المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. قال العلامة عبدالرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في مقاله الرد على الزنادقة والقائلين بوحدة الوجود. مقال في مجلة المنار المصرية. بسم الله الرحمن الرحيم. من عنيزة الى قاهرة مصر في رجب مات ست واربعين وثلاثمائة والف ابعث جزيل التحيات ووافر السلام والتشكرات لحضرة الشيخ الفاضل السيد محمد رشيد رضا المحترم. حرسه الله تعالى من جميع الشرور. ووفقه وسدده في كل احواله امين. اما بعد بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فالداعي لذلك ما اقتضاه الحب ودفعه الود المبني على ما لكم من المآثر طيبة التي تستحقون بها الشكر من جميع المسلمين. التي من اعظمها تصديكم في مناركم الاغر. لنصر الاسلام المسلمين ودفع باطل الجاهلين والمعاندين. رفع الله قدركم واعلى مقامكم. وزادكم من العلم والايمان ما تستوجبون خيرا خير الدنيا والاخرة وانعم عليكم بنعمه الظاهرة والباطنة. ثم اننا نقترح على جنابكم ان تجعلوا في مناركم المنير واسعا لامر نراه اهم البحوث التي عليها تعولون. وانفعها لشدة الحاجة. بل دعاء الضرورة اليه. الا وهو ما وقع فيه كثير من فضلاء المصريين. وراجع عليهم من اصول الملاحدة والزنادقة من اهل وحدة الوجود والفلاسفة. بسبب رواج كثير من الكتب المتضمنة لهذه الامور. ممن يحسنون بهم الظن ككتب ابن سينا وابن رشد وابن عربي ورسائل اخوان الصفا بل وبعض الكتب التي تنسب للغزالي. وما اشبهها من الكتب المشتملة على الكفر برب العالمين. والكفر برسله وكتبه واليوم الاخر. وانكار ما علم بالضرورة من دين الاسلام. فبعض هذه الاصول انتشرت في كثير من الصحف النصرية بل رأيت تفسيرا طبع اخيرا منسوبا للطنطاوي قد ذكر في مواضع كثيرة من تفسير سورة البقرة شيئا من ذلك ككلامه على استخلاف ادم وعلى قصة البقرة والطيور ونحوها. بكلام ذكر فيه من اصول وحدة الوجود واصول الفلسفة النية على ان الشرائع انما هي تخييلات وضرب امثال لا حقيقة لها. وانه يمكن لاحاد الخلق ما يحصل للانبياء. ما يجزم المؤمن البصير انه مناقض لدين الاسلام. وتكذيب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وذهاب الى معان يعلم بالضرورة ان الله عز وجل ما ارادها وان الله بريء منها ورسوله. ثم مع ذلك يحث الناس والمسلمين على تعلمها وفهمها ويلومهم على اهمالها وينسب ما حصل للمسلمين من الوهن والضعف بسبب اهمال علمها وعملها. ويح من قال ذلك لقد علم كل من عرف الحقائق ان هذه العلوم هي التي اوهنت قوى المسلمين وسلطت عليهم الاعداء اضعفتهم لزنادقة الفرنج وملاحدة الفلاسفة. وكذلك يبحث كثير منهم في الملائكة والجن والشياطين. ويتأولون ما في في الكتاب والسنة من ذلك بتأويلات تشبه تأويلات القرامطة الذين يتأولون العقائد والشرائع فيزعمون ان الملائكة هي القوة الخيرية التي في الانسان فعبر عنها الشرع بالملائكة. كما ان الشياطين هي القوى الشريرة التي في الانسان فعبر عنها الشرع بذلك ولا يخفى ان هذا تكذيب لله ولرسله عليهم الصلاة والسلام اجمعين. ويتأولون قصة ادم عليه الصلاة والسلام وابراهيم عليه الصلاة والسلام بتأويل حاصله انما ذكر الله عز وجل في كتابه عن ادم وابراهيم ونحوهما لا حقيقة قتلة وانما قصد به ضرب الامثال. وقد ذكر لي بعض اصحابي ان مناركم فيه شيء من ذلك. والى الان ما تيسر مطالعته ولكن الظن بكم انكم ما تبحثون عن مثل هذه الامور الا على وجه الرد لها والابطال. كما هي عادتكم في رد ما هو دون بكثير وهذه الامور يكفي في ردها في حق المسلم المصدق للقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم مجرد تصورها. فانه اذا تصورها كما هي يجزم ببطلانها ومناقضتها للشرع. وانه لا يجتمع التصديق بالقرآن وتصديقها ابدا. وان كان غير كمصدق للقرآن ولا للرسول صلى الله عليه وسلم صار الكلام معه كالكلام مع سائر الكفار في اصل الرسالة واحقية القرآن وقد ثبت عندنا ان زنادقة الفلاسفة والملحدين يتأولون جميع الدين الاسلامي التوحيد والرسالة والمعاد والامر والنهي بتأويل يرجع الى ان القرآن والسنة كلها تخيلات وتمويهات لا حقيقة لها بالكلية. ويلبسون على الناس بذلك ويتسترون بالاسلام وهم ابعد الناس عنه. كما ثبت ايضا عندنا انه يوجد ممن كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الاخر ويعظم الرسول صلى الله عليه وسلم. وينقاد لشرعه وينكر على هؤلاء الفلاسفة ويكفرهم في اقوالهم. انه يدخل عليه شيء من هذه التأويلات من غير قصد ولا شعور. لعدم علمه بما تؤول اليه. ولرسوخ كثير من اصول الفلسفة في قلبه ولتقليد من يعظمه. وخضوعا ايضا ومراعاة لزنادقة علماء الفرنج. الذين يتهكمون بمن لم يوافقهم على كثير من اصولهم ويخافون من نسبتهم للبلادة وانكار ما علم محسوسا فبسبب هذه الاشياء وغيرها قال عليهم ما دخل فالامل قد تعلق بامثالكم لتحقيق هذه الامور وابطالها. فانها فشت وانتشرت وعمت المصيبة بها الفضل ولا فضلا عمن دونهم. ولكن لن تخلو الارض من قائم لله عز وجل بحجة يهتدي بها الضالون. وتقوم به الحجة المعاندين وقد ذكرت لحضرتكم هذه الاشياء على وجه التنبيه والاشارة. لان مثلكم يتنبه بادنى تنبيه. ولعلكم تجعلون اهم المهمات عندكم لان فيه الخطر العظيم على المسلمين. واذا لم يرى الناس لكم فيه كلاما كثيرا وتحقيقا تاما فمن الذي يعلق به الامل من علماء الامصار؟ والرجاء بالله ان يوفقنا واياكم لما يحبه ويرضاه. ويجعلنا واياكم من هادينا المهتدين انه جواد كريم. وصلى الله على محمد وسلم. محبكم الداعي عبدالرحمن بن ناصر رد المنار انا لا نألوا جهدا في الرد على كل ما نطلع عليه من البدع المخالفة لكتاب الله والصحيح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي الدعوة اليهما على الوجه الذي كان عليه جمهور السلف الصالح. وفي الرد على خصومهما كما يرى في مقالة الاسلام من هذا الجزء والذي نعلمه ان بدعة وحدة الوجود وفلسفة اليونان في الالهيات والرسالة التي فتن الناس بها وغيرهم في عصرهم قد نسخت وزالت في هذا العصر. فلم يبق لها دعاة. وان كان لها اتباع قليلون. وتفسير شيخ طنطاوي جوهري لم نطلع عليه وانما رأينا جزءا واحدا منه عند احد اصدقائنا. فتصفحت قليلا منه في بضع دقائق ورأيت ان همه منه حث المسلمين على علوم الكون. وشرح الكثير من مسائلها بمناسبة الايات التي ترشد الناس الى اياته تعالى في خلقه ونعمه على عباده. كما جرى عليه في كتب اخرى له. وما نعرفه الا مسلما يغار على الاسلام. ويحب ان يجمع بين الاهتداء به والانتفاع بعلوم الكون. التي تتوقف عليها قوة الدول وثروة الامم في هذا العصر. ونحن قد سبقنا بالدعوة الى هذا وبيناه بالدلائل في مواضع كثيرة من تفسيرنا ومن المنار. وان كنا اشرنا الى الانتقاد على خطة الاستاذ المذكورة في تفسيره فيما بيناه من اساليب المفسرين في فاتحة الجزء الاول من تفسيرنا. ولعلنا نتحرى عند سنوح الفرصة الاطلاع على تفسيره ومراجعة ما كتبه في الايات التي ذكرتموها. ويجب عليكم ان تفرقوا بين علوم الكون التي ندعو اليها. وبين الفلسفة قديمها وحديثها. فالفلسفة اراء ونظريات فكرية. وعلوم الكون عبارة عن العلم بما اودع الله تعالى في خلقه من المنافع كمنافع الماء وبخاره والهواء وما تركبا منه ومنافع الكهرباء التي منها التليجراف تيليفون وغيرهما. فجميع الصناعات العجيبة والالات الحربية من برية وبحرية وهوائية. وجميع العقاقير الطبية مأخوذة من هذه العلوم. فهي حقائق قطعية ثابتة بالحس. فمن يزعم انها تخالف ما بعث به الله رسله عليهم الصلاة والسلام فقد طعن في دين الله وصد العلماء بها عنه. لانهم لا يستطيعون ان يكذبوا حواسهم. واما كفر من يكفرون في هذا العصر فاكثره من تأثير فلسفة الافرنج المخالفة لفلسفة اليونانيين ومن جرى على طريقتهم كالعرب وان خالفهم في بعض النظريات كابن سينا وابن رشد وغيرهما. والرد على هؤلاء بما يرجى ان ينفعهم او يقي كثيرا من الناظرين في فلسفة العصر من اضلالهم يتوقف احيانا على تأويل بعض الايات والاحاديث تأويلا ينطبق على مدلولات اللغة في مفرده واساليبها. ويتفق مع العلم والعقل. وليعلم اخونا صاحب هذه الرسالة ان الملاحدة والمعطلين في مصر وامثالها قد يصرحون بكفرهم ولا يخشون عقابا ولا اهانة فيهم. لا يحتاجون الى التستر بالاسلام كزنادقة الباطنية المتقدمين ما يلقونه من النقد اذا صرحوا بكفرهم في الكتب او الجرائد ان يرد عليهم بعض المسلمين بالكتابة والناس احرار فيها اذا ادعى بعضهم مع نشر الكفر انه مؤمن وجد من ينصره ويقول ان ما كتبه لا ينافي الايمان ولا يصادم الاسلام. ولم يصرح احد من المصريين في هذا العهد بالطعن في الاسلام وتكذيب القرآن. بمثل ما صرح به الدكتور طه حسين المشتغل بالجامعة المصرية تدريسا وتأليفا ولم يلق احد من التكفير والتجهيل والطعن على ذلك مثل ما لقي. من الكتاب والمؤلفين من علماء الدين وعلماء الدنيا. حتى اقترح بعض اعضاء مجلس النواب عزله من الجامعة. فلم تعزله الحكومة لان انصاره فيها كانوا اقوى من خصومه. وكان منهم عدلي باشا رئيس الوزارة وثروة باشا وزير الخارجية. الذي طرز الدكتور طرة كتاب الطعن باسمه. وعلي باشا الشمسي وزير المعارف واحمد لطفي بك السيد مدير الجامعة. وقد بينا في فاتحة تفسيرنا وفي مواضع اخرى منه مسألة التأويل ذكرنا اننا نلم بتأويل بعض الايات. لاجل الدفاع عن القرآن ورد بعض الشبهات التي يريدها الفلاسفة او غيرهم عليها حتى لا يكون لهم حجة مقبولة عليها. مع تصريحنا بان اعتقادنا الذي ندعو اليه. ونرجو ان نموت كما نحيا عليه واتباع مذهب السلف في كل ما يتعلق بعالم الغيب من الايمان بالله وصفاته وملائكته وجنته وناره. والتأويل قد قد يكون المنقذ الوحيد لبعض الناس من الكفر وتكذيب القرآن. اذ من المعلوم ان الموقن بصدق القرآن لا يخرج من الملة بفهم بعض اياته فهما مخالفا لفهم غيره. اذا لم يكن في فهمه هذا جحد لشيء مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة. ونرجوا ان يقرأ اخونا صاحب هذه الرسالة الجزء الاول من تفسير المنار. المشتمل على هذا البحث ويكتب الينا بما يراه فيه انني كنت منذ سنين كثيرة اتمنى لو يطلع بعض علماء نجد على المنار ويفتح بيني وبينهم البحث والمناظرة الدينية فيما يرونه منتقدا ينجلي وجه الصواب فيها. وقد كنت كتبت الى امامهم بذلك. وانني سارسل اليه عشر نسخ من كل جزء ليوزعها على اشهرهم. وفعلت ذلك عدة سنين. ولكن لم يأتني منه جواب ثم ترجح عندي في ان تلك النسخ كانت تختزل من البريد البريطاني في سني الحرب وما بعدها