان يعالج صبره وقال تعالى مبينا عظمة القرآن. وما هو عليه من الجلالة والصدق الكامل. بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله. فابانا ان الاعداء المكذبين به انما تكذيبهم به لعدم احاطتهم بما هو عليه. وانهم لو ادركوه كما هو جاءهم واضطرهم الى التصديق والاذعان. فهم وان كانت الحجة قد قامت عليهم. ولكنهم لم يفقهوه الفقه الذي يطابق معناه. ولم يعرفوه حق معرفته وقال في حق المعاندين الذين بان لهم علمه وخبأوا صدقه وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا وقال تعالى فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. والمقصود ان الله ارشد العباد الى الاستعانة على بملازمة الصبر وارشدهم الى تحصيل الصبر بالنظر الى الامور ومعرفة حقائقها. وما فيها من الفضائل او الرذائل والله اعلم. القائل العقيدة الثالثة والستون. والقرآن ينشد القرآن الى ان العبرة بحسن حال الانسان ايمانه وعمله الصالح وان الاستدلال على ذلك بالدعاوي المجردة او باعطاء الله للعبد من الدنيا او بالرياسات كل ذلك من طرق المنحرفين والقرآن يكاد ان يكون اكثره تفصيلا لهذه القاعدة. وقد قال الله تعالى وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الا من امن وعمل صالحا فاولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا. وقال تعالى يوم لا ينفع ما ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم. وقد اكثر الله من هذا المعنى في عدة ايات. واما حكاية المعنى الاخر عن المنحرفين فقال عن اليهود والنصارى وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى. تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين. ثم فذكر البرهان الذي من اتى به فهو مستحق للجنة فقال بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربي ولا خوف عليهم ولا هم يحسنون. وقال تعالى ليس بامانيكم ولا اماني اهل الكتاب. من يعمل سوءا يجزى به. وقال تعالى واذا تتلى عليهم اية حياتنا بينات. قال الذين كفروا للذين امنوا اي الفريقين خير مقاما. خير مقاما واحسن نديا قال تعالى وقالوا لولا نزلنا هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. ونحوها من الايات التي يستدل بها الكفار على حسن حالهم بتفوقهم بتفوقهم في الامور الدنيوية والرياسات. ويذمون المؤمنين ويستدلون على بطلان دينهم بنقصهم في هذه الامور وهذا من اكبر مواضع القاعدة الرابعة والستون الامور العارضة التي لا قرار لها بسبب المزعجات والشبهات قد ترد على الحق يقينية ولكنها سرعان ما تطمحل وتزول. هذه قاعدة شريفة جليلة. قد وردت في عدة مواضع من القرآن. فمن لم يحكمها حصل له من الغلط في فهم بعض الايات ما اوجب الخروج عن ظاهر النص. ومن عرف حكمة الله تعالى في ورودها على الحق الصريح لاسباب مزعجة تدفعها قوية تحدثها ثم بعد هذا اذا رجع الى اليقين والحق الصريح. وتقابل الحق والباطل فزهق الباطل وثبت الحق. فزهق الباطل وثبت حصل العاقبة الحسنة وزيادة الايمان واليقين. فكان في ذلك التقدير حكما بالغة واياد سابقة. ولنمثل بامثلة فمنها ان الرسول ان الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين اكمل الخلق ايمانا ويقينا وتصديقا بوعد الله ووعده. وهذا امر الاممي ان يعتقدوا في الرسل انهم قد بلغوا ذروته العليا وانهم معصومون من ضده. ولكن ذكر الله في بعض الايات انه قد يعرض من الامور المزعجة المنافية حسا لما علم يقينا ما يوجب لهؤلاء الكمل ان يستبطئوا معه النصر ويقولون متى نصر الله؟ وقد يقع او في هذه الحالة للقلوب شيء من عوارض اليأس. بحسب قوة الواردات وتأثيرها بالقلوب. ثم في اسرع وقت تنجلي هذه الحال. ويصير لنصر الله و صدق موعوده من الوقع والبشارة والاثار العجيبة امر كبير لا يحصل بدون هذه الحالة ولهذا قال حتى اذا استيأس الرسل وظنوا انهم فهذا الوارد الذي لا قرار له. ولما حقت الحقائق اذ محل لا ينكر ويطلب للايات تأويلات مخالفة لظاهرها. ومن هذا الباطل ومن هذا الباب بل من صريحه قوله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى الشيطان الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته ان يلقي من الشبه ما يعارض اليقين. ثم ذكر الحكم العظيمة المترتبة على هذا الالقاء. وان وان نهاية الامر وعاقبته ان الله يبطل ما يلقي الشيطان ويحكم اياته والله عليم حكيم. فقد اخبر بوقوع هذا الامر لجميع الرسل والانبياء. لهذه الحكم التي ذكرها فمن انكر وقوع ذلك بناء على ان الرسل لا رب لا ريب ولا شك معصومون. وظن ان هذا ينافي العصمة فقد غلط اكبر الغلط. ولو فهم ان الامور العارضة لا تؤثر في الثابتة. لم يقل قولا خالف فيه الواقع وخالفنا الصلاة الكريمة. ومن هذا على احد قولي المفسرين قوله تعالى فظن ان لن نقدر عليه. وانه ظن ظن عرظ في الحال ثم زاد. نظيرا لوسواس العارضة في اصل الايمان. نظيرا للوساوس العارضة في اصل الايمان. التي يكرهها العبد حين تلد حين تلد قلبه. ولكن ايمانه ويقينه يزيلها ويذهبها. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عندما شكى اليه اصحابه هذه الحالة التي اطبقتهم مبشرا لهم الحمد لله الذي رد كيده الى الوسوسة. ويشبه هذه العوارض التي تعرض في ايرادات الايمان لقوة وارد من شهوة او غضب. وان المؤمن كامل الايمان قد يرد في قلبه هم وارادة لفعل بعض المعاصي. التي تنافي الايمان الواجب ثم يأتي برهان الايمان وقوة ما ما مع العبد من الانابة التامة فيدفع هذا العارض. ومن هذا قوله تعالى عن يوسف ولقد همت به بها لولا ان رأى برهان ربه. وهو انه لما رجع الى ما معه من الايمان ومراقبته لله وخوفه ورجائه دفع عنه هذا الهم واضمح الله وصارت ارادته التامة فيما يرضي ربه. ولهذا بعد المعالجة الشديدة التي لا يصبر عليها الا الخواص من الخلق الا الخواص الخلق قال صلى الله عليه وسلم رب السجن احب الي مما يدعونني اليه. وكان احد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله رجل دعته امرأة ذاته ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله. اني اخاف الله. فقال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون. يشمل الطائف الذي يعرض في اصل الايمان والذي يعرض في ارادته. فاذا مسهم تذكروا ما يجب من من ايمان ومن واجباته فابصروا فرجع الشيطان خاسئا وهو حسير. ولعل من هذا قول لوط عليه السلام او اوي الى ركن شديد. وقول النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله لوطا لقد كان يأوي الى ركن شديد. يعني وهو القوي العزيز لكن غلب على لوط تلك الحالة الحرجة والنظر للاسباب العادية فقال ما قال مع علمه التام بقوة ذي العظمة. القاعدة الخمسة الخامسة والستون. قد ارشد القرآن الى منع الامر المباح اذا كان يفضي الى محرم او ترك واجب. وهذه القاعدة وردت في القرآن في مواضع متعددة وهي من قاعدة الوسائل لها احكام المقاصد. فمنها قوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم وقوله تعالى ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وقوله فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي الذي في قلبه مرض وقوله يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذووا البيع وقد ورد بعض ايات تدل على هذا الاصل الكبير. فالامور المباحة هي بحسب ما يتوسل به اليه. ان توسل بها الى ففعلي واجب او مسنون كانت مأمورا بها وان توسل بها الى فعل محرم او ترك واجب كانت محرمة منهيا عنها. وانما الاعمال بالنيات الابتدائية والغائية. والله الموفق. القاعدة السادسة والستون من قواعد القرآن انه يستدل بالاقوال والافعال على ما صدرت عنه من الاخلاق والافعال. وهذه قاعدة جديدة فان اكثر الناس يقصر نظره على نفس اللفظ الدال على ذلك القول او الفعل. من دون ان يفكر في اصله وقاعدته. التي اوجبت صدور ذلك بالفعل والقول والفطن اللبيب ينظر الى الامرين ويعرف ان لهذا وهذا ملازم لهذا. يعرف ان هذا لهذا هذا ملازم لهذا. وقد تقدم ما يقارب هذا المعنى الجليل ولكن لشدة الحاجة اليه اوردناه على اسلوب اخر. فمن ذلك قوله عن عباد الرحمن انهم يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. وذلك صادر عن وقارهم وسكينتهم وخشوعهم. وعن حلمهم الواسع وخلقهم الكامل وتزييهم وتنزيههم لانفسهم عن مقابلة الجاهلين. ومثل قوله وحشر سليمة لجنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون. يدل مع ذلك على حسن ادارة الملك وكمال السياسة وحسن النظام قوله تعالى واذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه وقالوا لنا اعمالنا ولكم اعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين يدل على حسن الخلق ونزاهة النفس عن الاخلاق الرذيلة. وعلى سعة عقولهم وقوة حلمهم واحتمالهم. ومثل الاخبار عن اهل الجاهلية بتقتيل اولادهم خشية الفقر. او من الاملاق يدل على شدة هلعهم وسوء ظنهم بربهم. وعدم ثقتهم بكفايته وكذلك قوله عن اعداء رسوله وقالوا ان التبين هدى ما كانوا تخطف من ارضنا. يدل على سوء ظنهم بالله وان الله لا ينصر دينه ولا يتم كلمته. وامثلة هذا العصر كثيرة واضحة لكل صاحب فكرة حسنة. القاعدة السابعة والستون يرشد القرآن الى رجوعي الى الامر المعلوم المحقق عند ورود الشبهات والتوهمات. وهذه قاعدة جليلة يعبر عنها ان الموهوم لا يدفع المعلوم وان المجهول لا يعارض المتيقن ونحوها من العبارات. وقد ارشد الله اليها في مواضع كثيرة. لما اخبر تعالى عن الراسخين في العلم وان فهم في المشتبهات انهم يقولون امنا به. كل من عند ربنا. فالامور المحكمة المعلومة يتعين ان يرجع اليها الامور المشتبهة المظمونة وقد قال تعالى في زجر المؤمنين عن القدح في اخوانهم المؤمنين لولا اذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا لو قالوا هذا افك مبين. فامرهم بالرجوع الى ما علم من ايمان المؤمنين الذي يدفع السيئات. وان يعتبروا هذا الاصل المعلوم ولا يعتبروا كلام من تكلم قام بما يناقضه ويقدح فيه. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا لا تكونوا كالذين اذوا موسى فبرأه الله مما قالوا انا عند الله وجيها. فوجاهته عند الله تدفع عنه وتبرؤه من كل عيب ونقص. قاله فيه من اذاه لانه لا سيكون وجيها عند ربه حتى يسلم من جميع المنقصات. ويتحلى بجميع الكمالات اللائقة بامثاله من اولي العزم من الرسل. فيحذر الله فيحذر الله هذه الامة ان يسلكوا مسلك من اذى موسى مع وجاهته. فيؤذوا اعظم الرسل جاها عند الله وارفعهم مقاما ودرجة. وقال وتعالى فماذا بعد الحق الا الضلال؟ وقال تعالى ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق. القاعدة الثامنة ذكر الاوصاف المتقابلات يغني عن التصريح بالمفاضلة اذا كان الفرق معلوما. وهذه القاعدة في القرآن كثير. يذكرها في مقامات مهمة كالمقابلة بين الايمان والكفر والتوحيد والشرك وبين الهية الحق والاهية ما سواه. في ذكر تباين الاوصاف التي يعرف العقل بالبديل انتهت التفاوت بينها. مما يدع التصريح بالمفاضلة الى العقل. قال تعالى اارباب متفرقون خير ام الله واحد القهار وقال تعالى والايات التي بعدها وقال تعالى ضرب الله مثلا ان رجلا في شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا وقال تعالى مثل الفريقين كالاعمى والاصم فقال تعالى وقال تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وقال مثلها امن هو قانت اناء الليل ساجدا وقائما الاخرة ويرجو رحمة ربه. فهذه المواضع ترك القسم الاخر كما ترك التصريح بالمفاضلة لعلمه من المقام. فقوله امن هو قانت اناء الليل الى اخرها يعني كمن ليس كذلك. والايات في هذا المعنى كثيرة وهو من بلاغة القرآن واسلوبه العجيب. كقوله افمن يمشي مكبا على على وجهه اهدأ من يمشي سويا على صراط مستقيم. ولما ذكر اوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم الداعي وما يدعو اليه واعظم الناس معارضة له قال وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين فستبصر ويبصرون بايكم المفتون وقال لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من وقال وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمنوا ومن شاء فليكفر. وذلك انه اذا اذا ميزت الاشياء تمييزا تاما وعرفت مراتبها في الخير والشر والكمال والنقص صار التصريح بعد ذلك بالتفضيل لا معنى له والله اعلم. القاعدة التاسعة والستون وهذه القاعدة وردت في القرآن في مواضع كثيرة. فمنها ما ذكره الله عن المهاجرين الاولين. الذين هجروا اوطانهم واموالهم واحبابهم لله. فعوضهم الله رزقا واسع في الدنيا والعزة والتمكين. وابراهيم عليه السلام لما اعتزل قومه واباه آآ وما يدعون من دون الله وهب له اسحاق ويعقوب والذرية الصالحة. وسليمان عليه السلام لما الهته الخيل عن ذكر ربه فاتلفها عوضه الله الريح تجري بامره. والشياطين كل بناء وغواص واهل الكهف لما اعتزلوا قومهم وما يعبدون من دون الله وهب لهم من رحمته وهيأ لهم اسباب التوفيق والراحة وجعلهم هداية للضالين. ومريم التي احسنت فرجها بها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها اية للعالمين. ومن ترك ما تهواه نفسه من الشهوات لله تعالى عوضه الله من محبته والانابة اليه ما يفوق جمعه لذات الدنيا. القاعدة السبعون القرآن كفيل بما القرآن كفيل بمقاومة جميع المفسدين. ولا يعصم من جميع الشرور الا التمسك باصول وفروعه. وقد تقدم من الادلة على هذا الاصل الكبير في دعوة القرآن للاصلاح والصلاح. وفي طريقته في محاجة اهل الباطل وفي سياسته الداخلية والخارجية ما يدل على هذا الاصل. ويعرف الخلق ان العصمة من الشرور كلها التمسك بهذا القرآن واصوله وعقائده واخلاقه وادابه واعماله. ولكن نزيد هنا بعض التفصيلات فنقول اهل الشر والفساد نوعان احدهما المبطلون في عقائدهم واديانهم ومذاهبهم. الذين يدعون اليها ففي القرآن من الاحتجاج على هؤلاء واقامة الحجج والبراهين على اقوالهم شيء كثير. لا يأتي مبطل بقول الا وفي القرآن بيانه بالحق الواضح والبرهان الجليل. ففيه الرد على جميع المبطلين من الدهرين والماديين والمعطلين والمشركين والمتمسكين بالاديان المبدلة والمنسوخة من اليهود والنصارى والاميين. ولا يأتونك بمثل الا فجئناك بالحق واحسن تفسيرا. يذكر الله حجج هؤلاء وينقضها ويبدي من الاساليب المتنوعة في افسادها ما هو معروف تفصيل هذه الجملة لا يحتمله هذا الموضوع. النوع الثاني من المقاومين للاديان والدنيا والسياسات والحقوق الشيوعيون الذين انتشر جرهم وتفاقم امرهم وصارت دعايتهم في طبقات المجتمع. اه سريان النار في العشب الهشيم. ولم يكن عند الاكثرين ما يرد صوتهم ويقمع شرهم وانما عندهم من الاصول والعقائد والاخلاق والسياسات ما يمكن امثال هؤلاء الذين فساد العباد بلاد الذين هم فساد العباد والبلاد. ولكن ولله الحمد القرآن العظيم والدين القويم قد تكفل بمقاومة هؤلاء. كما تكفل بمقاومة غيرهم وفيهم من الاصول والاخلاق والاداب الراقية. ما يردهم على اعقابهم منهزمين مما فيه من العدل ووجوب الحقوق العادلة. بين طبقات الناس بحسب احوالهم وما فيه من ايجاد الزكاة والالزام بها. ودفع حاجات الفقراء والمضطرين ووجوب القيام بالمصالح الكلية والجزئية ووجوب حفظ الاملاك والحقوق. كل هذا اعظم سد واحكم حصن للوقاية من شرور هؤلاء المفسدين. وكذلك ما حظ عليه القرآن من لزوم الاداب العالية والاخلاق السامية والاخوة الدينية والرابطة الاسلامية يمنع من تغلغل شرورهم التي طريقها الاقوم تحليل الاخلاق وانحلال الاداب وتحلل الروابط النافعة. والثورة العامة والرأسماليين الذين يجمعون ويمنعون. فهؤلاء وان ابدوا من القوة المادية والتسلط على العباد بالقهر والاستعباد. والطمع والجشع فانهم لا لهم على مقاومة هذا التيار المزعج المخرب المدمر. المدمر ما مر عليه. فما معهم سلاح يقاوم سلاحهم. ولا قوة تجابه قوتهم لكونهم لم يتمسكوا بالقرآن الذي فيه العصمة والقوة المعنوية. والصلاح والاصلاح والعدل ودفع الظلم والاداب والاخلاق العالية. التي لا تزعزعها عواصف الخراب بل تقذف بالحق على الباطل فتدمغه فاذا هو زاهق. فاذا جاء هؤلاء المفسدون بالتعطيل المحض والانكار الصرف ابدى من الحجج والبراهين على وجود الله وتوحيده وصدقه وصدق ما جاء به ما تصدع له الجبال وتخضع له فحول الرجال. واذا تسرب هؤلاء بتوسط الاخلاق الرذيلة وانحلال الاداب الجميلة. وجدوا مسلكا في هذا الطريق يعينهم على تنفيذ باطلهم جاءهم هذا القرآن بالحث على الاخلاق العالية والاعمال الصالحة والاداب الجميلة. التي لا تدع للشر على صاحبها سبيلا. واذا قالوا بالفقر ووجوب المساواة واحتجوا على ارباب الاموال بالاحتكار والسيطرة على استبعادهم على استعبادهم للعباد واستبدادهملاك والاموال ولم يجد هؤلاء قوة عليهم وليس بهم طاقة بوجه من الوجوه تصدى هذا القرآن العظيم بعدله وقسطه وايجابه الحقوق المتنوعة الدافعة للحاجات كلها بعد قيام لصدهم ومقاومتهم وابطال كل ما به يصولون ويجولون. ثم اذا ابرز بصلاحه واصلاحه العظيم ونظامه الحكيم وحثه على سلوك الصراط المستقيم ونوره الساطع وحججه القواطع لم يبقى في وجه في وجه باطل الا محقه ولا شر ولا شر الا سحقه. ولا بقي من قصده الحق والصواب الا اختاره واعتنقه. ولا تأمله صاحب عقل من وراء الا خضع له فهو الحصن الحصين من جميع الشرور. فهو الحصن الحصين من جميع الشرور وهو القاهر لكل من قاومه في كل الامور. القاعدة الحادية والسبعون في اشتمال كثير من الفاظ القرآن على جوامع المعاني. اعلم ان ما مضى من القواعد هي المقصود في وضع هذا الكتاب. وهو بيان الطرق والمسالك التي يرجع اليها كثير من الايات. وانها وان تنوعت الفاظ بعضها واختلفت اساليبها فانها ترجع الى اصل واحد وقاعدة كلية. واما نفس الفاظ القرآن الحكيم فان كثيرا منها من الالفاظ بعض الجوامع وهي من اعظم الادلة على انه تنزيل من حكيم حميد. وعلى صدق من اعطى جوامع الكلم واختصر له الكلام وعلى صدق من اعطي له جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا. ولنمثل لهذا امثلة ونذكر انموذجا منه فمنها قوله تعالى من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها وقوله للذين احسنوا الحسنى وقوله هل جزاء الاحسان الا الاحسان وقوله. والسابقون السابقون وقوله ان الله يأمر بالعدل وقوله وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان وقوله. من عمل صالح فلنحيينه حياة طيبة. ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. وقوله وما تقدموا انفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا واعظم اجرا. وقوله انما يوفى الصابرون اجره بغير حساب يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا وقوله وامرهم شورى بين وقوله وشاورهم في الامر وقوله ان الله لا يظلم الناس شيئا وقوله يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا. وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا. وقوله. والصلح قيل وقوله ان الله لا يصلح عمل المفسدين وقوله والله لا يحب الفساد وقوله يوم لا تملك نفسا لنفسي شيئا وقوله فلا تدع مع الله احدا وقوله فلا تجعلوا وقوله الا لله الدين الخالص وقوله ان اريد ان الاصلاح ما استطاع وقوله فاتقوا الله ما استطعتم وقوله. ويؤتي كل ذي فضل فضله. وقوله فضل بينكم وقوله. ولا تبخسوا الناس اشياءهم وقوله فاستقم كما امرت وقوله. واصبري ان الله لا يضيع اجر المحسنين. وقوله ان الحسنات يذهبن السيئات وقوله كذلك لنصرف عنه السوء والفضل وحشاء انه من عبادنا المخلصين وقوله انا كذلك نجزي المحسنين وقوله. والذين يصلون ما امر الله وقوله. وجزاء سيئة سيئة مثلها وقوله. وان عاقبتهم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وقوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقوله ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم وقوله وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله ما على المحسنين من سبيل وقوله ويحن له الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. وقوله فمن عفا واصلح فاجره على الله وقوله الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير املا. وقوله وخير مردا وقوله يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. وقوله وما جعل عليكم في الدين من حرج وقوله. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وقوله ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا وقوله. لقد ان كان لكم في رسول في رسول الله اسوة حسنة. وقوله وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه وقوله وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله وقوله والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا. فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا. وقوله واعدوا لهم ما استطعتم فهذه الايات الكريمات وما اشبهها كل منها قاعدة واصل كبير تحتوي على معان كثيرة وقد تقدم في اثناء القواعد منها شيء كثير وهي متيسرة على حافظ القرآن المعتني بمعرفة معانيه. ولله الحمد والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وقد يسر الله ما بجعبتي. وقد يسر الله ما ما من بجمعه فجاء ولله الحمد على اختصاره ووجازته ووضوحه كتابا يسر الناظرين. ويعين على فهم كلام رب العالمين. ويبدي لاهل البصائر والعلم من المآخذ والمسالك والطرق والاصول النافعة. ما لا يجده مجموعا في حل واحد مخبر الكتاب يغني عن وصفه. واسأله تعالى ان يجعله خالصا لوجهه الكريم. مقربا مقربا لديه في جنات النعيم. وان ينفع به مؤلفا