المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قطعة من شرح بلوغ المرام. بسم الله الرحمن الرحيم. باب الشركة والوكالة. عن ابي هريرة مرفوعا يقول الله تعالى انا ثالث الشريكين ما لم يخن احدهما الاخر. فاذا خان احدهما الاخر خرجت من بينهما رواه ابو داوود وصححه الحاكم. يدل على جواز جميع المشاركات من غير استثناء. وفضل الشركة اذا بنيت على الامانة وعدم الخيانة فان من كان الله معه اعانه ووفقه وسدده وبارك له في سعيه وعمله لما فيها من اجتماع الاراء والاعمال. ونيابة احدهما عن الاخر في غيبته. ومزاولة الاعمال التي لا يقدر عليها الواحد وفيه انها اذا دخلتها الخيانة خرج الله من بينهما. وحل في سعيهما الفشل والمحق. وعن السائب المخزوني انه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فجاء يوم الفتح فقال مرحبا باخي وشريكي. رواه احمد وابن ماجة روى ابو داوود ذكر في الحديث السابق فضل المشاركة. وفي هذا انه صلى الله عليه وسلم شارك. ويفيد هذا من شاركته ثبت له الحق عليك. وكان من الوفاء القيام بهذا الحق. حتى ولو بعد انحلال الشركة. وهذا من الوفاء ولهذا اكرم صلى الله عليه وسلم السائب المخزومي. عن عبدالله بن مسعود قال اشتركت انا وسعد وعمار في نصيب يوم بدر الحديث وفيه فجاء سعد باسيرين ولم اجئ انا وعمار بشيء. رواه النسائي وغيره. هذا دليل على جواز شركة الابدان فيما اذا اشتركا فيما يحصل بعملهما من غنيمة او احتشاش او احتطاب. وكذلك في الصناعات ونحوها. وفيه انه اذا انعقدت كان ما يحصل منهم او منهما او من احدهما كالحاصل من المجموع. لان النبي صلى الله عليه وسلم اشرك بينهم في الاسيرين الذين اتى بهما سعد رضي الله عنه. وذكر احاديث الوكالة انه صلى الله عليه وسلم وكل على الحفظ والتصريف وقبض الصدقات وتصريفها. وعلى ذبح الهدايا وعلى اثبات الحدود واستيفاء فدل ذلك على جواز ذلك. وكل ما هو في معناه من جميع المعاملات. عقدها وفسخها ومتعلقاتها وشروطها والعبادات التي تدخلها النيابة. وكذلك الحقوق التي تدخلها النيابة دون ما لا تدخله النيابة. بل يتعين على العبد بنفسه فلا تدخله الوكالة والله اعلم. باب الاقرار. عن ابي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قل الحق ولو كان مرا. صححه ابن حبان في حديث طويل. هذا اللفظ من اشمل ما يكون فيما يجب التكلم به فانه امر بقول الحق فيما يتعلق في الامور الدينية من العقائد والاخلاق والاحكام. وفيما يتعلق بالمعاملات. فيجب على الانسان ان يعترف بما عليه من الحقوق. ولو ظن ان اعترافه يضره ويجب عليه ان يبين ما في سلعته من العيوب صفات المرغوب عنها وان يقر بالحق الذي عليه. ويدل على وجوب الامر بالمعروف والنصح لكل احد. والا تأخذه في ذلك لومة لائم. فلا يترك التكلم بالحق للوم احد وقدحه. او لخجله ممن يتعلق به او لغير ذلك من الموانع وهذا هو الميزان للصدق والامانة والدين. فمتى كان العبد لا يقول الا الحق فهو الصادق الامين صاحبه الدين المتين. ومن كان يعترضه عن الكلام في الحق عوائد الاغراض النفسية. وهيبة الخلق وخوف نقص الجاه او المال او غيرها فهو الناقص في دينه وهو الخاسر. باب العارية. عن سمرة رضي الله عنه مرفوعا على اليد فيما اخذت حتى تؤديه. رواه احمد والاربعة وصححه الحاكم. عموم هذا الحديث يدخل فيه الغاصب والمستعير والوكيل والوديع والاجير. ونحوهم ممن يأخذ مال غيره برضاه. على وجه ينتفع به او ينتفع صاحب المال فاذا اريد ان عليها ان تؤديه الى صاحبه فهذا شامل لا استثناء فيه. لان الله قال ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. وغير الامانات من باب اولى. وان اريد بذلك ان عليها ضمان ما اخذت فرطت او لم تفرط فهذا ليس بظاهر. انما يؤخذ الضمان وعدمه من دليل اخر. فالمتعدي بالاخذ او المتعدي بابقائها عنده بعدما طلبها صاحبها لغير عذر عليه الضمان. وبقية الامانات لا ضمان فيها. الا اذا تعدى من عنده او فرط في حفظها. وتخصيص العارية فيه نظر ظاهر لا دليل عليه. وان اريد ان عليها مؤنة الرد فهذا فيه تفصيل. اليد المتعدية عليها مؤنة اكثر. واليد المنتفعة تبع الشرط. واليد المتبرعة لا مؤنة عليها الله اعلم. وعن ابي هريرة مرفوعا. ادي الامانة من ائتمنك. ولا تخن من خانك. رواه الترمذي وابو داود وحسنه الامانة كل مال ائتمنك عليه صاحبه ورضي ببقائه بيدك. من وديعة او غيرها. وهو صريح في بادائها الى المؤتمن. واما اداؤها الى غيره. فان كان نائبا عنه بوكالة او وصية او ولاية او وراثة قام مقامه. والا فلا يبرأ بدفعها لغير من ائتمنه. وذكر انه يجب رد الامانة في كل حال. حتى في الحالة التي خانك فيها من ائتمنك. فلا يحل كتم الامانة او منعها حتى في حق هذا الخائن. لما يترتب على ذلك من فتح باب في الشر والفساد. ولا ينافي هذا ما اجازه الشارع من اخذ الضيف قراه ممن منعه القرى الواجب. او الزوجة نحويها نفقاتها من مال الزوج ونحوه عند غيبته او امتناعه. فهذا لان سبب الحق ظاهر لا ينسب الاخذ الى يانا بل يقال اخذ حقه المعلوم للناس والله اعلم. وان يعلى ابن امية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اتتك رسلي فاعطهم ثلاثين درعا. قال يا رسول الله عارية مضمونة او عارية قال بل عارية مؤداة. رواه ابو داوود والنسائي. وصححه ابن حبان. وعن صفوان ابن امية ان النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه درعا يوم حنين. فقال اغضبا يا محمد؟ قال بل عارية مضمونة. رواه ابو داوود والنسائي وصححه الحاكم فيها مشروعية العارية وانه لا بأس بالاستعارة وانها لا تنقص من قدر المستعير. لان كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم فليس فيه نقص. وانه لا بأس باستعارة كل عين ينتفع بها. وهي جائزة في حق المستعير. مندوبة في حق المعير بانها من انواع الاحسان. وان العارية تكون مضمونة اذا شرط ضمانها. وظاهر هذين الحديثين انها الا تضمن اذا لم يشرد ضمانها ولم يتعد فيها المستعير ولا فرط. وان مؤنة ردها على المستعير. لقوله عارية مؤدبة والله اعلم. باب غصب عن سعيد بن زيد رضي الله عنه مرفوعا. من اقتطع شبرا من الارض ظلما الله اياه يوم القيامة من سبع اراضين. متفق عليه. فيه الوعيد الشديد على غصب اراضينا وغيرها. وهذا الوعيد اقتطاعها من ملك الغير. او ما يختص به الغير. ويشمل اقتطاعها من الشوارع العامة. واستدل به على ان الارض يتبعها قرار وهواؤها فليس لاحد ان يتصرف في قرار ملك غيره ولهوائه بغير اذنه ورضاه وقوله تعالى ومن يأتي بما ظل يوم القيامة يراد بها الغلول من غنيمة المجاهدين. ويراد بما هو اعم من ذلك هذا الحديث من هذا المعنى العام. وان من ظلم فاخذ شيئا بغير حق طوقه يوم القيامة. من عقار وحيوان واثاث وفي هذا ان الاراضين سبع بعضها فوق بعض متواصلة متصلة. واذا كان هذا الوعيد في اقتطاع شبر من الارض الظن بما هو اكثر من ذلك. وفيه ان الانسان بملكه للارض يملك ما في باطنها من حجارة ومعدن وغيرها. وعن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه. فارسلت احدى امهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام وقال كلوا ودفع الصحفة الصحيحة للرسول وحبس المكسورة. رواه البخاري والترمذي وزاد طعام بطعام واناء باناء وصححه هذا فيه ضمان المتلف لغيره مالا اي يضمنه بالمثل. وان المثل هو الشبيه والنظير. ليس خاصا بالمكيل والموزون. وفيه لانه ينبغي الانتفاع بالمتلف اذا بقي فيه انتفاع. لانه صلى الله عليه وسلم ضم الطعام في الاناء المكسور. وامرهم ان وفيه كمال خلقه صلى الله عليه وسلم حيث لم يغضب على الكاسرة. لعلمه ان الذي دفعها الى هذا العمل الغيرة التي تكاد ان تكون بغير اختيارها. وهي شبيهة بالمكرهة وفيه انه لا يشترط في التضمين رضا من وجب عليه الضمان بانه دفعها ولم يسترضها في دفع صحفتها الصحيحة. وفي هذا الحديث والذي قبله ان الضمان سببه احد امرين. اما المتعدية بغير حق على مال الغير. فتضمن العين والمنافع واما اليد المتلفة لما للغير عمدا او سهوا او خطأ والله الله اعلم. وعن رافع بن خديج مرفوعا من زرع في ارض قوم بغير اذنهم. فليس له من الزرع شيء وله نفقته. رواه احمد والاربعة الا النسائي. وحديث عروة عن رجل من الصحابة وفيه ليس لعرق ظالم حق في اختصام الرجلين في فرس رواه ابو داوود ظاهر ذلك انه لا فرق بين ان يحصد الزرع او لم يحصده. وان صاحب الارض التي زرعت بغير باذنه له الزرع وعليه مؤنة ما انفق الزراع. لان الزرع انما تولد وصار مالا من ارضه وعمل الزراع. ولكن هذا اذا كان صاحب الارض يختار ذلك. فان كانت نفقة الزرع اكثر من حاصله فهو لا يختار الزرع. ويعطي اكثر من والزارع متعد بزرعه بغير اذن المالك. وعموم القاعدة الشرعية ان النقص يكون على المتعدي لا يلزم صاحب الارض اكثر من نفقة الزرع. والمتعدي قد استغل ارضه وملكه بغير اذنه. فيقتضي ان يكون الزارع عليه الاجرة لرب الارض او بسهم من الزرع على ما جرت به العادة. فهذا العموم يتقيد بهذا الاصل الذي دل عليه الشرع في مواضع ولم يلغ الشارع حق الزارع. اذا اختار صاحب الارض تملك الزرع بل اوجب له النفقة فالشارع راعي الطرفين. وقوله ليس لعرق ظالم حق يدل على ان غرس الغاصب وبناءه في الارض المغصوبة غير محترم. فاذا اختار صاحب الارض ان يقلعه تغاصب مجانا فله ذلك. لانه ليس له حق في الارض. ولهما ان يتراضيا على ابقائه في الارض باجرة او مغارسة كما ان لصاحب الارض تملكه بقيمته فتقوم الارض مغروسة او مبنية وتقوم خالية من الغراس والبناء ما بينهما فهو قيمة الغرس والبناء. ومفهوم الحديث ان من غرس او بنى وهو غير ظالم له حق. فيدخل في ذلك غراس المستأجر والمستعير ونحوهم. وكذلك على الصحيح المغرور الذي انتقلت اليه الارض من الغاصب بغير علمه. فكل هؤلاء لهم حق فاما ان يتملكه صاحب الارض بقيمته او يتفقا على ابقائه باجرة ونحو ذلك. وعن ابي بكرة مرفوعا قال في خطبته يوم النحر ان دمائكم واموالكم عليكم حرام. كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا هذا متفق عليه. هذا اصل كبير كان صلى الله عليه وسلم يقرره في المجامع العظام. وقد تقررت حرمة دماء المسلمين واموات واعراضهم عند جميع الامة. فلا يحل شيء منها الا بحقها وسببها الشرعي. اما بمعارضة شرعية او تبرع قبضي او عرفي باب الشفعة. عن جابر رضي الله عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. متفق عليه. الشفعة استحقاق الشريك انتزاع شريكه ممن انتقلت اليه ببيع ونحوه فله ذلك قهرا. وهذا الحديث اصل فيها. ومقصودها دفع الضرر من غير ضرر بالاخر. وهي خاصة بالعقارات التي لم تقسم. اذا باع احد الشركاء فلشريك او للشركاء اذا تعددوا ان ينتزعوها ممن بيعت عليه بالثمن الذي وقع عليه العقد. فاذا حددت الحدود وصرفت الطرق صاروا ولم يكونوا شركاء فلا شفعة للجار. لكن اختلف العلماء لو كان العقار مقسوما الى بعض المصالح المشتركة البئر او الطريق او نحوهما. والصحيح جريان الشفعة فيه. لان الحدود والطرق لم تنفصل انفصالا تاما. وهذا القول متوسط بين قول من لا يرى فيه الشفعة وقول من يرى الشفعة للجاري وان انفصلت المرافق كلها. ويدل الحديث لفظ ان الحيوانات والاثاثات والاواني ونحوها من المشتركات لا شفعة فيها. لانه خصصها بانه يمكن وقوع حدود وتصريف الطرق. وذلك خاص بالعقار. وعموم هذا يقتضي الشفعة فيما يمكن قسمه من العقارات. وهو ما لا ضرر فيه ولا رد عوض وما لا يمكن قسمه خلافا لبعض اهل العلم القائلين ان ما لا يمكن قسمه لا شفعة فيه. وهذا ضعيف وحديث ابي رافع مرفوعا الجار احق بشفعته او بصقبه. رواه البخاري. محمول على من بينهم بعض الحقوق التي لم تقسم كالبئر والطريق. واذا كانت الشفعة ثابتة بالنص والاجماع. فالتحايل لاسقاطها من الحيل المحرم ولا تفيد صاحبها شيئا. وايضا اثبات الشارع الشفعة ولم يقيدها بفورية ولا غيرها. يدل على انها كغيرها لا تسقط الا بما يدل على رضا الشريك باسقاطها. واما الاثار المروية الشفعة كحل العقال او لمنوى او لمن واثبها فلم تثبت والله اعلم. وبقية احاديث الباب يقيد بعضها بعضا. وتدل على ان الجار له شفعة اذا كانوا شركاء في بئر او طريق او غيرها والله اعلم. باب القيراط. وعن صهيب مرفوعة البركة في ثلاث البيع الى اجل والمقارضة وخلط البر بالشعير للبيت لا للبيع. رواه ابن ماجة. قد يجعل الله في بعض الاشياء بركة لاسباب الهية شرعية او اسباب مادية وما اجتمع فيه الامران فهو البالغ في البركة نهايتها هذه الثلاث المذكورة في هذا الحديث اخبر صلى الله عليه وسلم ان فيها بركة. لان فيها نوع توسعة للانسان ولغيره ومن وسع على العباد وسع الله له رزقه. فالبيع الى اجل يرتزق فيه المعامل والمعامل. اما الذي اعطى فانه يحصل له في مقابلة الاجل زيادة محسوسة. واما الاخر فانه يرتفق بما اخذه من معاملة الى الاجل وهو في ذلك الغالب معه قوة توكل وثقة بالله ان الله تعالى سييسر له الوفاء. وكل كل معاملة دخلتها الثقة بالله والرجاء لرزقه. فان الله يبارك فيها. واما القراط وهو المضاربة فان صاحب المال يعطي ما له من يتكسب به. والاخر يكتسب بعمله وبمال الاخر. فهذا منه المال وهذا منه العمل وكل منهما عنده نوع من توكل وثقة بالله. وتوجه اليه ان ييسر له الاسباب النافعة. وقد حصل توسعة من للاخر وفضل الله وبركته فوق ذلك. واما خلط البر بالشعير للبيت فهذا من باب الاقتصاد من جهة من باب اعطاء النفس مرادها من جهة اخرى. ومن باب التوسعة على اهل البيت من جهة اخرى. ومن باب الارفاق على المنفق وهذه امور تقتضي البركة. ولهذا قال للبيت لا للبيع فانه اذا خلط للبيع كان من باب الغش المنافي للبركة والله اعلم. والحديث دليل على جواز المضاربة بما فيها من النفع للطرفين. ولسلامتها من الغرر والخطر وجوازها مجمع عليه. ولكن يلزم ان يتشارطها شروطا لا غرر فيها. بان يجعل للعامل جزءا مشاعا معلوما من ربح ولما كانت نوع وكالة كان اذا شرط رب المال على العامل الشروط التي له فيها مصلحة ويخشى منها المضرة كانت شروطا صحيحة لازمة. كما فعله حكيم بن حزام في شروطه على من يعطيه المال مضاربة الا يجعله في الحال التي منها الخوف عليه والخطر. وذلك يختلف باختلاف الاحوال. باب المساقات والاجارة. حديث ابن عمر في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لاهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع متفق عليه. وحديث رافع بن خديج في جواز اجارة الارض ومنع المساقات باشياء معينة وهو في مسلم. يدل ذلك على جواز امرين ومنع امر ثالث اما الامران الجائزان فالمساقاة والمزارعة بجزء مشاع معلوم من الثمر او من الزرع للعامل او للمالك الامر الثاني تجارة الارض بنقد او طعام معلوم للمالك. والزرع للعام كله وكذلك في المساقات على الصحيح واما الممنوع فالمساقاة والمزارعة بشيء معين. بان يقول لك هذا الجانب ولهذا الجانب او لك هذه الشجرات ولي الباقي وهذا لان هذا غرر. ربما يسلم هذا ويعطب هذا وبالعكس. والمساقاة والمزارعة على العدل. حديث ابن عباس في احتجام النبي صلى الله عليه وسلم واعطائه الحجام اجرة. يقول لو كان حراما لم يعطه حجرة لانه لا يفعل ولا يقر على حرام. فدل على ان قوله صلى الله عليه وسلم في حديث رافع بن خديج كسب الحجاج خبيث ان معناه ردي دني لا حرام. فان الخبيث يطلق على الدني كما في قوله تعالى ولا تيمموا خبيث منه تنفقون. وعن ابي هريرة مرفوعا يقول الله تعالى ثلاثة انا خصمهم. رجل اعطى بي رجل اعطى بي فغدر. رجل باع حرا فاكل ثمنه. ورجل استعمر اجيرا. فاستوفى منه ولم يعطه اجره رواه مسلم. وذلك والله اعلم. لان هؤلاء توسلوا وتوصلوا بنفقة معاملهم بهم. وبالله الذي عاهدوا بان العقد من باب العهد فغدروا بهم. هذا بغدره اذ وثقه بالعهد فامنه وغدر به. والثاني غدر بالحر باعه بيع العبيد. والحرية حق لله تعالى. وحق ايضا للعبد. وهذا ابطل الحقين. والاجير واثق تأجيره وامانته. وبذل له عمله. فلهذا كانوا خصماء لله. ومن كان الله خصمه فهو المغلوب المفلوج باب الوقف عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به من بعده. او ولد صالح يدعو له. رواه مسلم. قد تكلمنا في هذا في البهجة عن ابن عمر قال اصاب عمر ارضا بخيبر. فاتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها. فقال يا رسول الله اه اني اصبت ارضا بخيبر لم اصب مالا قط هو انفس عندي منه. فقال ان شئت حبست اصلها وتصدقت بها. قال تصدق بها عمر رضي الله عنه انه لا يباع اصلها ولا يورث ولا يوهب. فتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل. والضيف لا جناح على من وليها ان يأكل منها بالمعروف. ويطعم صديقا غير متمول مال متفق عليه واللفظ لمسلم. وفي رواية للبخاري تصدق باصلها لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق وفي هذا الحديث فوائد فضيلة عمر في اتصافه بالانفاق مما يحب بل بانفس ما عنده وفيه اهل العلم في اختيار افضل الامور. وفيه ان الوقف من افضل الامور. او افضل انواع الصدقة لما فيه من النفع المستمر ولانه جواب النبي صلى الله عليه وسلم لعمر عن افضل ما يبذل ما له فيه. فدل على انه افضل ما يكون. ومنها بيان معنى الوقف وحده وثمرته. وانه اصل يحبس عن التصرفات كلها. تصرفات المعاوضة كالبيع والتبرع كالهبة انتقاله بالارث وان مظله وثمرته تجري للجهة التي وقف عليها. ومنها ان هذه الجهات المذكورة في الحديث والفقراء والرقابة عتقها ومعاونة الكاتب والنفقة في سبيل الله. من الجهاد والعلوم النافعة. وابن السبيل والضيف طارق كلها من ابواب الخير. وكذلك جميع ابواب البر فيؤخذ من هذا ان الوقف لابد ان يكون في اعمال البر والخير تفاوت بتفاوت الاحوال والاوقات. فينبغي للموقف ان ينظر انفعها واحقها بالبذل. وان الوقف في المباحات والمكروهات غير صحيح. فضلا عن طرق الحرام. ومنها انه لابد للوقف من وال وناظر. ان شرط الموقف فذاك. وان كان الوقف على معين مكلف يملك فالنظر له. وان كان على جهات خير اخر فالنظر للحاكم. هذا اذا لم يشرط الموقن ناظرا. وعلى الناظر تعمير الوقف وحفظ مغله وتصريفه في طرقه. ومنها ان الناظر له الاكل بالمعروف. وعمل دعوة ونحوها ولكن لا يتموله ويتأثله. ربما استدل بقوله لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق ثمره. على جواز بل وجوب بيعه اذا لم يكن له ثمر ولا مغل بالكلية. او لا يقع الموقع. لان هذا هو المقصود. فمراعاته اهم من ابقاء اصله الذي لا نفع فيه. وعن النعمان ابن بشير انه اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني نحلت ابني هذا غلام من ما كان لي اكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعه وقال اتقوا الله واعدلوا بين اولادكم. وفي لفظ اتحب ان يكونوا لك في البر سواء؟ قال فرد ابي تلك الصدقة وفي لفظ قال فاشهد على ذلك غيري. في وجوب التعديل بين الاولاد في العطية. وان هذا هو الواجب وانه مقتضى مصلحة وهو ان يساوي بينهم لان لا يجرح خاطر احد منهم ويوجب العقوق. ومنها ان فيه التنبيه على له وان كان احد الاولاد ارجح في محبته من بعض فلا ينبغي للوالد ان يعمل بمقتضى هذا الحب ويظهره لما فيه من من هذا المحذور وفيه وجوب النظر الى الامر من كل نواحيه. فان الاحسان الى بعض الاولاد احسان وبر اذا قطعنا النظر عن بقيتهم فاذا نظرنا الى ما يترتب على هذا البر والاحسان من انجراح قلوب البقية ومن الظلم وعدم العدل. عرفنا انه احسان ضار. وفيه ان دفع المفاسد اولى من جلب المصالح. لان البر مصلحة وعدم العدل مفسدة. وفيه الاستفصال في السؤال اذا كان فيه نوع احتمال لقوله صلى الله عليه وسلم اكل ولدك نحلته وان المساواة بينهم من تقوى الله وانه لا تحل الشهادة على الجور والظلم. وان من ظهر له الخطأ بتبين او تنبيه تعين عليه الرجوع لقوله فرجع ابي او فرد ابي تلك الصدقة. وفيه ما عليه الصحابة رضي الله عنهم من حسن المقاصد والرجوع الى مقتضى ايمان وطاعة الله وطاعة رسوله. من حيث تبين لهم الامر. وفي ان العمل بالشريعة لا يترتب عليه الاكل خير وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا ليس لنا مثل السوء. العائد في هبته كالعائد في قيئه. متفق عليه لما كانت الهبة مكفرة للسيئات. فانها من افضل الحسنات. كان الذي ينبغي للعاقل ان يحقق هذا المقصود بتكميلها وعدم المنة فيها وشكر الله عليها اذا قدره عليها ووفقه لها. ومع انها مكفرة للذنوب فانها واقية للشرور في الدنيا والاخرة. ومنجية من الاهوال ورافعة لدرجات العبد. وعود العبد فيها يماثل هذا المثل القبيح. ولان الكلب من دنائته وخسة نفسه وشرهه يحمله ذلك على العود في قيئه العائد في هبته يشبه الكلب في الدناءة والخسة والشره القبيح. ويدل ذلك على ان العود محرم. والمحرم لا يمكن الانسان منه. ولهذا اذا تمت الهبة وقبضت لم يكن للواهب الرجوع فيها. الا الوالد فيما يعطيه لولده الحديث الاتي حديث ابن عمر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل مسلم ان يعطي العطية ثم فيها الا الوالد فيما يعطي ولده. رواه احمد والاربعة. وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها. رواه البخاري. وعن ابن عباس قال وهب رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة فاثابه عليها. فقال رضيت؟ قال لا فزاده فقال رضيت. قال لا فزاده فقال رضيت فقال نعم. رواه احمد وابن حبان. النبي صلى الله عليه وسلم اكمل الخلق في كل صفة كمال. وقد كمله ربه وحفظه من كل خلق دني. ومن كل نقص. ولو لم يكن ذنب لهذا كان لا يأكل الصدقة. لان يد المعطي فيها هي العليا. ويد الاخذ السفلى. واما الهدية فلما كانت تدل على تعظيم المهدى اليه واحترامه كان يقبلها. ومع ذلك فلا يريد لاحد عليه ادنى منا. فيثيب عليها ثوابا من يرضي المهدي. ولهذا لما اهدى له الرجل الناقة وكان الرجل دني النفس. فاعطاه ثم اعطاه ثم اعطاه حتى رضي لئلا يبقى في خاطر الرجل ان له المنة على النبي صلى الله عليه وسلم ولو بغير حق. كل هذا ترفع منه صلى الله عليه وسلم عن كل نقص محقق او متوهم صلوات الله وسلامه عليه. وفيه ان من صنع اليه معروف فينبغي له ان نكافئ فان لم يقدر على المكافأة المالية كافأ بالدعاء والثناء. والفرق بين الهدية والصدقة فرق ظاهر كما سبق وايضا قبول النبي صلى الله عليه وسلم للهدية عند التأمل من باب الاحسان الى المهدي. لان في ذلك جبرا لخاطره وادخالا للسرور عليه. وهذا من الاعمال الصالحة. وعدم قبول الهدية تفويت لهذا المطلب المحمود. وايضا تحقيق لما ذكره في هذين الحديثين حديث ابي هريرة مرفوعا تهادوا تحابوا. رواه البخاري في الادب المفرد وابو يعلى باسناد حسن. وحديث انس مرفوعا تهادوا فان الهدية تسل السخيمة. رواه البزار باسناد ضعيف. وعن عمر قال حملت على فرس في سبيل لله فاضاعه صاحبه. فظننت انه بائعه برخص. فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا وان اعطاكه بدرهم. الحديث متفق عليه. فيه ان مساعدة المجاهدين في سبيل الله من افضل الاعمال وان من اخرج مالا لله لا يعود فيه لا بهبة ولا باعتياض. لما في ذلك من نوع رجوع فيما اخرجه لله تعود العبد نفسه ان ما خرج منه لله لا يتبعه نفسه. وايضا ربما باعد المعطى اياه وحابى صاحبه مقابلة له وعلى معروفه او ليرجي ان يعطيه مرة اخرى. ولهذا لا يدخل في هذا اذا رده اليه الميراث. عن ابي هريرة مرفوعة يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرس نشاة متفق عليه يدخل في الجارة ومن معها في المسكن ونساء الجيران. بل وكذلك الصاحبات الاخريات. كما قال تعالى والجار ذي القربى والجار في الجنب والصاحب بالجنب. وينبغي ان يمتثل امر النبي صلى الله عليه وسلم. فلا يستحقر الانسان الزهيد. فان ملازمة الاحسان ولو بالشيء القليل يدرك به العبد خيرا كثيرا. وينمي احسانه السابق ويزرع المودة ومع المداومة لا يستحقره المعطي. بخلاف ما لو كان بره يتأخر عنه كثيرا. فانه في الغالب يستحقر اليسير. ولا يقنعه الا كثير. وايضا القليل قد يوافق حاجة شديدة فيكون له موقع كبير. والله يقول فمن يعمل مثقال قال ذرة خيرا يره. فالمؤمن يغتنم فرصة الخير القولي والعملي والمالي. قل او كثر. والمتهاون قد خير كثير. ومن باب اللقطة عن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق فقال لولا اني اخاف ان تكون من الصدقة لاكلتها. متفق عليه. وعن زيد بن خالد قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال فسأله عن اللقطة فقال اعرف عفاصها ووكائها ثم عرفها سنة. فان جاء صاحبها الا فشأنك بها. قال فضالة الغنم. قال هي لك او لاخيك او للذئب. قال فضالة الابل. قال ما لك لها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها. متفق عليه. وفي حديث انس ان اللقطة اليسيرة التي لا تتبعها همة الناس كالثمرة ونحوها يجوز التقاطها. وتملك بلا تعريف. وفي حديث ابن خالد ان الابل لا يحل التقاطها. للسبب الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وان الغنم تلتقط في الحال انها يخشى من اكل السباع لها. فتفوت على صاحبها وعلى الملتقط. وفيها ان النقط تعرف سنة والتعريف يتبع العرف وهو تعريفها في المواضع التي يجتمع فيها الناس. ويرجى ان تكون ارجى لرجوعها لصاحبها. وبعد السنة يملكها الملتقط ففي هذا ان المقصود من اللقطة والالتقاط امران. احدهما الحرص على الوصول الى ربها لردها اليه. وهو المقصود بالقصد الاول بعد الحفظ. الامر الثاني ان بعد التعريف سنة الذي يغلب على الظن عدم وجود ربها. ان ملتقطها يملكها وهو احق بها من غيره. وفيه ان وصفها كاف في وجوب ردها الى ربها. سواء في الحول او بعده. اما ان يردها او يرد قيمتها. وفي حديث انس امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من اكل الصدقة. فهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ان الاشتباه في باب الاطعمة اذا شك هل هو حلال او حرام؟ يوجب التوقف عن الاكل بخلاف باب الطهارة والنجاسة لان الاصل الطهارة وفي تواضعه صلى الله عليه وسلم في عزمه على اكل التمرة التي وجدها في الطريق لولا المانع واحترام نعمة وقد امر صلى الله عليه وسلم اذا سقطت اللقمة ان يزيل ما علق بها من التراب والاذى وليأكلها. وامر بلعق الاصابع خلاف ما عليه المتكبرون. فهديه صلى الله عليه وسلم من جملته ان النعم والمآكل التي انعم الله بها. ان تحترم ولا تهان والا يحتقر العبد منها شيئا. لا في اكله واستعماله ولا في الصدقة بها والاهداء منها. والا يضيع منها شيئا بغير فائدة ولا في حفظها في نفسها او حفظها لاهلها من باب الفرائض عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقوا الفرائض باهلها فما بقي اولى رجل ذكر متفق عليه. المراد بالفرائض هنا المقادير التي قدرها الله ورسوله للوارثين. فكل من له فرض بعدما تحصي من يرث منهم ومن يحجب مطلقا او عن فرضه العائل له تعطيه فرضه كاملا. ولو تضمن ذلك كحرمان العاصي الذي ليس له شيء مقدر. كما في زوج وام لاخوين من ام واخوين شقيقين فتلحق بالزوج والاخت امي والاخوة لام فروضهم. فتستغرق المال فلا يبقى للاشقاء شيء. وهذا نص صريح في اسقاطهم في هذه المسألة ومن قاس مع وجود النص فقياسه لاغ. ومع هذا اذا تأملت قياسه وجدته متناقضا. ويؤخذ من هذا الحديث ايضا حكم العاصب وانه يأخذ ما بقي بعد الفروض. ويسقط اذا استغرقت الفروض التركة ويأخذ الجميع اذا لم يكن يبقى فرض وقوله فلاولى رجل ذكر يدل على ان القريب من العصبة يحجب البعيد. ومع استواء القرب الشقيق يقدم على الذي لاب من الاخوة وبنيهم والاعمام وبنيهم. ويؤخذ ايضا منه العول فانه صلى الله عليه وسلم امر ان نلحق جميع تودي باهلها من غير تقدم لبعضهم على بعض. فيقتضي ذلك لو زادت الفروض على المال عولناها ونقصنا كلا منهم بحسب بفرضه كما فصل ذلك الفرضيون وفي تقييد الذكر بالرجل دليل على ان الاناث ليس فيهن عصبة وهو كذلك. واما تعصيب المعتقة فلكون هذا ساوت الذكر في السبب الذي يحصل به الارث وهو الاعتاق. واما كون الاخوات لغير ام يعصبن وما بقي بعد البنات فلانه بصدد الارث لولا البنات. والبنات فرضهن محدود لا يزيد. والاخوات فرضهن المقدر لهن مع البنات. لا يعتبر فلم يبق الا التعصيب. واما تعصيب الابناء وابنائهم والاخوة لغير ام لاخواتهم. فللعلة المذكورة لان فرضهن ان مع اخوتهن لغى ولم يعتبر. ولا يمكننا توريث اخوتهن دونهن فلم يبق الا ان يكون للذكر مثل حظ الانثيين والله اعلم. وتستفاد الحال الثالثة للاب والجد. وهو جمعهما بين الفرض والتعصيب مع البنات او بنات الابن. من هذا الحديث فانه اذا مات عن بنت واب او جد فللبنت النصف وللاب او الجد السدس فرضا. بقي الباقي لاولى رجل ذكر ولا شك ان الاب او الجد اولى من بقية العصبات فيأخذه تعصيبا. وعن عبد الله ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب. رواه الحاكم. الولاء عصوبة وولاية سببها نعمة المولى على رقيقه بالعتق. فان اعتقه كان المعتق وليا له في الميراث والولايات الاخر. التي تثبت للعصبة ثم تنتقل من المعتق الى عصبته المتعصبين بانفسهم نسبا ثم ولاء. وهذا الحديث دليل على ثبوته انه لا يقبل التصرف والنقل وانما يرث به المعتق اذا لم تستغرق الفروض ولم يكن للعتيق من عصبة النسب احد وهذه المسألة احد المسائل التي لا يكون الفرع فيها تابعا للاصل. فالرقيق ما دام مملوكا حاله حال الاموال في التصرفات متنوعة والنقل والانتقال بعوض او بغير عوض. فاذا اعتق كان فرعه وما ترتب عليه وهو الولاء حكمه حكم النسب لا يباع ولا يوهب ولا يتصرف فيه اصلا. كما لا يتصرف في النسب كالبنوة والاخوة ونحوها من باب الوصايا عن سعد رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله انا ذو مال ولا يرثني الا ابنة لي واحدة. افاتصدق بثلثي مالي؟ قال لا. قلت افاتصدق بشطره؟ قال لا. قلت ااتصدق بثلثه؟ قال الثلث والثلث انك انتظر ورثتك اغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس. متفق عليه. وعن ابي امامة مرفوعة ان الله قد اعطى كل ذي حق حقه. فلا وصية لوارث. رواه احمد والاربعة الا النسائي. في هذين ان الوصية مشروعة. وانها لا تصح لوارث بقليل ولا كثير. ولا لغير وارث الا بالثلث فاقل. وفيه ان كالمال للورثة اذا كانوا يحتاجونه خير وافضل من الوصية به. او بشيء منه لغيرهم. وان الانسان كما هو مثاب على ما يفعله وينفقه على عائلته ومن يقوم بمؤنته في حياته. فكذلك هو مثاب على ما يخلفه وينفقون من ما له بعد وفاته حتى جعله النبي صلى الله عليه وسلم خيرا من الوصية. نعم اذا بقي للورثة ما يغنيهم للانسان ان يوصي بالثلث فاقل في وجوه البر. بحسب احوال البر وفضله ونفعه. ويستفاد من هذا الحديث حديث وفحواه وتعليله ان اشتغال الانسان بالكسب والاسباب الدنيوية للنفقة على من عليه نفقتهم افضل من التجرد للعبادة الذي يترك به الانفاق عليهم. وان الوصية للوارث كما تؤخذ من حديث ابي امامة فانها تؤخذ من الايات الكريمات في تفصيل المواريث بين اهلها. وتعيين ما لكل واحد منهم. فمن زاد او نقص فقد خالف ما حكم الله به لهذا قال في هذا الحديث ان الله قد اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث. والله اعلم ومن باب النكاح حديث ابن مسعود المتفق عليه يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه اغض للبصر واحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء. فيه الامر بالنكاح وهو امر استحباب لمن استطاع قاع الباء وهو المهر وخصوصا في حق الشباب. وقد يجب اذا تعين طريقا الى العفة وقد جمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين الحكم والحكمة. وما يترتب على النكاح من المصالح ودفع المفاسد. وفيه ان من لم يستطع الباءة فعليه ان يضعف شهوته لان لا يقع في الحرام. وانفع ما يضعفها الصوم. فانه له وجاء اي قاطع ومضعف للشهوة. لان شهوة النكاح تنشأ عن الشبع وكثرة الاكل. وهذا داخل في الاستعفاف الذي قال الله فيه. وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى لا يغنيهم الله من فضله. وهذه الاية فيها الرجاء والاطماع من الله. ان يغنيهم الله من فضله. ولهذا ينبغي للعالم ان يكون طامعا راجيا في تيسير الله. وليحذر من اليأس في رحمة الله وتيسيره. وعن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم حمد الله واثنى عليه وقال لكني اصلي وانام واصوم وافطر واتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني متفق عليه. في هذا الحديث وغيره اكبر برهان على ان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في عباداته عاداته خير ما سلكه العبد. وان من غلى واراد مجاوزة ذلك فقد خالف هديه. فان كان مجتهدا جاهلا ظانا ان هذا العمل يحبه الله ورسوله. فربما عفي له عن جهله. ولكنه ناقص. ومن رغب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما تبينت له واعتقد ان الغلو في العبادات والتبتل عن العادات الشرعية خير من هدي الرسول. فقد تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم ولابد ان يقع اخر الامر في الاستحسان والانقطاع. لان هدي الرسول هو الذي يكون فيه الصيام بكل الحقوق. بحق الله وحق النفس وحق الاهل. وحق من له حق وهو الذي يمكن الاستمرار عليه والدوام لسه ويسره. وهو اطوع لله وانفع للعبد في عاجله واجله. وعن انس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الانبياء يوم القيامة رواه احمد. فيه كما تقدم وفيه انه ينبغي اختيار من جمعت الوصفين مع ما يأتي في حديث ابي هريرة تنكح المرأة لاربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه. قال الله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء. المقاصد في النساء طبيعية ودينية ونفعية. واولى المقاصد واحقها بالتقديم الدين وحسن الاخلاق. وهي الودود. ولهذا اثنى الله على نساء اهل الجنة بانهن خيرات الاخلاق. وحسان الخلق وانهن عرب متحببات الى ازواجهن. فالتحبب الى الزوج بحسن العشرة والملاطفة والدعابة. وثواب ذلك خير ما يرغب فيه الراغبون. وارغب منافع الزوجة ان تكون ولودا معروفة بنفسها بذلك ومن نساء معروفات بذلك ومنافع الاولاد الدينية والدنيوية لا تحصى. ومن ذلك حصول هذا المقصد الجليل. وهو تكفير امة محمد صلى الله عليه وسلم فانه يسر بذلك في الدنيا والاخرة. ودين المرأة واخلاقها الجميلة وامانتها خير ما حصله العبد. قال فتعالى فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله. وخير ما كنز العبد قلب شاكر ولسان نذاكر وزوجة صالحة تعينه على دينه ودنياه. فلهذا حث صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله فاظفر بذلك الدين تربت يداك. وعن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا رفع انسانا تزوج قال بارك الله وبارك عليك وجمع بينكما في خير. رواه الخمسة وصححه الترمذي. كانوا في الجاهلية اذا تزوج احدهم قالوا له على وجه التهنئة بالرفاء والبنين. فابدلهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك هذه البركة المباركة. بارك الله اي في اهلك جعلهم الله مباركين في دينهم ودنياهم. وما يترتب على ذلك وبارك عليك ايها المتزوج على زواجك وقرانك مباركا. وجمع بينكما في خير. وهذا هو المقصود الاعظم بالزواج. اجتماع الزوجين في خير وعافية وصفاء ووئام. وبهذه الامور الثلاثة تتم النعمة. وعن ابن مسعود قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطبة ففي الحاجة ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور انفسنا. من يهد الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله. ويقرأ ثلاث ايات. رواه الاربعة وحسنه الترمذي. وهذا يشمل كل حاجة يريدها العبد. ان يقدم بين ذلك هذا الثناء والدعاء. فانه من اسباب نجاح الحاجات ومن اهم الحوائج النكاح فانها تتضمن الثناء على الله بغاية المحامد. الشهادة له بالتوحيد ولنبيه بالرسالة والاستعانة بالله ميسر كل امر. واستغفاره من الذنوب الحاصلة. والاستعاذة بالله من شرور النفس الكامنة فيها. واللجأ اليه في طلب الهداية والسلامة من الضلالة. عن جابر مرفوعا اذا خطب احدكم المرأة فان استطاع ان ينظر منها ما يدعوه الى نكاحها فليفعل. رواه احمد وابو داوود. ولمسلم عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تزوج امرأة انظرت اليها؟ قال لا. قال فاذهب فانظر اليها. في هذين الحديثين الامر بالتثبت لحصول مقاصد النكاح اذا كان هذا في احد المقاصد وهو الجمال والملاحة. فكيف بالمقاصد التي هي اهم الدين والاخلاق الجميلة؟ لكنها لا تدرك هذه بالبصر. فالطريق اليها البحث فسؤال من يثق به ممن يعرفها. فيكون هذا من باب التنبيه بالادنى على الاعلى واذا كان هذا في حق الزوج الذي اذا شاء ابقى واذا شاء فارق فكيف في حق المرأة التي تكون كالاسير عند الزوج يا من يتولى زواجها اذا خطبها خاطب ان يبحث عنه وعن دينه واخلاقه وعن حسبه. ويسأل ايضا عن المحل الذي يريد ان يضعه فيه التثبت في الامور كلها مأمور به. واهم ما يكون امور الزواج في حق الطرفين. وهو في جانب الانثى عن سهل بن سعد الساعدي قال جاءت امرأة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله جئت لك نفسي ونظر اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصعد النظر اليها وصوبه ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم رأسه فلما رأت المرأة انه لم يقض فيها شيئا جلست. فقام رجل من اصحابه فقال يا رسول الله ان لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها. فقال فهل عندك من شيء؟ فقال لا والله يا رسول الله. قال اذهب الى اهلك فانظر هل تجد شيئا فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر ولو خاتما من الحديد فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد. ولكن هذا ازاري. قال سهل ما له رداء فلها نصفه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصنع بازالك ان لبسته لم يكن عليها منه شيء. وان لم يكن عليك منه شيء. فجلس الرجل حتى اذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا. فامر وبه فدعي له. فلما جاء قال ماذا معك من القرآن؟ قال معي سورة كذا وكذا. وسورة كذا. عددها فقال اقرؤهن عن ظهر قلبك. قال نعم. قال اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن. متفق عليه. وفي هذا الحديث فوائد وكثيرة منها ان المرأة لا تتزوج الا بمهر قليل او كثير حتى ولو بمنفعة. ولو باقراء شيء من القرآن كما هو هذا الحديث خلافا لطائفة من اهل العلم. ان النبي صلى الله عليه وسلم فانه تحل له من دون مهر كما في هذا الحديث وقوله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي. ومنها جواز النظر الى من يريد ان يتزوجها. لانه نظر اليها صعد وصوب فلما لم تدخل نظره طأطأ برأسه صلى الله عليه وسلم. ومنها جواز خطبة الرجل من المرأة كما في هذه قضية او من وليها كما في قضية صاحب مدينة مع موسى. ومنها حسن خلقه صلى الله عليه وسلم. فانه لم يخجل المرأة بعد السكت ولعله فهم انها تريد الاتصال بزوجه. لعل بعض الحاضرين يخطبها. فحقق الله ظنه بهذا الرجل الذي خطبها وقيد خطبته لها ان لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة. لان الظاهر انه حيث لم يجبها بل سكت لا رغبة له ولكن الاحتمال قائم فاحترز هذا الرجل بهذا الكلام. ومنها ما كان عليه المسلمون في اول الامر من قلة ذات اليد وقناعتهم رجالهم ونسائهم بذلك رضي الله عنهم. واستدل به على الولي. وان من لا ولي لها فوليها الحاكم. قد يقال النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم. ولهذا لم يسألها ان لها ولي حاضر بل زوجها. وفيه ان الرضا لا يشترط فيه التصريح بل دلالة الحال تكفي عن تصريح المقال. فانه لم يقل لها صلى الله عليه وسلم هل رضيت بهذا الرجل او اذنت بل زوجها لعلمه بدلالة حالها على الرضا ورغبتها في الاتصال بزوج. وفيه ان ما لا يحصل به نفع بالكلية لا يصلح ان يكون مهرا لانه لما قال عن ازاره لها نصفه بين له صلى الله عليه وسلم ان الانتفاع به على هذا الوجه متعذب وفي ان الشيء الذي اذا قسم فيه ضرر لا يصلح قسمه. ولولا ان الازار لمثله ضروري لكان نصفه متمولا باعوا ويقتسمان الثمن. ولهذا قال التمس ولو خاتما من حديد. وخاتم الحديد اقل قيمة من نصف الازار في الغالب وفي هذا دليل على ان النفع الحقيقي بالقرآن ان يقرأه الانسان عن ظهر قلب. لانه الذي يكون مع الانسان. واما من ليس في قلبه منه شيء. ولكنه يقدر على قراءته في المصحف ونحوه. فلا يتصف بانه من اهل القرآن. الا وقت وقراءته له. الحافظ له او لبعضه موصوف بذلك كل وقت. لانه اذا لم يكن في قراءة فالقرآن محفوظ في صدره