بسم الله الرحمن الرحيم. نزل صدرها الى بضع وثمانين اية في مخاصمة النصارى وابطال مذهبهم. ودعوتهم الى الدخول في الدين بحق دين الاسلام كما نزل صدر البقرة في محاجة اليهود كما تقدم الله لا اله الا هو الحي القيوم. افتتحها تبارك وتعالى اخباري بالوهيته وانه الاله الذي لا اله الا هو الذي لا ينبغي التأله والتعبد الا لوجهه. فكل معبود سواه فباطل الله هو الاله الحق المتصف بصفات الالوهية. التي مرجعها الى الحياة والقيومية. فالحي من له الحياة العظيمة الكاملة المستلزمة بجميع الصفات التي لا تتم ولا تكمن الحياة الا بها. كالسمع والبصر والقدرة والقوة والعظمة والبقاء والدوام. والعز الذي لا يرام القيوم الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع مخلوقاته وقام بغيره. فافتقرت اليه جميع مخلوقاته في الايجاد والاعداد والامداد فهو الذي قام بتدبير الخلائق وتصريفهم. تدبير للاجسام وللقلوب والارواح انزل الفرقان ان الذين كفروا بايات الله لهم عذاب شديد لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ومن قيامه تعالى بعباده ورحمته بهم ان نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي هو اجل الكتب واعظمها المشتمل على الحق في اخباره واوامره ونواهيه. فما اخبر به صدق وما حكم به فهو العدل وانزله بالحق ليقوم الخلق بعبادة ربهم ويتعلمون وكتابة مصدقا لما بين يديه من الكتب السابقة. فهو المزكي لها. فما شهد لها فهو المقبول. وما رده فهو المردود. وهو مطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون. وهي شاهدة له بالصدق. فاهل الكتاب لا يمكنهم التصديق بكتبهم ان لم يؤمنوا به فان كفرهم به ينقض ايمانهم بكتبهم. ثم قال الله تعالى وانزل التوراة اي على موسى والانجيل على عيسى من قبل انزال القرآن هدى للناس. الظاهر ان هذا راجع لكل ما تقدم. اي انزل الله القرآن والتوراة والانجيل هدى للناس من الضلالة فمن قبل هدى الله فهو المهتدي. ومن لم يقبل ذلك بقي على ضلاله. وانزل الفرقان اي الحجج والبينات والبراهين القاطعات الدالة على جميع المقاصد والمطالب. وكذلك فصل وفسر ما يحتاج اليه الخلق حتى بقية الاحكام جلية ظاهرة. فلم يبق لاحد عذر ولا حجة لمن لم يؤمن به وبآياته. فلهذا قال ان الذين كفروا بايات الله اي بعدما بينها ووضحها وازاح العلل. لهم عذاب شديد لا يقدر قدره ولا يدرك وصفه. والله عزيز اي قوي لا يعجزه شيء. ذو انتقام ممن عصاه لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء وهذا فيه تقرير احاطة علمه بالمعلومات كلها جليها وخفيها ظاهرها وباطنها. ومن جملة ذلك الاجنة في البطون التي لا يدركها بصر المخلوقين. ولا ينال نهى علمهم وهو تعالى يدبرها بالطف تدبير. ويقدرها بكل تقدير. فلهذا قال لا اله الا هو العزيز هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء. من كامل الخلق وناقصه وحسن وقبيح وذكر وانثى لا اله الا هو العزيز الحكيم. تضمنت هذه الايات تقدير الهية الله وتعينها. وابطال الهية ما سواه. وفي ضمن ذلك رد على النصارى الذين يزعمون الهية عيسى ابن مريم عليه السلام. وتضمنت اثبات حياته الكاملة وقيوميته التامة المتضمنتين جميع الصفات المقدسة كما تقدم واثبات الشرائع الكبار وانها رحمة وهداية للناس وتقسيم الناس الى مهتد وغيره وعقوبة من لم يهتدي بها وتقرير سعة علم الباري ونفوذ مشيئته وحكمته محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات. فاما الذين في قلوبهم زي ايتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. وما يعلم والراسخون في العلم يقولون امنا به كل القرآن العظيم كله محكم كما قال الله تعالى كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. فهو مشتمل على غاية الاتقان والاحكام والعدل والاحسان من احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وكله متشابه في الحسن والبلاغة والتصديق بعضه لبعض. ومطابقته لفظا ومعنى. واما تشابه المذكور في هذه الاية فان القرآن كما ذكره الله منه ايات محكمات اي واضحات الدلالة ليس فيها شبهة ولا اشكال هن ام الكتاب اي اصله الذي يرجع اليه كل متشابه. وهي معظمه واكثره. ومنه ايات اخر متشابهات. اي يلتبس معناها على كثير من الاذهان لكون دلالتها مجملة او يتبادر الى بعض الافهام غير المراد منها. فالحاصل ان منها ايات بينة واضحة لكل لاحد وهي الاكثر التي يرجع اليها. ومنه ايات تشكل على بعض الناس. فالواجب في هذا ان يرد المتشابه الى المحكم. والخفي الى الجليل فبهذه الطريق يصدق بعضه بعضا. ولا يحصل فيه مناقضة ولا معارضة. ولكن الناس انقسموا الى فرقتين. فاما الذين في قلوبهم اي ميل عن الاستقامة بان فسدت مقاصدهم. وصار قصدهم الغي والضلال وانحرفت قلوبهم عن طريق الهدى والرشاد. فيتبعون ما شابه منه ان يتركون المحكم الواضح ويذهبون الى المتشابه ويعكسون الامر فيحملون المحكم على المتشابه ابتغاء الفتنة لمن يدعونهم لقولهم فان المتشابه تحصل به الفتنة بسبب الاشتباه الواقع فيه. والا فالمحكم الصريح ليس محلا للفتنة لوضوح الحق فيه ما قصده اتباعه وقوله وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله. للمفسرين في الوقوف على الله من قوله وما لم تأوي له الا الله قولان جمهورهم يقفون عندها وبعضهم يعطف عليها والراسخون في العلم. وذلك كله محتمل ان التأويل ان اريد به علم حقيقة الشيء وكنهه كان الصواب الوقوف على الا الله. لان المتشابه الذي استأثر الله بعلم كونه وحقيقته نحو حقائق صفات الله وكيفيتها وحقائق اوصاف ما يكون في اليوم الاخر ونحو ذلك. فهذا لا يعلمها الا الله. ولا يجوز التعرض للوقوف عليها لانه تعرض لما لا يمكن معرفته. كما سئل الامام ما لك رحمه الله عن قوله الرحمن على العرش استوى. فقال السائل كيف استوى؟ فقال ما لك الاستواء معلوم. والكيف مجهول. والايمان به واجب. والسؤال عنه بدعة. فهكذا يقال في سائر الصفات لمن سأل عن كيفيتها ان يقال كما قال الامام مالك تلك الصفة معلومة وكيفيتها مجهولة والايمان بها واجب والسؤال عنها وقد اخبرنا الله بهذا ولم يخبرنا بكيفيتها. فيجب علينا الوقوف على ما حد لنا. فاهل زيغ يتبعون هذه الامور المشتبهات تعرضا لما لا يعني وتكلفا لما لا سبيل لهم الى علمه. لانه لا يعلمها الا الله. واما الراسخون في العلم فيؤمنون بها ويكلون المعنى الى الله فيسلمون ويسلمون. وان اريد بالتأويل التفسير والكشف والايضاح. كان الصواب عطف الراسخون على الله فيكون الله قد اخبر ان تفسير المتشابه ورده الى المحكم وازالة ما فيه من الشبهة لا يعلمها الا هو تعالى والراسخون في العلم يعلمون ايضا فيؤمنون بها ويردونها للمحكم. ويقولون كل من المحكم والمتشابه من عند ربنا. وما كان من عنده فليس فيه تعارض ولا تناقض بل هو متفق يصدق بعضه بعضا. ويشهد بعضه لبعض. وفيه تنبيه على الاصل الكبير. وهو انهم اذا علموا ان جميعه من عند الله واشكل عليه مجمل متشابه. علموا يقينا انه مردود الى المحكم. وان لم يفهموا وجه ذلك. ولما رغب تعالى في التسليم والايمان باحكامه زجر عن اتباع متشابه قال وما يذكر اي يتعظ بمواعظ الله ويقبل نصحه وتعليمه الا اولو الالباب اي اهل العقوق الرزينة لب العالم وخلاصة بني ادم. يصل التذكير الى عقولهم. فيتذكرون ما ينفعهم فيفعلونه. وما يضرهم فيتركونه واما من عاداهم فهم القشور الذي لا حاصر له ولا نتيجة تحته. لا ينفعهم الزجر والتذكير لخلوهم من العقول النافعة. ثم اخبر تعالى عن الراسخين في العلم انهم يدعون ويقولون ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا ليلة ملهى عن الحق جهلا وعنادا منا. بل اجعلنا مستقيمين هادين مهتدين. فثبتنا على هدايتك وعافنا مما ابتليت به الزائر وهب لنا من لدنك رحمة. اي عظيمة توفقنا بها للخيرات. وتعصمنا بها من المنكرات. انك انت الوهاب. اي واسع العطايا والهبات كثير الاحسان الذي عم جودك جميع البريات ان الله لا يخلف الميعاد ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه. انك لا تخلف الميعاد. فمجازيهم باعمالهم حسنها وسيئها. وقد اثنى الله تعالى على راسخين في العلم بسبع صفات هي عنوان سعادة العبد. احداها العلم الذي هو الطريق الموصل الى الله. المبين لاحكامه وشرائعه الثانية الرسوخ في العلم وهذا قدر زائد على مجرد العلم. فان الراسخ في العلم يقتضي ان يكون عالما محققا وعارفا قد علمه الله ظاهر العلم وباطنه. فرسخ قدمه في اسرار الشريعة علما وحالا وعملا. الثالثة انه وصفهم بالايمان بجميع في كتابه هو رد لمتشابهه الى محكمه. بقوله يقولون امنا به كل من عند ربنا. الرابعة انهم سألوا الله العفو عافية مما ابتلي به الزائغون المنحرفون. الخامسة اعترافهم بمنة الله عليهم بالهداية. وذلك قوله ربنا لا تزغ بعد اذ هديتنا. السادسة انه مع هذا سألوه رحمته المتضمنة حصول كل خير واندفاع كل شر. وتوسلوا اليه الوهاب السابعة انه اخبر عن ايمانهم وايقانهم بيوم القيامة وخوفهم منه وهذا هو الموجب للعمل الرادع عن الزلل ثم قال تعالى ان الذين كفروا لن تغني عنهم اموالهم ولا اولادهم شيئا واولئك هم مقودون يخبر على ان الكفار به وبرسله الجاحدين بدينه وكتابه قد استحقوا العقاب وشدة العذاب بكفرهم وذنوبهم وانه لا يغني عنهم مالهم ولا اولادهم شيئا. وان كانوا في الدنيا يستدفعون بذلك النكبات التي ترد عليهم. ويقولون نحن اكثر اموالا واولادا وما نحن بمعذبين. فيوم القيامة يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون. وبدا لهم سيئات ما كسبوا. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون وليس للاولاد والاموال قدر عند الله. انما ينفع العبد ايمانه بالله واعماله الصالحة. كما قال الله تعالى وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى. الا من امن وعمل صالحا. فاولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا. وهم في امنون واخبر هنا ان الكفار هم وقود النار. اي حطبها الملازمون لها دائما ابدا. وهذه الحال التي ذكر الله تعالى انها لا تغني الاموال والاولاد عن الكفار شيئا. سنته الجارية في الامم السابقة. كدأب ال فرعون والذين من قبل ان كذبوا باياتنا فاخذهم الله بذنوبهم. فاخذهم الله بذنوبهم ما الله شديد كما جرى لفرعون ومن قبله ومن بعدهم من الفراعنة العتاة الطغاة ارباب الاموال والجنود لما كذبوا بايات الله وجحدوا ما جاءت به الرسل وعاندوا. اخذهم الله بذنوبهم عدلا منه لا ظلما. والله شديد العقاب على من اتى باسباب العقاب وهو الكفر والذنوب على اختلاف انواعها وتعدد مراتبها. ثم قال تعالى قل يا محمد للذين كفروا تغلبون وتحشرون الى جهنم وبئس المهاد. وفي هذا اشارة للمؤمنين بالنصر والغلبة. وتحذير للكفار. وقد وقع كما اخبر تعالى فنصر الله المؤمنين على اعدائهم من كفار المشركين واليهود والنصارى. وسيفعل هذا تعالى بعباده وجنده المؤمنين الى يوم القيامة. ففي لهذا عبرة واية من ايات القرآن المشاهدة بالحس والعيان. واخبر تعالى ان الكفار مع انهم مغلوبون في الدار. انهم محشورون اسمعون يوم القيامة لدار البوار وهذا هو الذي مهدوه لانفسهم فبئس المهاد مهادهم وبئس الجزاء جزاؤهم اية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة يرونهم وكافرة يرونهم مثليهم رأي العين. والله يؤيد بنصره من يشاء ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار. قد كان لكم اية اي عبرة عظيمة في فئة التقتا وهذا يوم بدر فئة تقاتل في سبيل الله وهم الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه واخرى كافرة اي كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطرا وفخرا ورئاء الناس. ويصدون عن سبيل الله. فجمع الله بين الطائفتين في بدر. وكان المشركون اضعاف المؤمنين. فلهذا قال يرونهم مثليهم رأي العين. ان يرى المؤمنون الكافرين يزيدون عليها زيادة كثيرة. تبلغ المضاعفات وتزيد عليها واكد هذا بقوله رأي العين فنصر الله المؤمنين وايدهم بنصره فهزموهم وقتلوا صناديدهم اسروا كثيرا منهم وما ذاك الا لان الله ناصر من نصره. وخاذل من كفر به ففي هذا عبرة لاولي الابصار. اي اصحاب البصائر والعقول الكاملة على ان الطائفة المنصورة معها الحق والاخرى مبطلة. والا فلو نظر الناظر الى مجرد الاسباب الظاهرة والعدد والعدد لا تزعم بان غلبة هذه الفئة القليلة لتلك الفئة الكثيرة من انواع المحالات ولكن وراء هذا السبب المشاهد بالابصار سبب اعظم مؤمن لا يدركه الا اهل البصائر والايمان بالله والتوكل على الله والثقة بكفايته. وهو نصره واعزازه لعباده المؤمنين على الكافرين والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرص ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن يخبر تعالى انه زين للناس حب الشهوات الدنيوية. وخص هذه الامور المذكورة لانها اعظم شهوات الدنيا. وغيرها تبع لها قال الله تعالى انا جعلنا ما على الارض زينة لها. فلما زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات. تعلقت بها نفوس ومالت اليها قلوبهم وانقسموا بحسب الواقع الى قسمين. قسم جعلوها هي المقصود. فصارت افكارهم وخواطرهم واعمالهم الظاهرة والباطنة لها فشغلتهم عن ما خلقوا لاجله. وصحبوها صحبة البهائم السائمة. يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها. ولا يبالون على اي وجه حصلوها ولا فيما انفقوها وصرفوها. فهؤلاء كانت زادا لهم الى دار الشقاء والعناء والعذاب. والقسم الثاني عرفوا المقصود منها وان الله جعلها ابتلاء وامتحانا لعباده. ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته. فجعلوها وسيلة لهما طريقا يتزودون منها لاخرتهم. ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته. قد صحبوها بابدانهم وفارقوها قلوبهم وعلموا انها كما قال الله تعالى ذلك متاع الحياة الدنيا فجعلوها معبرا الى الدار الاخرة ومتجرا يرجون بها الفوائد الفاخرة فهؤلاء صارت لهم زادا الى ربهم. وفي هذه الاية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم على هذه الشهوات التي يقدر عليها الارض وتحذير للمغتربين بها وتزهيد لاهل العقول النيرة بها وتمام ذلك ان الله تعالى اخبر بعدها عن دار القرار ومصير للمتقين الابرار واخبر انها خير من ذلكم المذكور اتقوا عند ربهم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار الانهار خالدين فيها الا وهي الجنات العاليات ذات المنازل الانيقة والغرف العالية. والاشجار المتنوعة المثمرة بانواع الثمار. والانهار الجارية على حسب مرادهم ازواج المطهرة من كل قذر ودنس وعيب ظاهر وباطن. مع الخلود الدائم الذي به تمام النعيم. مع الرضوان من الله الذي هو اكبر نعيم تقس هذه الدار الجليلة بتلك الدار الحقيرة ثم اختر لنفسك احسنهما واعرض على قلبك المفاضلة بينهما والله بصير بالعباد اي عالم بما فيه من الاوصاف الحسنة والاوصاف القبيحة. وما هو اللائق باحوالهم. يوفق من شاء منهم ويخذل من شاء. فالجنة التي ذكر الله وصفها ونعتها باكمل نعت. وصف ايضا المستحقين لها وهم الذين اتقوه بفعل ما امر به وترك ما نهى عنه. وكان من دعائهم ان قالوا الذين يقولون ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب توسلوا بمنة الله عليهم بتوفيقهم للايمان ان يغفر لهم ذنوبهم. ويقيهم شر اثارها وهو عذاب النار ثم فصل اوصاف التقوى فقال صادقين والقانتين والمنفقين الصابرين والصادقين والقانتين الصابرين انفسهم على ما يحبه الله من طاعته وعن معصيته وعلى اقداره المؤلمة والصادقين في ايمانهم واقوالهم واحوالهم والمنفقين مما رزقهم الله بانواع النفقات على المحاويج من الاقارب وغيرهم. والمستغفرين بالاسحار. لما بين صفاتهم الحميدة ذكر احتقارهم لانفسهم وانهم لا يرون لانفسهم حالا ولا مقاما. بل يرون انفسهم مذنبين مقصرين. فيستغفرون ربهم. ويتوقعون اوقات الاجابة وهي السحر قال الحسن مد الصلاة الى السحر ثم جلسوا يستغفرون ربهم فتضمنت هذه الايات حالة الناس في الدنيا وانها متاع ينقضي ثم وصف الجنة وما فيها من النعيم وفاضل بينهما وفضل الاخرة على الدنيا تنبيها على انه يجب ايثارها والعمل لها ووصف اهل الجنة وهم المتقون. ثم فصل خصال التقوى فبهذه الخصال يزن العبد نفسه. هل هو من اهل الجنة ام لا شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قال اله الا هو العزيز الحكيم تقرير من الله تعالى للتوحيد باعظم الطرق الموجبة له. وهي شهادته تعالى. وشهادة خواص الخلق وهم الملائكة واهل العلم. اما شهادته تعالى فيما اقامه من الحجج والبراهين القاطعة على توحيده. وانه لا اله الا هو فنوع الادلة في الافاق والانفس على هذا الاصل العظيم ولو لم يكن في ذلك الا انه ما قام احد بتوحيده الا ونصره على المشرك الجاحد المنكر للتوحيد. وكذلك انعامه العظيم الذي ما بالعباد من نعمة الا منه. ولا يدفع النقم الا هو. والخلق كلهم عاجزون عن المنافع والمضار لانفسهم ولغيرهم. ففي هذا برهان قاطع على وجوب التوحيد وبطلان الشرك. واما شهادة الملائكة بذلك فنستفيدها باخبار الله لنا بذلك واخبار رسله. واما شهادة اهل العلم فلانهم هم المرجع في جميع الامور الدينية. خصوصا في اعظم الامور واجلها واشرفها. وهو التوحيد. فكلهم من اولهم الى اخرهم قد اتفقوا على ذلك ودعوا اليه. وبينوا للناس الطرق الموصلة اليه. فوجب على الخلق التزام هذا الامر المشهود عليه والعمل به في هذا دليل على ان اشرف الامور علم التوحيد. لان الله شهد به بنفسه واشهد عليه خواص خلقه. والشهادة لا تكون الا عن علم ويقين بمنزلة المشاهدة بالبصر ففيه دليل على ان من لم يصل في علم التوحيد الى هذه الحالة فليس من اولي العلم. وفي هذه الاية دليل على شرف في العلم من وجوه كثيرة. منها ان الله خصهم بالشهادة على اعظم مشهود عليه دون الناس. ومنها ان الله قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته وكفى بذلك فضلا. ومنها انه جعلهم اولي العلم. فاضافهم الى العلم. اذ هم القائمون به المتصفون بصفة ومنها انه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس. والزم الناس العمل بالامر المشهود به. فيكونون هم السبب في ذلك سيكون كل من عمل بذلك نالهم من اجره. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ومنها ان اشهاده تعالى اهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم دينهم وانهم امناء على ما استرعاهم عليه. ولما قرر توحيده قرر عدله فقال قائما بالقسط. اي لم يزل متصفا بالقسط في بافعاله وتدبيره بين عباده. فهو على صراط مستقيم فيما امر به ونهى عنه. وفيما خلقه وقدره ثم اعاد تقرير توحيده فقال قال لا اله الا هو العزيز الحكيم. واعلم ان هذا الاصل الذي هو توحيد الله وافراده بالعبودية. قد دلت عليه الادلة النقلية والادلة العقلية حتى صار لذوي البصائر اجلى من الشمس. فاما الادلة النقلية فكل ما في كتاب الله وسنة رسوله من الامر به وتقريره محبة اهله وبغض من لم يقم به وعقوباتهم. وذم الشرك واهله فهو من الادلة النقلية على ذلك. حتى كاد القرآن ان يكون كله ادلة عليه. واما الادلة العقلية التي تدرك بمجرد فكر العقل وتصوره للامور. فقد ارشد القرآن اليها ونبه على كثير منها. فمن اعظمها الاعتراف بربوبية الله. فان من عرف انه هو الخالق الرازق المدبر لجميع الامور. انتج له ذلك انه هو المعبود الذي لا تنبغي العبادة الا له. ولما كان هذا من اوضح الاشياء واعظمها اكثر الله تعالى من الاستدلال به في كتابه. ومن الادلة العقلية على ان الله هو الذي يؤله دونه وغيره انفراده بالنعم ودفع النقم فان من عرف ان النعم الظاهرة والباطنة القليلة والكثيرة كلها من الله وانه ما من نقمة لا شدة ولا كربة الا وهو الذي ينفرد بدفعها. وان احدا من الخلق لا يملك لنفسه فضلا عن غيره جلب نعمة ولا دفع نقمة. تيقن ان عبودية ما سوى الله من ابطل الباطل. وان العبودية لا تنبغي الا لمن انفرد بجلب المصالح ودفع المضار. فلهذا اكثر الله في كتابه من التنبيه على هذا الدليل جدا ومن الادلة العقلية ايضا على ذلك ما اخبر به تعالى عن المعبودات التي عبدت من دونه بانها لا تملك نفعا ولا ضرا ولا تنصروا غيرها ولا تنصروا نفسها. وسلبها الاسماع والابصار وانها على فرض سماعها لا تغني شيئا. وغير ذلك من الصفات الدالة على نقصهم غاية النقص وما اخبر به عن نفسه العظيمة من الصفات الجليلة والافعال الجميلة والقدرة والقهر وغير ذلك من الصفات التي تعرف بالادلة السمعية والعقلية. فمن عرف ذلك حق المعرفة عرف ان العبادة لا تليق ولا تحسن الا بالرب العظيم. الذي له الكمال كله والمجد كله والحمد كله والقدرة كلها والكبرياء كلها. لا بالمخلوقات المدبرات الناقصات. الصم البكم الذين لا يعقلون من الادلة العقلية على ذلك ما شاهده العباد بابصارهم من قديم الزمان وحديثه. من الاكرام لاهل التوحيد والاهانة والعقوبة لاهل الشرك وما ذاك الا لان التوحيد جعله الله موصلا الى كل خير دافع لكل شر ديني ودنيوي. وجعل الشرك به والكفر سببا للعقوبات الدينية والدنيوية. ولهذا اذا ذكرت على قصص الرسل مع امم المطيعين والعاصين. واخبر عن عقوبات العاصين ونجاة الرسل ومن تبعهم. قال عقب كل قصة ان في ذلك لاية. اين عمرة يعتبر بها المعتبرون؟ فيعلمون ان توحيده هو الموجب للنجاة. وتركه هو الموجب للهلاك فهذه من الادلة الكبار العقلية النقلية الدالة على هذا الاصل العظيم. وقد اكثر الله منها في كتابه وصرفها ونوعها. ليحيى من عن بينة ويهلك من هلك عن بينة. فله الحمد والشكر والثناء. ولما قرر انه الاله الحق المعبود. بين العبادة والدين الذي عينوا ان يعبد به ويدان له. وما اختلف الذين اوتوا الكتاب ان الله سريع الحساب. وهو الاسلام الذي هو الاستسلام لله بتوحيده وطاعته. التي دعت اليها رسله وحثت عليها كتبه وهو الذي لا يقبل من احد دين سواه. وهو متضمن للاخلاص له في الحب والخوف والرجاء والانابة والدعاء. ومتابعة رسوله في ذلك. وهذا هو دين الرسل كلهم. وكل من تابعهم فهو على طريقهم. وانما اختلف اهل الكتاب بعدما جاءتهم كتبهم تحثهم على للاجتماع على دين الله بغيا بينهم وظلما وعدوانا من انفسهم. والا فقد جاءهم السبب الاكبر الموجب ان يتبعوا الحق ويتركوا الاختلاف وهذا من كفرهم. فلهذا قال وما اختلف اهل الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم. ومن يكفر بايات الله فان الله سريع الحساب فيجازي كل عامل بعمله وخصوصا من ترك الحق بعد معرفته فهذا مستحق للوعيد الشديد والعقاب الاليم. ثم امر قال رسوله صلى الله عليه وسلم عند محاجة النصارى وغيرهم ممن يفضل غير دين الاسلام عليه ان يقول لهم فقل اسلمت وجهي لله ومن اتبعني وقل للذين اوتوا الكتاب والله بصير بالعباد. قد اسلمت وجهي لله ومن اتبعني. اي انا ومن اتبعني قد اقررنا وشهدنا وجوهنا لربنا وتركنا ما سوى دين الاسلام وجزمنا ببطلانه. ففي هذا تأييس لمن طمع فيكم وتجديد لدينكم عند ورود وحجة على من اشتبه عليه الامر. لانه قد تقدم ان الله استشهد على توحيده باهل العلم من عباده. ليكونوا حجة على غيرهم اهل العلم وافضلهم واعلمهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ثم من بعده اتباعه على اختلاف مراتبهم وتفاوت درجاتهم. فلهم من العلم في الصحيح والعقل الرجيح ما ليس لاحد من الخلق ما يساويهم او يقاربهم. فاذا ثبت وتقرر توحيد الله ودينه بادلته الظاهرة. وقام وبه اكمل الخلق واعلمهم حصل بذلك اليقين وانتفى كل شك وريب وقادح. وعرف ان ما سواه من الاديان باطلة. فلهذا قال وقل للذين اوتوا الكتاب من النصارى واليهود والاميين مشركي العرب وغيرهم. ااسلمتم فان اسلموا اي بمثل ما امنتم به فقد اهتدوا كما اهتديتم وصاروا اخوانكم لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. وان تولوا عن الاسلام ورضوا بالاديان التي تخالفه فانما عليك البلاغ فقد وجب اجرك على ربك وقامت عليهم الحجة ولم يبق بعد هذا الا مجازاتهم بالعقاب على جرمهم. فلهذا قال والله مصير بالعباد. ان الذين يكفرون بايات الله ويقتلون النبيين بغيره هؤلاء الذين اخبر الله عنهم في هذه الاية اشد الناس جرما واي جرم اعظم من الكفر بايات الله التي تدل قاطعة عن الحق الذي من كفر بها فهو في غاية الكفر والعناد. ويقتلون انبياء الله الذين حقهم اوجبوا الحقوق على العباد بعد حق الذين اوجب الله طاعتهم والايمان بهم. وتعزيرهم وتوقيرهم ونصرهم. وهؤلاء قابلوهم بضد ذلك. ويقتلون ايضا الذين يأمرون الناس بالقسط الذي هو العدل. وهو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حقيقته احسان الى المأمور ونصح له. فقابلوهم شر مقابلة فاستحقوا بهذه الجنايات المنكرات اشد العقوبات. وهو العذاب المؤلم البالغ في الشدة الى غاية ما يمكن وصفها. ولا يقدر قدرها المؤلم للابدان والقلوب والارواح. اولئك الذين حبت اعمالهم في الدنيا والاخرة وبطلت اعمالهم بما كسبت ايديهم وما لهم احد ينصرهم من عذاب الله ولا يدفع عنهم من نقمة مثقال ذرة. من قد ايسوا من كل خير. وحصل لهم كل شر وضير. وهذه الحالة صفة اليهود ونحوهم. قبحهم الله ما اجرأهم على الله وعلى انبيائه وعباده الصالحين الى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون يخبر تعالى عن ما لاهل الكتاب الذين انعم الله عليهم بكتابه. فكان يجب ان يكونوا اقوم الناس به واسرعه من قيادا لاحكامه. فاخبر الله عنهم انهم اذا ادعوا الى حكم الكتاب تولى فريق منهم وهم معرضون. تولوا بابدانهم واعرضوا بقلوبهم. وهذا غاية الذم. وفي ضمنها التحذير لنا ان نفعل كفعلهم فيصيبنا من الذم والعقاب ما اصابهم. بل الواجب على كل احد اذا دعي الى كتاب الله ان يسمع ويطيع وينقاد ما قال تعالى انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا. والسبب الذي غر اهل كتابي بتجرؤهم على معاصي الله وقولهم ذلك بانهم قالوا معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون. افتروا هذا القول فظنوه فعملوا على ذلك ولم ينزجروا عن المحارم. لان انفسهم منتهم وغرتهم ان مآلهم الى الجنة. وكذبوا في ذلك فان هذا مجرد وافتراء وانما مآلهم شر مآل. وعاقبتهم عاقبة وخيمة. فلهذا قال تعالى يوم لا ريب فيه. ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. فكيف اذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه. اي كيف يكون حالهم ووخيم ما يقدمون عليه؟ حالة لا يمكن وصفها ولا يتصور قبحها. لان كذلك اليوم يوم توفية النفوس ما كسبت. ومجازاتها بالعدل لا بالظلم. وقد علم ان ذلك على قدر الاعمال. وقد تقدم من اعماله مما يبين انهم من اشد الناس عذابا. قل اللهم ما لك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء. وتعز من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قل اللهم مالك الملك اي انت الملك المالك لجميع الممالك فصفة الملك المطلق لك والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها فقال تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء. وفيه الاشارة الى ان الله تعالى سينزع الملك من الاكاسرة والقياسرة ومن تبعهم ويؤتيه امة محمد. وقد فعل ولله الحمد فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى. ولا ينافي ذلك ما اجرى الله وبه سنته من الاسباب الكونية والدينية. التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله. فانها كلها بمشيئة الله. لا يوجد سبب يستقل بشيء بل الاسباب كلها تابعة للقضاء والقدر. ومن الاسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك والايمان والعمل الصالح. التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم واعدادهم الالات التي يقدرون عليها. والصبر وعدم التنازع. قال الله تعالى وعد الله الذين امنوا من وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم. فاخبر ان الايمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور. وقال تعالى هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم. وقال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا تذهب ريحكم. واصبروا ان الله مع الصابرين ان ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الاعداء. وانت اذا استقرأت الدول الاسلامية وجدت السبب الاعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي اطمع فيهم الاعداء وجعل بأسهم بينهم. ثم قال تعالى وتعز من تشاء بطاعته وتذل من تشاء بمعصيتك. انك على كل شيء قدير. لا يمتنع عليك امر من الامور. بل الاشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل. وتخرج الحي من الميت وتخرج بغير حساب تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل. اي تدخل هذا على هذا وهذا على هذا. فينشأ عن ذلك من الفصول والضياء والنور الشمس والظل والسكون والانتشار. ما هو من اكبر الادلة على قدرة الله وعظمته وحكمته ورحمته. وتخرج الحي من الميت كالفرخ من البيضة وكالشجر من النوى وكالزرع من بذره وكالمؤمن من الكافر وتخرج الميت من الحي كالبيضة من الطائر وكالنوى من الشجر كالحب من الزرع وكالكافر من المؤمن. وهذا اعظم دليل على قدرة الله. وان جميع الاشياء مسخرة مدبرة لا تملك من التدبير شيئا فخلقه تعالى الاضداد والضد من ضده بيان انها مقهورة. وترزق من تشاء بغير حساب. اي ترزق من تشاء رزقا واسعا من حيث لا يحتسب ولا يكتسب. ثم قال تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دونه المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقى يحذركم الله نفسه والى الله المصير. وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على امر من امور المسلمين. وتوعد على ذلك. فقال ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء اي فقد انقطع عن الله وليس له في دين الله نصيب. لان موالاة الكافرين لا تجتمع مع الايمان. لان الايمان يأمر بموالاة الله اوليائه المؤمنين المتعاونين على اقامة دين الله وجهاد اعدائه. قال الله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض فمن والى الكافرين من دون المؤمنين الذين يريدون ان يطفئوا نور الله ويفتنوا اولياءه. خرج من حزب المؤمنين وصار من حزب الكافرين قال الله تعالى ومن يتولهم منكم فانه منهم. وفي هذه الاية دليل على الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم والميل والركون اليهم. وانه لا يجوز ان يولى كافر ولاية من ولايات المسلمين. ولا يستعان به على الامور التي هي مصالح لعموم المسلمين قال الله تعالى الا ان تتقوا منهم تقى اي تخافوهم على انفسكم فيحل لكم ان تفعلوا ما تعصمون به دمائكم من التقية باللسان واظهار ما به تحصل التقية. ثم قال تعالى ويحذركم الله نفسه. اي فلا تتعرضوا لسخطه بارتكاب معاصيه. فيعاقبه لكم على ذلك والى الله المصير. اي مرجع العباد ليوم التناد فيحصي اعمالهم ويحاسبهم عليها ويجازيهم. فاياكم ان تفعلوا من الاعمال في القبيحة ما تستحقون به العقوبة. واعملوا ما به يحصل الاجر والمثوبة. ثم اخبر عن سعة علمه لما في النفوس خصوصا. ولما في السماء والارض عموما عن كمال قدرته وما في السماوات وما في الارض والله على كل شيء قدير. ففيه ارشاد الى تطهير القلوب واستحضار علم بسم الله في كل وقت فيستحي العبد من ربه ان يرى قلبه محلا لكل فكر رديء. بل يشغل افكاره فيما يقرب الى الله من تدبر اية من كتاب او سنة من احاديث رسول الله او تصور وبحث في علم ينفعه او تفكر في مخلوقات الله ونعمه او نصح لعباد الله وفي ضمن اخبار الله عن علمه وقدرته الاخبار بما هو لازم ذلك من المجازات على الاعمال. ومحل ذلك يوم القيامة. فهو الذي توفى به النفوس باعمالها هذا قال ويحذركم الله نفسه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا اي كاملا موفرا لم ينقص كما قال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره والخير اسم جامع لكل ما يقرب الى الله من الاعمال الصالحة صغيرها وكبيرها. كما ان السوء اسم جامع لكل ما يسخط الله من الاعمال السيئة صغيرها وكبيرها. وما عملت من سوء ولو ان بينها وبينه امدا بعيدا اي مسافة بعيدة لعظم اسفها وشدة حزنها فليحذر العبد من اعمال السوء التي لابد ان يحزن عليها فيها اشد الحزن وليتركها وقت الامكان قبل ان يقول يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول تسوى بهم الارض ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا حتى اذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين. فوالله لترك كل شهوة ولذة وان عسر تركها على النفس في هذه الدار ايسر من معاناة تلك الشدائد واحتمال تلك الفضائح. ولكن العبد من ظلمه وجهله لا ينظر الا الامر الحاضر. فليس له عقل كامل يلحظ به عواقب الامور. فيقدم على ما ينفعه عاجلا واجلا. ويحجم عما يضره عاجلا واجلا. ثم اعاد تعالى تحذيرنا له رأفة بنا ورحمة لان لا يطول علينا الامد فتقسو قلوبنا وليجمع لنا بين الترغيب الموجب للرجاء والعمل الصالح والترهيب الموجب الخوف وترك الذنوب. فقال ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد. فنسأله ان يمن علينا بالحذر منه على الدوام حتى لا نفعل ما يسخطه ويغضبه لكم ذنوبكم والله غفور رحيم وهذه الاية فيها وجوب محبة الله لاماتها ونتيجتها وثمراتها. فقال قل ان كنتم تحبون الله اي ادعيتم هذه المرتبة العالية. والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى بل لا بد من الصدق فيها وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع احواله في اقواله اله وافعاله في اصول الدين وفروعه في الظاهر والباطن. فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى. واحبه الله وغفر له له ذنبه ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته. ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى. لان محبته لله توجب له واتباع رسوله فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وانه كاذب ان ادعاها مع انها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها وبهذه الاية يوزن جميع الخلق. فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون ايمانهم وحبهم لله. وما نقص من ذلك نقص قل اطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين وهذا امر من الله تعالى لعباده باعم الاوامر. وهو طاعته وطاعة رسوله التي يدخل بها الايمان والتوحيد وما هو من فروع ذلك من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. بل يدخل في طاعته وطاعة رسوله. اجتناب ما نهى عنه. لان اجتنابه امتثالا لامر الله هو من طاعته. فمن اطاع الله ورسوله فاولئك هم المفلحون. فان تولوا اي اعرضوا عن طاعة الله ورسوله. فليس ثم امر يرجعون اليه الا الكفر وطاعة كل شيطان مريد. كتب عليه انه من تولاه فانه يضله ويهديه الى عذاب السعير. فلهذا قال فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين. بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم اشد العقوبة. وكأن في هذه الاية الكريمة بيانا وتفسيرا دع رسوله وان ذلك بطاعة الله وطاعة رسوله هذا هو الاتباع الحقيقي. ثم قال تعالى يخبر تعالى باختياره من اختاره من اوليائه واحبابه فاخبر انه اصطفى ادم اي اختاره على سائر المخلوقات فخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وامر الملائكة السجود له واسكنه جنته. واعطاه من العلم والحلم والفضل. ما فاق به سائر المخلوقات. ولهذا فضل بنيه. فقال تعالى لقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر. ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا. واصطفى نوحا فجعل عنه اول رسول الى اهل الارض حين عبدت الاوثان. ووفقه من الصبر والاحتمال والشكر والدعوة الى الله في جميع الاوقات. ما اوجب اصطفاءه واجتباه واغرق الله اهل الارض بدعوته. ونجاه من معه في الفلك المشحون. وجعل ذريته هم الباقين. وترك عليه ثناء يذكر في جميع احياني والازمان واصطفى ابراهيم خليل الرحمن الذي اختصه الله بخلته وبذل نفسه للنيران وولده للقربان وماله انه للضيفان ودعا الى ربه ليلا ونهارا. وسرا وجهارا وجعله الله اسوة يقتدي به من بعده. وجعل في ذريته النبوة كتاب ويدخل في ال إبراهيم جميع الانبياء الذين بعثوا من بعده لانهم من ذريته وقد خصهم بانواع الفضائل ما كانوا به صفوة على العالمين ومنهم سيد ولد ادم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فان الله تعالى جمع فيه من الكمال ما تفرق في غيره. وفاق صلى الله عليه وسلم الاولين والاخرين. فكان سيد المرسلين المصطفى من ولد ابراهيم. واصطفى الله ال عمران وهو والد مريم بنت عمران او والد موسى بن عمران عليه السلام فهذه البيوت التي ذكرها الله هي صفوته من العالمين. وتسلسل الصلاح والتوفيق بذرياتهم فلهذا قال تعالى ذرية بعضها من من بعض اي حصل التناسب والتشابه بينهم في الخلق والاخلاق الجميلة. كما قال تعالى لما ذكر جملة من الانبياء الداخلين في ضمن هذه البيوت الكبار ومن ابائهم واخوانهم وذرياتهم. واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم. والله سميع عليم. يعلم من يستحق اصطفاء فيصطفيه. ومن لا يستحق ذلك فيخذله ويرضيه. ودل هذا على ان هؤلاء اختارهم لما علم من احوالهم الموجبة لذلك فضلا منه وكرم ومن الفائدة والحكمة في قصه علينا اخبار هؤلاء الاصفياء ان نحبهم ونقتدي بهم. ونسأل الله ان يوفقنا لما وفقهم الا نزال نزري انفسنا بتأخرنا عنهم وعدم اتصافنا باوصافهم ومزاياهم الجميلة. وهذا ايضا من لطفه بهم واظهاره الثناء عليهم في الاولين والاخرين والتنويه بشرفهم لو لم يكن لهم من الشرف الا ان اذكارهم مخلدة ومناقبهم مؤبدة لكفى بذلك فضلا لما ذكر فضائل هذه البيوت الكريمة ذكر ما جرى لمريم والدة عيسى وكيف لطف الله بها في تربيتها ونشأتها؟ فقال امرأة عمران ربي اني نذرت لك ما في بطني محررا. فتقبل مني انك اذ قالت امرأة عمران اي والدة مريم لما حملت ربي اني نذرت لك ما في بطني محرم اي جعلت ما في بطني خالصا لوجهك محررا لخدمتك وخدمة بيتك. فتقبل مني هذا العمل المبارك انك انت السميع العليم تسمع دعائي وتعلم نيتي وقصدي. هذا وهي في البطن قبل وضعها فلما وضعتها قالت ربي اني وضعتها انثى كانها تشوقت ان يكون ذكرا ليكون اقدر على الخدمة. واعظم موقعا ففي كلامها نوع عذر من ربها فقال الله والله اعلم بما وضعت. اي لا يحتاج الى اعلامها بل علمه متعلق بها قبل ان تعلم امها ما هي. وليس الذكر كالانثى واني سميتها مريم فيه دلالة على تفضيل الذكر على الانثى. وعلى التسمية وقت الولادة. وعلى ان للام تسمية الولد اذا لم الاب واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. دعت لها ولذريتها ان يعيذهم الله من الشيطان الرجيم. فتقبلا اوه كفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم انى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء فتقبلها ربها بقبول حسن. اي جعلها نذيرة مقبولة واجارها وذريتها من الشيطان وانبتها نباتا حسنا. اي نبتت نباتا حسنا في بدنها وخلقها واخلاقها. لان الله تعالى قيد لها زكريا عليه السلام وكفلها اياه وهذا من رفقه بها. ليربيها على اكمل الاحوال. فنشأت في عبادة ربها وفاقت النساء. وانقطعت لعبادة بها ولزمت محرابها اي مصلاها فكان كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا اي من غير كسب ولا تعب بل رزق ساقه الله اليها وكرامة اكرمها الله بها. فيقول لها زكريا انى لك هذا؟ قالت هو من عند الله فضلا واحسانا ان الله يرزق من يشاء بغير حساب. اي من غير حسبان من العبد ولا كسب. قال الله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. وفي هذه الاية دليل على اثبات كرامات الاولياء الخارقة للعادة. كما قد تواترت الاخبار بذلك خلافا لمن ذلك فلما رأى زكريا عليه السلام ما من الله به على مريم وما اكرمها به من رزقه الهنيء الذي اتاها بغير سعي منها ولا كسب. طم نفسه بالولد فلهذا قال تعالى هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك اي دعا زكريا عليه السلام ربه ان يرزقه ذرية طيبة اي طاهرة الاخلاق طيبة الاداب. لتكمن النعمة الدينية والدنيوية بهم. فاستجاب له دعاءه. فنادى الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحيى ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا وبينما هو قائم في محرابه يتعبد لربه ويتضرع. نادته الملائكة ان الله يبشرك يحيى مصدقا بكلمة من الله اي بعيسى عليه السلام لانه كان بكلمة الله وسيدا ان يحصل له من الصفات الجميلة ما يكون به سيدا يرجع اليه في الامور وحصورا اي ممنوعا من اتيان النساء فليس في قلبه لهن شهوة اشتغالا بخدمة ربه وطاعته نبيا من الصالحين. فاي بشارة اعظم من هذا الولد الذي حصلت البشارة بوجوده. وبكمال صفاته وبكونه نبيا من الصالحين. فقال هي من شدة فرحه يفعل ما يشاء. ربي انا يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر. وكل واحد من الامرين اني مانع من وجود الولد فكيف وقد اجتمعا فاخبره الله تعالى ان هذا خارق للعادة. فقال كذلك الله يفعل ما يشاء فكما انه تعالى قدر وجود الاولاد بالاسباب التي منها التناسل. فاذا اراد ان يوجدهم من غير ما سبب فعل. لانه لا يستعصي عليه شيء فقال زكريا عليه السلام استعجالا لهذا الامر وليحصل له كمال الطمأنينة الا تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا. واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشر رب اجعل لي اية اي علامة على وجود الولد. قال ايتك الا تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا. اي ينحبس لسانك عن الكلام من غير افة ولا سوء. فلا تقدر الا على الاشارة والرمز. وهذا اية عظيمة لا تقدر على الكلام وفيه مناسبة عجيبة. وهي انه كما يمنع نفوذ الاسباب مع وجودها فانه يوجدها بدون اسبابها. ليدل ذلك ان اسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره. فامتنع من الكلام ثلاثة ايام. وامره الله ان يشكره ويكثر من ذكره بالعشي والابكار. حتى اذا فخرج على قومه من المحراب فاوحى اليهم ان سبحوا بكرة وعشيا. اي اول النهار واخره يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ينوه تعالى بفضيلة مريم وعلو قدرها. وان الملائكة خاطبتها بذلك فقالت يا مريم ان الله اصطفاك اي اختارك وطهرك من الافات المنقصة واصطفاك على نساء العالمين. الاصطفاء الاول يرجع الى الصفات الحميدة والافعال السديدة والاصطفاء الثاني يرجع الى تفضيلها على سائر نساء العالمين. اما على عالم زمانها او مطلقا. وان شاركها افراد من النساء في ذلك كخديجة وعائشة وفاطمة لم ينافي الاصطفاء المذكور. فلما اخبرتها الملائكة باصطفاء الله اياها وتطهيرها. كان في هذا من النعمة العظيمة والمنحة الجسيمة ما يوجب لها القيام بشكرها. فلهذا قالت لها الملائكة واركعي مع الراكعين. يا مريم اقنتي لربك القنوت. دوام الطاعة في خضوع وخشوع. واسجدي واركعي مع راكعين خصص سجود والركوع لفضلهما ودلالتهما على غاية الخضوع لله. ففعلت مريم ما امرت به شكرا لله تعالى وطاعة. ولما الله نبيه بما اخبر به عن مريم. وكيف تنقلت بها الاحوال التي قيدها الله لها؟ وكان هذا من الامور الغيبية التي لا تعلم الا بالوحي. قال ذلك من انبياء الغيب نوحيه اليه. وما كنت لديهم اذا يلقون اقلامهم ايهم مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك. وما كنت لديهم اي عندهم اذ يلقون اقلامهم. ايهم يكفل مريم؟ لما ذهبت بها الى من لهم الامر على بيت المقدس. فتشاحوا وتخاصموا ايهم يكفل مريم. واقترعوا عليها بان القوا اقلامهم في النهر. فايهم لم يجري قلمه ومع الماء فله كفالتها. فوقع ذلك لزكريا نبيهم وافضلهم. فلما اخبرتهم يا محمد بهذه الاخبار التي لا علم لك ولا لقومك بها دل على انك صادق وانك رسول الله حقا. فوجب عليهم الانقياد لك وامتثال اوامرك. كما قال تعالى وما كنت بجانب الغرب قضينا الى موسى الامر يخبر تعالى ان الملائكة بشرت مريم عليها السلام باعظم بشارة وهو كلمة الله ورسوله عيسى ابن مريم سمي كلمة الله لانه كان بالكلمة من الله. لان حالته خارجة عن الاسباب. وجعله الله من اياته وعجائب مخلوقاته فارسل الله جبريل عليه السلام الى مريم فنفخ في جيب درعها فولجت فيها تلك النفخة الذكية من ذلك الملك الذكي فانشأ الله منها تلك الروح الزكية. فكان روحانيا نشأ من مادة روحانية. فلهذا سمي روح الله وجيها في الدنيا والاخرة. اي الوجاهة العظيمة في الدنيا جعلها الله احد اولي العزم من المرسلين. اصحاب الشرائع الكبار والاتباع. ونشر الله له من الذكر ما ملأ ما بين المشرق والمغرب وفي الاخرة وجيها عند الله يشفع اسوة اخوانه من النبيين والمرسلين. ويظهر فضله على اكثر العالمين. فلهذا كان من الى الله اقرب الخلق الى ربهم. بل هو عليه السلام من سادات المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا وهذا غير التكليم المعتاد. بل المراد يكلم الناس بما فيه صلاحهم وفلاحهم. وهو تكليم المرسلين. ففي هذا ارساله ودعوته الخلق الى ربهم. وفي تكليمهم في المهد اية عظيمة من ايات ينتفع بها المؤمنون وتكون حجة على المعاندين انه رسول رب العالمين وانه عبد الله وليكون نعمة وبراءة والدته مما رميت به. ومن الصالحين ان يمنوا عليه بالصلاح من من عليهم. ويدخله في جملتهم. وفي هذا عدة بشارات لمريم مع ما تضمن من التنويه بذكر المسيح عليه السلام بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء اذا قضى امرا انما يقول له كن فيكون. قالت ربي انا يكون لي ولد ولم يمسسني بشر. والولد في التي لا يكون الا من مس البشر. وهذا استغراب منها لا شك في قدرة الله تعالى. قال كذلك الله يخلق ما يشاء. اذا قضى امرا فانما فيقول له كن فيكون؟ فاخبرها ان هذا امر خارق للعادة. خلقه من يقول لكل امر اراده. كن فيكون. فمن تيقن ذلك زال عنه الاستغراب والتعجب. ومن حكمة الباري تعالى انه تدرج باخبار العباد من الغريب الى ما هو اغرب منه. فذكر وجود يحيى بن زكريا بين احدهما كبير والاخر عاقر. ثم ذكر اغرب من ذلك واعجب. وهو وجود عيسى عليه السلام من ام بلا اب ليدل عباده ان انه الفعال لما يريد. وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. ثم اخبر تعالى عن منته العظيمة على عبده ورسوله عيسى عليه السلام قال ويعلمه الكتاب يحتمل ان يكون المراد جنس الكتاب فيكون ذكر التوراة والانجيل تخصيصا لهما بشرفهما وفضلهما واحتوائهما على الاحكام والشرائع التي يحكم بها انبياء بني اسرائيل. والتعليم لذلك يدخل فيه تعليم الفاظه ومعانيه. ويحتمل ان يكون المراد بقوله ويعلمه الكتاب اي الكتابة لان الكتابة من اعظم نعم الله على عباده. ولهذا امتن تعالى على عباده بتعليمهم بالقلم في اول سورة انزلها فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق. اقرأ وربك الاكرم. الذي علم بالقلم. والمراد بالحكمة معرفة اسرار الشرع ووضع الاشياء مواضعها فيكون ذلك امتنانا على عيسى عليه السلام بتعليمه الكتابة والعلم والحكمة. وهذا هو الكمال للانسان في نفسه. ثم ذكر له كمالا اخر وفضلا زائدا على ما اعطاه الله من الفضائل. فقال اني قد جئتكم باية من ربكم اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير الموتى باذن الله وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ورسولا الى بني اسرائيل فارسله الله الى هذا الشعب الفاضل الذين هم افضل العالمين في زمانهم. يدعوهم الى الله واقام له من الايات ما دلهم على انه رسول الله حقا ونبيه صدقا. ولهذا قال اني قد جئتكم باية من ربكم اني اخلق لكم من الطين طيرا. اي اصوره على اكل الطير فانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله. اي طيرا له روح تطير باذن الله. وابرئ الاكمة وهو الذي يولد اعمى باذن الله واحيي الموتى باذن الله. وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم. ان في ذلك لاية لكم ان كنتم كنتم مؤمنين واي اية اعظم من جعل الجماد حيوانا؟ وابراء ذوي العاهات التي لا قدرة للاطباء في معالجتها. واحياء الموتى والاخبار بالامور الغيبية. فكل واحدة من هذه الامور اية عظيمة بمفردها. فكيف بها اذا اجتمعت وصدق بعضها بعضها؟ فان انها موجبة للايقان وداعية للايمان ومصدقا لما بين يدي من التوراة. اي اتيت بجنس ما جاءت به التوراة وما جاء به موسى عليه السلام. وعلامة الصادق ان يكون خبره من جنس خبر الصادقين. يخبر بالصدق ويأمر بالعدل من غير تخالف ولا تناقض. بخلاف من ادعى دعوة كاذبة خصوصا اعظم الدعاوى وهي دعوة النبوة فالكاذب فيها لابد ان يظهر لكل احد كذب صاحبها وتناقضه ومخالفته لاخبار الصادقين. وموافقته اخبار الكاذبين وهذا موجب السنن الماضية والحكمة الالهية والرحمة الربانية بعباده. اذ لا يشتبه الصادق بالكاذب في دعوى النبوة ابدا بخلاف بعض الامور الجزئية فانه قد يشتبه فيها الصادق بالكاذب. واما النبوة فانه يترتب عليها هداية الخلق او ضلالهم وسعادتهم وشقاؤهم ومعلوم ان الصادق فيها من اكمل الخلق والكاذب فيها من اخس الخلق واكذبهم واظلمهم. فحكمة الله ورحمته بعباده ان يكون بينهم هما من الفروق ما يتبين لكل من له عقل. ثم اخبر عيسى عليه السلام ان شريعة الانجيل شريعة فيها سهولة ويسرة. فقال ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم فدل ذلك على ان اكثر احكام التوراة لم ينسخها الانجيل بل كان متمما لها ومقررا. وجئتكم باية من بكم تدل على صدق ووجوب اتباع وهي ما تقدم من الايات. والمقصود من ذلك كله قوله فاتقوا الله بفعل ما امر به وترك ما ما نهى عنه واطيعوني فان طاعة الرسول طاعة لله صراط مستقيم ان الله ربي وربكم فاعبدوه. استدل بتوحيد الربوبية الذي يقر به كل احد على توحيد الالهية الذي ينكره المشركون. فكما ان الله هو الذي خلقنا ورزقنا وانعم علينا نعما ظاهرة وباطنة. فليكن هو معبود ودنا الذي نألهه بالحب والخوف والرجاء والدعاء. والاستعانة وجميع انواع العبادة. وفي هذا رد على النصارى القائلين بان عيسى اله او ابن الله وهذا اقراره عليه السلام بانه عبد مدبر مخلوق. كما قال اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبيا قال الله تعالى واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله؟ قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته الى قوله ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم وقوله هذا اي عبادة الله وتقواه. وطاعة رسوله صراط مستقيم. موصل الى الله والى جنته. وما عدا ذلك فهي طرق موصلة الى الجحيم فلما احس عيسى منهم الكفر اي رأى منهم عدم الانقياد له وقالوا هذا سحر مبين. وهموا بقتله وسعوا في ذلك. قال من انصاري الى الله؟ من يعاونني ويقوم معي بنصرة دينه الله. قال الحواريون وهم الانصار نحن انصار الله. اي انتدبوا معه وقاموا بذلك وقالوا امنا بالله فاكتبنا مع الشاهدين اي الشهادة النافعة وهي الشهادة بتوحيد الله وتصديق رسوله مع القيام بذلك. فلما قاموا مع عيسى بنصر دين الله واقامة شرعه امنت طائفة من بني اسرائيل وكفرت طائفة فاقتتلت الطائفتان فايد الله الذين امنوا بنصره على عدوهم فاصبحوا قاهرين. فلهذا قال تعالى هنا ومكروا اي الكفار بارادة قتل نبي الله واطفاء نوره. ومكر الله بهم جزاء لهم على مكرهم. والله خير الماكرين. رد الله كيده في نحورهم فانقلبوا خاسرين طهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة اذ قال الله يا عيسى في متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا. فرفع الله عبده ورسوله عيسى اليه. والقي شبهه على غيره. فاخذوا من القي شبهه عليه فقتلوه وصلبوه. وباء بالاثم العظيم بنيتهم انه رسول الله. قال الله وما قتلوه وما صلبوه. ولكن شبه الهم وفي هذه الاية دليل على علو الله تعالى واستوائه على عرشه حقيقة. كما دلت على ذلك النصوص القرآنية والاحاديث النبوية التي التي تلقاها اهل السنة بالقبول والايمان والتسليم. وكان الله قويا عزيزا قاهرا. ومن عزته انه كف بني اسرائيل بعد عزمهم الجازم وعدم المانع لهم عن قتل عيسى عليه السلام. كما قال تعالى واذ كففت بني اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات. فقال الذين كفروا منهم هذا الا سحر مبين. حكيم يضع الاشياء مواضعها وله اعظم حكمة في القاء الشبه على بني اسرائيل. فوقعوا في الشبه كما قال قال وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقينا. ثم قال تعالى الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة. وتقدم ان الله ايد المؤمنين منهم على الكافرين. ثم ان النصارى المنتسبين لعيسى عليه السلام لم يزالوا قاهرين لليهود لكون النصارى اقرب الى اتباع عيسى من اليهود. حتى بعث الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم. فكان مسلمون هم المتبعين لعيسى حقيقة. فايدهم الله ونصرهم على اليهود والنصارى وسائر الكفار. وانما يحصل في بعض الازمان ادانة الكفار من صار وغيرهم على المسلمين حكمة من الله وعقوبة على تركهم لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم الي مرجعكم اي مصير الخلائق كلها بها فاحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون. كل يدعي ان الحق معه وانه المصيب وغيره مخطئ. وهذا مجرد دعاوى تحتاج الى برهان ثم اخبر عن حكمه بينهم بالقسط والعدل فقال فاما الذين كفروا اي بالله واياته ورسله فاعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والاخرة. اما عذاب الدنيا فهو ما اصابهم الله به من القوارع والعقوبات المشاهدة والقتل والذل وغير ذلك مما هو نموذج من عذاب الاخرة. واما عذاب الاخرة فهو الطامة الكبرى والمصيبة العظمى الا وهو عذاب النار وغضب الجبار وحرمانهم ثواب الابرار. وما لهم من ناصرين ينصرونهم من عذاب الله. لا من زعموا انهم دعاء لهم عند الله ولا ما اتخذوهم اولياء من دونه. ولا اصدقائهم واقربائهم ولا انفسهم ينصرون واما الذين امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وغير ذلك مما امر الله بالايمان به وعملوا الصالحات القلبية والقولية والبدنية التي جاءت بشرعها المرسلون. وقصدوا بها رضا رب العالمين. فيوفيهم اجورهم. دل ذلك على انه يحصل لهم في الدنيا ثواب لاعمالهم من الاكرام والاعزاز والنصر والحياة الطيبة. وانما توفية الاجور يوم القيامة. يجدون ما قدموه من الخيرات محضرا وفرا فيعطي منهم كل عامل اجر عمله. ويزيدهم من فضله وكرمه. والله لا يحب الظالمين. بل يبغضهم ويحل عليهم سخطهم وعذابه. وهذا منة عظيمة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى امته حيث انزل عليهم هذا الذكر الحكيم المحكم المتقن المفصل للاحكام والحلال والحرام واخبار الانبياء الاقدمين وما اجرى الله على ايديهم من الايات البينات والمعجزات الباهرات. فهذا القرآن يقص علينا كل ما ينفعنا من الاخبار ايها الاحكام فيحصل فيها العلم والعبرة وتثبيت الفؤاد. ما هو من اعظم رحمة رب العباد. ثم قال تعالى ليس عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن يخبر تعالى محتجا على النصارى الزاعمين بعيسى عليه السلام ما ليس له بحق بغير برهان ولا شبهة بل انه ليس له والد استحق بذلك ان يكون ابن الله او شريكا لله في الربوبية. وهذا ليس بشبهة. فضلا ان يكون حجة لان القاه كذلك من ايات الله الدالة على تفرد الله بالخلق والتدبير. وان جميع الاسباب طوع مشيئته وتبع لارادته. فهو على نقيض قولهم ادل وعلى ان احدا لا يستحق المشاركة لله بوجه من الوجوه اولى. ومع هذا فادم عليه السلام خلقه الله من تراب لا من ام ولا اب فاذا كان ذلك لا يوجب لادم ما زعمه النصارى في المسيح. فالمسيح المخلوق من ام بلا اب من باب اولى واحرى. فان صح ادعاء والالهية في المسيح. فادعائها في ادم من باب اولى واحرى. فلهذا قال تعالى ان مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك اي هذا الذي اخبرناك به من شأن المسيح عليه السلام هو الحق الذي في اعلى رتب الصدق لكونه من ربك الذي من جملة تربية الخاصة لك ولامتك ان قص عليكم ما قص من اخبار الانبياء عليهم السلام. فلا تكن من الممترين اي الشاكين في شيء مما اخبرك به ربك وفي هذه الاية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة وهو ان ما قامت الادلة على انه حق وجزم به العبد من مسائل العقائد فانه يجب ان يجزم بان كل ما عرضه فهو باطل. وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة. سواء قدر العبد على حلها ام لا فلا يوجب له عجزه عن حلها القدح فيما علمه. لان ما خالف الحق فهو باطل. قال الله تعالى فماذا بعد الحق الا الضلال؟ وبهذه قاعدة الشرعية تنحل عن الانسان اشكالات كثيرة. يوردها المتكلمون ويرتبها المنطقيون. ان حلها الانسان فهو تبرع منه. والا فوظيفته ان يبين الحق بادلته ويدعو اليه يا من العلم فقل تعالوا فقل تعالوا ندعو ابناءنا وابناءنا ونساءكم ونساءنا ثم نبتهل ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. ان هذا لهو القصص الحق وما من اله الا الله وان الله لهو العزيز الحكيم كيف من جادلك وحاجك في عيسى عليه السلام وزعم انه فوق منزلة العبودية؟ بل رفعه فوق منزلته. من بعد ما جاءك من العلم بانه عبد الله وبينت لمن جادلك ما عندك من الادلة الدالة على انه عبد انعم الله عليه دل على عناد من لم يتبعك في هذا العلم اليقيني فلم يبق في مجادلته فائدة تستفيدها ولا يستفيدها هو لان الحق قد تبين. فجداله فيه جدال معاند مشاق لله ورسوله قصده اتباع الهوى لا اتباع ما انزل الله. فهذا ليس فيه حيلة. فامر الله نبيه ان ينتقل الى مباهلته وملاعنته. فيدعون الله اهو يبتهلون اليه ان يجعل لعنته وعقوبته على الكاذب من الفريقين. هو واحب الناس اليه من الاولاد والابناء والنساء. فدعاهم النبي صلى الله الله عليه وسلم الى ذلك فتولوا واعرضوا ونكلوا وعلموا انهم الاعنوه رجعوا الى اهليهم واولادهم. فلم يجدوا اهلا ولا مالا. وعودا بالعقوبة فرضوا بدينهم مع جزمهم ببطلانه. وهذا غاية الفساد والعناد. فلهذا قال تعالى فان تولوا فان الله عليم المفسدين فيعاقبهم على ذلك اشد العقوبة. واخبر تعالى ان هذا الذي قصه الله على عباده هو القصص الحق. وكل قصص يقص عليهم مما يخالفه ويناقضه فهو باطل. وما من اله الا الله فهو المألوه المعبود حقا. الذي لا تنبغي العبادة الاله الا يستحق غيره مثقال ذرة من العبادة. وان الله لهو العزيز الذي قهر كل شيء وخضع له كل شيء. الحكيم الذي يضع جاء مواضعها وله الحكمة التامة في ابتلاء المؤمنين بالكافرين. يقاتلونهم ويجادلونهم ويجاهدونهم بالقول والفعل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون. اي قل لاهل الكتاب من اليهود والنصارى. تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبين لكم اي هلموا نجتمع عليها وهي الكلمة التي اتفق عليها الانبياء والمرسلون ولم يخالفها الا المعاندون والضالون. ليست مختصة باحد دون الاخر بل مشتركة بيننا وبينكم. وهذا من العدل في المقال والانصاف في الجدال. ثم فسرها بقوله الا نعبد الا الله لا نشرك به شيئا فنفرد الله بالعبادة ونخصه بالحب والخوف والرجاء ولا نشرك به نبيا ولا ملكا ولا وليا ولا صنما ولا وثنا ولا حيوانا ولا جمادا. ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله. بل تكون الطاعة كلها لله ولرسله. فلا نطيع المخلوقين في معصية الخالق لان ذلك جعل للمخلوقين في منزلة الربوبية فاذا دعي اهل الكتاب او غيرهم الى ذلك فان اجابوا كانوا مثلكم لهم ما لكم وعليه ما عليكم. وان تولوا فهم معاندون متبعون اهواءهم. فاشهدوهم انكم مسلمون. ولعل الفائدة في ذلك انكم اذا لهم ذلك وانتم اهل العلم على الحقيقة. كان ذلك زيادة على اقامة الحجة عليهم. كما استشهد تعالى باهل العلم حجة على المعاندين ايضا فانكم اذا اسلمتم انتم وامنتم فلا يعبأ الله بعدم اسلام غيركم لعدم زكائهم ولخبث طويتهم. كما قال الله تعالى قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا. وايضا فان في ورود الشبهات على العقيدة مما يوجب للمؤمن ان يجدد ايمانه ويعلن باسلامه اخبارا بيقينه وشكرا لنعمة ربه في ها انتم هؤلاء حاججتم فيما الكم به علم؟ فلما فيما ليس لكم به علم والله يعلم وانتم لا تعلمون. ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرا لما ادعى اليهود ان ابراهيم كان يهوديا. والنصارى انه نصراني وجادلوا على ذلك. رد تعالى محاجتهم ومجادلتهم من ثلاثة اوجه احدها ان جدالهم في ابراهيم جدال في امر ليس لهم به علم. فلا يمكن لهم ولا يسمح لهم ان يحتجوا ويجادلوا في امر هم اجانب وهم جادلوا في احكام التوراة والانجيل سواء اخطأوا ام اصابوا فليس معهم المحاجة في شأن ابراهيم. الوجه الثاني ان اليهود ينتسبون الى احكام التوراة والنصارى ينتسبون الى احكام الانجيل والتوراة والانجيل ما انزلا الا من بعد ابراهيم. فكيف ينسبون ابراهيم اليهم وهو قبلهم متقدم عليهم. فهل هذا يعقل؟ فلهذا قال افلا تعقلون؟ اي فلو عقلتم ما تقولون لم تقولوا الوجه الثالث ان الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين وجعله حنيفا مسلما وجعل اولى الناس به من امن به من امته وهذا النبي وهو محمد صلى الله عليه وسلم ومن امن معه. فهم الذين اتبعوه وهم اولى به من غيرهم. والله تعالى وليهم وناصرهم ومؤيدهم. واما من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين. فليسوا من ابراهيم وليس منهم. ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي من الصواب. وقد اشتملت هذه الايات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم. وان من تكلم بذلك فهو متكلم في امر الله ايمكن منه ولا يسمح له فيه وفيها ايضا حث على علم التاريخ وانه طريق لرد كثير من الاقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما في التاريخ ثم قال تعالى وما يضلون الا انفسهم وما يشعرون. يحذر تعالى عباده المؤمنين عن مكر هذه الطائفة الخبيثة من اهل الكتاب وانهم يودون ان يضلوكم. كما قال تعالى ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا ومن المعلوم ان من ود شيئا سعى بجهده على تحصين مراده. فهذه الطائفة تسعى وتبذل جهدها في رد المؤمنين. وادخال الشبه عليهم بكل فريق يقدرون عليه ولكن من لطف الله الا يحيق المكر السيء الا باهله. فلهذا قال تعالى وما يضلون الا انفسهم فسعيهم في اظلال المؤمنين زيادة في ضلال انفسهم وزيادة عذاب لهم. قال الله تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون. وما يشعرون بذلك انهم يسعون في ضرر انفسهم. وانهم لا يضرونكم شيئا اي ما الذي دعاكم الى الكفر بايات الله؟ مع علمكم بان كما انتم عليه باطل. وان ما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم. هو الحق الذي لا تشكون فيه. بل تشهدون به ويسر به بعضكم الى بعض في بعض الاوقات فهذا نهيهم عن ضلالهم ثم وبخهم على اضلالهم الخلق فقال فوبخهم على لبس الحق بالباطل وعلى كتمان الحق لانهم بهذين الامرين يضلون من انتسب اليهم. فان العلماء اذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما بل ابقوا الامر مبهما وكتموا الحق الذي يجب عليهم اظهاره. ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب. ولم يهتدي العوام الذين يريدون الحق لمعرفته حتى ايؤثروا والمقصود من اهل العلم ان يظهروا للناس الحق ويعلنوا به. ويميزوا الحق من الباطل. ويظهر الخبيث من الطيب والحلال والحرام والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة ليهتدي المهتدون ويرجع الضالون وتقوم الحجة على المعاندين. قال الله تعالى واذ اخذ الله وميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه. فنبذوه وراء ظهورهم. ثم اخبر تعالى عما همت به هذه الطائفة الخبيثة وارادة المكر بالمؤمنين فقال انزل على الذين امنوا وجه النهار واكفروا اخره واكفروا اخره لعلهم يرجعون وقالت طائفة من اهل الكتاب امنوا بالذي انزل على الذين امنوا وجه النهار واكفروا اخره. ايدخلوا في دينهم على وجه المكر والكيف اول النهار فاذا كان اخر النهار فاخرجوا منه لعلهم يرجعون عن دينهم. فيقولون لو كان صحيحا لما خرج منه اهل العلم والكتاب هذا الذي ارادوه عجبا بانفسهم وظنا ان الناس سيحسنون ظنهم بهم ويتابعونهم على ما يقولونه ويفعلونه. ولكن يأبى الله الا ان ان يتم نوره ولو كره الكافرون. وقال بعضهم لبعض والله واسع عليم لا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم. اي لا تثقوا ولا تطمئنوا ولا تصدقوا الا من تبع دينكم. واكتموا امركم فانكم اذا اخبرتم غيركم وغير من هو على دينكم حصل لهم من العلم ما حصل لكم فصاروا مثلكم او حاجوكم عند ربكم وشهدوا عليكم انها قامت اليكم الحجة وتبين لكم الهدى فلم تتبعوه. فالحاصل انهم جعلوا عدم اخبار المؤمنين بما معهم من العلم قاطعا عنهم العلم. لان العلم لا يكون الا عندهم وموجبا للحجة عليهم. فرد الله عليهم بان الهدى هدى الله. فمادة الهدى من الله تعالى لكل من اهتدى. فان الهدى اما علم الحق او ايثاره. ولا علم الا ما جاءت به رسل الله. ولا موفق الا من وفقه الله. واهل الكتاب لم يؤتوا من العلم الا قليلا واما التوفيق فقد انقطع حظهم منه لخبث نياتهم وسوء مقاصدهم. واما هذه الامة فقد حصل لهم ولله الحمد من هداية الله من العلوم والمعارف مع العمل بذلك ما فاقوا به وبرزوا على كل احد. فكانوا هم الهداة الذين يهدون بامر الله. وهذا من فضل الله عليها واحسانه العظيم فلهذا قال تعالى قل ان الفضل بيد الله. اي الله هو الذي يحسن على عباده بانواع الاحسان. يؤتيه من يشاء ممن اتى لاسبابه والله واسع الفضل كثير الاحسان. عليم بمن يصلح للاحسان فيعطيه. ومن لا يستحقه فيحرمه اياه. يختص والله ذو الفضل العظيم اختصوا برحمته من يشاء اي برحمته المطلقة التي تكون في الدنيا متصلة بالاخرة وهي نعمة الدين ومتمماته. والله ذو الفضل العظيم الذي لا يصفه الواصفون ولا يخطر بقلب بشر. بل وصل فضله واحسانه الى ما وصل اليه علمه. ربنا وسعت كل شيء رحمة واحدة علما ومن اهل الكتاب منهم من ان تأمنه بدينار لا يؤدي اليك الا ما دمت عليه قائما قالوا ليس علينا في الاميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون يخبر تعالى عن حال اهل الكتاب في الوفاء والخيانة في الاموال. لما ذكر خيانتهم في الدين ومكرهم وكتمهم الحق. فاخبر ان منهم الخائن والامير وان منهم من ان تأمنه بقنطار وهو المال الكثير يؤده. وهو على اداء ما دونه من باب اولى. ومنهم من ان انه بدينار لا يؤده اليك. وهو على عدم اداء ما فوقه من باب اولى واحرى. والذي اوجب اليهم الخيانة وعدم الوفاء اليكم بانهم زعموا انه ليس عليهم في الاميين سبيل. اي ليس عليهم اثم في عدم اداء اموالهم اليهم. لانهم بزعمهم الفاسد ورأيهم الكاسد احتقروهم غاية الاحتقار ورأوا انفسهم في غاية العظمة. وهم الاذلاء الاحقرون. فلم يجعلوا للاميين حرمة. واجازوا ذلك. فجمعوا اكل الحرام واعتقاد حله. وكان هذا كذبا على الله. لان العالم الذي يحلل الاشياء المحرمة. قد كان عند الناس معلوم انه يخبر عن حكم الله ليس يخبر عن نفسه وذلك هو الكذب. فلهذا قال ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون. وهذا اعظم اثما من القول على الله بلا علم ثم رد عليهم زعمهم الفاسد فقال بلى اي ليس الامر كما تزعمون انه ليس عليكم في الاميين حرج. بل عليكم في ذلك اعظم الحرج واشد الاثم. من اوفى بعهده واتقى. والعهد يشمل العهد الذي بين العبد وبين ربه. وهو جميع ما اوجبه الله على العبد من حقه. ويشمل العهد الذي بينه وبين العباد والتقوى تكون في هذا الموضع ترجع الى اتقاء المعاصي التي بين العبد وبين ربه وبينه وبين الخلق. فمن كان كذلك فانه من المتقين الذين يحبهم الله تعالى سواء كانوا من الاميين او غيرهم. فمن قال ليس علينا في الاميين سبيل. فلم يوف بعهده ولم يتق الله ولم يكن من يحبه الله بل ممن يبغضه الله. واذا كان الاميون قد عرفوا بوفاء العهود. وبتقوى الله وعدم التجرؤ على الاموال المحترمة. كانوا هم المحبوبين لله. المتقين الذين اعدت لهم الجنة. وكانوا افضل خلق الله واجلهم. بخلاف الذين يقولون ليس علينا في الاميين سبيل فانهم داخلون في قوله لا خلاق لهم في الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا. ويدخل في ذلك كل من اخذ شيئا منه الدنيا في مقابلة ما تركه من حق الله او حق عباده. وكذلك من حلف على يمين يقتطع بها مال معصوم. فهو داخل في هذه الاية هؤلاء لا خلاق لهم في الاخرة. اي لا نصيب لهم من الخير ولا يكلمهم الله يوم القيامة. غضبا عليهم وسخطا. لتقديمهم هوى انفسهم على رضا ربهم ولا يزكيهم اي يطهرهم من ذنوبهم ولا يزيل عيوبهم ولهم عذاب اليم. موجع للقلوب والابدان وهو عذاب السخط والحجاب وعذاب جهنم. نسأل الله العافية ويقولون هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون. يخبر تعالى ان من اهل الكتاب لفريق يلوون السنتهم بالكتاب ان يميلونه ويحرفونه عن المقصود به. وهذا يشمل اللي والتحريف لالفاظه ومعانيه. وذلك ان المقصود فمن الكتاب حفظ الفاظه وعدم تغييرها. وفهم المراد منها وافهامه. وهؤلاء عكسوا القضية وافهموا غير المراد من الكتاب. اما واما تصريحا فالتعريض في قوله لتحسبوه من الكتاب اي يلوون السنتهم ويوهمونكم انه هو المراد من كتاب الله وليس هو المراد والتصريح في قولهم ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله. ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون. وهذا اعظم جرأة ممن اقول على الله بلا علم. فهؤلاء يقولون على الله الكذب. فيجمعون بين نفي المعنى الحق واثبات المعنى الباطل. وتنزيل اللفظ الدال على الحق على المعنى الفاسد مع علمهم بذلك بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. وهذه الاية نزلت ردا لمن قال من اهل الكتاب ابن النبي صلى الله عليه وسلم لما امرهم بالايمان به ودعاهم الى طاعته اتريد يا محمد ان نعبدك مع الله؟ فقوله ما كان لبشر ان يمتنعوا ويستحيل على بشر من الله عليه بانزال الكتاب وتعليمه ما لم يكن يعلم. وارساله للخلق ان يقول للناس كونوا عبادا من دون الله فهذا من امحل المحال صدوره من احد من الانبياء عليهم افضل الصلاة والسلام. لان هذا اقبح الاوامر على الاطلاق. والانبياء الخلق على الاطلاق فاوامرهم تكون مناسبة لاحوالهم. فلا يأمرون الا بمعالي الامور. وهم اعظم الناس نهيا عن الامور القبيحة. فلهذا قال ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. اي ولكن يأمرهم بان يكونوا ربانيين. اي علماء كما علماء معلمين للناس ومربيهم بصغار العلم قبل كباره عاملين بذلك فهم يأمرون بالعلم والعمل والتعليم التي هي مدار السعادة وبفوات شيء منها يحصل النقص والخلل. والباء في قوله بما كنتم تعلمون باء السببية. اي بسبب تعليمكم لغيركم المتضمن لعلمكم ودرسكم لكتاب الله وسنة نبيه. التي بدرسها يرسخ العلم ويبقى تكونون ربانيين. ولا ايأمركم بالكفر بعد اذ ان انتم مسلمون. ولا يأمركم ان تتخذوا الملائكة والنبيين اربابا. وهذا تعميم بعد تخصيص. اي لا يأمرك قم بعبادة نفسه ولا بعبادة احد من الخلق من الملائكة والنبيين وغيرهم ايأمركم بالكفر بعد اذ انتم مسلمون؟ هذا ما لا فيكون ولا يتصور ان يصدر من احد من الله عليه بالنبوة فمن قدح في احد منهم بشيء من ذلك فقد ارتكب اثما عظيما وكفرا وخي فيما اتيت جاءكم رسول مصدق لما معكم اخذتم على داركم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا قال فاشهدوا وانا معكم يخبر تعالى انه اخذ ميثاق النبيين وعهدهم المؤكد. بسبب ما اعطاهم من كتاب الله المنزل. والحكمة الفاصلة بين الحق والباطل والهدى والضلال. انه ان بعث الله رسولا مصدقا لما معهم ان يؤمنوا به ويصدقوه. ويأخذوا ذلك على اممهم. فالانبياء عليهم والصلاة والسلام. قد اوجب الله عليهم ان يؤمن بعضهم ببعض. ويصدق بعضهم بعضا. لان جميع ما عندهم هو من عند الله. وكل ما من عند الله يجب التصديق به والايمان فهم كالشيء الواحد. فعلى هذا قد علم ان محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتمهم. فكل الانبياء عليهم الصلاة السلام لو ادركوه لوجب عليهم الايمان به واتباعه ونصرته. وكان هو امامهم ومقدمهم ومتبوعهم. فهذه الاية الكريمة من اعظم الدلائل على علو مرتبته وجلالة قدره. وانه افضل الانبياء وسيدهم صلى الله عليه وسلم. لما قررهم تعالى قالوا قرن اي قبلنا ما امرتنا به على الرأس والعين. قال الله لهم فاشهدوا على انفسكم وعلى اممكم بذلك. قال وانا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك العهد والميثاق المؤكد بالشهادة من الله ومن رسله. فاولئك هم الفاسقون. فعلى هذا كل من ادعى انه من اتباع الانبياء كاليهود والنصارى ومن تبعهم فقد تولوا عن هذا الميثاق الغليظ واستحقوا الفسق الموجب للخلود في النار. ان لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولو اسلم من في السماوات والارض طوعا واليه اي ايطلب الطالبون ويرغب الراغبون في غير دين الله. لا يحسن هذا ولا يليق لانه لا احسن من دين الله وله اسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها. اي الخلق كلهم منقادون بتسخيره. مستسلمون له طوعا واختيارا هم المؤمنون المسلمون المنقادون لعبادة ربهم وكرها وهم سائر الخلق حتى الكافرون مستسلمون لقضائه وقدره لا خروج لهم عن ولا امتناع لهم منه. واليه مرجع الخلائق كلها فيحكم بينهم ويجازيهم بحكمه الدائر بين الفضل والعدل ابالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن تقدم نظير هذه الاية في سورة البقرة ثم قال تعالى ومن يبتغ غير الاسلام اي من يدين لله بغير دين الاسلام الذي ارتضاه والله لعباده فعمله مردود غير مقبول. لان دين الاسلام هو المتضمن للاستسلام لله اخلاصا وانقيادا لرسله. فما لم يأتي به العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه. وكل دين سواه فباطل. ثم قال تعالى كيف يهدي الله والله لا يهدي القوم الظالمين. هذا من باب الاستبعاد اي من الامر البعيد ان يهدي الله قوما اختاروا الكفر بعدما امنوا شهدوا ان الرسول حق. بما جاءهم به من الايات البينات والبراهين القاطعات. والله لا يهدي القوم الظالمين. فهؤلاء ظلموا تركوا الحق بعدما عرفوه. واتبعوا الباطل مع علمهم ببطلانه ظلما وبغيا واتباعا لاهوائهم. فهؤلاء لا يوفقون للهداية. لان الذي يرجى ان يهتدي هو الذي لم يعرف الحق وهو حريص على التماسه. فهذا بالحري ان ييسر الله له اسباب الهداية. ويصونه من اسباب الغواية ثم اخبر عن عقوبة هؤلاء المعاندين الظالمين الدنيوية والاخروية فقال اباؤهم ان عليهم لعنة الله ان عليهم لعنة الله والملائكة خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فان الله غفور رحيم اولئك جزاؤهم ان عليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون. اي لا يفتر عنهم عذاب ساعة ولا لحظة. لا بازالته او ازالة بعض شدته. ولا هم ينظرون اي يمهلون. لان زمن الامهال قد مضى وقد اعذر الله منهم وعمرهم ما يتذكر فيه من تذكر. فلو كان فيهم خير لوجد ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم واولئك هم الضالين يخبر تعالى ان من كفر بعد ايمانه ثم ازداد كفرا الى كفره بتماديه في الغي والضلال. واستمرار على ترك الرشد والهدى انه لا تقبل توبتهم. اي لا يوفقون لتوبة تقبل. بل يمدهم الله في طغيانهم يعمهون. قال تعالى الا ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم فالسيئات ينتج بعضها بعضا وخصوصا لمن اقدم على الكفر العظيم وترك الصراط المستقيم. وقد قامت عليه الحجة ووضح الله له الايات والبراهين. فهذا هو الذي سعى في قطعه لاسباب رحمة ربه عنه وهو الذي سد على نفسه باب التوبة. ولهذا حصل الضلال في هذا الصنف. فقال واولئك هم الضالون في ضلال اعظم من ضلال من ترك الطريق عن بصيرة وهؤلاء اذا استمروا على كفرهم الى الممات تعين هلاكهم وشقاؤهم الابدي ولم ينفعهم شيء. فلو انفق احدهم ملء الارض ذهبا ليفتدي به من من عذاب الله ما نفعه ذلك. بل لا يزالون في العذاب الاليم لا شافع لهم ولا ناصر ولا مغيث. ولا مجير ينقذهم من عذاب الله. فايسوا من كل خير وجزموا على الخلود الدائم في العقاب والسخط. فعياذا بالله من حالهم ان الله به عليم. هذا حث من الله لعباده على الانفاق في طرق الخيرات. فقال لن تنالوا اي تدرك وتبلغ البر الذي هو كل خير من انواع الطاعات وانواع المثوبات. الموصل لصاحبه الى الجنة. حتى تنفقوا مما تحبون. اي من اموال النفيسة التي تحبها نفوسكم. فانكم اذا قدمتم محبة الله على محبة الاموال فبذلتموها في مرضاته. دل ذلك على ايمانكم الصادق وبر قلوبكم ويقين تقواكم. فيدخل في ذلك انفاق نفائس الاموال. والانفاق في حالة حاجة المنفق الى ما انفقه. والانفاق في حالة الصحة ودلت الاية ان العبد بحسب انفاقه للمحبوبات يكون بره. وانه ينقص من بره بحسب ما نقص من ذلك. ولما كان الانفاق وعلى اي وجه كان مثابا عليه العبد سواء كان قليلا او كثيرا. محبوبا للنفس ام لا. وكان قوله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون مما يوهم انفاق غير هذا المقيد غير نافع احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله وما تنفقوا من شيء فان الله به تعليم فلا يضيق عليكم بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه. كل الطعام كان حلا لبني اسراء طائين الا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة وهذا رد على اليهود بزعمهم الباطل ان نسخ غير جائز فكفروا عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لانهما قد اتيا بما يخالف بعض احكام التوراة بالتحليل والتحريم. فمن تمام الانصاف في المجادلة الزام بما في كتابهم التوراة من ان جميع انواع الاطعمة محللة لبني اسرائيل الا ما حرم اسرائيل وهو يعقوب عليه السلام على اي من غير تحريم من الله تعالى بل حرمه على نفسه لما اصابه عرق النسا نذر لئن شفاه الله تعالى ليحرمن احب الاطعمة عليه فحرم فيما يذكرون لحوم الابل والبانها وتبعه بنوه على ذلك. وكان ذلك قبل نزول التوراة. ثم نزل في التوراة اشياء من المحرمات غير ما حرم اسرائيل مما كان حلالا لهم طيبا. كما قال تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم وامر الله رسوله ان انكروا ذلك ان يأمرهم باحضار التوراة. فاستمروا بعد هذا على الظلم والعناد. فلهذا قال تعالى فمن افترى واي ظلم اعظم من ظلم من يدعى الى تحكيم تقييم كتابه فيمتنع من ذلك عنادا وتكبرا وتجبرا. وهذا من اعظم الادلة على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وقيام ايات البينات المتنوعات على صدقه. وصدق من نبأه واخبره بما اخبره به من الامور التي لا يعلمها الا باخبار ربه له بها فلهذا قال تعالى قل صدق الله قل صدق الله فاتبعوا ملة ابراهيم حنيفا قل صدق الله اي فيما اخبر به وحكم وهذا امر من الله لرسوله من يتبعه ان يقولوا بالسنتهم صدق الله معتقدين بذلك في قلوبهم عن ادلة يقينية. مقيمين هذه الشهادة على من انكرها ومن هنا تعلم ان اعظم الناس تصديقا لله اعظمهم علما ويقينا بالادلة التفصيلية السمعية والعقلية. ثم امرهم باتباع ملة ابيهم ابراهيم عليه السلام بالتوحيد وترك الشرك الذي هو مدار السعادة. وبتركه حصول الشقاوة. وفي هذا دليل على ان اليهود وغيرهم من ليس على ملة ابراهيم مشركون غير موحدين. ولما امرهم باتباع ملة ابراهيم في التوحيد وترك الشرك. امرهم باتباعه بتعظيم بيته الحرام بالحج وغيره. فقال يخبر تعالى عن شرف هذا البيت الحرام وانه اول بيت وضعه الله للناس يتعبدون فيه لربهم فتغفر اوزارهم وتقال عثارهم ويحصل لهم به من الطاعات والقربات ما ينالون به رضا ربهم والفوز بثوابه والنجاة من عقابه ولهذا قال مبارك اي فيه البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية. كما قال الله تعالى ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم والله على ما رزقهم من بهيمة الانعام وهدى للعالمين والهدى نوعان. هدى في المعرفة وهدى في العمل. فالهدى في العمل ظاهر وهو ما جعل الله فيه من انواع التعبدات المختصة به. واما هدى العلم فيما يحصل لهم بسببه من العلم بالحق بسبب الايات البينات. التي ذكر الله الله تعالى في قوله ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا فيه ايات بينات اي ادلة واضحات براهين قاطعات على انواع من العلوم الالهية والمطالب العالية. كالادلة على توحيده ورحمته وحكمته. وعظمته وجلاله وكمال علمه وسعة جوده وما من به على اوليائه وانبيائه فمن الايات مقام ابراهيم يحتمل ان المراد به المقام المعروف وهو الحجر الذي كان سيقوم عليه الخليل لبنيان الكعبة لما ارتفع البنيان. وكان ملصقا في جدار الكعبة. فلما كان عمر رضي الله عنه وضعه في مكانه الموجود فيه الان والاية فيه قيل اثر قدمي ابراهيم قد اثرت في الصخرة وبقي ذلك الاثر الى اوائل هذه الامة. وهذا من خوارق عادات وقيل ان الاية فيهما اودعه الله في القلوب من تعظيمه وتكريمه وتشريفه واحترامه. ويحتمل ان المراد بمقام ابراهيم انه مفرد مضاف يراد به مقاماته في مواضع المناسك كلها. فيكون على هذا جميع اجزاء الحج ومفرداته ايات بينات. كالطواف والسعي ومواضعها والوقوف بعرفة ومزدلفة والرمي وسائر الشعائر. والاية في ذلك ما جعله الله في القلوب من تعظيمها واحترامها وبذل نفائس النفوس والاموال في الوصول اليها. وتحمل كل مشقة لاجلها. وما في ضمنها من الاسرار البديعة والمعاني الرفيعة. وما في افعالها من الحكم والمصالح التي يعجز الخلق عن احصاء بعضها. ومن الايات البينات فيها ان من دخله كان امنا شرعا وقدرا الشرع قد امر الله ورسوله ابراهيم. ثم رسوله محمد باحترامه وتأمين من دخله. والا يهاج. حتى ان التحريم في ذلك شمل صيوده واشجارها ونباتها. وقد استدل بهذه الاية من ذهب من العلماء ان من جنى جناية خارج الحرم ثم لجأ اليه انه يأمن ولا قام عليه الحد حتى يخرج منه. واما تأمينها قدرا فلان الله تعالى بقضائه وقدره وضع في النفوس. حتى نفوس المشركين به الكافرين ربهم احتراما. حتى ان الواحد منهم مع شدة حميتهم ونعرتهم. وعدم احتمالهم للضيم يجد احدهم قاتل ابيه في الحرم فلا تهيجه ومن جعله حرما ان كل من اراده بسوء فلابد ان يعاقبه عقوبة عاجلة كما فعل باصحاب الفيل. وقد رأيت لابن القيم ها هنا كلاما من حسنا احببت ايراده لشدة الحاجة اليه. قال فائدة ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. حج البيت ابتدأ خبره في احد المجرورين قبله والذي يقتضيه المعنى ان يكون في قوله على الناس لانه وجوب والوجوب يقتضي على ويجوب ان يكون في قوله ولله لانه متضمن الوجوب والاستحقاق. ويرجح هذا التقدير ان الخبر محط الفائدة وموضعها. وتقديم وهو في هذا الباب في نية التأخير فكان الاحسن ان يكون ولله على الناس. ويرجح الوجه الاول بان يقال قوله حج البيت على الناس اكثر استعمالا في باب الوجوب من ان يقال حج البيت لله اي حق واجب لله فتأمله. وعلى هذا ففي تقديم المجرور في الاول وليس بخبر فائدتان احداهما انه اسم للموجب للحج. فكان احق بالتقديم من ذكر الوجوب. فتضمنت الاية ثلاثة امور مرتبة بحسب الوقائع احدها الموجب لهذا الفرض فبدأ بذكره. والثاني مؤدي الواجب وهو المفترض عليه وهم الناس والثالث النسبة. والحق المتعلق به ايجابا وبهم وجوبا واداء. وهو الحج. والفائدة الثانية ان الاسم المجرور ومن حيث كان اسما لله سبحانه. وجب الاهتمام بتقديمه تعظيما لحرمة هذا الواجب الذي اوجبه. وتخويفا من تضييعه. اذ ليس ما اوجبه الله سبحانه انه بمثابة ما يوجبه غيره. واما قوله من فهي بدل. وقد استهوى طائفة من الناس القول بانها فاعل بالمصدر. كانه قال ان يحج البيت من استطاع اليه سبيلا. وهذا القول يضعف من وجوه. منها ان الحج فرض عين. ولو كان معنى الاية ما ذكره لافهم فرض الكفاية لانه اذا حج المستطيعون برأت ذمم غيرهم. لان المعنى يؤول الى ولله على الناس حج البيت مستطيعهم. فاذا ادى المستطيعون عجب لم يبق واجبا على غير المستطيعين وليس الامر كذلك. بل الحج فرض عين على كل احد. حج المستطيعون او قعدوا. ولكن الله سبحانه انه عذر غير المستطيع بعجزه عن اداء الواجب. فلا يؤاخذه به ولا يطالبه بادائه. فاذا حج سقط الفرض عن نفسه وليس حج المستطيعين مسقط الفرض عن العاجزين. واذا اردت زيادة ايضاح فاذا قلت واجب على اهل هذه الناحية ان يجاهد منهم الطائفة المستطيعون للجهاد فاذا جاهدت تلك الطائفة انقطع تعلق الوجوب في غيرهم. واذا قلت واجب على الناس كلهم ان يجاهد منهم المستطيع. كان الوجوب متعلق بالجميع وعذر العاجز بعجزه. ففي نظم الاية على هذا الوجه دون ان يقال ولله حج البيت على المستطيعين. هذه النكتة البديعة فتأملها. الوجه الثاني ان اضافة المصدر الى الفاعل اذا وجد اولى من اضافته الى المفعول. ولا يعدل عن هذا الاصل الا بدليل نقول فلو كان من هو الفاعل لاضيف المصدر اليه فكان يقال ولله على الناس حج من استطاع. وحمله على باب يعجبه ضرب زيد عمرا. وفيما يفصل فيه بين المصدر وفاعله المضاف اليه بالمفعول والظرف. حمل على المكتوب المرجوح. وهي قراءة ابن عامر قتل اولادهم شركاءهم فلا يصار اليه. واذا ثبت ان من بذل بعض من كل وجب ان يكون في الكلام ضمير يعود الى الناس. كان انه قيل من استطاع منهم وحذف هذا الضمير في اكثر الكلام لا يحسن. وحسنه ها هنا امور منها ان من واقعة على من لا يعقل كالاسم المبدل منه فارتبطت به. ومنها انها موصولة بما هو اخص من الاسم الاول. ولو كانت الصلة اعم لقبح حد الضمير العائد ومثال ذلك اذا قلت رأيت اخوتك من ذهب الى السوق منهم كان قبيحا. لان الذاهب الى السوق اعم من الاخوة. وكذلك لو قلت البس الثياب ما حسن وجمل. يريد منها ولم يذكر الضمير كان ابعد في الجواز. لان لفظ ما حسن اعم من الثياب وباب البعض من الكل ان يكون اخص من المبدل منه. فاذا كان اعم واضفته الى ضمير او قيدته بضمير يعود الى الاول. ارتفع العموم بقي الخصوص ومما حسن حذف المضاف في هذه ايضا مع ما تقدم طول الكلام بالصلة والموصول. واما المجرور من قوله لله فيحتمل وجهين احدهما ان يكون في موضع من سبيل كانه نعت نكرة قدم عليها لانه لو تأخر لكان في موضع النعت والثاني ان يكون متعلقا بالسبيل. فان قلت كيف يتعلق به وليس فيه معنى الفعل؟ قيل السبيل لما كان عبارة ها هنا عن الموصل الى البيت من قوت وزاد ونحوهما كان فيه رائحة الفعل. ولم يقصد به السبيل الذي هو الطريق. فصلح تعلق المجرور به. واقتضى النظم واعجاز اللفظ تقديم المجرور. وان كان موضعه التأخير. لانه ضمير يعود على البيت. والبيت هو المقصود به الاعتناء. وهم في كلامهم ما هم به اهم. وببيانه اعني هذا تقرير السهيلي. وهذا بعيد جدا بل الصواب في متعلق الجار والمجرور وجه الاخر احسن من هذين ولا يليق بالاية سواه وهو الوجوب المفهوم من قوله على الناس. اي يجب لله على الناس الحج. فهو حق واجب لله واما تعليقه بالسبيل وجعله حالا منها ففي غاية البعد فتأمل ولا يكاد يخطر بالبال من الاية وهذا كما لله عليك الصلاة والزكاة والصيام. ومن فوائد الاية واسرارها انه سبحانه اذا ذكر ما يوجبه ويحرمه. بذكره بلفظ الامر والنهي وهو الاكثر وبلفظ الايجاب والكتابة والتحريم نحو كتب عليكم الصيام. حرمت عليكم الميتة. قل تعالوا اتلوا ما حرم عليكم وفي الحج اتى بهذا اللفظ الدال على تأكد الوجوب من عشرة اوجه. احدها انه قدم اسمه تعالى وادخل عليه لام الاستحقاق والاختصاص ثم ذكر من اوجبه عليهم بصيغة العموم الداخلة عليه حرف على ابدل منه اهل الاستطاعة. ثم نكر السبيل في سياق الشرط ايذانا بانه يجب الحج على اي سبيل تيسرت. من قوت او مال فعلق الوجوب بحصول ما يسمى سبيلا. ثم اتبع ذلك باعظم التهديد بالكفر فقال ومن كفر اي لعدم التزامه هذا الواجب وتركه ثم عظم الشأن واكد الوعيد باخباره ما يستغنى به عنه الله تعالى هو الغني الحميد. ولا حاجة به الى حج احد. وانما في ذكر استغنائه عنه هنا من الاعلام بمقته له وسخطه عليه. واعراضه في وجهه عن ما هو اعظم التهديد وابلغه؟ ثم اكد ذلك بذكر اسم العالمين عموما. ولم يقل فان الله غني عنه. لانه اذا كان غني عن العالمين كلهم فله الغنى الكامل التام من كل وجه بكل اعتبار. فكان ادل لعظم مقته لتارك حقه الذي اوجبه عليه. ثم اكدها هذا المعنى باداة ان الدالة على التأكيد فهذه عشرة اوجه تقتضي تأكد هذا الفرض العظيم. وتأمل سر البدل في الاية لذكر الاسناد مرتين. مرة باسناده الى عموم الناس. ومرة باسناده الى خصوص المستطيعين. وهذا من فوائد البدل. تقوية انا وتأكيده بتكرر الاسناد. ولهذا كان في نية تكرار العامل واعادته. ثم تأمل ما في الاية من الايضاح بعد الابهام والتفصيل بعد الاجمال وكيف تضمن ذلك ايراد الكلام في صورتين وخلتين اعتناء به وتأكيد لشأنه. ثم تأمل كيف افتتح هذا الايجاب بذكر محاسن البيت في عظم شأنه بما تدعو النفوس الى قصده وحجه. وان لم يطلب ذلك منها فقال ان اول بيت فوصفه بخمس صفات احدها كونه اسبق بيوت العالم وضع في الارض. الثاني انه مبارك. والبركة كثرة الخير ودوامه. وليس في بيوت العالم ابرك لك منه ولا اكثر خيرا ولا ادوم ولا انفع للخلائق. الثالث انه هدى ووصفه بالمصدر نفسه مبالغة. حتى كأنه نفس الهدى الرابع ما تضمن من الايات البينات التي تزيد على اربعين اية. الخامس الامن الحاصل لداخله. وفي وصفه بهذه الصفات دون ايجاد قصده ما يبعث النفوس على حجه وان شطت بالزائرين الديار وتناءت بهم الاقطار. ثم اتبع ذلك بصريح الوجوب المؤكد بتلك التأكيد وهذا يدل على الاعتناء منه سبحانه لهذا البيت العظيم. والتنويه بذكره والتعظيم لشأنه والرفعة من قدره. ولو لم يكن له شرف الى اضافته اياه الى نفسه بقوله وطهر بيتي لكفى بهذه الاضافة فضلا وشرفا. وهذه الاضافة هي التي اقبلت بقلوب العالمين اليه وسلبت نفوسهم حياله وشوقا الى رؤيته. فهذه المثابة للمحبين يثوبون اليه ولا يقضون منه وطرا ابدا. كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له حبا واليه اشتياقا. فلا الوصال يشفيهم ولا البعاد يسليهم. كما قيل اطوف به والنفس بعد اليه وهل بعد الطواف تداني؟ والثم منه الركن اطلب برد ما بقلبي من شوق ومن هيمان. فوالله ما ازداد لا صبابة ولا القلب الا كثرة الخفقان. فيا جنة المأوى ويا غاية المنى. ويا منيتي من دون كل اماني. ابت غلبات شوقي الا تقربا اليك فما لي بالبعاد يداني. وما كان صدي عنك صد ملامة. ولي شاهد من مقلتي ولساني دعوت اصطباري عنك بعدك والبكاء. فلبى البكا والصبر عنك عصاني. وقد زعموا ان المحب اذا نأى سيبلى هواه بعد طول زماني ولو كان هذا الزعم حقا لكان ذا دواء الهوى في الناس كل زمان. بلى انه يبلي المحب وانه على حاله ان لم يبلغ الملوان. وهذا محب قاده الشوق والهوى. بغير زمام قائد وعنان. اتاك على بعد المزارع ولونت مطيته جاءت به القدمان. انتهى كلامه رحمه الله بايات الله والله شهيد على ما تعملون. قل يا اهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله ايمان امن تبغونها عوجا وانتم شهداء يوبخ تعالى اهل الكتاب من اليهود والنصارى على كفرهم بايات الله التي انزلها الله على رسله. التي جعلها رحمة عباده يهتدون بها اليه ويستدلون بها على جميع المطالب المهمة والعلوم النافعة. فهؤلاء الكفرة جمعوا بين الكفر بها وصد من امن بالله عنها وتحريفها وتعويدها عما جعلت له. وهم شاهدون بذلك عالمون بان ما فعلوه اعظم الكفر الموجب لاعظم العقوبة الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون. فلهذا توعدهم هنا بقوله وما الله بغافل عما بل محيط باعمالكم ونياتكم ومكركم السيء. فمجازيكم عليه اشر الجزاء. لما توعدهم ووبخهم عطف برحمته جوده واحسانه وحذر عباده المؤمنين منهم لان لا يمكروا بهم من حيث لا يشعرون. فقال وذلك لحسدهم وبغيهم عليكم. وشدة حرصهم على ردكم عن دينكم. كما قال الله تعالى ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعده بايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق. ثم ذكر تعالى السبب الاعظم والموجب الاكبر لثبات المؤمنين على ايمانه وعدم تزلزلهم عن ايقانهم. وان ذلك من ابعد الاشياء. فقال ايات الله وفيكم رسوله. ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم ايات الله وفيكم رسوله. اي الرسول بين اظهركم يتلو عليكم ايات ربكم كل وقت وهي الآيات البينات التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشك فيما دلت عليه بوجه من الوجوه خصوصا والمبين لها افضل الخلق واعلمهم وافصحهم وانصحهم وارأفهم بالمؤمنين. الحريص على هداية الخلق وارشادهم بكل طريق يقدر عليه. فصلوات الله سلامه عليه. فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين. فلم يبق في نفوس القائلين مقالا. ولم يترك لجائل في طلب الخير مجالا. ثم اخبر ان من اعتصم به فتوكل عليه وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر. واستعان به على كل خير. فقد هدي الى صراط مستقيم. موصل له والى غاية المرغوب لانه جمع بين اتباع الرسول في اقواله وافعاله واحواله وبين الاعتصام بالله امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون هذا امر من الله لعباده المؤمنين ان يتقوه حق تقواه. وان يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه. ويستقيموا الى الممات. فان من عاش على شيء مات عليه فمن كان في حال صحته ونشاطه وامكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته. منيبا اليه على الدوام. ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة وتقوى الله حق تقواه. كما قال ابن مسعود وهو ان يطاع فلا يعصى. ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر. وهذه الاية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى. واما ما يجب على العبد منها فكما قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا. يجمعها فعل ما امر الله به وترك كل ما نهى الله عنه. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا كذلك يبين الله لكم اياته ثم امرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله وكون دعوة مؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين. فان في اجتماع المسلمين على دينهم وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم يتمكنون من كل امر من الامور ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها من التعاون على البر والتقوى. كما ان التراقي والتعادي يختل نظامهم. وتنقطع روابطهم. ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه. ولو ادى الى الضرر العام ثم ذكرهم تعالى نعمته وامرهم بذكرها. فقال واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء. يقتل بعضكم بعضا. ويأخذ بعضكم مال بعض حتى ان القبيلة يعادي بعضهم بعضا. واهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي والاقتتال. وكانوا في شر عظيم وهذه حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فلما بعثه الله وامنوا به واجتمعوا على الاسلام. وتآلفت قلوبهم على الايمان. كانوا كالشخص الواحد من تآلف قلوبهم وموالاة بعضهم لبعض. ولهذا قال فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها اي قد استحقيتم النار ولم يبق بينكم وبينها الا ان تموتوا فتدخلوها. فانقذكم منها بما من عليكم من الايمان بمحمد صلى الله الله عليه وسلم كذلك يبين الله لكم اياته ان يوضحها ويفسرها ويبين لكم الحق من الباطل والهدى من الضلال لعلكم تهتدون بمعرفة الحق والعمل به. وفي هذه الاية ما يدل على ان الله يحب من عباده ان يذكروا نعمته بقلوبهم والسنتهم ليزدادوا شكرا له ومحبة. وليزيدهم من فضله واحسانه. وان من اعظم ما يذكر من نعمه. نعمة الهداية الى الاسلام. واتباع الرسول صلى الله الله عليه وسلم واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. واولئك هم المفلحون. ايها لكم منكم ايها المؤمنون الذين من الله عليهم بالايمان والاعتصام بحبله. امة اي جماعة يدعون الى الخير وهو اسم جامع لكل ما يقرب اليه الى الله ويبعد من سخطه. ويأمرون بالمعروف وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه. وينهون عن المنكر. وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه هذا ارشاد من الله للمؤمنين ان يكون منهم جماعة متصدية للدعوة الى سبيله وارشاد الخلق الى دينه. ويدخل في ذلك العلماء المعلمون في الدين والوعاظ الذين يدعون اهل الاديان الى الدخول في دين الاسلام. ويدعون المنحرفين الى الاستقامة والمجاهدون في سبيل الله دون لتفقد احوال الناس والزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الاسلام. وكتفقد المكاييل والموازين وتفقد اهل الاسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة. وكل هذه الامور من فروض الكفايات كما تدل عليه الاية الكريمة في قوله ولتكن منكم امة اي لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في هذه الاشياء المذكورة. ومن المعلوم المتقرر ان الامر بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. فكل ما تتوقف هذه الاشياء عليه فهو مأمور به. كالاستعداد للجهاد بانواع العدد. التي يحصل بها نكاية الاعداء يعز الاسلام وتعلم العلم الذي يحصل به الدعوة الى الخير وسائلها ومقاصدها وبناء المدارس للارشاد والعلم ومساعدة النواب ونتهم على تنفيذ الشرع في الناس بالقول والفعل والمال. وغير ذلك مما تتوقف هذه الامور عليه. وهذه الطائفة المستعدة للدعوة الى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين. ولهذا قال تعالى عنهم واولئك هم المفلحون. الفائزون بالمطلوب الناجون من المرهوب ثم نهاهم عن التشبه باهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم. فقال واولئك ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا. ومن العجائب ان اختلافهم من بعد ما جاءهم البينات الموجبة لعدم التفرق والاختلاف. فهم اولى من غيرهم بالاعتصام بالدين. فعكسوا القضية مع علمهم بمخالفتهم امر الله. فاستحقوا العقاب البليغ ولهذا قال تعالى واولئك لهم عذاب عظيم فاما الذين اسودت وجوههم كفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة ففي رحمة الله هم فيها خالدون. يخبر تعالى عن حال يوم القيامة وما فيه من من اثار الجزاء بالعدل والفضل. ويتضمن ذلك الترغيب والترهيب الموجب للخوف والرجاء. فقال يوم تبيض وجوه وهي وجوه اهل السعادة والخير اهل الائتلاف والاعتصام بحبل الله. وتسود وجوه وهي وجوه اهل الشقاوة والشر. اهل الفرقة والاختلاف. هؤلاء وجوههم بما في قلوبهم من الخزي والهوان والذلة والفضيحة. واولئك ضت وجوههم لما في قلوبهم من البهجة والسرور والنعيم الذي ظهرت اثاره على وجوههم كما قال الله تعالى ولقاهم نظرة وسرورا. نظرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم. وقال قال تعالى والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة. كأنما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. واما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم على وجه التوبيخ والتقريع. اكفرتم بعد ايمانكم اي كيف اثرتم الكفر والضلال على الايمان والهدى؟ وكيف تركتم سبيل الرشاد وسلكتم طريق الغي؟ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فليس يليق بكم الا النار. ولا تستحقون الا الخزي والفضيحة والعار. واما الذين ابيضت وجوههم فيهنئون اكمل تهنئة ويبشرون ترون اعظم بشارة وذلك انهم يبشرون بدخول الجنات ورضا ربهم ورحمته. ففي رحمة الله هم فيها خالدون. واذا كانوا في الرحمة فالجنة اثر من اثار رحمته تعالى فهم خالدون فيها بما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار ارحم الراحمين لما بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الاحكام الامرية والاحكام الجزائية. قال وما الله يريد ظلما لي في العالمين. تلك ايات الله نتلوها اين قصها؟ عليك بالحق. لان اوامره ونواهيه مشتملة على الحكمة والرحمة وثوابها وعقابها. كذلك مشتمل على الحكمة والرحمة والعدل الخالي من الظلم. ولهذا قال وما الله يريد ظلما للعالمين نفى ارادته ظلمهم فضلا عن كونه يفعل ذلك. فلا ينقص احد شيئا من حسناته. ولا يزيد في ظلم الظالمين. بل يجازيهم باعمالهم فقط ثم قال تعالى اي هو المالك لما في السماوات وما في الارض. الذي خلقهم ورزقهم ويتصرف فيهم بقدره وقضائه. وفي شرعه وامره واليه يرجعون يوم القيامة. فيجازيهم باعمالهم حسنها وسيئها ولو امن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون واكثرهم الفاسقون تمدح تعالى هذه الامة ويخبر انها خير الامم التي اخرجها الله للناس. وذلك بتكميلهم لانفسهم بالايمان المستلزم للقيام بكل ما امر الله وبتكميلهم لغيرهم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. المتضمن دعوة الخلق الى الله وجهادهم على ذلك. وبذل المستطاع في ردهم عن على اله وغيهم وعصيانهم. فبهذا كانوا خير امة اخرجت للناس. لما كانت الاية السابقة وهي قوله ولتكن منكم امة يدعون الى الخير خير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. امرا منه تعالى لهذه الامة. والامر قد يمتثله المأمور ويقوم به. وقد لا يقوم به اخبر في هذه الاية ان الامة قد قامت بما امره الله بالقيام به. وامتثلت امر ربها واستحقت الفضل على سائر الامم. ولو امن اهل الكتاب لكان خيرا لهم. وفي هذا من دعوته بلطف الخطاب ما يدعوهم الى الايمان. ولكن لم يؤمن منهم الا قليل. واكثرهم الفاسقون الخارجون عن طاعة الله المعادون لاولياء الله بانواع العداوة. ولكن من لطف الله بعباده المؤمنين انه رد كيدهم في نحورهم الادبار ثم لا ينصرون. فليس على المؤمنين منهم ضرر في اديانهم ولا ابدانهم. وانما غاية ما يصلون اليه من الاذى. اذية الكلام التي لا سبيل الى السلامة منها من كل معادي فلو قاتلوا المؤمنين لو الادبار فرارا. ثم تستمر هزيمتهم ويدوم ذلهم. ولا هم ينصرون في وقت من الاوقات. ولهذا اخبر تعالى انه عاقبهم بالذلة في بواطنهم المسكنة على ظواهرهم الا بحبل من الله وحبل من الناس آآ اه ويقتلون الانبياء بغير حق. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فلا يستقرون ولا يطمئنون الا بحبل اي عهد من الله وحبل من الناس. فلا يكون اليهود الا تحت احكام المسلمين وعهدهم تؤخذ منهم الجزية او يستذلون او تحت احكام النصارى وقد باؤوا مع ذلك بغضب من الله وهذا اعظم العقوبات والسبب الذي وصلهم الى هذه الحال ذكره الله بقوله التي انزلت نهى الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. الموجبة لليقين والايمان. فكفروا بها بغيا وعنادا. ويقتلون الانبياء بغير حق ان يقابلون انبياء الله الذين يحسنون اليهم اعظم احسان باشر مقابلة وهو القتل. فهل بعد هذه الجراءة والجناية شيء اعظم منه منها وذلك كله بسبب عصيانهم واعتدائهم. فهو الذي جرأهم على الكفر بالله وقتل انبياء الله. ثم قال تعالى ليسوا من اهل الكتاب امة قائمة يتلون اياته ات الله اناء الليل وهم يسجدون. لما بين تعالى الفرقة الفاسقة من اهل الكتاب وبين افعالهم وعقوباتهم بين ها هنا الامة المستقيمة. وبين افعالها وثوابها. فاخبر انهم لا يستوون عنده. بل بينهم من الفرق ما لا يمكن فاما تلك الطائفة الفاسقة فقد مضى وصفهم. واما هؤلاء المؤمنون فقال تعالى منهم امة قائمة اي مستقيمة على دين قائمة بما الزمها الله به من المأمورات. ومن ذلك قيامها بالصلاة يتلون ايات الله اناء الليل وهم يسجدون. وهذا بيان في اوقات الليل وطول تهجدهم وتلاوتهم لكتاب ربهم وايثارهم الخضوع والركوع والسجود له. يؤمنون بالله واليوم الاخر ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات. واولئك يؤمنون بالله واليوم الاخر اي كايمان المؤمنين ايمانا يوجب لهم الايمان كل نبي ارسله وكل كتاب انزله الله وخص الايمان باليوم الاخر. لان الايمان الحقيقي باليوم الاخر يحث المؤمن به على ما يقربه الى الله وترك كل ما يعاقب عليه في ذلك اليوم. ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. فحصل منهم تكميل انفسهم بالايمان ولوازمه وتكميل غيرهم بامرهم بكل خير ونهيهم عن كل شر. ومن ذلك حثهم اهل دينهم وغيرهم على الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. ثم وصفهم بالهمم العالية. وانهم يسارعون في الخيرات. اي يبادرون اليها فينتهزون الفرصة فيها. ويفعلونها في اول وقت امكانها وذلك من شدة رغبتهم في الخير ومعرفتهم بفوائده وحسن عوائده. فهؤلاء الذين وصفهم الله بهذه الصفات الجميلة والافعال الجليلة. من الصالحين الذين يدخلهم الله في رحمته ويتغمدهم بغفرانه وينيلهم من فضله واحسانه فلن يكفروا والله عليم بالمتقين وانهم مهما فعلوا من خير قليلا كان او كثيرا فلن يكفروه اي لن يحرموه ويفوتوا اجره بل يثيبهم الله على ذلك اكمل ثواب. ولكن الاعمال ثوابها تبع ما يقوم بقلب صاحبها من الايمان والتقوى. فلهذا قال والله عليم بالمتقين. كما قال الله تعالى انما يتقبل الله من المتقين واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. يخبر تعالى ان الذين كفروا لن تغني عنهم اموالهم ولا اولادهم من الله شيئا. اي لا تدفع عنهم شيئا من عذاب الله. ولا تجدي عليهم شيئا من ثواب الله. كما قال الله تعالى وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الا من امن وعمل صالحا. بل تكون اموالهم واولادهم زادا الى النار وحجة عليهم في زيادة نعم الله عليهم. تقتضي منهم شكرها ويعاقبون على عدم القيام بها وعلى كفرها. ولهذا قال اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون. ثم ضرب مثلا لما ينفقه الكفار من اموالهم التي يصدون بها عن سبيل الله. ويستعينون بها على اطفاء نور الله بانها تبطل وتضمحل كمن زرع زرعا يرجو نتيجته ويأمل ادراك ريعه فبينما هو كذلك اذ اصابته ريح فيها اي برد شديد محرق فاهلكت زرعه. ولم يحصل له الا التعب والعناء وزيادة الاسف. فكذلك هؤلاء الكفار الذين قال الله فيهم ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله. فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون. وما ظلمهم الله بابطال اعمالهم. ولكن كانوا انفسهم يظلمون. حيث كفروا بايات الله وكذبوا رسوله. وحرصوا على اطفاء نور الله هذه الامور هي التي احبطت اعمالهم وذهبت باموالهم. ثم قال تعالى ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يتخذوا بطانة من المنافقين من اهل الكتاب وغيرهم يظهرونهم على سرائرهم او يولون هم باعمال الاعمال الاسلامية. وذلك انهم هم الاعداء الذين امتلأت قلوبهم من العداوة والبغضاء. فظهرت على افواههم وما تخفي صدورهم اكبر مما يسمع منهم فلهذا لا يألونكم خبالا اي لا يقصرون في حصول الضرر عليكم والمشقة وعمل الاسباب التي فيها ضرركم ومساعدة الاعداء عليكم. قال الله للمؤمنين قد بينا لكم الايات اي التي فيها مصالحكم الدينية والدنيوية. لعلكم فتعرفونها وتفرقون بين الصديق والعدو فليس كل احد يجعل بطانة وانما العاقل من اذا ابتلي بمخالطة العدو ان تكون مخالطة في ظاهره ولا يطلعه من باطنه على شيء. ولو تملق له واقسم انه من اوليائه. قال الله مهيجا للمؤمنين على الحذر من هؤلاء المنافقين من اهل الكتاب ومبينا شدة عداوتهم. ها انتم اولئك تحبونهم ولا يحبونكم ثم تؤمنون بالكتاب كله. واذا لقوكم قالوا امنا واذا خلوا عضوا عليكم الانامل قل موتوا بغيظكم ان الله عليم بذات الصدور. ها انتم اولئك تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله. اي جنس الكتب التي انزلها الله على انبيائه وهم لا يؤمنون بكتابكم. بل اذا لقوكم اظهروا لكم ايمان واذا لقوكم قالوا امنا واذا خلوا عضوا عليكم الانامل. وهي اطراف الاصابع من شدة غيظهم عليكم. قل موتوا بغيظكم ان الله عليم بذات الصدور. وهذا فيه بشارة للمؤمنين ان هؤلاء الذين قصدوا ضرركم لا يضرون الا انفسهم وان غيظهم ليقدرون على تنفيذه. بل لا يزالون معذبين به حتى يموتوا. فينتقلوا من عذاب الدنيا الى عذاب الاخرة كيدهم شيئا ان الله بما يعملون محيط. ان تمسسكم حسنة كالنصر على الاعداء وحصول الفتح والغنائم تسؤهم اي تغمهم وتحزنهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيد شيئا ان الله بما يعملون محيط. فاذا اتيتم بالاسباب التي وعد الله عليها النصر. وهي الصبر والتقوى لم يضركم مكرهم. بل يجعل اللهم اكرهم في نحورهم. لانه محيط بهم علمه وقدرته. فلا منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليه منهم شيء. واذ غدوت من اجل اهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم هذه الايات نزلت في وقعة احد وقصتها مشهورة في السير والتواريخ. ولعل الحكمة في ذكرها في هذا الموضع. وادخل في اثنائها وقعة بدر لما ان الله تعالى قد وعد المؤمنين انهم اذا صبروا واتقوا نصرهم ورد كيد الاعداء عنهم. وكان هذا حكما عاما ووعدا صادقا. لا يتخلف مع الاتيان بشرطه فذكر نموذجا من هذا في هاتين القصتين وان الله نصر المؤمنين في بدر لما صبروا واتقوا وادال عليهم العدو لما صدر من بعضهم من الاخلال بالتقوى ما صدر. ومن حكمة الجمع بين القصتين ان الله يحب من عباده اذا اصابهم ما يكرهون ان يتذكروا ما يحبون. فيخف عنهم ويشكر الله على نعمه العظيمة التي اذا قوبلت بما يناله من المكروه الذي هو في الحقيقة خير لهم. كان المكروه بالنسبة الى المحبوب نزرا يسيرا وقد اشار تعالى الى هذه الحكمة في قوله او لما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها؟ وحاصل قضية احد واجمالها ان المشركين لما رجع كلهم من بدر الى مكة وذلك في سنة اثنتين من الهجرة استعدوا بكل ما يقدرون عليه من العدد بالاموال والرجال والعدد اجتمع عندهم من ذلك ما جزموا بحصول غرضهم وشفاء غيظهم. ثم وجهوا من مكة للمدينة في ثلاثة الاف مقاتل. حتى نزلوا قرب المدينة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم اليهم هو واصحابه. بعد المراجعة والمشاورة حتى استقر رأيهم على الخروج. وخرج في الف. فلما قليلا رجع عبد الله ابن ابي المنافق بثلث الجيش ممن هو على مثل طريقته. وهمت طائفتان من المؤمنين ان يرجعوا. وهم بنو سلمة ابن حارثة فثبتهم الله. فلما وصلوا الى احد رتبهم النبي صلى الله عليه وسلم في مواضعهم. واسندوا ظهورهم الى احد. ورتب النبي صلى الله عليه وسلم خمسين رجلا من اصحابه في خلة في جبل احد. وامرهم ان يلزموا مكانهم ولا يبرحوا منه. ليأمنوا ان يأتيهم احد من ظهورهم فلما التقى المسلمون والمشركون انهزم المشركون هزيمة قبيحة وخلفوا معسكرهم خلف ظهورهم واتبعهم المسلمون يقتلون فلما رآهم الرماة الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجبل قال بعضهم لبعض الغنيمة الغنيمة ما يقعدنا ها هنا والمشرك قد انهزموا ووعظهم اميرهم عبد الله بن جبير عن المعصية فلم يلتفتوا اليه. فلما اخلوا موضعهم فلم يبق فيه الا نفر يسير منهم اميرهم عبد الله ابن جبير جاءت خيل المشركين من ذلك الموضع واستدبرت المسلمين وقاتلت ساقتهم. فجال المسلمون جولة ابتلاهم الله بها وكفر بها عنهم واذاقهم فيها عقوبة المخالفة. فحصل ما حصل من قتل من قتل منهم. ثم انهم منحازوا الى رأس جبل احد. وكف الله وعنهم ايدي المشركين وانكفأوا الى بلادهم. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه المدينة. قال الله تعالى واذ غدوت من اهلك والغدو ها هنا مطلق الخروج ليس المراد به الخروج في اول النهار. لان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لم يخرجوا الا بعد ما صلوا الجمعة تبوء المؤمنين مقاعد للقتال. اي تنزلهم وترتبهم كل في مقعده اللائق به. وفيها اعظم مدح للنبي صلى الله عليه وسلم حيث هو الذي يباشر تدبيرهم واقامتهم في مقاعد القتال. وما ذاك الا لكمال علمه ورأيه. وسداد نظره وعلو همته. حيث يباشرها هذه الامور بنفسه وشجاعته الكاملة صلوات الله وسلامه عليه. والله سميع لجميع المسموعات. ومنه انه يسمع ما يقول المؤمنون والمنافقون كل يتكلم بحسب ما في قلبه عليم بنيات العبيد فيجازيهم عليها اتم الجزاء. وايضا فالله سميع عليم بكم يكلأ ويتولى تدبير اموركم ويؤيدكم بنصره. كما قال تعالى لموسى وهارون انني معكما اسمع وارى. ومن لطفه بهم واحسان انهي اليهم انه لما همت طائفتان من المؤمنين بالفشل وهم بنو سلمة وبنو حارثة كما تقدم ثبتهم الله تعالى نعمة عليهما على سائر المؤمنين. فلهذا قال والله وليهما اي بولايته الخاصة التي هي لطفه باولياءه وتوفيقهم لما فيه صلاحهم وعصمتهم عما فيه مضرتهم. فمن توليه لهما انهما لما هما بهذه المعصية العظيمة. وهي الفشل والفرار عن رسول الله عصمهما. لما معه من الايمان كما قال الله تعالى الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. ثم قال وعلى الله فليتوكل المؤمنون ففيها الامر بالتوكل الذي هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار. مع الثقة بالله وانه بحسب ايمان العبد يكون توكله. وان المؤمنين اولى بالتوكل على الله من غيرهم. وخصوصا في مواطن الشدة والقتال. فانهم مضطرون الى التوكل والاستعانة بربهم والاستنصار له. والتبري من حولهم وقوتهم والاعتماد على حول الله وقوته. فبذلك ينصرهم ويدفع عنهم البلايا والمحن. ثم قال تعالى نصركم الله ببدر وانتم اذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون هذا امتنان منه على عباده المؤمنين. وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر. وهم اذلة في قلة عددهم وعددهم. مع كثرة عدد عدوهم وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة. خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة. بثلاثمائة وبضعة عشر من اصحابه لم يكن معهم الا سبعون بعيرا وفرسان. لطلب عير لقريش قدمت من الشام. فسمع به المشركون فتجهزوا من مكة لفكاك عيرهم. وخرج في زهاء الف مقاتل مع العدة الكاملة والسلاح العام والخيل الكثيرة. فالتقوهم والمسلمون في ماء يقال له بدر بين مكة والمدينة ونصر الله المسلمين نصرا عظيما. فقتلوا من المشركين سبعين قتيلا من صناديد المشركين وشجعانهم. واسروا سبعين. واحتووا على ومعسكرهم ستأتي ان شاء الله القصة في سورة الانفال. فان ذلك موضعها. ولكن الله تعالى هنا اتى بها ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه. فلهذا قال فاتقوا الله لعلكم تشكرون. لان من اتقى ربه فقد شكره. ومن ترك التقوى لم يشكره اذ تقول للمؤمنين ان يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة الاف من الملائكة اذ تقول يا محمد للمؤمنين يوم بدر مبشرا لهم بالنصر. الن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة لالاف من الملائكة منزلين بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا اي من مقصدهم هذا وهو وقعة بدر يمددكم ربكم بخمسة الاف من الملائكة مسومين اي معلمين علامة الشجعان فشرط الله لامدادهم ثلاثة شروط الصبر والتقوى واتيان المشركين من فورهم هذا فهذا الوعد بانزال الملائكة المذكورين وامدادهم بهم. واما وعد النصر وقمع كيد الاعداء. فشرط الله له الشرطين الاولين كما تقدم في قوله. وان تصبروا وتتقوا ولا يضركم كيدهم شيئا وما جعله الله اي امداده لكم بالملائكة الا بشرى تستبشرون بها وتفرحون ولتطمئن وما النصر الا من عند الله. فلا تعتمدوا على ما معكم من الاسباب. بل الاسباب فيها طمأنينة لقلوبكم. واما النصر الحقيقي الذي لا عارض له فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من عباده. فانه ان شاء نصر من معه الاسباب كما هي سنته في خلقه. وان شاء نصر المستضعفين من الاذلين ليبين لعباده ان الامر كله بيديه ومرجع الامور اليه. ولهذا قال عند الله العزيز فلا يمتنع عليهم مخلوق بل الخلق كلهم اذلاء مدبرون تحت تدبيره وقهره. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. وله الحكمة في ادانة الكفار معطي الاوقات على المسلمين ادانة غير مستقرة. قال الله تعالى ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم في بعض ليقطع طرفا من الذين كفروا او يكبتهم فينقلبوا يخبر تعالى ان نصره عباده المؤمنين لاحد امرين. اما ان يقطع طرفا من الذين كفروا اي جانبا منهم وركنا من اما بقتل او اسر او استيلاء على بلد او غنيمة مال. فيقوى بذلك المؤمنون ويذل الكافرون. وذلك لان مقاومتهم ومحاربة للاسلام تتألف من اشخاصهم وسلاحهم واموالهم وارضهم. فبهذه الامور تحصل منهم المقاومة والمقاتلة. فقطع شيء من ذلك لبعض قوتهم. الامر الثاني ان يريد الكفار بقوتهم وكثرتهم طمعا في المسلمين. ويمنوا انفسهم ذلك ويحرصوا عليه غاية الحرص ويبذلوا قواهم واموالهم في ذلك. فينصر الله المؤمنين عليهم. ويردهم خائبين لم ينالوا مقصودهم. بل يرجعون بخسارة وغم وحسر واذا تأملت الواقع رأيت نصر الله لعباده المؤمنين دائرا بين هذين الامرين غير خارج عنهما اما نصر عليهم او خذل لهم ليس لك من الامر شيء او يتوب عليهم او يعذبهم فانهم ظالمون لما جرى يوم احد ما جرى وجرى على النبي صلى الله عليه وسلم مصائب رفع الله بها درجته فشج رأسه وكسرت رباعيته. قال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وجعل يدعو على رؤساء من المشركين مثل ابي سفيان ابن حرب وصفوان ابن امية وسهيل ابن عمرو والحارث بن هشام انزل الله تعالى على رسوله نهيا له عن الدعاء عليهم باللعنة والطرد من رحمة الله. ليس لك من الامر شيء انما عليك البلاغ وارشاد الخلق والحرص على مصالحهم. وانما الامر لله تعالى هو الذي يدمر الامور. ويهدي من يشاء ويضل من يشاء. فلا تدعو عليهم بل امرهم راجع الى ربهم ان اقتضت حكمته ورحمته ان يتوب عليهم ويمن عليهم بالاسلام فعل. وان اقتضت حكمته ابقاءهم على كفرهم وعدم هداية فانهم هم الذين ظلموا انفسهم وضروها وتسببوا بذلك. فعل وقد تاب الله على هؤلاء المعينين وغيرهم فهداهم للاسلام رضي الله عنهم وفي هذه الاية مما يدل على ان اختيار الله غالب على اختيار العباد. وان العبد وان ارتفعت درجته وعلى قدره قد يختار شيئا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره. وان الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له من الامر شيء. فغيره من باب اولى. ففيها اعظم رد على من تعلق بالانبياء او غيرهم من الصالحين وغيرهم. وان هذا شرك في العبادة نقص في العقل. يتركون من الامر كله له ويدعون من لا يملك من الامر مثقال ذرة ان هذا لهو الضلال البعيد. وتأمل كيف لما ذكر تعالى توبته عليهم اسند الفعل اليه. ولم يذكر منهم سببا موجبا لذلك ليدل ذلك على ان النعمة محض فضله على عباده من غير سبق سبب من العبد ولا وسيلة. ولما ذكر العذاب ذكر معه ظلمهم ورتبهم على العذاب بالفاء المفيدة للسببية. فقال او يعذبهم فانهم ظالمون. ليدل ذلك على كمال عدل الله وحكمته. حيث وضع العقوبة كموضعها ولم يظلم عبده بل العبد هو الذي ظلم نفسه. ولما نفى عن رسوله انه ليس له من الامر شيء. قرر من الامر له فقال لله ما في السماوات وما في الارض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. والله الله غفور رحيم. ولله ما في السماوات وما في الارض. من الملائكة والانس والجن والحيوانات والافلاك والجمادات كلها وجميع ما في السماوات والارض. الكل ملك لله مخلوقون مدبرون. وتصرف فيهم تصرف المماليك. فليس لهم مثقال ذرة من واذا كانوا كذلك فهم دائرون بين مغفرته وتعذيبه. فيغفر لمن يشاء بان يهديه للاسلام. فيغفر شركه ويمن عليه بترك العصي فيغفر له ذنبه ويعذب من يشاء بان يكله الى نفسه الجاهلة الظالمة المقتضية لعمل الشر فيعمل الشر ويعذبه على ذلك ثم ختم الاية باسمين كريمين دالين على سعة رحمته وعموم مغفرته. وسعة احسانه وعميم احسانه. فقال والله غفور رحيم. ففيها اعظم بشارة بان رحمته غلبت غضبه. ومغفرته غلبت مؤاخذته. فالاية فيها الاخبار عن حالة الخلق. وان منهم من يغفر الله له ومنهم من يعذبه. فلم يختمها باسمين احدهما دال على الرحمة. والثاني دال على النقمة. بل ختمها باسمين كليهما يدل على الرحمة فله تعالى رحمة واحسان سيرحم بها عباده لا تخطر ببال بشر. ولا يدرك لها وصف فنسأله تعالى ان يتغمدنا ويدخلنا برحمته في عباده الصالحين تقدم في مقدمة هذا التفسير ان العبد ينبغي له مراعاة الاوامر والنواهي في نفسه وفي غيره. وان ان الله تعالى اذا امره بامر وجب عليه اولا ان يعرف حده. وما هو الذي امر به ليتمكن بذلك من امتثاله. فاذا عرف ذلك اجتهد واستعان بالله على امتثاله في نفسه وفي غيره. بحسب قدرته وامكانه. وكذلك اذا نهي عن امر عرف حده وما يدخل فيه وما لا يدخل. ثم هدى واستعان بربه في تركه. وان هذا ينبغي مراعاته في جميع الاوامر الالهية والنواهي. وهذه الايات الكريمات قد اشتملت على اوامر وخصال من خصال الخير امر الله بها وحث على فعلها. واخبر عن جزاء اهلها وعلى نواهي حث على تركها. ولعل الحكمة والله اعلم في ادخال هذه الايات اثناء قصة احد انه قد تقدم ان الله تعالى وعد عباده المؤمنين انهم اذا صبروا واتقوا نصرهم على اعدائهم وخذل الاعداء عنهم كما في قوله تعالى وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ثم قال بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم فكأن النفوس اشتاقت الى معرفة خصال التقوى. التي يحصل بها النصر والفلاح والسعادة. فذكر الله في هذه الايات في اهم خصال التقوى الذي اذا قام العبد بها فقيامه بغيرها من باب اولى واحرى. ويدل على ما قلنا ان الله ذكر لفظ التقوى في هذه الايات ثلاث مرات مرة مطلقة وهي قوله اعدت للمتقين. ومرتين مقيدتين فقال واتقوا الله واتقوا النار فقوله تعالى يا ايها الذين امنوا كل ما في القرآن من قوله تعالى يا ايها الذين امنوا افعلوا كذا او اتركوا كذا تدل على ان الايمان هو السبب الداعي والموجب الامتثال ذلك الامر. واجتناب ذلك النهي. لان الايمان هو التصديق الكامن بما يجب التصديق به. المستلزم اعمال الجوارح فنهاهم عن اكل الربا اضعافا مضاعفة. وذلك هو ما اعتاده اهل الجاهلية. ومن لا يبالي بالاوامر الشرعية من انه اذا حل الدين على المعسر ولم يحصل منه شيء. قالوا له اما ان تقضي ما عليك من الدين واما ان نزيد في المدة. ويزيد ما في ذمتك فيضطر فقير يستدفع غريمه ويلتزم ذلك. اغتناما لراحته الحاضرة فيزداد بذلك ما في ذمته اضعافا مضاعفة. من غير نفع وانتفاع. ففي اقول ايه؟ اضعافا مضاعفة. تنبيه على شدة شناعته بكثرته. وتنبيه لحكمة تحريمه. وان تحريم الربا حكمته ان الله منع منه فيه من الظلم وذلك ان الله اوجب انذار المعسر وبقاء ما في ذمته من غير زيادة. فالزامه بما فوق ذلك ظلم متضاعف. فيتعين على المؤمن المتقي تركه وعدم قربانه. لان تركه من موجبات التقوى والفلاح متوقف على التقوى. فلهذا قال واتقوا الله لعلكم واتقوا النار التي اعدت للكافرين. واتقوا النار التي اعدت للكافرين فيما يوجب دخولها من الكفر والمعاصي على اختلاف درجاتها. فان المعاصي كلها وخصوصا المعاصي الكبار تجرؤ الى الكفر. بل هي من خصال الكفر الذي اعد الله النار لاهله. فترك المعاصي ينجي من النار. ويقي من سخط الجبار وافعال الخير والطاعة توجب رضا الرحمن. ودخول الجنان وحصول الرحمة ولهذا قال واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون. واطيعوا الله ورسوله بفعل الاوامر امتثالا واجتناب النواهي لعلكم ترحمون. فطاعة الله وطاعة رسوله من اسباب حصول الرحمة كما قال تعالى ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة. وسارعوا الى مغفرة من رب ثم امرهم تعالى بالمصارعة الى مغفرته وادراك جنته. التي عرضها السماوات والارض. فكيف بطولها التي اعدها الله للمتقين؟ فهم اهلها واعمال التقوى هي اليها ثم وصف المتقين واعمالهم فقال الذين ينفقون في السراء والكاظمين الغيظ والعافين عن والله يحب المحسنين الذين ينفقون في السراء والضراء اي في حال عسرهم ويسرهم ان ايسروا اكثروا من النفقة وان اعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئا ولو قل. والكاظمين الغيظ اي اذا حصل لهم من غيرهم اذية توجب غيظهم وهو امتلاء قلوبهم من الحنق. الموجب للانتقام بالقول والفعل. هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشري بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ ويصبرون على مقابلة المسيء اليهم. والعافين عن الناس يدخل في العفو عن الناس. العفو عن كل من اساء اليك بقول او فعل. والعفو ابلغ من الكظم. لان العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء. وهذا انما يكون ممن تحلى بالاخلاق الجميلة وتخلى عن الاخلاق الرذيلة وممن تاجر مع الله وعفا عن عباد الله رحمة بهم واحسانا اليهم وكراهة لحصول الشر عليهم وليعفو الله عنهم ويكون اجره على ربه الكريم لا على العبد الفقير. كما قال تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله ثم ذكر حالة اعم من غيرها واحسن واعلى واجل. وهي الاحسان. فقال تعالى والله يحب المحسنين. والاحسان نوعان الاحسان في عبادة الخالق والاحسان الى المخلوق. فالاحسان في عبادة الخالق فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. واما الاحسان الى المخلوق فهو ايصال النفع الديني والدنيوي اليهم. ودفع الشر الديني والدنيا عنهم فيدخل في ذلك امرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتعليم جاهلهم ووعظ غافلهم. والنصيحة لعامتهم وخاصتهم والسعي في جمع كلمتهم وايصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة اليهم. على اختلاف احوالهم وتباين اوصافهم. فيدخل في ذلك بذل الندى او كف الاذى واحتمال الاذى كما وصف الله به المتقين في هذه الايات. فمن قام بهذه الامور فقد قام بحق الله وحق عبيده. ثم ذكر اعتذارهم لربهم من جناياتهم وذنوبهم. فقال والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم اي صدر منهم اعمال سيئة كبيرة او ما دون ذلك بادروا الى التوبة الاستغفار وذكروا ربهم وما توعدوا به العاصين ووعد به المتقين. فسألوه المغفرة لذنوبهم والستر لعيوبهم. مع اقلاعهم عن ها وندمهم عليها. فلهذا قال ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون اجر العاملين اولئك الموصوفون بتلك الصفات. جزاؤهم مغفرة من ربهم. تزيل عنهم كل محذور. وجنات تجري من تحتها الانهار. فيها امن النعيم المقيم والبهجة والسرور والبهاء والخير والسرور والقصور والمنازل الانيقة العاليات والاشجار المثمرة البهية والانهار للجارية في تلك المساكن الطيبات خالدين فيها لا يحولون عنها ولا يبغون بها بدلا. ولا يغير ما هم فيه من النعيم ما اجر العاملين؟ عملوا لله قليلا فاجروا كثيرا. فعند الصباح يحمد القوم الصرى. وعند الجزاء يجد العامل اجره كاملا وهذه الايات الكريمات من ادلة اهل السنة والجماعة على ان الاعمال تدخل في الايمان خلافا للمرجئة ووجه الدلالة انما يتم بذكر الاية التي في سورة الحديد نظير هذه الايات. وهي قوله تعالى سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين امنوا بالله ورسله فلم يذكر فيها الا لفظ الايمان به وبرسله. وهنا قال اعدت للمتقين. ثم وصف بهذه الاعمال المالية والبدنية. فدل على ان هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم اولئك المؤمنون من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين وهذه الايات الكريمات ما بعدها في قصة احد يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم. ويخبرهم انه مضى قبلهم اجيال وامم كثيرة. امتحنوا وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين. فلم يزالوا في مداولة ومجاولة حتى جعل الله العافية للمتقين. والنصر لعباده المؤمنين. واخر امر حصلت الدولة على المكذبين وخذلهم الله بنصر رسله واتباعه. فسيروا في الارض بابدانكم وقلوبكم. فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين فانكم لا تجدونهم الا معذبين بانواع العقوبات الدنيوية قد خوت ديارهم وتبين لكل احد خسارهم وذهب اعزهم وملكهم وزال بذخهم وفخرهم. افليس في هذا اعظم دليل واكبر شاهد على صدق ما جاءت به الرسل. وحكمة الله التي يمتحن بها عبادة ليبلوهم ويتبين صادقهم من كاذبهم. ولهذا قال للمتقين. هذا بيان للناس اي دلالة ظاهرة تبين للناس الحق من الباطل. واهل السعادة من اهل الشقاوة والاشارة الى ما اوقع الله بالمكذبين وهدى وموعظة للمتقين. لانهم هم المنتفعون بالايات. فتهديهم الى سبيل الرشاد. وتعظهم عن طريق الغي واما باقي الناس فهي بيان لهم تقوم به عليهم الحجة من الله ليهلك من هلك عن بينة. ويحتمل ان الاشارة في قوله هذا بيان للناس للقرآن العظيم والذكر الحكيم وانه بيان للناس عموما وهدى وموعظة للمتقين خصوصا الى المعنيين حق يقول تعالى مشجعا لعباده المؤمنين. ومقويا لعزائمهم ومنهضا لهم. ولا تهنوا ولا تحزنوا. اي ولا تهنوا وتضعفوا في ابدانكم ولا تحزنوا في قلوبكم عندما اصابتكم المصيبة وابتليتم بهذه البلوى فان الحزن في القلوب والوهن على الابدان زيادة مصيبة عليك وعون لعدوكم عليكم. بل شجعوا قلوبكم وصبروها. وادفعوا عنها الحزن وتصلبوا على قتال عدوكم. وذكر تعالى انه لا ينبغي ولا يليق بهم الوهن والحزن وهم الاعلون في الايمان ورجاء نصر الله وثوابه. فالمؤمن المتيقن ما وعده الله من الثواب الدنيوي والاخروي. لا ينبغي منه ذلك. ولهذا قال تعالى وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين. ثم سلاهم بما حصل لهم من الهزيمة. وبين الحكم العظيمة المترتبة على ذلك فقال وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين. ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله انتم واياهم قد تساويتم في القرح. ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون. كما قال تعالى ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. ومن الحكم في ذلك ان هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر. والبر والفاجر يداول الله الايام بين الناس يوم لهذه الطائفة ويوم للطائفة الاخرى. لان هذه الدار الدنيا منقضية فانية. وهذا بخلاف الدار الاخرة فانها خالصة للذين امنوا. وليعلم الله الذين امنوا هذا ايضا من الحكم انه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء. ليتبين المؤمن من المنافق لانه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الاسلام من لا يريده. فاذا حصل في بعض الوقائع بعض انواع الابتلاء تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الاسلام في الضراء والسراء واليسر والعسر ممن ليس كذلك. ويتخذ منكم شهداء وهذا ايضا ومن بعض الحكم لان الشهادة عند الله من ارفع المنازل. ولا سبيل لنيلها الا بما يحصل من وجود اسبابها. فهذا من رحمته بعباده المؤمنين ان قيد له من الاسباب ما تكرهه النفوس. لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم. والله لا يحب الظالمين. الذين ظلموا انفسهم وتقاعدوا عن القتال في سبيله. وكأن في هذا تعريضا بذم المنافقين. وانهم مبغضون لله. ولهذا ثبتهم عن القتال في سبيله ولو ارادوا الخروج لاعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم. وقيل اقعدوا مع القاعدين حين امنوا ويمحق الكافرين. وليمحص الله الذين امنوا وهذا ايضا من الحكم ان الله يمحص بذلك المؤمنين من بهم وعيوبهم يدل ذلك على ان الشهادة والقتال في سبيل الله يكفر الذنوب. ويزيل العيوب وليمحص الله ايضا المؤمنين من غيرهم من المنافقين فيتخلصون منهم ويعرفون المؤمن من المنافق ومن الحكم ايضا انه يقدر ذلك ليمحق الكافرين اي ليكون سببا لمحقهم استئصالهم بالعقوبة فانهم اذا انتصروا بغوا وازدادوا طغيانا الى طغيانهم يستحقون به المعادلة بالعقوبة رحمة بعباده المؤمنين ثم قال تعالى ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين. هذا استفهام انكاري اي لا تظنوا ولا يخطر ببالكم ان تدخلوا الجنة من دون مشقة واحتمال المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته. فان الجنة اعلى المطالب. وافضل ما به يتنافس المتنافسون. وكلما عظم المطلوب قامت وسيلته والعمل الموصل اليه. فلا يوصل الى الراحة الا بترك الراحة. ولا يدرك النعيم الا بترك النعيم. ولكن مكاره الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله عند توطين النفس لها. وتمرينها عليها ومعرفة ما تؤول اليه تنقلب عند ارباب البصائر. منحا يسرون بها ولا يبالون بها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ثم وبخهم تعالى على عدم صبرهم بامر كانوا يتمنونه ويودون حصوله قال ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه. وذلك ان كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم ممن فاته بدر يتمنون ان يحضرهم الله مشهدا يبذلون فيه جهدهم. قال الله تعالى لهم فقد رأيتموه اي رأيتم ما تمنيتم باعينكم وانتم تنظرون. فما بالكم وترك الصبر! هذه حالة لا تليق ولا تحسن. خصوصا لمن تمنى ذلك. وحصل له ما تمنى. فان الواجب عليه بذل الجهد واستفراغ الوسع في ذلك. وفي هذه الاية دليل على انه لا يكره تمني الشهادة. ووجه الدلالة ان الله تعالى اقرهم على امنيتهم ولم ينكر عليهم وانما انكر عليهم عدم العمل بمقتضاها والله اعلم. ثم قال تعالى فاعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله يقول تعالى وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل اي ليس ببدع من الرسل بل هو من جنس الرسل الذين قبله وظيفتهم تبليغ رسالات ربهم وتنفيذ اوامره. ليسوا بمخلدين وليس بقاؤهم شرطا في امتثال اوامر الله. بل الواجب على عبادة ربهم في كل وقت وبكل حال. ولهذا قال افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم بترك ما جاءكم به من ايمان او جهاد او غير ذلك قال الله تعالى ومن انقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا انما يضر نفسه والا فالله تعالى غني عنه وسيقيم دينه ويعز عباده المؤمنين. فلما وبخ تعالى من انقلب على عقبيه مدح ما ثبت مع رسوله وامتثل امر ربه. فقال وسيجزي الله الشاكرين. والشكر لا يكون الا بالقيام بعبودية الله تعالى في كل حال. وفي هذه الاية الكريمة ارشاد من الله تعالى ان يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن ايمانهم. او عن بعض لوازمه فقد رئيس ولو عظم. وما ذاك الا بالاستعداد في كل امر من امور الدين بعدة اناس من اهل الكفاءة فيه. اذا فقد احدهم قام به غيره. وان يكون عموم المؤمنين قصدهم اقامة دين الله. والجهاد عنه بحسب الامكان لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس. فبهذه الحال يستتب لهم امرهم. وتستقيم امورهم. وفي هذه الاية ايضا اعظم دليل على فضيلة الصديق الاكبر ابي بكر واصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لانهم هم سادات شاكرين وما كان لنفس ان تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا. ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين ثم اخبر تعالى ان النفوس جميعها متعلقة بآجالها. باذن الله وقدره وقضائه. فمن حتم عليه بالقدر ان يموت مات ولو بغير سبب ومن اراد بقاءه فلو اتى من الاسباب كل سبب لم يضره ذلك قبل بلوغ اجله وذلك ان الله قضاه وقدره وكتبه الى اجل مسمى اذا جاء اجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. ثم اخبر تعالى انه يعطي الناس من ثواب الدنيا والاخرة ما تعلقت به اراداتهم فقال ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها. قال الله تعالى كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا. انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض. وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا وسنجزي الشاكرين ولم يذكر جزاءهم ليدل ذلك على كثرته وعظمته. وليعلم ان الجزاء على قدر الشكر قلة وكثرة وحسنا وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير. فما وهنوا لما اصابهم في دين الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين. هذا تسلية للمؤمنين وحث على للاقتداء بهم والفعل كفعلهم. وان هذا امر قد كان متقدما. لم تزل سنة الله جارية بذلك. فقال وكاين من نبي؟ اي كم من نبي قاتل معه ربيون كثير اي جماعات كثيرون من اتباعهم الذين قد ربتهم الانبياء بالايمان والاعمال الصالحة فاصابهم هم قتل وجراح وغير ذلك. فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا. اي ما ضعفت قلوبهم ولا وهنت ابدانهم فلست كانوا اي ذلوا لعدوهم بل صبروا وثبتوا وشجعوا انفسهم. ولهذا قال والله يحب الصابرين. ثم ذكر قولهم نصارهم لربهم فقال وما كان قولهم الا ذنوبنا واسرافنا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا وما كان قولهم اي في تلك المواطن الصعبة الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في في امرنا والاسراف هو مجاوزة الحد الى ما حرم. علموا ان الذنوب والاسراف من اعظم اسباب الخذلان. وان التخلي منها من اسباب النصر فسألوا ربهم مغفرتها ثم انهم لم يتكلوا على ما بذلوا جهدهم به من الصبر. بل اعتمدوا على الله وسألوه ان يثبت اقدامهم عند ملاقاة الاعداء كافرين وان ينصرهم عليهم فجمعوا بين الصبر وترك ضده والتوبة والاستغفار والاستنصار بربهم. لا جرم ان الله نصرهم جعل لهم العاقبة في الدنيا والاخرة. ولهذا قال فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين فاتاهم الله ثواب الدنيا من النصر والظفر والغنيمة وحسن ثواب الاخرة وهو الفوز برضى ربهم والنعيم المقيم الذي قد سلم من جميع المنكدات وما ذاك الا انهم احسنوا له الاعمال. فجازاهم باحسن الجزاء فلهذا قال والله يحب المحسنين في عبادة الخالق ومعاملة الخلق ومن الاحسان ان يفعل عند جهاد الاعداء كفعل اولئك الموصوفين ثم قال تعالى وهذا نهي من الله للمؤمنين ان يطيعوا الكافرين من المنافقين والمشركين فانهم ان اطاعوهم لم يريدوا لهم الا الشر. وهم قصدهم ردهم الى الكفر الذي عاقبتهم الخيبة والخسران ثم اخبر انه مولاهم وناصرهم ففيه اخبار لهم بذلك. وبشارة بانه سيتولى امورهم بلطفه ويعصمهم من انواع الشرور. وفي ضمن ذلك الحث لهم على اتخاذه وحده وليا وناصرا من دون كل احد الرعب بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. ومأواهم فمن ولايته ونصره لهم انه وعدهم انه سيلقي في قلوب اعدائه من الكافرين الرعب. وهو الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم. وقد فعل تعالى وذلك ان مشركين بعدما انصرفوا من وقعة احد تشاوروا بينهم فقالوا كيف ننصرف بعد ان قتلنا منهم من قتلنا وهزمناهم ولما نستأصلهم فهموا بذلك فالقى الله الرعب في قلوبهم فانصرفوا خائبين. ولا شك ان هذا من اعظم النصر. لانه قد تقدم ان نصر الله لعباده المؤمنين لا يخرج عن احد امرين اما ان يقطع طرفا من الذين كفروا او يكبتهم فينقلبوا خائبين وهذا من الثاني. ثم ذكر السبب الموجب القاء الرعب في قلوب الكافرين. فقال بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. اي ذلك بسبب من اتخذوا من دونه من الانداد والاصنام التي اتخذوها على حسب اهوائهم واراداتهم الفاسدة من غير حجة ولا برهان. وانقطعوا من ولاية الواحد الرحمن. فمن ثم كان المشرك مرعوبا من لا يعتمد على ركن وثيق وليس له ملجأ عند كل شدة وضيق. هذا حاله في الدنيا واما في الاخرة فاشد واعظم. ولهذا اذا قال ومأواهم النار اي مستقرهم الذي يأوون اليه وليس لهم عنها خروج وبئس مثوى الظالمين بسبب ظلمهم وعدوانهم طارت النار مثواهم الدنيا ومنكم من يريد الاخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد اي ولقد صدقكم الله وعده بالنصر. فنصركم عليهم حتى خلوكم اكتافهم وطفقتم فيهم قتلى حتى صرتم سببا لانفسكم وعونا لاعدائكم عليكم. فلما حصل منكم الفشل وهو الضعف والخور وتنازعتم في الامر الذي فيه ترك امر الله بالائتلاف وعدم الاختلاف. فاختلفتم فمن قائل نقيم في مركزنا الذي جعلنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم ومن قائل ما مقامنا فيه وقد انهزم العدو ولم يبقى محظور فعصيتم الرسول وتركتم امره من بعد ما اراكم الله ما تحبون وهو خلال اعدائكم لان الواجب على من انعم الله عليه بما احب اعظم من غيره. فالواجب في هذه الحال خصوصا وفي غيرها عموما امتثال امر الله ورسوله. منكم من يريد الدنيا وهم الذين اوجب لهم ذلك ما اوجب. ومنكم من يريد الاخرة. وهم الذين لزموا امر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتوا حيث امروا ثم صرفكم عنهم اي بعدما وجدت هذه الامور منكم صرف الله وجوهكم عنهم فصار الوجه لعدوكم ابتلاء من الله لكم وامتحانا. ليتبين المؤمن من الكافر والطائع من العاصي. وليكفر الله عنكم بهذه المصيبة ما صدر منكم لهذا قال ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين. اي ذو فضل عظيم عليهم حيث من عليهم بالاسلام وهداهم لشرائعه وعفا عنهم سيئاتهم واثابهم على مصيباتهم. ومن فضله على المؤمنين انه لا يقدر عليهم خيرا ولا مصيبة. الا كان خيرا لهم ان اصابتهم سراء فشكروا جازاهم جزاء الشاكرين. وان اصابتهم ضراء فصبروا جازاهم جزاء الصابرين اتى المون على احد والرسول يدعوكم في اخراكم فاثابكم غما بغم لكيلا فاثابكم غنا برم لكي لا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما اصابكم. والله خبير خير بما تعملون. يذكرهم تعالى حالهم في وقت انهزامهم عن القتال. ويعاتبهم على ذلك. فقال اذ تصعدون اي تجدون في الهروب ولا تلوون على احد اي لا يلوي احد منكم على احد ولا ينظر اليه بل ليس لكم هم الا الفرار جاءوا عن القتال والحال انه ليس عليكم خطر كبير. اذ لستم اخر الناس مما يلي الاعداء ويباشر الهيجاء. بل الرسول يدعوكم في اخراكم اي مما يلي القوم يقول الي عباد الله فلم تلتفتوا اليه ولا عرجتم عليه فالفرار نفسه موجب للوم ودعوة الرسول المجيب لتقديمه على النفس اعظم لوما بتخلفكم عنها. فاثابكم اي جزاكم على فعلكم غما بغم. اي غما يتبع غما منذ فوات النصر وفوات الغنيمة. وغم بانهزامكم وغم انساكم كل غم. وهو سماعكم ان محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل. ولكن الله بلطفه وحسن نظره لعباده. جعل اجتماع هذه الامور لعباده المؤمنين خيرا لهم. فقال لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من النصر والظفر ولا ما اصابكم من الهزيمة والقتل والجراح اذا تحققتم ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل هانت عليكم تلك المصيبات واغتبطتم بوجوده المسلي عن كل مصيبة ومحنة. فلله ما في ضمن البلايا والمحن من الاسرار والحكم. وكل هذا صادر عن علمه وكمال خبرته باعمالكم وظواهركم وبواطنكم. ولهذا قال والله خبير بما تعملون. ويحتمل ان معنى قوله لكي لا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما اصابكم يعني انه قدر ذلك الغم والمصيبة عليكم لكي تتوطن نفوسكم وتمرنوا على الصبر على المصيبات ويخف عليكم تحمل قل ان الامر كله لله يخفون فيه انفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شيء ما قتلنا ها هنا لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم. وليبتلي الله ثم انزل عليكم من بعد الغم الذي اصابكم امنة نعاسا يغشى طائفة منكم. ولا شك ان هذا رحمة بهم واحسان وتثبيت لقلوبهم وزيادة طمأنينة. لان الخائف لا يأتيه النعاس لما في قلبه من الخوف. فاذا زال الخوف عن القلب امكن ان يأتيه النعاس. وهذه الطائفة التي انعم الله عليها بالنعاس هم المؤمنون الذين ليس لهم هم الا اقامة دين الله. ورضا الله ورسوله ومصلحة اخوانهم المسلمين. واما الطائفة الاخرى الذين قد اهمتهم انفسهم فليس لهم هم في غيرها لنفاقهم او ضعف ايمانهم. فلهذا لم يصبهم من النعاس ما اصاب غيرهم يقولون هل لنا من الامر من شيء؟ وهذا استفهام انكاري اي ما لنا من الامر اي النصر والظهور شيء فاساءوا الظن بربهم ونبيه وظنوا ان الله لا يتم امر رسوله. وان هذه الهزيمة هي الفيصلة والقاضية على دين الله. قال الله في جوابهم قل ان الامر كله انه لله. الامر يشمل الامر القدري والامر الشرعي. فجميع الاشياء بقضاء الله وقدره. وعاقبة النصر والظفر لاوليائه واهل طاعته وان جرى عليهم ما جرى يخفون. يعني المنافقين في انفسهم ما لا يبدون لك. ثم بين الامر الذي يخفونه. فقال يقولون لو كان لنا من الامر شيء. اي لو كان لنا في هذه الواقعة رأي ومشورة ما قتلنا ها هنا. وهذا انكار منهم وتكذيب بقدر الله. وتسفيه من منهم لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأي اصحابه وتزكية منهم لانفسهم. فرد الله عليهم بقوله قل لو كنتم في بيوتكم التي هي ابعد شيء عن مظان القتال. لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم. فالاسباب وان عظمت انما تنفع اذا لم يعارضها القدر والقضاء فاذا عارضها القدر لم تنفع شيئا بل لابد ان يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة وليبتلي الله ما في دوركم ان يختبر ما فيها من نفاق وايمان وضعف ايمان. وليمحص ما في قلوبكم من وساوس الشيطان. وما تأثر عنها من الصفات الحميدة والله عليم بذات الصدور. اي بما فيها وما اكنته. فاقتضى علمه وحكمته ان قدر من الاسباب ما به تنهر مخبآته الصدور وسرائر الامور قالوا ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ان الله غفور حليم. يخبر الا عن حال الذين انهزموا يوم احد. وما الذي اوجب لهم الفرار وانه من تسويل الشيطان وانه تسلط عليهم ببعض ذنوبهم. فهم الذين ادخلوه على انفسهم ومكنوه بما فعلوا من المعاصي. لانها مركبه ومدخله. فلو اعتصموا بطاعة ربهم لما كان له عليهم من سلطان قال الله تعالى ان عبادي ليس لك عليهم سلطان. ثم اخبر انه عفا عنهم بعدما فعلوا ما يوجب المؤاخذة. والا فلو اخذهم لاستأصلهم ان الله غفور للمذنبين الخطائين بما يوفقهم له من التوبة والاستغفار والمصائب المكفرة حليم لا يعادل من عصاه بل به ويدعوه الى الانابة اليه والاقبال عليه. ثم ان تاب واناب قبل منه وصيره كانه لم يجري منه ذنب ولم يصدر منه عيب فلله الحمد على احسانه. يا ايها الذين امنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لاخوانهم ان اذا ضربوا في الارض او كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يشابه الكافرين الذين لا يؤمنون بربهم ولا بقضائه وقدره من المنافقين وغيرهم ينهاهم عن مشابهتهم في كل شيء وفي هذا امري الخاص وهو انهم يقولون لاخوانهم في الدين او في النسب اذا ضربوا في الارض اي سافروا للتجارة او كانوا غزا اي غزاة ثم جرى عليهم قتل او موت يعارضون القدر ويقولون لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا. وهذا كذب منهم. فقد قال الله تعالى قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم. ولكن هذا التكذيب لم يفدهم الا ان الله يجعل هذا القول وهذه عقيدة حسرة في قلوبهم فتزداد مصيبتهم. واما المؤمنون بالله فانهم يعلمون ان ذلك بقدر الله فيؤمنون ويسلمون الله قلوبهم ويثبتها ويخفف بذلك عنهم المصيبة. قال الله ردا عليهم والله يحيي ويميت. اي هو المنفرد بذلك. فلا تغني حذر عن قدر والله بما تعملون بصير فيجازيكم باعمالكم وتكذيبكم ثم اخبرت الا ان القتل في سبيله او الموت فيه ليس فيه نقص ولا محذور وانما هو مما ينبغي ان يتنافس فيه المتنافسون لانه سبب مفض وموصل الى مغفرة الله ورحمته. وذلك خير مما يجمع اهل الدنيا من دنياهم وان الخلق ايضا اذا ماتوا او قتلوا باي حالة كانت فانما مرجعهم الى الله ومآلهم اليه فيجازي كلا بعمله فاين الفرار الا الى الله؟ وما للخلق عاصم الا الاعتصام بحبل الله فاعف عنهم واستغفر لهم شاوذهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين. اي برحمة الله لك ولاصحابك. من الله عليك ان النت لهم جانبك وخفضت لهم جناحك. وترقدت عليهم وحسنت لهم خلقك. فاجتمعوا عليك واحبوك وامتثلوا امرك ولو كنت فظا اي سيء الخلق غليظ القلب اي قاسية لنفضوا من حولك. لان هذا ينفرهم يبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيء. فالاخلاق الحسنة من الرئيس في الدين تجذب الناس الى دين الله وترغبهم فيه. مع مال صاحبه من المدح والثقل وبالخاص والاخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين وتبغضهم اليه مع مال صاحبها من الذم والعقاب الخاص. فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول فكيف بغيره؟ اليس من اوجب الواجبات واهم المهمات؟ الاقتداء باخلاقه الكريمة ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم من اللين وحسن الخلق والتأليف امتثالا لامر الله وجذبا لعباد الله لدين الله. ثم امره الله الله تعالى بان يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم. ويستغفر لهم في التقصير في حق الله. في جمع بين العفو والاحسان شاورهم في الامر. اي الامور التي تحتاج الى استشارة ونظر وفكر. فان في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره منها ان المشاورة من العبادات المتقرب بها الى الله. ومنها ان فيها تسميحا لخواطرهم. وازالة لما يصير في القلوب عند الحوادث فان من له الامر على الناس اذا جمع اهل الرأي والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث اطمأنت نفوسهم واحبوه وعلموا انه ليس بمستبد عليهم وانما ينظر الى المصلحة الكلية العامة للجميع. فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته. لعلمهم بسعيه في مصالح العموم بخلاف من ليس كذلك فانهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة ولا يطيعونه. وان اطاعوه فطاعة غير تامة. ومنها ان في الاستشارة تنور الافكار بسبب اعمالها فيما وضعت له. فصار في ذلك زيادة للعقول. ومنها ما تنتجه الاستشارة من الرأي المصيب ان المشاور لا يكاد يخطئ في فعله. وان اخطأ او لم يتم له مطلوب فليس بملوم. فاذا كان الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو اكمل الناس عقلا واغزرهم علما وافضلهم رأيا وشاورهم في الامر فكيف بغيره؟ ثم قال الله تعالى فاذا عزمت اي على امر من الامور بعد الاستشارة فيه ان كان يحتاج الى استشارة فتوكل على الله. اي اعتمد على حول الله وقوته متبرأ من حولك وقوتك ان الله يحب المتوكلين عليه اللاجئين اليه وعلى الله فليتوكل المؤمنون اي ان يمددكم الله بنصره ومعونته فلا غالب لكم. فلو اجتمع عليكم من في اقطارها وما عنده من العدد والعدد. لان الله لا موالب له. وقد قهر العباد واخذ بنواصيهم فلا تتحرك دابة الا باذنه. ولا تسكن الا باذنه. وان يخذلكم ويكلكم الى انفسكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده؟ فلا بد ان تنخذلوا ولو اعانكم جميع الخلق. وفي ضمن ذلك الامر بالاستنصال بالله والاعتماد عليه والبراءة من الحول والقوة. ولهذا قال وعلى الله فليتوكل المؤمنون. تقديم المعمول يؤذن بالحصر. اي على الله كانوا لا على غيره لانه قد علم انه هو الناصر وحده. فالاعتماد عليه توحيد محصن للمقصود. والاعتماد على غيره شرك غير نافع لصاحبه مال ضار وفي هذه الاية الامر بالتوكل على الله وحده وانه بحسب ايمان العبد يكون توكله. وما كان لنبي ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة. ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يبلغون. الغلول هو الكتمان من الغنيمة. والخيانة في كل مال يتولاه الانسان. وهو محرم الاجماع بل هو من الكبائر كما تدل عليه هذه الاية الكريمة وغيرها من النصوص. فاخبر الله تعالى انه ما ينبغي ولا يليق بنبي ان يغل لان الغلول كما علمت من اعظم الذنوب واشر العيوب. وقد صان الله تعالى انبيائه عن كل ما يدنسهم ويقدح فيهم. وجعلهم افضل ثمين اخلاقا واطهرهم نفوسا وازكاهم واطيبهم. ونزههم عن كل عيب وجعلهم محل رسالته ومعدن حكمته. الله اعلم حيث يجعل رسالته فبمجرد علم العبد بالواحد منهم يجزم بسلامته من كل امر يقدح فيهم ولا يحتاج الى دليل على ما قيل فيه من لان معرفته بنبوتهم مستلزم لدفع ذلك. ولذلك اتى بصيغة يمتنع معها وجود الفعل منهم. فقال وما كان ان يغل ان يمتنع ذلك ويستحيل على من اختارهم الله لنبوته. ثم ذكر الوعيد على من غل. فقال ومن يغلل يأتي بما يوم القيامة ان يأتي به حامله على ظهره حيوانا كان او متاعا او غير ذلك ليعذب به يوم القيامة. ثم توفى كلنا نفس ما كسبت الغال وغيره. كل يوفى اجره ووزره على مقدار كسبه. وهم لا يظلمون. اي لا يزاد في سيئاتهم. ولا يهضمون شيئا من حسناتهم وتأمل حسن هذا الاحتراز في هذه الاية الكريمة. لما ذكر عقوبة الغال وانه يأتي يوم القيامة بما غل. ولما اراد ان يذكر توفيته وجزاءه. وكان الاقتصار على الغال يوهم بالمفهوم ان غيره من انواع العاملين قد لا يوفون. اتى بلفظ عام جامعي له ولغيره. افمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم انعم وبئس المصير. هم درجات عند الله. والله بصير بما لا يعملون. يخبر تعالى انه لا يستوي من كان قصده رضوان الله. والعمل على ما يرضيه كمن ليس كذلك. ممن هو على المعاصي مسخط لربه. هذان لا يستويان في حكم الله. وحكمة الله وفي فطر عباد الله. افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون. ولهذا قال هنا هم درجات عند الله. اي كل هؤلاء متفاوتون في درجاتهم ومنازلهم. بحسب تفاوتهم في مالهم فالمتبعون لرضوان الله يسعون في نيل الدرجات العاليات والمنازل والغرفات فيعطيهم الله من فضله وجوده على قدر اعمالهم والمتبعون لمساخط الله يسعون في النزول في الدرجات الى اسفل السافلين. كل على حسب عمله. والله تعالى بصير باعمالهم لا يخفى عليه من لا شيء بل قد علمها واثبتها في اللوح المحفوظ ووكل ملائكته الامناء الكرام ان يكتبوها ويحفظوها ويضبطونها فيهم ويزكهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين هذه المنة التي امتن الله بها على عباده. اكبر النعم بل اصلها وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم. الذي انقذهم الله به من ضلالة وعصمهم به من الهلكة فقال لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يعرفون نسبه وحاله ولسانه من قومهم وقبيلتهم ناصحا لهم مشفقا عليهم يتلو عليهم اياته يعلمهم الفاظها ومعانيها ويزكيهم من الشرك المعاصي والرذائل وسائر مساوئ الاخلاق. ويعلمهم الكتاب اما جنس الكتاب الذي هو القرآن. فيكون قوله يتلو عليهم اياته المراد به الايات الكونية او المراد بالكتاب هنا الكتابة فيكون قد امتن عليهم بتعليم الكتاب والكتابة التي بها تدرك العلوم والحكمة هي السنة التي هي شقيقة القرآن. او وضع الاشياء مواضعها ومعرفة اسرار الشريعة. فجمع لهم بين تعليم وما به تنفذ الاحكام وما به تدرك فوائدها وثمراتها. ففاقوا بهذه الامور العظيمة جميع المخلوقين. وكانوا من العلماء وان كانوا من قبل بعثة هذا الرسول لفي ضلال مبين. لا يعرفون الطريق الموصل الى ربهم ولا ما يزكي النفوس ويطهرها بل ما زين لهم جهلهم فعلوه. ولو ناقض ذلك عقول العالمين قل ومن عند ان الله على كل شيء قدير. هذا تسلية من الله تعالى لعباده المؤمنين. حيث اصابهم ما اصابهم يوم احد وقتل منهم نحو سبعين. فقال الله انكم قد اصبتم من المشركين مثليها يوم بدر. فقتلتم سبعين من كبارهم واسرتم فليهن الامر ولتخف المصيبة عليكم مع انكم لا تستوون انتم وهم. فان قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار. قلتم انى هذا اي من اين اصابنا ما اصابنا وهزمنا قل هو من عند انفسكم حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون فعودوا على انفسكم واحذروا من الاسباب المرضية. ان الله على كل شيء قدير. فاياكم وسوء الظن بالله فانه قادر على نصركم. ولكن له اتم الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم. ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم. ولكن ليبلو بعضكم ببعض. وما اصابكم يوم التقى الجمعان باذن الله. وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا. وقيل لهم تعالوا قاتلوا الايمان يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم. والله اعلم بما يكتمون ثم اخبر ان ما اصابهم يوم التقى الجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين في احد من القتل والهزيمة انه باذنه وقضائه وقدره لا مرد له ولابد من وقوعه. والامر القدري اذا نفذ لم يبق الا التسليم له. وانه قدره لحكم عظيمة وفوائد جسيمة. وانه يتبين بذلك المؤمن من المنافق الذين لما امروا بالقتال وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله اي ذبا عن دين الله وحماية له وطلبا لمرضاة الله او ادفعوا عن محارمكم وبلدكم ان لم يكن لكم نية صالحة فابوا ذلك واعتذروا بان قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم اي لو نعلم انكم يصير بينكم وبينهم قتال لاتبعناكم. وهم كذبة في هذا قد علموا وتيقنوا وعلم كل احد ان هؤلاء المشركين قد ملئوا من الحنق والغيظ على المؤمنين بما اصابوا منهم. وانهم قد بذلوا اموالهم وجمعوا ما يقدرون عليه من الرجال والعدد. واقبلوا في جيش قاصدين المؤمنين في بلدهم متحرقين على قتالهم. فمن كانت هذه حالهم كيف يتصور انهم لا يصير بينهم وبين المؤمنين قتال خصوصا وقد خرج المسلمون من المدينة وبرزوا لهم هذا من المستحيل. ولكن المنافقين ظنوا ان هذا العذر يروج على المؤمنين. قال الله قال هم للكفر يومئذ اي في تلك الحال التي تركوا فيها الخروج مع المؤمنين اقرب منهم للايمان. يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم وهذه خاصة المنافقين. يظهرون بكلامهم وفعالهم ما يبطنون ضده في قلوبهم وسرائرهم. ومنه قولهم لو نعلم قتالا اتبعناكم فانهم قد علموا وقوع القتال ويستدلوا بهذه الاية على قاعدة ارتكاب اخف المفسدتين لدفع اعلاهما وفعل ادنى للعجز عن اعلاهما لان المنافقين امروا ان يقاتلوا للدين. فان لم يفعلوا فللمدافعة عن العيال والاوطان. والله اعلم بما فيكتمون فيبديه لعباده المؤمنين ويعاقبهم عليه. ثم قال تعالى اطاعونا ما قتلوا الف ادرأوا عن انفسكم الموت ان كنتم صادقين الذين قالوا لاخوانهم وقعدوا لو اطاعونا ما قتلوا. اي جمعوا بين التخلف عن الجهاد وبين الاعتراض والتكذيب بقضاء الله وقدره. قال الله وردا عليهم قل فادرأوا اي ادفعوا عن انفسكم الموت. ان كنتم صادقين انهم لو اطاعوكم ما قتلوا لا تقدرون على ذلك ولا تستطيع وفي هذه الايات دليل على ان العبد قد يكون فيه خصلة كفر وخصلة ايمان وقد يكون الى احدهما اقرب منه الى الاخرى بل هذه الايات الكريمة فيها فضيلة الشهداء وكرامتهم. وما من الله عليهم به من فضله واحسانه. وفي ضمنها تسلية الاحياء عن قتلاهم وتعزيتهم. وتنشيطهم للقتال في سبيل الله والتعرض للشهادة. فقال ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله اي في جهاد اعداء الدين. قاصدين بذلك اعلاء كلمة الله امواتا. اي لا يخطر ببالك وحسبانك كانهم ماتوا وفقدوا. وذهبت عنهم لذة الحياة الدنيا والتمتع بزهرتها. الذي يحذر من فواته من جبن عن القتال. وزهد في الشهادة بل قد حصل لهم اعظم مما يتنافس فيه المتنافسون. فهم احياء عند ربهم في دار كرامته. عند ربهم يقتضي علو درجتهم وقربهم من ربهم يرزقون من انواع النعيم. الذي لا يعلم وصفه الا من انعم به عليهم. ومع هذا اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف فرحين بما اتاهم الله من فضله اي مغتبطين بذلك قد قرت به عيونهم وفرحت به نفوسهم وذلك لحسنه وكثرته وعظمته. وكمال اللذة في الوصول اليه وعدم المنغص. فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق ونعيم القلب والروح بالفرح بما اتاهم من فضله. فتم لهم النعيم والسرور وجعلوا يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. اي يبشروا بعضهم بعضا بوصول اخوانهم الذين لم يلحقوا بهم وانهم سينالون ما نالوا الا خوف عليهم ولا هم يحزنون. اي يستبشرون بزوال محذور عنهم وعن اخوانهم المستلزم كمال السرور. يستبشرون بنعمة من الله وفضل ان الله لا يضيع اجر المؤمنين. يستبشرون بنعمة من الله وفضل ان يهنئ بعضهم بعضا. باعظم وهو نعمة ربهم وفضله واحسانه. وان الله لا يضيع اجر المؤمنين. بل ينميه ويشكره. ويزيده من فضله ما لا يصل اليه سعيهم وفي هذه الايات اثبات نعيم البرزخ. وان الشهداء في اعلى مكان عند ربهم. وفيه تلاقي ارواح اهل الخير. وزيارة بعضهم بعضا وتبشير بعضهم بعضا للذين احسنوا منهم ما اتقوا اجر عظيم. الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا. فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله الله ونعم الوكيل. لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من احد الى المدينة. وسمع ان ابا سفيان ومن معه من مشركين قد هموا بالرجوع الى المدينة ندب اصحابه الى الخروج فخرجوا على ما بهم من الجراح استجابة لله ولرسوله وطاعة لله رسوله فوصلوا الى حمراء الاسد وجاءهم من جاءهم وقال لهم ان الناس قد جمعوا لكم وهموا باستئصالكم تخويفا لهم وترهيبا فلم يزدهم ذلك الا ايمانا بالله واتكالا عليه. وقالوا حسبنا الله اي كافينا كل ما اهمنا ونعم الوكيل. المفوض اليه تدبير والقائم بمصالحهم. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم ينس السمسود والله ذو فضل عظيم فانقلب اي رجعوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. وجاء الخبر المشركين ان الرسول واصحابه قد خرجوا اليكم. وندم من تخلف منهم فالقى الله الرعب في قلوبهم واستمروا راجعين الى مكة ورجع المؤمنون بنعمة من الله وفضل. حيث من عليهم بالتوفيق للخروج بهذه والاتكال على ربهم. ثم انه قد كتب لهم اجر غزاة تامة. فبسبب احسانهم بطاعة ربهم وتقواهم عن معصيته لهم اجر عظيم وهذا فضل الله عليهم. ثم قال تعالى انما ذلكم الشيطان يخوف اولياء فلا تخافوهم ما خافوون. فلا تخافوهم وخافوني ان كنتم انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه. اي ان ترهيب من رهب من المشركين وقال انهم جمعوا لكم داع من دعاة الشيطان. يخوف اولياءه الذين عدم ايمانهم او ضعف. فلا تخافوهم وخافوني ان كنتم مؤمنين اي فلا تخافوا المشركين اولياء الشيطان. فان نواصيهم بيد الله لا يتصرفون الا بقدره. بل خافوا الله الذي ينصر اولياءه الخائفين منه المستجيبين لدعوته. وفي هذه الاية وجوب الخوف من الله وحده. وانه من لوازم الايمان. فعلى قدر ايمان العبد يكون خوفه من الله والخوف المحمود ما حجز العبد عن محارم الله يضر الله شيئا. يريد الله الا يجعل لهم حظا في الاخرة ولهم عذاب عظيم كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على الخلق مجتهدا في هدايتهم. وكان يحزن اذا لم يهتدوا. قال الله تعالى ولا يحزن كالذين يسارعون في الكفر من شدة رغبتهم فيه وحرصهم عليه. انهم لن يضروا الله شيئا. فالله ناصر دينه ومؤيد رسوله امره من دونهم فلا تباليهم ولا تحفل بهم انما يضرون ويسعون في ضرر انفسهم بفوات الايمان في الدنيا وحصول العذاب الاليم في من هوانهم على الله وسقوطهم من عينه وارادته الا يجعل لهم نصيبا في الاخرة من ثوابه. خذلهم فلم يوفقهم لما وفق له اولياءه ومن اراد بهم خيرا عدلا منه وحكمة. لعلمه بانهم غير زاكين على الهدى ولا قابلين للرشاد. لفساد اخلاقهم وسوء قصدهم ان الذين اشتروا الكفر بالايمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب اليم ثم اخبر ان الذين اختاروا الكفر على الايمان ورغبوا فيه رغبة من بذل ما يحب من المال في شراء ما يحب من السلع. لن يضروا الله شيئا بل قرار فعلهم يعود على انفسهم. ولهذا قال ولهم عذاب اليم. وكيف يضرون الله شيئا؟ وهم قد زهدوا اشد الزهد في الايمان. ورغبوا وكل الرغبة بالكفر بالرحمن. فالله غني عنهم. وقد قيد لدينه من عباده الابرار الازكياء سواهم. واعد له ممن ارتضاه لنصرته اهل البصائر والعقول وذوي الالباب من الرجال الفحول. قال الله تعالى قل امنوا به او لا تؤمنوا. ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا اي ولا يظن الذين كفروا بربهم ونبذوا دينه وحاربوا رسوله ان تركنا اياهم في هذه الدنيا وعدم استئصالنا لهم واملاء انا لهم خير لانفسهم ومحبة منا لهم كلا ليس الامر كما زعموا وانما ذلك لشر يريده الله بهم وزيادة عذاب وعقوبة الى عذابهم ولهذا قال انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين. فالله تعالى يملي للظالم حتى يزداد طغيانه ويترادف كفرانه حتى اذا اخذه اخذه اخذ عزيز مقتدر. فليحذر الظالمون من الامهال. ولا يظنوا ان يفوتوا الكبير المتعال ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء آآ فامنوا بالله ورسله وان تؤمنوا وتتقوا فلكم اجر عظيم اي ما كان في حكمة الله ان يترك المؤمنين على ما انتم عليه من الاختلاط وعدم التميز. حتى يميز الخبيث من الطيب والمؤمن من منافق وصادق من الكاذب. ولم يكن في حكمته ايضا ان يطلع عباده على الغيب الذي يعلمه من عباده. فاقتضت حكمته الباهرة ان يبتلي ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب من انواع الابتلاء والامتحان فارسل الله رسله وامر بطاعتهم والانقياد لهم والايمان بهم ووعدهم على الايمان والتقوى الاجر العظيم. فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين. مطيعين وعاصين ومؤمنين ومنافقين ومسلمين وكافرين ليرتب على ذلك الثواب والعقاب وليظهر عدله وفضله وحكمته لخلقه حين يبخلون بما اتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم اي ولا يظن الذين يبخلون اي يمنعون ما عندهم مما اتاهم الله من فضله من المال والجاه والعلم ذلك مما منحهم الله واحسن اليهم به. وامرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده. فبخلوا بذلك وامسكوه. وضنوا به على عباد الله وظنوا انه خير لهم. بل هو شر لهم في دينهم ودنياهم. وعاجلهم واجلهم. سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة. ان يجعلوا ما بخلوا به طوقا في اعناقهم. يعذبون به كما ورد في الحديث الصحيح. ان البخيل يمثل له ما له يوم القيامة شجاعا اقرع. له زبيبتان يأخذ بلهزمتيه يقول انا مالك انا كنزك. وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداق ذلك. هذه الاية. فهؤلاء ان بخلهم نافعهم ومجد عليهم فانقلب عليهم الامر. وصار من اعظم مضارهم. وسبب عقابهم. ولله ميراث السماوات والارض اي هو تعالى مالك الملك وترد جميع الاملاك الى مالكها وينقلب العباد من الدنيا ما معهم درهم ولا دينار ولا غير ذلك من قال الله تعالى انا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون. وتأمل كيف ذكر السبب الابتدائي والسبب الغائي الموجب كل واحد منهما الا يبخل العبد بما اعطاه الله. اخبر اولا ان الذي عنده وفي يده فضل من الله ونعمة ليس ملكا للعبد. بل لولا فضل الله عليه واحسانه لم يصل اليه منه شيء. فمنعه لذلك منع لفضل الله واحسانه. ولان احسانه موجب للاحسان الى عبيده. كما قال تعالى واحسن كما احسن الله اليك. فمن تحقق ان ما بيده فضل من الله لم يمنع الفضل الذي لا يضره. بل ينفعه في قلبه وماله. وزيادة ايمانه وحفظه من الافات. ثم ذكر ثانيا ان هذا الذي بيد العباد كلها ترجع الى الله ويرثها تعالى وهو خير الوارث فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك. منتقل الى غيرك. ثم ذكر ثالثا السبب الجزائي. فقال والله بما تعملون خبير فاذا كان خبيرا باعمالكم جميعها ويستلزم ذلك الجزاء الحسن على الخيرات والعقوبات على الشر. لم يتخلف من في قلبه مثقال ذرة من ايمان الانفاق الذي يجزى به الثواب. ولا يرضى بالامساك الذي به العقاب يخبر تعالى عن قول هؤلاء متمردين الذين قالوا اقبح المقالة واشنعها واسمجها. فاخبر انه قد سمع ما قالوا وانه سيكتبه ويحفظه. مع افعالهم الشنيعة وهو قتلهم الانبياء الناصحين. وانه سيعاقبهم على ذلك اشد العقوبة. وانه يقال لهم بدل قولهم ان الله فقير ونحن اغنياء ذوقوا عذاب الحريق. المحرق النافذ من البدن الى الافئدة. وان عذابهم ليس ظلما من الله لهم. فانه ليس بظلام للعبيد. فانه منزه عن ذلك وانما ذلك بما قدمت ايديهم من المخازي والقبائح. التي اوجبت استحقاقهم العذاب وحرمانهم الثواب. وقد ذكر المفسرون ان هذه الاية نزلت في قوم من اليهود تكلموا بذلك وذكروا منهم فنحاص بن عازوراء من رؤساء علماء اليهود في المدينة. وانه لما سمع قول الله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا؟ واقرض الله قرضا حسنا. قال على وجه التكبر والتجرهم هذه المقالة تقبحه الله. فذكرها الله عنهم واخبر انه ليس ببدع من شنائعهم بل قد سبق لهم من الشنائع ما هو نظير ذلك وهو قتلهم الانبياء بغير حق. هذا القيد يراد به انهم تجرأوا على قتلهم مع علمهم بشناعته. لا جهلا وضلالا بل تمردا وعنادا الله عهد الينا الا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان قتلتموهم ان كنتم صادقين. يخبر تعالى عن حال هؤلاء المفترين القائلين ان الله الينا اي تقدم الينا واوصى الا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار. فجمعوا بين الكذب على الله وحصر اية الرسل فيما قالوا من هذا الافك المبين. وانهم ان لم يؤمنوا برسول لم يأتهم بقربان تأكله النار. فهم في ذلك مطيعون لربهم. ملتزمون عهده وقد علم ان كل رسول يرسله الله يؤيده من الايات والبراهين. ما على مثله امن البشر. ولم يقصرها على ما قالوه. ومع هذا فقد قالوا ان لم يلتزموا وباطلا لم يعملوا به. ولهذا امر الله رسوله ان يقول لهم قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات الدالات على صدقهم. وبالذي قلتم بان اتاكم بقرابان تأكله النار. فلما قتلتموهم ان كنتم صادقين؟ اي في دعواهم الايمان برسول يأتي بقربان تأكله النار فقد تبين بهذا كذبهم وعنادهم وتناقضهم. ثم صلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال بالبينة والزبر والكتاب المنير. فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك. اي هذه عادة الظالمين. ودأبهم الكفر بالله وتكذيب رسل الله وليس تكذيبهم لرسول الله عن قصور ما اتوا به. او عدم تبين الحجة بل قد جاءوا بالبينات. اي الحجج عقلية والبراهين النقلية والزبر اي الكتب المزبوطة المنزلة من السماء التي لا يمكن ان يأتي بها غير الرسل والكتاب المنيب للاحكام الشرعية وبيان ما اشتملت عليه من المحاسن العقلية. ومنير ايضا للاخبار الصادقة. فاذا كان هذا عادتهم في عدم الايمان بالرسل الذين هذا وصفهم فلا يحزنك امرهم ولا يهمنك شأنهم. ثم قال تعالى عن النار وادخل الجنة فقد فاز. وما الحياة الدنيا الا متاع هذه الاية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها وعدم بقائها. وانها متاع الغرور. تفتن بزخرفها وتخدع بغرورها وتغر بمحاسنها. ثم هي منتقلة ومنتقل عنها الى دار القرار. التي توفى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار من خير وشر. فمن زحزح اي اخرج عن النار وادخل الجنة. فقد فاز اي حصل له الفوز العظيم من العذاب الاليم. والوصول الى جنات النعيم التي فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ومفهوم الاية ان من لم يزحزح عن النار ويدخل الجنة فانه لم يفز بل قد شقي الشقاء الابدي وابتلي بالعذاب السرمدي. وفي هذه الاية اشارة لطيفة الى نعيم البرزخ وعذابه. وان المؤمنين يجزون فيه بعض الجزاء مما عملوه. ويقدم لهم انموذج مما اسلفوه. يفهم هذا من قوله وانما توفون اجوركم يوم القيامة اي توفية الاعمال التامة انما يكون يوم القيامة. واما ما دون ذلك فيكون في البرزخ. بل قد يكون قبل ذلك في الدنيا كقوله تعالى ايقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر ان من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا يخبر تعالى ويخاطب المؤمنين انهم سيبتلون في اموالهم من النفقات الواجبة والمستحبة. ومن التعريض لاتلافها في سبيل الله وفي انفسهم من التكليف باعباء التكاليف على كثير من الناس كالجهاد في سبيل الله والتعرض فيه للتعب والقتل والاسر والجراح. وكالامراض التي تصيبه في نفسه او في من يحب ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا من الطعن فيكم وفي دينكم وكتابكم ورسولكم وفي اخباره لعباده المؤمنين بذلك عدة فوائد. منها ان حكمته تعالى تقتضي ذلك ليتميز المؤمن الصادق من غيره. ومن انه تعالى يقدر عليهم هذه الامور. لما يريده بهم من الخير ليعلي درجاتهم ويكفر من سيئاتهم. وليزداد بذلك ايمانهم ويتم به ايقانهم. فانه اذا اخبرهم بذلك ووقع كما اخبر قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله. وصدق الله ورسوله ازادهم الا ايمانا وتسليما. ومنها انه اخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم على وقوع ذلك. والصبر عليه اذا وقع. لانهم قد تعدوا لوقوعه فيهون عليهم حمله وتخف عليهم مؤنته. ويلجأون الى الصبر والتقوى. ولهذا قال وان تصبروا وتتقوا. اي ان اصبروا على ما نالكم في اموالكم وانفسكم من الابتلاء والامتحان وعلى اذية الظالمين. وتتقوا الله في ذلك الصبر بان تنووا به وجه الله والتقرب اليه ولم تتعدوا في صبركم الحد الشرعي من الصبر في موضع لا يحل لكم فيه الاحتمال. بل وظيفتكم فيه الانتقام من اعداء الله فان ذلك من عزم الامور. اي من الامور التي يعزم عليها وينافس فيها ولا يوفق لها الا اهل العزائم والهمم العالية. كما قال الله قال وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم لتبيننه ولا تكتمونه. فنبذوا هو وراء ظهورهم واشتروا بهم في ثمن قليلا فبئس ما يشترون. الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد. وهذا الميثاق اخذه الله تعالى على كل من اعطاه الله الكتب. وعلمه العلم ان يبين للناس ما يحتاجون اليه مما علمه الله. ولا يكتمهم ذلك ويبخل عليهم به خصوصا اذا سألوه او وقع ما يوجب ذلك فان كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال ان يبينه. ويوضح الحق من الباطل. فاما الموفقون فقاموا بهذا اتم القيام وعلموا الناس مما علمهم الله ابتغاء مرضات ربهم وشفقة على الخلق وخوفا من اثم الكتمان. واما الذين الكتاب من اليهود والنصارى وما شابههم فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم فلم يعبأوا بها فكتموا الحق واظهروا الباطل رؤى على محارم الله وتهاونا بحقوق الله وحقوق الخلق. واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا. وهو ما يحصل لهم ان حصل من بعض الرياسات الاموال الحقيرة من سفلتهم المتبعين اهواءهم. المقدمين شهواتهم على الحق. فبئس ما يشترون لانه اخس العوظ. والذي رغب وهو بيان الحق الذي فيه السعادة الابدية والمصالح الدينية والدنيوية. اعظم المطالب واجلها. فلم يختاروا الدنيء الخسيس. ويترك والعالي النفيس الا لسوء حظهم وهوانهم وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له. ثم قال تعالى لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة ولهم عذاب اليم. لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا اي من القبائح باطل القولي والفعلي ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا. اي بالخير الذي لم يفعلوه. والحق الذي لم يقولوه. فجمعوا بين فعل الشر وقوله فرحي بذلك ومحبة ان يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه. فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب اي بمحل نجوة منه وسلامة. بل قد استحق وسيصيرون اليه. ولهذا قال ولهم عذاب اليم. ويدخل في هذه الاية الكريمة اهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم ولم ينقادوا للرسول وزعموا انهم هم المحقون في حالهم ومقالهم. وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية او فعلية وفرح بها ودعا اليها وزعم انه محق وغيره مبطل. كما هو الواقع من اهل البدع. ودلت الاية بمفهومها على ان من احب ان يحمد ويثنى عليه بما افعل من الخير واتباع الحق؟ اذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة انه غير مذموم. بل هذا من الامور المطلوبة التي اخبر الله انه ويجزي بها المحسنين له الاعمال والاقوال. وانه جاز بها خواص خلقه. وسألوها منه كما قال ابراهيم عليه السلام. واجعل لي لسان صدق في الاخرة وقال سلام على نوح في العالمين. انا كذلك نجزي المحسنين. وقد قال عباد الرحمن واجعلنا للمتقين اماما. وهي في النعم الباري على عبده ومننه التي تحتاج الى الشكر. ولله ملك السماوات والارض والله على كل شيء اي هو المالك للسموات والارض وما فيهما من سائر اصناف الخلق المتصرف فيهم بكمال القدرة وبديع الصنعة فلا يمتنع عليه منهم احد ولا يعجزه احد النهار لايات لاولي الالباب. يخبر تعالى ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات اولي الالباب وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها والتبصر باياتها وتدبر خلقها وابهم قوله ايات ولم قل على المطلب الفلاني اشارة لكثرتها وعمومها. وذلك لان فيها من الايات العجيبة ما يبهر الناظرين. ويقنع المتفكرين ويجذب افئدة الصادقين وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الالهية. فاما تفصيل ما اشتملت عليه فلا يمكن لمخلوق ان يحصره ويحيط ببعضه وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة وانتظام السير والحركة يدل على عظمة خالقها وعظمة سلطانه وشمول قدرته وما فيها من الاحكام اتقاني وبديع الصنع ولطائف الفعل يدل على حكمة الله ووضعه الاشياء مواضعها وسعة علمه وما فيها من المنافع للخلق يدل على سعة رحمة الله وعموم فضله وشمول بره ووجوب شكره. وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها. وبذل الجهد في مرضاته والا يشرك به سواه مما لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الارض ولا في السماء. وخص الله بالايات اولي الالباب وهم اهل العقول لانهم هم المنتفعون بها. الناظرون اليها بعقولهم لا بابصارهم. ثم وصف اولي الالباب بانهم الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات ارض ربنا ما خلقت هذا باطلا. سبحانك فقنا عذاب النار. يذكرون الله في جميع احوالهم قياما وقعودا وعلى جنوبهم. وهذا يشمل جميع انواع الذكر بالقول والقلب. ويدخل في ذلك الصلاة قائما. فان لم يستطع فقاعدا فان لم يستطع فعلى جنب. وانهم يتفكرون في خلق السماوات والارض. اي ليستدلوا بها على المقصود منها. ودل هذا على ان التفكر عبادة من صفات اولياء الله العارفين. فاذا تفكروا بها عرفوا ان الله لم يخلقها عبثا. فيقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك عن كل ما لا يليق بجلالك. بل خلقتها بالحق وللحق مشتملة على الحق. فقنا عذاب النار بان تعصمنا من وتوفقنا للاعمال الصالحات. لننال بذلك النجاة من النار. ويتضمن ذلك سؤال الجنة. لانهم اذا وقاهم الله عذاب النار قالت لهم الجنة ولكن لما قام الخوف بقلوبهم دعوا الله باهم الامور عندهم وفقني اخزيته وما للظالمين من انصار ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته اي حصوله على السخط من الله ومن ملائكته واوليائه. ووقوع الفضيحة التي لا نجاة منها ولا منقذ منها. ولهذا قال وما للظالمين من انصار ينقذونهم من عذابه. وفيه دلالة على انهم دخلوها بظلمهم يناديني الايمان ان امنوا بربكم فامنا. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار. ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للامام وهو محمد صلى الله الله عليه وسلم ان يدعو الناس اليه ويرغبهم فيه في اصوله وفروعه. فامنا اي اجبناهم مبادرة وسارعنا اليه. وفي هذا اخبار منهم بمنة الله عليهم. وتبجح بنعمته وتوسل اليه بذلك. ان يغفر ذنوبهم ويكفر سيئاتهم. لان الحسنات يذهبن السيئات والذي من عليهم بالايمان سيمن عليهم بالامان التام. وتوفنا مع الابرار يتضمن هذا الدعاء التوفيق لفعل الخير وترك في الشر الذي به يكون العبد من الابرار والاستمرار عليه والثبات الى الممات ولا تخزنا يوم القيامة. ولما ذكروا توفيق الله اياهم ايمان وتوسلهم به الى تمام النعمة. سألوه الثواب على ذلك. وان ينجز لهم ما وعدهم به على السنة رسله من النصر. والظهور في الدنيا ومن الفوز برضوان الله وجنته في الاخرة. فانه تعالى لا يخلف الميعاد. فاجاب الله دعاءهم وقبل تضرعهم. فلهذا قال فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئاتهم لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار. ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب. اي اجاب الله دعاءهم دعاء العبادة ودعاء الطلب. وقال اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى فالجميع سيلقون ثواب اعمالهم كاملا موفرا. بعضكم من بعض اي كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب. فالذين واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا. فجمعوا بين الايمان والهجرة. ومفارقة المحبوبات من الاوطان والاموال. طلبا ربهم وجاهدوا في سبيل الله لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار. ثوابا من عند الله الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل. والله عنده حسن الثواب. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فمن من اراد ذلك فليطلبه من الله بطاعته والتقرب اليه. بما يقدر عليه العبد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المياه لا يغرنك تقلب الذين كفروا في متاع قليل ثم مأواهم جهنم ثم مأواهم جهنم سلم يانئ. وهذه الاية المقصود منها التسلية عما يحصل للذين كفروا من متاع الدنيا وتنعمهم فيها تقلبهم في البلاد بانواع التجارات والمكاسب واللذات. وانواع العز والغلبة في بعض الاوقات. فان هذا كله متاع قليل. ليس له ثبوت ولا بل يتمتعون به قليلا ويعذبون عليه طويلا. هذه اعلى حالة تكون للكافر. وقد رأيت ما تؤول اليه. واما المتقون بربهم المؤمنون به فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها خالدين فيها نزلا من من عند الله وما عند الله خير للابرار. نزلا من عند لهم جنات تجري من تحتها الانهار انهار خالدين فيها. فلو قدر انهم في دار الدنيا قد حصل لهم كل بؤس وشدة وعناء ومشقة. لكان هذا بالنسبة الى النعيم والعيش السليم والسرور والحبور والبهجة نزرا يسيرا ومنحة في صورة محنة. ولهذا قال تعالى وما عند الله خير للابرار وهم الذين برت قلوبهم فبرت اقوالهم وافعالهم. فاثابهم البر الرحيم من بره اجرا عظيما. وعطاء جسيما وفوزا دائما خاشعين لله لا يشترون بايات الله ثمنا قليلا اولئك لهم اجرهم عند ربهم ان الله سريع الحساب ايوة ان من اهل الكتاب طائفة موفقة للخير. يؤمنون بالله ويؤمنون بما انزل اليكم وما انزل اليهم. وهذا الايمان النافع لا كمن يؤمن ببعض الرسل والكتب ويكفر ببعض. ولهذا لما كان ايمانهم عاما حقيقيا صار نافعا فاحدث لهم خشية الله وخضوعهم لجلاله الموجب للانقياد لاوامره ونواهيه. والوقوف عند حدوده. وهؤلاء اهل الكتاب والعلم على الحقيقة. كما قال تعالى انما يخشى الله من من عباده العلماء ومن تمام خشيتهم لله انهم لا يشترون بايات الله ثمنا قليلا. فلا يقدمون الدنيا على الدين كما فعل اهل الانحراف الذين يكتمون ما انزل الله ويشترون به ثمنا قليلا. واما هؤلاء فعرفوا الامر على الحقيقة. وعلموا ان من اعظم الخسران الرضا بالدون الدين والوقوف مع بعض حظوظ النفس السفلية. وترك الحق الذي هو اكبر حظ وفوز في الدنيا والاخرة. فاثروا الحق وبينوه ودعوا اليه وحذروا عن الباطل فاثابهم الله على ذلك بان وعدهم الاجر الجزيل والثواب الجميل واخبرهم بقربه وانه سريع الحساب فلا يستبطئون هنا ما وعدهم الله لان ما هو ات محقق حصوله فهو قريب واتقوا الله لعلكم تفلحون ثم حظ المؤمنين على ما يوصلهم الى الفلاح. وهو الفوز والسعادة والنجاح. وان الطريق الموصل الى ذلك لزوم الصبر الذي هو حبس النفس على ما تكرهه من ترك المعاصي. ومن الصبر على المصائب وعلى الاوامر الثقيلة على النفوس. فامرهم بالصبر على جميع ذلك. والمصابين اي الملازمة والاستمرار على ذلك على الدوام. ومقاومة الاعداء في جميع الاحوال. والمرابطة وهي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه وان يراقبوا اعداءهم ويمنعوهم من الوصول الى مقاصدهم لعلهم يفلحون. يفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والاخروي وينجون من المكروه كذلك. فعلم من هذا انه لا سبيل الى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات. فلم يفلح من افلح الا بها ولم يفت احد الفلاح الا بالاخلال بها او ببعضها. والله الموفق ولا حول ولا قوة الا به