المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي نزل الكتاب هدى وشفاء لما في الصدور. واودع فيه من ما في المعارف وانواع العلوم ما تستقيم به الامور. يسره للمتذكرين. وبينه للمتدبرين وكشفه للمتفكرين واصلح به الظاهر والباطن والدنيا والدين. وجعله من فضله كرمه حاويا لعلوم الاولين والاخرين. ومهيمنا على الكتب والمقالات واية للمستبصرين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له في ملكه وسلطانه. ولا مثيل له في نعوته واوصافه وكرمه واحسانه ولا نديد له في الوهيته وصمديته وعظمة كبريائه وشأنه. واشهد ان محمد محمدا عبده ورسوله المؤيد باياته وبرهانه. الهادي الى جنته ورضوانه. اللهم صل على محمد وعلى اله واصحابه واتباعه على الحق واعوانه. وسلم تسليما. اما بعد فقد كتبت سابقا كتابا مطولا في تفسير القرآن فصار طوله من اكبر الدواعي لعدم نشره. لفتور الهمم من الطول. ثماني بعد ذلك استخلصت منه ومن غيره قواعد تتعلق كلها باصول التفسير وهي نعم العون للراغبين في علم التفسير الذي هو اصل العلوم كلها. فبلغت سبعين قاعدة ويسر المولى طبعها ونشرها. فتكرر علي الطلب في السعي في نشر التفسير فاعتذرت بالعذر المذكور ولكن لا زلت افكر في تلخيصه واختصاره. فظهر لي ان الاولى والانفع افراد علوم التفسير كلي نوع على حدته. ولو لزم من ذلك ترك ترتيب التفسير. بل لو لزم من ذلك ترك الكلام على كثير من الايات القرآنية اذا تكلمنا على نظيرها او ما يقاربها. فان الاحاطة على جميع الايات القرآنية ليس من شروط علم التفسير. لان من خواص تيسير الله لمعاني كتابه انه جعله اصولا وقواعد واسسا. اذا عرف العبد منها شيئا وموضعا عرف نظيره ومشابهه ومقاربه في كل مواضع فمعرفة بعضه يدعو الى معرفة باقيه. ثم نظرت فاذا علوم التفسير كثيرة جدا وفي استيعابها يطول الكتاب جدا. فرأيت اهم علوم القرآن على الاطلاق ثلاثة علوم علم التوحيد والعقائد الدينية وعلم الاخلاق والخصال المرضية. وعلم الاحكام للعبادات والمعاملات فرأيت الاقتصار على هذه الثلاثة اولى وانفع واحسن موقعا. وكل واحد من هذه الثلاث يقتضي كتابا مطولا. وخصوصا علم الاحكام. ولكن اتينا بمقاصدها ونصوصها من وجمعناها في فنها واختصرنا الكلام فيها اختصارا لا يخل بالمقصود ولا يغلق العبارات. بل اتينا بذلك بعبارات واضحة ليس فيها حشو ولا تعقيد. ونسأل المولى تعالى ان يعيننا على ذلك وان يجعله خالصا لوجهه الكريم. وان ينفعنا به وسائر اخواننا المسلمين. وان يعفو عن وتقصيرنا واسرافنا في امرنا انه جواد كريم. وسميته فتح الرحيم العلام في علم العقائد والاخلاق والاحكام المستندة الى كتاب الله الكريم نصا واستنباطا وتنبيها وارشادا النوع الاول من علوم القرآن. علم العقائد واصول التوحيد. وهذا هو اشرف العلوم على الاطلاق وافضلها واكملها. وبه تستقيم القلوب على العقائد الصحيحة. وبه تزكو الاخلاق وتنمو وبه تصح الاعمال وتكمل. وموضوع هذا العلم البحث عما يجب لله من صفات الكمال ونعوت الجلال وما يمتنع ويستحيل عليه من اوصاف النقص والعيب والمثال. وما يجوز عليه من ايجاد الكائنات وانه فعال لما يريد ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وكذلك البحث عما يجب الايمان به من الرسل فاتهم وما يجب لهم ويمتنع في حقهم ويجوز. والايمان بالكتب المنزلة على الرسل والايمان اخبر الله به واخبرت به رسله عن الحوادث الماضية والمستقبلة. وعن الايمان باليوم الاخر والجزاء الثواب والعقاب والجنة والنار. وما يتبع ذلك ويتعلق به. فهذه مجملات مواضيعها هذا العلم الجليل والقرآن العظيم قد بين هذه الامور غاية التبيين. ووضحها توضيحا لا يقاربه شيء من الكتب المنزلة. ولم يبقي منها اصلا الا بينه وجمع فيه بين البيان والبرهان. بين المسائل المهمة الجليلة والبراهين القاطعة العقلية والنقلية والفطرية. وهذا النوع اقسام اولها ومقدمها علم التوحيد. وهو العلم بمال الله من جميع صفات الكمال ان الرب تفرد بها. وان له الكمال المطلق الذي لا تقدر القلوب ان تبلغ كنها. ولا الالسن على التعبير عنه ولا يقدر الخلق على الاحاطة ببعض صفاته فضلا عن جميعها. وهذا العلم مبني على اعتقاد وعلم وعلى تأله وعمل. اما الاعتقاد والعلم فان يعتقد العبد ان جميع ما وصفه الله به نفسه من الصفات الكاملة ثابت لله على اكمل الوجوه. وانه ليس لله في شيء من هذا كما لمشارك. وانه منزه عن كل ما ينافي هذا الكمال ويناقضه. مما نزه به نفسه او نزه رسوله صلى الله عليه وسلم. واما التأله والعمل فان يتقرب العبد الى ربه باعماله الظاهرة والباطنة الى الله ويخلصها لوجهه وينيب اليه ويتألهه محبة وخوفا ورجاء وطلبا وطمعا فيقصد وجهه الاعلى بما يعتقده من العقائد الصحيحة. وبما يقصده ويريده من الارادات الصالحة والمقاصد الحسنة التابعة لاعمال القلوب. وبما يعمله من الاعمال الصالحة الراجعة للقيام بحقوقه الله وحقوق عباده. وبما يقوله ويتكلم به من ذكر الله والثناء عليه. وقراءة كلام وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام اهل العلم الذي يرجع الى ذلك. ومن الكلام الطيب النصح للعباد في امور دينهم ودنياهم. ومن ذلك تعلم العلوم النافعة وتعليمها. فكل هذه اشياء يجب اخلاصها لله وحده. وبتمام الاخلاص يتم التوحيد والايمان. فبهذا التقرير يكون التوحيد يرجع الى امرين. توحيد الاسماء والصفات ويدخل فيه توحيد الربوبية. وهذا يرجع الى العلم والاعتقاد وتوحيد الالهية والعبادة. وهذا يرجع الى العمل والارادة. عمل في القلوب وعمل الابدان كما تقدم. ويسمى توحيد الالهية. لان الالهية وصف الباري تعالى ويسمى توحيد العبادة لان العبادة وصف العبد الموحد المخلص لله في اقواله واعماله وجميع شؤونه والقرآن العظيم يكاد كله ان يكون تقريرا لهذه الاصول العظيمة. ودفعا لما يناقضه ويضادها من التعطيل والتشبيه والتنقيص. ومن الشرك الاكبر والاصغر والتنديد وجوب تصديق الله ورسوله في كل خبر وتقديم ذلك على غيره. قال تعالى قل صدق الله ومن اصدق من الله قيلا. ومن اصدق من الله حديثا. ولا ينبأ مثل خبير. قل اانتم اعلم ام الله؟ قل اي شيء اكبر شهادة قل لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه والملائكة يشهد وكفى بالله شهيدا. شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط. لا اله الا هو العزيز الحكيم الحياة في هذا المعنى العظيم كثيرة. تدل اوضح دلالة على ان الفروض على العباد ان الله تعالى في كل ما اخبر به عن نفسه من صفات الكمال. وما تنزه عنه من صفات النقص. وان انه اعلم بذلك من خلقه وشهادته على ذلك اكبر شهادة. وخبره عن نفسه وعن جميع ما يخبر به اعلى درجات الصدق. وذلك يوجب للعبد الا يدخل في قلبه ادنى ريب في اي خبر يخبر الله به. وان ينزل ذلك من قلبه منزلة العقيدة الراسخة التي لا يمكن ان يعارضها معارض ولا يعتريها شكوى وان يعلم علما يقينيا انه لا يمكن ان يرد شيء يناقض خبر الله وخبر رسوله وان كل ما عارض ذلك ونفاه من اي علم كان. فانه باطل في نفسه وباطل في حكمه وانه محال ان يرد علم صحيح يناقض ما اخبر الله به. وتدل اكبر دلالة ان من بنى عليه عقيدته على مجرد خبر الله وخبر رسوله. فقد بناها على اساس متين. بل على اصل الاصول كلها ولو فرض وقدر معارضة اي معارض كان فكيف والادلة العقلية والفطرية والافقية والنفسية كلها تؤيد خبر الله وخبر رسله. وتشهد بصدق ذلك ومنفعته. ولهذا مدح الله خواطر خلقه واولي الالباب منهم. حيث بنوا ايمانهم على هذا الاصل في قولهم ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا. وقالوا سمعنا واطعنا الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه. اولئك الذين انا هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب. وعلم من ذلك ان ابتداع اهل الكلام الباطل اقوال وعقائد ما انزل الله عليها من سلطان ولم تبنى على الكتاب والسنة بل على عقول قد علم خطأ اصحابه وضلالهم انه من ابطل الباطل واسفه السفه. حيث رغبوا عن خبر الله وخبر رسله الى حيث سولت لهم نفوسهم الامارة بالسوء. ودعتهم عقولهم التي لم تتزكى بحقائق الايمان ولا تغذت بالايمان الصحيح واليقين الراسخ. يكفي هذا الاصل في رد جميع اقوال اهل الزيغ قطع النظر عن معرفة بطلانها على وجه التفصيل. لانه متى علمنا مخالفتها للقواطع الشرعية والبراهين سمعية علمنا بطلانها. لان كلما نافى الحق فهو باطل. وما خالف الصدق فهو كذب شرح اسماء الله الحسنى الواردة في القرآن على وجه الايجاز غير المخل الاصل هو اعظم اصول التوحيد. بل لا يقوم التوحيد ولا يتم ولا يكمل حتى ينبني على هذا الاصل فان التوحيد يقوى بمعرفة الله. ومعرفة الله اصلها معرفة اسمائه الحسنى. وما تشتمل عليه من المعاني العظيمة والتعبد لله بذلك. وفي الحديث الصحيح ان لله تسعة وتسعين اسماء من احصاها دخل الجنة واحصاؤها تحصيل معانيها في القلب وامتلاء القلب من اثارها هذه المعرفة. فان كل اسم له في القلب الخاضع لله المؤمن به اثر وحال. لا يحصل العبد فيها هذه الدار ولا في دار القرار اجل واعظم منها. فنسأله تعالى ان يمن علينا بمعرفته ومحبته والانابة اليه. الله هذا الاسم الجليل الجميل هو اعظم الاسماء الحسنى. بل قيل قيل انه الاسم الاعظم. وسيأتي التنبيه على الاسم الاعظم عن قريب ان شاء الله. ولهذا تضاف جميع الاسماء الحسنى الى هذا الاسم ويوصف بها. فيقال الرحمن الرحيم الخالق الرازق العزيز الحكيم الى اخرها من اسماء الله. ولا يقال الله من اسماء الرحمن الرحيم الى اخرها. فمعنى كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ذو الالوهية والعبودية على خلقه اجمعين فجمع رضي الله عنه في هذا التفسير بين الوصف المتعلق بالله من هذا الاسم الكريم. وهو الالوهية التي هي وصفها الدال عليها لفظ الله. كما دل على العلم الذي هو وصفه لفظ العليم. وكما دل على والعزة التي هي وصفه لفظ العزيز. وكما دل على الحكمة التي هي وصفه لفظ الحكيم. وكما دل على التي هي وصفه لفظ رحيم. وغيرها من الاسماء الدالة على ما قام بالذات من مدلول صفاتها فكذلك الله هو ذو الالوهية. والالوهية التي هي وصفه هي الوصف العظيم الذي استحق ان يكون به الها بل استحق الا يشاركه في هذا الوصف العظيم مشارك بوجه من الوجوه. واوصاف الالوهية هي جميع اوصاف الكمال واوصاف الجلال والعظمة والجمال. واوصاف الرحمة والبر والكرم والامتنان فان هذه الصفات هي التي يستحق ان يؤله ويعبد لاجلها. فيؤله لان له اوصاف العظمة والكبرياء ويؤله لانه المتفرد بالقيومية والربوبية والملك والسلطان. ويؤله لانه المتفرد بالرحمة وايصال النعم الظاهرة والباطنة الى جميع خلقه. ويؤله لانه المحيط بكل شيء علما وحكما وحكمة واحسانا ورحمة وقدرة وعزة وقهرا. ويؤله لانه المتفرد بالغنى المطلق التام من جميع وجوه كما ان ما سواه مفتقر اليه على الدوام من جميع الوجوه. مفتقر اليه في ايجاده تدبيره مفتقر اليه في امداده ورزقه. مفتقر اليه في حاجاته كلها. مفتقر اليه في اعظم الحاجات واشد الضرورات. وهي افتقاره الى عبادته وحده والتأله له وحده فالألوهية تتضمن جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا. وبهذا احتج من قال ان الله هو الاسم الاعظم. ومنهم من قال انه الصمد الذي تصمد اليه جميع المخلوقات بحاجتها لكمال سيادته وعظمته وسعة اوصافه. ومنهم من قال ان الاسم الاعظم هو الحي القيوم في بعض الاحاديث. ولان هذين الاسمين العظيمين يتضمنان جميع الاسماء الحسنى والصفات الكاملة فان الصفات الذاتية ترجع الى الحي الذي قد كملت حياته فكملت صفاته. وصفات الافعال ترجع الى القيوم. لانه الذي قام بنفسه وقام بغيره. وافتقرت اليه الكائنات باسرها وقيل في تعيين الاسم الاعظم اقوال اخر. والتحقيق ان الاسم الاعظم اسم جنس لا يراد به اسم معين فان اسماء الله نوعان. احدهما ما دل على صفة واحدة او صفتين او تضمن اوصاف معدودة والثاني ما دل على جميع ما لله من صفات الكمال. وتضمن ما له من العظمة والجلال والجمال. فهذا النوع هو الاسم الاعظم لما دل عليه من المعاني التي هي اعظم المعاني واوسعها فالله اسم اعظم. وكذلك الصمد. وكذلك الحي القيوم. وكذلك حميد مجيد. وكذلك الكبير العظيم. وكذلك المحيط. وهذا التحقيق هو الذي تدل عليه التسليم وهو مقتضى الحكمة. وبه ايضا تجتمع الاقوال الصحيحة كلها والله اعلم. والمقصود ان هذا التفسير من ابن عباس رضي الله عنهما يدخل فيها وصفه بالالوهية التي نبهنا هذا التنبيه اللطيف على معنى الالوهية ويدخل فيها وصف العباد وهو العبودية. فالعباد يعبدونه ويألهونه. قال تعالى وهو الذي في السماء اله وفي الارض اله. اي يألهه اهل السماء واهل الارض طوعا وكرها الكل خاضعون لعظمته. منقادون لارادته ومشيئته. عانون لعزته وقيوميته وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه. ويبذلون له مقدورهم بالتأله القلبي والروحي والقولي والفعلي بحسب مقاماتهم ومراتبهم. فيعرفون من نعوته واوصافه ما تتسع قواهم لمعرفته ويحبونه من كل قلوبهم محبة تتضاءل جميع المحاب لها. فلا يعارض هذه المحبة في قلوبهم محبة الاولاد والوالدين وجميع محبوبات النفوس. بل خواصهم جعلوا كل محبوبات النفوس الدينية والدنيوية العادية تبعا لهذه المحبة. فلما تمت محبة الله في قلوبهم احبوا ما احبه من اشخاص واعمال وازمنة وامكنة. فصارت محبتهم وكراهتهم تبعا لالههم ومحبوبهم. ولما تمت محبة الله في قلوبهم التي هي اصل التأله والتعبد. انابوا اليه فطلبوا قربه ورضوانه. وتوسلوا الى ذلك والى ثوابه بالجد والاجتهاد في فعل ما امر الله به ورسوله وفي ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله. وبهذا صاروا محبين محبوبين له. وبذلك ذلك تحققت عبوديتهم والوهيتهم لربهم. وبذلك استحقوا ان يكونوا عباده حقا وان يضيفهم اليه بوصف الرحمة حيث قال وعباد الرحمن. ثم ذكر اوصافهم الجميلة التي ما نالوها برحمته وتبوأوا منازلها برحمته. وجازاهم بمحبته وقربه ورضوانه وثوابه وكرامته برحمته. وقد علم بهذا ان من بذل هذه المحبة التي هي روح العبادة التي خلقت الخلق لها لغير الله فقد وضعها في غير موضعها. ولقد ضيعها ايضا. ولقد نفسه اعظم الظلم. حيث هضمها اعظم حقوقها. وبذلك استحق ان يكون الشرك هو الظلم العظيم وان يكون المشرك مخلدا في النار محروما دخول الجنة محرما عليه. لانها دار الطيبين الذين حق عبادته واخلصوا له الدين. وقد جمع الله هذين المعنيين في عدة مواضع مثل قوله تعالى لموسى انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لبكري وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا لا انا فاعبدون. فاعبدوه واصطبر لعبادته هل تعلم له سم يا؟ اي مسميا مماثل في صفات الالوهية. وكذلك كلمة الاخلاص وهي لا اله الا الله. تتضمن نفي الالوهية عن غير الله. وانه لا يستحق احد من الخلق فيها مثقال ذرة. فلا يصرف لغير الله شيء من العباد الظاهرة والباطنة. وتقرر الالوهية كلها لله وحده. فهو الذي يستحق ان يؤله ورغبة ورهبة وانابة اليه. وخضوعا وخشوعا له من جميع الوجوه والاعتبارات. فهو المألوف وحده المعبود المحمود المعظم الممجد ذو الجلال والاكرام الرحمن الرحيم البر الكريم الجواد الوهاب الرؤوف. هذه الاسماء الكريمة متقارب معناها. وكلها تدل على انه موصوف بكمال الرحمة وسعة البر والاحسان. وكثرة المواهب والحنان والرأفة فجميع ما فيه العالم العلوي والسفلي من حصول المنافع والمحاب والمسار والخيرات فان ذلك منه ومن رحمته وجوده وكرمه وفضله. كما ان ما صرف عنهم من المكاره والنقم والمخاوف والاخطار والمضار فانها من رحمته وبره. فانه لا يأتي بالحسنات الا هو ولا يدفع السيئات الا هو. ورحمته تعالى سبقت غضبه وغلبته. وظهرت في خلقه به ظهورا لا ينكر. حتى ملأت اقطار السماوات والارض. وامتلأت منها القلوب حتى حنت المخلوق بعضها على بعض. بهذه الرحمة التي نشرها عليهم. واودعها في قلوبهم. وحتى حنت البهائم التي لا ترجو نفعا ولا عاقبة ولا جزاء على اولادها. وشوهد من رأفة بهم وشفقتها عظيمة ما يشهد بعناية باريها ورحمته الواسعة. وعمت مواهبه اهل السماوات والارض ويسر لهم المنافع والمعايش والارزاق. وربطها باسباب ميسرة وطرق مسهلة فما من دابة في الارض الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها ومستودعها تعالى من مصالحهم ما لا يعلمون. وقدر لهم منها ما لا يريدون وما لا يقدرون. وربما اجرى عليهم كريهة توصلهم الى ما يحبون. بل رحمهم بالمصائب والالام. فجعل الالام كلها خيرا للمؤمن الذي يقوم بوظيفة الصبر. عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له. وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وليس ذلك الا للمؤمن وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم. والله يعلم وانتم لا تعلمون. وكذلك ظهرت رحمته في امره وشرعه ظهورا تشهده البصائر والابصار. ويعترف به اولو الالباب. فشرعه نور ورحمة وهداية. وقد شرعه محتويا على الرحمة. وموصلا الى اجل رحمة وكرامة وسعادة وفناء وشرع فيه من التسهيلات والتيسيرات ونفي الحرج والمشقات ما يدل اكبر دلالة على سعة رحمته وجوده وكرمه. ومناهيه كلها رحمة. لانها لحفظ اديان العباد. وحفظ في عقولهم واعراضهم وابدانهم واخلاقهم واموالهم من الشرور والاضرار. فكل النواهي تعود الى هذه امور وايضا الاوامر سهلها. واعان عليها باسباب شرعية واسباب قدرية. وذلك من تمام رحمته كما ان النواهي جعل عليها من العوائق والموانع ما يحجز العباد عن مواقعتها الا من ابى وشرد ولم يكن فيه خير بالكلية. وشرع ايضا من الروادع والزواجر والحدود ما يمنع عبادة ويحجزهم عنها. ويقلل من الشرور شيئا كثيرا. وبالجملة فشرعه وامره نزل بالرحمة واشتمل على الرحمة واوصل الى الرحمة الابدية والسعادة السرمدية. الخالق المصور اي هو المنفرد بخلق جميع المخلوقات. وبرأ بحكمته جميع البريات. وصور باحكامه وحسن خلقه جميع الكائنات. فخلقها وابدعها وفطرها في الوقت المناسب لها. وقدر وخلقها احسن تقدير. وصنعها اتقن صنع وهداها لمصالحها. اعطى كل شيء خلقه اللائق به ثم هدى كل مخلوق لما هيأ وخلق له. واذا كان هو الخالق وحده البارئ المصور لا شريك له في شيء من ذلك. فهو الاله الحق الذي لا يستحق العبادة الا هو. وهو الخالق في الذوات والافعال والصفات. وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء. ويجعل المؤمن مؤمنا والكافر من غير ان يجبر العباد على غير ما يريدون. ففي عموم خلقه رد على القدرية حيث اخرجوا افعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم عن دخولها تحت خلقه وتقديره. حذرا منه وفرارا من الجبر. ولم يدروا ان كماله وكمال قدرته ينفي الجبر. وانه قادر على جعل العبد يفعل ما يختاره ويريده جاريا على قدره ومشيئته. فهو اعظم من ان يجبر العباد. واعدل من ان بل هم الذين يريدون ويختارون. والله هو الذي جعلهم كذلك. وارادتهم وقدرتهم تابعة لمشيئة الله. لما شاء منكم ان يستقيم. وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين. العزيز الجبار المتكبر القهار القوي المتين فالعزيز الذي له جميع معاني العزة. ان العزة لله جميعا. فهو عزيز لكمال قوته. وهذه عزة القوة. ويرجع الى هذا المعنى القوي المتين. وعزة الامتناع عن مغالبة في احد وعن ان يقدر عليه احد او يبلغ العباد ضره فيضروه او نفعه فينفعوه. وامتناعه تكبره عن جميع ما لا يليق بعظمته وجلاله من العيوب والنقائص. وعن كل ما ينافي كماله ويرجع اليها معنى المتكبر. مع ان المتكبر اسم دال على كمال العظمة ونهاية الكبرياء. مع دلالته على المعنى مذكور وهو تكبره وتنزهه عما لا يليق بعظمته ومجده وجلاله. المعنى الثاني الف عزة القهر. الدال عليها اسم القهار الذي قهر بقدرته جميع المخلوقات. ودانت له جميع كائنات فنواصي العباد كلهم بيده وتصاريف الملك وتدبيراته بيده. والملك بيده فما ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فالعالم العلوي والعالم السفلي بما فيها من المخلوقات العظيمة كلها قد خضعت في حركاتها وسكناتها وما تأتي وما تذر لمليكها ومدبرها فليس لها من الامر شيء ولا من الحكم شيء. بل الامر كله لله. والحكم الشرعي والقدري والجزائي كله لله لا حاكم الا هو ولا رب غيره ولا اله سواه. والعزة بمعنى القهر هي احد معاني جبار ومن معاني الجبار انه العلي الاعلى. الذي على العرش استوى وعلى الملك احتوى. وعلى السلطان وانواع التصاريف استولى. ومن معاني الجبار معنى يرجع الى لطف الرحمة والرأفة. وهو والذي يجبر الكسير ويغني الفقير ويجبر المريض والمبتلى. ويجبر جبرا خاصا قلوب المنكسرين لجلاله الخاضعين لكماله الراجين لفضله ونواله. بما يفيضه على قلوبهم من المحبة وانواع المعاني الربانية والفتوحات الالهية والهداية والارشاد والتوفيق والسداد الملك المالك للملك. اي الذي له جميع النعوت العظيمة الشأن. التي تفرد بها ملك الملوك من كمال القوة والعزة والقدرة والعلم المحيط والحكمة الواسعة ونفوذ المشيئة. وكما ما للتصرف وكمال الرأفة والرحمة. والحكم العام للعالم العلوي والعالم السفلي. والحكم العام في الدنيا والاخرة والحكم العام للاحكام الثلاثة التي لا تخرج عنها جميع الموجودات. اولا الاحكام قدرية حيث جرت الاقدار كلها والايجاد والاعدام والاحياء والاماتة. والايجاد والاعدام والامداد كلها على مقتضى قضائه وقدره. ثانيا والاحكام الشرعية حيث ارسل رسوله وانزل وشرى شرائعه وخلق الخلق لهذا الحكم. وامرهم ان يمشوا على حكمه في عقائدهم واخلاقهم واقوالهم وافعالهم وظاهرهم وباطنهم. ونهاهم عن مجاوزة هذا الحكم الشرعي. فما اخبرهم ان كل حكم يناقض حكمه فهو شر جاهلي من احكام الطاغوت. ثالثا والاحكام الجزائية وهو الجزاء على الاعمال خيرها وشرها في الدنيا والاخرة. واثابة الطائعين وعقوبة العاصين تلك الاحكام كلها تابعة لعدله وحكمته وحمده العام. فهذه النعوت كلها من معاني ملكه. ومن معاني ان جميع الموجودات كلها ملكه وعبيده المفتقرون اليه. المضطرون اليه في جميع شؤونهم ليس لاحد خروج عن ملكه ولا لمخلوق غنى عن ايجاده وامداده ونفعه ودفعه من معاني ملكه انزال كتبه وارسال رسله. وهداية العالمين وارشاد الضالين. واقامة الحجة والمعذرة على المعاندين المكابرين. ووضع الثواب والعقاب مواضعها. وتنزيل الامور منازلها كما ان من معاني ملكه انه كل يوم في شأن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويكشف غما. ويزيل المشقات ويغيث اللهفات ويجبر الكسير ويغني الفقير. ويهدي ضالا ويخذل معرضا موليا. ويعز قوما اخرين ويرفع قوما ويضع اخرين. ويغير ما شاء من الامور الجارية على نظام واحد. ليعرف العباد مال ملكه ونفوذ مشيئته وعظمة سلطانه. فالملك يرجع الى ثلاثة امور صفات الملك التي هي صفة صفاته العظيمة وملكه للتصاريف والشؤون في جميع العوالم. وان جميع الخلق مماليكه وعبيده فهو الملك الذي له ملك العالم العلوي والسفلي. وله التدبيرات النافذة فيها. ليس لله في شيء من ذلك ومشارك القدوس السلام. اي الذي له كل قدس وطهارة وتعظيم وتقدم تسع صفات النقص. فالقدوس يرجع الى صفات العظمة. والى السلامة من العيوب والنقائص كما ان السلام يدل على المعنى الثاني فهو سالم من كل عيب وافة ونقص. ومجموع ما ينزه عنه شيئان احدهما انه منزه عن كل ما ينافي صفات كماله. فان له المنتهى في كل صفة كمال فهو موصوف بكمال العلم وكمال القدرة. منزه عما ينافي ذلك من النسيان والغفلة. وان يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والارض. ولا اصغر من ذلك ولا اكبر. ومنزه عن العجز والتعب والاعياء واللغوب. وموصوف بكمال الحياة والقيومية. منزه عن ضدها من الموت والسنة والنوم. وموصوف بالعدل والغنى التام. منزل عن الظلم والحاجة الى احد بوجه من الوجوه. وموصوف بكمال الحكمة والرحمة. منزه عما ايضاد ذلك من العبث والسفه. وان يفعل او يشرع ما ينافي الحكمة والرحمة. وهكذا جميع صفاته منزه عن كل ما ينافيها ويضادها. الثاني انه منزه عن مماثلة احد من خلقه او ان يكون له ند بوجه من الوجوه. فالمخلوقات كلها وان عظمت وشرفت. وبلغت المنتهى الذي يليق بها من العظمة كما للائق بها فليس شيء منها يقارب او يشابه الباري. بل جميع اوصافها تضمحل اذا نسبت الى صفات وخالقها. بل جميع ما فيها من المعاني والنعوث والكمال. هو الذي اعطاها اياه. فهو الذي خلق فيها العقول والسمع والابصار. والقوى الظاهرة والباطنة. وهو الذي علمها والهمها. وهو الذي نماها طاهرا وباطنا وكملها. قالت الرسل والملائكة لا علم لنا الا ما علمتنا. وفي الحديث قدسي يقول الله تعالى يا عبادي كلكم ضال الا من هديته فاستهدوني اهدكم. يا عبادي كلكم جائع الا من اطعمته. الى اخر الحديث. فهو المنزه عن كل ما ينافي صفات المجد والعطاء والكمال وهو المنزه عن الضد والند والكفؤ والامثال. وذلك داخل في اسمه القدوس السلام المؤمن الايمان يرجع معناه الى التصديق والاعتراف. وما يقتضيه ذلك من ارشاد وتصديق الصادقين. واقامة البراهين على صدقهم. فهو تعالى المؤمن الذي هو كما اثنى على نفسه. وما عرفه رسله وعباده من اسمائه وصفاته. واثار ذلك مما هو اعظم وفي خيار الخلق من معرفته والايمان به هو شيء يسير. بالنسبة الى ما له من الكمال المطلق من كل وجه فهو كما اثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه عباده. وهو تعالى الذي صدق رسله. وشهد بصدق بقوله وفعله واقراره. حيث اخبر عن صدقهم وفعل تعالى افعالا كثيرة من معجزات وايات وخوارق كثيرة وبراهين متنوعة. تعرف العباد بصدقهم وتشهد بالحق الذي جاءوا به فكل المطالب والمسائل العظيمة لم يبق منها شيء الا اقام عليه من البراهين شيئا كثيرا وقال تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ايمان راجع الى المعرفة والمحبة. الله احق به واولى به. ولنقتصر على هذه الاشارة في هذا المحل العظيم في تفسير المؤمن الشهيد المهيمن المحيط اي المطلع على جميع الاشياء الذي احاط علمه بالظواهر والبواطن والخفيات والجليات والماضيات والمستقبلات. وسميع جميع الاصوات خفيها والجليات. وابصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها وصغيرها وكبيرها. واحاط وقدرته وسلطانه. واوليته واخريته وظاهريته وباطنيته بجميع الموجودات. فلا ايحجبوه عن خلقه ظاهر عن باطن ولا كبير عن صغير ولا قريب عن بعيد. ولا يخفى على علمه شيء ولا يشد عن ملكه وسلطانه شيء. ولا ينفلت عن قدرته وعزته شيء. ولا يتعصى عليه شيء ولا يتعاظمه شيء. وجميع اعمال العباد قد احصاها وقد علم مقدارها ومقدار جزائها في الخير والشر وسيجازيهم بما تقتضيه حكمته وحمده وعدله ورحمته. والملوك والجبابرة وان عظمت سطوتهم عظم ملكهم واشتد جبروتهم وتفاقم طغيانهم فان الله لهم بالمرصاد. قد احاط باحوالهم واحصى وراقب كل حركاتهم وسكناتهم. ونواصيهم بيده وليس لهم خروج عن تصرفه وارادته ومشيئته اين المفر والاله الطالب والمجرم المغلوب ليس الغارب؟ فهذه الاسماء الثلاثة ترجع الى سعة علمه واحاطته بكل شيء. والى عظمة ملكه وسلطانه. والى شهادته لعباده وعلى عباده باعمالهم والى الجزاء وانفراد الرب بتصريف العباد. واجرائهم على احكام القدر واحكام الشرع واحكام الجزاء والله اعلم. الحميد المجيد. اي الذي له جميع المحامد والمدائح كلها وهي جميع صفات الكمال. فكل صفة من صفاته يحمد عليها. ويحمد على ومتعلقاتها. فيحمد على كل تدبير دبره ويدبره في الكائنات. ويحمد على ما شرع من الشرائع واحكمه من الاحكام. ويحمد على توفيقه اولياءه وعلى خذلانه لاعدائه لا يحمد على اثابته للطائعين وعقوبته للعاصين. وله الحمد على ما تفضل به على العباد من النعم والخيرات والبركات. التي لا يمكن للعباد احصاؤها. ويتعذر عليه مستقصاؤها فحمده تعالى قد ملأ العالم العلوي والسفلي وله الحمد في الاولى والاخرة. وقد عم كلما يتقلب فيه العباد لكون ذلك راجعا الى حكمته وعدله وفضله واحسانه. ووضعه الامور مواضعها وهو الحميد الذي يحمده انبياؤه واصفياؤه وخيار خلقه. وهو تعالى الحميد الذي يحمدهم على ما انعم به عليهم فمنه السبب والمسبب. واما المجد فهو سعة الصفات وعظمة فالمجيد يرجع الى عظمة اوصافه وكثرتها وسعتها. والى عظمة ملكه وسلطانه اخواني والى تفرده بالكمال المطلق والجلال المطلق والجمال المطلق. الذي لا يمكن للعباد بادئا يحيطوا بشيء من ذلك. فاذا جمع بين الحميد المجيد صار اسم الحميد اخص بكثرة الاوصاف وفي وسعتها واسم المجيد اخص بعظمتها وتوحده بالمجد الحكيم اي الموصوف بكمال الحكمة. وبكمال الحكم بين عباده. فالحكمة هي سعة العلم والاطلاع على مبادئ الامور وعواقبها. وعلى سعة الحمد حيث تضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها. ولا يتوجه اليه سؤال. ولا يقدح في مقال فله الحكمة في خلقه وامره. اما الحكمة في خلقه فانه خلق الخلق بالحق ومشتملا على الحق. وكان غايته ونهايته الحق. خلقها باحسن نظام ورتبها باكمل اتقان. واعطى كل مخلوق خلقه اللائق به. بل اعطى كل جزء من اجزاء المخلوقات وكل عضو من اعضاء الحيوانات خلقته وهيئته اللائقة به. بحيث لا يرى الخلق في خلق الرحمن تفاوتا ولا فطورا. ولا خللا ولا نقصا. بل لو اجتمعت عقول الخلق ليقترحوا مثلا واحسن من هذه الموجودات لم يقدروا. وهذا امر معلوم قطعا من العلم صفاته فاذا كان من المعلوم لكل منصف مؤمن ان الله له الكمال الذي لا يحيط به العباد وانه ما من كمال تفرضه الاذهان ويقدره المقدرون. الا والله اعظم من ذلك واجل وكانت افعاله ومخلوقاته وجميع ما اوصله الى الخلق. اكمل الامور واحسنها وانظمها واتقنها. صنع الله الذي اتقن كل شيء. فالفعل يتبع في كماله وحسنه فاعلة والتدبير منسوب الى مدبره. والله تعالى كما لا يشبهه احد في صفاته بالعظمة والحسن والجمال. فكذلك لا يشبهه احد في افعاله. وقد تحدى عباده في مواضع كثيرة منك انتبه هل يجدون او يشاهدون في مخلوقاته نقصا وخللا؟ ومن ادعى شيئا من ذلك بسفاهة عقله وعظم جرائته فقد نادى على عقله بين العقلاء بالحمق والجنون. واما الحكمة في شرعه وامره فانه تعالى شرع الشرائع وانزل الكتب وارسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدوه فاي حكمة اجل من هذا؟ واي فضل وكرم اعظم من هذا؟ فان معرفته قال وعبادته وحده لا شريك له. واخلاص العمل له وحمده وذكره وشكره والثناء عليه افضل العطايا منه لعباده على الاطلاق. واجل المناقب لمن يمن الله عليه بها. واكملوا والفلاح والسرور للقلوب والارواح. كما انها هي السبب الوحيد للوصول الى السعادة الابدية والفلاح السربي فلو لم يكن في امره وشرعه الا هذه الحكمة التي هي اصل الخيرات واكمل اللذات واكبر الوسائل والمقاصد. ولاجلها خلقت الخليقة. ولاجلها حقا الجزاء ولاجلها خلقت الجنة والنار. ولاجلها جرت على الخليقة احكام الملك الجبار الشرعية والجزائية لكانت كافية شافية. هذا وقد اشتمل شرعه على كل خير فاخباره تملأ القلوب علما وعقائد صحيحة. وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها. ويحصل لها من المعارف اكبر الغنائم والمكاسب. واوامره كلها منافع ومصالح. وتثمر الاخلاق الجميلة والمناقب الثمينة والاعمال الصالحة والهدي الكامل. والاجر العظيم والثواب الجسيم. ونواهيه كلها واثقة للعقول الصحيحة والفطر المستقيمة. لانها لا تنهى الا عما يضر الناس في عقولهم واخلاقهم واعراضهم وابدانهم واموالهم. وبالجملة فالمصالح الخالصة او الراجحة تأمر به والمفاسد الخالصة او الراجحة تنهى عنها. فهو الحكيم في خلقه وامره وكذلك احكام الجزاء على الاعمال في غاية المناسبة والموافقة للحكمة جملة وتفصيلا. والله واعلم السميع البصير العليم الخبير. اي السميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. سرها وجهرها. سواء منكم من اسر القول وما ان جهر به ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب النهار. البصير الذي ابصر كل شيء دق وجل. فيبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في ظلمة الليل. ويبصر جريان الاغذية في عروق الحيوانات واغصان النباتات ولقد احسن من قال يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الاليل ويرانياط عروقها في نحرها والمخ من بين العظام النحل امن علي تمحو بها ما كان مني في الزمان الاول. العليم بكل شيء الذي لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء. ولا يعزب عن علمه شيء احاط علمه بالواجبات والمستحيلات والجائزات. وبالماضيات والحاضرات والمستقبلات. وبالعالم العلوي والسفلي. وبالخفيات والجليات وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين. يعلم سر واخفى ويعلم ما اكنته الصدور وما توسوس به النفوس. وما فوق السماوات العلى وما ما تحت الثرى الخبير الذي ادرك علمه السرائر واطلع على مكنون الضمائر البذور ولطائف الامور. ودقائق الذرات في ظلمات الديجور. فالخبير ارجعوا الى العلم بالامور الخفية. التي هي في غاية اللطف والصغر. وفي غاية الخفاء. ومن باب اولى واحرى علمه بالظواهر والامور الجلية. والعليم يدل بالمطابقة على الامرين. وكثيرا ما يأتي ذكر هذه الاسماء الكريمة في سياق الاعمال وجزائها ليوقظ القلوب وينبهها على اكمال واحسانها واتقانها واخلاصها وليرغبهم ويرهبهم اللطيف اللطيف من اسمائه الحسنى له معنيان احدهما بمعنى الخبير وهو ان علمه دق ولطف حتى ادرك السرائر والضمائر والخفيات والمعنى الثاني اللطيف الذي يوصل اولياءه وعباده المؤمنين الى الكرامات والخيرات بالطرق التي يعرفون والتي لا يعرفون. والتي يريدون وما لا يريدون. وبالذي يحبون والذي يكرهون فيلطف باوليائه فييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى. ويلطف لهم قدروا امورا خارجية عاقبتها تعود الى مصالحهم ومنافعهم. قال يوسف صلى الله عليه وسلم ان ربي لطيف لما يشاء. اي حيث قدر امورا كثيرة خارجية عادت عاقبتها الحميدة الى يوسف وابيه. وكانت في مبادئها مكروهة للنفوس. ولا لكن صارت عواقبها احمد العواقب. وفوائدها اجل الفوائد. المبدئ المعيد قال تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده. كما بدأنا اول كخلق نعيده. فهو تعالى الذي ابتدأ خلق المكلفين ثم يعيدهم بعد موتهم ابتدأهم ليبلوهم ايهم احسن عملا وان يرسل اليهم الرسل وينزل عليهم الكتب ويأمرهم وينهاهم. لم يخلقهم عبثا ولا سدى. ثم اذا انقضت هذه الدار وظهر الابرار من الفجار وتمت هذه الاعمار اعادهم بعدما اماتهم ليجزيهم الثواب على ايمانهم وطاعتهم والعقاب على كفرهم وعصيانهم. جزاء دائما بدوام الله واعادة الخلق اهون عليه من ابتدائه. وذلك كله على الله يسير. وعموم ما دل عليه هذان الاسمان الكريم ان يشمل كل ابداع واعادة لهذه المخلوقات. فالناس في هذه الدار في ابداء واعادة. في قومهم ويقظتهم كل يوم يعادون ويبدأون. وهذه الارض كل عام في ابداء واعادة. يحييها الماء والامطار ثم يعود النبت هشيما والاخضر رميما. ثم هكذا ابدا ما داموا في هذه الدار رحمة بهم ومتاعا لهم ولانعامهم. وذلك كله تابع لحكمته ورحمته الفعال لما يريد. وهذا من كمال قوته ونفوذ قدرته. ان كل امر يريده فعله لا يتعصى عليه شيء ولا يعارضه احد. وليس له ظهير ولا عوين. ولا مساعد على اي امر يكون بل اذا اراد امرا قال له كن فيكون. ومع انه تعالوا لما يريد فلا يريد الا ما تقتضيه حكمته وحمده. فجميع افعاله تابعة لحكمته فهو موصوف بالكمال من الجهتين. من جهة كمال القدرة ونفوذ الارادة. وان جميع الكائنات قد انقادت بمشيئته وارادته. ومن جهة الحكمة فانه الحكيم في كل ما يصدر منه من قول وفعل ان ربي على صراط مستقيم. اي في اقواله وافعاله العفو الغفور الغفار التواب. العفو والمغفرة من لوازم ذاته. لا يكون كذلك ولا تزال اثار ذلك ومتعلقاته تشمل الخليقة اناء الليل والنهار فعفوه ومغفرته وسعة المخلوقات والذنوب والجرائم. والتقصير الواقع من الخلق يقتضي المتنوعة. ولكن عفو الله ومغفرته تدفع هذه الموجبات والعقوبات. فلو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة. وعفوه تعالى نوعان. عفوه عن جميع المجرمين من الكفار وغيرهم بدفع العقوبات المنعقدة اسبابها والمقتضية لقطع النعم عنهم فهم يؤذونه بالسب والشرك. وغيرها من اصناف المخالفات. وهو يعافيهم ويرزقهم. ويدر النعم الظاهرة والباطنة. ويبسط لهم الدنيا ويعطيهم من نعيمها ومنافعها ويمهلهم ولا يهملهم بعفوه وحلمه. والنوع الثاني عفوه الخاص. ومغفرته الخاصة للتائبين والمستغفرين. والداعين والعابدين والمصابين بالمصائب المحتسبين. فكل من تاب اليه توبة نصوحا وهي الخالصة لوجه الله. العامة الشاملة التي لا يصحبها تردد ولا اصرار فان الله يغفر له من اي ذنب كان. من كفر وفسوق وعصيان. وكلها داخل في قوله قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله اه ان الله يغفر الذنوب جميعا. وقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة في قبول توبة الله من عباده من اي ذنب يكون. وكذلك الاستغفار المجرد. يحصل به من مغفرة الذنوب والسيئات بحسبه. وكذلك فعل الحسنات والاعمال الصالحة. تكفر بها الخطايا ان الحسنات يذهبن السيئات. وقد وردت احاديث كثيرة في تكفير كثير من الاعمال للسيئات مع اقتضائها لزيادة الحسنات والدرجات. كما وردت نصوص كثيرة في تكفير المصائب للسيئات خصوصا الذي يحتسب ثوابها. ويقوم بوظيفة الصبر او الرضا. فانه يحصل له التكفير من جهتين. من جهة نفس المصيبة والمها القلبي والبدني. ومن جهة مقابلة العبد لها بالصبر والرضا الذين هما من اعظم اعمال القلوب. فان اعمال القلوب في تكفيرها السيئات اعظم من اعمال الابدان. واعلم ان توبة الله على عبده تتقدمها توبة منه عليه حيث اذن له ووفقه وحرك دواعي قلبه لذلك. حتى قام بالتوبة توفيقا من الله. ثم لما تاب تاب الله عليه فقبل توبته. وعفا عن خطاياه وذنوبه. وكل الاعمال الصالحة بهذه المثال فالله هو الذي الهمها للعبد وحرك دواعيه لفعلها وهيأ له اسبابها و عنه موانعها والله تعالى هو الذي يتقبلها منه. ويثيبه عليها افضل الثواب فعلى العبد ان يعلم ان الله هو الاول الاخر. وانه المبتدئ بالاحسان والنعم. المتفضل بالجود والكرم بالاسباب والمسببات بالوسائل والمقاصد. ومن اخص اسباب العفو والمغفرة ان الله يجازي يوصي عبده بما يفعله العبد مع عباد الله. فمن عفا عنهم عفا الله عنه. ومن غفر لهم اساءتهم اليه وتغاضى عن هفواتهم نحوه غفر له. ومن سامحهم سامحه الله. ومن اسبابه التوسل الى الله بصفات عفوه ومغفرته. كقول العبد اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني. يا واسع المغفرة اغفر لي. اللهم اغفر لي وارحمني. انك انت العفو الغفور العلي الاعلى اي الذي له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات. فهو العلي بذاته قد استوى على العرش وعلى على جميع الكائنات وبينها. العلي بقدره وهو علو صفاته وعظمته فان صفاته عظيمة لا يماثلها ولا يقاربها صفة احد. بل لا يطيق العباد من يحيطوا بصفة واحدة من صفاته العلي بقهره حيث قهر كل شيء ودانت له الكائنات باسرها فجميع الخلق نواصيهم بيده. فلا يتحرك منهم متحرك ولا يسكن ساكن الا باذنه. وما ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن والفرق بين العلي والاعلى ان العلي يدل على كثرة الصفات ومتعلقاتها تنوعها والاعلى يدل على عظمتها. الكبير العظيم وهو الذي له الكبرياء نعتا والعظمة وصفا. قال تعالى في الحديث القدسي الكبرياء ردائي والعظمة ازاري. فمن دعني شيئا منهما عذبته. ومعاني الكبرياء والعظمة نوعان. احدهما يرجع الى صفاته ان له جميع معاني العظمة والجلال. كالقوة والعزة وكمال القدرة. وسعة العلم وكمال المجد وغيرها من اوصى في العظمة والكبرياء. ومن عظمته ان السماوات والارض جميعها كخردلة في كف الرحمن كما قال ذلك ابن عباس وقال تعالى وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا يوم القيامة. والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويا بيمينه ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده. انه كان حليما غفورا اه فله تعالى العظمة والكبرياء الوصفان اللذان لا يقادر قدرهما. ولا العباد كنههما. النوع الثاني انه لا يستحق احد التعظيم والتكبير والاجلال والتمجيد غيره فيستحق على العباد ان يعظموه بقلوبهم والسنتهم واعمالهم. وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته والذل له والخوف منه. واعمال اللسان بذكره والثناء عليه. وقيام الجوارح بشكره عبوديته. ومن تعظيمه ان يطاع فلا يعصى. ويذكر فلا ينسى. ويشكر فلا يكفر ومن تعظيمه واجلاله ان يخضع لاوامره وما شرعه وحكم به. والا يعترض على شيء ان من مخلوقاته او على شيء من شرعه. ومن تعظيمه تعظيم ما عظمه واحترمه. من زمان ومكان واشخاص واعمال. والعبادة روحها تعظيم الباري وتكبيره. ولهذا شرعت التكبيرات في الصلاة. في افتتاح وتنقلاتها. ليستحضر العبد معنى تعظيمه في هذه العبادة. التي هي اجل العبادات. وقل الحمدلله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك. ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل. وكبره تكبيرا. الجليل اما الجليل فهو الذي له معاني الكبرياء والعظمة. كما تقدم التنبيه عليها. واما فانه جميل بذاته جميل باسمائه. جميل بصفاته جميل بافعاله. فاسماؤه كلها وهي في غاية الحسن والجمال. فلا يسمى الا باحسن الاسماء. واذا كان الاسم يحتمل المدح وغيره لم يدخل في اسمائه. كما يعلم من استقراء اسمائه الحسنى. قال تعالى ولله الاسماء الحسنى هل تعلم له سميا؟ وذاته تعالى اكمل الذوات واجمل من كل شيء. ولا يمكن ان يعبر عن كنه جماله. كما لا يمكن التعبير عن كنه جلاله. حتى ان اهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم الذي لا يوصف والسرور والافراح واللذات التي لا يقادر قدرها اذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم. وتلاشى ما هم فيه من الافراح. وودوا ان لو تدوم لهم هذه الحال. التي هي اعلى نعيم ولذة. واكتسوا من جماله جمالا الى ما هم فيه من الجمال. وكانت قلوبهم دائما في شوق عظيم ونزوع شديد الى رؤية ربهم حتى انهم ليفرحون بيوم المزيد. فرحا تكاد تطير له القلوب مع ان هذه اللذة وان كانت تبعا لمعرفتهم بربهم ومحبته والشوق اليه. ولكن عند رؤية بهم ومشاهدة جماله وجلاله. تتضاعف اللذة وتقوى المعرفة والحب. وكذلك هو الجميل في صفاته فانها صفات حمد وثناء ومدح. فهي اوسع الصفات واعمها واكثرها تعلقا خصوصا اوصاف الرحمة والبر والاحسان والجود والكرم. فانها من اثار جماله. ولذلك كانت افعاله كلها جميلة لانها دائرة بين افعال البر والاحسان. التي يحمد عليها ويثنى عليها ويشكر عليها وبين افعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها الحكمة والحمد. فليس في افعاله عبث ولا سفه ولا ظلم بل كلها هدى ورحمة وعدل ورشد. ان ربي على صراط مستقيم. فافعاله كلها في غاية الحسن والجمال. وشرعه كله رحمة ونور وهدى وجمال. وكل جمال في الدنيا وفي دار النعيم فانه اثر من اثار جماله. وهو تعالى له المثل الاعلى فمعطي الجمال احق بالجمال. وكيف يقدر احد ان يعبر عن جماله وقد قال اعرف الخلق به. الا نحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك الحكم العدل. اي هو تعالى الملك الحكم الذي له الحكم في الدنيا والاخرة. ففي هذه الدار لا يخرج الخلق عن احكامه القدرية. بل ما حكم به قدرا نفذ من غير مانع ولا منازع. وما شاء كان ما لم يشأ لم يكن ولا يخرج المكلفون عن احكامه الشرعية. التي هي احسن الاحكام والتي هي صلاح الامور وكما ولا يستقيم لهم دين ورشد الا باتباع هذه الاحكام التي شرعها على السنة رسله ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون افغير الله ابتغي حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا. وفي الاخرة لا يحكم على العباد الا هو ولا يبقى لاحد قول ولا حكم حتى الشفاعات كلها منطوية تحت ارادته واذنه. ولا يشفع عنده احد الا اذا حكم بالشفاعة وهذه الاحكام كلها بالحكمة والعدل. فهو الحكم العدل الذي تمت كلماته صدقا في الاخبار وعدلا في الاوامر والنواهي فاوامره كلها عدل لانها منافع ومصالح فهي عدل ممزوجة بالرحمة كلها عدل لكونه لا ينهى الا عن الشرور والاضرار. وهي ايضا مقرونة برحمته وحكمته. ومجازاته باعمالهم عدل لا يهضم احدا من حسناته. ولا يزيد في سيئاتهم او يعذبهم. بغير جرم اجترحوه ولا تزر وازرة وزر اخرى. وحكمه بين العباد كله مربوط بالعدل. فلا يمنع احدا حقه. ولا يغفل عن الظالمين ولا يضيع حقوق المظلومين. فعدله تعالى شامل للخليقة كلها فيها حتى الحيوانات غير المكلفة. فانه يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء من كمال عدله ومن كمال عدله انه ارسل الرسل مبشرين ومنذرين لان لا يكون للناس على الله حجة ولان لا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير. وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. ومن كمال عدله انه اعطى عباده الاسماع والابصار والعقول والقدرة على افعالهم والارادة. ومكنهم من جميع ما يريدون ولم يجبرهم على افعالهم فعدله وحكمته ورحمته يبطل بها مذهب الجبرية. كما ان كمال قدرته ومشيئته وشمولته كل شيء حتى افعال العباد تبطل مذهب القدرية. الذين يزعمون انهم اهل العدل وهم في الحقيقة اهل اهل الظلم. فالحق هو ما ذهب اليه اهل السنة. وهو ما دلت عليه البراهين العقلية والبراهين النقلية ودلت عليه اسماؤه الحسنى كما نبهنا عليه ان افعال العباد واقعة تحت اختيارهم واراداتهم خيرها وشرها ومع ذلك فلا خروج لها عن قضائه وقدره. الفتاح للفتاح معنيان احدهما يرجع الى معنى الحكم الذي يفتح بين عباده. ويحكم بينهم بشرعه ويحكم بينهم باثابة الطائعين وعقوبة العاصين في الدنيا والاخرة. كقوله تعالى قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق حق وهو الفتاح العليم. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين فالاية الاولى فتحه بين العباد يوم القيامة. وهذا في الدنيا بان ينصر الحق واهله. ويذل الباطل واهله ويوقع بهم العقوبات. المعنى الثاني فتحه لعباده جميع ابواب الخيرات. قال تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. الاية يفتح لعباده منافع الدنيا والدين فيفتح لمن اختصهم بلطفه وعنايته اقفال القلوب. ويدر عليها من المعارف الربانية والحقائق الايمانية ما يصلح احوالها وتستقيم به على الصراط المستقيم. واخص من ذلك انه يفتح لارباب محبته والاقبال عليه علوما ربانية واحوالا روحانية. وانوارا ساطعة وفهوما واذواقا صادقة ويفتح ايضا لعباده ابواب الارزاق وطرق الاسباب. ويهيئ للمتقين من الارزاق واسبابها ما لا يحتسبون ويعطي المتوكلين فوق ما يطلبون ويأملون وييسر لهم الامور العسيرة. ويفتح لهم ابواب المغلقة. الرزاق الذي تكفل بارزاق المخلوقات كلها واوصل اليها ارزاقها ومعايشها. وعلم احوالها واماكنها وما من في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها. كل في كتاب مبين. يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. وقد هيأ لعباده في الارض جميع الارزاق قال تعالى صبا ثم شققنا الارض شقا فانبتنا فيها حبا. وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا. وفاكهة وابا. متاعا لكم ولانعامكم. والله الله تعالى هو الرزاق الذي يرزق قلوب خيار المؤمنين. من العلوم والمعارف وحقائق الايمان ما تتغذى به وتنمو وتكمل. ويرزق الحيوانات كلها من اصناف الاغذية. ما تتغذى به وتنمو نموه بها فينبغي للعبد اذا سأل الله الرزق ان يستحضر الامرين بان يرزقه رزقا حلالا واسعا ويرزق قلبه العلم والايمان والعرفان. ورزقه لعباده ايضا نوعان. نوع له سبب كما جعل الله الله الحراثة والتجارة والصناعة. وتنمية المواشي والخدمة ونحوها. طرقا يرتزق بها جمهور الناس. قالت تعالى وجعلنا لكم فيها معايش. اي اسبابا ترتزقون بها. ونوع يرزق الله به عبده بغير سبب منه. كأن يقيض الله له رزقا قدريا سماويا محضا. او على يد غيره من غير ان يكون من المرتزق سعي في ذلك. لاجل الاحتراز عن السؤال. فانه من جملة الحرف. ولاجل الاحتراز من تجب نفقته عليه من زوج او قريب او سيد او مالك. فان هذه اما من عمل الانسان يعني من اثار عمله واما ان يكون تابعا لغيره. ولكن نريد انه يوجد بعض المخلوقات لا شيء عندها ولا عمل لها ولا سعي منها اما عاجزة عجزا كليا او كسلانة عن طلب معيشتها. والله تعالى قد قدر لها من الله في رزقه ما تستغني به من وجوه لا تحتسبها وطرق لا ترتقبها. وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها واياكم. وهو السميع العليم. ومن لطائف رزقه انه قد يرد على الانسان العاجز عن ادراك رزقه قوة حال وقوة توكل ييسر الله له بسببها رزقا عاجلا. وقد يأتيه ذلك بدعوة مستجابة. وخصوصا عند الاضطرار يجيب المضطر اذا دعاه. فكما ان الباري اذا رأى عبده مضطرا الى كفايته منقطعا تعلقه بغير اجاب دعوته وفرج كربته. فكذلك المضطر الى طعام او شراب. متى وصل الى حالة ييأس فيها من كل احد ويوقن بالهلاك اتاه من رزق ربه والطافه. ما به يعرف غاية المعرفة. ان الله ها هو المرجو وحده لكشف الشدائد والكروب. فكم من الوقائع الكثيرة في هذا الباب الدالة على لطف ملك الوهاب. ومن الطاف رزقه ان كثيرا من المرضى يبقون مدة طويلة لا يتناولون طعام من ولا شرابا. والله تعالى يعينهم على تماسك ابدانهم. فضلا منه وكرما. ولو بقي الصحيح بعض هذه المدة عن الطعام والشراب لهلك. ومن لطائف رزقه ان الاجنة في بطون الامهات جعل غذائها في ارحام الامهات بالدم الذي يجري مع عروقها. لانها لا تحتمل غذاء تأكله وتشربه. ولو فرض ذلك لاضر به في رحم واضر بامه بما يخرج منه من الفضلات. ثم لما وضعت الحوامل اولادها وكان من ضعفه لا يحتمل الاغذية العادية اجرى له الباري من ثديي امه لبنا لطيفا خالصا سائغا للشاربين. فيه الغذاء الطعامي والغذاء الشرابي فلم يزل كذلك حتى قوي على تناول الاطعمة الغليظة. وكذلك لما كان في حال وضعها غير مقتدر على مباشرة ذلك بنفسه. حنن الله الامهات من الادميين والحيوانات. واوقع في قلوبها الرحمة العظيمة والرقة على اولادها. فاعانت اولادها على تناول الارزاق والاغذية. فتبارك الله اللطيف الخبير وتنوع الارزاق وكثرة فنونها لا يحصيها وصف الواصفين ولا تحيط بها عبارات المعبر الواحد الاحد الفرد. اي هو الواحد المتفرد بصفات المجد والجلال. المتوحد بنعوت العظمة والكبرياء والجمال. فهو واحد في ذاته وواحد في اسمائه لا سمي له. وواحد في صفاته لا مثيل له وواحد في افعاله لا شريك له. ولا ظهير ولا عوين وواحد في الوهيته. فليس له ند في المحبة المحبة والتعظيم ولا له مثيل في التعبد له والتأله. واخلاص الدين له. وهو الذي عظمت صفاته ونعوته حتى تفرد بكل كمال وتعذر على جميع الخلق ان يحيطوا بشيء من صفاته. او يدركوا شيئا من نعوته. فضلا فضلا عن ان يماثله احد في شيء منها. فاحاديته تعالى تدل على ثلاثة امور عظيمة. نفي المثل الند والكفء من جميع الوجوه واثبات جميع صفات الكمال بحيث لا يفوته منها صفة ولا نعت دال على الجلال جمال وان له من كل صفة من تلك الصفات اعظمها وغايتها ومنتهاها. وان الى ربك المنتهى. الصمد اي السيد العظيم الذي قد كمل في علمه وحكمته وحلمه وعزته وعظمته وجميع صفاته. فهو واسع الصفات عظيمها الذي صمدت اليه جميع المخلوقات وقصدته كل الكائنات باسرها في جميع شؤونها. فليس لها رب سواه ولا مقصود غيره تقصده وتلجأ اليه في اصلاح امورها الدينية. وفي اصلاح امورها الدنيوية. تقصده عند النوائب والمزعجات وتضرع اليه اذا عرتها الشدات والكربات. وتستغيث به اذا مستها المصاعب والمشقات لانها اعلم ان عنده حاجاتها ولديه تفريج كرباتها. لكمال علمه وسعة رحمته. ورأفته وحنانه وعظيم قدرته وعزته وسلطانه. الغني المغني. قال تعالى يا يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد. وانه هو فهو تعالى الغني بذاته الذي له الغنى التام المطلق من جميع الوجوه اختبارات لكماله وكمال صفاته التي لا يتطرق اليها نقص بوجه. ولا يمكن الا ان ان يكون غنيا لان غناه من لوازم ذاته. فكما لا يكون الا خالقا رازقا رحيما محسنا فلا يكون الا غنيا عن جميع الخلق. لا يحتاج اليهم بوجه من الوجوه. ولا يمكن ان يكون كلهم الا مفتقرين اليه من كل وجه. لا يستغنون عن احسانه وكرمه وتدبيره. وتربيته العامة الخاصة طرفة عين. ومن كمال غناه ان خزائن السماوات والارض بيده. وان نجوده على خلقه تواصل اناء الليل والنهار. وان يمينه سحاء في كل وقت. ومن كمال غناه انه يدعو عباده الى سؤاله كل وقت. ويعدهم عند ذلك بالاجابة. ويأمرهم بعبادته. ويعدهم القبول والاثابة. وقد اتاهم من كل ما سألوه واعطاهم كل ما ارادوه وتمنوه. ومن كمال غناه انه لو اجتمع اهل السماوات والارض واول الخلق واخرهم في صعيد واحد. فسألوه كلما تعلقت به مطالبهم فاعطاهم سؤلهم لم ينقص ذلك مما عنده. الا كما ينقص المخيط اذا غمس في البحر من كمال غناه العظيم الذي لا يقادر قدره ولا يمكن وصفه ما يبسطه على اهل دار كرامته من اللذات متتابعات والكرامات المتنوعات والنعم المتفننات مما لا عين رأت ولا اذن سمعته ولا خطر على قلب بشر. فهو الغني بذاته المغني جميع مخلوقاته. اغنى عباده بما بسط لهم من الارزاق وما تابع عليهم من النعم التي لا تعد ولا تحصى. وبما يسره من الاسباب الموصلة الى الغنى واخص من ذلك انه اغنى خواص عباده بما افاضه على قلوبهم من المعارف والعلوم الربانية والحقائق الايمانية. حتى تعلقت قلوبهم به ولم يلتفتوا الى احد سواه. وهذا هو الغنى كما قال صلى الله عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرض انما الغنى غنى القلب. فمتى غني وبما فيه من المعارف وحقائق الايمان وغني برزقه وقنع به وفرح بما اعطاه الله العبد الذي وصل الى هذه الحال لا يغبط الملوك واهل الرئاسات. لانه حصل له الغنى الذي لا يبغي به بدلا والذي به يطمئن القلب وتسر به الروح وتفرح به النفس. فنسأل الله ان يغني قلوبنا بالهدى والنور والمعرفة والقناعة. وان يمدنا من واسع فضله وحلاله. ذو الجلال والاكرام وردت في القرآن مقرونة في عدة مواضع. وقال صلى الله عليه وسلم الظوا بيا ذا الجلال والاكرام وهذان الوصفان العظيمان للرب يدلان على كمال العظمة والكبرياء والمجد والهيبة. وعلى سعة الاوصاف وكثرة الهبات والعطايا. وعلى الجلال والجمال. ويقتضيان من العباد ان يكون الله هو المعظم المحبوب الممجد جدل محمود المخضوع له المشكور. وان تمتلئ القلوب من هيبته وتعظيمه. واجلاله ومحبته و شوقي اليه. بديع السماوات والارض. اي خالقهما ومبدعهما باحسن خلقة ونظام وابدع هيئة وصفة. قد تمت فيهما اوصاف الحسن ونهاية الحكمة واودع فيهما من لطائف صنعته. وعجائب قدرته واسرار خلقته. ما يشهد لمبدعها بكمال الحكم حكمة وسعة الحمد وواسع العلم. ولطيف اللطف ودقيق الخبرة. الرب ورب العالمين الذي ربى جميع المخلوقات بنعمه. واوجدها واعدها لكل كمال يليق بها. وامدها بما تحتاج اليه اعطى كل شيء خلقه اللائق به. ثم هدى كل مخلوق لما خلق له. واغدق على هذه النعم ونماهم وغذاهم ورباهم باكمل تربية. وتربيته وربوبيته تعالى نوعان ربوبية عامة لكل مخلوق بر وفاجر وهو عموم الخلق والرزق والتدبير والانعام بكل نعمة فليس له شريك في شيء من ذلك. وتربية خاصة لاولياءه رباهم فوفقهم قم للايمان به والقيام بعبوديته. وغذاهم بمعرفته ونمى ذلك بالانابة اليه. واخرجهم من الظلمات الى النور. ويسرهم لليسرى وجنبهم للعسرى. ويسرهم لكل خير وحفظهم من كل شر ولهذا كانت ادعية الانبياء واولي الالباب والاصفياء الواردة في القرآن باسم الرب استحضارا لهذا المطلب. وطلبا منهم لهذه التربية الخاصة. فتجد مطالبهم كلها من هذا النوع واستحضار هذا المعنى عند السؤال نافع جدا. ومن اسمائه تعالى المعز المذل الخافض الرافع المعطي المانع المحي المميت القابض الباسط. وهي من الاسماء المزدوجة المتقابلة. التي لا يطلق كل واحد منها الا مع الاخر. لان الكمال المطلق باجتماعها ووردت هذه في القرآن على وجه الاخبار عنه بها بالفعل. لانها من معاني الربوبية ومن معاني الملك. فيغني عنها اسم الرب والملك فان هذه المعاني العظيمة من معاني الملك فان الملك من صفاته انه يعز ويذل ويمنع ويخفض ويرفع. بحسب علمه وحكمته ورحمته. كما انه يحيي ويميت الايام بين الخليقة. الودود اي المتودد الى خلقه بنعوته الجميلة. والاء الواسعة والطافه الخفية. ونعمه الخفية والجلية. فهو الودود بمعنى الواد وبمعنى المودود يحب اولياءه واصفيائه ويحبونه. فهو الذي احبهم وجعل في قلوبهم المحبة. فلما احبوه احبهم حبا اخر. جزاء لهم على حبهم. فالفضل كله راجع اليه. فهو الذي وضع كل سبب يتوددهم به. ويجلب ويجلب قلوبهم الى وده. تودد اليهم بذكر ما له من النعوت الواسعة العظيمة الجميلة الجاذبة للقلوب السليمة والافئدة المستقيمة. فان القلوب والارواح الصحيحة قبولة على محبة الكمال. والله تعالى له الكمال التام المطلق. فكل وصف من صفاته له في العبودية وانجذاب القلوب الى مولاها. ثم تودد لهم بالاءه ونعمه العظيمة التي بها اوجدهم وبها ابقاهم واحياهم وبها اصلحهم وبها اتم لهم الامور. وبها لا كمل لهم الضروريات والحاجيات والكماليات. وبها هداهم للايمان والاسلام. وبها هداهم لحقائق الاحسان وبها يسر لهم الامور. وبها فرج عنهم الكربات وازال المشقات. وبها شرع لهم الشرائع ويسرها. ونفى عنهم الحرج وبها بين لهم الصراط المستقيم واعماله واقواله وبها يسر لهم سلوكه واعانهم على ذلك شرعا وقدرا. وبها دفع عنهم المكاره والمضاجع كما جلب لهم المنافع والمسار. وبها لطف بهم الطافا شاهدوا بعضها. وما خفي عليهم منها ما اعظم فجميع ما فيه الخليقة من محبوبات القلوب والارواح والابدان الداخلية والخارجية الظاهرة والباطنة فانها من كرمه وجوده. يتودد بها اليهم فان القلوب مجبولة على محبة المحسن اليها. فاي احسان اعظم من هذا الاحسان؟ الذي يتعذر احصاء اجناسه فضلا عن انواعه. فضلا عن افراده. وكل نعمة منه تطلب من العباد ان تمتلئ قلوبهم من من مودته وحمده وشكره والثناء عليه. ومن تودده ان العبد يشرد عنه فيتجرأ على محرمات ويقصر في الواجبات والله يستره ويحلم عنه ويمده بالنعم ولا يقطع عنه منها شيئا. ثم يقيض له من الاسباب والتذكيرات. والمواعظ والارشادات ما اليه فيتوب اليه وينيب فيغفر له تلك الجرائم ويمحو عنه ما اسلفه من الذنوب العظائم. ويعيد عليه وده وحبه. ولعل هذا والله اعلم سر اقتران الودود بالغفور في قوله وهو الغفور الودود. ومن كمال مودته للتائبين انه يفرح بتوبتهم اعظم فرح يقدر وانه ارحم بهم من والديهم واولادهم والناس اجمعين. وان ان من احبه من اوليائه كان معه وسدده في حركاته وسكناته. وجعله مجاب الدعوة وجيها عنده كما في الحديث القدسي لا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه. فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به. ويده التي يبطش بها. ورجله التي يمشي بها فان سألني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه. وما ترددت عن شيء انا فاعله عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت واكره مساءته. واثار حبه لاوليائه واصفيائه عليهم لا تخطر ببال. ولا تحصيها الاقلام. واما مودة اوليائه له. فهي روحه ثم روحهم وحياتهم وسرورهم. وبها فلاحهم وسعادتهم. بها قاموا بعبوديته وبها حمدوه وشكروه. وبها لهجت السنتهم بذكره. وسعت جوارحهم لخدمته. وبها قاموا لما عليهم من الحقوق المتنوعة. وبها كفوا قلوبهم عن التعلق بغيره وخوفه ورجائه وجوارحهم عن مخالفته وبها صارت جميع محابهم الدينية والطبيعية تبعا لهذه اما الدينية فانهم لما احبوا ربهم احبوا انبيائه ورسله واولياءه واحبوا كل عمل يقرب اليه واحبوا ما احبه من زمان ومكان وعمل وعامل. واما المحبة الطبيعية فانهم تناولوا شهواتهم التي جبلت النفوس على محبتها من مأكل ومشرب. وملبس وراحة على وجه الاستعانة بها على ما يحبه مولاهم. وايضا فكما قصدوا بها هذه الغاية الجليلة فان انهم تناولوها بحكم امتثال الاوامر المطلقة. في مثل قوله كلوا واشربوا. ونحوها من الاوامر الغيبات المتعلقة بالمباحات والراحات. فصار السبب الحامل لها امتثال الامر. والغاية التي قصدت لها الاستعانة بها على محبوبات الرب. فصارت عاداتهم عبادات. وصارت اوقاتهم كلها مشغولة بالتقرب الى محبوبهم. وكل هذه الاثار الجميلة الجليلة من اثار المحبة التي تفضل بها عليهم محبوبهم وتقوى هذه الامور بحسب ما في القلب من الحب. الذي هو روح الايمان وحقيقة التوحيد وعين التعبد واساس التقرب. فكما ان الله ليس له مثيل في ذاته واوصافه فيه فمحبته في قلوب اوليائه. ليس لها مثيل ولا نظير في اسبابها وغاياتها. ولا في قدرها واثارها ولا في لذتها وسرورها وفي بقائها ودوامها. ولا في سلامتها من منكدات والمكدرات من كل وجه. الحليم الصبور الشاكر الشكور. في الحديث الصحيح لا احد اصبر على اذى سمعه من الله يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم فصبره تعالى على معاصي العاصين. ومحاربة المحاربين صبر عن قوة واقتدار. وهو الصبر كامل فان العباد يتبغضون اليه بالمعاصي. وهم مضطرون اليه. وهو اليهم بالنعم مع كمال غناه. وهو تعالى يحلم عن زلاتهم. ويسترهم مع كثرة هفواتهم ويتمادون في الطغيان. والله تعالى لا يزيده ذلك الا حلما وكرما. ومن حلمه ان العبد يسرف على نفسه. والله تعالى قد ارخى عليه حلمه. فاذا تاب العبد واناب فكأن انه ما جرى منه جرم. ومع كمال حلمه وصبره. فهو تعالى الشكور لعباده. الذي يغفر الكثير من الزلل ويقبل القليل من العمل. واذا اخلص العبد عمله ضاعفه بغير حساب. وجعل القليل كثيرا والصغير كبيرا ويتحمل عبده من اجله بعض المشاق. فيشكر الله له ويقوم بعونه ويكون معه فتنقلب تلك المشاق والمصاعب سهولات. وتلك المتاعب راحات. الرقيب المطلع على ما في القلوب وما حوته العوالم من الاسرار والغيوب. المراقب لاعمال عباده على الدوام الذي احصى كل شيء واحاط بكل شيء. ولا يخفى عليه شيء وان دق. الذي يعلم ما سرته السرائر من النيات الطيبة والارادات الفاسدة. ومن تعبد الله باسمه الرقيب اورثه له ذلك المقام المستولي على جميع المقامات. وهو مقام المراقبة لله في حركاته وسكناته ان من علم انه رقيب على حركات قلبه. وحركات جوارحه والفاظه السرية والجهرية. واستدام هذا العلم فانه لا بد ان يثمر له هذا المقام الجليل. وهذا سر عظيم من اسرار المعرفة بالله انظروا الى ثمراته وفوائده العظيمة. واصلاحه للشؤون الباطنة والظاهرة القريب المجيب. اي هو تعالى القريب لكل احد. وهو اقرب الى الانسان من حبل الوريد وقربه تعالى نوعان. قرب عام بعلمه وخبرته. ومراقبته ومشاهدته واحاطته فهو اقرب الى كل احد من نفسه. وقرب خاص من عابديه وداعيه ومحبيه. قرب لا يدرك له حقيقة. وانما تعلم اثاره. من لطفه بعبده وعنايته به وتوفيقه وتسديده وحضور القلب عنده في تلك الحال التي حصل فيها القرب. ومن اثاره الاجابة للداعي والاثابة للعابدين. وما احسن اقتران القريب بالمجيب. قال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان. وقال تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم. فهو المجيب اجابة عامة للداعين مهما كانوا واين كانوا وعلى اي حال كانوا كما وعدهم بهذا الوعد المطلق. وهو المجيب اجابة خاصة للمستجيب له المنقادين لشرعه. ولهذا عقب ذلك بقوله فليستجيبوا لي. اي فاذا استجابوا قولي اجبتهم وتقدم الحديث الذي فيه حالة المحب. المستجيب لربه بفعل النوافل بعد الفرائض ان الله يقول ولئن سألني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه. وهو المجيب ايضا اجابة خاصة للمضطرين كما قال امن يجيب المضطر اذا دعاه. وكذلك من انقطع رجاؤه من المخلوقين وقوي طمعه وتعلقه بالله رب العالمين فما اسرع الاجابة لهذا وكلما قويت حاجة العبد وقوي طمعه بربه حصل له من الاجابة بحسبه لذلك الحسيب الكافي الحفيظ. اي هو الكافي عباده كل ما اليه يحتاجون. الدافع عنهم كل ما يكرهون. فكفايته عامة وخاصة. اما العامة فقد كفت تعالى جميع المخلوقات وقام بايجادها وارزاقها وامدادها واعدادها لكل ما خلقت له هيأ للعباد من جميع الاسباب ما يغنيهم. ويقنيهم ويطعمهم ويسقيهم. واما ايته وحسبه الخاص. فهو كفايته للمتوكلين. وقيامه باصلاح احوال عباده المتقين قال تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه. اي كافيه كل اموره الدينية والدنيوية وقال تعالى اليس الله بكاف عبده اي من قام بعبوديته الظاهرة والباطنة كفاه الله ما اهمه. وقام تعالى بمصالحه ويسر له اموره. قال تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا. اي من جميع المكاره والمضايق. ويرزقه من من حيث لا يحتسب. واذا توكل العبد على ربه حق التوكل بان اعتمد بقلبه على ربه اعتمادا قويا كاملا في تحصيل مصالحه ودفع مضاره وقويت ثقته وحسن ظنه بربه وصلت له الكفاية التامة. واتم الله له احواله. وسدده في اقواله وافعاله. وكفاه هم وجلى غمه. ومن معاني الحسيب انه الحفيظ على عباده كلما عملوه. احصاه الله ونسوه. وعلم تعالى ذلك وميز الله صالح العمل من فاسده. وحسنه من قبيحه حينما يستحق من الجزاء ومقداره من الثواب والعقاب. فهو في هذا المعنى بمعنى الحفيظ. وللحفيظ ايضا ايضا معنى اخر يقارب معنى الكاف الحسيب. وهو الذي تكفل بحفظ مخلوقاته وابقائها ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا. فهذا حفظ عام واما الحفظ الخاص فقد قال صلى الله عليه وسلم احفظ الله يحفظك. فمن حفظ اوامر والله بالامتثال ونواهيه بالاجتناب. وحفظ فرجه ولسانه وجميع اعضائه. وحفظ حدود الله فلم يتعدها حفظه الله في دينه من الشبهات القادحة في اليقين. وحفظه من الشهوات ايرادات المناقضة لما يحبه الله ويرضاه. وحفظ عليه ايمانه وما كان الله ليضيع ايمانكم. وحفظ الله عليه دنياه. وحفظه في اولاده واهله ومن يتصل به وكذلك ينقله الله من حالة اعلى من ذلك. وهي انه من حفظ الله وجده امامه يسدده ويوفقه. وتحصل له معية الله الخاصة. التي لا تحصل الا لخواص الخلق الاول الاخر الظاهر الباطن. قد فسرها صلى الله عليه وسلم بتفسير واضح حيث قال في دعاء الاستفتاح انت الاول فليس قبلك شيء وانت الاخر فليس بعد شيء وانت الظاهر فليس فوقك شيء. وانت الباطن فليس دونك شيء. فبين معنى كل اسم ونفى ما يناقضه. وهذا اعلى درجات البيان. وهنا نكتفي بهذا التفسير والبيان الذي لا يحتاج الى غيره الواسع اي واسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها بحيث لا يحصي احد ثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه. واسع العظمة والسلطان والملك. فجميع العوالم العلوية والسفلى الظاهرة والباطنة كلها لله. قال تعالى ولله المشرق والمغرب اينما تولوا فثم وجه الله. ان الله واسع عليم. واسع العلم والحكمة القدرة ونافذ المشيئة. وواسع الفضل والاحسان والرحمة. ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلم ومن لطائف التعبد لله باسمه الواسع ان العبد متى علم ان الله واسع الفضل والعطاء وان فضله غير محدود بطريق معين بل ولا بطرق معينة بل اسباب فضله وابواب احسانه لا نهاية لها. انه لا يعلق قلبه بالاسباب بل يعلقه بمسببها. ولا يتشوق اذا انسد عنه باب منها فانه يعلم ان الله واسع عليم. وان طرق فضله لا تعد ولا تحصى وانه اذا انغلق منها شيء انفتح غيره مما قد يكون خيرا واحسن للعبد عاقبة قال تعالى مشيرا الى هذه الحال التي كثير من الناس لا يوفقون لها. وان يتفرقا يغن كلا من سعته. لما كانت هذه الحال وهي حال الفراق. يغلب على كثير من الزوجات الحزن ويكون اكبر داع لهذا الحزن ما تتوهمه من انقطاع رزقها من هذه الجهة التي تجري عليها فوعد الله الجميع وبشرهم بفتح ابواب الخير لهم. وانه سيعطيهم من واسع فضله وكم من عبد بهذه المثابة له سبب وجهة من الجهات التي يجري عليه الرزق. فانغلقت ففتح الله له بابا او ابوابا من الرزق والخير. وبهذا يعرف الله ويعلم ان الامور كلها منه. وان انه ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له ومن بعده ومن سعته وفضله مضاعفة الاعمال والطاعات. الواحدة بعشر الى سبعمائة الى اضعاف كثيرة. بغير عد ولا حساب. ومن سعته ما احتوت عليه دار النعيم من الخيرات والمسرات. والافراح واللذات المتتابعات. مما لا عين رأت. ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فخير الدنيا والاخرة والطافهما من فضله وسعته جميع الاسباب والطرق المفضية الى الراحات والخيرات. كلها من فضله وسعته النور الهادي الرشيد. النور من اوصافه تعالى على نوعين نور حسي وهو ما اتصف به من النور العظيم الذي لو كشف الحجاب عن وجهه لاحرقت سبحات وجهه ونور جلاله ما انتهى اليه بصره من خلقه. وهذا النور لا يمكن التعبير عنه. الا بمثل هذه العبارة النبوية المؤدية للمعنى العظيم. وانه لا تطيق المخلوقات كلها الثبوت لنور وجهه. لو تبدلها ولولا ان اهل دار القرار يعطيهم الرب حياة كاملة ويعينهم على ذلك لما تمكنوا من رؤية الرب العظيم. وجميع الانوار في السماوات العلوية كلها من نوره. بل نور جنات التي عرضها السماوات والارض. وسعتها لا يعلمها الا الله من نوره. فنور العرش والكرسي والجنات من نوره فضلا عن نور الشمس والقمر والكواكب. والنوع الثاني نوره المعنوي. وهو النور الذي نور قلوب انبيائه واصفيائه واوليائه وملائكته. من انوار معرفته وانوار محبته ان لمعرفته في قلوب اوليائه المؤمنين انوارا. بحسب ما عرفوه من نعوت جلاله. وما اعتقدوه من صفات ذات جماله فكل وصف من اوصافه له تأثير في قلوبهم. فان معرفة المولى اعظم المعارف كلها والعلم به اجل العلوم. والعلم النافع كله انوار في القلوب. فكيف بهذا العلم الذي هو العلوم واجلها واصلها واساسها. فكيف اذا انضم الى هذا نور محبته والانابة اليه فهنالك تمتلئ اقطار القلب وجهاته من الانوار المتنوعة. وفنون اللذات المتشابهة الحسن والنعيم. فمعاني العظمة والكبرياء والجلال والمجد. تملأ قلوبهم من الهيبة والتعظيم والاجلال والتكبير. ومعاني الجمال والبر والاكرام تملؤها من انوار المحبة والود والشوق ومعاني الرحمة والرأفة والجود واللطف. تملأ قلوبهم من انوار الحب النامي على الاحسان وانوار الشكر والحمد بانواعه والثناء. ومعاني الالوهية تملؤها من انوار التعبد وضياء التقرب وسناء التحبب واسرار التودد. وحرية التعلق التام بالله رغبة ورهبة وطلبا وانابة وانصراف القلب عن تعلقه بالاغيار كلها. ومعاني العلم والاحاطة والشهادة والقرب الخاص تملأ قلوبهم من انوار مراقبته. وتوصلهم الى مقام الاحسان الذي هو على المقامات كلها. ان تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. فكل معنى ونعم من نعوت الرب يكفي في امتلاء القلب من نوره. فكيف اذا تنوعت وتواردت على القلوب الطاهرة الزكية الذكية وهنا يصدق على هذه القلوب القدسية انطباق هذا المثل عليها وهو قوله مثل نوره فيها مصباح. المصباح في زجاجة. الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة. زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. نور على نور يهدي الله لنوره الاية وهذا النور المضروب هو نور الايمان بالله وبصفاته واياته مثلوه في قلوب المؤمنين مثل هذا النور الذي جمع جميع الاوصاف التي فيها زيادة النور. وهو اعظم مثل يعرفه العباد. وقد دعا صلى الله عليه وسلم لحصول هذا النور فقال اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا. وعن يميني نورا وعن شمالي نورا. ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا. اللهم اجعلني نورا. ومتى امتلأ القلب من هذا النور فاض على الوجه فاستنار الوجه وانقادت الجوارح بالطاعة راغبة. وهذا النور الذي يكون في القلب هو الذي يمنع العبد من الفواحش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن فاخبر ان وقوع هذه الكبائر لا يكون ولا يقع مع وجود الايمان ونوره. والهادي الرشيد من اسمائه الحسنى هما بمعنى انا النور بهذا المعنى. فالله يهدي ويرشد عباده الى مصالح دينهم ودنياهم. ويعلمهم ما لا يعلمون ويهديهم هداية التوفيق والتسديد. ويلهمهم التقوى ويجعل قلوبهم منيبة اليه منقادة لامره فالله خلق المخلوقات فهداها الهداية العامة لمصالحها وجعلها مهيئة ما خلقت له وهدا هداية البيان فانزل الكتب وارسل الرسل وشرع الشرائع والاحكام والحلال والحرام وبين اصول الدين وفروعه. وعلوم الظاهر والباطن وعلوم الاولين والاخرين. وهدى وبين الصراط المستقيم الموصل الى رضوانه وثوابه. ووضح الطرق الاخرى ليحذرها العباد. وهدى عباده المؤمنين هداية التوفيق للايمان والطاعة. وهداهم الى منازلهم في الجنة. كما هداهم في الدنيا الى سلوك اسبابها وطرقها فيها ولهذا يقول اهل الجنة حين تتم عليهم نعمة الهداية الحمدلله الذي هدانا هذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله. وقال تعالى من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فاولئك هم الخاسرون. والهداية المطلقة التامة هي الهداية التي يسألها المؤمنون ربهم في قوله اهدنا الصراط المستقيم. اي اهدنا اليه واهدنا فيه وفي قول الداعي اللهم اهدنا فيمن هديت وللرشيد معنى اخر بمعنى الحكيم والرشيد في اقواله وافعاله وهو على صراط مستقيم فيما يشرعه لعباده من الشرائع. التي هي رشد وحكمة وفيما يخلقه من المخلوقات ويقدره من الكائنات. الجميع رشد وحكمة. لا عبث فيها ولا شيء مخالف للحكمة. الولي ولايته تعالى وتوليه لعباده نوعان ولاية عامة. وهو تصريفه وتدبيره لجميع الكائنات. وتقديره على العباد ما يريده من بخير وشر ونفع وضر. واثبات معاني الملك كلها لله تعالى. والنوع الثاني في الولاية والتولي خاص وهذا اكثر ما يريد في الكتاب والسنة كقوله الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. وان تولوا فاعلموا ان الله مولاكم. ذلك بان الله مولى الذين امنوا وان الكافرين لا مولى لهم. وهذا التولي الخاص يقتضي عنايته ولطفه بعباده المؤمنين. وان الله يربيهم تربية خاصة. يصلحون بها للقرب منه ومجاورته في جنات النعيم فيوفقهم للايمان به وبرسله. ثم يغذي هذا الايمان في قلوبهم وينمي وييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى. ويغفر لهم في الاخرة والاولى ويتولاهم برعايته وحفظه وكلاءته. فيحفظهم من الوقوع في المعاصي. فان وقعوا فيها بما سولت لهم انفسهم الامة بالسوء وفقهم للتوبة النصوح. فاذا تولوا ربهم تولاهم ولاية اخص من ذلك. وجعلهم من خواص خلقه بما يهيئ لهم من الاسباب الموصلة لهم الى كل خير. قال تعالى الا فان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين امنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة. فاخبر في هذه الاية عن الاسباب التي نالوا بها ولاية الله وهي الايمان والتقوى. والفوائد والثمرات العظيمة التي يجنونها من هذه الولاية. وهي الامن التام وزوال ضده من الخوف والحزن. والبشارة الكاملة في الدنيا بما يبين لهم ويبشرهم به. من اللطف والعناية والتوفيق للخيرات. والحفظ من المخالفات. وبالثناء الحسن بين العباد. وبالرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن او ترى له. والبشارة عند الموت وفي القبر. وفي عرصات القيامة. فهذا تنبيه جامع متوسط بين الاختصار المخل والطول الممل. وفيه من التفصيلات النافعة والنكت اللطيفة والفوائد ما لا تكاد تجده مجموعا في محل واحد. ولنتبع هذا المقصد الجليل ببقية المقاصد من علوم التوحيد فنقول بيان الاصول التي كثر الكلام فيها بين السلف وبين اهل الكلام وهي متفرعة على اسماء الله الحسنى وصفاته. ولكن لزيادة الايضاح نبين دلالة القرآن عليها اوصيها القول في علو الباري ومباينته لخلقه واستوائه على عرشه هذا الاصل العظيم. لم يزل الصحابة والتابعون لهم باحسان يعترفون ويعلمون علما لا يرتاب فيه بما دل عليه الكتاب والسنة من علو الله تعالى. وانه فوق عباده وانه على العرش استوى وان له جميع معاني العلو علو الذات وعلو القدر وعظمة الصفات. وعلو القهر لجميع الكائنات حتى نبغت الجهمية ومن تبعهم فانكروا المعنى الاول لا ببرهان عقلي. فان العقل دل على علو الله تعالى على خلقه بذاته. دلالة فطرية واضحة ولا ببرهان نقلي فان جميع النصوص تنافي قولهم وتبطله وتثبت له تعالى كمال العلو من كل وجه. في القرآن العلي في مواضع كثيرة وفيه الاعلى. وذلك يدل على ان علوه من لوازم ذاته. وان جميع معانيه ثابتة لله تعالى وفيه الاخبار عن فوقيته للمخلوقات كقوله يخافون ربهم من فوقهم. والاخبار في عروج الاشياء اليه وصعودها وبنزولها منه كقوله تعرج الملائكة والروح اليه اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. وكقوله حامي تنزيل الكتاب من الله. في عدة مواضع. فيدل ذلك على علوه. وعلى ان القرآن كلام الله غير مخلوق. وكذلك قصة موسى وفرعون اذ قال فرعون وقال فرعون يا ما نبني لي صرحا لعلي ابلغ الاسباب. اسباب السماوات فاطلع الى اله موسى. وهذا ظاهر غاية الظهور ان فرعون قد انكر ما قاله موسى صلى الله عليه وسلم. من علو الله على خلقه فقال هذه المقالة موهما وملبسا على قومه. ولذلك كان السلف يسمون الجهمية الفرعونية لاعتقادهم نفي العلو كما اعتقده وانكره فرعون. ومن ذلك اسمه الظاهر حيث فسر صلى الله عليه وسلم انه الذي ليس فوقه شيء. ومن ذلك اختصاصه لبعض مخلوقاته بقربه نيته كقوله عن الملائكة وله من في السماوات والارض ومن عنده لا يستكبرون من عبادته. واما استواؤه على العرش فقد ذكره الله في سبعة مواضع من القرآن. مثل قوله رحمن على العرش استوى. فالاستواء معلوم والكيف مجهول. كما يقال مثل ذلك في بقية صفات الباب فان الكلام فيها مثل الكلام في الذات. فكما ان لله ذاتا لا تشبهها الذوات. فله تعالى صفات لا تشبهها الصفات. فصفة العلو لله تعالى ثابتة بالسمع والعقل كما تقدم. وصفة الاستواء ثبتت في الكتاب وتواترت بها السنة. القول في نزول الرب الى السماء الدنيا واتيانه ومجيئه يوم القيامة وذلك ان الله تعالى فعال لما يريد. وقد تواترت السنة بنزول الرب الى السماء الدنيا والكتاب قد دل على كمال قدرته. وانه الفعال لما يريد. وانه ليس له مثيل ولا فاذا اخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم بنزوله الى السماء الدنيا فما عذر المؤمن اذا لم يعتقد ما اخبر به صلى الله عليه وسلم. وانه ليس كمثله شيء. فهو ينزل كيف يشاء معك ما فان علوه من صفاته الذاتية ونزوله واتيانه من افعاله الاختيارية. التابعة لقدرته ومشيئته. وقال تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا. وقال تعالى هالينظرون الا ان تأتيهم الملائكة او يأتي ربك او يأتي بعض ايات ربك الاية وهذا صريح لا يقبل التأويل بوجه. ومن تأول هذا فكل صفاته بل واسمائه الحسنى يتطرق اليها هذا التأويل. بل التحريف الباطل المنافي للكتاب والسنة القول في رؤية المؤمنين ربهم في الاخرة. على هذا جميع الصحابة والتابعين لهم باحسان وائمة الدين والهدى وبه اخبر الله في كتابه في عدة ايات منها قوله تعالى وجوه يومئذ ناظرة الى ربها ناظرة. اي حسنة نيرة من السرور والنعيم تنظر الى وجه ملكي الاعلى وقال تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون هذا من ادل الادلة على ان المؤمنين غير محجوبين عن ربهم لان الله توعد المجرمين بالم الحجاب فيستحيل ان يحجب المؤمنون عنه ويكونوا كاعداءه. وفي عموم قوله تعالى على ما يدل على رؤية الباري فهم ينظرون الى ما اعطاهم مولاهم من النعيم الذي اعظمه واجله رؤية ربهم. والتمتع بخطابه ولقائه. وقال تعالى للذين احسنوا الحسنى وزيادة. يعني للذين احسنوا في عبادة الخالق بان عبدوه كانهم ترونه فان لم يصلوا الى ذلك استحضروا رؤية الله تعالى. واحسنوا الى عباد الله بجميع وجوه البر والاحسان القولي والفعلي والمالي. فهؤلاء لهم الحسنى. وهي الجنة بما احتوت عليه من النعيم المقيم وفنون السرور. ولهم ايضا زيادة على ذلك. وهو رؤية الله والتمتع بمشاهدته وقربه ورضوانه والحظوة عنده. بذلك فسرها النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك قوله تعالى لهم ما يشاؤون فيها. جمعت كل نعيم ولدينا مزيد وهو النظر الى وجه الله الكريم. والتمتع بلقائه وقربه ورضوانه. وكذلك ما في القرآن من التعميم جميع اصناف النعيم فان اعظم ما يدخل فيه رؤية وجهه الذي هو اعلى من كل نعيم. كقوله تعالى وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. فكل ما تعلقت به الاماني والشهوات والايرادات فهو في الجنة حاصل لاهلها. وجميع ما تلذه الاعين من جميع المناظر العجيبة المسرة. فانه فيها على اجمل ما يكون. وقوله تحيتهم يوم يلقونه سلام. فهذا اخبار عن تحية الكريم لهم وانه سلمهم من جميع الافات وسلم لهم جميع اللذات والمشتهيات. واخبار عن رؤيته وقربه ورضوانه لان اللقاء تحصل به هذه الامور. ذكر اصول الايمان الكلية. قد ذكر الله الايمان ذكرا عاما مطلقا. في مثل قوله امنوا بالله ورسوله. والذين امنوا بالله ورسوله. ان الذين امنوا وذكره مقيدا بما يجب الايمان به. واجمع الايات المقيدة هي الاية العظيمة التي قضى الله فيها على الناس الايمان بجميع اصوله الكلية. وهي قوله تعالى قولوا امنا انا بالله وما الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل. وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون. وقد اخبر ان الرسول والمؤمنين قاموا بهذه الاصول في قوله. امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله. وقالوا سمعنا واطعنا. غفرانك ربنا واليك مصير فعلى كل مؤمن ان يؤمن بالله ويدخل في الايمان بالله الايمان بكل ما به نفسه او وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال ونفي واركان ذلك ثلاثة. الايمان بالاسماء كالعزيز الحكيم العليم الرحيم الى اخرها والايمان بالصفات كالايمان بكمال عزة الله وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته والايمان باحكام الصفات ومتعلقاتها كالايمان بانه يعلم كل شيء يقدر على كل شيء. ورحمته وسعت كل شيء الى اخرها. فهذا الايمان بالله المتعلق والاعتقاد ثم يتبع هذا الايمان بالله المتعلق بالحب والارادة. وهو التأله لله والقيام بعبوديته امتثالا لامره واجتنابا لنهيه. ولهذا كان القيام بالدين كله تصديقا واعتقادا وانقيادا داخلا بالايمان بالله. وبهذا يعرف ان اطلاق الايمان في كثير من الايات القرآنية يشمل هذا كله. لانه رتب على المطلق من الامر والمدح والثواب ما رتبه على المقيد. فجميع الاوصاف الجميلة داخلة في الايمان. وكذلك الايمان التام وينفي الاخلاق الرذيلة. كما قال تعالى انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم. فوصف فهم بالايمان القلبي واعمال القلوب من التوكل والزيادة في الايمان. وباعمال الجوارح من اقام الصلاة وايتاء الزكاة بالقيام بحقه وحق خلقه. واخبر ان هؤلاء هو هم الذين حققوا الايمان وان لهم من الله المغفرة الكاملة والثواب التام. وقال تعالى قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون الى ان قال اولئك هم الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. فاخبر عنهم بالفلاح بشرهم بالمنازل العالية. فما وصفهم بالايمان الكامل الذي اثر في قلوبهم الخضوع والخشوع في اشرف عبادات وحفظ السنتهم وفروجهم وجوارحهم وباقام الصلاة وايتاء الزكاة مراعاتهم للامانات الشاملة لحقوق الله وحقوق خلقه. وانهم مراعون لها قائمون بها وبالعهود التي بينهم وبين الله والتي بينهم وبين خلقه. وقد ذكر ما يشبه ذلك في سورة المعارج وكذلك ذكر الله خصال الايمان في قوله ولكن البر من امن بالله واليوم من الاخر الايات فحيث اطلق الله الايمان او اثنى على المؤمنين مطلقا دخلت في فيه جميع هذه الامور. وقد يخص بعضها بالذكر ولكنها متلازمة لا يتم بعضها الا ببعض. ومن الايمان بالملائكة الايمان بانهم قد جمعوا خصال الكمال. ونزههم الله في اصل خلقتهم من جميع المخالفات. فهم عباد مكرمون عند ربهم. لا يعصون الله ما وهم ويفعلون ما يؤمرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون. وقد جعل الله كثيرا منهم وظائفهم التدبير لحوادث العالم. واقسم بهم في عدة ايات فهم المدبرات امرا والمقسمات والملقيات للانبياء والرسل ذكرى. عذرا او نذرا. وهم الحفظة على بني ادم يحفظونهم بامر الله من المكاره. ويحفظون عليهم اعمالهم خيرها وشرها. وقد وصفوا في الكتاب والسنة بصفات جليلة يتعين على العبد الايمان بكل ما اخبر به الله ورسوله عنهم عن غيرهم ومن الايمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم الايمان بان الله بوحيه ورسالته. وجعلهم وسائط بينه وبين عباده. في تبليغ رسالاته امره وشرعه. وجمع فيهم من صفات الكمال ما فاقوا فيه الاولين والاخرين. من الصدق العظيم والامانة التامة. والقوة العظيمة والشجاعة والعلم العظيم. والدعوة والتعليم الارشاد والهداية. والنصح التام والشفقة والرحمة بالعباد. والحلم والصبر الواسع يقيني الكامل فهم اعلى الخلق علوما واخلاقا. واكملهم اعمالا وادابا. وارفعهم عقولا واصوبهم اراء واسماهم نفوسا. اختارهم الله واصطفاهم وفضلهم واجتباهم. بهم ان عرف الله وبهم وحد. وبهم عرف الصراط المستقيم. وعلى اثارهم وصل اهل الجنة الى كل نعيم فلهم على العباد الايمان بهم والاعتراف بكل ما جاءوا به. ومحبتهم وتوقيرهم واحترامهم. واقتفاء اثارهم والاهتداء بهديهم. وهذه ثابتة لجميع الانبياء. ولنبينا صلى الله عليه وسلم. من هذه الاوصاف اعلاها واكملها. فلقد جمع الله به من الكمال ما فرقه في غيره من الانبياء والاصفياء وله على امته ان يقدموا محبته على محبة انفسهم واولادهم ووالديهم والناس اجمعين وان يقوموا بحقه وهو القيام بشرعه وتعلمه وتعليمه. واتباعه ظاهرا وباطنا ويعتقد انه خاتم الانبياء. وافضل الخلق اجمعين. وانه اصدق الخلق واعظمهم في كل خصلة حميدة. ومنقبة جميلة. وانه اكمل الله به الدين اتم به النعمة على المؤمنين وشرح له صدره. ووضع عنه وزره. ورفع له ذكره. وخصه خصائص لم تكن لاحد قبله من الرسل. وايده بالايات البينات والمعجزات الظاهرات. والبراهين والانوار السواطع. صفاته صلى الله عليه وسلم من اكبر الادلة على صدقه. وانه رسول والله حقا وما بعث به من الهدى والرشد والرحمة. والعلوم الربانية والمعارف الالهية والعبوديات الظاهرة والباطنة المزكية للقلوب. المنمية للاخلاق المثمرة لكل خير من اعظم البراهين على رسالته وانها من عند الله. وما جاء به من القرآن العظيم وما احتوى عليه من علوم الغيب والشهادة. ومن علوم الظاهر والباطن ومن علوم الدنيا والدين والاخرة. ومن الهداية الى كل خير. والتحذير من كل شر. ومن الارشاد الى اقوم طرق واهدى السبل واقرب الوسائل وارجح الدلائل كل ذلك دليل وبرهان على انه من عند الله تنزيل من حكيم حميد. وان من جاء به هو الرسول الامين والصادق المصدوق. الذي لا لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. ولهذا نقول ومن الايمان بالله ورسوله الايمان بهذا القرآن العظيم. وانه كلام الله حقيقة منزل غير مخلوق. منه بدأ اليه يعود وانه تكلم به حقا. وبلغه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم. وبلغه محمد صلى الله عليه وسلم لامته. فنقلته الامة كلها باسرها قرنا بعد قرن. ولهذا فكان هذا القرآن متواترا. تواترا لا يقاربه شيء من الكلام المنقول. وهذا من حفظ الله فانه تعالى انزله وتكفل بحفظه. ومن تمام الايمان به التصديق التام بكل خبر اخبر اخبر به عن الله وعن المخلوقات وعن امور الغيب وغيرها. وانه لا يمكن ان يأتي خبر صحيح ينقضه او يرد بما يخالف الحس. بل يعلم ان كل ما خالفه فانه باطل بنفسه من تمام الايمان به. الاقبال على معرفة معانيه. والعمل بكل ما دل عليه. بالتصديق اخباره وامتثال اوامره واجتناب نواهيه. وقد وصف الله القرآن بانه هدى ورحمة شفاء لما في الصدور. من امراض الشبهات وامراض الشهوات. وانه تبيان لكل شيء. فما من شيء الناس في امور دينهم ودنياهم الا وقد بينه اتم بيان. وامر عند التنازع في امور كلها ان ترد اليه. فيفصل النزاع ويحل المتشابهات بلفظه الصريح. او بمعانيه المتنوعة التي بينتها السنة. وبلغها النبي صلى الله عليه وسلم لامته. وامر العباد بتدبره والتفكر في معانيه. واخبر ان احكامه احسن الاحكام. واخباره اصدق الاخبار واعظه انجع المواعظ. فهو المبين لكل ما يحتاجه الخلق. وهو المفصل لجميع العلوم. كله من جهة الحكم والحكم والاتقان والانتظام. وكله متشابه في حسنه وبيانه وحقه. وتصديق لبعض. وبعضه محكم من جهة التوضيح والتصريح. وبعضه متشابه من جهة الاجمال والاطلاق يجب ترجيعه ورده الى المحكم ليتضح الامر ويزول اللبس. فيه الدليل والمدلول يحتوي على جميع الادلة النقلية والعقلية والفطرية. قد جمع الله فيه كل خير ونفع للعباد الايمان باليوم الاخر. ومن تمام الايمان بالله ورسله وكتبه. الايمان باليوم الاخر. وهو كل ما جاء به الكتاب والسنة مما يكون بعد الموت. من احوال الموت والبرزخ القبر والقيامة والجنة والنار ومتعلقات ذلك كله داخل بالايمان باليوم الاخر وقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاحاديث المتنوعة في فتنة القبر وعذابه ونعيمه. وان ان الميت تعاد اليه روحه في قبره. فيسأل عن ربه ودينه ونبيه. فيثبت الله الذي الذين امنوا بالقول الثابت فيقول المؤمن الله ربي ومحمد نبي والاسلام ديني. فيفسح في قبره وينور له فيه. وينعم فيه الى يوم القيامة. كما وصف ذلك وفصل في السنة واما الكافر والمنافق فيضله الله عن الصواب لظلمه وكفره. فيضيق عليه قبره ولا يزال يعذب الى ان تقوم الساعة. ومن المذنبين من يعذب في القبر مدة بقدر ذنوبه ثم يرفع عنه العذاب. ومنهم من يرفع عنه العذاب بشفاعة. او دعاء او صدقة او نحو ذلك ثم اذا تكامل الادميون وماتوا جميعا امر تعالى اسرافيل بالنفخ في الصور يخرجون من قبورهم الى موقف يوم القيامة. حفاة عراة غرلا. مهضعين الى الداع. كانهم الى نصب يوفضون. يوم يحشر المتقون الى الرحمن وفدا. ويساق المجرمون الى جهنم ورد فيقفون موقفا عظيما لا تتصور العقول عظمه وفظاعته وهوله. ولكن ان الله يخففه على المؤمنين. ويسيل العرق منهم فيكونون على قدر اعمالهم. منهم من خذوه الى كعبيه والى ركبتيه والى حقويه والى حلقه. ومنهم من يلجمه العرق الجاما وتدنو الشمس منهم فتكون على قدر ميل منهم. ويصيب الخلق من الهم والكرب ما الله به عليم يفزعون الى من يشفع لهم الى ربهم ليريحهم من هذا الموقف. ويفصل بينهم. فيأتون ادم ثم نوحا ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى. وكلهم يعتذر ويدفعهم الى من بعده فاذا جاءوا لعيسى صلى الله عليه وسلم قال اذهبوا الى محمد صلى الله عليه وسلم عبد ان غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم في جيبوا طليبتهم ويلبي دعوتهم ثم ياتي الى تحت العرش فيسجد لله سجدة عظيمة. يفتح الله الله عليه من الثناء والتحميد والتمجيد لله ما لم يفتحه على احد من الاولين والاخرين. ويقال قال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع. ويبعث الله ذلك المقام المحمود. الذي يحمده فيه الاولون والاخرون اهل السماء واهل الارض وينزل الله للفصل بين عباده ومحاسبتهم. وحينئذ تنشر دواوين الاعمال الحاوية لحسنات العباد وسيئاتهم. وكل يعطى كتابه فيكون عنوان اهل السعادة ان عطوا كتبهم بايمانهم فيكون ذلك اول البشرى بما تحتوي عليه كتبهم من الخيرات اهل الشقاء كتبهم بشمائلهم ومن وراء ظهورهم بشارة لهم بالشقاوة وفضيحة لهم من الخلائق. فمن جاء بالحسنة فله عشر امثالها. ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها ويحاسب الكفار محاسبة توبيخ وفضيحة بين الخلائق. ثم يؤمر بهم الى النار. ويحاسب الله بعض المؤمنين حسابا يسيرا. يضع الله عليه كنفه ويقرره بذنوبه. فاذا ظن انه هالك قال الله له اني سترتها عليك في الدنيا وانا اغفرها لك اليوم فلا يطلع عليها احد من الخلق ويعطى كتابه بيمينه وتوضع الموازين التي توزن بها الاعمال الصالحة والسيئة فما ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون. ومن خفت حزينه فاولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون. وينقسم الناس ثلاثة اقسام اسم المستحقون للثواب المحض. سالمون من العقاب وهم السابقون واصحاب اليمين الذين ادوا الواجبات وتركوا المحرمات. وتابوا مما جنوه من المخالفات. وقسم مستحق للعقاب المحض والمخلدون في نار جهنم. وهم جميع من لم يؤمن بالرسل الايمان الصحيح من مشرك ومستكبر وجاحد ومنافق. ويهودي ونصراني ومجوسي وجميع من حكمت عليه النصوص بالخروج من الاسلام. وقسم ثالث ظالمون لانفسهم مخلطون. فهؤلاء من رجحت حسناتهم على سيئاته دخل الجنة ولم يدخل النار. ومن استوت حسناته وسيئاته فهم اهل الاعراف وهو موضع عال مشرف على الجنة والنار. يقيمون فيه ما شاء الله تعالى. ثم يتدارك المولى برحمته فيدخلهم الجنة. ومن رجحت سيئاته على حسناته فلابد من دخوله النار بقدر ذنوبه. ثم بعد ذلك يدخل الجنة الا ان تحصل له شفاعة. فان الشفاعة لاهل الذنوب والمعاصي ثابتة. يشفع محمد صلى الله عليه وسلم ويشفع الانبياء ويشفع خواص المؤمنين في من استحق النار الا يدخلها. وفي من دخلها واعماله تقتضي الزيادة على تلك لمدة ان يخرج منها. ويخرج الله من النار اقواما برحمته. وينصب الصراط على متن جهنم يمر الناس عليه على قدر اعمالهم. فمن مر عليه فهو من الناجين ولا يدع الله في النار احدا في قلبه ادنى ادنى ادنى مثقال حبة خردل من ايمان. ويبقى فيها اهلها الذين اين هم اهلها خالدين ابدا؟ لا يفتر عنهم عذابها. وقد وصف الله تعالى عذاب النار وصفة اهلها بافظع الاوصاف. وان الله يجمع لهم بين اصناف العقاب يعذبهم بالنار المحرقة التي تطلع على الافئدة. وكلما احترقت جلودهم بدلوا جلودا غيرها. ليعاد عليهم العذاب يذوق شدته وبالجوع المفرط والعطش المفرط. فالجوع والعطش من اعظم العذاب والالام ما يغاثون به اذا طلبوا الشراب والطعام عذاب اشد وافظع. فانهم اذا استغاثوا للشراب اغيثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه. فلا يدعهم العطش الشديد حتى يتناولوه. في قطع منهم مع ويستغيثون للطعام فيؤتون بالزقوم. الذي حرارته اعظم من حرارة الرصاص المذاب وهي في غاية المرارة وقبح الريح. فيغلي في بطونهم كغلي الحميم. ويسلسل المجرمون بسلاسل من نار. وتغل ايديهم الى اعناقهم ويسحبون في الحميم. ثم في النار يسجرون ترددون في عذابهم بين لهب النار وحرارتها التي لا يمكن وصفها. وبين برد الزمهرير البارد الذي يكسر العظام من قوة برده ويجمع لهم بين جميع الوان العذاب وبين عذاب بالحجاب عن ربهم وبين اليأس من رحمته. واخر امرهم العذاب المؤبد والشقاء السرمدي واما الجنة وما اعد الله فيها لاهلها من النعيم وما عليه اهلها من السرور القلبي والروحي والبدني فقد ذكر الله اوصاف الجنة مبسوطا مفصلا في كثير من الايات. واطلقه معمما شاملا في ايات مثل قوله تعالى لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد للذين احسنوا الحسنى وزيادة. وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين. واذا رأيت فثم رأيت نعيما وملكا كبيرا. وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعدنا واورثنا الارض نتبوأ من الجنة. نتبوأ من الجنة حيث نشاء. فنعم اجر العاملين. الى غير ذلك من الايات العامة. الشاملة لنعيم الابدان وسرور الارواح وافراح القلوب وشهوات النفوس مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ووصف نعيمها مفصلا فتقدم ذكر رؤية الباري الذي هو اعلى نعيم لاهل الجنة والتمتع بلقائه ورضوانه وسماع كلامه وخطابه. واخبر تعالى ان جميع اصناف الفواكه الموجودة في الدنيا موجود في الجنة ما يشبهها في الاسم فقط. لا في الحسين واللذة وطيب الطعم والتنعم بتناوله. وفيها اشياء ليس لها في الدنيا نظير. ولهذا قال فيهما من كل فاكهة زوجان. وقوله وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون. وذللت قطوفها اي ثمارها تذليلا. كقوله وجنى الجنتين دان. يتناوله القائم والقاعد والماشي وعلى اي حال. وان انهارها من تحتهم انهار من ماء غير اس وانهار من لبن لم يتغير طعمه. وانهار من خمر لذته للشاربين وانهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات. ووصف فروشهم ان بطائنها من استبرق وهو اعلى انواع الحرير. فكيف بالظهائر وان لباسهم فيها الحرير وحليهم الذهب والفضة واللؤلؤ وانواع الجواهر الفاخرة. وذلك شامل لذكورهم واناثهم وان ازواجهم الحور العين خيرات الاخلاق. حسان الاوجه. جمع الله لهن بين الحسن والجمال في الباطن والظاهر كأنهن الياقوت والمرجان من حسنهن وصفائهن. وانهن عرب متحببات الى ازواجهن بحسن التبعل. ولطف الاداب وحسن الحركات. والالفاظ الرقيقة والحواشي المليحة وانهن ابكار اتراب في غاية سن الشباب وقوته. وفي كمال الصفاء بينهن وعدم التباغض بل نزع الغل من صدور جميع اهل الجنة. اخوانا على سرر متقابلين وانهن مطهرات من جميع الافات. مطهرات من الادناس الحسية والادناس المعنوية كاملات مكملات. وانهن قاصرات طرفهن على ازواجهن. من حسن ازواجهن وعفتهن قاصرات طرف ازواجهن عليهن من جمالهن الفائق. الذي لا يبغي بعلها بها بدلا. ولا قولوا لو ان هذا الوصف اكمل من هذا. لانه يرى ما يحير لبه ويذهل عقله من الحسن الباهر والبهاء التام. وانهم في الجنة متعاشرون مع احبابهم واصحابهم يتزاورون تطارحون الكلام الطيب والاحاديث الشائقة. ويتذاكرون نعم الله والاء عليهم سابقا ولا ويسبحون الله بكرة وعشيا. وان الله نزههم من البول والادناس. وكل فيما لا تشتهيه النفوس. بل طعامهم وشرابهم يخرج عرقا اطيب من المسك الاظفر. وان الله جمع بينهم وبين من صلح من ابائهم وامهاتهم واولادهم وزوجاتهم ليتم نعيمهم وهذه الاية تجمع كل نعيم تتعلق به الاماني وتطلبه النفوس. وهي قوله تعالى قال ذواتا افنان وهي جمع فن لا جمع فننن. اي كل نوع وجنس من النعيم سرور موجود فيهما. حاصل على اكمل الوجوه واتمها. وتمام ذلك الخلود الدائم والنعيم المستمر والافراح المتواصلة التي تزداد على الدوام. فجميع ما ورد به الكتاب والسنة. من احوال دارين وتفاصيل ذلك كله. داخل في الايمان باليوم الاخر. والايمان باليوم الاخر على درجتين. احداهما التصديق الجازم الذي لا ريب فيه بوجود ذلك على حقيقته. فهذا لا بد فيه من الايمان. والدرجة الثانية التصديق الراسخ المثمر للعمل فان من علم ما اعد الله للطائعين من الثواب. وما للعاصين من العقاب علما واصلا الى القلب فلابد ان يثمر له هذا الايمان الجد في الاعمال الموصلة الى الثواب. والحذر من الاعمال الموجبة للعقاب. ومن اصول اهل السنة والجماعة ان الدين والايمان اسم يجمع اعتقادات القلوب واعمالها واعمال الجوارح. وانه يزيد وينقص ويتفاضل اهل الايمان فيه تفاضلا عظيما وجعلهم الله في كتابه ثلاث طبقات. سابقين الى الخيرات وهم الذين ادوا الواجبات مستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وفضول المباحات. واصحاب اليمين اقتصروا على اداء الفرائض واجتناب المحارم. وظالمين لانفسهم خلطوا عملا صالحا واخر سيئا. عسى الله ان يتوب قال تعالى واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا. فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا كانوا وهم يستبشرون. واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم الى ريجيسهم. وقوله ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ويزيد الله الذين اهتدوا هدى. والهدى هو علوم الايمان واعماله. والنصوص على هذا الاصل من الكتاب والسنة كثيرة جدا. وهو معلوم بالحس والوجدان. فان المؤمنين يتفاضلون في علوم الايمان قلة وكثرة وقوة يقين وضعفه. ويتفاضلون في اعمال القلوب التي هي روح الايمان وقلبه. مثل محبة الله وخوفه ورجائه. والتوكل عليه والانابة اليه والاخبات والخضوع والتعظيم هذا امر لا يمتري فيه من له ادنى عقل. ويتفاضلون في ما للجوارح كالصلاة والزكاة والصيام والحج. فارض ذلك ونفله. والقيام بحقوق الله وحقوقه لعباده من البر والصلة للاقارب والجيران والاصحاب. والاحسان الى الخلق تفاوتا عظيما فمن زعم ان الايمان لا يزيد ولا ينقص. فقد قال ما خالف النقل والعقل والحس والواقع حتى ولو فسره بمجرد التصديق فانه يتفاوت تفاوتا ظاهرا لكل احد تفرعوا على هذا الاصل ان العاصي وصاحب الكبيرة لا يخرج من الايمان بالكلية. ولا يعطى الاسم الكامل المطلق فهو مؤمن بما معه من الايمان فاسق ناقص الايمان بما تركه من واجبات الايمان ما معه من الايمان الذي لا يخالطه كفر يمنعه من الخلود في النار. واما الايمان المطلق الكامل فانه يمنع دخول النار بالكلية. وقد ذكرنا في القواعد ان اسماء المدح والثناء على المؤمنين وترتيب الثواب المطلق عليه. ونفي العقاب انما هو الايمان الكامل. وان خطاب الله للمؤمنين بالامر والنهي والتشريع يعم كامل الايمان وناقصه. ويتفرع ايضا على هذا الاصل ان ان العبد قد يجتمع فيه خير وشر. وايمان وخصال كفر او نفاق. وانه يستحق المدح على ما فيه من خصال الخير والذم على ما فيه من خصال الشر. ومن اصول اهل السنة والجماعة الايمان قضاء الله وقدره وهو داخل في الايمان به وبكتبه وبرسله. فيعلمون ان الله قد احاط كل شيء علما. وانه كتب في اللوح المحفوظ جميع الحوادث. صغيرها وكبيرها سابقها ولاحقها ثم قدرها واجراها بمواقيتها. بحكمته وقدرته وعنايته وتمام علمه وانه كما ان جميع الحوادث مرتبطة بحكمته وعلمه فانها مرتبطة بقدرته وانه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وان اعمال العباد كلها خيرها وشرها داخلة في قضائه وقدرته. مع وقوعها طبق ارادتهم وقدرتهم. ولم يجبرهم اليها فانه خلق لهم جميع القوى الظاهرة والباطنة. ومنها القدرة والارادة التي بها يختار وبها يفعلون. الاشارة الى ما في القرآن من براهين التوحيد. توحيد الالوهية العبادة لما كان توحيد الباري اعظم المسائل واكبرها وافرضها وافضلها الخلق اليه وضرورتهم فوق كل ضرورة تقدر. فان صلاحهم وفلاحهم وسعادتهم متوقفة على التوحيد نوع الله الادلة والبراهين على ذلك. وكانت ادلته واضحات. وبراهينه قطيعات فمن اوضح ادلته واجلاها الاستدلال على ذلك باعتراف الخلق برهم وفاجرهم الا شرذمة ملحدة معطلة للباري فالخلق كلهم مسلمهم وكافروهم قد اعترفوا بان الله هو الخالق وما سواه مخلوق. وهو الرازق ومن سواه مرزوق. وهو المدبر وما سواه مصرف مدبر وهو المالك وما سواه مملوك. فهذا يدل اكبر دلالة على انه لا يستحق العبادة سواه ولهذا يستدل به على المشركين ويأخذهم باعترافهم كقوله قل لمن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل افلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل افلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل فانى تسحرون. وايات كثيرة جدا فيها هذا المعنى لانه برهان واضح ينقل الذهن منه باول وهلة بان من هذا شأنه وعظمته انه هو المنفرد بالوحدانية المستحقة للعبودية واخلاص الدين له. ومن براهين التوحيد اخباره في عدة ايات ان جميع ما يعبد من دونه مخلوق. فقير عاجز لا يستطيع نفعا ولا دفعا ولا جلب خير لعابده. ولا وقاية شر ولا ينصر من عبده ولا انفسهم ينصرون ومن كان بهذه المثابة فمن السفه والحمق الجنوني عبادته وخوفه ورجاءه وتعليق القلوب به. وانما يجب تعليق القلوب بالغني المطلق. الذي ما بالعباد من نعمة ولا خير الا منه. ولا يدفع المكاره الا هو. وهذا ايضا برهان اخر انه لا يأتي بالحسنات الا هو. ولا يدفع السيئات الا هو. وهو وهو الذي يجيب المضطرين وينقذه المكروبين ويكشف السوء عن المضطهدين. وهو الذي جعل لعباده الارض قرارا اجرى لهم فيها انهارا. وجعلها مهادا مهيئة لجميع مصالحهم ومنافعهم. وانزل من السماء ماء فانبت به حبا ونباتا. وجنات الفافا وانبت به حبا وعنبا وقضبا. وزيت ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وابا متاعا لكم ولانعامكم. وهو الذي تطعم عباده ويسقيهم. واذا مرضوا يشفيهم. وهو الذي يحيي ويميت. واذا قضى امرا قال له كن فيكون. وهو الذي يطعم ولا يطعم. ويجير ولا يجار عليه ويغيث ولا يغاث. وهو الذي خلق الانسان وعلمه الكتابة والبيان. وعلم القرآن وجعل الشمس والقمر والكواكب للمصالح المتنوعة والحسبان. والسماء رفعها ووضع الميزان. وامر عباده وان يسلكوا طريق العدل. ولا يطغوا في الميزان. وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه. وهذا ملح اجاج. ومن كل تأكلون لحما طريا منه حلية تلبسونها. وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وهو الذي سخر لعباده جميع ما في السماوات والارض واسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة واتاهم من كل لما سألوه بلسان المقال ولسان الحال. وهو الذي جعل لهم الليل لباسا والنهار معاشا. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله. ولتبتغوا من فضل فضله ولعلكم تشكرون. وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا. وجعله هم شعوبا وقبائل ليتعارفوا. وهو الذي جعل لهم السمع والابصار والافئدة. والقوى الظاهرة والباطنة وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر. وهو الذي بيده الملك والحمد وبيده الخير ويعز ويذل ويعطي ويمنع ويقبض ويبسط. وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده. وهو اهون عليه وله المثل الاعلى. وهو الذي جعل لعباده الانعام فمن ها ركوبهم ومنها يأكلون. ولهم فيها منافع ومشارب. وتحمل اثقالهم الى بلد لم يكونوا بلغيه الا بشق الانفس. والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة. ويخلق ما لا تعلمون وهو الذي اوحى الى النحل ان اتخذين الجبال بيوتا. ومن الشجر ومما يعرشون. الايات وهو الذي خلق لكم من انفسكم ازواجا. وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة. ورزقكم من وهو الذي جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جنود الانعام بيوتا تستخفون يوم ظعنكم ويوم اقامتكم. ومن اصوافها واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين وهو الذي خلق لكم من الجبال اكنانا وجعل لكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا تتزينون به والذي جعل لكم المساكن كفاتا احياء في الدور وامواتا في القبور. الم نجعل له عينين لسان وشفتين وهديناهن نجدين. الم نخلقكم ماء مهين فجعلناه في قرار مكين. الى قدر معلوم. فقدرنا فنعم القادرون. الم يتفضل بما هو اعظم من ذلك؟ بالنعم الدينية والاخروية التي هي السبب في السعادة الابدية. الم يمن على المؤمنين بالاسلام والايمان؟ ويبعث فيهم رسولا يتلو عليهم اياته. ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. ويزكيهم ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. الم يوضح لهم الصراط المستقيم؟ ويكمل لهم الدين ويمن عليهم بالهداية التامة. هداية التعليم والتفهيم والارشاد. وهداية التوفيق والعمل والانقياد الم يخرجهم من ظلمات الجهل الى نور العلم ومن ظلمات الكفر الى نور الايمان ومن ظلمات المعاصي الى نور الطاعة. ومن ظلمات الغفلة الى نور الانابة اليه وذكره. الم ييسره لليسرى ويجنبهم العسرى. الم يحبب اليهم الايمان ويزينه في قلوبهم اكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان. ويجعلهم من الراشدين فضلا منه ونعمة. والله عليم حكيم الم يعصمهم من موبقات الاثام؟ ويحفظهم من فتن والشكوك والشبهات الاوهام الم يفتح لهم ابواب التوبة والرحمة ويأمرهم بالاسباب التي يدركون بها رحمته وينجون بها من عقابه. الم يجعل الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة والسيئة بواحدة. ومآلها العفو والصفح والغفران. وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم. قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. ان ان الله يغفر الذنوب جميعا. انه هو الغفور الرحيم. واني ل غفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى. الم يكن فضله وكرمه ورحمته في جميع الامور. سابقا وغالبا ان رحمتي سبقت غضبي وفي لفظ غلبت. فللرحمة السبق والاحاطة والسعة. ولها الغلبة بحيث يضمحل معها اسباب العقول كما تقدم في الحسنات والسيئات. وان العبد لو افنى عمره في المعاصي ثم في ساعة واحدة قبل ان يغرغر تاب واناب غفر له كل ذلك وابدل سيئاته حسنات. وان ادنى مثقال حبة خردل من ايمان يمنع الخلود في النار. وان الكفار والفجار واصناف العصاة يبارزون المولى بالمخالفات والعظائم وهو يعافيهم ويرزقهم ويدر عليهم النعم ويستعتبهم. ويعرض التوبة ويخبرهم انهم ان تابوا عفا عنهم وغفر لهم. حتى اذا ماتوا وهم كفار ولم يكن فيهم من الخير مثقال ذرة. والله ما تولوا لانفسهم. ورضوا لها من الشقاء الابدي واذا كان جميع ما فيه الخلق من النعم والافراح والمسرات اسبابها ومسبباتها الظاهرة منها والباطنة الدينية والدنيوية كلها من الله. وهو الذي تفضل بها من غير سبب منه فان حصل بعض الاسباب الواقعة من الخلق التي ينالون بها نعمه ورحمته. فتلك الاسباب هو الذي اعطاهم اياها. فمنه كل شيء محبوب. وجميع الشرور والمكاره هو الذي دفعها ويسرها ودفعها فمن كان هذا شأنه العظيم وخيره الجسيم. اليس هو الذي يستحق ان يبذل له خالص العبودية وصفو الوداد واحق من عبد واولى من ذكر وشكر فتبا لمن به من هو مضطر اليه في كل احواله. فقير في جميع اموره. ومن براهين التوحيد ما يصف الله به الاوثان ومن عبد من دونه من النقص العظيم. وانها فاقدة للكمال وربما كانت فاقدة ايضا للاقوال والافعال. وانها لا تخلق ولا ترزق باعتراف عابديها. وليس ليس لها ملك ولا شريكة في الملك. وليس لها مظاهرة لله ولا معاونة بوجه من الوجوه وليس الله محتاجا اليها ولا الى غيرها. بل هو الغني الحميد. والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. ولا يملكون لهم نفعا ولا ضرا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ولا ينصرونهم ولا انفسهم ينصرون. ومن اضل ممن يدعو من دون الله في من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم وهم عن دعائهم غافلون واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه. ضعف الطالب والمطلوب قلوب ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم. فدعوهم فليستجبوا استجيبوا لكم ان كنتم صادقين. الهم ارجل يمشون بها؟ ام لهم اي يبطشون بها. ام لهم اعين يبصرون بها؟ ام لهم اذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدوني فلا تنظرون. افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى. مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا. وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون. الى غير ذلك من الصفات الناقصة التي وصف الله بها كلما عبد من دونه. وهي معلومة حتى عند العابدين لها. ولكنهم رمون الزعم الباطل انهم يريدون ان تشفع لهم او تقربهم اليه زلفى. وهذا القصد الخبيث واعظم مبعد لهم عن الله. فانه لا يتقرب اليه الا بما يحب. ولا يتوسل اليه الا الايمان والتوحيد الخالص. والاعمال الخالصة لوجهه. ومن تقرب اليه بالشرك لم يزدد منه الا بعدا. وبذلك قطع الصلة بينه وبين ربه. فاستحق الخلود في النار وحرم الله عليه الجنة ومن براهين التوحيد ايامه بين عباده واكرامه للرسل واتباعهم الذين قالوا قاموا بتوحيده. وان جاؤهم من الشرور والعقوبات. واحلاله المثلات بالامم المشركة بالله المستكبرة عن عبادة الله المكذبة لرسل الله لما حذرهم وانذرهم اقام عليهم الحجج المتنوعة والايات المفصلة. على توحيده وصدق رسله فكذبوا فاوقع بهم انواع العقوبات المتنوعة. فكلا اخذنا بذنبه. فمنهم من ارسلنا عليه حاصبا ومنهم من اخذته الصيحة ومنهم من خسفنا. ومنهم من خسفنا هذه الارض ومنهم من اغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم فهم يظلمون. ثم خاتمة ذلك ما نصر به خاتم رسله. محمدا صلى الله عليه وسلم حين بعثه بالتوحيد الخالص والنهي عن الشرك. فقاومه اهل الارض الاقربين منهم والابعدين ومكروا في نصر باطلهم وابطال الحق الذي معه المكرات العظيمة. فخذلهم الله ونصر نبيه واتباعه النصر الذي لا مثيل له. ان في ذلك لاية على ان دين الله الذي هو التوحيد والايمان هو الحق. وان ما يدعون من دونه هو الباطل. وان رسوله هو الصادق الامين. وان جميع مع من عاداه لفي اعظم الغي والضلال والشقاء. ومن البراهين على التوحيد وعلى صدق الرسول صلى الله عليه عليه وسلم وهو داخل في الايمان بالله ورسوله والايمان بالغيب. ما قصه الله في كتابه من الغيوب الماضية والحاضرة والمستقبلة. التي لا تزال تحدث شيئا فشيئا طبق ما اخبر به القرآن فمن ذلك ما اخبر به عن تفاصيل الوقائع الماضية في قصص الرسل في انفسهم ومع اقوامهم من اتباعهم واعدائهم تفصيلا ليس لاحد طريق الى تحصيله الا الوحيد الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ونهاية ما عند خواص اهل الكتاب من تلك التفاصيل نتف وقطع لا يحصل منها قريبا مما يحصل بالقرآن. ولهذا يخبر في اثناءها هذه القصص ان اتيان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بها دليل على رسالته قوله بعدما ذكر قصة موسى مبسوطة وما كنت بجانب الغربي اذ قضينا الى موسى الامر وما كنت من الشاهدين. ولكن انشأنا قرونا فتطاول العمر وما كنت ساويا في اهل مدينة تتلو عليهم اياتنا ولكن ولكن كنا مرسلين. وما كنت بجانب الطور اذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنظر قوما. لتنذر قوما ما اتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون. اي انه لا سبيل لك الى معرفة في هذه الامور بتلق عن احد ولا وصول لذلك الا من جهة الوحي الذي اوحاه اليه وكذلك ذكر الله هذا المعنى في اخر قصة يوسف المطولة في قوله وما كنت لديهم اذ اجمعوا امرهم الاية. وفي قصة مريم وزكريا وما كنت لديهم اذ يلقون ايهم يكفل مريم وما كنت لديهم. وما كنت لديهم اذ يختصمون فكل هذا يدل اكبر دلالة على رسالة وصحة ما جاء به من التوحيد. حيث جاء هم هذه الامور المفصلة بطريقة لا سبيل اليها الا بالوحي. ومثل ذلك خبره عن الملائكة والملأ الاعلى وقصة ادم وسجود الملائكة له بعد تلك المراجعات فقال ما كان لي من من بالملأ الاعلى اذ يختصمون. واعظم من ذلك كله واجل اخباره صلى الله عليه وسلم عن الرب العظيم وقصه لصفاته العظيمة مفصلة. بحيث جاء هذا القرآن بما لم يأتي به كتاب قبله. واخبر عن الله اخبارا عظيمة. عجزت قدر الاولين والاخرين ان يأتوا بما يقاربها او بما ينقضها او ينقض بعضها. فجميع الكتب السماوية المنزلة على الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين. جميع ما فيها من الخبر عن الله فانه في القرآن وفي القرآن زيادات عظيمة. وتوضيحات تدل اكبر دلالة على ان من جاء به. امام الرسل وسيد الخلق. وان هذا القرآن مهيمن على ما قبله من الكتب. وان كل حق قاله وتكلم به احد من الخلق فهو في ضمن القرآن. فان قيل فكيف تجعلون هذا البرهان الذي هو الخبر عن الله وعن كماله ونعوت جلاله. من رسالة محمد وادلة التوحيد. وانتم في مقام التكلم مع الموافق والمخالف والمعترف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والمنكر لها. وذلك من امور الغيب التي لا يعترف بها الا كل مؤمن وانتم تريدون جعله برهانا. يسلم بصحته حتى المخالفون المنكرون لرسالته. اذا سلكوا طريق الانصاف والاعتراف بالحقائق الثابتة. التي يسلمها جميع العقلاء المعتبرين. قيل في الجواب عن هذا الايراد هذا البرهان يتضح وينجلي بامور. منها ان الذي جاء به رجل امي لا يقرأ ولا يكتب. وقد نشأ بين اميين لم يجالس احدا من اهل العلم. ولم ادرس كتابا ولم يزل على هذه الحال حتى جاء بهذا الكتاب. الذي معظمه هذه الجليلة المتناسبة المحكمة. فبمجرد النظر الى هذه الحالة التي عليها محمد صلى الله عليه وسلم واتيانه بهذا الكتاب برهان قوي يضطر اليه الناظر انه حق. وما احتوى عليه حق وانه لا سبيل له الى ذلك الا بالوحي والرسالة. ثانيا انه صدق جميع كتب وجميع ما اخبرت به الرسل فجميع ما في كتب الله من التوحيد والصفات وما اخبرت به عن ذلك فما جاء به محمد يصدق ذلك ويوافقه. ويشهد له مع ما هو عليه صلى الله عليه عليه وسلم من الوصف المذكور. ثالثا ان هذه الاسماء الحسنى والصفات العليا التي اخبر بها عن الله كلها متصادقة. يصدق بعضها بعضا. ويناسب بعضها بعضا حيث دل كل معنى منها على الكمال المطلق. بكل وجه وبكل اعتبار. الذي لا كمال فوقه بل لا يمكن عقول العقلاء ان تتصور معنا واحدا من معاني تلك الاوصاف. فهذا اكبر دليل على انها حق وان من جاء بها هو رسول الله حقا. رابعا ان اثارها ومتعلقات في الوجود والخلق والامر مشهودة محسوسة. فاثار ما اخبر به من العظمة والملك والسلطان واثار ما اخبر به من العلم المحيط والحكمة الواسعة واثار ما اخبر به من الرحمة والجود كرم واثار ما اخبر به من اجابة الدعوات وتفريج الكربات وازالة الشدات. واثار ما اخبر به من كمال القدرة ونفوذ الارادة وكمال التصرف والتدبير الى غير ذلك مما اخبر به عن الله فان اثاره تلك في الوجود مشهودة لكل احد. لا ينكرها او يتوقف فيها الا مكابر فهو يخبر صلى الله عليه وسلم عن غيب محكم. يشاهد الخلق من اثاره ما يدلهم دلالة قاطعة على ذلك. خامسا هذه النعوت العظيمة التي اخبر بها عن الله لا يمكن التعبير عن اثار معرفتها في قلوب العارفين بها. من التعظيم والاجلال الذي ليس له نظير من الود والسرور والابتهاج الذي لذات الدنيا بالنسبة اليه اقل من قطرة بالنسبة الى البحر وهم خلق لا يحصي عددهم الا الذي خلقهم. وهم علية الخلق وخلاصة الوجود. واكمل الناس وادابا وارجحهم عقولا واصوبهم الا وقد اتفقوا على هذا الامر العظيم. ليس اتفاقا علميا فحسب بل هو اتفاق اعتقادي علمي يقيني وجداني ضروري فهذا الاتفاق الذي ليس له نظير وهو من اثار ما اخبر به النبي محمد صلى الله عليه عليه وسلم عن ربه من الكمالات. من اعظم البراهين على صدق رسالته. وصحة ما جاء به من التوحيد الخالق خالص فان قلت قد يتفق طوائف من الخلق على بعض الامور التي ليست بحق ويكثرون جدا وقد اتفق العقلاء على ان ذلك ليس دليلا على صوابهم. ان لم يكن لهم بذلك برهان. فالجواب ان الامر كذلك. ولكن ما ذكرنا من اتفاق اهل المعرفة بالله لا يشبهه شيء من تواطؤ الطوائف واتفاق كما ذكرنا انه مبني على العلم اليقيني والبرهان الوجداني. والاثار الجميلة الجليلة التي لا يمكن ان تقع خطأ. او عن غير بصيرة. وهم بهذا الوصف الذي ذكرنا ولهذا قال تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قال قائما بالقسط. لا اله الا هو العزيز الحكيم. فذكر شهادة اولي البصائر من الانبياء والعلماء الربانيين على التوحيد. وانها من اعظم البراهين عليه. وكذلك عن الملائكة والجنة والنار وتفاصيل ذلك بامور يعلم انه لا يمكن ان يأتي بها الا نبي المرسل نوحا اليه من الله بذلك. فمعارف الخلق وعلومهم تقصر غاية القصور عن بيان بعض لذلك ولكنها رحمة الله وهدايته لعباده بعثها على يد خاتم الرسل واكمله رسالة وحظهم من هذه الرحمة بحسب نصيبهم من هذه الهداية. واما الغيوب حاضرة والمستقبلة الدال كل واحد منها على صدقه وحقية ما جاء به. فكيف بجميعها فكيف اذا انضمت الى براهين رسالته التي لا تحصى اجناسها. فضلا عن افرادها. فمن ذلك ما في القرآن من وعده لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ان يتم الله امره وينصره ويعلي دينه ويظهره على الدين كله. ويخذل اعداءه ويجعلهم مغلوبين مقهورين اذى اللين وهذا كثير جدا. مثل قوله تعالى هو الذي ارسل رسوله الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. والله متم نوره ولو كره الكافرون. وينصرك الله نصرا عزيزا. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون يا ايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين. الى غير ذلك من الايات التي اخبر بها بهذه الامور العظيمة والاوعاد الصادقة. التي وقعت طبق ما اخبر الله به ازداد بذلك المؤمنون ايمانا. ولهذا يذكر تعالى نعمته في قوله تذكيرا لعباده المؤمنين واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس فاواكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون وكذلك قوله يا ايها النبي قل لمن في ايديكم من الاسرار اه ان يعلم الله في قلوبكم خيرا. ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتى خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم. والله غفور رحيم. وقد فعل على ذلك وقوله لرسوله والمؤمنين وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذ فعجل لكم هذه. الاية وقد فعل واخبر ان صلح الحديبية فتح مبين. مع ما فيه من تلك الشروط التي كرهها اكثر المؤمنين. ثم تبين لكل احد بعد ذلك انه فتح مبين فيه من المصالح للاسلام والمسلمين ما لا يمكن احصاؤه. ومن ذلك قوله يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامه هذا وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله اية وقد وقع ذلك كله. واخباره انه سيتوب على كثير من ائمة الكفر وينصر عباده عليهم كقوله قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ويخزهم وينصركم عليهم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين. ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء. وقوله ليس لك من الامر شيء او يتوب عليهم. وقوله عسى الله ان يجعل بينكم وبين الذين منهم مودة. والله قدير والله غفور رحيم. وقد فعل ذلك وقوله تعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم. وقد قالوا ذلك. وقوله فسيكفيكهم الله والله يعصمك من الناس. اليس الله بكاف عبده؟ واذ يقول الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله. والله الله خير الماكرين. انهم يكيدون كيدا. واكيد كيدا فمهل الكافرين امهلهم رويدا. وقد اوقع بهم مصداق ذلك من الاخذات ما اوقع وقوله وللاخرة خير لك من الاولى. اي كل حالة متأخرة من احوالك خير لك من سابقتها. ومن تتبع سيرته واحواله صلى الله عليه وسلم وجد ذلك عيانا كل وقت خير مما قبله في العز والتمكين واقامة الدين الى ان قال له في اخر اخر حياته اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. وقال تعالى الف لام ميم غلبت الروم. في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين. وقد وقع ذلك كما اخبر. وقال تعالى وسيعلم الذين ظلموا وسيعلم الكفار لمن عقب الدار. وهذا وعيد بان ان عواقبهم ستكون وخيمة. فوقع طبق ما اخبر. وقوله فستبصر ويبصرون بايكم المفتون. وقد ابصر كل احد انهم هم المفتونون. وقوله فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا. سيجعل الله بعد عسر يسرا. وقد يسر الله الامور بعد بعد عسرها ووسعها بعد ضيقها وشدتها. وقوله وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف. كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم. وليمكنن لهم انهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا. يعبدون دونني لا يشركون بي شيئا. الايات وقد فعل وله الحمد. ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون. وقال تعالى قل مخلفين من الاعراب ستدعون الى قوم اولي بأس شديد تقاتلونهم او يسلمون وقد دعوا لذلك في وقت ابي بكر وعمر والخلفاء والملوك الصالحين. وقوله انا لننصر رسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد وكان حقا علينا نصر المؤمنين. اذن للذين يقاتلون لانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير. وقوله لقد اتقى الله رسوله الرؤيا بالحق. لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله امنين محلقين امنين محلقين رؤوسكم ومقصرين. الاية وقوله سيقول المخلفون الاية وقوله سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم تعريب عنهم. وقد قالوا ما ذكر الله انهم سيقولونه. وقوله تعالى ام يقولون نحن جميع منتصر. سيهزم الجمع ويولون الدبر. وقد وقع ذلك في بدر بعد هذا الكلام. ومن ذلك قوله تبت يدا ابي لهب وتب ما اغنى عنه ماله وما كسب. سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب. في جيدها حبل من مسد. وقوله ذرني ومن خلقت وحيدا. الى قوله ساصليه سقر. الايات فاخبر عن ابي لهب وامرأته وعن هذا الوحيد بصلي النار ومن لازم ذلك بقاؤهم على كفرهم وتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم. فوقع وبقوا على ذلك حتى هلكوا. وقوله انا كفيناك المستهزئين. فوعده بكفايته اياهم فاوقع بهم العقوق المتنوعة وهي معروفة بين اهل السير. وقوله لما ذكر مكر رؤساء الكفر جند ما هنالك مهزوم من الاحزاب وقوله فدرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون. وقوله في ايات ادي فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار. فاخبر انهم لن يفعلوا في المستقبل اقبلي فلم يفعلوا. وكذلك في تحدي اليهود قل ان كانت لكم الدار الاخرة وعند الله خالصة من دون الناس. خالصة من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين. ولن يتمنوه ابدا الاية فلم يقع منهم التمني في وقت التحدي. الذي دل عليه السياق. وقوله تعالى اذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله فسبح بحمد ربك واستغفره. انه كان توابا. فاخبره بعدة اشياء قبل وقوعها بمجيء نصر الله والفتح ودخول الناس في دين الله افواجا وانه عند ذلك قد حان اجلك وقربت وفاتك. فاختم حياتك شريفة بالتسبيح والحمد والاستغفار. وقوله ان شانئك هو الابتر. اي مقطوع ذكري الجميل مقطوع من الخير ووقع ذلك. وقوله قل هل تربصون بنا ان احدى الحسنيين ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده او من عنده او بايدينا فتربصوا انا معكم متربصون وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا وقل ربي ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. وقد فعل تعالى ذلك تعالى قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وهذا خبر منطبق على مخبره في جميع الاوقات. وقوله انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. وهذا شامل لحفظ الفاظه ومعانيه. بحيث لا فيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد. وحفظه مشاهد محسود وقوله يا ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف فيأتي الله فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة المؤمنين اعزة اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل سبيل الله. يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم وقد فعل ذلك وقوله واية لهم انا حملنا ذرية وهم في الفلك المشحون. وخلقنا لهم من مثله ما يركبون والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة. ويخلق ما لا تعلمون وهذا شامل لخلق ما لا يعلمه العباد في تلك الاوقات الماضية. مما لم يشاهدوا له نظيرا. فيدخل فيه جميع المخترعات التي حدثت. والتي تحدث الى يوم القيامة من المراكب البرية والبحرية والهوائية. وما خلقه وعلمه الانسان. بواسطة الكيمياء والكهرباء من المخترعات المدهشة. ونقل الاصوات والانوار من الاماكن الشاسعة في اسرع وقت وهذا من الآيات والبراهين التي دل عليها القرآن حيث لا يحدث حادث جليل او حقير كبير او صغير الا وفي القرآن تصريح به. او ادخاله في عموم او مفهوم وانه لم يأتي ولن يأتي علم صحيح. ولا حادث حقيقي ينقض شيئا من ادلة القرآن فانه تنزيل من حكيم محيط علمه بكل شيء. نفذت ارادته ومشيئته في كل شيء وقوله تعالى قل هو القادر على ان يبعث عليكم تاب من فوقكم او من تحت ارجلكم او يلبسكم شيعا. او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض. وقد وقعت القنابل المهلكة الناسف لمن باشره او قرب منه. والدخان الخانق وما اشبه ذلك وهذا ينطبق على موصوفه غاية الانطباق. وفيه التنبيه على حدوث الالات المقربة للمواصلات كما بسطنا ذلك في مواضع اخر. فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب اليم. وقد ذكر الله التنادي بين اهل الجنة واهل النار مع البعد المفرط والتراء وقد اظهرت المكتشفات الكهربائية كيماوية مصداق ذلك. بعدما كان كثير من المكذبين يسخرون باخبارات الرسل في هذا الباب استبعدونها فاظهر الله في هذه الاوقات من البراهين ما يكذب المكذبين الجاحدين وهذا من مصداق قوله تعالى سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق. فلم يزل يري عباده ويحدث لهم من البر الدالة على صدق الرسل. وان ما جاءوا به هو الحق. وما خالفه هو الباطل. ولا لكن ابا المباهتون المكابرون الا عتوا ونفورا. ومن ذلك قوله تعالى وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس. وقوله علم الانسان ما لم يعلم. فهذه المنافع التي علمها الله الانسان فلم يزل يفرعها الانسان ويرقيها حتى وصلت الى ما وصلت اليه. وهو جاد في طريقه في تنمية الصناعات والمخترعات وذلك كله داخل في تعليم الله له. والهامه وايجاده تبارك وتعالى المنافع والقوى في مخلوقاته. فالله تعالى هو الذي اوجد فيها القوى الصالحة لايجاد المخترعات النافعة منها والله هو الذي علم الانسان ذلك. وذلك من اياته في الافاق وفي النفوس الدالة على ان ما جاء به الرسول حق. وان لم يهتد لذلك اكثر خلق ضلالا عن الادلة الحقيقية او عن وجه دلالتها. او لقيام عقائد باطلة صارفة وصادفة عن الحق ومن ذلك اخباره ان سنته في خليقته في نظام العالم وفي الاسباب والمسببات والجزاء بالحسنى وبالسوء واحدة لا تتغير ولا تتبدل وهي كلها جارية على مقتضى الحكمة التي يحمد عليها وهذا شرعا وقدرا. وقد يري عباده تعالى انه يغير بعض المخلوقات قاطعا نظامها المعتاد ليعرف العباد انه المتفرد بالقدرة والتصرف. وان جميع الحوادث خاضعة لمشيئته وقدرته. وان ما اخبرت به الرسل من امور الغيب كلها حق. ولكن ابا الا ان ينكروا ما كان الله اخبر به على السنة رسله. مما كانوا الان يعقلونهم نظيره فانقلب عليهم الامر وقلب الله قلوبهم كما لم يؤمنوا به لما جاءهم استكبروا بعقولهم على الحق. ومن اعظم علوم الغيب التي اخبر بها القرآن وابداها واعادها انه اخبر انه لا سبيل الى صلاح البشر. وسعادتهم وفلاحهم في الدنيا والاخرة الا باتباع هذا الدين والاخذ بارشاده وهدايته. وهذا امر لا يستريب فيه احد فان هذه الامة في عصر الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين. لما كانوا مهتدين بعلمه وارشاده وتربيته الخاصة والعامة. صلحت دنياهم كما صلح دينهم. وصاروا المثل الاعلى في القوة والعزة والعدل. والرحمة وجميع الكمالات المستعد لها البشر. ثم لما ضيعوا هداية العلمية والعملية تحللوا وانحلوا ولم يزالوا في نقص وضعف وذلة حتى يراجعوا دينهم ثم في مقابلة ذلك من العجب العجيب الذي ليس بغريب ارتقاء الامم الاخرى في هذا الاوقات في الصناعات المدهشة. والاختراعات الخارقة المعجزة والقوة الضخمة. انهم لم يزدادوا بها لا شقاء حتى صارت حضارتهم التي يعجبون بها ويخضع لها غيرهم مهددة كل وقت بالتدمير العام. وجميع ساستهم وعلمائهم في حيرة عظيمة من تلافي هذا الخطر ولن يتلافى الا باتباع ما جاء به القرآن. والاسترشاد بهدي محمد صلى الله عليه وسلم الجامع بين العلم والعمل والعدل. والرحمة والحكمة ومصلحة الروح والجسد. واصلاح الدين والدنيا والاخرة فالعلوم المادية والقوة المادية المحضة. ضررها اكثر من نفعها وشرها اكثر من خيرها. حيث لم تبنى على الدين الحق. وانظر بعينك ترى العجائب. فهذا الارتقاء المادي الذي لم يشاهد العالم له نظيرا. اذ خلا من روح الدين هو الحبوط والهبوط حقيقي والدنيا الان كلها في خطر مزعج لا يعلم مدى ضرره وفضائعه الا الله تعالى ومن براهينه التي وقعت مطابقة للواقع والحس والتجارب. انه اخبر انه ايات لاولي الالباب. لقوم يعقلون ولاولي النهى. وهي ايات كثيرة تبين ان اهل العقول وباب البصائر بقدر ما اعطوا من هذه النعمة الكبرى من العقل الرصين واللب الكامل والرأي الصائم يكون حظهم من هدايته وارشاداته والانتفاع به. فتأمل هداة هذه الامة وائمة ومرشديها هل تجد اكمل منهم عقولا والبابا واصوب اراء وتأمل هل يوجد مسألة صورية او فروعية في هذا الدين قد شهد احد من العقلاء المعتبرين على فسادها او نقصها وكل من قدح في شيء منها بين بالبراهين المعترف بها بين العقلاء ان الخلل في عقله ولب به وفهمه او في قصده وارادته. واذا اردت تفصيل هذه الجملة العظيمة فاقرأ كتاب العقل والنقل لشيخ الاسلام والمسلمين ابن تيمية. وكيف برهن بالبراهين العقلية على ضعف عقول القادحين في شيء من هذا الدين. وان ما زعموه عقليات جهليات وخرافات وقد تحدى الباري جميع الناس ان يأتوا بمثله. او ببعضه او بعشر سور او بسورة من مثله وهذا هو عين هذه المسألة. ومن ذلك ما ذكر الله من احكامه لكتابه. وانه لا يأمر الا بكل معروف وصلاح. ولا ينهى الا عن المنكر والفساد. وقد استمرت له هذه وصاف الجليلة في كل وقت وزمان. وجرت ارشاداته الجميلة صالحة لجميع الاوقات والاحوال الاشخاص فليرنا المنكرون حكما واحدا من احكامه مخالفا لهذا الوصف الذي اخبر به حين انزاله وتحقق تحققا لا ينكره الا مباهت او مقلد له. فهو الذي يصلح لكل وقت ولا يصلح الامم اصلاحا حقيقيا سواه. وقد اكمل الله به الدين واتم به النعمة وقد تحقق هذا بتكميله العقائد والاخلاق والاعمال والاحوال كلها الدنيا والدين وكل قصور وتقصير حاصل في كل وقت. فلفقده او نقصه هذه الجمل والاصول العظيمة نتحدى بها جميع البشر. وانه جاء بجميع المحاسن والمصالح الظالمة والباطنة. ونهى عن القبائح والمضار الظاهرة والباطنة. فليأتوا بمثال واحد صحيح مخالف لهذه الاصول التي اسسها القرآن. وجعلها قواعد يهدي بها البشر على توالي الزمان هذا اشارة لطيفة في اخبار القرآن عن امور محسوسة مشاهدة بالابصار. قد وقعت طبق ما اخبر به اما اخباره بما تفعله هداية القرآن في القلوب والارواح والاخلاق. ووجود مخبره كما وصف فاكثروا من ان يذكر واعظم من ان يذكر. ويعرفه اولو الالباب والبصائر. والاهتداء التام بهدايته العلمية والعملية. وهم ازكى الناس واعدل الخلق شهادة. وشهادة عن علم ويقين ووجدان وحق يقين. فمن ذلك اخباره انه يهدي بكتابه من اتبع رضوانه سبل السلام وقال والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فمن جمع بين هذين الوصفين وهما الاجتهاد التام وبذل المجهود مع حسن القصد لطلب رضوان الله هداه السبيل الموصلة اليه والى دار كرامته. وحصول الهداية العلمية وهي العلم نافع والهداية الفعلية هداية التوفيق لاتباع الحق. لازمة للاجتهاد وحسن القصد لا تتخلف عنهما فمن عدمت هدايته او ضعفت فلفقدهما او فقد احدهما او ضعفهما. وقالت تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم. ولنجزين انهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. وهذا مشاهد لاهل البصائر. ان من جمع بين الايمان الصحيح والعمل الصالح. وهو ما يحبه الله ويرضاه. ان الله سيحييه في هذه الدار حيث حياة طيبة. واصل الحياة الطيبة طيب القلب وراحته وسروره. والقناعة والرضا عن الله فلو كان المؤمن الصادق في اضيق عيش لكانت هذه الحياة الطيبة حاصلة له. بوعد عبد الله الصادق الذي لا يخلف الميعاد. وقال تعالى الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله. الا بذكر الله تطمئن القلوب. وحصول طمأنينة وبالمؤمنين الصادقين بذكر الله والانس به وعبادته. امر لا يمتري فيه احد من اهل الذوق والوجد وما يجده اهل الاحسان الصادقون من ذوق حلاوة الايمان وحقائق اليقين والانس بذكر الله والطمأنينة به والاحوال الزكية والشواهد المرضية. على ما اخبر به الرسول اجل واعظم من كثير من البراهين الحسية. فانهم وصلوا في هذه الامور الى حق اليقين الذي هو اعلى مراتب اليقين والحق. وقال تعالى ومن يؤمن بالله فهي اهد قلبه. فقد تكفل الله بهداية القلوب. لكل مؤمن صادق الايمان. وانما كونوا مؤمنا حقا اذا حقق اصول الايمان وكان ايمانه بالمأمورات يطلب منه امتثالها المنهيات يقتضي خوفه تركها. وايمانه بالقضاء والقدر. يعلم ان المصائب من عند الله عزيزي الحكيم الرحيم فيرضى بذلك ويسلم. وهذا امر معلوم لاهل الايمان الصحيح. ومن ذلك جميع ما نذكره في دلالة القرآن على الاخلاق الجميلة الحميدة والامر بها ونهيه عن الاخلاق الرذيلة. فهذا من براهين التوحيد والرسالة. وصحة جميع ما جاء به محمد صلى الله عليه عليه وسلم. النوع الثاني من علوم القرآن ومقاصده. علم الاية الاداب والاخلاق الكاملة. القرآن الكريم كتاب تعليم وارشاد. وكتاب تربية على اكمل الاخلاق واحسن الاداب واسمى الاوصاف. وحث عليها بكل وسيلة. وججر عن ضدها لا يوجد خلق كامل الا وقد دل عليه القرآن. ولا ادب حميد الا وقد دعا اليه وبينه. والاخلاق الكاملة والاداب السامية تجعل صاحبها مستقيم الظاهر والباطن معتدل الاحوال مكتمل الاوصاف الحسنة. طاهر القلب نقيه من كل درن وافة ونقص. قوي القلب قلبي متوجها قلبه الى اعلى الامور وانفعها. قائما بالحقوق الواجبة والمستحبة. محمودا عند الله وعند خلقه قد حاز الشرف والاعتبار الحقيقي وسلم من كل دنس وافة. قد خاطئ ظاهره وباطنه على الاستقامة. وسلوك طريق الفلاح وعلو مكانة المتخلق اخلاق القرآن وادابه. لا يمتري فيه من له ادنى مسكت من عقل. لان العقل من اكبر الشواهد على حسن ما جاء به الشرع. ولهذا ينبه الله اولي العقول والالباب. ويوجه اليه الخطاب لانه كلما كمل عقل الانسان عرف كمال ما جاء به الشرع. وانه يستحيل وجود قانون او نظام او غيرها يقارب ما جاء به القرآن كمالا وفضلا. ورفعة وعلوا نزاهة ويعرف ذلك بتتبع ما جاء به القرآن. فمن اخلاقه وادابه التي فاقت جميع الاخلاق الحث على الاخلاص لله في الاقوال والافعال. والانابة الى الله في جميع الاحوال كما امر الله بالاخلاص في ايات عديدة. واثنى على المخلصين والمنيبين واخبر انهم المنتفعون بالايات. فالانابة هي انجذاب القلب. واقبال التام على الله. ويتحقق ذلك بالاخلاص لله. في كل ما يأتي العبد وما يذر. في معاملته لله والقيام بعبوديته. وفي معاملته للخلق والقيام بحقوقهم اصل استقامة القلب بهذين الامرين. فان المنيب المخلص لله تعالى قد استقام على الصراط مستقيم. وقد تواطأ ظاهره وباطنه على الخير المحض. وقد سهلت عليه الاعمال بما في قلبه من قوة الانابة. وما يرجو من ربه من جزيل الثواب. ولا يخفى ان النصيحة هي الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة ثلاثة لا يمكن وجودها ولا تمامها الا بهذين الامرين. فالمنيب المخلص لله تجدوه الا ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم. قال تعالى انا وانيبوا الى ربكم. منيبين اليه. ان في لاية لكل عبد منيب. وجاء بقلب منيب وقال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين الا لله الدين الخالص. وقال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والانصار افضل هذه الامة. يبتغون فضلا من الله ورضوانا وقال تعالى لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس. ومن يفعل ذلك ابتغاء رأى مرضاة الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما. فالمخلص لله قد علق قلبه باكمله ما تعلقت به القلوب من رضوان ربه وطلب ثوابه وعمل على هذا المقصد الاعلى فهانت عليه المشقات وسهلت عليه النفقات. وسمحت نفسه الحقوق كاملة موفرة. وعلم انه قد تعوض عما فقده افضل الاعواض واجزل الثواب وخير الغنائم. وايضا من ثمرات الاخلاص انه يمنع منعا باتا من قصد مراعاة الناس وطلب محمدتهم والهرب من دمهم والعمل لاجلهم. والوقوف الوقوف عند رضاهم وسخطهم. والتقيد بارادتهم ومرادهم. وهذا هو الحرية الصحيحة الا يكون القلب متقيدا متعلقا باحد من الخلق. ومن ثمرات الاخلاص ان العمل القليل من المخلص يعادل الاعمال الكثيرة من غيره. وان اسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله خالصا من قلبه. وانه احد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه وان المخلص يصرف الله عنه من السوء والفحشاء ما لا يصرفه عن غيره. قال تعالى قال عن يوسف كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء. انه من عبادنا المخلصين الصين قرئ بكسر اللام وفتحها. وهما متلازمتان. لان الله تعالى لاخلاصهم جعلهم من المخلصين. فالمخلصون هم خلاصة الخلق وصفوتهم وهل يوجد اكمل ممن خلصت ارادتهم ومقاصدهم لله وحده. طلبا لرضاه وثوابه. وتفرعت اعمالهم الظاهرة والباطنة على هذا الاصل الطيب الجليل. ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء. تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ومن ثمرات الاخلاص الطيبة ان المخلص اذا عمل مع الناس احسانا قوليا او فعليا او ماليا او غيره. لم يبالي بجزائهم ولا شكرهم. لانه عامل الله تعالى والله لا يضيع اجر من احسن عملا. ولا يثني عزمه ونشاطه قلة شكر بهم له. فقد قال تعالى في حق المخلصين انما نطعمكم لوجه الله لا التوكل على الله والاستعانة به خلق جليل يضطر اليه العبد في اموره كلها دينيها ودنيويها. لانه وان كان الله تعالى قد اعطى العبد قدرة وارادة تقع بها افعاله الاختيارية. ولم يجبره على شيء منها فانه لا حول له ولا لا قوة الا بالله. فاذا اعتمد بقلبه اعتمادا كليا قويا على ربه. في تحصيل وتكميل ما يريد وفعله من امور دينه ودنياه ووثق به اعانه وقوى ارادته وقدرته له الامر الذي قصده. وصرف عنه الموانع او خففها. وتضاعفت قوة العبد وازدادت قدرته لانه استمد واستماح من قوة الله. التي لا تنفد ولا تبيد. والتوكل الحقيقي يطرد عن العبد الكسل ويوجب له النشاط التام. على الامر الذي توكل على الله به ولا يتصاعد شاقا ولا يستثقل اي عمل. ولا ييأس من النجاح وحصول مطلوبه. عكس ما يظنون بعض المنحرفين الذين لم يفهموا معنى التوكل او فهموه لكن انكار القدر والقضاء صرفهم عن الحق فحسبوا ان التوكل يضعف الهمة والارادة واساءوا غاية الاساءة حيث ظنوا بربهم الظن السوء. فان الله امر بالتوكل في ايات كثيرة. واخبر ان انه من لوازم الايمان ووعد المتوكلين الكفاية وحصول المطلوب. واخبر انه يحبهم وانه لا يتم الدين الا به. ولا تتم الامور الا به. فالدين والدنيا مفتقرات الى التوكل قال تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين فاعبده وتوكل عليه. فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت على الله توكلنا ومن يتوكل على الله فهو حسبه اياك نعبد واياك نستعين. وللتوكل فوائد عظيمة. منها انه لا يتم الايمان والدين الا به. وكذلك لا تتم الاقوال والافعال والارادات الا به ومنها ان من توكل على الله كفاه فاذا وعد الله عبده بالكفاية اذا توكل عليه علم ان ما يحصل من الامور الدينية والدنيوية واحوال الرزق وغيرها بالتوكل اعظم بكثير مما يحصل ان حصل. اذا انقطع قلب العبد من التوكل. ومنها ان التوكل على الله اكبر سبب لتيسير الامر الذي توكل عليه. وتكميله وتتميمه. ودفع الموت موانع الحائلة بينه وبين تكميله. ومنها ان المتوكل على الله قد علم انه اعتمد في توكله واستند الى من جميع الامور كلها في ملكه. وتحت تصريفه وتدبيره ومن جملتها فعل العبد فكلما فترت همته وضعف نشاطه امده هذا التوكل قوة الى قوته. وقد وثق بكفاية ربه. والوثوق والطمع في حصول المطلوب. لا شك ان انه من اعظم الاسباب الباعثة على الاعمال المرغبة فيها. وهذا امر مشاهد معلوم منها ان المتوكل على الله حقيقة قد ابدى الافتقار التام الى ربه. وتبرأ من حوله وقوته ولم يعجب بشيء من عمله ولم يتكل على نفسه لعلمه انها ضعيفة مهينة سريعة الانحلال. بل لجأ في ذلك الى ربه. مستعينا به في حصول مطلوبه هذا هو الغنى الحقيقي. لانه استغنى بربه وكفايته. وهو مع ذلك قد ابدى غاية المجهود فتبين ان التوكل لا ينافي القيام بالاسباب الدينية والدنيوية. بل تمامه بفعلها بقوة صادقة وهمة عالية معتمدة على قوة القوي العزيز. النصيحة اخبر صلى الله عليه وسلم ان الدين النصيحة كررها ثلاثا. وفسرها بانها لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. واخبر تعالى ان طريقة انبيائه واصفيائه. واخبر ان الحرج منفي عمن نصح لله ولرسوله فالنصيحة لله هي القيام التام بحقوقه علما وعملا. ودعوة وتنفيذا. والنصيحة لكتابه الاجتهاد في معرفة الفاظه ومعانيه. والعمل به والدعوة لذلك والنصيحة لرسوله الايمان به ومحبته واتباعه ونصر سنته. وتقديم هديه على هدي كل احد والاجتهاد في كل ما يحبه. والنصيحة لائمة المسلمين وعامتهم ان يحب لهم الخير ويكره لهم الشر. ويسعى في ذلك بحسب مقدوره فيعلم جاهلهم ويرشد منحرفهم. ويذكر غافلهم ويعظ معرضهم ومعارضهم. ويدعو الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. والمجادلة بالتي هي احسن ويسلك كل فيه صلاح لاخوانه المسلمين. ويسعى في تأليف ذات بينهم وفي ارشاد على اختلاف طبقاتهم لمصالح دينهم ودنياهم. كل احد على حسب حاله نصيحة فوائد عظيمة. منها ان الدين لا يتم الا بها. بل هي الدين كما ذكره صلى الله عليه وسلم. ومنها ان الناصح لله ولرسوله ولكتابه وللخلق نفس عمل قلبه هذا واستعداده وتهيئته للنصيحة. من اكبر الاعمال المقربة الى رب العالمين. فما تقرب احد الى الله بمثل توطين النفس على النصيحة الشرعية المذكورة فالناصح في عبادة مستمرة ان قام او قعد او عمل او ترك العمل. ومنها ان من عجز عن العمل الديني اذا كان ناصحا لله ولرسوله ناويا الخير اذا تيسر له فانه لا حرج عليه. ويشارك العاملين في عملهم. فانما الاعمال بالنيات ومنها ان الله ييسر للناصح الصادق امورا لا تخطر له على بال وان الساعي في نفع المسلمين اذا كان قصده النصيحة فانه يفلح وينجح. فان تم ما سعى له وفعلا وهو الغالب والا تم اجره. فمن عجز عن بعض عمل قد شرع فيه تمم له العمل. قال تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله. ومنها السلامة من الغش. فان من غش المسلمين في دينهم ودنياهم فليس منهم. والغش من الخصال القبيحة في حق القريب والبعيد. والمخالف والموافق. فهذا القرآن العظيم يدعو الى هذا الخلق الذي هو افضل الاخلاق. وهو النصيحة التي اسس عليها دين الاسلام وقام عليها بنيانه. وبان بها فضله على كل شيء. فان النصح لكل احد محمود شرعا وعقل وفطرة وضده قبيح شرعا وعقلا وفطرة. الصدق في الاقوال والافعال وجميع الاحوال. قد امر الله بالصدق ومدح الصادقين. واخبر ان الصدق ينفع اهله في الدنيا والاخرة. وان لهم المغفرة والاجر العظيم. قال تعالى يا ايها ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين. والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون. فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم. والايات في مدح الصدق كثيرة جدا. والصدق يهدي الى كل بر وخير. كما ان الكذب يهدي الى كل شر وفجور. والصادق حبيب الى الله حبيب الى عباد الله. معتبر في شرف دينه ودنياه بل عنوان الشرف والاعتبار وعلو المنزلة الصدق. وللصدق فوائد عظيمة منها هذه الامور العظيمة. التي اشرنا اليها من امتثال امر الله. وحصول الاجر والثواب العظيم والمغفرة وان الصادق ينتفع بصدقه في الدنيا والاخرة. وانه يدعو الى البر والبر يهدي الى الجنة. ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق. حتى يكتب عند الله صديقا. في اعلى الدرجات وارفع المقامات. ومن عرف تحريه للصدق ارتفع مقامه عند الخلق كما كان مرتفعا عند الخالق. واطمأن الناس لاقواله وافعاله وصار لهم مرتبة عالية في الشرف. وحسن الاعتبار والثناء الجميل. وامن الناس من بوائقه ومكرهه وغدره. ففي جميع المقامات الدينية والدنيوية لا تجد الصادق الا في الذروة العليا ان كان في مقام الافتاء والتعليم والارشاد لم يعدل الناس بقوله لقول احد. واطمئنوا الى ارشاد ساداته وتعليمه وتفهيمه. لانه مؤسس على الصدق. وان شهد شهادة عامة او شهادة خاصة ثبتت الاحكام بشهادته. وان اخبر بخبر خاص او عام وثق الناس لخبرهم وعظموه واحترموه. حتى لو اخطأ في شيء من ذلك لوجدوا له محملا صالحا. وان عامل الناس معاملة دنيوية ببيع او شراء او ايجارة او تجارة او حق من الحقوق الكبيرة والصغيرة تسابق الناس الى معاملته واطمأنوا لذلك غير مرتابين. وحسبك في هذا الخلق الذي يخضع لحسنه وكماله الباء الرجال. ويعترف بكماله اهل الفضل والكمال فهو من جملة البراهين على صدق الرسول. وكمال ما جاء به من هذا الدين القيم هذا الخلق العظيم من اخلاقه. وكل اخلاقه على هذا النمط والله اعلم شجاعة هذا الخلق العظيم قد امر الله به في ايات كثيرة وهي ايات الجهاد كلها. واثنى على اهله. واخبر انه طريق الرسل وسادات الخلق ونهى عن ضده وهو الجبن والفشل والخوف من الخلق في سبيل جهاد الدعوة. وفي سبيل جهاده سلاح وهذا الخلق الجليل قد يكون غريزة مع العبد. ويتقوى بموجبات الايمان وقد يحتاج العبد الى التمرن عليه وسلوك الطرق المعينة على ذلك. فالشجاعة قوة القلب وثباته وطمأنينته في المقامات المهمة والاحوال الحرجة. وكل يحتاج اليه وخصوصا الرؤساء الذين تناط بهم المهمات والامور. فحاجتهم اليه ضرورية وقد دعا القرآن اليه ودعا الى كل وسيلة تعين عليه. فامر بخوفه وحده والا يخشى العبد الخلق فمتى قصر العبد خوفه على الله وحده وعلم ان الخلق لن يقدروا على نفعه به ولا ضره الا بمشيئة الله. قوي قلبه. ثم اذا توكل على الله وقوى اعتماده عليه ازدادت قوة قلبه. كما قال تعالى عن خيار الخلق الذين قالوا لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا. فزاد ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. ثم اذا علم ما يترتب على القوة اخوتي في الدين والشجاعة من الاجر والثواب. ازدادت قوته وتضاعفت شجاعته. كما نبه الله على هذه الحالة بقوله ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. وكلما تأمل الخلق وعرف احوالهم وصفاتهم وانهم ليس عندهم شيء من النفع. ولا من النصرة والدفع. وان مدحهم لا يغني عن العبد شيئا وذمهم لا يضره شيئا. وانهم مع ذلك لا يريدون لك الخير الا لمصالحهم ان تعليق القلب بهم خوفا وهيبة وخشية ورغبا ورهبا. ضائع بل ضار. وانه هو يتعين على العبد ان يعلق خوفه ورجاءه. وطمعه وخشيته بالله وحده. الذي كل شيء وهو الذي يريد لك الخير من حيث لا تريده لنفسك. ويعلم من مصالحك كما لا تعلم ويوصل اليك منها ما لا تقدر عليه ولا تريده. ومن دواعي الشجاعة ان يعرف العبد ان الجبن مرض وضعف في القلب. يترتب عليه التقاعد عن المصالح وتفويت المنافع ويسلط عليه الضعفاء ويتشبه صاحبه بالخفيرات من النساء من فوائد الشجاعة امتثال امر الله وامر رسوله. والاتصاف باوصاف اهل البصائر من اولي الالباب ومن فوائد ذلك انه بحسب قوة القلب ينزل الله عليه من المعونة والسكينة ما يكون اكبر وسيلة لادراك المطالب. والنجاة من المصاعب والمتاعب. ومن فوائد ايه ده انه يتمكن صاحبه من ارشاد الخلق ونفعهم. على اختلاف طبقاتهم بالحكمة والموعظة الحسنة. واما الجبان فانه يفوته خير كثير. وتمنعه الهيبة من بركة علمه وارشاده ونصحه للعباد. ومنها ان الشجاعة تنجي العبد من كثير من الشدائد وتوجب له السكينة اذا مرت النوائب والمصائب فيقابلها بما يحبه الله من الصبر والثبات واحتساب الاجر. واما الجبان فانه اذا اعترته هذه الامور ان ما سهل مصالحه وتنوعت به الافكار الضارة. فعملت معه المصائب والشدائد عملها الاليم وفوتته الخيرات والثواب الجسيم. وهذا الخلق الحميد من جملة الاخلاق الفاضلة التي تتولد من هذا الخلق الجامع وهو الصبر. الصبر. هو الاساس الاكبر لكل خلق جميل. والتنزه من كل خلق رذيل. وهو حبس النفس على ما تكره على بخلاف مرادها طلبا لرضى الله وثوابه. ويدخل فيه الصبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى اقدار الله المؤلمة. فلا تتم هذه الامور الثلاثة التي تجمع الدين كله الا بالصبر. فالطاعات خصوصا الطاعات الشاقة. كالجهاد في سبيل الله. والعبادات مستمرة كطلب العلم والمداومة على الاقوال النافعة. والافعال النافعة لا تتم الا بالصبر عليها وتمرين النفس على الاستمرار عليها. وملازمتها ومرابطتها. واذا ضعف الصبر ضعفتها هذه الافعال وربما انقطعت. وكذلك كف النفس عن المعاصي وخصوصا المعاصي التي النفس داع قوي اليها. لا يتم الترك الا بالصبر والمصابرة على مخالفة الهوى. وتحمل مرارته وكذلك المصائب حين تنزل بالعبد ويريد ان يقابلها بالرضا والشكر والحمد لله على ذلك لا يتم ذلك الا بالصبر واحتساب الاجر. ومتى مرن العبد نفسه على الصبر ووطنها على تحمل المشاق والمصاعب. وجد واجتهد في تكميل ذلك. صار عاقبته الفناء نحو النجاح وقل من جد في امر تطلبه واستصحب الصبر الا فاز بالظفر. وقد امر الله بالصبر واثنى على الصابرين. واخبر ان لهم المنازل العالية والكرامات الغالية. في ايات كثيرة من القرآن واخبر انهم يوفون اجرهم بغير حساب. وحسبك من خلق يسهل على العبد مشقة الطاعات ويهون عليه ترك ما تهواه النفوس من المخالفات. ويسليه عن المصيبات. ويمد الاخلاق الجميلة كلها ويكون لها كالاساس للبنيان. ومتى علم العبد ما في الطاعات من الخيرات العاجلة والآجلة. وما في المعاصي من الاضرار العاجلة والاجلة. وما في الصبر على المصائب من الثواب وبالجزيل والاجر الجميل سهل الصبر على النفس. وربما اتت به منقادة مستحلية لثمراته واذا كان اهل الدنيا يهون عليهم الصبر على المشقات العظيمة لتحصيل حطامها فكيف لا يهون على المؤمن الموفق الصبر على ما يحبه الله لحصول ثمراته. ومتى صبر العبد ولله مخلصا في صبره. كان الله معه. فان الله مع الصابرين بالعون والتوفيق والتأييد والتسديد العلم قد امر الله بتعلم جميع العلوم النافعة لا سيما ما انزل الله على رسوله من الكتاب والحكمة. الذي يجمع كل علم نافع. وامر بسؤال اهل العلم لمن لم يعلم واخبر برفعتهم في الدنيا والاخرة. وانهم سادات الخلق في دنياهم واخراهم وائمتهم الذين بهم يقتدون. وعلى اثارهم يهتدون. وعلى طريقتهم يسلكون فالعلم يقصر التعبير عن كونه فضله. وعلو مرتبته. ويكفي في هذا ان جميع الاقوال والافعال والايرادات متوقفة في صحتها وفسادها وكمالها ونقصها وفي جميع صفاتها على العلم ما حكم به العلم من ذلك فهو كما قال وان العلم نور للصدور وحياة للقلوب. به يعرف الله وبه يعبد. وبه يعرف الحلال من الحرام الطيب من الخبيث. وبه يميز بين الابرار والفجار واهل الجنة واهل النار. والعلم ويقوم معوج من الصفات. ويكمل ما نقص من الكمالات. ويسد الخلل ويصلح العمل في صلاح الدين والدنيا. وبظده فساد ذلك ونقصه. العلم ميراث الرسول والعلماء الانبياء فان الانبياء لم يورثوا الا العلم. فمن اخذ به اخذ بحظ وافر. ولولا العلم فكان الناس كالبهائم والحاجة الى العلم اعظم من الحاجة الى الطعام والشراب. والعلم النافع هي العلوم الشرعية. وما اعان عليها من علوم العربية بانواعها. ومن العلوم الشرعية تعلم الفنون المعينة على الدين. وعلى قوة المسلمين وعلى الاستعداد للاعداء للمقاومة والمدافعة فانها داخلة في الجهاد في سبيل الله. فكل امر امر به الشارع وهو ويتوقف على امور كانت مأمورا بها والله اعلم. التوسط في كل الامور والاعتدال والاقتصاد هذا الخلق الجليل قد دل عليه القرآن في ايات كثيرة عامة وخاصة فمن العامة الامر بالعدل والقسط في عدة ايات. والاخبار بان هذه الامة وسط وذلك في كل امورها. فهم وسط في الايمان بالانبياء والقيام بحقوقهم بين من غلوا فيهم حتى جعلوا لهم او لبعضهم من حقوق الله الخاصة ما جعلوه. من الغلو فيهم والعبادة لهم وبين من جفوهم فكفروا ببعضهم او لم يقوموا بحقهم. وهذه الامة ولله الحمد امنت بكل رسول ارسله الله. واعترفت بجميع ما فضلهم الله به. وخصهم به من المزايا والخصائص التي جعلتهم ارفع الخلق في كل صفة كمال. ولم يغلو فيهم وسط بين من حرم الطيبات من الرهبان المتعبدة والمشركين الذين حرموا ما لم يأذن به الله اتباعا لخطوات الشيطان وبين من استحل المحرمات والخبائث. بل اتبعوا النبي الامي الذي يأمره وهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وقد امر الله بالتوسط والاعتدال في النفقات في قوله. ولا تبذر تبذيرا ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسود واثنى على المتوسطين فقال والذين اذا انفقوا لم يسرفوا لم يقتروا وكان بين ذلك قواما. وهذا يشمل النفقة على النفس والاهل والعيال والمماليك من الادميين والبهائم في جميع وجوه الانفاق. فان هذه الحال فيها اعتدال وخلق الانسان وكمال حكمته. حيث قام بالواجبات وبما ينبغي وترك ما لا ينبغي ومن فوائد ذلك ايضا ان في الاعتدال سر بركة. وما عال من اقتصد. وانه يمنع العبد فان المسرف في الانفاق اذا املق واحتاج لعبت به الحسرات. وجعل يقول بلسان مقاله او لسان حاله يا ليتني لم افعل ذلك. واما المقتصد فانه لا يندم العاقل على نفقة في محلها. واقام بها واجبا من الواجبات. او سد بها حاجة من الحاجات. فان المال لا الا لمثل هذه الحالة. وايضا فان المسرف في النفقات لا بد ان يكون مترفا معتادا امورا اذا عجز عنها شق عليه الامر مشقة كبيرة. وكبر عليه الصبر. وثقل عليه حمله بخلاف المعتدل فانه سالم من هذه الحالة. وايضا فان الاعتدال في النفقة احد قسمي الرشد فالرشد الذي هو معرفة تدبير الدنيا ان يعرف الطرق التي يحصلها فيها. في سلك نافعة منها ثم اذا حصلت عرف كيف يصرفها ويبذلها وعلم التدبير من العلوم النافعة دينا ودنيا وشرعا وعقلا. الاحسان والعفو. كم في كتاب الله من الحث على الاحسان الى الخلق. وان الله يحب المحسنين ويجزيهم الحسنى على احسانهم. ويأمر بالعفو والصفح عن الزلات والاساءات. وان ذلك من اعظم الحسنات. فالاحسان هو بذل المعروف القولي والفعلي والمالي الى الخلق. فاعظم الاحسان تعليم الجاهلين. وارشاد الضالين والنصيحة لجميع العالمين. ومن الاحسان اعانة المحتاجين واغاثة الملهوفين وازالة ضرر المضطرين. ومساعدة ذوي الحوائج على حوائجهم وبذل الجاه والشفاعة للناس في الامور التي تنفعهم. ومن الاحسان المالي جميع الصدقات المالية سواء كانت على المحتاجين او على المشاريع الدينية العام نفعها. ومن الاحسان الهدايا والهبات للاغنياء والفقراء. خصوصا للاقارب والجيران. ومن لهم حق على الانسان من صاحب ومعامل وغيرهم. ومن اعظم انواع الاحسان العفو عن المخطئين المسيئين قضاء عن زلاتهم والعفو عن هفواتهم. وللاحسان بوجوهه كلها فوائد لا تحصى منها حصول محبة الله للمحسنين. التي هي اعلى ما يناله العبد. ومنها حصول الجزاء الكامل قال تعالى للذين احسنوا الحسنى وقال هل جزاء الاحسان الا الاحسان. فالجزاء من جنس العمل. فكما احسنوا الى عباد الله احسن الله اليه واعطاهم افضل ما يعطي اولياءه. من الجزاء الاوفى الاكمل. ومنها ان هذا من من اكبر اسباب محبة الخلق له. من وصل اليه احسانه ومن لم يصل اليه. وثنائهم عليه وكثرة ادعيتهم له. وذلك من الامور المتنافس فيها. ومنها انه يستفيد بذلك سرور القلب وراحته وطمأنينته. لا سيما احسان العفو. فانه اذا عفا عمن ظلمه واساء اليه زال اثر ذلك عن قلبه. وعلم انه اكتسب عن ذلك من ربه افضل افضل جزاء واعظم ثواب. وايضا فمن عفا عن عباد الله عفا الله عنه. ومن سمح عنهم سامحه الله ومن افضل الاحسان الذي يتمكن به الموفق من معاملة الناس على اختلاف في طبقاتهم البشاشة وحسن الخلق معهم. ومعاشرتهم باللطف والكرم وابداء كل يقدر عليه من ادخال السرور عليهم. وخصوصا الاقارب والاصحاب ونحوهم. ممن يتأكد حقهم على العبد وان العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم. ولهذا نقول حسن الخلق. هذا هو مادة الاخلاق الجميلة كلها. وقد اتفق الشرع والعقل على حسنه ورفعة قدره وعلو مرتبته. ومداره على قوله تعالى خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. اي خذ ما تيسر وعفى وتسهل من اخلاق الناس ولا تطالبهم بما لا تقتضيه طباعهم. ولا تسمح به اخلاقهم. هذا فيما يأتيك منه واما ما تأتي اليهم فالامر بالعرف وهو نصحهم وامرهم بكل مستحسن شرعا وعقلا وفطرة واعرض عن من جهل عليك بقوله او فعله فلله ما احلا هذه الاخلاق وما اجمعها لكل خلق وقال تعالى ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم ويمده الصبر والحلم وسعة العقل. وفضل هذا الخلق ومرتبته فوق ما يصفه الواحد ومن فوائد هذا المقام الجليل ان صاحبه مستريح القلب مطمئن النفس. قد وطن نفسه على ما يصيبه من الناس من الاذى. وقد وطن نفسه ايضا على ايصال النفع اليهم بكل مقدوره. وقد تمكن من ارضاء الكبير والصغير والنظير وقد تحمل من لا تحمله من ثقله الجبال. وقد خفت عنه الاثقال. وقد انقلب عدوه صديقا حميما وقد امن من فلتات الجاهلين. ومضرة الاعداء اجمعين. وقد سهل عليه مطلوبه من وتيسر له نصحهم وارشادهم والاقتداء بنبيه في قوله تعالى في وصفه فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. الاية ويتولد عنه خلق الرحمة الرحمة وهي رقة القلب وصفوه ورحمته للخلق. وزوال قسوته وغلظته وهو من اخلاق صفوة الخلق. قال تعالى لقد جاءكم رسول من عزيز عليهما عن حريص عليكم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فرأفته صلى الله عليه وسلم رحمته لا يقاربه فيها احد من الخلق. وهذه الرأفة والرحمة ظهرت اثارها في معاملة للخلق. ولا تنافي قوة القلب وصبره. فقد كان صلى الله عليه وسلم اصبر الخلق واشجعهم. واقواهم قلبا مع كمال رحمته. فقوة القلب من الصبر والحلم والشجاعة القولية والفعلية. والقيام التام بامر الله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ورحمة القلب من اثارها الشفقة والحنو والنصيحة. وبدأ الاحسان المتنوع. فاي اخلاق تقارب هذه الاخلاق السامية الجليلة. فقوة القلب وشجاعة تنفي الضعف والخور. ورحمته تنفي القسوة والغلظة والشراسة. وهذه الاخلاق وان كانت من علم الاخلاق والتربية على احسنها فانها ايضا داخلة في علم التوحيد. كما دخل فيه الخوف والرجاء والدعاء وغيرها. فهي من جهة التعبد لله بها والتقرب اليه. داخلة في علم التوحيد. ومن جهة تكميلها للعبد وترقيتها لاخلاقه وتهريب النفوس وتزكيتها داخلة في علم الاخلاق. وهذا اعظم البراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى ان ما جاء به من القرآن الدين هو الحق الذي لا رقي ولا علو ولا كمال ولا سعادة الا به. وانه هو الهدى علمي الارشادي والهدى العلمي والتربية النافعة. والحمدلله رب العالمين النوع الثالث من علوم القرآن الكلية الجامعة. علم الاحكام في العبادات والمعاملات والمواريث. والانكحة وسائر الحقوق والروابط بين العباد. قد جعل الله القرآن تبيانا لكل شيء. وهو كما تقدم كتاب جمع التربية النافعة والتعليم. مزج هذا هذا فما كان من العبادات معروفا بين المسلمين مفهوما فيه هدي النبي صلى الله عليه وسلم كالصلاة والزكاة ونحوها. اكتفى بذكره على وجه الاجمال امرا به او نهيا عن ضده او ثناء على فاعله. وبيانا لاجره وثوابه العاجل والاجل. ويكون تفصيل محولا فيه على ما علم. وعرف بين المسلمين. وكذلك المعاملات. ومن احكام القرآنية ما فصلت فيه الاحكام تفصيلا كالمواريث ونحوها. فلنبدأ بذكر العبادات الواردة القرآن فنقول مستعينين بالله احكام الصلاة. ذكر الله الصلاة في كتابه في مواضع كثيرة. يأمر بها وينهى عن تركها. ويثني على اهلها المقيمين حين لها ويذكر ما لهم من الثواب. ويذم المتهاونين بها. ويذكر ما عليه من الذم والعقاب وهي حين يذكرها يعرفها المسلمون معرفة لا يمترون بها. قد عرفوها من هدي في نبيهم صلى الله عليه وسلم ثم تناقلتها الامة فعرفها الصغير والكبير العالم والجاهل. فمتى جاءت في القرآن فهموا انها هذه الصلوات الخمس والجمعة. وما يتبعها من الرواتب والسنن المقيدة والمطلقة. وقد ذكر الله بعض احكامها فذكر الوقت في قوله ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا اي مفروضا في الاوقات. وقال فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والارض وعشيا وحين تظهرون. واقيموا الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل. اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر. ان قرآن الفجر كان مشهودا. اي اقمها لدخولها الاوقات فدلوك الشمس مبتدأه الزوال ومنتهاه العصر. فيدخل فيه الظهر والعصر غسقوا الليل اي ظلمته التي فيها اختلاط بالضياء. فيدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء وقرآن الفجر اي صلاة الفجر. وعبر عنها بالقرآن لاشتراط القراءة واطالتها فيها وقد حررت السنة هذه الاوقات تحريرا معلوما بين المسلمين وقال تعالى وثيابك فطهر. واولى ما دخل في الاية الكريمة تطهيرها للصلاة واذا وجب تطهير الثياب من النجاسات فتطهير البدن للصلاة من باب اولى واحرى. ولهذا هذا قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوا. وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا. وان كنتم او على سفر او جاء احد منكم من الغائط او لامستم او لامستم النساء فلم تجدوا ما ان فتيمموا صعيدا طيبا. فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم ايديكم منه. الاية فهذه الاية تدل على اشتراط النية ووجوب الطهارة للصلاة. وانه يجب فيها على المحدث حدثا اصغر. تطهير هذه الاعضاء الاربعة المذكورة وان الوجه واليدين والرجلين تغسل غسلا والغسل لابد فيه من جريان الماء على هذه الاعضاء وان الرأس يمسح مسحا وانه يمسح كله لان الله عمم ذلك. وانه يجب الترتيب بينها لان الله ذكرها مرتبة. والموالاة لان ظاهر هذا الصنيع لجوم الموالاة لكونها عبادة واحدة. متصلا بعضها ببعض. وان المحدث حدثا اكبر الجنابة وهي الوطأ او الانزال للمني او هما عليه تطهير جميع بدنه. وانه لا لا يعفى عن شيء منه حتى ما تحت الشعور الكثيفة. وكذلك ذكر الله طهارة الحائض والنفساء في سورة البقرة بقوله حتى يطهرن. اي ينقطع دمهن. فاذا تطهرن اي اغتسلن فاتوهن من حيث امركم الله. ثم ذكر طهارة التراب والتيمم وان لها احد سببين عدم الماء في قوله. فلم تجدوا ماء فتيمم وحصول الضرر بمرض ونحوه في قوله او كنتم مرضى. وقوله فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه. صريح ان التيمم عن الحدث الاصغر والاكبر لانه ذكره عقب الحدثين. وان النجاسة لا يتيمم لها. فتجب ازالتها مع القدرة وتسقط مع العجز كسائر الواجبات. ويدل ان محل المسح للحدثين الوجه واليدان وهما الكفان فقط. لانه لما اراد ايصال الطهارة الى المرفقين في طهارة الماء قال قال وايديكم الى المرافق. واكتفى تعالى عن الحدثين بتيمم واحد. ونفى وتعالى الحرج في الدين عموما وفي الطهارة خصوصا فقال ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج واقام الله طهارة التيمم مقام طهارة الماء عند وجود الشرط. وهو الفقد او التضرر باستعماله. وهذا يقتضي ان حكمها حكمها من كل وجه. فما دام متطهر بالتيمم ولم يحصل له ناقض صحيح فهو باق على طهارته. لا يبطل هذه طهارة دخول وقت ولا خروجه. واذا نوى به عبادة استباحها ومثلها ودونها واعلى منها وفي الاية الكريمة دليل ان الاحداث المذكورة ناقضة للوضوء. وهي الخارج من سبيلين ولمس النساء لشهوة. لان اللمس حيث اضيف للنساء كان المراد به الذي لشهوة قوله ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد وفي قوله فلم تجدوا ما ان فتيمموا صعيدا طيبا آآ دليل على ان الماء باق على طهوريته. ولو تغير بالطاهرات. لانه داخل في اسم الماء الذي لا يجوز العدول عنه الى التيمم. وقد استدل الامام احمد رحمه الله وغيره بقوله قوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم. الاية على ان الماء اذا خالطته نجاسة فغيرت احد اوصافه انه نجس لظهور اثر هذه الاشياء فيه. فيتناوله تحريم الميتة والدم الى اخرها. فيكون نجسا خبيثا. واذا لم تغير احد اوصافه انه باق على طهوريته. وفي عموم قوله تعالى انزلنا من السماء ما طهورا. دليل على ان الاصل في الماء طهورية فلا نعدل عن هذا الاصل الا بدليل. وقال تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطرة. اي جهة اوجب استقبال الجهة عند تعذر اصابة العين. وقال تعالى يا بني ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد. اي البسوا ثيابكم واستروا عورة واتيكم للصلاة. فان الزينة ما تدفع الشناعة والقبح في كشف العورة. وتمام اخذ الزينة حصون طول الجمال. ففيه امر بالامرين بستر العورة. وبتكميل اللباس كما هو مبين مفصل في السنة. وقال تعالى واذا قرأ القرآن فاستمعوا له وان انصتوا وابلغ ما يدخل في هذا انصات المأموم لقراءة امامه في الصلاة الجهرية وقد امر الله بالقيام والركوع والسجود والقنوت. الذي يدخل فيه السكوت. فقال تعالى قوموا لله قانتين. يا ايها الذين امنوا اركعوا واسجدوا. وقال فاقرأوا ما تيسر من القرآن. ففي هذا فضيلة هذه المذكورات وانها اركان في الصلاة وسمى الله الصلاة ايمانا في قوله وما كان الله ليضيع ايمانكم اي لا تكن لبيت المقدس قبل تحويل القبلة. لان الصلاة ميزان الايمان. وقد امر الله بالمحافظة على الصلوات عموما وعلى صلاة العصر خصوصا في قوله حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى واثنى على المحافظين عليها. وذلك يقتضي المحافظة على شروطها واركانها جميع ما يلزم لها وعلى مكملاتها. وكذلك الامر باقامتها والثناء على المقيمين لها يدل على ذلك والامر بالمسابقة الى الخيرات والمنافسة فيها يدل على السعي في تكميل الصلاة خيرها من العبادات. وقال تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ويدخل في هذا الوعيد تركها بالكلية وتفويت وقتها والاخلال بشيء ما يجب فيها. واما السهو فيها فلم يذمه الله. ولهذا وقع من النبي صلى الله عليه وسلم وسجد له سجدتين في اخر الصلاة. وامر امته بذلك عند وجود سببه وذمت على المنافقين الذين واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا. ففيه وجوب الطمأنينة في الصلاة وتكميل ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها. لان العبد لا يسلم من هذا الذنب الا بهذا التكميل والاخلاص لله تعالى. وقد مدح تعالى الخشوع في جميع الاحوال وفي الصلاة خصوصا وذلك بحضور القلب فيها. وتدبر اقوالها وافعالها. وتمام ذلك ان يعبد الله انه يراه. فان لم يكن يراه فانه يراه. ومن لوازم ذلك ترك الحركة في الصلاة. وعدم الالتفات والزام النظر لمحل سجوده. وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا. نصفه او انقص منه قليلا. او زد عليه ورتل القرآن ترتيلا. وقوله ومن الليل فتهجد به نافلة لك. كانوا قليلا من الليل ما يهجعون اسحارهم يستغفرون. ففي هذا الامر بقيام الليل وفضله. وان اهله هم خيار الخلق اخبر في اخر المزمل ان الرسول وطائفة معه من المؤمنين قاموا بذلك التقدير. وان الله تيسر على الناس خصوصا اهل الاعذار من المرض والشغل. فانهم يقرؤون ما تيسر منه ان من الليل ما يهون عليهم ولا يشق. واستدل بقوله واركعوا مع الراكعين على وجوب في الجماعة وركنية الركوع وفضله. وانه تدرك به الركعة. واستدل بامر الله في الجماعة في حال الخوف على وجوب الجماعة في حالة الامن من باب اولى. وكذلك استدل بقول قوله تعالى واذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا. يا يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة. من يوم الجمعة اسعوا الى ذكر الله وذروا البيع. على وجوب النداء للصلوات الخمس والجمعة. وهو قرروا عند المسلمين صفته. وعلى وجوب الجماعة للصلوات الخمس والجمعة. وعلى وجوبها في المساجد وقد ذكر الله السجدات في القرآن وفي بعضها الامر به. وذم من لم يسجد عند تلاوة الايات واخباره بسجود المخلوقات فهذا يدل على مشروعية سجود التلاوة استحبابا عند جمهور العلماء واوجبه بعضهم. وسجد صلى الله عليه وسلم في صاد وقال سجدها داود توبة فنحن نسجدها شكرا لله. يدل على مشروعية الشكر. وقال تعالى وسبح بحمد ربك حين تقوم. ومن الليل فسبحه النجوم. وفي الاخرى وادبار السجود. يدل على صلاة الليل وخصوصا الاخرة والذكر عقب الصلوات الخمس. وقال تعالى واذا ضربتم في الارض فليس جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم. ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا فيها مشروعية قصر الصلاة الرباعية الى ركعتين في كل سفر طويل او قصير لاطلاقها الاية فاذا اجتمع الخوف والسفر قصر عدد الصلاة الرباعية وقصرت هيئاتها بحسب ما وردت به صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم. كما دل عليها قوله تعالى فاذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة. الى اخرها. فان كان سفر بلا خوف قصر العبد فقط وهذا من فائدة التقييد بالخوف وذلك القصر المطلق. وقوله تعالى فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم اذا طمأناتم فاقيموا الصلاة. فيها فائدتان احداهما مشروعية الذكر عقب الصلاة المكتوبات عموما. كما تكاثرت بذلك الاحاديث عنه صلى الله عليه وسلم. الثانية فيه مشروعية الذكر على وجه التأكيد بعد صلاة الخوف. لحصول بعض الخلل فيها لاجله العذر فكأن في ذكر الله جبرا لما فات العبد من ذكر ربه. لان الصلاة انما شرعت لاقامة بذكر الله. قال تعالى واقم الصلاة لذكري. وكذلك جميع العبادات شرعت لهذا الغرض الجليل. فينبغي للعبد اذا فعل العبادة على وجه فيه نقص. ان يعوض عن ذلك ويجبروه بكثرة ذكره لربه. وفي قوله تعالى واجعلوا بيوتكم قبلة اي صلوا فيها خوفا من فرعون وملأه. دليل على جواز الصلاة في البيوت لعذر من الاعذار اما خوف او مرض او غيرهما. لان شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بنسخه بل في شرعنا من التسهيلات ما ليس في غيره. وقوله تعالى ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله. استدل بها على جواز الصلاة على الراحلة في السفر قبل اي جهة توجه المصلي. وعلى صحة الصلاة اذا اجتهد الى القبلة فاخطأها. وعلى لا صحة صلاة العاجز عن الاستقبال للضرورة. وعلى نفل الماشي كالراكب في السفر. وقوله تعالى قال في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه. يعم احكام المساجد كلها فانه امر فيها بشيئين برفعها الذي هو تعظيمها وصيانتها عن الاوساخ والانجاس الحسية والمعنوية. وتعمر العمارة اللائقة بها. ويذكر فيها اسمه التعبد من صلاة وقراءة وتعلم علم نافع وتعليم وذكر لله تعالى. فكل ما قال له اهل العلم من احكام المساجد وفصلوه. فهو داخل في هذين الامرين. فتبارك من من جعل كلامه فيه الهدى والشفاء والنور. وقوله تعالى قل ان صلاتي ونشوكي فصل لربك وانحر. قد افلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى. استدل بعموم ذلك على صلاة العيدين عيد الاضحى وعيد الفطر وعلى صدقة الفطر ولا ريب بدخول المذكورات في هذا العموم. وقوله تعالى ولا تصلي على احد منهم مات ابدا ولا تقم على قبره فاقبره. فاواري سوءة اخي. دليل على صلاة الجنازة على المؤمنين للقيام على قبورهم للدعاء لهم. وعلى تكفين الميت كله. لانه جعل بدنه كله سوءة وعلى حمله ودفنه على ما وردت به السنة. احكام الزكاة قد امر الله بها في مواضع من كتابه وبالنفقة. واثنى على القائمين بذلك. وذم لها. وتوعدهم بالوعيد الشديد. وانهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وانهم يعذبون بكنوزهم ويحمى عليها في نار جهنم. فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. وانها من اعظم فروض الدين. وقال تعالى خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها. وتزكيهم بها ان صلاتك سكن لهم. يا ايها الذين امنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما ومن ما اخرجنا لكم من الارض. ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم اخذيه الا ولستم باخذيه الا ان تغمضوا فيه واعلموا ان الله غني حميد. واتوا حقه يوم حصاده انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها مؤلفة قلوبهم والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل. فريضة من الله اه والله عليم حكيم. استدل بذلك على مسائل كثيرة من احكام الزكاة منها وجوب الزكاة في كل ما يتمول. اي ما ويعد للربح والتنمية والكسب وذلك كالنقود والعروض للتجارة. وهو كل ما ارصد للبيع والشراء لاجل الربح والحبوب والثمار الموسقة. والمواشي التي تنمى لولادتها او للاتجار بها. وان ان زكاة الحبوب والثمار انما تجب عند الحصاد والجذاذ. لانه الوقت الذي يسهل اخراجه على ارباب الثمار والزروع. والوقت الذي تتعلق به اطماع المستحقين. واما من عاداهما فلابد من حولان الحول. وفيه بعث السعاة لقبض زكاة المال الظاهر. وان الساعي وكذلك الاخذ للزكاة. ينبغي ان يدعو للمخرج دعاء يناسب الحال هذه الفائدة التي ذكرها الله ان الدعاء يسكن القلب وينشط المخرج. وهو شكر له على كذلك وانه يجب اخراج الوسط فلا يجب على المخرج ان يخرج العالي ولا يحل له ان يعدل الى الدون. وفيها مصالح الزكاة. وانها تطهر اهلها من الصفات الذميمة وتزكيهم بالاخلاق الكريمة. وتطهر المال وتقيه الافات. وانها لهؤلاء في الاصناف الثمانية منهم من يأخذ لحاجته كالفقير والمسكين والفقير اشد حاجة فهو المحتاج يحتاج المضطر والغارمين لانفسهم. وفي الرقاب يدخل فيه اعتاق الرقاب من الرق اعانة المكاتبين وفداء اسرى المسلمين. وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به عن بلده ومنهم من يأخذ للحاجة اليه وقيامه بمصلحة عمومية. وذلك كالعاملين عليها من لها وحافظ وكاتب وقاسم. والمؤلفة قلوبهم ممن يرجى اسلامهم او يخشى شرهم او يرجى قوة اسلامهم او اسلام نظيره. والغارمين لاصلاح ذات البين بين الطواف واهل البلدان والقبائل والمجاهدين في سبيل الله. ومن الجهاد في سبيل الله. العلم والتعلم والتعليم للعلوم الشرعية. ومن جمع منها هؤلاء وصفين او اكثر اعطي بحسب ما فيه من الاوصاف. وقوله تعالى ان تبدوا الصدقات فنعم ما هي. وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم. فيها حث على اخفاء الصدقات اذا اعطيت فان بذلت في المصالح العامة فالاولى اظهارها لما في ذلك من المصالح ونهى تعالى عن اتباعها بالمن على الله او على المعطى او الاذية للمعطى وتقدم انه استدل بقوله قد افلح من تزكى على زكاة الفطر اما مقادير الانصباء والواجبات فمفصل بالسنة. وقد امر تعالى باخلاص النفقات من الواجبات والمستحبات. واخبر عن مضاعفة وعن حبوط عمل المرائي والعاصي وضرب لذلك الامثال المقربة للمعاني غاية التقريب. احكام الصيام والاعتكاف وتوابعها قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين الى قوله كذلك يبين الله اياته للناس لعلهم يؤخذ من هذه الايات الكريمات من احكام الصيام شيء كثير. منها ان شهر رمضان مكتوب على هذه الامة وان الصيام من الشرائع العامة التي شرعت على لسان كل نبي ارسله الله لعموم نفعه وكثرة مصالحه ويجمع مصالحه قوله لعلكم تتقون. اي شرعنا لكم الصيام لتقوموا بتقوى الله. التي بها والفلاح والسعادة. فان الصيام من اعظم اركان التقوى. وهو بنفسه يعين على والله في كل الاحوال فانه يمرن النفوس على الصبر عما تهواه مما ويوافق طبيعتها. فمتى تمرنت النفس على ذلك بالصيام؟ هان عليها ترك المحارم التي لا تتم التقوى الا بتركها. وايضا فنفس الصيام ترك للمفطرات المحرم خصوص الصيام. وكذلك يدعو الى رحمة الفقير. فان الاخلاص لله والاحسان لعباد الله هو جماع التقوى. وكلاهما موجود معناه في الصيام. وفيها يجب صيام رمضان برؤية هلاله على كل مقيم صحيح. وبتمام الشهر الذي قبله من باب اولى وان المريض مرضا يرجى زواله والمسافر له الفطر. ويقضي عدته من ايام وعموم ذلك كل سفر طويل او قصير. وانه يصح قضاء ايام قصار باردة على ايام طوال حارة. وان من فاته رمضان قضى عدد ايامه. واما المريض مرضه لا يرجى زواله. والكبير والكبيرة اللذان لا يستطيعان الصيام. فيفطرون ويطعمون عن كل ليوم مسكينا. وبهذا فسر ابن عباس وغيره وعلى الذين يطيقونه. اي يتكلفونه بمشقة غير محتملة. اولى من القول بنسخها. وعلل ذلك كله تعالى بقوله يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. ومنها استحباب التكبير ليلة عيد الفطر والاكثار من ذكر الله وشكره على اتمام العدة. ومنها حل الوقاع زوجات ليالي الصيام وان نحله وحل الاكل والشرب ينتهي الى طلوع الفجر. ففي فيه جواز صيام الجنب. لان من لازم هذه الاباحة ان يدركه الفجر وهو جنب. ومثله الحائض اذا انقطع دمها. ومنها استحباب تأخير السحور لقوله. حتى يتبين بين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود. وانه يجوز الاكل والشرب مع الشك في طلوع الفجر ومنها استحباب الفطور وتعجيله. ومنها ان حد الصيام الشرعي هو الامساك عن من جميع المفطرات. من طلوع الفجر الثاني الى غروب الشمس. ومنها كراهة الوصال صائم لان الله لم يجعل الليل محلا للصوم. ومنها ان جميع ما يؤكل وكل ما يشرب والجماع من اعظم مفطرات الصائم. ومنها مشروعية الاعتكاف حيث ان الله اضافه الى المؤمنين وانه لا بد ان يكون في المسجد. وان مباشرة النساء بالوطء ومقدماته ممنوع منها المعتكف وفيه اشارة الى ان الاعتكاف في اخر رمضان. افضل من غيره لتواتر الاحاديث فيه لان الله اتبع الاعتكاف لاحكام الصيام. وقد اثنى الله على الصائمين في مواضع كثيرة من القرآن وذكر ما لهم من الفضل والثواب. وهذا يتناول الفرض والنفل. و خصوصا الايام التي حث صلى الله عليه وسلم على صيامها. كصيام ثلاثة ايام من كل شهر من شوال ويوم عرفة. واليوم التاسع والعاشر من المحرم. والاثنين والخميس فانها من افضل ما يدخل في ايات الصيام. وقال تعالى انا انزلناه في في ليلة مباركة بسم الله الرحمن الرحيم. انا انزلناه في ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من الف شهر تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر سلام هي حتى مطلع الفجر. فيها فضيلة ليلة القدر والعمل فيها. وانها في رمضان واخبر صلى الله عليه وسلم انها ترجى في عشره الاخيرة خصوصا افرادها لان الله ذكر انه انزل القرآن في رمضان. واخبر انه انزله في ليلة القدر وذلك صريح انها في رمضان. احكام المناسك. قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. ومن كفر فان الله غني عن العالمين. وقال تعالى واتموا الحج والعمرة لله. الى قوله وما تأخر فلا اثم عليه. الاية فيها فوائد كثيرة منها ان الحج احد اركان الاسلام ومبانيه وان الله اوجبه على الناس كلهم ثم خص المستطيعين اليه السبيل. وهذا الشرط الاعظم لوجوب الحج. فمن تمت استطاعته في بدنه وماله ولم يمنع من ذلك خوف وجب عليه المبادرة الى الحج. لان الامر المطلق يقتضي ومن عجز في بدنه وقدر في ماله وهو يرجو زوال هذا العجز صبر الى زواله فان كان لا يرجو زواله او كان كبيرا لا يقدر الثبوت على المركوب. استناب عنه من يحج عنه وكذلك من مات بعدما وجب عليه وجب على اوليائه الاستنابة عنه. والاستطاعة هي القدرة على ثمن الراحلة او اجرتها. او اجرت المراكب البرية والبحرية ذهابا ورجوعا ولهذا اطلق الله استطاعة السبيل ليشمل ما حدث ويحدث الى يوم القيامة وهذا من بلاغة القرآن وبراهين صدقه. وقد امر الله باتمام الحج والعمرة لله هذا شامل للفرد منهما وللنفل. فمن فرض الحج والعمرة بان اوجبهما على نفسه بدخوله في وجب عليه الاتمام الا ان يحصل له حصر عن الوصول الى البيت بعدو او غيره فيذبح هديه ويحلق رأسه ويحل من نسكه. ومن ساق الهدي قرن بين النسكين كما فعل الله عليه وسلم ولم يحل له ان يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله يوم النحر فيحل من النسكين جميعا. وفيها دليل على مشروعية سوق الهدي من الحل. ويؤخذ مشروعيته بتقليده من قوله والهدي والقلائد. وان العمرة تندرج في الحج وتكون افعاله جميعا والحل منهما جميعا. واوجب الله على المتمتع ما استيسر من الهدي. وهو ما يجزي في الاضحية جذع ضان او ثني معز او سبع بدنة او سبع بقرة. فمن لم يجد ذلك فعليه صيام ثلاث ايام في الحج لا يتجاوز بها ايام التشريق. وقد اباح الشارع صيامها في هذه الحال فقط وسبعة اذا رجع وانما يجب الدم او بدله على من لم يكن اهله حاضر المسجد الحرام بان من الحكمة في وجوب الهدي او بدله الشكر لله على نعمة حصول النسكين في سفر واحد. ومن كان اهله في مكة او قربها لم يكن عليه شيء. ومفهوم الاية ان المفرد للحج ليس عليه هدي واما القارن فانه داخل في المتمتع. ولابد ان يقع احرام النسكين في اشهر الحج. وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة. وارشد الله من فرض فيها اي اوجب فيهن الحج. الا والرفث الوطؤ ومقدماته. لان الوطأ مفسد للنسك ومقدماته منقصة له. ولا فيفسق ويشمل ذلك جميع المعاصي. واما الجدال فهو المخاصمة والمنازعة وكثرة الجدال ان هذه الامور تشغل العبد عما هو بصدده من النسك. ولما نهى عما ينافي النسك وينقصه اما وحث على كل ما يكمله من افعال الخير كلها فقال وما تفعلوا من خير يعلمون الله وحث ايضا على كثرة الزاد لانه يكف الانسان ويغنيه عن الخلق به نفسه ورفقته. ويتمكن من فعل الاحسان. واباح تعالى الحاج والمعتمر الاشتغال بالتجارة والمكاسب. بشرط الا تشغله عن تكميل نسكه وقوله فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام في هذا ان الوقوف بعرفة من اعظم شعائر الحج. لان الله خاطب به جميع الحاج واخبر انهم لابد ان يفيضوا منها. وهذا احد اركان الحج الاربعة. وهي الاحرام الذي هو نية الدخول في النسك. المذكور في قوله فمن فرض فيهن الحج الوقوف بعرفة والطواف المذكور في قوله وليطوفوا بالبيت العتيق خصه بالذكر لشرفه. وانه اعظم اركان الحج. ولانه تشترط له الطهارة دون بقية المناسك ولانه يتطوع به كل وقت. والسعي بين الصفا والمروة. لقوله تعالى ان الصفا والمروة من شعائر الله. فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما. مع حث الله على تعظيم شعائر فهذه اركان الحج والعمرة. الا ان العمرة المفردة لا وقوف فيها بعرفة فتوى توابعها. وفي الاية الامر بذكر الله عند المشعر الحرام وهو مزدلفة واجب منه ان يدرك جزءا من اخر الليل اي من النصف الثاني من ليلة النحر. والاكمل المبيت بها وبعد صلاة الفجر يقف عند المشعر ويهلل الله ويحمده ويستغفره. حتى يقارب طلوع الشمس. وقوله ثم افيضوا من حيث افاض الناس يدخل في ذلك الرمي والنحر والحلق وطواف الافاضة. والسعي والمبيت بمنى الليالي ايام التشريق كما عرف ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم. وقوله خذوا عني مناسككم كما ان قوله تعالى ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا ندورهم جميع ما شرع في الحج من الاركان والواجبات والسنن. وقد امر تعالى بكثرة ذكره واستغفاره عند كمال النسك. حتما لهذا النسك بالتوبة والاستغفار. وشكرا لنعمة الله على تكميله. وامر بذكره في الايام المعدودات وهي ايام التشريق واباح التعجل في يومين بان يرمي ثاني ايام التشريق الجمرات الثلاث. ثم ينفر من منى قبل غروب الشمس فان غربت وهو في منى تعين عليه المبيت تلك الليلة. والرمي للجمرات الثلاث من الغد. وقوله تعالى واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فيه مشروعية ركعتي الطواف وان الافضل ان يكونا خلف مقام ابراهيم. احكام الذبائح من الهدايا والضحايا. قال تعالى فصل لربك وانحر. قل ان ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. والبدن جعلنا من شعائر الله لكم فيها خير. فاذكروا اسم الله على فيها صواف. فاذا وجبت جنوبها فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر وفديناه بذبح عظيم. ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم فيما حنيفا ففي هذه الايات الامر بالذبح لله وحده على اسمه. وامر باخلاصه لله وحده والذبح الذي هو عبادة الهدايا للبيت الحرام. الشامل للواجب منها والمستحب والاضاحي في عيد النحر في جميع الاقطار. اقتداء ومحمد صلى الله عليه وسلم. واخبر تعالى ان فيها خيرا للعباد. وهذا شامل للخير الديني وهو التقرب بها الى الله. وحصول الحسنات ورفعة الدرجات. وتكفير السيئات وتكميل النسك. وللخير الدنيوي ولهذا امر بالاكل منها والاطعام. فيشترك في الانتفاع بها الاغنياء والفقراء. وقد بينت السنة انها لابد ان تكون من الانعام الثلاثة وان تكون كاملة في اسنانها وسالمة من العيوب. كما هو مفصل في السنة احكام الجهاد وتوابعه. كم في كتاب الله من الايات المتعلقة بالجهاد امرا به وحثا عليه وبيانا لفضله وفضل اهله وكمالهم. وكثرة ثوابهم وعلو درجاتهم وذكر ثمراته الجميلة ونهيا عن ضده وبيان ما على المتقاعدين عنه من النقص العظيم والعقوبات الدنيوية والاخروية. وكم فيه من ذكر مضاعفة النفقة فيه؟ وانها من اعظم الجهاد والجهاد نوعان جهاد الدعوة الى دين الاسلام والتحذير من الاديان باطلة وهذا مفروض منذ ابتدأت الرسالة. وهو فرض في كل وقت. بما يناسب الوقت ويليق به. قال تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن. وقال تعالى وجاهدهم به جهادا كبيرا. اي جاهد اهل الباطل كلهم بالقرآن. فهذا فرض عين على كل مسلم ان يقوم بما يقدر عليه ويعلمه. وعلى اهل العلم من ذلك ما ليس على غيرهم. لان معه السلاح التام الحقيقي لهذا الجهاد وهو العلم الذي خلاصته وروحه شرح ما في دين الاسلام من المحاسن والمزايا والفضائل شرحا يطابق الواقع. فانه اذا شرح على هذا الوجه وبينت محاسنه وفضائله. قبله كل منصف قصده الحق. وكان ايضا ذلك قامعا للمبطلين الملحدين الذين يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم ويأبى الله ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. ثم اما الموازنة بين عقائده واخلاقه وفضائله واعماله وبين غيره. فعند ذلك فيتضح الفرق العظيم. ثم ابداء براهين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الكلي والجزئية وصدقه وصدق ما جاء به من الحق الذي هو الكتاب والسنة. فهذه الاصول بيانها بحسب الامكان هو اكبر الجهاد. وهي اعظم الطرق التي دعا عباده بها الى دينه. وامر ونبيه ومن قام مقامه ان يدعو بها. النوع الثاني الجهاد باليد والسلاح فهذا فرض كفاية. قتال الكفار المحاربين. وقد يكون فرض عين اذا حضر ترى الزحف واذا حصر بلده عدو. واذا استنفره الامام او من قام مقامه. كما نص الله على ذلك نصا يدل على فرضيته وتعينه. والجهاد باليد والسلاح يتبع المصلحة كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم هادن ووادع حيث كانت المصلحة وحارب حيث اقتضت المصلحة. فعلى المسلمين ان يسلكوا هديه ويتشاوروا في امرهم ويعمل في كل وقت ما يناسبه ويصلح له. وقد امر الله بالتثبت في الامور كلها وخصوصا في امور الجهاد. وتولية الاكمل والامثل من الرجال في الولاية الكبرى وفي ولايات الجيوش والسرايا وغيرها. فانها من اعظم ما يدخل في الامانات. التي امر ان تؤدى الى اهلها. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله. واذكروا الله كثيرا لعل لكم تفلحون. واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب واصبروا ان الله مع الصابرين. فهذه التعاليم العالية من الله لعباده في جهاد الاعداء متى استرشدوا بها تمت امورهم. وقال تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. وقال تعالى يا ايها الذين خذوا حذركم. فهذه الايات دخل فيها فعل جميع الاسباب. واستعمال جميع القوة المقدورة. والاخذ بالحذر من الاعداء. فجميع علم السياسة يرجع الى هذين اصلين الاستعداد بالمستطاع من القوة للاعداء بحسب الزمان والمكان والحال. واستعمال الحذر من مكر الاعداء. وخداعهم وطرقهم ومسالكهم. والتوقي من شرورهم مع التوكل على الله كما امر الله بذلك كله. وقد ندب الله الى السلم اذا جنح اليه الاعداء مع التوكل عليه واخذ الحذر. كما امر بقتال اهل الكتاب. حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وامر بالاسر عند الافخان في العدو. ثم الوالي مخير بين المن على او فدائهم بالمال او اسير مسلم او قتلهم او رقهم وذكر الاموال الشرعية ثلاثة اقسام اموال الزكاة وتقدم انها للاصناف الثمانية والغنيمة للغانمين تقسم اربعة اخماسها بينهم للفارس على فرس عربي ثلاثة اسهم وعلى فرس هجين سهمان وللراجل سهم والخمس الاخر يجعل لهؤلاء الذين سماهم الله الله واعلموا ان ما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى. وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وبني السبيل واموال الفيء كالجزية والخراج وخمس الخمس. والاموال المجهول اربابها وما لم لم يوجب المسلمون عليه بخير ولا ركاب. يكون للمصالح كلها. ويبدأ منها الاهم فالاهم واحكام الجهاد ومتعلقاته كثيرة في الكتاب والسنة والله اعلم احكام البيوع والمعاملات. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقود. واحل الله البيع وحرم الربا يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون الا ان تكون تجارة عن تراض هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا. يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة. يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. فاذا قضيت الصلاة فانتقل في الارض وابتغوا من فضل الله. رجال لا تلهيهم تجارة بيع عن ذكر الله. الاية يا ايها الذين امنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله. انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه. يا ايها الذين امنوا اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى الى قوله عليم. انفقوا من طيبات ما كسبتم. يستفاد من هذا هذه النصوص كثير من احكام المعاملات. فمنها انها دلت على ان الاصل صحة جميع البيوع والمعاملات الا ما استثناه الشارع. واباحت جميع انواع التجارة. تجارة ادارة وتجارة التربص والانتظار بالسلع فرصها ومواسمها. وتجارة الايجارات وتجارة الديون وكلما دخل في اسم التجارة ومنها ان جميع العقود تنعقد بما دل عليها من قول وفعلا لان الله اباحها ولم يحدد لها الفاظا مخصوصة. فكلما عده الناس بيعا وتجارة ومعاملة انعقدت به المعاملات. ومنها وجوب الوفاء بجميع العقود والشروط في كل المعاملات الا ما استثناه الشارع كالعقود والشروط التي تحل حراما او تحرمه حلالا. او ما جعل له الشارع خيار مجلس او عيب ونحوه. او ما اتفق المتعاقدان على استثناء خيار شرط او غيره. او ما كان في الاصل غير لازم كعقود الوكالات ونحوها ومنها ان المعاملات مع اباحتها فالمشتغل بها غير مذموم اذا لم تلهه عن ذكر الله الواجب من صلاة ونحوها. فان الهت عن ذلك فهي مذمومة وصاحبها خاسر. ومنها اشتراط التراضي من المتعاملين في كل المعاملات بان يأتي بذلك اختيارا. فان اكره احدهما بغير حق لم تكن المعاملة صحيحة فان امتنع احدهما مما وجب عليه واكره على الواجب. كانت المعاملة صحيحة ومنها انه يستفاد من اشتراط التراضي ان من اشترى معيبا لم يعلمه او غبن بنجشه ان او تلقي جلب او اغترار او نحو ذلك ان له الخيار لكونه لم يحصل الرضا المعتبر خبر ومنها ان الربا بجميع انواعه من اعظم المحرمات وانه هو مفسد للعقد وان تراضى به المتعاقدان. لانه ليس لهما ان يتراضيا على ما لا يرضي الله رسوله وانواع الربا ثلاثة ربا الفضل بان يبيع مكيلا من جنسه متفاضلا او موزونا بموزون من جنسه متفاضلا فان الشارع شرط في بيع الشيء بجنسه اذا كان مكيلا او موزونا شرطين. التماثل في القدر والقبض قبل التفرق وربا نسيئة ان يبيع المكيل بالمكيل او الموزون بالموزون. ولو من غير جنسه ويتفرقا قبل قبض العوضين. واشد انواعه ما ذكره الله بقوله لا تأكلوا الربا معافى مضاعفة. وذلك ان يحل الدين عليه. ثم يقلبه عليه ببيعة اخرى الى اجل فيتضاعف ما في الذمة من غير منفعة. ولا مصلحة تعود على المعامل. وذلك ظلم من صاحب الدين وسواء تعامل هذه المعاملة صريحا او تحيلا عليها بحيلة من الحيل وصورة عقد غير مقصود. فكل حيلة يتوسل بها الى اسقاط الواجبات. او استحلال في المحرمات فانها باطلة غير نافذة. لان العبرة في المعاني والمقاصد. لا عبرة بالالفاظ التي لا يقصد معناها. واما ربا القرض فان يقرضه شيئا ويشترط في مقابلة ذلك نفعا. اي نفع ان يكون فهذا الشرط هو الذي اخرجه من موضوع القرض والاحسان. وادخله في موضوع المعاملات فصارت حقيقته دراهم بدراهم الى اجل مثلا. وذلك النفع المشروط هو الربح. واما الميسر فانه نوعان مغالبات ومعاملات. فمتى كانت المعاملة فيها خطر وغرر وجهالة فهي من الميسر. وهو انواع كثيرة مثل بيع الابق وبيع المجهولات. اعيانها او صفاتها او مقاديرها او بيع المنابذات او الملامسات او استثناء المجهول من المعلوم. او يشرط في مزارعة او المساقات او المغارسة او المضاربة. او المشاركات كلها مصلحة احد المعينات وللاخر الاخر. فيكون كل منهما مخاطرا. وذلك ان مبنى المشاركات على العدل واستواء متعاملين في المغنم والمغرم. فشرط خلاف ذلك ميسر وخطر. وفي ذلك مفاسد كثيرة ومن عامل معاملة محرمة فعليه ان يتوب الى الله. ويرجع المعاملة الى العدل الذي الذي اباحه الله ويرفض ما فيها من ربا وميسر وتغرير وغش ونحوها من المحاذير الشرعية واما اية الدين فما اجمعها لاحكام المعاملات واكثر فوائدها. فان الله ارشد عباده الى حفظ اموالهم ونظامها في المعاملات. والى تحريرها بالكتابة والشهود وضبطها بالوثائق الطرق وارشد الى سلوكها ويسرها غاية التيسير. ونفى كل ضرر وظلم فيها من الجانبين وامر بغاية العدل وهي من البراهين على ان دين الاسلام قد تكفل للبشر بصلاح في دينهم ودنياهم. حيث اباح كل معاملة نافعة وحرم كل معاملة ضارة. وبينت طرق التي تحفظ بها وتضبط المعاملات والحقوق. فمن فوائدها جواز الديون كلها سواء كانت دين سلم بان يسلم الثمن ويكون المثمن مؤجلا الى اجل مسمى. او دينا مطلقا ان يشتري شيئا حاضرا بثمن في ذمته الى اجل مسمى. لان الله نسبه للمؤمنين واقرهم عليه وهذا خاصية المباح. ومنها اشتراط العلم بالمبيع والثمن والاجل. اما الاجل مصرح به في قوله الى اجل مسمى. واما علم الثمن والمثمن فمن من باب التنبيه الى انه اذا شرط العلم بالاجل الذي هو فرعه. فالاصل من باب اولى واحرى. ومنها الامر بكتابة الديون المؤجلة والرخصة في ترك الكتابة في المعاملات الحاضرة. والحكمة في ذلك ظاهرة وهو الحاجة والضرورة في المؤجلة. والمشقة في الحاضرة المتكررة. ومنها الارشاد الى الاشهاد في المعاملات كلها حاضرة او مؤجلة. وهي اعظم الوثائق وانفعها واوسعها وقد امر باعلى ما يكون فيها باشهاد رجلين او رجل وامرأتين من الشهود المرضيين بين الناس وبين الحكمة في كون المرأة الواحدة لا تقوم مقام الرجل ان ذاكرة الرجل اقوى من المرأة فلهذا جبر هذا النقص بزيادة العدد. وبين الحكمة في ذلك بقوله ان تضل احداهما افتذكر احداهما الاخرى. ومنها امر الشهود ان ينقادوا للشهادة. والا يأبوا اذا دعوا بالتحمل او للاداء لما في ذلك من القيام بحق المسلم. وفك المنازعات ولما فيه من الخير الاجر عند الله تعالى. ولهذا ينبغي للشاهد ان يقصد بتحمله للشهادة وادائها. وجه الله والقيام بالواجب. لقوله تعالى واقيموا الشهادة لله. وزجر غاية الزجر عن من الشهادة ومن باب اولى شهادة الزور. فكلاهما من كبائر الذنوب. كتمان الشهادة والشهادة بالباطل. فانه ظلم في حق الله. وظلم للمتعاملين كليهما. اما المظلوم فظاهر واما الظالم فان شاهد الزور له وكاتم الشهادة الحق عليه قد اعانه على الظلم والعدوان. وفيها دليل ان شهادة الرجلين والرجل والمرأتين مقبولة في جميع المعاملات والاموات قال وليس في ذلك نفي لقبول غيرها. لان الله انما ذكر اعلى الحالات التي يحفظ بها الحقوق وما يحكم به الحاكم اعم من ذلك. فقد ثبت انه صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد الواحد يميني صاحب الحق. ومنها ان الله اقام المرأتين مقام الرجل. وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال اليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل واطلق ذلك. ومقتضاه ان يكون ففي كل الاحوال ولاهل العلم هنا تفصيلات كثيرة. وما دلت عليه النصوص يجب تقديمه على كل قول ومنها ان من نسي شهادته ثم ذكرها ان شهادته صحيحة لقوله تعالى ان ظل احداهما فتذكر احداهما الاخرى. وقوله وليكتب بينكم كاتب يدل على انه ينبغي ان يكون الكاتب كامل الصفات عالما بالعدل سالكا لطريق العدل معتبرا عند الناس وانه لا يحل له ان يميل مع احد المتعاملين لقرابة او صحبة او نحوهما فانه خلاف العدل. ومنها ان معرفة الكتابة من نعمة الله على العبد. وكونه معتبرا عند مرضيا عندهم. وتتوجه له حاجاتهم ويمن الله عليه بقضائها والقيام بها. فبهذا تتم عليه النعمة وعليه ان يشكر الله على ذلك. ولهذا قال ولا يأبى كاتب ان ان يكتبك ما علمه الله. وقوله وليملي للذي عليه الحق. لانه يكتب الحق الذي يقر به. وفي هذا ان الاقرار من اعظم الطرق التي تثبت بها الحقوق. وانه لا عذر لمن اقر انه لو اقر ثم انكر بعد ذلك او ادعى غلطا او نسيانا انه لا يقبل منه. لان الحق ثبت باعترافه فدعواه ارتفاع ذلك دعوة مجردة لا تقبل. وفي هذا انه لا يكتب ما املاه من له الحق حتى يعترف به من عليه الحق اعترافا معتبرا. فان كان الذي عليه الحق فيها اي لا يعرف المصلحة ولا يحسن المعاملة. او ضعيفا اي صغيرا. ومن باب اولى نون او لا يستطيع ان يمله لخرس او حياء الانثى فليمل وليه بالعدل فيها اثبات الولاية على القاصرين وان وليهم ينوب منابهم في التصرفات والاقرارات ويترتب عليه انه لو زالت عنهم الموانع وارادوا الغاء تصرفات وليهم او اتهموه بغير بينة فليس لهم ذلك لكونه قام مقامهم. وفيه انه لا عبرة باقراره في الصغير والسفيه والمجنون ولا بتصرفاتهم. لان الله لم يجعل لهم هنا اقرارا ولا معاملة ولا املاء بل جعل ذلك لوليهم ففيه اثبات الحجر عليهم. ومنعهم من التصرفات والتبرعات والاقرارات على اموالهم. وذلك عين مصلحتهم. وهذا من محاسن الشريعة. حيث لم تمكن القاصرين من اموالهم خوف الضرر عليهم. ويدل عليه ايضا قوله تعالى ولا تؤتوا سفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما. واثبات النيابة عن المرأة الخفيرة فيه اثبات الوكالة. وان الوكيل اذا اقر فيما وكل فيه قراره مقبول. وفيه دليل على انه ينبغي معرفة حسن الاملاء وتعلم ذلك وكذلك الكتابة. خصوصا تعلم كتابة الوثائق. ومعرفة اصطلاح الناس فيها فان ذلك نعم العون على هذا المقصود. ثم حث على كتابة الصغير والكبير فقال ولا تسأموا ان صغيرا او كبيرا الى اجله. ففي هذا ان التدقيق في معاملات والمحاسبات اولى من الاهمال وبناء الامور على المساهلة. فالتدقيق وتحرير المعاملة لها محل وباب المعروف والاحسان له محل اخر. والتمييز بين الامرين له اهمية كبيرة بل الغالب ان الاحسان لا يكون له ذلك الموقع. حتى تعلم الامور على سواء بين المتعاملين ثم بين تعالى الحكم والمصالح العظيمة. المترتبة على هذه الارشادات القرآنية فقط قال ذلكم اقسط عند الله. اي اقرب لسلوك العدل. واقرب وللشهادة اي اثبتوا لها من بنائها على الكتابة. وتأيدها وتذكرها بها وادنى الا ترتابوا. ان يزولوا بذلك الشك في المعاملة. ولا بعض المتعاملين ببعض فكل هذه مقاصد جليلة تدعو الضرورة والحاجة اليها وفيه دليل على ان الوثائق يؤيد بعضها بعضا. وان الله يحب من المتعاملين ان تكون المعاملة صريحة لا امتراء فيها. وبهذا تدوم المعاملة ويزول الريب. وقال فان امن بعض اؤتمن امانته. اي ولا حرج اذا لم يتوثقوا بكتابة ولا شهادة ولكن على كل واحد ممن امنه صاحبه ووثق به ان يؤدي امانته ويشكر اخاه الذي وثق به. فيكون واجبا عليه من جهتين. من جهة لزوم تقوى الله ووجوبه بها في كل حال. ومن جهة ان اخاك اذا وثق بك وامنك فقد فعل معك معروفا فعليك ان تقابل الاحسان بالاحسان. وفي هذا تنبيه على كل ما في معناه وان من عمل معك معروفا في المعاملة فما جزاؤه الا الوفاء معه؟ ومقابلته بمثل عمله كما ان في قوله ان يكتبك ما علمه الله تنبيه على ان من خصه الله بنعمة يحتاج الناس اليها ان من شكره الله على هذه النعمة ان يبذلها للناس اذا احتاجوا اليها وهو لا مضرة عليه فيغنم ولا يغرم. ومنها مشروعية وثيقة الرهن وخصوصا في السفر. عند الحاجة اليه لفقد الكاتب او الشاهد. وان المقصود من الرهن ان يكون وثيقة بالدين اذا تعذر الوفاء بي عبدين وله مقصود اخر وهو انه اذا كان له غرماء غيره قدم صاحب الرهن به عليهم. وفي ان اكمل حالات الرهن ان يكون مقبوضا. وليس في الاية دليل على انه لا يكون رهنا الا اذا قبض لان الله انما ذكر اعلى الحالات بل مفهوم قوله فرهان مقبوضة انها قد تكون غير مقبوضة. لكنها اقل توثقة من المقبوضة. كما ان الشيء القليل او الذي ذمة اقل توثقة من الكثير او من العين. ومنها النهي عن مضارة الكاتب والشهيد او يضاران هما للمتعاملين. فعلى كل منهما سلوك الطريق الذي فيه ارفاق وسهول ومنها انه تعالى تعاهد من يخشى منه خيانة تخفى كالمملي للحق الذي عليه والمؤتمن الذي وثق المعامل بامانته وذمته بالحث على لزوم التقوى. وتذكيره برعاية حق اخيه لكون الحق لا بينة به. قوله تعالى ولمن جاء فيه حمل بعير وانا به زعيم. استدل بها على صحة الكفالة والضمان والجعالة وانه يجوز تقدير الجعالة بما يتقارب علمه كحمل البعير ونحوه. وقوله ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. استدل على ثبوت الامانات. ووجوب حفظها في حرز مثلها. وادائها الى اهلها. الذي ائتمن الانسان او الى وكيله ومن يحفظ ما له عادة وان كل مؤتمن مقبول قوله في وعدم التفريط وان الانسان مقبول قوله على ما تحت يده من الامانات لان هذا مقتضى امين وقوله ان خير من استأجرت القوي الامين. فيه مشروعية الاجارة وجوازها في كل المنافع المباحة. وان خير من عاملته باجارة او غيرها يا من جمع الوصفين القوة التي هي الكفاءة للعمل المقصود من الانسان والامانة. فان النقص فقد الصفتين او احداهما. قوله تعالى والصلح خير. فاصلح بين اخويكم. وهذا عام في جميع الحقوق المالية وغيرها. وسواء عند او الانكار فالصلح جائز ومأمور به بين الناس. الا صلحا احل حراما او حرم حلالا وعموم ذلك يقتضي جواز الصلح عن جميع الحقوق. حتى حقوق الخيار والشفعة وغيرها ويقتضي جواز الصلح عن المؤجل ببعضه حالا. والصلح بين الجيران في الحقوق المتعلقة بالجوار. وقد امر تعالى بالاحسان الى الوالدين والاقربين. والجيران والمساكين وغيرهم فيشمل ذلك الاحسان القولي والفعلي. ويختلف باختلاف الاشخاص والاوقات وجميع الاحوال. وقوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم انا بالتي هي احسن. فيها الولاية على اليتيم واحسان تدبير ما له. وقد امر باختباره عند بلوغه فاذا علم رشده وهو حفظ ماله ومعرفته للتصرف والتصريف دفع اله ما له؟ قوله تعالى كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خير ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف نسخت الوصية للورثة بايات الميراث وبقيت في غيرهم من الاقارب ونحوها من طرق البر الخيرات. ويستدل على الوقوف والهبات والوصايا. وكذلك على القرض عارية ونحوها من التبرعات في الاعيان او في المنافع. بعموم امره تعالى بالاحسان وثناءه على المحسنين. وبيان فضائلهم وثوابهم. فهذه المذكورات كلها داخلة في الاحسان ولكن ينبغي ان يعلم ان الاحسان انما يكون احسانا حقيقيا. اذا لم يتضمن ظلما وجورا. والا فترك الاحسان هو الاحسان. مثل ان يكون تبرعه يتضمن ترك واجب او مضارة وارث او اضرار بمن لا تحل مضارته. فهذا لا يجوز وقوله ما على المحسنين من سبيل. يدل على ان المؤتمن اذا كان بغير جعل ان قوله مقبول في رد الامانة كما يقبل قول كل مؤتمن في دعوى التلف وعدم التفريط وقوله تعالى فمن خاف من موص جنفا او اثما فاصلحه بينهم فلا اثم عليه. فيها ارشاد الى تنبيه المعتدي في وصيته نصيحة من بعده في تعديل وصيته اذا كانت جائرة. وقوله تعالى يا يا ايها الذين امنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية الى اخر الايات. فيها ان الوصية مشروعة وانه يكفي فيها شهادة اثنين من المسلمين فان لم يحضر المحتضر الا كفار قبلت فيها شهادة اثنين منهم للضرورة فان خيف منهما خيانة حلفا بعد الصلاة ما خان وما كتم. وان اطلع على خيانة منهما بان قامت الشواهد على ذلك. حلف اثنان من اولياء الميت على خيار خانتيهما وان شهادتنا احق من شهادتهما وما اعتدينا. ثم يغرمان المال احكام المواريث. قال الله تعالى يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين. الى قوله ان الله كان علي حكيما. والاية التي في اخر السورة لقد فصل الله في هذه الايات احكام المواريث تفصيلا تاما. فذكر ميراث الاولاد وهم اولاد الصلب الذكور والاناث ولاد البنين. كذلك الذكور والاناث دون اولاد البنات. فذكر انهم اذا اجتمع منهم ذكور اناث في درجة واحدة. فللذكر مثل حظ الانثيين. وانهم في هذه الحال يكونون عصبة لا يستحق معهم احد من القرابة شيئا سوى الوالدين فقط. لكل واحد السدس من باب اولى اذا كان الاولاد ذكورا خلصا. واذا كانوا اناثا فلواحدة التي ليس معها في درجتها احد النصف وللثنتين فاكثر الثلثان. فان كانت الواحدة في الدرجة العالية كبنت ومعها بنت او بنات ابن. فللعالية النصف ويبقى السدس تكملة الثلثين لبنات الابن وذكر ميراث الابوين مع الاولاد لكل واحد منهما السدس. اما الام فلا تزيد عليه وكذلك الاب مع الاولاد الذكور او مع البنات. اذا استغرقت الفروض. فان بقي شيء بعد اخذ البنات فروضهن اخذه الاب تعصيبا. لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الذي في الصحيح الحقوا الفرائض باهلها. فما بقي فلأولى رجل ذكر وهو اولى من الابعدين فان كان ام واب ومعهما احد الزوجين اخذ احد الزوجين والباقي للام ثلثه وللاب الباقي. فان كان للميت اخوة فلامه السدس والجد حكمه حكم الاب في جميع احكام الفرائض بالاتفاق. الا في العمريتين المذكورتين فان للام مع الاب ثلث الباقي. ومع الجد ثلث المال كله. والا مع الاخوة لغير فان العلماء اختلفوا. فمنهم من ورثهم مع الجد على تفاصيل كثيرة معروفة كزيد ابن ثابت رضي الله عنه. ومن وافقه من الصحابة والائمة. ومنهم من اسقطهم بالجدة كقول ابي بكر رضي الله عنه ومن وافقه من الصحابة والائمة وهو القول الذي ترجحه الادلة الكثيرة. وذكر ميراث الزوجين وان للزوج نصف ما تركت زوجته اذا لم يكن لها ولد ذكر او انثى. واحد او متعدد ولد صلب. او ولد ابن منه او من غيره والربع بوجود الولد المذكور. وان للزوجة الثمن مع الولد والربع مع عدمه وذكر ميراث الاخوة من كل جهة. اما الاخوة من الام فلم يورثهم الا في الكلالة اي اذا كان الميت ليس له اولاد صلب. ولا اولاد ابن لا ذكور ولا اناث. ولا اب ولا جد فللواحد منهم السدس. وللاثنين فاكثر الثلث ذكورهم واناثهم واحد واما الاخوة الاشقاء او لاب فالذكور منهم عصبة. وكذلك اذا كان معهم اناث كان ذكر مثل حظ الانثيين. والواحدة من الاناث لها النصف والثنتان فاكثر الثلثان فان كانت شقيقة ومعها اخت من اب او اخوات كان للشقيقة النصف وللتي لابني السدس تكملة الثلث وقوله واولو الارحام بعضهم اولى ببعض. يستدل بعمومها على ارث جميع عصبها الاقارب ولم يورث الله الاخوات مع اخوتهن. الا البنات والاخوات للميت واما اولاد الاخوة والاعمام واولادهم مهما تفاوتت درجاتهم. فانه يختصر الذكر بالميراث دون اخواته. واما الجدة من جهة الام او من جهة الاب اذا عدمت الام فقد ثبت انه صلى الله عليه وسلم جعل لها السدس. ولا تزيد عليه. واما مسائل العول فاخذها الصحابة رضي الله عنهم من عموم امره تعالى بالعدل. والعول هو العدل المستطاع. كما بسط ذلك في غير هذا الموضع. وقوله في عدة مواضع مما يدل على ان جميع الورثة يرثون كل ما خلفه ميتهم من الاعيان والديون والحقوق حتى ما يجب له بعد موته من دية ونحوها. واما ميراث الرد يؤخذ ايضا من مأخذ العول. لان القاعدة الشرعية ان الاموال المشتركة زيادتها او نقصها المشتركين بحسب حصصهم. والعول والرد فرد من افراد ذلك وكذلك ميراث ذوي الارحام مأخوذ من قوله تعالى واولو الارحام بعضهم اولى ببعض فعند عدم اهل الفروض والعصبات يكون ذوو الارحام اولى من غيرهم. واما ارثهم فحيث كانوا مدلين باصحاب فروض او عصبات. جعلوا بمنزلتهم لانهم فرعهم الاحكام المتعلقة بالنساء. وهي كثيرة جدا. ذكرها الله في كتابه هذه لامتزاج احكام النساء بالرجال وكثرة الحقوق بينهما والتعلقات احكام النكاح والصداق وتوابع ذلك. من العشرة وحقوق الزوجية قد امر الله بالنكاح في عدة ايات وقال فانكحوا ما طاب لكم من النساء في مثنى وثلاث ورباع. فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا. واتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه. فكلوه هنيئا وان اردتم استبدال زوج مكان زوجي واتيتم احداهن قنطارا. واتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا خذوا منه شيئا. اتأخذونه بهتانا واثما مبينا وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم الى بعض واخذن. واخذن منكم ميثاقا غليظا. وقال ان تبتغوا باموالكم ذكر قصة تزوج موسى لابنة صاحب مدين. على ان يأجره ثماني او عشر حجج. وقال قال وعاشروهن بالمعروف. فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. الاية فدلت هذه الايات على الامر بالتزوج وجوبا او استحبابا بحسب الاحوال. وحث على تخير النساء الكمل فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله. وقال صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لاربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها. فاظفر بذات الدين تربت يمينك وذلك لنفعها زوجها في دينه ودنياه. وحفظها نفسها وماله وحسن تدبيرها ونفعها للعمل عائلة وتربية الاولاد تربية دينية. واباح للرجل ان يتزوج الى اربع من الحرائر ومن الاماء ما شاء بملك اليمين. وحث على الاقتصار على واحدة عند الخوف من الظلم وامر بايتاء النساء صدقاتهن. وان المهر يصلح بالقليل والكثير والاموال والمنابر وامر من عنده يتيمة هو وليها الا يظلمها. وانه ان رغب في نكاحها ان يقسط لها في مهرها فلا ينقصه عما تستحقه. ومن رغب عنها الا يعضلها ويمنعها زواج حتى تعطيه شيئا من مالها. او حتى يعطى من صداقها فان هذا ظلم. بل يتعين عليه ان يجتهد في مصلحتها كما يجتهد لبناته. وان المرأة اذا كانت رشيدة نفسها له بشيء من صداقها فله اكله بلا حرج. ان لم يكن ذلك بسبب عضله لها فان عضلها ظلما لتفتدي منه بما اتاها او ببعضه. فقد اتى اثما عظيما بين تعالى ان الحكمة في ذلك انه كيف يأخذه وقد استوفى المنفعة. وافضى بعضهم الى واخذن منكم ميثاقا غليظا. وهو التزام الزواج المتضمن للقيام بجميع الحقوق التي اولها ايفاؤها الصداق. وانما يتنصف الصداق اذا طلق قبل الدخول وقد فرض لها مهرا فلها نصف ما فرض الا ان عفا احدهما عن نصفه فيكون للاخر ففي هذه الآيات ان الصداق ملك للزوجة. وانه يتقرر كله بالدخول. وكذلك بالموت لتمام وقته. وامر تعالى كلا من الزوجين ان يعاشر الاخر بالمعروف. من الصحبة الجميلة اللائقة بحالهما وبكف الاذى. والا ينطل كل منهما بحق الاخر. ولا يتكره لبذله ويدخل في المعاشرة بالمعروف ان النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك راجع الى العرف اذا اختلفا في تقديره وتحديده. وانه تابع ليسر الزوج وعسره. قال تعالى لينفق ذو سعة من سعته. ومن قدر عليه رزقه فلينفق من ما اتاه الله لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها قد ارشد الله وحث على الصبر على الزوجات. ولو كرهها الزوج فعسى ان يكون منها خير كثير يبدل الله الكراهة بالمحبة. وتتبدل طباعها او يرزق منها اولادا. او يكون له من مقارنتها وصحبتها وتوليها لماله مصالح كثيرة. وقوله واتيتم احداهن قنطارا. يدل على جواز كثرة المهر. مع ان طول السهولة فيه وفي غيره. فخير النساء اسهلهن مؤنة. وقد حرم تعالى من الاقارب سبعا الامهات وهن كل انثى لها عليك ولادة. والبنات وهن كل انثى لك عليها ولادة والاخوات من كل جهة وبناتهن وبنات الاخوة وان نزلن والعمات وهن كل انثى اخت لابيك او لاحد اجدادك. والخالات وهن كل انثى اخت لامك او لاحدى جدتك وما سواهن من الاقارب حلال. كبنات العم وبنات العمات وبنات الاخوال وبنات الخالات. ويحرم من الرضاع. نظير ما يحرم بالنسب من جهة المرضعة ومن جهة زوجها الذي له اللبن. واما من جهة الطفل الرابع فلا ينتشر التحريم في الا عليه وعلى ذريته. وحرم تعالى من الصهر اربعا ثلاث بمجرد العقد هن امهات زوجاتك وحلائل اولادك وحلائل ابائك. وبنات الزوجات اذا دخل بامهن لم يدخل بها فلا جناح عليه في الربائب. وحرم تعالى الجمع بين الاخوات وحرمت السنة الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها. وحرم المملوكة على الحر. الا اذا عدم قول وخاف العنت وهي مسلمة. وحرم على المسلم نكاح الكافرة والامساك بعصمتها ان المحصنات من الذين اوتوا الكتاب من اليهود والنصارى. وحرم انكاح المسلمة للكافر وحرم نكاحها كحزانية حتى تتوب. ومن طلقها ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا. ويطأ يقرأوها ويطلقها وتنقضي عدتها. وقوله تعالى وامرأة ام مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان اراد النبي. ان اراد النبي ان يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين صريح على انه ليس للمؤمنين ان ينكحوا الا بمهر مسمى. او مفروض بعد ذلك وانه اذا شرط نفيه لغى الشرط وهل يبطل مع ذلك النكاح؟ او يجب مهر المثل مع صحة العقد فيه قولان لاهل العلم وهذا ايضا يدل على تحريم نكاح الشغار بان يزوج كل واحد الاخر موليته. ومهر كل واحدة بضع الاخرى. وقد ذكر الله الله انه لو تزوجها ولم يفرض لها صداقا. ثم يطلقها قبل المسيس. ان لها المتعة على الموسع قدره على المقتير قدره. واما متعة الزوجة المطلقة في غير هذه المسألة. فان سنة مؤكدة كما قال تعالى. وللمطلقات متاع بالمعروف. وقد ذكر الله وخطاب الاولياء في شأن النساء. في عدة مواضع. مثل قوله واذا فبلغن اجلهن فلا تعضلوهن. فلا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن. وذلك دليل على اعتبار الولي في النكاح. كما ان قوله واخذنا منكم ميثاقا غليظا. دليل على الايجاب والقبول لان من جملة الميثاق الغليظ ايجاب النكاح وقبوله المتضمن للقيام بجميع حقوق زوجية ومنه المهر وتوابعه. وفي قوله اذا تراضوا بينهم بالمعروف دليل على اعتبار رضا الزوجين وان ذلك التراضي مقيد بالمعروف. فلو رضيت غير كفو لها فلاوليائها منعها من تزوجه. وقد امر الله الزوج اذا نشر زوجته ان يعظها ويهجرها في المضجع. فان لم تعتدل ان يضربها. وانه اذا خيف الشقاق بينهما وخيف الا تقبل الحالة الالتئام ان يجتمع حكمان واحد من اهل وواحد من اهل الزوجة فينظران في الاجتماع بينهما ان امكن بطريقة من الطرق اما عوض او اسقاط حق من الحقوق او بغير ذلك. فلا يعدلا عن ذلك والا فلهما التفريق وبينهما بخلع او بتطليق بحسب ما تقتضيه الاحوال. احكام الطلاق والخلع والعدد والنفقة والرضاع والايلاء والظهار واللعان. وتوابع ذلك من الرجعة وغيره قال الله تعالى يا ايها النبي اذا النساء فطلقوهن لعدتهن. الاية يا ايها الذين امنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من من قبلي ان تمسوهن. من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها. فمتعوهن وسرح صراحة جميلا والمطلقات يتربصن وسيهن ثلاثة قروء. ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ان كن يؤمنن بالله واليوم الاخر وبعولتهن احق بردهن في ذلك. الى ان قال مرتان الى ان قال فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. واللائي يئسن من المحيض من النساء ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر. فعدتهن ثلاث ثلاثة اشهر واللائي لم يحضن. وولاة الاحمال اجلهن وقال والذين يتوفون منكم ثم يذرون ازواجا يتربصن بانفسهن. يتربصن فوسي هن اربعة اشهر وعشرا. يستفاد من هذه الايات كثيرة. في الطلاق والرجعة والعدة. تقدم ان الله حث على امساك النساء والصبر عليهن وانه عسى ان يكون فيه خير كثير. وهذا يدل على محبة الله بين الزوجين وكراهته للفراق. وهذه الايات دالة على اباحة الطلاق وهو من نعمه على عباده. اذ فيه دفع ضرر ومشاق كثيرة. عند الاحتياج اليه. ومع ذلك فقد امر عباده اذا ارادوا ان يطلقوا ان يلزموا حدود الشرعية. التي هي صلاح دينهم ودنياهم فيطلقونهن لعدتهن فسرها صلى الله عليه وسلم بانها تكون طاهرة من الحيض. من غير جماع حصل في هذا الطهر فبهذا تكون مطلقة لعدتها. وتعرف ان انها شرعت فيها. وكذلك اذا طلقت بعدما استبان حملها هذا يدل على ان الطلاق في الحيض او في الطهر الذي حصل فيه وطأ. ولم يستبن حملها انه حرام وكذلك لا يحل ان يطلقها اكثر من واحدة لقوله ولا تتخذوا ايات لله هزوا. ولم يذكر الله الالفاظ التي يحصل بها الطلاق ولم يعينها فدل على انه كل لفظ يفهم منه الطلاق. بصريحه او كنايته. اذا ما تعينت بالنية او القرينة. فانه يقع بها الطلاق. ودل على ان الطلاق الذي تحصل به الرجعة طلقة او طلقتان فان طلقها الثالثة لم تحل له الا بعد زوج نكاحا صحيحا ويطأها. ثم يطلقها وتعتد بعده. وفي قوله حتى تنكح زوجا يدل على تحريم نكاح التحليل لانه ليس بنكاح شرعي ولا يفيد الحل. ودل قوله وبعولته وهن احق بردهن في ذلك. على ان الرجعية زوجة حكمها حكم في كل شيء الا انه لا قسم لها. وانه له رجعتها رضيت او كرهت لكونه احق بها. واشترط الله للرجعة شروطا. احدها ان يكون في طلاق. فان كان في فسخ من الفسوخ فلا رجعة فيها لقوله مطلقات الثاني ان يكون الطلاق واحدة او اثنتين. لان قوله طلاق مرتان. يعني الذي يحصل به الرجعة. ثم صرح بعد ذلك انه ان طلقها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. الثالث ان تكون في العدة لقوله احق بردهن في ذلك. الرابع الا يقصد برجعتها الاضرار بها بل يقصد ارجاعها لزواجه الحقيقي. الخامس الا يقع الطلاق على عوض فان وقع على عوض فهو الخلع او معناه. والله تعالى سمى الخلع في ده آآ فلو كان له عليها رجعة لم يحصل الفداء. السادس لا يكون الطلاق قبل الدخول. لقوله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل. ثم ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها. ودلت هذه الاية على ان الطلاق لا يقع الا بعد النكاح. فلو علقه على نكاحه لها او نجزه لاجله بنبية لم يقع. ودلت على ان المفارقة في الحياة لا عدة عليها. واما بعد الدخول فان كان التحيض فعدتها ثلاثة اقراع كاملة. تبتدي بها بعد الطلاق وظاهر الاية طالت مدتها او قصرت. فان كانت صغيرة او لم او كانت ايسة من الحيض فعدتها ثلاثة اشهر. وان كانت حاملا عدتها بوضع الحمل كله. وان اشكل امرها فلم يدرى هل هي حامل ام لا. بعدما كان التحيض ولم تيأس. مكثت تسعة اشهر احتياطا للحمل. ثم اعتدت بثلاثة اشهر واما المتوفى عنها فعدتها ان كانت حاملا بوضع الحمل وان لم تكن فبأربعة اشهر وعشر احتياطا عن الحمل. وفي قوله فلا جناح عليكم فيما فعلنا في انفسهن. فيها تنبيه على الاحداد على المتوفى عنها زوجها وانها تترك في وقت عدتها كلما يدعو الى نكاحها. من ثياب الجمال والطيب والكحل والحنة ونحوها. كما وردت مفصلة في السنة. وقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء الاية التعريض الذي نفى الله الحرج فيه في خطبة البائن بوفاة او ثلاث او فالتصريح لا يحل والتعريض الذي يحتمل الخطبة ويحتمل غيرها لا بأس به واما الرجعية فلا تحل خطبتها لا تصريحا ولا تعريضا. لانها في حكم الزوجات وفي هذه الاية تحريم العقد على المعتدة. لانه اذا حرمت خطبتها فمن باب اولى نفس العقد فهو حرام غير منعقد. واما نفقة المطلقة ما دامت في العدة. فان كانت رجعية فلها النفقة. لان الله جعلها زوجة وزوجها احق بها. فلها ما الزوجات من النفقة والكسوة والمسكن. واما البائن فان كانت حاملا فلها النفقة لاجل حملها لقوله تعالى وان كنا اولات حمل فانفقوا عليه حتى يضعن حملهن. وان لم تكن حاملا فليس لها نفقة واجبة واجبة لا كسوة. واما نفقة الرضاع فهي على الاب. فان كانت امه في حبال لابيه فنفقة الزوجة تندرج فيها نفقة الرضاع. لقوله وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن. فلم يوجب غيرها. وان لم تكن في حباله فعليه لها اجرة الرضاع لقوله فان ارضعن لكم فاتوهن اجورهن وامر تعالى ان لا تضار والدة بولدها ولا مولود انه بولده. وهذا شامل لكل ضرر. وقوله وعلى الوارث مثل ذلك استدل بها على نفقة القريب المحتاج. اذا كان وارثه غنيا وارثا له وهذا الشرط الاخير في غير الاصول والفروع. فالغني منهم عليه نفقة الفقير كان او غير وارث. وقوله فلا جناح عليهما فيما افتدت. فيه جواز الخلع عند خوفي الا يقيما حدود الله. وانه يجوز بالقليل والكثير وانه فدية لا يحسب من الطلاق. وليس فيه رجعة. قوله للمطلقات متاع بالمعروف. يشمل كل مطلقة. فينبغي لمن طلق زوجته ان يمتعها بالمتيسر من المال. وذلك من افضل الاحسان. ومن مكارم الاخلاق لانها في هذه الحال منكسر خاطرها قليل في الغالب ما في يدها. ولا الا اذا طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا. وقد ارشد الله الزوج الى ان يمسك زوجته بمعروف او يفارقها بمعروف. وذلك للسلامة من التبعة. ولراحة الطرفين وبقاء الالفة بين الاصهار. وحصول الحياة الطيبة المانعة من الاكدار فهل احسن من هذا الحكم لقوم يوقنون؟ واستدل بقوله تعالى والوالدان يرضعن اولادهن حولين كاملين. مع قوله وحمله وفصاله ثلاثون ان شهرا ان اقل مدة يمكن حياة الحمل فيها ستة اشهر. لانك اذا بيت الحولين من الثلاثين شهرا. بقي ستة اشهر للحمل. قوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر. فان الله غفور رحيم. وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم. فيها حكم الايلاء وهو حلف الزوج على ترك وطأ زوجته ابدا او مدة تزيد على اربعة اشهر. فاذا طلبت الزوجة حقها من الوطأ وامتنع ضربت له مدة اربعة اشهر. ثم اما ان يطأ ويكفر عن يمينه واما ان تلزمه بالطلاق. ويؤخذ من معنى الاية ان الزوج اذا امتنع مما يجب عليه من فراش او وطئ او نفقة او كسوة او مسكن او نحوها من الواجبات. التي لا عذر له في تركها والحت في طلبها حقها ان لها الفسخ. قوله تعالى والذي حين يرمون ازواجهم الايات. لما ذكر تعالى ان من قذف غيره بالزنا فعليه فيه حد القذف ثمانون جلدة. ان لم يأت باربعة شهداء. استثنى من رمى زوجته وانكرت فان له ان يلاعنها بان يشهد اربع شهادات انه لمن فيما رماها به من الزنا. ويزيد في الخامسة وان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين ثم تقابله فتشهد اربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين فيما رماه هذه من الزنا. وتزيد في الخامسة وان غضب الله عليها ان كان من الصادقين فاذا تم اللعان بينهما ترتب عليه سقوط حد القذف عنه. وسقوط العذاب عنها وهو حد الزنا او الحبس. وانتفى الولد المنفي بهذا اللعان. وحصلت الفرقة المؤبدة بينهما قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها. الايات ذكر الله حكم الظهار وانه منكر من القول وزور. وانه اذا اراد ان يعود لوطئها بعد هذا التحريم بان يحرمها صريحا او يقول هي علي كظهر امي اعتق رقبة مؤمنة من قبل ان يتماسى. فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا. احكام الايمان والنذر والعتق. قال تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان. فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم. او كسوة او تحرير رقبة. فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام. ذلك ايمانكم اذا حلفتم واحفظوا ايمانكم. فالحلف ان كان على امر ماض وهو كذب قد تعمده صاحبه فعليه من الاثم ما على الكاذبين. فان كانت يمين فاجرة يقتطع بها مال امرئ مسلم فهي اليمين الغموس. التي تغمس صاحبها في الاثم ثم في النار. فان كان يظن صدق نفسه او وقعت في عرض كلام الرجل. فقوله لا والله بلى والله في معرض كلامه. فهي لغو اليمين لا اثم فيها ولا كفارة فان عقدها على مستقبل وحنف بفعل ما حلف على تركه او ترك ما حلف على فعله عالما ذلك فعليه هذه الكفارة. يخير بين العتق واطعام عشرة مساكين وكسوتهم فان لم يجد صام ثلاثة ايام. ومثل الحلف لفظ التحريم اذا حرم على نفسه شيئا طعاما او شرابا او لباسا او منزلا او غيرها. فحكمه حكم اليمين اذا فعل ما حرمه على نفسه. وهذا التحريم من باب الاعتداء كما ذكره الله. وكذلك لو حلف فبالنذر وهو النذر الذي يسميه العلماء نذر اللجاج والغضب. فان مجراه مجرى اليمين واما النذر الحقيقي الذي ينجزه العبد او يعلقه على امر يحبه طاعة من الطاعات كقوله لله علي ان اعتق او احج او اتصدق او ان شفى الله مريضه كيف لله علي صدقة بكذا فيحصل له ما علقه عليه فهذا يتعين عليه الوفاء وقد مدح الله الموفين بندورهم. وقوله تعالى فلا اقتحن العقبة وما ادراك ما العقبة. فك رقبة. وكون الله ذكر العتق كفارة للظهار والقتل والايمان. وقال تعالى فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا دليل على فضيلة العتق. وانه من اجل الطاعات واحبها الى الله. وفيه بكتابة الرقيق الذي يعلم فيه الخير اي صلاح في الدين وصلاح في الدنيا. واما الذي يخشى منه الفساد او يخشى ان يكون شحاذا كلا على الناس. فليس في عتقه وكتابته فائدة وفيه الحث على اعطاء المكاتبين ما يوفون به كتابتهم وامر السيد ان يضع عنه او يخفف عنه من كتابته. احكام الحدود جعل الله الحدود على الجرائم العظيمة. حماية عنها وردعا ونكالا. قال تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلى. الايات وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس. الاية وقال تعالى وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطأ. الاية الى ان قال ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خر خالدا فيها وغضب الله عليه. وغضب الله عليه ولعنه واعانه له عذابا عظيما. قسم الله القتل الى عمد فيه الوعيد الشديد فيه القصاص. في خير اولياء الدم بين القصاص والعفو الى الدية والعفو بلا شيء فاذا اختاروا القصاص فعلوا بالقاتل كما فعل بالمقتول. من غير زيادة في صفة القتل. ولا قتل لغير من جنى. قال تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل. ان يتجاوز حقه الى غيره ولهذا لو لزم القود انثى حاملا لم تقتل حتى تضع. وشرط الله المكافأة اتى في الحرية والرق وثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه لا يقتل مسلم بكافر واما الذكر فيقتل بالانثى تقديما لعموم قوله تعالى وكتبنا عليهم في فيها ان النفس بالنفس. على مفهوم قوله الحر بالحر والعبد بالعبد ويؤيده قتله صلى الله عليه وسلم لليهودي الذي رد رأس الجارية بين حجرين حين اعترف فيدل على قتل الرجل بالمرأة. وعلى انه يفعل بالقاتل ما فعل بالمقتول كما هو ظاهر الاية. لان القصاص ان يفعل بالجاني كما فعل بالمجني عليه. وكذلك الاطراف والجروح تجري مجرى النفس. يؤخذ كل عضو بما يماثله اسما ومحلا فان عفوا الى الدية فعليهم الاتباع بالمعروف. وعلى المؤدي ان يؤدي باحسان من غير مماطلة ولا مناقصة ولا بخس. وهذا الارشاد الذي نبه الله عباده عليه في جنس المعاملات ان الناس ما بين طالب ومطلوب. فعلى الطالب ان يتبع بالمعروف والمساهلة والمياسرة وعلى المطلوب ان يؤدي باحسان. يسلم الحق تاما لا نقص فيه ولا مطل. هو اكمل معاملاتي واشرفها. وصاحب هذه المعاملة قد حاز الفضيلتين. شرف الدنيا واجر الاخرة والقسم الثاني الخطأ. فهذا لم يجعل الله فيه قصاصا ولا رتب عليه اثما ووعيدا. وانما اوجب فيه الكفارة على القاتل عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فليصم شهرين متتابعين ودية مسلمة الى اهل المقتول يسلمها عاقلة القاتل. وقد فصلت السنة مقادير ديات النفوس والاطراف والجروح وقال تعالى انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا. ان يقتلوا او يصلوا لبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض. هذا ما حد قطاع الطريق من العلماء من قال ان الامام مخير فيهم في هذه الاشياء. يفعل ما يراه اصلح. ومن العلماء من قال ان هذه العقوبات متفاوتة في غلظها فهي تبع الجنايات فمن قتل واخذ مالا قتل وصلب. ومن قتل ولم يأخذ مالا قتل ولم يصلب ومن اخذ مالا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى. ومن اخاف السبيل نفي من الارض وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وهو اولى. وقال تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم. فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن ان الموت حتى يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلا قيل وهذا السبيل الذي ذكره الله قد بينه صلى الله عليه وسلم. بان المحصن كان يرجم حتى يموت والبكر يجلد مائة ويغرب عاما. وقال تعالى الزاني والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم. ولا لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله. وقد شرط تعالى ثبوت هذا الحد ان يشهد فيه اربعة رجال عدول والاقرار تنوب الاربع عن الاربعة وقال تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون. الا الذين تابوا الرمي المذكور هنا هو الرمي بالزنا. فعلى القاذف ثمانون جلدة وترد شهادته. الا ان تاب بان اكذب نفسه وقد امر تعالى بقطع يد السارق والسارقة وذلك اذا ثبتت السرقة ببينة او اقرار. قوله تعالى والحرمات قصاص. فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم. استدل بذلك على القصاص في الاطراف والجروح. واتلاف الاموال واللطم ونحوها ومقابلة الشاتم بمثله من غير اعتداء. احكام الاطعمة والاشربة ذبائح والصيد والضيافة والاستئذان والسلام. قال تعالى هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا. قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من ان الرزق احل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة. وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما. وقال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ووصف دينه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم. ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث. حرمت عليكم الميتة والدم لحم الخنزير. الايات الى ان قال يسألونك ماذا احل لهم قل احل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله. فكلوا مما امسكنا عليكم واذكروا اسم الله عليه. وما لكم الا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم وقد فصل لكم ما حرم عليكم. وقال تعالى يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا قل لا اجد فيما اوحي الي محرما على طاعمي يطعمه الا ان يكون ميتة الا ان يكون ميتة او دما مسفوحا او خنزير. الاية ثمانية ازواج. الايات. هذه ايات تدل على ان الاصل في الاطعمة الحل. الا ما صرح الشارع بتحريمه. وقد صرح لبهيمة الانعام وبحل حيوانات البحر. صيده ما صيد حيا. وطعامه ما وجد فيه ميتا ولم يستثني شيئا. واحل صيود البر كلها لانه لم يحرمها الا في الاحرام واحل الحبوب والثمار وجميع الطيبات. وشرط لحل حيوانات البر ان ان كان مقدورا عليها ان تذكى. كما قال الا ما ذكيتم. وذكر اسم الله عليه وما عجز عنه برميه بما يجرح. او ارسال الجوارح المعلمة عليه من الطيور والكلاب وشرط تعليمها بان تسترسل اذا ارسلت. وتنزجر اذا زجرت. وتمسك على صاحبها ولا لا تأكل منها وبان يذكر اسم الله عليها عند ارسالها وحرم الميتة. وهي ما تحت فانفه. او بسبب لا يبيح. كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع الا ما ادرك من هذه. وذكي ذكاة شرعية وحرم الخنزير وحرم النبي صلى الله عليه وسلم كل ذي ناب من السباع وكل ذي لبن من الطير وما نهى عن قتله او امر بقتله كالفواسق والحشرات. وجميع مستخبثات وجميع ما فيه ضرر. فكل ما احله فهو نافع. ولم يحرم على العباد الا ما في اديانهم وابدانهم. واعراضهم وعقولهم كالمسكرات. ومع ذلك قال فمن اضطر في مخمصة اي مجاعة غير متجانس لاثم. اي مائل اليه بان يتزود منها او يأكل فوق ما يزيل ضرورته. وحرم تعالى ما ذبح لغير الله. وقال تعالى هل اتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين؟ الايات فيها دلالة على ان الضيافة من ملة ابراهيم التي امرنا باتباعها. وان تمامها اكرام الضيف. كما قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه وفيه انه قرب ضيافتهم اليهم. ولم يحوجهم الى الذهاب الى محل اخر وفيه العرض عليهم بلطف لقوله الا تأكلون وقوله تعالى اذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها او ردوها. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها. في هذا مشروعية السلام وانه من شعار المسلمين. وانه ينبغي الابتداء بالسلام. وان الرد عليه ان يقابل الى التحية بمثلها. او احسن منها قولا وبشاشة وملاطفة. فان السلام والتحية تحسن بما يقترن بها. من اللطف وحسن اللقاء والاناث. وادخال السرور على اخيك مسلم وفيه الارشاد لعباده الا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم الا باذن اهلها فان اذنوا والا وجب عليه الرجوع. وحرم عليه التطفل والاكل والشرب من بيوت الناس بدون اذن الا من جرت عادتهم بالرضا بذلك كالذي استثنى الله بقوله ولا على انفسكم ان تأكلوا من بيوتكم او بيوت ابائكم الى اخرها. ونهى عن الدخول الا باذن الا المماليك والاطفال الذين لم يبلغوا الحلم حيث كانوا مترددين طوافين على الناس. فلهم الدخول بلا اذن الا في اوقات العورات الثلاث. حين اليقظة من النوم ووقت النوم ووقت الظهيرة. وقد امر بالسلام عند للبيوت سواء كانت للانسان او لغيره. فانها تحية مباركة طيبة احكام متنوعة في الاصول والفروع والاداب. قوله تعالى واذا رأيت الذين يخوضون في اياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين. تدل الاية على النهي عن مجالسة اصحاب المعاصي والقعود معهم. ما داموا على معصيتهم. وانه يجب على من سمع الكلام المحرم ان يمنع صاحبه فان لم يتمكن من ذلك وجب عليه القيام من ذلك المجلس وكذلك فاعل المحرم. ولهذا اتى باللفظ العام في قوله الظالمين قوله تعالى اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. دليل على ان شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بنسخه لان هداهم ما هم عليه من العقائد الاخلاق والاعمال. قوله ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله كيف يسب الله عدوا بغير علم. فيها سد الذرائع عن الامور المحرمة وان المباح او المستحب اذا افضى الى مفسدة نهي عنه. ويستدل بقوله يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. لا يكلف الله نفسا نفسا الا وسعها. وفي الاخرى لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها وما جعل عليكم في الدين من حرج. على ان المشقة تجلب التيسير. قوله تعالى واوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس اشياءهم. فيها وجوب النصح في المعاملات كلها وتحريم البخس والغش فيها. قوله وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها. وقوله ثم تذكروا نعمة ربكم اذا استوى عليه وتقولوا سبحان الذي وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وانا الى لمنقلبون. يدل على استحباب هذه الاذكار عند ركوب كل مركوب من دابة وسفينة ومراكب برية وبحرية وهوائية. قوله وشهد فشاهد من اهلها. الاية يدل على اعتبار القرائن وشواهد الاحوال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم ان خير من استأجرت القوي الامين. يدل على اعتبار الكفاءة والامانات. في والوظائف كلها بحسب ما يليق بالولاية. فان لم يحصل الاكمل في هذه الصفات فالامثل فيها. وقوله يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي. رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وعلى والدي ان اعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي. اني تبت اليك يدل على الاجتهاد في الدعاء للوالدين والذرية وعلى طلب الدعاء من الوالدين والفضلاء. قوله تعالى ولقد نعلم ان يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين اعبد ربك حتى يأتيك اليقين. يدل على ان التسبيح والتحميد والاكثار من ذكر الله والاشتغال بعبادته مع ما فيه من الخيرات والاجور انها تشرح الصدر وتهون المشاق وتسلي عن المصائب. قوله تعالى فاما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر. واما بنعمة ربك فحدث فاذا فرغت فانصب. والى ربك فارغب. فيه الترغيب في اكرام اليتيم والزجر عن الاساءة اليه. وفيه حسن الخلق مع السائل للمال والعلم والتحدث بنعم الله مع نفسك ومع الخلق. والاشتغال بعبادة الله عند الفراغ من الاشغال الدنيوية وكثرة الرغبة الى الله في جميع المطالب الدينية والدنيوية. قوله تعالى فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. وان مما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله. فيه الحث على الاستعاذة من الشيطان عند القراءة في الصلاة وخارجها. وعندما ينزغ الشيطان العبد ويحس بوساوسه التي تدور على التثبيت عن الخير. والترغيب في الشر. فالاستعاذة بالله من تدفع شره وكيده. قوله تعالى فبعثوا احدكم بورقكم هذه الى المدينة فلينظر ايها ازكى طعاما. فلينظر اي ها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف يتلطف ولا يشعرن بكم احدا. تدل على صحة الوكالة والتوكيل وعلى المشاركة في الطعام وغيره. وعلى اختيار الطيب منه. وعلى الاحتراز في الامور الضارة وعلى انه ينبغي كتمان السر الذي تضر اذاعته ضررا من او خاصا قوله تعالى ولا تقولن لشيء اني فاعله ذلك غدا. الا ان يشاء الله. واذكر ربك اذا نسيت وقل عسى ان يهديني ربي. وقل عسى ان يهديني ربي قرب من هذا رشدا. ينبغي للعبد ان يسترشد بهذه الوصايا النافعة. ولا ايحكم على الامور المستقبلة؟ المتعلقة بفعله حتى يقرنها بمشيئة الله. وعند عند نسيانه مطلقا يذكر الله ويرجوه الهداية كل وقت لارشد الامور واحبها اليه قوله ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا ان يشاء الله واذكر ربك اذا نسيت وقل عسى ان يهديني ربي لا من هذا رشدا. ينبغي لمن اعجبه شيء مما اعطاه الله ان يقول ذلك لانه اعتراف بالنعمة. وحراسة لها من كل افة. يستفاد من موسى مع الخضر ادب الم تعلم مع المعلم وان المفسدة الجزئية تغتفر في جانب المصلحة العظيمة. وان افساد ما للغير اذا تضمن اصلاحه من وجه اخر ارض رجح من افساده فانه محمود. وان الرجل الصالح يحفظه الله في نفسه وذريته وان كثيرا من الامور الكريهة للعبد قد تكون خيرا وتجلب خيرا كثيرا. وتدفع شرا كثيرا. وفي بناء ذي القرنين للسد فيه انه ينبغي اعانة الضعفاء ودفع شرور المعتدين بكل وسيلة. وان ذلك من نعمة الله في حق الضعفاء. وفي بحق من اعانهم. قوله فقولا له قولا لينا. فيه استحباب اللين فيه خطاب الرؤساء والعظماء. وفي قوله ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه. وقل رب زدني علما. ادب طالب العلم وانه ينبغي له ان يتأنى في تدبره وتأمله للعلم. ولا يستعجل بالحكم على الاشياء. ولا اعجب بنفسه ويسأل ربه العلم النافع والتسهيل. قوله تعالى ولا تمدوا عينيك الى ما متعنا به ازواجا. فيه انه ينبغي للموفق الا فينظر الى زينة الدنيا نظر المعجب المفتون. وان يقنع برزق ربه. وان يتعوض مما منع منه من الدنيا بزاد التقوى الذي هو عبادة الله واللهج بذكره. قوله وكذلك ننجي المؤمنين. ينبغي لكل مؤمن وقع في كربة وضيق. ان يدعو في هذه الدعوة لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين قوله تعالى لولا اذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات انفسهم خيرا وقالوا وقالوا هذا افك مبين. هذا ارشاد منه لعباده اذا سمعوا الاقوال القادحة في اخوانهم المؤمنين رجعوا الى ما علموا من ايمانهم والى ظاهر احوالهم. ولم يلتفتوا الى اقوال القادحين. بل رجعوا الى الاصل وانكروا ما ينافيه. انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا ان يقولوا سمعنا واطعنا اولئك هم المفلحون. هذا متعين على كل مؤمن. قوله ويوم يعض الظالم على يديه الايات مع قوله الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين. فيها التحذير من صحبة الاشرار. والترغيب في صحبة الاخيار. قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث يدخل في كل حديث يلهي العبد عن الخير من الغناء وغيره. قوله فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا. فيه ادب المرأة في خطاب رجال الاجانب الا تخشن الكلام ولا تلينه. بل تقول قولا معروفا قوله والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد. بغير ما اكتسب احتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا. فيه النهي عن اذية المؤمنين القولية والفعلية بغير استحقاق. قوله يا داوود انا جعلناك خليفة من في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى. ولا تتبع الهوى افيضلك عن سبيل الله فيه ضابط ما يجب على الحكام والقضاة من الحكم بين بالحق المتضمن لمعرفته وتنفيذه وعدم الميل واتباع الهوى. قوله وخذ بيدك ضغطا فاضرب به ولا تحنث. فيه التخفيف وعن الضعيف وعن الحبيب لله. قوله الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه. هذا الضابط في الواجب على مستمع القول ان يتبع احسنه وهو الحق المأمور به. قوله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله. الى اخر السورة فيها الارشاد من الله لعباده ان يتأدبوا معه ومع رسوله. بالخضوع القياد والطاعة والا يقدموا على ذلك شيئا. وان يخضعوا بالقول عند رسوله وفيها الحث على التأني والتثبت. والاصلاح بين المؤمنين بكل وسيلة. والزجر عن السخرية وسوء الظن والغيبة والنميمة. والحث على معرفة الانساب. ومعرفة الاتصال بين الانسان بين غيره وبيان حقيقة الايمان وشهود منة الله على العبد بتوفيقه للايمان قوله انهم كانوا قبل ذلك مترفين. وكانوا يصرون على العظيم اي منعهم الترف من اداء الواجبات. وكانوا يصرون على عظائم المنكرات فلذلك استحقوا هذه العقوبات. يستدل بقوله تعالى يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون. وما بعدها على ان من تكلم بالحق وعمل بخلافه انه ممقوت مذموم. وان الحمد والعواقب الحميدة. لمن توافق ظاهره وباطنه واقواله وافعاله. قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. تدل على انه لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة. ويستدل بقصة اصحاب الجنة. وما عاقبه الله به على التحذير من التشبه بهم والترغيب في الاحسان عند الحصاد والجذاذ على الفقراء الفقراء والمساكين. قوله فذكر ان نفعت الذكرى. مفهوم الاية انه اذا ترتب على التذكير مضرة ارجح. ترك التذكير خوف وقوع المنكر قولوا فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا والايات الشبيهة بها. فيها الحث على فعل الخير وان قل. والتحذير من قليل الشر وكثيره. قوله تعالى قل هو الله احد قل اعوذ برب الفلق قل اعوذ برب الناس الى اخر السور الثلاث صدر كلا منها بالامر بقول ما تضمنته كل سورة ففي قل هو الله احد امر بقول التوحيد. وكل ما دل على الثناء على الله ووصفه بصفات الكمال وتنزيهه عن ضدها. وفي السورتين الاخيرتين امر باللجأ اليه من جميع الشرور. الداخلية والخارجية والظاهرة والباطنة والله اعلم. وقد ذكر الله القرعة في موضعين حين تنازعوا في مريم ايهم يكفلها وحين تساهم يونس ومن معه ايهم يلقى في اليم فيدل على استعمال القرعة عند ابهام مستحق وعند التزاحم في الحق. اذا لم يكن لاحدهما مزية ترجيح. ولا تمكن المشاركة واما قرعة الميسر والرهان ففي غير ذلك من مواضع الخطر. مثل ان يعرف ان الشيء مشترك بينهما فيريدان ان يقترعا عليه. فهذا الذي لا يحل لانه ميسر ظاهر قوله تعالى ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. ولم يقل في موضع واحد انه يخبر او يعلم ما يعلم خلافه. برهان على انه صلى الله عليه وسلم لا يأتي بما تحيله العقول. ولا بامر يعلم يقينا نقيضه. وهذا احد براهين الرسالة قوله والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضان حجتهم داحضة عند ربهم. الاية فيها اكبر برهان على ان من امن بالله ورسوله ايمانا تاما. وعلم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم قطعا تيقن ثبوت جميع ما اخبر به. وعلم ان ما عارض ذلك فهو باطل. وانه ليس بعد الحق الا الضلال. فهذا الايمان التام والعلم القطعي الاجمالي. يدفع كل باطل ناقضه. فان اهتدى بعد ذلك لتفصيل رد الشبه الباطلة. والا كفاه هذا الاصل وقد اخبر في عدة ايات ان الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين وذلك يفيد انك كلامه فيه الهدى التام. وانه يستحيل ان يريد بكلامه غير ما يفهمه الناس. ويتبادر الى اذهانهم منه. ويمتنع ان يريد به الاحتمالات البعيدة لان هذا ينافي ما وصفه الله به. فانه اعلم الخلق وانصحهم وافصحهم فمن قدح في شيء من بيانه فهو قادح به. اذ هذا يوجب ان يكون بيانه للحق اكمل من بيان كل احد. قوله تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل فيها ان جميع المسائل الاصولية والفروعية قد قالها الله وبينها بالادلة والبراءة فقوله الحق بيانه للمسائل. وهدايته السبيل ارشاده للدلائل قوله تعالى وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس في اختلفوا فيه. فيه اصلح الدلالة على ان جميع مسائل الاختلاف بين الناس يتعين ونردها الى الكتاب وان فيه حلها وحكمها. وان غير الكتاب لا يفصل النزاع ولا يحل الخلاف لا عقل ولا قياس. ولا رأي احد من الخلق كائنا ما كان قوله قل ان الهدى هدى الله. ونحوها من الايات تدل على ان من طلب الهدى والرشد من غير الكتاب والسنة ضل. لان الهدى محصور في هدى الله الذي ارسل به رسوله صلى الله عليه وسلم