المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يسألونك عن الانفاق الانفال هي الغنائم التي ينفلها الله لهذه الامة من اموال الكفار وكانت هذه الايات في هذه السورة قد نزلت في قصة بدر اول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين فحصل بين المسلمين فيها نزاع. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها. فانزل الله يسألونك عن الانفال كيف تقسم وعلى من تقسم؟ قل لهم الانفال لله ورسوله يضعانها حيث شاء. فلا اعتراض لكم على حكم الله ورسوله بل عليكم اذا حكم الله ورسوله ان ترضوا بحكمهما. وتسلموا الامر لهما. وذلك داخل في قوله فاتقوا الله بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. واصلحوا ذات بينكم. اي اصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر. بالتوادد والتواصل فبذلك تجتمع كلمتكم ويزول ما يحصل بسبب التقاطع من التخاصم والتشاجر والتنازع. ويدخل في اصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم. والعفو عن المسيئين منهم. فانه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر والامر الجامع لذلك كله قوله فان الايمان يدعو الى طاعة الله ورسوله. كما ان من لم يطع الله ورسوله فليس بمؤمن. ومن نقصت طاعته لله ورسوله فذلك لنقص ايمانه. ولما كان الايمان قسمين ايمانا كاملا يترتب عليه المدح والثناء. والفوز التام وايمانا دون ذلك ذكر الايمان الكامل فقال قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون انما المؤمنون الالف واللام للاستغراق لشرائع الايمان. الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم اي خافت ورهبت فاوجبت لهم خشية الله تعالى الانكفاف عن المحارم. فان خوف الله تعالى اكبر علاماته ان يحجز صاحبه عن الذنوب واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا. ووجه ذلك انهم يلقون له السمع. ويحضرون قلوبهم لتدبره. فعند ذلك يزيد ايمانهم لان التدبر من اعمال القلوب ولانه لا بد ان يبين لهم معنى كانوا يجهلونه او يتذكرون ما كانوا او يحدث في قلوبهم رغبة في الخير. واشتياقا الى كرامة ربهم. او وجلا من العقوبات. وازدجارا عن المعاصي. وكل هذا مما يزداد به الايمان وعلى ربهم وحده لا شريك له يتوكلون اي يعتمدون في قلوبهم على ربهم في جلب مصالحهم ودفع في مضارهم الدينية والدنيوية. ويثقون بان الله تعالى سيفعل ذلك. والتوكل هو الحامل للاعمال كلها. فلا توجد ولا تكمل الا به الذين يقيمون الصلاة من فرائض ونوافل باعمالها الظاهرة والباطنة كحضور القلب فيها الذي هو روح الصلاة ولبها. النفقات الواجبة كالزكوات والكفارات والنفقة على الزوجات والاقارب. وما ملكت ايمانهم والمستحبة كالصدقة في جميع طرق الخير اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم اولئك الذين اتصفوا بتلك الصفات هم المؤمنون حقا. لانهم جمعوا بين الاسلام والايمان. بين الاعمال الباطنة والاعمال الظاهرة بين العلم والعمل. بين اداء حقوق الله وحقوق عباده. وقدم تعالى اعمال القلوب لانها اصل لاعمال البارح وافضل منها وفيها دليل على ان الايمان يزيد وينقص فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها. وانه ينبغي ان يتعاهد ايمانه وينميه. وان اولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب الله تعالى والتأمل لمعانيه. ثم ذكر ثواب المؤمنين حقا فقال لهم درجات عند ربهم اي عالية بحسب علو اعمالهم ومغفرة لذنوبهم ورزق كريم. وهو ما اعده الله لهم في دار كرامته. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ودل هذا على ان من لم يصل الى درجتهم في الايمان. وان دخل الجنة فلن ينال ما ينال من كرامة الله التامة ما اخرجك ربك من بيتك بالحق وان شريطا من المؤمنين لكارهون. يجادلونك في قدم تعالى امام هذه الغزوة الكبرى المباركة الصفات التي على المؤمنين ان يقوموا بها. لان من قام بها استقامت احواله وصلحت اعماله. التي من اكبرها الجهاد في في سبيل الله. فكما ان ايمانهم هو الايمان الحقيقي. وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم الله به. كذلك اخرج الله رسوله صلى الله عليه عليه وسلم من بيته الى لقاء المشركين في بدر بالحق الذي يحبه الله تعالى وقد قدره وقضاه. وان كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج انه يكون بينهم وبين عدوهم قتال. فحين تبين لهم ان ذلك واقع جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. ويكرهون لقاء عدوهم كانما يساقون الى الموت وهم ينظرون. والحال ان هذا لا ينبغي منهم خصوصا بعدما تبين لهم ان خروجهم بالحق. ومما امر الله به ورضيه. فبهذه الحال ليس للجدال محل فيه فيها لان الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الامر. فاما اذا وضح وبان فليس الا الانقياد والاذعان هذا وكثير من المؤمنين لم يجري منهم من هذه المجادلة شيء. ولا كرهوا لقاء عدوهم. وكذلك الذين عاتبهم الله انقادوا للجهاد اشد الانقياد وثبتهم الله وقيض لهم من الاسباب ما تطمئن به قلوبهم. كما سيأتي ذكر بعضها وان يعدكم الله احدى الطائفتين وكان اصله خروجهم يتعرضون لعير خرجت مع ابي سفيان بن حرب لقريش الى الشام. قافلة كبيرة. فلما سمعوا برجوعها من ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس فخرج معه ثلاث مئة وبضعة عشر رجلا معهم سبعون بعيرا يعتقدون عليها ويحملون عليها متاعهم. فسمعت بخبرهم قريش. فخرجوا لمنع عيرهم في عدد كثير وعدة وافرة من السلاح والخيل والرجال. يبلغ عددهم قريبا من الالف. فوعد الله المؤمنين احدى الطائفتين. اما ان يظفروا بالعير او بالنفير فاحب العير لقلة ذات يد المسلمين. ولانها غير ذات شوكة. ولكن الله تعالى احب لهم واراد امرا اعلى مما احبوا اراد ان يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم. ويريد الله ان يحق الحق بكلماته. فينصر اهله ان يستأصل اهل الباطل ويري عباده من نصره للحق امرا لم يكن يخطر ببالهم ليحق الحق بما يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه ويبطل الباطل بما يقيم من الادلة والشواهد على بطلانه. فلا بالي الله بهم اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بالف من اي اذكروا نعمة الله عليكم لما قارب التقاؤكم بعدوكم استغثتم بربكم وطلبتم منه ان وينصركم فاستجاب لكم واغاثكم بعدة امور. منها ان الله امدكم بالف من الملائكة مردفين اي يردفوا بعضهم بعضا. وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما جعله الله اي انزال الملائكة الا بشرى لتستبشر بذلك نفوسكم ولتطمئن به قلوبكم. والا فالنصر بيد الله ليس بكثرة عدد ولا عدد. ان الله عزيز لا يغالبه مغالب. بل هو القهار الذي يخذل من بلغوا من الكثرة وقوة العدد والالات ما بلغوا. حكيم تقدر الامور باسبابها ووضع الاشياء مواضعها. ومن نصره واستجابته لدعائكم ان انزل عليكم نعاسا ماء ليطهركم به ويذهب يغشيكم اي فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل. ويكون امنة لكم وعلامة على النصر والطمأنينة. ومن ذلك انه انزل عليكم من السماء مطرا ليطهركم به من الحدث والخبث. وليطهركم به من وساوس الشيطان ورجسه. وليربط على قلوبكم ان يثبت فان ثبات القلب اصل ثبات البدن. ويثبت به الاقدام. فان الارض كانت سهلة دهسة. فلما نزل عليها المطر تلبدت وثبتت به الاقدام. ومن ذلك لبنان ان الله اوحى الى الملائكة اني معكم بالعون والنصر والتأييد فثبتوا الذين امنوا اي القوا في قلوبهم والهموهم الجراءة على عدوهم. ورغبوهم في الجهاد وفضله. سالقي في قلوب الذين كفروا الرعب. الذي هو اعظم جند لكم عليه فان الله اذا ثبت المؤمنين والقى الرعب في قلوب الكافرين. لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومنحهم الله اكتافهم اضرب فوق الاعناق اي على الرقاب. اي مفصل. وهذا خطاب اما للملائكة الذين اوحى الله اليهم ان يثبتوا الذين امنوا. فيكون في ذلك دليل انهم باشروا القتال يوم بدر. او للمؤمنين يشجعهم الله ويعلمهم كيف يقتلون المشركين وانهم لا يرحمونهم. وذلك لانهم شاقوا الله ورسوله. اي حاربوهما وبارزوهما بالعداوة الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله ان الله شديد العقاب. ومن عقابه تسليط اوليائه على اعدائه وتقتيلهم ذلكم العذاب المذكور. فذوقوه ايها لله ورسوله عذابا معجلا. وفي هذه القصة من ايات الله العظيمة ما يدل على ان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله حقا. منها ان الله وعده وعدا فانجز هموه. ومنها ما قال الله تعالى قد كان لكم اية في فئتين التقتا. فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين. ومنها اجابة دعوة الله للمؤمنين. لما استغاثوه بما ذكره من الاسباب وفيها الاعتناء العظيم بحال عباده المؤمنين. وتقييد الاسباب التي بها ثبت ايمانهم وثبت اقدامهم. وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية. ومنها ان من لطف الله بعبده ان يسهل عليه طاعته. وييسرها باسباب داخلية وخارجية يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار. يأمر تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الايمانية والقوة في امره والسعي في جلب الاسباب المقوية للقلوب والابدان. ونهاهم عن الفرار اذا التقى الزحفان فقال يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا اي في صف القتال وتزاحف الرجال واقتراب بعضهم من بعض فلا تولوهم الادبار. بل اثبتوا لقتالهم واصبروا على جلادهم. فان في ذلك نصرة لدين الله قوة لقلوب المؤمنين وارهابا للكافرين قيل فقد باء اي رجع بغضب من الله ومأواه اي مقره جهنم. وهذا يدل على ان الفرار من الزحف من غير عذر من اكبر الكبائر. كما وردت بذلك الاحاديث الصحيحة. وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد جديد ومفهوم الاية ان المتحرف للقتال وهو الذي ينحرف من جهة الى اخرى ليكون امكن له في القتال وانكى لعدو فانه لا بأس بذلك. لانه لم يولد دبره فارا. وانما ولى دبره ليستعلي على عدوه. او يأتيه من محل يصيبه فيه غرته او ليخدعه بذلك او غير ذلك من مقاصد المحاربين. وان المتحيز الى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار فان ذلك جائز. فان كانت الفئة في العسكر فالامر في هذا واضح. وان كانت الفئة في غير محل المعركة كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين والتجائهم الى بلد من بلدان المسلمين. او الى عسكر اخر من عسكر المسلمين. فقد ورد من اثار الصحابة يدل على ان هذا جائز. ولعل هذا يقيد بما اذا ظن المسلمون ان الانهزام احمد عاقبة. وابقى عليهم. اما اذا ظنوا غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم. فيبعد في هذه الحال ان تكون من الاحوال المرخص فيها. لانه على هذا لا يتصور فرار منهي عنه. وهذه الاية مطلقة. وسيأتي في اخر السورة تقيدها بالعدد يقول تعالى لما انهزم المشركون يوم بدر وقتلهم المسلمون فلم تقتلوهم بحولكم وقوتكم ولكن الله قتلهم حيث اعانكم على ذلك بما تقدم ذكره ولكن الله رماه. وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم وقت القتال دخل العريش وجعل يدعو الله ويناشده في نصرته ثم خرج منه فاخذ حفنة من تراب فرماها في وجوه المشركين فاوصلها الله الى وجوههم فما بقي منهم واحد الا وقد قد اصاب وجهه وفمه وعينيه منها فحين اذ انكسر حدهم وفتر زندهم وبان فيهم الفشل والضعف فانهزموا يقول تعالى لنبيه لست بقوتك حين رميت التراب. اوصلته الى اعينهم. وانما اوصلناه اليهم بقوتنا واقتدارنا اي ان الله قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين من دون مباشرة قتال ولكن الله اراد ان يمتحن المؤمنين ويوصلهم بالجهاد الى اعلى الدرجات وارفع المقامات ويعطيهم اجرا حسنا وثوابا جزيلا. يسمع تعالى ما اسر به العبد وما اعلم. ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها. في قدر على العباد اقدارا موافقة لعلمه وحكمته ومصلحة عباده ويجزي كلا بحسب نيته وعمله. ذلكم النصر من الله لكم اي مضعف كل مكر وكيد يكيدون به الاسلام وجاعل مكره محيقا بهم ان تستفتحوا ايها المشركون اي تطلبوا من الله ان يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين. فقد جاءكم الفتح حين اوقع الله بكم من عقابه. ما كان نكالا لكم وعبرة للمتقين. وان تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لانه ربما امهلتم ولم يعجل لكم النقمة. وان تعودوا الى الاستفتاح وقتال حزب الله المؤمنين نعد في نصرهم عليكم. ولن تغني عنكم فئتكم اي اعوانكم وانصاركم الذين تحاربون وتقاتلون معتمدين عليهم شيئا وان الله مع المؤمنين. ومن كان الله معه فهو المنصور. وان كان ضعيفا قليلا عدده. وهذه المعية التي اخبر الله انه يؤيد بها المؤمنين تكون بحسب ما قاموا به من اعمال الايمان. فاذا ادين العدو عن المؤمنين في بعض الاوقات ليس ذلك الا تفريطا من المؤمنين. وعدم قيام بواجب الايمان ومقتضاه. والا فلو قاموا بما امر الله به من كل وجه. لمن هزم لهم مراية انهزاما مستقرا. ولا اذيل عليهم عدوهم ابدا لما اخبر تعالى انه مع المؤمنين امرهم ان يقوموا بمقتضى الايمان الذي يدركون به معيته. فقال يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله ورسوله. بامتثال امرهما واجتناب نهيهما ولا تولوا عنه اي عن هذا الامر الذي هو طاعة الله وطاعة رسوله. وانتم تسمعون ما يتلى عليكم من كتاب الله واوامره ووصاياه هو نصائحه فتوليكم في هذه الحال من اقبح الاحوال اي لا تكتفوا بمجرد الدعوة الخالية التي لا حقيقة لها. فانها حالة لا يرضاها الله ولا رسوله. فليس الايمان بالتمني والتحلي ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الاعمال يقول تعالى ان شر الدواب عند الله من لم تفيد فيهم الايات والنذر وهم الصم عن استماع الحق. البكم عن النطق به. الذين لا يعقلون ما ينفعهم. ويؤثرونه على ما يضرهم. فهؤلاء شر عند الله من جميع الدواب. لان الله اعطاهم اسماعا وابصارا وافئدة. ليستعملوها في طاعة الله فاستعملوها في معاصيه بذلك الخير الكثير. فانهم كانوا بصدد ان يكونوا من خيار البرية. فابوا هذا الطريق واختاروا لانفسهم ان يكونوا من شر البرية والسمع الذي نفاه الله عنهم. سمع المعنى المؤثر في القلب. واما سمع الحجة فقد قامت حجة الله تعالى عليهم بما سمعوه من اياته وانما لم يسمعوا السماع النافع لانه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع اياته ولو اسمعهم على الفرض والتقدير لتولوا عن الطاعة وهم معرضون لا التفات لهم الى الحق بوجه من الوجوه. وهذا دليل على ان الله تعالى لا يمنع الايمان والخير الا لمن لا خير فيه الذي لا يزكو لديه ولا يثمر عنده وله الحمد تعالى والحكمة في هذا واعلموا ان الله يحول بين المرء يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الايمان منهم. وهو الاستجابة لله وللرسول اي الانقياد لما امر به والمبادرة الى ذلك والدعوة اليه. والاجتناب لما نهيا عنه والانتفاف عنه والنهي عنه قوله اذا دعاكم لما يحييكم. وصف ملازم لكل ما دعا الله ورسوله اليه. وبيان لفائدته وحكمته. فان حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام. ثم حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول. فقال واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون. فاياكم ان تردوا وامر الله اول ما يأتيكم في حال بينكم وبينه اذا اردتموه بعد ذلك. وتختلف قلوبكم فان الله يحول بين المرء وقلبه يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها انا شاء. فليكثر العبد من قول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. يا مصرف القلوب اصرف قلبي الى طاعتك. اي تجمعون ليوم لا ريب فيه. فيجازى المحسن وباحسانه والمسيء بعصيانه. واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم واعلموا ان الله شديد العقاب. واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة. بل تصيب فاعل الظلم وغيره. وذلك اذا ظهر الظلم فلم يغير. فان عقوبته تعم وغيره وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر وقمع اهل الشر والفساد والا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما امكن واعلموا ان الله شديد العقاب. لمن تعرض لمساخطه وجانب رضاه واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس يقول تعالى ممتنا على عباده في بعد الذلة وتكثيرهم بعد القلة. واغنائهم بعد العيلة. واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الارض. اي مقهورون تحت لغيركم تخافون ان يتخطفكم الناس اي يأخذونكم فاواكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبات جعل لكم بلدا تأوون اليه وانتصر من اعدائكم على ايديكم وغنمتم من اموالهم ما كنتم به اغنياء. لعلكم تشكرون الله الى منته العظيمة واحسانه التام بان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا يأمر تعالى عباده المؤمنين ان يؤدوا مأتمنهم الله عليه من اوامره ونواهيه. فان الامانة قد عرضها الله على السماوات والارض والجبال. فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا. فمن ادى الامانة استحق من الله الثواب الجزيل. ومن لم يؤدها بل خانها استحق العقاب الوبيل. وصار خائنا لله وللرسول ولامانته. منقصا لنفسه بكونه اتصفت نفسه باخس الصفات وهي الخيانة مفوتا لها اكمل الصفات واتمها وهي الامانة اولادكم فتنة وان الله عنده اجر عظيم. ولما كان العبد ممتحنا بامواله واولاده فربما حمله محبة ذلك على تقديم هوى نفسه على اداء امانته. اخبر الله تعالى ان الاموال والاولاد فتنة. يبتلي الله بهم اما عبادة وانها عارية ستؤدى لمن اعطاها وترد لمن استودعها فان كان لكم عقل ورأي فاثروا فضله العظيم على لذة صغيرة فانية مضمحلة فالعاقل يوازن بين ويؤثر اولاها بالايثار. واحقها بالتقديم لكم فرقانا يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم الله ذو الفضل امتثال العبد لتقوى ربه عنوان السعادة وعلامة الفلاح. وقد رتب الله على التقوى من خير الدنيا والاخرة شيئا كثيرا. فذكر هنا ان من اتقى الله حصل له اربعة اشياء. كل واحد منها خير من الدنيا وما فيها. الاول الفرقة وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال. والحق والباطل والحلال والحرام. واهل السعادة من اهل الشقاوة الثاني والثالث تكفير السيئات ومغفرة الذنوب. وكل واحد منهما داخل في الاخر عند الاطلاق وعند الاجتماع يفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر. ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر. الرابع الاجر العظيم والثواب الجزيل لمن اتقاه واثر رضاه على هوى نفسه. واذ يمكر بك الذين كفروا والله خير الماكرين ايوه اذكر ايها الرسول ما من الله به عليك اذ يمكر بك الذين كفروا حين تشاور المشركون في دار الندوة فيما يصنعون بالنبي صلى الله عليه وسلم. اما ان يثبتوه عندهم بالحبس ويوثقوه. واما ان يقتلوه فيستريحوا بزعمهم من شر واما ان يخرجوه ويجلوه من ديارهم. فكل ابدى من هذه الاراء رأيا رآه. فاتفق رأيهم على رأي رآه شريرهم ابو جهل لعنه الله وهو ان يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش فتى. ويعطوه سيفا صارما. ويقتله الجميع قتلة رجل واحد ليتفرق دمه في القبائل فيرضى بنو هاشم ثم بديته فلا يقدرون على مقاومة سائر قريش. فترصدوا للنبي صلى الله عليه وسلم في الليل ليوقعوا به اذا قام من فراشه. فجاءه الوحي من السماء وخرج عليهم فذر على رؤوسهم التراب وخرج واعمى الله ابصارهم عنه حتى اذا استبطؤوه جاءهم ات وقال خيبكم الله قد خرج محمد وذر على رؤوسكم التراب. فنفض كل منهم التراب عن رأسه. ومنع الله رسوله منهم. واذن له في الهجرة الى المدينة هاجر اليها وايده الله باصحابه المهاجرين والانصار. ولم يزل امره يعلو حتى دخل مكة عنوة وقهر اهلها فاذعنوا له وصاروا تحت حكمه. بعد ان خرج مستخفيا منهم خائفا على نفسه. فسبحان اللطيف بعبده الذي لا يغالبه مغالب وقوله ما مثل هذا ان هذا الا اساطير الاولين. يقول تعالى في بيان عناد المكذبين للرسول صلى الله الله عليه وسلم واذا تتلى عليهم اياتنا الدالة على صدق ما جاء به الرسول فقلنا مثل هذا ان هذا الا اساطير الاولين. وهذا من عنادهم وظلمهم. والا فقد هداهم الله ان يأتوا بسورة من مثله ويدعوا من استطاعوا من دون الله فلم يقدروا على ذلك. وتبين عجزهم. فهذا القول الصادر من هذا قائل مجرد دعوة كذبه الواقع وقد علم انه صلى الله عليه وسلم امي لا يقرأ ولا يكتب ولا رحل ليدرس فمن اخبار الاولين فاتى بهذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد. وان اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء آآ واذ قال اللهم ان كان هذا الذي يدعو اليه محمد هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء. او ائتنا بعذاب اليم. قالوه على وجه الجزم منهم بباطلهم والجهل بما ينبغي من الخطاب. فلو انهم اذ اقاموا على باطلهم من الشبه والتمويهات. ما اوجب لهم ان يكونوا على بصيرة ويقين منه قالوا لمن ناظرهم وادعى ان الحق معه ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له لكان اولى لهم واسترهم لظلمهم فمذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك الاية علم بمجرد قولهم انهم السفهاء الاغبياء الجهلة الظالمون. فلو عاجلهم الله بالعقاب لما ابقى منهم باقية. ولكنه تعالى دفع عنهم العذاب. بسبب وجود الرسول بين اظهرهم فقال وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذب فوجوده صلى الله عليه وسلم بين اظهرهم امانة لهم من العذاب. وكانوا مع هذه المقالة التي يظهرونها على رؤوس الاشهاد. يدرون بقبحها فكانوا يخافون من وقوعها فيهم. فيستغفرون الله تعالى فلهذا قال تعالى وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فهذا مانع يمنع من وقوع العين بهم بعدما انعقدت اسبابه ثم قال في الحرام وما كانوا اولياءه. ان اولياءه الا المتقون اكثرهم لا يعلمون. وما لهم الا يعذبهم الله. اي شيء يمنعهم من عذاب الله وقد فعلوا ما يوجب ذلك. وهو صد الناس عن المسجد الحرام. خصوصا صدهم النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه. الذين هم به منهم ولهذا قال وما كانوا اي المشركون اولياءه. يحتمل ان الضمير يعود الى الله اي اولياء الله ويحتمل ان يعود الى المسجد الحرام. اي وما كانوا اولى به من غيرهم. من اولياؤه الا المتقون. وهم الذين امنوا بالله ورسوله وافردوا الله بالتوحيد والعبادة واخلصوا له الدين. فلذلك دعوا لانفسهم امرا غيرهم اولى به يعني ان الله تعالى انما جعل بيته الحرام ليقام فيه دينه. وتخلص له فيه العبادة. فالمؤمنون هم الذين قاموا بهذا الامر. واما هؤلاء المشركون الذين يصدون عنه فما كان صلاتهم فيه التي هي اكبر انواع العبادات. الا مكاء وتصدية اي صفيرا وتصفيقا. فعل جهلت الاغبياء الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم. ولا معرفة بحقوقه ولا احترام لافضل البقاع واشرفها. فاذا كانت هذه صلاتهم فيه. فكيف ببقية العبادات؟ فباي شيء كانوا اولى بهذا البيت من المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون الى اخر ما وصفهم الله به من الصفات الحميدة والافعال السديدة. لا جرم اورثهم الله بيته الحرام ومكنهم منه وقال لهم بعدما مكن لهم فيه. يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس. فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وقال هنا اموالهم ليصدوا عن سبيل الله ينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذي حين كفروا الى جهنم يحشرون يقول تعالى مبين لعداوة المشركين وكيدهم ومكرهم ومبارزتهم لله ولرسوله. وسعيهم في اطفاء نوره واخماد كلمته. وان وبال مكرهم سيعود عليهم. ولا يحيق المكر السيء الا باهله. فقال ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله. اي ليبطلوا الحق وينصروا الباطل ويبطل توحيد الرحمن ويقوم دين عبادة الاوثان فسينفقونها. اي فيصدرون هذه النفقة وتخف عليهم لتمسكهم بالباطل وشدة بغضهم للحق. ولكنها ستكون عليهم حسرة. اي ندامة وخزيا وذلا ويغلبون فتذهب اموالهم وما ويعذبون في الاخرة اشد العذاب. ولهذا قال اي يجمعون اليها ليذوقوا عذابها وذلك لانها دار الخبث والخبثاء اولئك اولئك هم الخاسرون والله تعالى يريد ان يميز الخبيث من الطيب ويجعل كل واحد على ايه ده وفي دار تخصه. فيجعل الخبيث بعضه على بعض من الاعمال والاموال والاشخاص فيجعله في جهنم اولئك هم الخاسرون الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين الذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف. وان يعودوا فقد مضت سنة الاولين هذا من لطفه تعالى بعباده. لا يمنعه كفر العباد ولا استمرارهم في العناد. من ان يدعوهم الى طريق الرشاد والهدى. وينهاهم عما ما يهلكهم من اسباب الغي والردا فقال قل للذين كفروا ان ينتهوا عن كفرهم وذلك بالاسلام لله وحده لا شريك له يغفر اللهم قد سلف منهم من الجرائم. وان يعودوا الى كفرهم وعنادهم. باهلاك الامة ما من مكذبة فلينتظروا ما حل بالمعاندين فسوف يأتيهم انباء ما كانوا به يستهزئون فهذا خطابه للمكذبين واما خطابه وللمؤمنين عندما امرهم بمعاملة الكافرين فقال وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فان انتهوا فان الله بما يعملون بصير. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة اي شرك وصد عن سبيل الله. ويذعنه لاحكام الاسلام. ويكون الدين كله لله. فهذا المقصود من القتال الجهاد لاعداء الدين ان يدفع شرهم عن الدين وان يذب عن دين الله الذي خلق الخلق له حتى يكون هو العالي على سائر الاديان ان انتهوا عما هم عليه من الظلم. لا تخفى عليه منهم خافية وان تولوا عن الطاعة واوضعوا في الاضاعة نعم المولى الذي يتولى عباده المؤمنين. ويوصل اليه مصالحهم وييسر لهم منافعهم الدينية والدنيوية. ونعم النصير والذي ينصرهم في دفع عنهم كيد الفجار وتكالب الاشرار. ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه. ومن كان الله عليه فلا عز له ولا قائمة له وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء يقول تعالى واعلموا ان ما غنمتم من شيء اي اخذتم من مال الكفار قهرا بحق قليلا كان او كثيرا فان لله خمسا اي وباقيه لكم ايها الغانمون. لانه اضاف الغنيمة اليهم. واخرج منها خمسها. فدل على ان الباقي قيل لهم يقسم على ما قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للراجل سهم وللفارس سهمان لفرسه وسهم له واما هذا الخمس فيقسم خمسة اسهم سهم لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين العامة من غير تعيين لمصلحة لان الله جعله له ولرسوله. والله ورسوله غنيان عنه. فعلم انه لعباد الله. فاذا لم يعين الله له مصرفا دل على ان مصرفه للمصالح العامة. والخمس الثاني لذي القربى وهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم. وبني المطلب اضافه الله الى القرابة دليلا على ان العلة فيه مجرد القرابة. فيستوي فيه غنيهم وفقيرهم ذكرهم وانثاهم. والخمس ثالث لليتامى وهم الذين فقدوا اباءهم وهم صغار جعل الله لهم خمس الخمس رحمة بهم حيث كانوا عاجزين عن القيام مصالحهم وقد فقد من يقوم بمصالحهم. والخمس الرابع للمساكين. اي المحتاجين الفقراء من صغار وكبار ذكور واناث. والخمس الخامس لابن السبيل. وهو الغريب المنقطع به في غير بلده. وبعض المفسرين يقول ان الغنيمة لا يخرج عن هذه الاصناف ولا يلزم ان يكونوا فيه على السواء بل ذلك تبع للمصلحة وهذا هو الاولى. وجعل الله اداء على وجهه شرطا للايمان فقال ان كنتم امنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان وهو يوم بدر الذي الله به بين الحق والباطل. واظهر الحق وابطل الباطل. يوم التقى الجمعان. جمع المسلمين وجمع الكافرين. اي ان كان ايمانكم بالله وبالحق الذي انزله الله على رسوله يوم الفرقان الذي حصل فيه من الايات والبراهين ما دل على ان ما جاء به هو الحق. والله على كل شيء قدير. لا يغالبه احد الا غلبه ولكن ليقضي الله امرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة اذ انتم بالعدوة الدنيا اي بعدوة الوادي القريبة من المدينة. وهم بعدوته اي جانبه البعيدة من المدينة. فقد جمعكم واد واحد. والركب الذي خرجتم لطلبه واراد الله غيره اسفل منكم مما يلي ساحل البحر. ولو تواعدتم انتم واياهم على هذا الوصف وبهذه الحال لا اختلفتم في الميعاد. اي لابد من تقدم او تأخر. او اختيار منزل او غير ذلك مما يعرض لكم او لهم. يصدفكم عن ميعاده ولكن الله جمعكم على هذه الحال. ليقضي الله امرا كان مفعولا. اي مقدرا في الازل. لا بد من وقوعه. ليهلك من هلك عن بينة اي ليكون حجة وبينة للمعاند فيختار الكفر على بصيرة وجزم ببطلانه. فلا يبقى له عذر عند الله ويحيى من حي عن بينة. اي يزداد المؤمن بصيرة ويقينا. بما ارى الله الطائفتين من ادلة الحق وبراهينه. ما هو تذكرة لاولي الالباب وان الله لسميع عليم. سميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات على تفنن عليم بالظواهر والضمائر والسرائر والغيب والشهادة ولكن الله سلم انه عليم وان يريكم اذ التقيتم في اعينكم قليلا ويقللكم في اعينهم وكان الله قد ارى رسوله في الرؤيا عددا قليلا فبشر بذلك اصحابه. فاطمئنت قلوبهم وتثبتت افئدتهم. ولو اراكهم الله اياهم كثيرا فاخبرت بذلك اصحابك لفشلتم ولتنازعتم في الامر. فمنكم من يرى الاقدام على قتالهم ومنكم من لا يرى ذلك. فوقع من الاختبار الخلاف والتنازع ما يوجب الفشل. ولكن الله سلم فلطف بكم. انه عليم بذات الصدور اي بما فيها من ثبات وجزع وصدق وكذب. فعلم الله من قلوبكم ما صار سببا للطفه واحسانه بكم. وصدق الله رؤيا فارى الله المؤمنين عدوهم قليلا في اعينهم. ويقللكم يا معشر المؤمنين في اعينهم. فكل من الطائفتين الاخرى قليلة لتقدم كل منهما على الاخرى ليقضي الله امرا كان مفعولا من نصر المؤمنين وخذلان الكافرين وقتل قادرين ورؤساء الضلال منهم. ولم يبق منهم احد له اسم يذكر. فيتيسر بعد ذلك انقيادهم اذا دعوا الى الاسلام. فصار ايضا بالباقين الذين من الله عليهم بالاسلام اي جميع امور الخلائق ترجع الى الله فيميز الخبيث من الطيب ويحكم في الخلائق بحكمه العادل الذي لا جور فيه ولا ظلم امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. يقول تعالى ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة اي طائفة من الكفار تقاتلكم فاثبتوا لقتالها واستعملوا الصبر وحبس النفس على هذه الكبيرة التي عاقبتها العز والنصر. واستعينوا على ذلك بالاكثار من ذكر الله. اي ما تطلبون من الانتصار على اعدائكم. فالصبر والثبات والاكثار من ذكر الله. من اكبر الاسباب للنصر واطيعوا الله رسوله في استعمال ما امر به. والمشي خلف ذلك في جميع الاحوال. ولا تنازعوا تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها فتفشلوا اي تجبنوا وتذهب ريحكم اي تنحل عزائمكم وتفرقوا قوتكم ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة الله ورسوله. واصبروا نفوسكم على طاعة الله. بالعون والنصر والتأييد واخشعوا لربكم واخضعوا له. ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهن بطرا ورئا آآ لهذا مقصدهم الذي خرجوا اليه. وهذا الذي ابرزهم من ديارهم لقصد الاشر والبطر في الارض. وليراهم الناس ويفخروا لديهم والمقصود الاعظم انهم خرجوا ليصدوا عن سبيل الله من اراد سلوكه. والله بما يعملون محيطا فلذلك اخبركم بمقاصدهم. وحذركم ان تشبهوا بهم فانه سيعاقبهم على ذلك اشد العقوبة. فليكن قصدكم في خروجكم وجه الله تعالى واعلاء دين الله والصد عن الطرق الموصلة الى سخط الله وعقابه. وجذب الناس الى سبيل الله القويم. الموصل لجنات النعيم وقال واذ زين لهم الشيطان اعمالهم. حسنها في قلوبهم وخدعهم. وقال لا غالب لكم اليوم من الناس فانكم في عدد وعدد وهيئة لا يقاومكم فيها محمد ومن معه. واني جار لكم من ان يأتيكم احد ممن تخشون كون غائلته لان ابليس قد تبدى لقريش في صورة سراقة ابن مالك ابن جحش من مدلجي وكانوا يخافون من بني مدلج لعداوة كانت بينهم. فقال لهم الشيطان انا جار لكم فاطمئنت نفوسهم واتوا على حرب قادرين. فلم ما تراءت الفئتان المسلمون والكافرون فرأى الشيطان جبريل عليه السلام يزع الملائكة خاف خوفا شديدا على عقبيه اي ولى مدبرا وقال لمن خدعهم وغرهم اني بريء منكم اني ارى ما لا ترون اي ارى الملائكة الذين لا يدان لاحد بقتالهم. اني اخاف الله اي اخاف ان يعادلني بالعقوبة في الدنيا ومن المحتمل ان يكون الشيطان قد سول لهم ووسوس في صدورهم انه لا غالب لهم اليوم من الناس. وانه جار لهم فلما اوردهم مواردهم نقص عنهم وتبرأ منهم كما قال تعالى كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين الله هؤلاء دينهم. ومن يتوكل على الله فان الله عزيز حكيم اذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض اي شك وشبهة من ضعفاء الايمان للمؤمنين حين اقدموا مع على قتال المشركين مع كثرتهم غر هؤلاء دينهم. اي اوردهم الدين الذي هم عليه هذه الموارد التي لا لهم بها ولا استطاعة لهم بها. يقولون احتقارا لهم واستخفافا لعقولهم. وهم والله الاخفاء عقولا الضعفاء احلاما فان الايمان يوجب لصاحبه الاقدام على الامور الهائلة. التي لا يقدم عليها الجيوش العظام. فان المؤمن المتوكل على الله الذي يعلم انه ما من حول ولا قوة ولا استطاعة لاحد الا بالله تعالى. وان الخلق لو اجتمعوا كلهم على نفع شخص بمثقال ذرة لم ينفعوه ولو اجتمعوا على ان يضروه لم يضروه الا بشيء قد كتبه الله عليه. وعلم انه على الحق وان الله تعالى رحيم في كل ما قدره وقضاه. فانه لا يبالي بما اقدم عليه من قوة وكثرة. وكان واثقا بربه مطمئن القلب. لا فزعا ولا جبانا ولهذا قال ومن يتوكل على الله فان ان الله عزيز لا يغالب قوته قوة. حكيم فيما قضاه واجراه يضربون وجوههم يقول تعالى ولو ترى الذين كفروا بايات الله حين توفاهم الملائكة الموكلون بقبض ارواحهم. وقد اشتد بهم القلق وعظم كربهم. والملائكة يضربون وجوههم وادبارهم. يقولون لهم اخي اخرجوا انفسكم ونفوسهم ممتنعة مستعصية على الخروج. لعلمها ما امامها من العذاب الاليم. ولهذا قال اي العذاب الشديد المحرق ذلك العذاب حصل لكم غير ظلم ولا جور من ربكم وانما هو بما قدمت ايديكم من مع صلة اثرت لكم ما اثرت. وهذه سنة الله في الاولين والاخرين. فان دأب هؤلاء المكذبين اي سنتهم وما اجرى الله عليهم من الهلاك بذنوبهم ان الله قوي شديد العقاب. كدأب اله لفرعون والذين من قبلهم من الامم المكذبة كفروا بايات الله فاخذهم الله بالعقاب بذنوبهم قوي شديد العقاب. لا يعجزه احد يريد اخذه. ما من داع الا هو اخذ بناصيتها ذلك العذاب الذي اوقعه الله بالامم المكذبين. وازال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم. بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بانفسهم فان الله لم يكن مغيرا نعمة انعمها على قوم من نعم الدين والدنيا بل يبقيها ويزيدهم منها ان ازدادوا له شكرا حتى يغيروا ما بانفسهم من الطاعة الى المعصية فيكفروا نعمة الله ويبدلوها كفرا فيسلبهم اياها ويغيرها عليهم كما يروا ما بانفسهم ولله الحكمة في ذلك والعدل والاحسان الى عباده. حيث لم يعاقبهم الا بظلمهم. وحيث جذب قلوب اولياءه اليه بما يذيق العباد من النكال اذا خالفوا امره يسمع جميع ما نطق به الناطقون. سواء من اسر القول ومن جهر به. ويعلم ما تنطوي عليه الضمائر. وتخفيه السرائر فيجري على عباده من الاقدار ما اقتضاه علمه وجرت به مشيئته بايات ربهم فاهلكناهم بذنوبهم واغرقنا ال فرعون. واغرقنا كدأب ال فرعون اي فرعون وقومه والذي من قبلهم كذبوا بايات ربهم حين جاءتهم فاهلكناهم بذنوبهم كل بحسب جرمه. واغرقنا ال فرعون وكل من المهلكين كانوا ظالمين لانفسهم ساعين في هلاكها لم يظلمهم الله ولا اخذهم بغير جرم اقترفوه. فليحذر المخاطب ان يشابهوهم في الظلم في حل الله بهم من عقابه ما احل باولئك الفاسقين الذين عاهدت منهم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون. هؤلاء الذين جمعوا هذه الخصال الثلاث الكفر وعدم الايمان والخيانة بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه. ولا قول قالوه هم شر الدواب عند الله فهم شر من الحمير والكلاب وغيره لان الخير معدوم منهم. والشر متوقع فيهم. فاذهاب هؤلاء ومحقهم هو المتعين. بالا يسري داؤهم لغيرهم ولهذا قال فاما تثقفنهم في الحرب اي تجدنهم في حال المحاربة. بحيث لا يكون لهم عهد وميثاق. فشرد بهم من خلفهم. اين بهم غيرهم واوقع بهم من العقوبة ما يصيرون به عبرة لمن بعدهم. لعلهم اي من خلفهم يذكرون صنيعهم الا يصيبهم ما اصابهم. وهذه من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي. انها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي. بل لمن عملها الا يعاودها. ودل تقييد هذه العقوبة في الحرب ان الكافر ولو كان كثير الخيانة. سريع الغدر انه اذا اعطي عهدا لا يجوز خيانته وعقوبته ان الله لا يحب الخائنين اي واذا كان بينك وبين قوم عهد وميثاق على ترك القتال فخفت منهم خيانة بان ظهر من قرائن احوالهم ما يدل على خيانة من غير تصريح منهم بالخيانة. فانبذ اليهم عهدهم. اي ارمه عليهم. واخبرهم انه لا عهد بينك وبينهم. على سواء اي حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك. ولا يحل لك ان تغدرهم او تسعى في شيء مما منعه موجب العهد. حتى تخبرهم بذلك ان الله لا يحب الخائنين. بل يبغضهم اشد البغض. فلا بد من امر بين يبرئكم من الخيانة ودلت الاية على انه اذا وجدت الخيانة المحققة منهم لم يحتج ان ينبذ اليهم عهدهم لانه لم يخف منهم بل علم ذلك ولعدم الفائدة ولقوله على سواء. وهنا قد كان معلوما عند الجميع غدرهم. ودل مفهومها ايضا انه اذا لم يخف منهم خيانة بان لم يوجد منهم ما يدل على ذلك انه لا يجوز نبذ العهد اليهم بل يجب الوفاء الى ان تتم ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا انهم لا يعجزون اي لا الكافرون بربهم المكذبون باياته انهم سبقوا الله وفاتوه. فانهم لا يعجزونه. والله لهم بالمرصاد. وله تعالى الحكمة البالغة في امهالهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة. التي من جملتها ابتلاء عباده المؤمنين وامتحانهم. وتزويدهم من طاعته ما يصلون به الى المنازل العالية. واتصافهم باخلاق وصفات لم يكونوا بغيره بالغيها. فلهذا قال الله لعباده المؤمنين واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوا الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم. وما تنفقوا من اليكم وانتم لا تظلمون. اي واعدوا لاعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وابطال دينكم ما استطعتم من قوة اي كلما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وانواع الاسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم فدخل في ذلك انواع الصناعات التي تعمل فيها اصناف الاسلحة والالات من المدافع والرشاشات والبنادق والطيارات الجوية والمراكب البرية والبحرية والحصون والقلاع والخنادق والات الدفاع والرأي السياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر اعدائهم وتعلم الرمي والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الا ان القوة الرمي ومن ذلك الاستعداد بالمراكب المحتاج اليها عند القتال. ولهذا قال تعالى ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان. وهي ارهاب الاعداء. والحكم يدور مع علته فاذا كان شيء موجود اكثر ارهابا منها كالسيارات البرية والهوائية المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها اشد كانت مأمورا بالاستعداد بها. والسعي لتحصيلها حتى انها اذا لم توجد الا بتعلم الصناعة. وجب ذلك لان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. وقوله ترهبون به عدو الله وعدوكم ممن تعلمون انهم اعداؤكم واخرين من دونهم لا تعلمونهم. ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به. الله يعلمهم ولذلك امرهم بالاستعداد لهم. ومن اعظم ما يعين على قتالهم بذل النفقات المالية في جهاد الكفار. ولهذا قال تعالى لمن في ذلك وما تنفقوا من شيء في سبيل الله قليلا كان او كثيرا. يوفى اليكم اجره يوم القيامة مضاعفا اضعافا كثيرة حتى ان النفقة في سبيل الله تضاعف الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة. اي لا تنقصون من اجرها وثوابها شيئا يقول تعالى وان جنحوا اي الكفار المحاربون اي مال للسلم اي صلح وترك القتال فاجنح لها وتوكل على الله. اي اجبهم الى ما طلبوا متوكلا على ربك. فان في ذلك فوائد كثيرة. منها ان طلب العافية مطلوب كل وقت. فاذا كانوا هم المبتدئين في ذلك كان اولى لاجابتهم. ومنها ان في ذلك اجماما لقواكم واستعدادا منكم لقتالهم في وقت اخر. ان احتيج لذلك. ومنها انكم اذا اصلحتم وامن بعضكم بعضا. وتمكن كل من معرفة ما عليه الاخر فان الاسلام يعلو ولا يعلى عليه. فكل من له عقل وبصيرة اذا كان معه انصاف فلا بد ان يؤثره على غيره من الاديان لحسنه في اوامره ونواهيه. وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم. وانه لا جور فيه ولا ظلم بوجه. فحين اذا يكثر الراغبون فيه والمتبعون له. فصار هذا السلم عونا للمسلمين على الكافرين. ولا يخاف من السلم الا خصلة واحدة. وهي ان يكون الكفار قصدهم بذلك خدع المسلمين. وانتهاز الفرصة فيهم. فاخبرهم الله انه حسبهم وكافيهم خداعهم. وان ذلك يعود عليهم ضرره فقال وان يريدوا ان يخدعوك اه هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم. لو انفقت ما في الارض بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم. انه عزيز حكيم وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله. اي كافيك ما يؤذيك. وهو القائم بمصالحك ومهماتك. فقد سبق لك فمن كفايته لك ونصره ما يطمئن به قلبك. فهو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين. اي اعانك بمعونة سماوية وهو النصر منه الذي لا يقاومه شيء ومعونة بالمؤمنين بان قيدهم لنصرك. والف بين قلوبهم فاجتمعوا وائتلفوا وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم. ولم يكن هذا بسعي احد ولا بقوة غير قوة الله. فلو انفقت ما في الارض جميعا من ذهب وفضة بهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة. ما الفت بين قلوبهم لانه لا يقدر على تقليب القلوب الا الله تعالى ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم. ومن عزته ان الف بين قلوبهم وجمعها بعد الفرقة كما قال تعالى واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها. ثم قال تعالى يا ايها النبي حسبك الله اي كافيك. ومن اتبعك من المؤمنين اي وكافي اتباعك من من المؤمنين وهذا وعد من الله لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله بالكفاية والنصرة على الاعداء. فاذا اتوا بالسبب الذي هو الايمان والاتباع فلا بد ان يكفيهم ما اهمهم من امور الدين والدنيا. وانما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها النبي يحرض المؤمنين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون انهم قوم لا يفقهون. يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يا ايها النبي حرض المؤمنين على القتال اي حثهم وانهضهم اليه. بكل ما يقوي عزائمهم وينشط هممهم. من الترغيب في الجهاد ومقارعة الاعداء. والترهيب من ضد لذلك وذكر فضائل الشجاعة والصبر. وما يترتب على ذلك من خير الدنيا والاخرة وذكر مضار الجبن. وانه من الاخلاق الرذيلة من قصة للدين والمروءة وان الشجاعة بالمؤمنين اولى من غيرهم. ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون من الله ما لا يرجون. ان يكن منكم ايها المؤمنون عشرون صابرون. يغلب مئتين وان يكن منكم مئة يغلب الفا من الذين كفروا يكون الواحد بنسبة عشرة من الكفار وذلك بان الكفار قوم لا يفقهون اي لا علم عندهم بما اعد الله للمجاهدين في سبيله فهم يقاتلون لاجل العلو في الارض والفساد فيها. وانتم تفقهون المقصود من القتال. انه لاعلاء كلمة الله واظهار دينه والذب عن كتاب الله وحصول الفوز الاكبر عند الله وهذه كلها دواع للشجاعة والصبر والاقدام على القتال ثم ان هذا الحكم خففه الله على العباد. فقال ان فيكم ضعفا. وعلم ان فيكم ضعفا. فلذلك اقتضت رحمته وحكمته التخفيف لله. والله مع الصابرين. بعونه وتأييده. وهذه الايات سورة سورة الاخبار عن المؤمنين بانهم اذا بلغوا هذا المقدار المعين يغلبون ذلك المقدار المعين في مقابلته من الكفار وان الله ما يمتن عليهم بما جعل فيه من الشجاعة الايمانية. ولكن معناها وحقيقتها الامر وان الله امر المؤمنين في اول الامر ان الواحد لا يجوز له ان يفر من العشرة والعشرة من المئة والمئة من الالف. ثمان الله خفف ذلك فصار لا يجوز فرار المسلمين من مثل اليهم من الكفار فان زادوا على مثليهم جاز لهم الفرار. ولكن يرد على هذا امران. احدهما انها بصورة الخبر والاصل في الخبر ان يكون على بابه. وان المقصود بذلك الامتنان والاخبار بالواقع. والثاني تقييد ذلك العدد ان يكونوا صابرين بان يكونوا متدربين على الصبر ومفهوم هذا انهم اذا لم يكونوا صابرين فانه يجوز لهم الفرار ولو اقل منهم مثليهم اذا غلب على ظنهم الضرر كما تقتضيه الحكمة الالهية ويجاب عن الاول بان قوله الان خفف الله عنكم الى اخرها دليل على ان هذا امر لازم وامر محتم. ثم ان الله خففه الى ذلك العدد. فهذا ظاهر في ان امر وان كان في صيغة الخبر وقد يقال ان في اتيانه بلفظ الخبر نكتة بديعة لا توجد فيه اذا كان بلفظ الامر وهي تقوية قلوب المؤمنين. والبشارة بانهم سيغلبون الكافرين. ويجاب عن الثاني ان المقصود بتقييد ذلك بالصابرين. انه حث على الصبر وانه ينبغي منكم ان تفعلوا الاسباب الموجبة لذلك فاذا فعلوها صارت الاسباب الايمانية والاسباب المادية مبشرة بحصول ما اخبر الله به من النصر لهذا العدد القليل هذه من الله لرسوله وللمؤمنين يوم بدر. اذ اسروا المشركين وابقوهم لاجل الفداء. وكان رأي امير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذه الحال قتلهم واستئصالهم. فقال تعالى ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض. اي ما ينبغي ولا يليق به اذا قاتل الكفار الذين يريدون ان يطفئوا نور الله. ويسعوا لاخماد دينه. والا يبقى على وجه الارض من يعبد الله ان يتسرع الى اسرهم وابقائهم لاجل الفداء الذي يحصل منهم. وهو عرض قليل بالنسبة الى المصلحة المقتضية لابادتهم وابطال برهم فما دام لهم شر وصولة فالاوفق الا يؤسروا. فاذا اثخنوا وبطل شرهم واضمحل امرهم. فحينئذ لا بأس باخذ الاسرى منهم وابقائهم. يقول تعالى تريدون باخذكم الفداء وابقائهم. عرض الحياة الدنيا اي لا لمصلحة تعود الى دينكم. والله يريد الاخرة باعزاز دينه ونصر اوليائه. وجعل كلمتهم عالية فوق غيرهم. فيأمرهم بما يوصل الى ذلك. اي كامل العزة لو شاء ان ينتصر من الكفار من دون قتال لكنه حكيم يبتلي بعضكم ببعض عذاب عظيم. لولا كتاب من الله سبق به القضاء والقدر انه قد احل لكم الغنائم. وان الله رفع عنكم ايها الامة العذاب. وفي الحديث لو نزل عذاب يوم بدر ما نجى منه الا يا عمر فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا واتقوا الله ان الله غفور رحيم. فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا وهذا من لطفه تعالى بهذه الامة ان احل لها الغنائم ولم يحلها لامة قبلها. واتقوا الله في جميع اموركم ولازموها شكرا لنعم الله عليكم. ان الله غفور يغفر لمن تاب اليه جميع الذنوب. ويغفر لمن لم يشرك به شيئا جميع المعاصي رحيم بكم. حيث اباح لكم الغنائم وجعلها حلالا طيبا في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا من ما اخذ وهذه نزلت في اسارى يوم بدر وكان في جملتهم العباس عم رسول الله صلى الله عليه فلما طلب منه الفداء ادعى انه مسلم قبل ذلك فلم يسقطه عنه الفداء. فانزل الله تعالى جبرا لخاطره. ومن كان على مثل حاله يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم. يؤتكم خيرا مما اخذ منكم اي من المال بان ييسر لكم من فضله خيرا واكثر مما اخذ منكم ويغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم الجنة وقد انجز الله وعده للعباس وغيره. فحصل له بعد ذلك من المال شيء كثير. حتى انه مرة لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ما كثير اتاه العباس فامره ان يأخذ منه بثوبه ما يطيق حمله. فاخذ منه ما كاد ان يعجز عن حمله وان يريد خيانتك في سعي لحربك ومنابذتك فقد خانوا الله من قبل فامكن منهم فليحذروا خيانتك فان الله تعالى قادر عليهم وهم تحت قبضة اي عليم بكل شيء حكيم يضع الاشياء مواضعها ومن علمه وحكمته ان شرع لكم هذه الاحكام الجليلة الجميلة. وان تكفل بكفايتكم شأن الاسرى وشرهم ان ارادوا خيانة. ان الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله. والذين اووا ونصرو اولئك اولئك بعضهم اولياء بعض. هذا عقد موالاة ومحبة. عقدها الله بين المهاجرين الذين امنوا وهاجروا في سبيل الله وتركوا اوطانهم لله لاجل الجهاد في سبيل الله. وبين الانصار الذين اووا رسول الله صلى الله عليه وسلم واعانوهم في ديارهم واموالهم وانفسهم. فهؤلاء بعضهم اولياء بعض. لكمال ايمانهم وتمام اتصال بعضهم اي نعم والذين امنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجر وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر الا على قوم بينكم وبينهم والذين امنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء سيهاجروا فانهم قطعوا ولايتكم بانفصالهم عنكم في وقت شدة الحاجة الى الرجال. فلما لم يهاجروا لم يكن لهم من ولاية المؤمنين شيء لكنهم ان استنصروكم في الدين اي لاجل قتال من قاتلهم لاجل دينهم فعليكم النصر والقتال معهم اما من قاتلوهم لغير ذلك من المقاصد فليس عليكم نصرهم. وقوله تعالى الا على قوم بينكم وبينهم ميثاق. اي عهد بترك القتال فانهم اذا اراد المؤمنون المتميزون الذين لم يهاجروا قتالهم فلا تعينوهم عليهم لاجل ما بينكم وبينهم الميثاق يعلم ما انتم عليه من الاحوال فيشرع لكم من الاحكام ما يليق بكم والذين كفروا بعضهم اولياء بعض الا تفعلوه تكن فتنة في الارض لما عقد الولاية بين المؤمنين اخبر ان الكفار حيث جمعهم الكفر فبعضهم اولى رياء لبعض فلا يواليهم الا كافر مثلهم. وقوله الا تفعلوه اي موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين. بان واليتم كلهم او عاديتموهم كلهم او واليتم الكافرين وعاديتم المؤمنين. تكن فتنة في الارض وفساد فانه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل. والمؤمن بالكافر وعدم كثير من عبادات الكبار كالجهاد والهجرة وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت اذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم اولياء بعض وهم لبعض والذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين الايات السابقات في ذكر عقد الموالاة بين المؤمنين من المهاجرين والانصار. وهذه الايات في بيان مدحهم وثوابهم فقال والذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين اولئك هم المؤمنون حقا. اولئك اي المؤمنون من المهاجرين والانصار هم المؤمنون حقا. لانهم صدقوا ايمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالاة بعضهم لبعض. وجهادهم لاعدائهم من الكفار والمنافقين. لهم مغفرة من الله تمحى بها سيئاتهم. وتضمحل بها زلاتهم ولهم رزق كريم. اي خير كثير من الرب الكريم في النعيم وربما حصل لهم من الثواب المعجل ما تقر به اعينهم. وتطمئن به قلوبهم وكذلك من جاء بعد هؤلاء المهاجرين والانصار ممن اتبعهم باحسان فامن وهاجر وجاهد في سبيل الله. فاولئك منكم لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. فهذه الموالاة الايمانية وقد كانت في اول الاسلام لها وقع كبير وشأن عظيم. حتى ان النبي صلى الله عليه وسلم اخى بين المهاجرين اخوة خاصة غير الاخوة الايمانية العامة. وحتى كانوا يتوارثون بها فانزل الله ان الله بكل شيء عليم واولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله. فلا يرثه الا اقاربه من العصبات واصحاب الفروض. فان لم يكونوا فاقرب قرابين من ذوي الارحام. كما دل عليه عموم هذه الاية الكريمة. وقوله في كتاب الله اي في حكمه وشرعه. ان الله بكل شيء عليم ومنه ما يعلمه من احوالكم التي يجري من شرائعه الدينية عليكم ما يناسبها