المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب احكمت اياته يقول تعالى هذا كتاب عظيم ونزل كريم احكمت اية اي اتقنت واحسنت. صادقة اخبارها عادلة اوامرها ونواهيها. فصيحة الفاظه بهية معانيه. ثم فصلت اي مميزة بينت بيانا في اعلى انواع البيان. من لدن حكيم يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها. لا يأمر ولا ينهى الا بما تضيه حكمته خبير مطلع على الظواهر والبواطن. فاذا كان احكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير. فلا تسأل بعد هذا عن عظمته وجلالته واشتماله على كمال الحكمة وسعة الرحمة. الا تعبدوا الا الله انني لكم منه نذير وانما انزل الله كتابه لئلا تعبدوا الا الله. اي لاجل اخلاص الدين كله لله. والا يشرك به احد من خلقه انني لكم ايها الناس منه اي من الله ربكم نذير لمن تجرأ على المعاصي بعقاب الدنيا والاخرة. وبشير قل لمطيعين لله بثواب الدنيا والاخرة. وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يمتعكم متاعا حسنا الى اجل مسمى ويؤتك الذي فضل فضله وان تولوا فاني اخاف وان استغفروا ربكم عما صدر منكم من الذنوب ثم توبوا اليه فيما تستقبلون من اعماركم بالرجوع اليه. بالانابة والرجوع عما يكرهه الله الى ما يحبه ويرضاه. ثم ذكر ما يترتب على الاستغفار والتوبة فقال يمتعكم متاعا حسنا ان يعطيكم من رزقه ما تتمتعون به وتنتفعون. الى اجل اي الى وقت وفاتكم ويؤتي منكم كل ذي فضل فضله. ان يعطي اهل الاحسان والبر من فضله وبره ما هو جزاء لاحسانهم من حصول ما يحبون ودفع ما يكرهون. وان تولوا عما دعوتكم اليه بل اعرضتم عنه. وربما كذبتم به فاني اخاف عليكم عذاب يوم كبير. وهو يوم القيامة الذي يجمع الله فيه الاولين والاخرين فيجازيهم باعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر. وفي قوله وهو على كل شيء قدير. كالدليل على احياء الله الموتى فانه قدير على كل شيء. ومن جملة الاشياء احياء الموتى وقد اخبر بذلك وهو اصدق القائلين. فيجب وقوع ذلك عقلا ونقلا يخبر تعالى عن اهل المشركين وشدة ضلالهم انهم يثنون صدورهم اي يميلونها ليستخفوا من الله. فتقع صدورهم حاجبة لعلم الله باحوالهم وبصره لهيئاتهم قال الله تعالى مبينا خطأهم في هذا الظن الا حين يستغشون ثيابهم اي يتغطون بها يعلمهم في كالحال التي هي من اخفى الاشياء بل يعلم ما يسرون من الاقوال والافعال وما يعلنون منها بل ما هو ابلغ من ذلك وهو ان انه عليم بذات الصدور اي بما فيها من الارادات والوساوس والافكار التي لم ينطقوا بها سرا ولا جهرا. فكيف تخفى عليه حالكم اذا ثنيتم صدوركم لتستخفوا منه. ويحتمل ان المعنى في هذا ان الله يذكر اعراض المكذبين للرسول الغافلين عن دعوته. انه من شدة اعراضهم يثنون صدورهم اي يحدودبون حين يرون الرسول صلى الله عليه وسلم لان لا يراهم ويسمعهم دعوته ويعظهم بما ينفعهم فهل فوق هذا الاعراض شيء؟ ثم توعدهم بعلمه تعالى بجميع احوالهم. وانهم لا يخفون عليه وسيجازيهم بصنيعهم وما من دا في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين اي جميع ما دب على وجه الارض من ادمي او حيوان بري او بحري. فالله تعالى قد تكفل بارزاقهم واقواتهم. فرزقها على الله ويعلم مستقرها ومستودعها. اي يعلم مستقر هذه الدواب وهو المكان الذي تقيم فيه وتستقر فيه وتأوي اليه ومستودعك المكان الذي تنتقل اليه في ذهابها ومجيئها. وعوارض احوالها. كل من تفاصيل احوالها في كتاب مبين. اي في اللوح المحفوظ المحتوي على جميع الحوادث الواقعة. والتي تقع في السماوات والارض. الجميع قد احاط بها علم الله وجرى بها قلمه. ونفذ فيها مشيئته ووسعها رزقه. فلتطمئن القلوب الى كفاية من تكفل بارزاقها. واحاط علما بذواتها وصفاتها والذي خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا. ولئن قلت انكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا ليقولن الذين كفروا يخبر تعالى انه خلق السماوات والارض في ستة ايام. اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة وحين خلق السماوات والارض كان عرشه على الماء فوق السماء السابعة. فبعد ان خلق السماوات والارض استوى عليه يدبر الامور ويصرفها كيف شاء من الاحكام القدرية والاحكام الشرعية. ولهذا قال ليبلوكم ايكم احسن عملا. اي ليمتحنكم اذ خلق لكم ما في السماوات والارض بامره ونهيه فينظر ايكم احسن عملا. قال الفضيل بن عياض رحمه الله اخلصه واصوبه قيل يا ابا علي ما اخلصه واصوبه؟ فقال ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل. واذا كان صوابا ولم يكن لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا. والخالص ان يكون لوجه الله والصواب ان يكون متبعا فيه الشرع والسنة. وهذا كما قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. وقال الله تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله على كل شيء قدير. وان الله قد احاط بكل شيء علما. فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ومعرفته باسمائه وصفاته وامرهم بذلك. فمن انقاد وادى ما امر به فهو من المفلحين. ومن اعرض عن ذلك فاولئك هم الخاسرون ولابد ان يجمعهم في دار يجازيهم فيها على ما امرهم به ونهاهم. ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء. فقال ولئن قلت لكم مبعوثون من بعد الموت. ليقولن الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين. اي ولئن قلت لهؤلاء واخبرتهم بالبعث بعد الموت لم يصدقوك بل كذبوك اشد التكذيب وقدحوا فيما جئت به وقالوا ان هذا الا سحر مبين. الا وهو الحق المبين اخرنا عنهم العذاب الى امة معدودة ليقولن ما يحبسه. الا يوم يأتيهم ولئن اخرنا عنهم العذاب الى معدودة اي الى وقت مقدر فتباطؤوه لقالوا من جهلهم وظلمهم ما يحبسه. ومضمون هذا تكذيبهم به. فانهم يستدلون بعدم وقوعه بهم عاجلا على كذب الرسول المخبر بوقوع العذاب. فما ابعد هذا الاستدلال! الا يوم يأتيهم العذاب ليس عنهم فيتمكنون من النظر في امرهم. وحاق بهم اي نزل ما كانوا به يستهزئون من العذاب. حيث تهاونوا به حتى جزموا بكذب من جاء به ولئن ادغناه نعمان بعد ضراء مسك يخبر تعالى عن طبيعة انه جاهل ظالم بان الله اذا اذاقه منه رحمة كالصحة والرزق والاولاد ونحو ذلك ثم نزعها منه فانه يستسلم لليأس وينقادوا للقنوط. فلا يرجوا ثواب الله ولا يخطر بباله ان الله سيردها او مثلها. او خيرا منها عليه. وانه اذا اذاقه رحمة من بعد ضراء مسته انه يفرح ويبطر. ويظن انه سيدوم له ذلك الخير. ويقول ذهب السيئات عني انه لفرح فخور. اي فرح بما اوتي مما يوافق هوى نفسه. فخور بنعم الله على عباد الله. وذلك يحمله على الاشر والبطر والاعجاب بالنفس والتكبر على الخلق واحتقارهم وازدرائهم. واي عيب اشد من هذا؟ وهذه طبيعة الانسان من حيث هو الا من وفقه الله واخرجه من هذا الخلق الذميم الى ضده. وهم الذين صبروا انفسهم عند الضراء فلم ييأسوا. وعند السراء فلم يبطروا. وعملوا الصالحات من واجبات ومستحبات اولئك لهم مغفرة لذنوبهم يزول بها عنهم كل محظور واجر كبير وهو الفوز بجنات النعيم التي فيها تشتهيه الانفس وتلذ الاعين انما انت نذير والله على كل شيء وكيل. يقول تعالى مصليا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن تكذيب المكذبين فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك ان يقولوا لولا انزل عليه كنز. اي لا ينبغي هذا لمثلك ان قولهم يؤثر ويصدك عن ما انت عليه. فتترك بعض ما يوحى اليك. ويضيق صدرك لتعنتهم بقولهم. لولا انزل عليه كنز او جاء معه ملك فان هذا القول ناشئ من تعنت وظلم وعناد وضلال. وجهل من مواقع الحجج والادلة. فامض على امرك ولا تصدك هذه الاقوال الركيكة التي لا تصدر الا من سفيه ولا يضق لذلك صدرك. فهل اوردوا عليك حجة لا تستطيع حلها؟ ام قدحوا ببعض ما جئت به قدحا يؤثر فيه وينقص قدره فيضيق صدرك لذلك؟ ام عليك حسابهم؟ ومطالب بهدايتهم جبرا. انما انت نذير والله على كل شيء وكيل. فهو الوكيل عليهم يحفظ اعمالهم ويجازيهم بها اتم الجزاء ام يقولون افترى اي افترى محمد هذا القرآن فاجابهم بقوله قل لهم فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين انه قد افتراه. فانه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة. وانتم الاعداء حقا. الحريصون هنا بغاية ما يمكنكم على ابطال دعوته. فان كنتم صادقين فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وانما انزل بعلم الله وان لا اله الا هو فهل انتم مسلمون فان لم يستجيبوا لكم على شيء من ذلكم فاعلموا ان ما انزل بعلم الله من عند الله لقيام الدليل والمقتضي وانتفاء معارض وان لا اله الا هو اي واعلموا انه لا اله الا هو اي هو وحده المستحق للالوهية والعبادة. فهل انتم مسلمون ينقادون لالوهيته مستسلمون لعبوديته. وفي هذه الايات ارشاد الى انه لا ينبغي للداعي الى الله. ان يصده اعتراض المعترضين ولقدحوا القادحين. خصوصا اذا كان القدح لا مستند له. ولا يقدح فيما دعا اليه وانه لا يضيق صدره. بل يطمئن بذلك ماضيا على مقبلا على شأنه وانه لا يجب اجابة اقتراحات المقترحين للادلة التي يختارونها. بل يكفي اقامة الدليل السالم عن المعارض على جميع المسائل والمطالب. وفيها ان هذا القرآن معجز بنفسه لا يقدر احد من البشر ان يأتي بمثله. ولا بعشر سور من مثله. بل ولا بسورة من مثله لان الاعداء البلغاء الفصحاء تحداهم الله بذلك فلم يعارضوه. لعلمهم انهم لا قدرة فيهم على ذلك. وفيها ان مما يطلب فيه العلم ولا يكفي غلبة الظن علم القرآن وعلم التوحيد. لقوله تعالى فاعلموا ان ما انزل بعلم الله لا اله الا هو. من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفي اليهم اعمالهم فيها هم فيها لا يبخزون. يقول تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها اي كل ايراداته مقصورة على الحياة الدنيا وعلى زينتها من النساء والبنين والقناطير المقنطرة. من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث. قد صرف رغبته وسعيه وعمله في في هذه الاشياء ولم يجعل لدار القرار من ارادته شيئا. فهذا لا يكون الا كافرا. لانه لو كان مؤمنا لكان ما معه من الايمان يمنعه ان تكون جميع ايراداته للدار الدنيا. بل نفس ايمانه وما تيسر له من الاعمال. اثر من اثار ارادته الدار الاخرة. ولكن هذا التقي الذي كانه خلق للدنيا وحدها. نوفي اليهم اعمالهم فيها. اي نعطيهم ما قسم لهم في ام الكتاب من ثواب الدنيا. وهم في فيها لا يبخسون اي لا ينقصون شيئا مما قدر لهم. ولكن هذا منتهى نعيمهم. اولئك الذين ليس لهم في الاخرة اولئك الذين ليس لهم في الاخرة الا النار خالدين فيها ابدا. لا يفتر عنهم العذاب. وقد حرموا جزيل الثواب. وحبط ما صنعوا فيها اي في الدنيا. اي بطل واضمحل كلما عملوه مما يكيدون به الحق واهله. وما عملوه من اعمال الخير التي لا اساس لها. ولا وجود لشرطها وهو الايمان اولئك يؤمنون بي ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده. فلا يذكر تعالى حال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ومن قام مقامه من ورثته القائمين بدينه وحججه. الموقنين بذلك. وانهم لا يوصفون بهم غيرهم ولا يكون احد مثلهم. فقال افمن كان على بينة من ربه بالوحي الذي انزل الله فيه المسائل المهمة. ودلائله الظاهرة فتيقن تلك البينة. اي يتلو هذه البينة والبرهان برهان اخر. شاهد منه وهو شاهد الفطرة المستقيمة والعقل الصحيح. حين شهد احقية ما اوحاه الله وشرعه. وعلم بعقله حسنه. فازداد بذلك ايمانا الى ايمانه وثم شاهد ثالث وهو كتاب موسى التوراة التي جعلها الله اماما للناس ورحمة لهم. يشهد لهذا القرآن بالصدق ويوافقه فيما جاء به من الحق اي افمن كان بهذا الوصف قد تواردت عليه شواهد الايمان وقامت لديه ادلة اليقين كمن هو في الظلمات والجهالات ليس خارج منها لا يستوون عند الله ولا عند عباد الله اولئك الذين وفقوا لقيام الادلة عندهم يؤمنون بالقرآن حقيقة فيثمر لهم ايمانهم كل خير في الدنيا والاخرة. ومن يكفر به من الاحزاب ومن يكفر به اي القرآن من الاحزاب اي سائر الطوائف اهل الارض المتحزبة على رد الحق فالنار موعده لابد فمن وروده اليها فلا تكف في مرية منه اي في ادنى شك انه الحق من ربك ولكن اكثر الناس لا يؤمنون اما جهلا منهم الا واما ظلما وعنادا وبغيا. والا فمن كان قصده حسنا وفهمه مستقيما. فلا بد ان يؤمن به. لانه يرى ما يدعوه الى الايمان من كل وجه ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين يخبر تعالى انه لا احد اظلم ممن افترى على الله كذبا. ويدخل في هذا كل من كذب على الله بنسبة الشريك له او وصفه بما لا يليق بجلاله. او الاخبار عنه بما لم يقل. او ادعاء النبوة او غير ذلك من الكذب على الله. فهؤلاء اعظم الناس اولئك يعرضون على ربهم ليجازيهم بظلمهم. فعندما يحكم عليهم بالعقاب الشديد يقول الاشهاد اي الذين شهدوا عليهم بافترائهم وكذبهم هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين. اي لعنة لا تنقطع لان ظلمهم صار وصفا لهم ولا لما لا يقبل التخفيف ثم وصف ظلمهم فقال الذين يصدون عن سبيل الله فصدوا بانفسهم عن سبيل الله وهي سبيل الرسل التي دعوا الناس اليها وصدوا غيرهم عنها فصاروا ائمة يدعون الى النار. ويبغونها اي سبيل الله عوجا. اي يجتهدون في وتشيينها وتهجينها لتصير عند الناس غير مستقيمة. فيحسنون الباطل ويقبحون الحق. قبحهم الله وهم بالاخرة هم كافرون يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون اولئك لم يكونوا معجزين في الارض اي ليسوا فائتين الله لانهم تحت قبضته وفي سلطانه وما كان له من دون الله من اولياء فيدفعون عنهم المكروه او يحصلون لهم ما ينفعهم بل تقطعت بهم الاسباب يضاعف لهم العذاب. اي يغلظ ويزاد لانهم ظلوا بانفسهم واضلوا غيرهم. ما كانوا يستطيعون السمع اي من بغضهم للحق ونفورهم عنه ما كانوا يستطيعون ان يسمعوا ايات الله سماعا ينتفعون به. فما لهم عن التذكرة معرضين؟ كانهم حمر فرت من قسورة وما كانوا يبصرون. اي ينظرون نظر عبرة وتفكر فيما ينفعهم. وانما هم كالصم البكم الذين لا اولئك الذين خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون اولئك الذين خسروا انفسهم حيث فوتوها اعظم الثواب. واستحقوا اشد العذاب. وضل عنهم ما كانوا يفترون محل دينهم الذي يدعون اليه ويحسنونه ولم تغني عنهم الهتهم التي يعبدون من دون الله لما جاء امر ربك. لا جرم انهم في الاخرة هم الاخسرون. لا جرم اي حقا وصدقا انهم في الاخرة هم الاخسرون حصل الخسارة فيهم بل جعل لهم منه اشده لشدة حسرتهم وحرمانهم وما يعانون من المشقة من العذاب. نستجير بالله من حالهم ولما ذكر حال الاشقياء ذكر اوصاف السعداء وما لهم عند الله من الثواب. فقال الصالحات واخبتوا الى ربهم اولئك اصحاب الجنة واخبتوا الى ربهم اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون. يقول تعالى ان الذين امنوا بقلوبهم اي صدقوا واعترفوا لما امر الله بالايمان به من اصول الدين وقواعده. وعملوا الصالحات المشتملة على اعمال القلوب والجوارح واقوال اللسان. واخبتوا الى ربهم اي خضعوا له واستكانوا لعظمته. وذلوا لسلطانه وانابوا اليه بمحبته وخوفه ورجائه والتضرع اليه. اولئك الذين جمعوا تلك الصفات اصحاب الجنة هم فيها خالدون. لانهم لم يتركوا من الخير مطلبا انا ادركوه ولا خيرا الا سبقوا اليه. مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسمين هل يستويان مثلا افلا تذكرون مثل الفريقين اي فريق فريق الاشقياء وفريق السعداء كالاعمى والاصم. هؤلاء الاشقياء والبصير والسميع مثل السعداء. هل يستويان مثلا لا يستوون مثلا بل بينهما من الفرق ما لا يأتي عليه الوصف. افلا تذكر يتذكرون الاعمال التي تنفعكم فتفعلونها. والاعمال التي تضركم فتتركونها. ولقد ارسلنا نوحا الى قومه دينكم نذير مبين. اي ولقد ارسلنا رسولنا نوحا اول المرسلين الى قومه. يدعوهم الى الله وينهاهم عن الشرك. فقال اني لكم نذير مبين. اي بينت لكم ما انذرتكم به بيانا زال به الاشكال الا تعبدوا الا الله اي اخلصوا العبادة لله وحده واتركوا كل ما يعبد من دون الله. اني اخاف عليكم عذاب يوم اليم. ان لم تقوموا بتوحيد الله وتطيعوني. فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا فقال الملأ الذين كفروا من قومه اي الاشراف والرؤساء رادين لدعوة عليه السلام كما جرت العادة لامثالهم انهم اول من رد دعوة المرسلين. ما نراك الا بشرا مثلنا وهذا مانع بزعمهم عن اتباعه مع انه في نفس الامر هو الصواب الذي لا ينبغي غيره. لان البشر يتمكن البشر ان يتلقوا عنه. ويراجعوه في كل امر. بخلاف الملائكة ما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا. اي ما نرى اتبعك منا الا الاراذل والسفلة بزعمهم. وهم في الحقيقة الاشراف اهل العقول الذين انقادوا للحق. ولم يكونوا كالاراضي للذين يقال لهم الملأ. الذين اتبعوا كل شيطان مريد واتخذوا الهة من الحجر والشجر يتقربون اليها ويسجدون لها. فهل ترى ارذل من هؤلاء واخس؟ وقولهم بادي الرأي اي انما اتبعوك من غير تفكر قوية بل بمجرد ما دعوتهم اتبعوك يعنون بذلك انهم ليسوا على بصيرة من امرهم. ولم يعلموا ان الحق المبين تدعو اليه بداهة العقول وبمجرد ما يصل الى اولي الالباب يعرفونه ويتحققونه. لا كالامور الخفية التي تحتاج الى تأمل وفكر طويل. وما نرى لكم علينا من فضل اي لستم افضل منا فننقاد لكم. بل نظنكم كاذبين وكذبوا في قولهم هذا فانهم رأوا من الايات التي جعلها الله مؤيدة لنوح ما يوجب لهم الجزم التام على صدقه. ولهذا قال لهم نوح مجاوبا انها كارهون. يا قومي ارأيتم ان كنت على بينة من ربي. اي على يقين وجزم. يعني وهو الرسول كامل القدوة. الذي له اولو الالباب ويضمحل في جنب عقله عقول الفحول من الرجال. وهو الصادق حقا. فاذا قال اني على بينة من ربي فحسبك بهذا القول شهادة له وتصديقا. واتاني رحمة من عنده اي اوحى الي وارسلني ومن علي بالهداية. فعميت عليكم اي خفيت عليكم وبها تثاقلتم. انلزمكموها؟ اي انكرهكم على ما تحققناه؟ وشككتم انتم فيه؟ وانتم لها كارهون حتى حرصتم على رد ما جئت به. ليس ذلك ضارنا وليس بقادح من يقيننا فيه. ولقولكم وافتراؤكم علينا صادا لنا عما كنا عليه وانما غايته ان يكون صادا لكم انتم وموجبا لعدم انقيادكم للحق. الذي تزعمون انه باطل. فاذا وصلت الحال الى هذه الغاية فلا نقدر على اكراهكم على ما امر الله. ولا الزامكم ما نفرتم عنه. ولهذا قال انهزمكموها وانتم لها كارهون اسألكم عليه مالا ان اجري الا على الله وما انا بطارد الذين امنوا انهم ملاقوا ربهم ولكن اني اراكم قوما تجهلون. ويقومي لا اسألكم عليه اي على دعوتي اياكم ما لا فتستثقلون ان اجري انا على الله وكانهم طلبوا منه طرد المؤمنين الضعفاء. فقال لهم وما انا بطارد الذين امنوا اي ما ينبغي ولا يليق بذلك بل اتلقاهم بالرحب والاكرام والاعزاز والاعظام. انهم ملاقوا ربهم فمثيبهم على ايمانهم وتقواهم بجنات النعيم ولكني اراكم قوما تجهلون. حيث تأمرونني بطرد اولياء الله وابعادهم عني. وحيث رددتم الحق لانهم اتباعه. وحيث استدلتم على بطلان الحق بقولكم اني بشر مثلكم. وانه ليس لنا عليكم من فضل. ويا قوم من ينصرني تالله ان طردتهم فلا تذكرون. ويا قوم من ينصرني من الله ان طردتهم. اي من يمنعني من عذابه. فان موجب للعذاب والنكال الذي لا يمنعه من دون الله مانع. افلا تذكرون ما هو الانفع لكم والاصلح؟ وتدبرون الامور. ولا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك. ولا اقول للذين ستزدري اعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في انفسهم اني اذا لمن الظالمين ولا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك. اي غاية اني رسول الله اليكم. ابشركم وانذركم واما ما عدا ذلك فليس بيدي من الامر شيء. فليست خزائن الله عندي ادبرها انا. واعطي من اشاءوا احرم من اشاء. ولا اعلم الغيب فاخبركم بسرائركم وبواطنكم ولا اقول اني ملك والمعنى اني لا ادعي رتبة فوق رتبتي ولا منزلة سوى المنزلة التي انزلني الله بها ولا احكم على الناس بظني. ولا اقول للذين تزدري اعينكم اي ضعفاء مؤمنين. الذين يحتقرهم الملأ الذين كفروا ان يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في انفسهم. فان كانوا صادقين في ايمانهم فلهم الخير الكثير. وان كانوا غير ذلك فحسابهم على الله اني اذا اي ان قلت لكم شيئا مما تقدم لمن الظالمين. وهذا تأييس منه عليه الصلاة والسلام لقومه. ان ينبذ فقراء المؤمنين حين او يمقتهم وتقنيع لقومه بالطرق المقنعة للمنصف. فلما رأوه لا ينكف عما كان عليه من دعوتهم. ولم يدركوا منه مطلوبهم قالوا يا نوح قد جادلتنا فاكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين. قالوا يا نوح قد جادلتنا فاكثرت جدالنا. فاتنا بما تعدنا من العذاب ان كنت من الصادقين. فما اجهلهم واضلهم حيث قالوا هذه المقالة نبيهم الناصح. فهلا قالوا ان كانوا صادقين. يا نوح قد نصحتنا واشفقت علينا ودعوتنا الى امر لم يتبين لنا. فنريد منك ان تبينه لمن قاد لك والا فانت مشكور في نصحك. لكان هذا الجواب منصف الذي قد دعي الى امن خفي عليه ولكنهم في قولهم كاذبون وعلى نبيهم متجرؤون. ولم يردوا ما قاله بادنى شبهة. فضلا عن ان يردوه بحجة. ولهذا عدلوا من جهلهم وظلمهم الى الاستعجال بالعدل وتعجيز الله ولهذا اجابهم نوح عليه السلام بقوله وما انتم بمعجزين. انما يأتيكم به الله ان شاء. اي ان اقتضت وحكمته ان ينزله بكم فعل ذلك. وما انتم بمعجزين لله. وانا ليس بيدي من الامر شيء ان اردت ان يغويكم هو ربكم واليه ترجعون كن ولا ينفعكم نصحي ان اردت ان انصح لكم ان كان الله يريد ان يغويكم. اي ان ارادة الله غالبة فانه اذا اراد ان يغويكم الحق فلو حرصت غاية مجهودي ونصحت لكم اتم النصح وهو قد فعل عليه السلام فليس ذلك بنافع لكم شيئا هو ربكم افعلوا بكم ما يشاء ويحكم فيكم بما يريد. واليه ترجعون فيجازيكم باعمالكم. ام يقولون افتراه قل ان افتريته ام يقولون افتراه هذا الضمير ان يعود الى نوح كما كان السياق في قصته مع قومه. وان المعنى ان قومه يقولون افترى على الله كذبا. وكذب بالوحي الذي يزعم وانه من الله وان الله امره ان يقول قل ان افتريته فعلي اجرامي وانا بريء مما تجرمون اي كل عليه وزره ولا وزيرة وزر اخرى. ويحتمل ان يكون عائدا الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وتكون هذه الاية معترضة في اثناء قصة نوح وقومه لانها من الامور التي لا يعلمها الا الانبياء. فلما شرع الله في قصها على رسوله وكانت من جملة الايات الدالة على صدقه ورسالته. ذكر تكذيب قومه له مع البيان التام فقال ام يقولون افتراه؟ اي هذا القرآن اختلقه محمد من تلقاء نفسه. اي فهذا من اعجب الاقوال وابطلها فانهم يعلمون انه لم يقرأ ولم يكتب. ولم يرحل عنهم لدراسة على اهل الكتب. فجاء بهذا الكتاب الذي تحداهم ان يأتوا بسورة مثله فاذا زعموا مع هذا انه افتراه علم انهم معاندون ولم يبق فائدة في حجاجهم بل اللائق في هذه الحال الاعراض عنهم. ولهذا قال قل ان افتريته فعلي اجرامي. اي ذنبي وكذبي وانا بريء مما تجرمون. اي فلم تستلجون في تكذيب؟ وقوله واوحي الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد امن فلا تبتأس بما كانوا واوحي الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد امن. اي قد قسوا فلا تبتأس بما كانوا يفعلون. اي فلا تحزن لا تبالي بهم وبافعالهم. فان الله قد مقتهم واحق عليهم عذابه الذي لا يرد فلا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون. واصنع الفلك باعيننا ووحينا. اي بحفظنا ومرأى ان وعلى مرضاتنا ولا تخاطبني في الذين ظلموا. اي لا تراجعني في اهلاكهم. اي قد حق عليهم القول ونفذ فيهم القدر. فامتثل امر ربه وجعل يصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه ورأوا ما يصنع سخروا منه. قال ان تسخروا منا الان فانا نسخر منكم ما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم. نحن ام انتم وقد علموا ذلك حين حل بهم العقاب حتى اذا جاء امرنا وفارضت النور قل نحمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك قل نحمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق حتى اذا جاء امرنا اي هنا بوقت نزول العذاب بهم وفاردت النور. اي انزل الله السماء بالماء المنهمر. وفجر الارض كلها عيونا حتى التنانير. التي هي محل النار في العادة وابعد ما يكون عن الماء تفجرت فالتقى الماء على امر قد قدر. قلنا لنوح احمل فيها من كل زوجين اثنين اي من كل صنف من اصناف المخلوقات. ذكر وانثى لتبقى مادة سائر الاجناس. واما بقية الاصناف الزائدة عن الزوجين. فلان السفينة لا تطيق حملها واهلك الا من سبق عليه القول ممن كان كافرا. كابنه الذي غرق. ومن امن والحال انه ما امن معه معه الا قليل. وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها ان ربي لغفور رحيم وقال نوح لمن امره الله ان يحملهم يركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها. اي تجري على اسم الله وترسو على اسم الله وتجري بتسخيره وامره ان ربي لغفور رحيم. حيث غفر لنا ورحمنا ونجانا من القوم الظالمين. ثم وصف يا لها كاننا نشاهدها فقال يا بني اركب معنا يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين وهي تجري بهم اي بنوح ومن ركب معه. في موج كالجبال والله حافظها وحافظ اهلها. ونادى نوح ابنه لما ركب ليركب معه وكان ابنه في معزل عنهم حين ركبوا. اي مبتعدا واراد منه ان يقرب ليركب. فقال له يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. فيصيبك ما يصيبهم. فقال ابنه مكذبا لابيه انه لا ينجو الا من ركب معه السفينة قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من امره فلله الا من رحم. وحال بينهما الموج فكان من المغرقين سآوي الى جبل يعصمني من الماء. اي سارتقي جبلا امتنع به من الماء. فقال نوح لا عاصم اليوم من امر الله اله الا من رحم فلا يعصم احدا جبل ولا غيره. ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الاسباب لما نجى ان لم ينجه الله. وحسب ال بينهما الموج فكان الابن من المغرقين. فلما اغرقهم الله ونجى نوحا ومن معه. وقيل يا ارض نعيما ويا سماء واطلعي وغيض الماء تبيض الماء واقضي الامر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالم وقيل يا ارض ابلعي ماءك الذي خرج منك والذي نزل اليك اي ابلعي الماء الذي على وجهك ويا سماء واقلعي فامتثلتا لامر الله فابتلعت الارض ماءها واقلعت السماء. فنضم الماء من الارض وقضي الامر بهلاك المكذبين ونجاة المؤمن منين واستوت السفينة على الجودي اي ارست على ذلك الجبل المعروف في ارض الموصل. وقيل بعدا للقوم الظالمين اي اتبعوا بعدها هلاكهم لعنة وبعدا وسحقا لا يزال معهم ان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين. ونادى نوح ربه فقال ربي ان ابني من اهل وان وعدك الحق. اي وقد قلت لي فاحمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك. ولن تخلف ما وعدتني به. لعله عليه الصلاة والسلام حملته الشفقة. وان الله وعده بنجاة اهله. ظن ان الوعد لعمومهم من امن ومن لم يؤمن. فلذلك دعا ربه بذلك الدعاء ومع هذا ففوض الامر لحكمة الله البالغة. فقال الله له انه عمل غير صالح. فلا تسأل لما ليس لك به علم اني اعظك انت تكون من الجاهلين. انه ليس من اهلك الذين وعدتك بانجائهم انه عمل غير صالح. اي هذا الدعاء الذي انتبه لنجاة كافر لا يؤمن بالله ولا رسوله. فلا تسألني ما ليس لك به علم اي ما لا تعلم عاقبته ومآله. وهل يكون خيرا او غيره اني اعظك ان تكون من الجاهلين. اي اني اعظك وعظا تكون به من الكاملين. وتنجو به من صفات الجاهلين. فحين اذ ندم نوح عليه السلام ندامة شديدة على ما صدر منه وترحمني اكن من الخاسرين. وقال ربي اني اعوذ اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم. والا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين. فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من ان يكون من الخاسرين ودل هذا على ان نوحا عليه السلام لم يكن عنده علم بان سؤاله لربه في نجاة ابنه محرم. داخل في قوله ولا تخاطبني في الذين الم انهم مغرقون. بل تعارض عنده الامران وظن دخوله في قوله واهلك. وبعد ذلك تبين له انه داخل في المنهي عن بالدعاء لهم والمراجعة فيهم. قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم معك وامم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم قيل يا نوح اهبط بالسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك. من الادميين وغيرهم من الازواج التي حملها معه. فبارك الله في الجميع حتى ملأوا اقطار الارض ونواحيها وامم سنمتعهم في الدنيا ثم يمسهم منا عذاب اليم. اي هذا الانجاء ليس بمانع لنا من ان من كفر بعد ذلك احللنا به العقاب وان متعوا قليلا فسيؤخذون بعد ذلك. قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعدما قص عليه هذه القصة المبسوطة التي لا يعلمها الا من من عليه برسالته اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا. فاصبر ان العاقبة المتقين تلك من انباء الغيب نوحيها اليك. ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا. فيقول انه كان يعلمها. فاحمد الله واشكره. واصبر على ما انت عليه من الدين القويم. والصراط المستقيم والدعوة الى الله. ان العاقبين للمتقين الذين يتقون الشرك وسائر المعاصي. فستكون لك العاقبة على قومك. كما كانت لنوح على قومه اي وارسلنا الى عاد وهم القبيلة المعروفة في الاحقاف من ارض اليمن اخاهم في النسب هودا ليتمكنوا من الاخذ عنه والعلم بصدقه قال لهم يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. ان انتم الا مفترون. اي امرهم بعبادة الله وحده ونهاهم عما هم عليه من عبادة غيره في الله واخبرهم انهم قد افتروا على الله الكذب في عبادتهم لغيره. وتجويزهم لذلك ووضح لهم وجوب عبادة الله وفساد عبادة ما سواه ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال يا قومي لا اسألكم عليه اجرا اي غرامة من اموالكم على ما دعوتكم اليه فتقولوا هذا يريد ان يأخذ اموالنا وانما ادعوكم واعلمكم مجانا. ان اجري الا على الذي فطرني. افلا تعقلون ما ادعوكم اليه؟ وانه موجب لقبول بتقول ايه؟ منتف المانع عن رده. ويا قومي استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء ولا تتولوا مجرمين يا قومي استغفروا ربكم عما مضى منكم ثم توبوا اليه فيما تستقبلونه بالتوبة النصوح والانابة الى الله تعالى فانكم اذا فعلتم ذلك يرسل السماء عليكم مدرارا بكثرة الامطار التي تخصب بها الارض ويكثر خيرها. ويزدكم قوة الى قوتكم فانهم كانوا من اقوى الناس ولهذا قالوا من اشد منا قوة؟ فوعدهم انهم ان امنوا زادهم قوة الى قوتهم ولا تتولوا عنه. اي عن ربكم مجرمين. اي مستكبرين عن عبادته. متجرئين على محارمه. فقال رادين لقوله لك بمؤمنين. يهود ما جئتنا ببينة. ان كان قصدهم بالبينة البينة التي يقترحونها فهذه غير لازمة للحق بل اللازم ان يأتي النبي باية تدل على صحة ما جاء به. وان كان قصدهم انه لم يأتهم ببينة تشهد لما قاله بالصحة فقد كذبوا في ذلك فانه ما جاء نبي لقومه الا وبعث الله على يديه من الايات ما يؤمن على مثله البشر. ولو لم يكن له اية الا دعوته واياهم لاخلاص الدين لله وحده لا شريك له. والامر بكل عمل صالح وخلق جميل. والنهي عن كل خلق ذميم. من الشرك بالله والفواحش والظلم وانواع المنكرات مع ما هو مشتمل عليه هود عليه السلام من الصفات التي لا تكون الا لخيار الخلق واصدقهم. لكفى بها ايات ادلة على صدقه بل اهل العقول واولو الالباب يرون ان هذه الاية اكبر من مجرد الخوارق التي يراها بعض الناس. هي المعجزات فقط ومن اياته وبيناته الدالة على صدقه انه شخص واحد ليس له انصار ولا اعوان وهو يصرخ في قومه ويناديهم ويعجزهم يقول لهم اني توكلت على الله ربي وربكم اني اشهد الله واشهد اني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا ينظرون وهم الاعداء الذين لهم السطوة والغلبة. ويريدون اطفاء ما معه من النور. باي طريق كان وهو غير مكترث بهم. ولا مبالي بهم وهم عاجزون لا يقدرون ان ينالوهم بشيء من السوء. ان في ذلك لايات لقوم يعقلون. وقولهم وما نحن بتارك عن قولك اي لا نترك عبادة الهتنا لمجرد قولك الذي ما اقمت عليه بينة بزعمهم. وما نحن لك بمؤمنين. وهذا تأييس منهم لنبيهم هود عليه السلام في ايمانهم. وانهم لا يزالون في كفرهم يعمهون قال اني اشهد الله واشهد اني بريء ان نقول فيك الا اعتناك بعض ال جهتنا بسوء اي اصابتك بخبال وجنون فصرت تهذي بما لا يعقل. فسبحان من طبع على قلوب الظالمين. كيف جعلوا اصدق الخلق الذي جاء حق الحق بهذه المرتبة التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم. لولا ان الله حكاها عنهم. ولهذا بين هود عليه الصلاة والسلام ان انه وافق غاية الوثوق انه لا يصيبه منهم ولا من الهتهم اذى. فقال اني اشهد الله واشهد اني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا. اي اطلبوا لي الضرر كلكم. بكل طريق تتمكنون بها مني. ثم لا تنظرون. اي لا تهملوني توكلت على الله ربي وربكم ما من دار الا اني توكلت على الله اي في امري كله على الله ربي وربكم اي هو خالق الجميع. ومدبرنا واياكم وهو الذي ربانا. ما من دابة الا هو بناصيتها فلا تتحرك ولا تسكن الا باذنه. فلو اجتمعتم جميعا على الايقاع بي. والله لم يسلطكم علي لم تقدروا على ذلك فان سلطكم فلحكمة ارادها فان ربي على صراط مستقيم. اي على عدل وقسط وحكمة وحمد في قضائه وقدره. في شرعه امره وفي جزائه وثوابه وعقابه لا تخرج افعاله عن الصراط المستقيم. التي يحمد ويثنى عليه بها ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا فان تولوا عما دعوتكم اليه فقد ابلغتكم ما ارسلت به اليكم فلم علي تبعة من شأنكم ويستخلف ربي قوما غيركم يقومون بعبادته ولا يشركون به شيئا. ولا تضرونه شيئا ضرركم انما يعود عليكم فالله لا تضره معصية العاصين. ولا تنفعه طاعة المطيعين. من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليه ان ربي على كل شيء حفيظ ولما جاء امرنا اي عذابنا بارسال الريح العقيم التي ما تذر من شيء اتت عليه الا جعلته كالرميم نجينا هودا والذين امنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ. اي عظيم شديد احله الله بعاد فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم وتلك عاد الذين اوقع الله بهم ما اوقع بظلم منهم لانهم جحدوا بايات ولهذا قالوا ليهود ما جئتنا ببينة. فتبين بهذا انهم متيقنون لدعوته. وانما عاندوا وجحدوا وعصوا رسله لان من عصى رسولا فقد عصى جميع المرسلين. لان دعوتهم واحدة واتبعوا امر كل جبار اي متسلط على عباد الله بالجبروت عنيد اي معاند لايات الله. فعصوا كل ناصح ومشفق عليهم. واتبعوا كل غاش لهم يريد اهلاكهم. لا جرم اهلكهم الله واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة. الا ان عادا كفروا ربهم على بعد واتبعوا في هذه الدنيا لعنة فكل وقت وجيل الا ولأنبائهم القبيحة واخبار الشنيعة ذكر يذكرون به. وذم يلحقهم ويوم القيامة لهم ايضا لعنة. الا ان عادا كفروا ربهم اي جحدوا من خلقهم ورزقهم ورباهم. الا بعدا لعاد قوم هود. اي ابعدهم الله عن كل خير. وقربهم من كل شر صالحا قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره وانشأكم من الارض استعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا اليه ان ربي قريب مجيب. اي وارسلنا الى ثمود وهم عادوا الثانية. المعروفون الذين يسكنون الحجر. ووادي القرى. اخاهم في النسب صالحا. عبدالله ورسوله صلى الله عليه وسلم يدعوهم الى عبادة الله وحده. فقال يا قومي اعبدوا الله اي وحدوه واخلصوا له الدين. ما لكم من اله غيره. لا من اهل السماء ولا من اهل الارض هو انشأكم من الارض اي خلقكم فيها واستعمركم فيها اي استخلفكم فيها وانعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة ومكنكم في الارض تبنون وتغرسون وتزرعون وتحرثون ما شئتم وتنتفعون بمنافعها وتستغلون مصالحها. فكما انه لا شريك له في جميع ذلك فلا تشركوا به في عبادته. فاستغفروه مما صدر منكم من الكفر والشرك والمعاصي. واقلعوا عنها ثم توبوا اليه اي ارجعوا اليه بالتوبة النصوح والانابة. اي قريب ممن دعاه دعاء مسألة او دعاء عبادة يجيبه باعطائه سؤله وقبول دعوته واثابته عليها اجل الثواب. واعلم ان قربه تعالى نوعان عام وخاص فالقرب العام قرب بعلمه من جميع الخلق وهو المذكور في قوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد والقرب الخاص قرب من عباده وسائليه ومحبيه. وهو المذكور في قوله تعالى واسجد واقترب. وفي هذه الاية وفي قوله تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع. وهذا النوع قرب يقتضي الطافه تعالى واجابته لدعواتهم. وتحقيقه لمراداتهم ولهذا يقرن باسمه القريب اسمه المجيب. فلما امره نبيهم صالح عليه السلام ورغبهم في الاخلاص لله وحده. ردوا عليه دعوته وقابلوه اشنع المقابلة قالوا يا صالح وقد كنت فينا مرجو قبل هذا. اي قد كنا نرجوك ونأمل فيك العقل والنفع. وهذا شهادة منهم لنبيهم صالح. انه ما زال معروفا الاخلاق ومحاسن الشيم وانه من خيار قومه. ولكنه لما جاءهم بهذا الامر الذي لا يوافق اهواءهم الفاسدة. قالوا هذه المقالة التي مضمونها انك قد كنت كاملا. والان اخلفت ظننا فيك. وصرت بحالة لا يرجى منك خير. وذنبه ما قالوه عنه وهو قولهم اتنهانا ان نعبد ما يعبد اباؤنا؟ وبزعمهم ان هذا من اعظم القدح في صالح. كيف قدح في عقولهم وعقول ابائهم الضالين وكيف ينهاهم عن عبادة من لا ينفع ولا يضر. ولا يغني شيئا من الاحجار والاشجار ونحوها. وامرهم باخلاص الدين لله ربهم. الذي لم تزل نعمه عليهم تترى. واحسانه عليهم دائما ينزل. الذي ما بهم من نعمة الا منه. ولا يدفع عنهم السيئات الا هو. واننا لفي مما تدعونا اليه مريب. اي ما زلنا شاكين فيما دعوتنا اليه شكا مؤثرا في قلوبنا الريب. وبزعمهم انهم لو علموا صحة ما دعاهم اليه لاتبعوه وهم كذبة في ذلك. ولهذا بين كذبهم في قوله قال يا قومي ارأيتم ان كنت على بينة من ربي اي برهان ويقين مني واتاني منه رحمة. اي من علي برسالته ووحيه اي افأتابعكم على ما انتم عليه وما تدعونني اليه. فمن ينصرني من الله ان عصيته. فما تزيدونني غير تقصير. اي غير خسارة وتباب وضرر ويا قومي هذه ناقة الله لكم اية لها شرب من البئر يوم ثم يشربون كلهم من ضرعها ولهم شرب يوم معلوم. فذروها تأكل في ارض الله اي ليس عليكم من مؤنتها وعلفها شيء. ولا مسوها بسوء اي بعقل فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال لهم صالح تمتعوا في داركم ثلاثة ايام. ذلك وعد غير بل لا بد من وقوعه ان ربك هو القوي العزيز. فلما جاء امرنا بوقوع العذاب نجينا صالحا والذين امنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ. اي نجيناه من العذاب والخزي والفضيحة. ان ربك هو القوي العزيز ومن قوته وعزته ان اهلك الامم الطاغية ونجى الرسل واتباعهم في ديارهم جاثمين. واخذ الذين ظلموا الصيحة العظيمة فقطعت قلوبهم فاصبحوا في ديارهم جاثمين. اي حامدين لا حراك لهم كأن لم يغنوا فيها اي كأنهم لما جاءهم العذاب ما تمتعوا في ديارهم ولا انسوا بها. ولا تنعموا بها يوما من الدهر. قد فارقهم النعيم وتناولهم العذاب السرمدي الذي لا ينقطع الذي كانه لم يزل. الا ان ثمود كفروا ربهم اي جحدوه بعد ان جاءتهم الاية مبصرة الا بعدا لثمود. فما اشقاهم واذلهم. نستجير بالله من عذاب الدنيا وخزيها. ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ ايوه لقد جاءت رسلنا من الملائكة الكرام رسولنا ابراهيم الخليل بالبشرى اي بالبشارة بالولد حين ارسلهم الله لاهلاك قوم لوط وامرهم ان يمروا على ابراهيم فيبشروه باسحاق. فلما دخلوا عليه قالوا سلاما قال سلام. اي سلموا عليه ورد عليهم السلام ففي هذا مشروعية السلام وانه لم يزل من ملة ابراهيم عليه السلام. وان السلام قبل الكلام وانه ينبغي ان يكون الرد ابلغ من الابتداء لان سلامهم بالجملة الفعلية الدالة على التجدد. ورده بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار. وبينهما فرق كبير كما ما هو معلوم في علم العربية؟ فما لبث ابراهيم لما دخلوا عليه ان جاء بعجل حنيذ. اي بادر لبيته فاستحمر لاضيافه عجلا مشهورا على الرف سمينا فقربه اليهم فقال الا تأكلون ثم اوجس منهم خيفة قالوا لا تقف انا ارسلنا الى قوم لوط. فلما رأى ايديهم لا تصل اليه اي الى تلك الضيافة نكرهم واوجس منهم خيفة. وظن انهم اتوه بشر ومكروه. وذلك قبل ان يعرف امرهم. فقالوا لا تخف انا ارسلنا الى قوم لوط اي انا رسل الله ارسلنا الله الى اهلاك قوم لوط. وامرأته قائمة وامرأة ابراهيم قائمة تخدم اضيافه فضحكت حين سمعت بحالهم وما ارسلوا به تعجبا. فبشرناها باسحاق. ومن وراء اسحاق يعقوب. فتعجبت من ذلك وقالت يا ويلتى االد وانا انا عجوز وهذا بعلي شيخا. فهذان مانعان من وجود الولد. ان هذا لشيء عجيب. قالوا اتعجبين من امر الله انه حميد مجيد. قالوا اتعجبين من امر الله فان امره لا عجب فيه لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء. فلا يستغرب على قدرته شيء. وخصوصا فيما يدبره ويمضيه لاهل هذا البيت المبارك رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت. اي لا تزال رحمته واحسانه وبركاته. وهي الزيادة من خيره واحسانه وحلول الخير الالهي على العبد عليكم اهل البيت. انه حميد مجيد. اي حميد الصفات لان صفاته صفات كمال الافعال لان افعاله احسان وجود وبر وحكمة وعدل وقسط. مجيد والمجد هو عظمة الصفات وسعتها فله صفات الكمال وله من كل صفة كمال اكملها واتمها واعمها فاته البشرى يجادلنا في قوم لوط. فلما ذهب عن ابراهيم الروع الذي اصابه من خيفة اضيافه. وجاءته البشرى وبالولد التفت حينئذ الى مجادلة الرسل في اهلاك قوم لوط وقال لهم ان فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لن واهله الا امرأته. ان ابراهيم لحليم بخلق حسن وسعة صدر وعدم غضب عند جهل الجاهلين. اواه اي متضرع الى الله في جميع الاوقات. منيب. اي رجاع الى الله بمعرفته ومحبته والاقبال عليه والاعراض عمن سواه. فلذلك كان يجادل عمن حتم الله بهلاكهم. فقيل له يا ابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك يا ابراهيم اعرض عن هذا الجدال انه قد جاء امر ربك بهلاكهم وانهم اتيهم عذاب غير مردود فلا فائدة في لذلك ولما جاءت رسلنا اي الملائكة الذين صدروا من ابراهيم لما اتوا لوطا سيء بهم اي شق عليه مجيئهم وضاق وبهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب. اي شديد حرج لانه علم ان قومه لا يتركونهم. لانهم في صور شباب جرد مرض في غاية الكمال والجمال. ولهذا وقع ما خطر بباله. وجاءه قومه يهرعون اليه ومن قبل كانوا يعملون قال يا قوم هؤلاء بناتيهن اطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في فجاءه قومه يهرعون اليه اي يسرعون ويبادرون يريدون اضيافه فاحشة التي كانوا يعملونها. ولهذا قال ومن قبل كانوا يعملون السيئات. اي الفاحشة التي ما سبقهم عليها احد من العالمين قال يا قومي هؤلاء بناتي هن اطهر لكم من اضيافي. وهذا كما عرض لسليمان عليه الصلاة والسلام على المرأتين ان يشق الولد المختص في استخراج الحق ولعلمه ان بناته ممتنع منالهن. ولا حق لهم فيهن. والمقصود الاعظم دفع هذه الفاحشة الكبرى فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي. اي اما ان تراعوا تقوى الله واما ان تراعوني في ضيفي. ولا تخزوني عندهم. اليس منكم رجل فينهاكم ويزجركم وهذا دليل على مروجهم وانحلالهم من الخير والمروءة فقالوا له لقد علمت ما لنا في بناتك من حق. وانك لتعلم ما نريد. اي لا اريد الا الرجال ولا لنا رغبة في النساء. فاشتد قلق لوط عليه الصلاة والسلام وقال لو ان لي بكم قوة او اوي الى ركن شديد. كقبيلة مانعة لمنعتكم بحسب الاسباب المحسوسة والا فانه يأوي الى اقوى الاركان وهو الله الذي لا يقوم لقوته احد. ولهذا لما بلغ الامر منتهاه اشتد الكرب قالوا له من الليل ولا يلتفت منكم احد الا امرأتك. انه مصيبها ما اصابهم انا رسل ربك اي اخبروه بحالهم ليطمئن قلبه. لن يصلوا اليك بسوء ثم قال جبريل بجناحه فطمس اعينهم فانطلقوا يتوعدون لوطا بمجيء الصبح. وامر الملائكة لوطا ان يسري باهله بقطع من الليل اي بجانب منه قبل الفجر بكثير ليتمكنوا من البعد عن قريتهم ولا يلتفت منكم احد اي بادروا بالخروج وليكن همكم النجاة ولا تلتفتوا الى ما وراءكم الا امرأتك انه مصيبها من العذاب ما اصابهم. لانها تشارك قومها في الاثم. فتدلهم على مضياف لوط اذا نزل به اضياف. ان موعدهم الصبح فكأن لوطا استعجل ذلك فقيل له اليس الصبح بقريب فجاء امرنا جعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليها حجارة من سجيل فلما جاء امرنا بنزول العذاب واحلاله فيهم جعلنا ديارهم عاليها سافلها. اي قلبناها عليهم وامطرنا عليها حجارة من سجيل. اي من حجارة النار الشديدة الحرارة منضود اي متتابعة تتبع من شذ عن القرية مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد مسومة عند ربك اي عليها علامة العذاب والغضب وما هي من الظالمين الذين يشابهون لفعل قوم لوط ببعيد. فليحذر العباد ان يفعلوا كفعلهم لان لا يصيبهم ما اصابهم اي وارسلنا الى مدين القبيلة المعروفة الذين يسكنون مدين في ادنى فلسطين. اخاهم في النسب شعيب لانهم يعرفونه وليتمكنوا من الاخذ عنه. فقال لهم يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. اي اخلصوا له العبادة فانهم كانوا يشركون به وكانوا مع شركهم يبخسون المكيال والميزان. ولهذا نهاهم عن ذلك فقال ولا تنقصوا المكيال والميزان اوفوا الكيل والميزان بالقسط. اني اراكم بخير اي بنعمة كثيرة وصحة. وكثرة اموال وبنين. فاشكروا الله على ما اعطاكم ولا تكفروا نعمة الله فيزيلها عنكم. اني اخاف عليكم عذاب يوم محيط. اي عذابا يحيط بكم. ولا يبقي منكم باقية ويا قوم انفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعسوا في الارض سنين ويا قومي اوفوا المكيال والميزان بالقسط. اي بالعدل الذي ترضون ان تعطوه ولا تبخسوا الناس اشياءهم. اي لا تنقصوا من الناس فتسرقوها باخذها بنقص المكيال والميزان. ولا تعثوا في الارض مفسدين. فان الاستمرار على المعاصي يفسد الاديان والعقائد الدين والدنيا ويهلك الحرث والنسل. بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين وما انا عليكم بقية الله خير لكم. اي يكفيكم ما ابقى الله لكم من الخير. وما هو لكم فلا تطمعوا في امر لكم عنه غنية وهو ضار لكم جدا. ان كنتم مؤمنين فاعملوا بمقتضى الايمان وما انا عليكم بحفيظ. اي لست بحافظ لاعمالكم ووكيل عليها وانما الذي يحفظها الله تعالى. واما انا فابلغكم ما ارسلت به نترك ما يعبد اباؤنا او ان نفعل في اموالنا ما نشاء. انك انت الحليم الرشيد. قالوا يا شعيب اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد اباؤنا؟ اي قالوا ذلك على وجه التهكم بنبيهم والاستبعاد لاجابتهم له. ومعنى كلامهم انه لا موجب لنهيك لنا. الا انك تصلي لله وتتعبد له. افان كنت ذلك افيوجب لنا ان نترك ما يعبد اباؤنا؟ لقول ليس عليه دليل الا انه موافق لك. فكيف نتبعك ونترك ابائنا الاقدمين اولي العقول والالباب. وكذلك لا يوجب قولك لنا ان تفعل في اموالنا ما قلت لنا من وفاء الكيل والميزان واداء الحقوق الواجبة فيها بل لا نزال نفعل فيها ما شئنا لانها اموالنا. فليس لك فيها تصرف. ولهذا قالوا في تهكمهم انك لانت الحليم رشيد اي انك انت الذي الحلم والوقار لك خلق. والرشد لك سجية فلا يصدر عنك الا رشد. ولا تأمر الا برشد ولا تنهى الا عن غي اي ليس الامر كذلك. وقصدهم انه موصوف بعكس هذين الوصفين. بالسفه والغواية. اي ان المعنى كيف تكون انت الحليم رشيد واباؤنا هم السفهاء الغاوون. وهذا القول الذي اخرجوه بصيغة التهكم. وان الامر بعكسه ليس كما ظنوه. بل الامر كما قالوا ان صلاته تأمره ان ينهاهم عما كان يعبد اباؤهم الضالون. وان يفعلوا في اموالهم ما يشاؤون. فان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر واي فحشاء ومنكر اكبر من عبادة غير الله. ومن منع حقوق عباد الله او سرقتها بالمكاييل والموازين. وهو عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد قال لهم شعيب قال يا قوم ارأيتم ان كنت على بينة من ربي ورزقني منهم رزقا حسنا وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا لله عليه توكلت واليه ينيب. يا قومي ارأيتم ان كنت على بينة من ربي اي يقين وطمأنينة في صحة ما جئت به. ورزقني منه رزقا حسنا. اي اعطاني الله من اصناف المال ما اعطاني. وانا لا اريد ان اخالف الى ما انهاكم عنه. فلست اريد ان انهاكم عن البخس في المكيال والميزان. وافعله انا. وحتى تتطرق الي التهمة في ذلك. بل ما ينهاكم عن امر الا وانا اول مبتدر لتركه. ان اريد الا الاصلاح ما استطعت. اي ليس لي من المقاصد الا ان تصلح احوالكم وتستقيم منافعكم وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي شيء بحسب استطاعتي. ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس. دفع هذا بقوله وما توفيقي الا الا بالله اي وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير والانفكاك عن الشر. الا بالله تعالى لا بحولي ولا بقوة. عليهم توكلت اي اعتمدت في اموري ووثقت في كفايته. واليه انيب في اداء ما امرني به من انواع العبادات. وفي هذا التقرب اليه بسائر افعاله بالخيرات وبهذين الامرين تستقيم احوال العبد وهما الاستعانة بربه والانابة اليه. كما قال تعالى فاعبده وتوكل عليه وقال اياك نعبد واياك نستعين. ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما ما اصاب قوما نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد قومي لا يجرمنكم شقاقي. اي لا تحملنكم مخالفتي ومشاقتي. ان يصيبكم من العقوبات مثل ما اصاب قوم نوح. او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد. اي لا في الدار ولا في الزمان. واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه واستغفروا ربكم عما اقترفتم من الذنوب ثم توبوا اليه فيما يستقبل من اعمالكم توبة النصوح والانابة اليه بطاعته وترك مخالفته. ان ربي رحيم ودود لمن تاب واناب. يرحمه فيغفر له ويتقبل توبته ويحبه. ومعنى الودود من اسمائه تعالى انه يحب عباده المؤمنين ويحبونه. فهو فعول بمعنى فاعل وبمعنى مفعول ولولا قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول اي تضجروا من نصائحه ومواعظه لهم فقالوا ما نفقه كثيرا مما تقول. وذلك لبغضهم لما يقول ونفرتهم عنه. وانا لنراك فينا ضعيفا اي في نفسك لست من الكبار والرؤساء بل من المستضعفين. ولولا رهقك اي جماعتك وقبيلتك لرجمناك. وما انت علينا اخي عزيز اي ليس لك قدر في صدورنا ولا احترام في انفسنا وانما احترمنا قبيلتك بتركنا اياك. فقال لهم مترققا لهم قال يا قومي ان ربي بما تعملون محيطا. يا قومي ارهطتي اعز عليكم من الله. اي كيف تراعوني لاجل رهطي؟ ولا تراعوني لله فصار رهطي اعز عليكم من الله. واتخذتموه وراءكم ظهريا. اين بثتم امر الله وراء ظهوركم؟ ولم تبالوا به ولا خفتم منه ان ربي بما تعملون محيط. لا يخفى عليه من اعمالكم مثقال ذرة في الارض ولا في السماء. فسيجازيكم على ما عملتم اتم الجزاء ولما اعيوه وعجز عنهم قال ويا قوم اعملوا على مكانتكم وارتقبوا يا قومي اعملوا على مكانتكم. اي على حالتكم ودينكم. اني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه. ويحل عليه عذاب مقيم. انا ام انتم؟ وقد علموا ذلك حين وقع عليهم العذاب. وارتقبوا ما يحل بي اني معكم رقيب لا يحل بكم واخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين. ولما جاء امرنا باهلاك قوم شعيب نجينا شعيبا والذين امنوا معه برحمة منا واخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم لا تسمع لهم صوتا ولا ترى منهم حركة كأن لم يغنوا فيها. اي كأنهم ما اقاموا في ديارهم. ولا تنعموا فيها حين اتاهم العذاب الا بعدا لمدين اذ اهلكها الله واخزاها كما بعد الثمود. اي قد اشتركت هاتان القبيلتان في السحق والبعد والهلاك. وشكرا شعيب عليه السلام كان يسمى خطيب الانبياء لحسن مراجعته لقومه. وفي قصته من الفوائد والعبر شيء كثير. منها ان الكفار كما يعاقبون ويخاطبون باصل الاسلام. فكذلك بشرائعه وفروعه. لان شعيبا دعا قومه الى التوحيد. والى ايفاء المكيال والميزان وجعل الوعيد مرتبا على مجموع ذلك. ومنها ان نقص المكاييل والموازين من كبائر الذنوب. وتخشى العقوبة العاجلة على من تعاطى ذلك ان ذلك من سرقة اموال الناس. واذا كان سرقتهم في المكاييل والموازين موجبة للوعيد. فسرقتهم على وجه القهر والغلبة من باب اولى واحرى ومنها ان الجزاء من جنس العمل. فمن بخس اموال الناس يريد زيادة ماله عوقب بنقيض ذلك. وكان سببا لزوال الخير الذي عنده من الرزق لقوله اني اراكم بخير اي فلا تسببوا الى زواله بفعلكم. ومنها ان على العبد ان يقنع بما اتاه الله ويقنع بالحلال عن الحرام وبالمكاسب المباحة عن المكاسب المحرمة. وان ذلك خير له لقوله. بقية الله خير لكم. ففي ذلك من وزيادة الرزق ما ليس في التكالب على الاسباب المحرمة من المحق. وضد البركة. ومنها ان ذلك من لوازم الايمان واثاره انه رتب العمل به على وجود الايمان. فدل على انه اذا لم يوجد العمل فالايمان ناقص او معدوم. ومنها ان الصلاة لم تزل مشروعة للانبياء المتقدمين وانها من افضل الاعمال حتى انه متقرر عند الكفار فضلها. وتقديمها على سائر الاعمال وانها تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي ميزان للايمان وشرائعه. فباقامتها تكمن احوال العبد وبعدم اقامتها تختل احواله الدينية. ومنها ان المال الذي يرزقه الله الانسان وان كان الله قد خوله اياه فليس له ان يصنع فيه ما يشاء فانه امانة عنده. عليه ان يقيم حق الله فيه باداء ما فيه من الحقوق والامتناع من المكاسب التي حرمها الله ورسوله. لا كما يزعمه الكفار ومن اشبههم ان اموالهم لهم ان يصنعوا فيها ما يشاؤون ويختارون سواء وافق حكم الله او خالفه. ومنها ان من تكملة دعوة الداعي وتمامها. ان يكون اول مبادر لما يأمر غيره به. واول منته عما ينهى غيره عنه. كما قال شعيب عليه السلام وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه. ولقوله تعالى يا ايها الذين امنوا لما تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. ومنها ان وظيفة الرسل وسنتهم وملتهم ارادة بحسب القدرة والامكان فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها او بتحصيل ما يقدر عليه منها. وبدفع المفاسد وتقليلها ويراعون المصالح العامة على المصالح الخاصة. وحقيقة المصلحة هي التي تصلح بها احوال العباد. وتستقيم بها امورهم الدينية والدنيوية. ومنها ان ان من قام بما يقدر عليه من الاصلاح لم يكن ملوما ولا مذموما في عدم فعله ما لا يقدر عليه. فعلى العبد ان يقيم من الاصلاح في نفسه وفي غيره ما يقدر عليه عليه ومنها ان العبد ينبغي له الا يتكل على نفسه طرفة عين. بل لا يزال مستعينا بربه متوكلا عليه. سائلا له التوفيق اذا حصل له شيء من التوفيق فلينسبه لموليه ومسديه ولا يعجب بنفسه لقوله وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب ومنها الترهيب باخذات الامم وما جرى عليهم. وانه ينبغي ان تذكر القصص التي فيها ايقاع العقوبات بالمجرمين. في سياق الوعظ والزجر كما انه ينبغي ذكر ما اكرم الله به اهل التقوى عند الترغيب والحث على التقوى. ومنها ان التائب من الذنب كما يسمح له عن به ويعفى عنه فان الله تعالى يحبه ويوده. ولا عبرة بقول من يقول ان التائب اذا تاب فحسبه ان يغفر له. ويعود عليه عفوا واما عود الود والحب فانه لا يعود فان الله قال واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربي رحيم ودود ومنها ان الله يدفع عن المؤمنين باسباب كثيرة. قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئا منها. وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم او اهل وطنهم الكفار كما دفع الله عن شعيب ردم قومه بسبب رهطه. وان هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الاسلام والمسلمين. لا بأس فيها ربما تعين ذلك لان الاصلاح مطلوب على حسب القدرة والامكان. فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الافراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان اولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية وتحرص على ابادتها وجعلهم عملة وخدما لهم. نعم ان امكن ان تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام والمتعين ولكن لعدم امكان هذه المرتبة. فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة. والله اعلم يقول تعالى ولقد ارسلنا موسى ابن عمران باياتنا الدالة على صدق ما جاء به كالعصا واليد ونحوهما من الايات التي اجراها الله على يدي موسى عليه السلام. وسلطان مبين اي حجة ظاهرة بينة. ظهرت ظهور الشمس الى فرعون وملأه فاتبعوا امر فرعون وما امر فرعون برشيد. الى فرعون وملأه اي اشراف قومه لانهم المتبوعون وغيرهم تبع لهم. فلم ينقادوا لما مع موسى من الايات التي اراهم اياها. كما تقدم بسطها في سورة الاعراف. ولكنهم فاتبعوا امر فرعون وما امر فرعون برشيد. بل هو ضال غاو لا يأمر الا بما هو ضرر محض. لا جرم لما اتبعه قومه ارداهم واهلكهم واتبعوا في هذه اي في الدنيا لعنة ويوم القيامة ان يلعنهم الله وملائكته والناس اجمعون في الدنيا والاخرة. بئس الرفد المرفود اي بئس ما اجتمع لهم وترادف عليهم من عذاب الله ولعنة الدنيا والاخرة. ولما ذكر قصص هؤلاء الامم مع رسولهم. قال الله تعالى لرسوله ذلك ذلك من انباء القرآن وهو عليك لتنذر به. ويكون اية على رسالتك. وموعظة وذكرى للمؤمنين. منها قائم لم يتلف. بل بقي من اثار ديارهم ما يدل صلوا عليهم ومنها حصيد قد تهدمت مساكنهم واضمحلت منازلهم فلم يبق لها اثر وما ظلمناهم باخذهم بانواع العقوبات ولكن ظلموا انفسهم بالشرك والكفر والعناد. فما اغنت عنهم الهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء امر ربك. وهكذا كل من التجأ الى غير الله لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد. وما زادوهم غير تطبيب اي خسار ودمار. بالضد مما خطر ببالهم بك اذا اخذ القرى وهي ظالمة ان اخذه اليم شديد. ايقسمهم بالعذاب ويبيدهم ولا ما كانوا يدعون من دون الله من شيء ان في ذلك المذكور من اخذه للظالمين بانواع العقوبات اللي من خاف عذاب الاخرة. اي لعبرة ودليلا على ان اهل الظلم والاجرام لهم العقوبة الدنيوية. والعقوبة الاخروية ثم انتقل من هذا الى في الاخرة فقال ذلك يوم مجموع له الناس. اي جمعوا لاجل ذلك اليوم للمجازة. وليظهر لهم من عظمة الله وسلطانه وعدله العظيم ما به يعرفونه حق المعرفة وذلك يوم مشهود اي يشهده الله وملائكته وجميع المخلوقين؟ وما نؤخره الا وما نؤخره اي اتيان يوم القيامة الا لاجل معدود. اذا انقضى اجل الدنيا وما قدر الله فيها من الخلق فحينئذ ينقلهم الى الدار الاخرى ويجري عليهم احكامه الجزائية كما اجرى عليهم في الدنيا احكامه الشرعية يوم يأتي ذلك اليوم ويجتمع لا تكلم نفس الا باذنه. حتى الانبياء والملائكة الكرام لا يشفعون الا باذنه. فمنهم اي الخلق شقي وسعيد فالاشقياء هم الذين كفروا بالله وكذبوا رسله وعصوا امره. وسعدائه هم المؤمنون المتقون. واما جزاؤهم فاما الذين شقوا اي حصلت لهم الشقاوة والخزي والفضيحة ففي النار منغمسون في عذابها مشتد عليهم عقابها لهم فيها من شدة ما هم فيه زفير وشهيق وهو اشنع الاصوات خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك ان خالدين فيها اي في النار التي هذا عذابها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء اي خالدين فيها ابدا الا المدة التي شاء الله الا يكونوا فيها. وذلك قبل دخولها كما قاله جمهور المفسرين. والاست على هذا راجع الى ما قبل دخولها. فهم خالدون فيها جميع الازمان سوى الزمن الذي قبل الدخول فيها. ان ربك فعال لما يريد فكل ما اراد فعله واقتضته حكمته فعله تبارك وتعالى لا يرده احد عن مراده جنة خالدين فيها ما دامت السماوات خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك الغير مجذوب. واما الذين سعدوا اي حصلت لهم السعادة والفلاح والفوز. ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك. ثم اكد ذلك بقوله عطاء غير مجذوذ. اي ما اعطاهم الله من النعيم المقيم واللذة العالية فانه دائم مستمر. غير منقطع بوقت من الاوقات. نسأل الله الكريم من فضله نعبد هؤلاء ما يعبدون الا كما يعبد ابائهم من قبل وانا يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فلا تكن في مرية مما يعبد هؤلاء المشركون. اي لا تشك في حالهم وان ما هم عليه باطل. فليس لهم دليل شرعي ولا عقلي. وانما دليلهم وشبهتهم انهم ما يعبدون الا كما يعبد اباؤهم من قبل. ومن المعلوم ان هذا ليس بشبهة. فضلا عن ان يكون دليلا لان اقوال ما عدا الانبياء يحتج لها لا يحتج بها. خصوصا امثال هؤلاء الضالين الذين كثر خطأهم وفساد اقوالهم في اصول الدين. فان اقوالهم وان عليها فانها خطأ وضلال. وانا وفوهم نصيبهم غير منقوص. اي لابد ان ينالهم نصيبهم من الدنيا. مما كتب لهم وان كثر ذلك النصيب. او راق في عينك فانه لا يدل على صلاح حالهم. فان الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب. ولا يعطي الايمان والدين الصحيح الا من يحب. والحاصل انه لا يغتر باتفاق الضالين على قول الضالين من ابائهم الاقدمين. ولا على ما خولهم الله واتاهم من الدنيا. ولقد اتينا موسى الكتاب هنا يخبر تعالى انه اتى موسى الكتاب الذي هو التوراة. الموجب للاتفاق على اوامره ونواهيه والاجتماع. ولكن مع هذا فان المنتسبين الى اختلفوا فيه اختلافا اضر بعقائدهم وبجامعتهم الدينية. ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخيرهم وعدم معاجلتهم بالعذاب لقضي بينهم باحلال العقوبة بالظالم. ولكنه تعالى اقتضت حكمته ان اخر القضاء بينهم الى يوم القيامة. وبقوا في شك منه مريب واذا كانت هذه حالهم مع كتابهم فمع القرآن الذي اوحاه الله اليك غير مستغرب من طائفة اليهود الا يؤمنوا به وان يكونوا في منهم مريب وان كلا لم ليوفينهم ربك اعمالهم. اي لابد ان الله يقضي بينهم يوم القيامة بحكمه العدل. فيجازي كلا بما يستحقه انه بما يعملون من خير وشر خبير. فلا يخفى عليه شيء من اعمالهم دقيقها وجليلها ثم لما اخبر بعدم استقامتهم التي اوجبت اختلافهم وافتراقهم امر نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين ان يستقيموا كما امروا فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع ويعتقد ما اخبر الله به من العقائد الصحيحة. ولا يزيغ عن ذلك يمنة ولا يسرة. ويدوم على ذلك. ولا يطغوا بان يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقرار قام وقوله انه بما تعملون بصير. اي لا يخفى عليه من اعمالكم شيء. وسيجازيكم عليها. ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة وترهيب ومن ضدها ولهذا حذرهم عن الميل الى من تعدى الاستقامة فقال وما لكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون. ولا تركنوا اي لا تميل الى الذين ظلموا. فانكم اذا ملتم اليهم وافقتموهم على ظلمهم. او رضيتم ما هم عليه من الظلم. فتمسكم النار ان فعلتم ذلك وما لكم من دون الله من اولياء يمنعونكم من عذاب الله. ولا يحصلون لكم شيئا من ثواب الله. ثم لا تنصرون اي لا يدفع عنكم العذاب اذا مسكم ففي هذه الاية التحذير من الركون الى كل ظالم. والمراد بالركون الميل والانضمام اليه بظلمه وموافقة على ذلك والرضا بما هو عليه من الظلم. واذا كان هذا الوعيد في الركون الى الظلمة. فكيف حال الظلمة بانفسهم؟ نسأل الله العافية فمن الظلم يأمر تعالى باقامة الصلاة كاملة طرفي النهار اي اوله واخره ويدخل فيها هذا صلاة الفجر وصلاتا الظهر والعصر. وزلفا من الليل ويدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء. ويتناول ذلك قيام الليل. فانها مما تزلف العبد وتقربه الى الله تعالى. ان الحسنات يذهبن السيئات. اي فهذه الصلوات الخمس. وما الحق بها من التطوعات من اكبر الحسنات وهي مع انها حسنات تقرب الى الله وتوجب الثواب. فانها تذهب السيئات وتمحوها. والمراد بذلك الصغائر كما قيدتها الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اجتنبت الكبائر بل كما قيدتها الاية التي في سورة النساء وهي قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما. ذلك لعل الاشارة لكل ما تقدم من لزوم الاستقامة على الصراط المستقيم. وعدم مجاوزته وتعديه وعدم الركون من الذين ظلموا والامر باقامة الصلاة وبيان ان الحسنات يذهبن السيئات. الجميع ذكرى للذاكرين. يفهمون بها ما امرهم الله به نهاهم ويمتثلون لتلك الاوامر الحسنة المثمرة للخيرات الدافعة للشرور والسيئات. ولكن تلك الامور تحتاج الى مجاهدة النفس والصبر عليها فيها ولهذا قال واصبر اي احبس نفسك على طاعة الله وعن معصيته والزامها لذلك واستمر ولا تضجر. فان الله لا يضيع اجر المحسنين بل يتقبل الله عنهم احسن الذي عملوا ويجزيهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. وفي هذا ترغيب عظيم للزوم الصبر وتشويق النفس الضعيفة الى ثواب الله كلما ونت وفترت واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين لما ذكر تعالى اهلاك الامم المكذبة للرسل. وان اكثرهم منحرفون حتى اهل الكتب الالهية. وذلك كله يقضي على الاذيان بالذهاب والاطلاع ذكر انه لولا انه جعل في القرون الماضية بقايا من اهل الخير يدعون الى الهدى وينهون عن الفساد والردى فحصل من نفعهم ما بقيت به الاديان ولكنهم قليلون جدا. وغاية الامر انهم نجوا باتباعهم المرسلين. وقيامهم بما قاموا به من دينهم. وبكون حجة الله اجراها على ايديهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. ولكن اتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه. اي اتبعوا ما هم فيه من النعيم والترف ولم يبغوا به بدلا وكانوا مجرمين. اي ظالمين باتباعهم ما اترفوا فيه. فلذلك حق عليهم العقاب واستأصلهم العذاب وفي هذا حث لهذه الامة ان يكون فيهم بقايا مصلحون لما افسد الناس. قائمون بدين الله يدعون من ضل الى الهدى ويصبرون منهم على هذا ويبصرونهم من العمى. وهذه الحالة اعلى حالة يرغب فيها الراغبون. وصاحبها يكون اماما في الدين. اذا جعل عمله خالصا رب العالمين. اي وما كان الله ليهلك كاهل القرى بظلم منه لهم والحال انهم مصلحون اي مقيمون على الصلاح مستمرون عليه. فما كان الله ليهلكهم الا اذا ظلموا وقامت عليهم حجتهم حجة الله ويحتمل ان المعنى وما كان ربك ليهلك القرى بظلمهم السابق اذا رجعوا واصلحوا عملهم فان الله يعفو عنهم ويمحو ما من ظلمهم يخبر تعالى انه لو شاء لجعل الناس كلهم امة واحدة على الدين الاسلامي فان مشيئته غير قاصرة ولا يمتنع عليه شيء. ولكنه اقتضت حكمته الا يزالون مختلفين مخالفين للصراط المستقيم متابعينا للسبل الموصلة الى النار. كل يرى الحق فيما قاله والضلال في قول غيره اجمعين الا من رحم ربك فهداهم الى العلم بالحق والعمل به والاتفاق عليه. فهؤلاء سبقت لهم سابقة السعادة وتداركت العناية الربانية والتوفيق الالهي. واما من عاداهم فهم مخذولون موكولون الى انفسهم. وقوله ولذلك خلقهم اي اقتضى حكمته انه خلقهم ليكون منهم السعداء والاشقياء. والمتفقون والمختلفون. والفريق الذي هدى الله والفريق الذين حقت عليهم الضلالة ليتبين للعباد عدله وحكمته وليظهر ما كمل في الطباع البشرية من الخير والشر. وليقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم الا بالامتحان والابتلاء. ولانه تمت كلمة ربك لاملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين. فلابد ان ييسر للنار اهلا يعملون باعمالها الموصلة اليها فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين. لما ذكر في هذه السورة من اخبار الانبياء ما ذكر. ذكر الحكمة في ذكر ذلك. فقال وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك. اي قلبك ليطمئن ويثبت ويصبر كما صبر اولو العزم من الرسل. فان النفوس تأنس بالاقتداء وتنشط على الاعمال. وتريد المنافسة لغيرها ويتأيد الحق بذكر شواهده. وكثرة من قام به. وجاءك في هذه السورة الحق اليقين. فلا شك فيه بوجه من الوجوه. فالعلم ذلك من العلم بالحق الذي هو اكبر فضائل النفوس. وموعظة وذكرى للمؤمنين. اي يتعظون به فيرتدعون عن الامور المكروهة. ويتذكر ترون الامور المحبوبة لله فيفعلونها. واما من ليس من اهل الايمان فلا تنفعهم المواعظ وانواع التذكير. ولهذا قال الذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم انا عاملون. وقل للذين لا يؤمنون بعدما قامت عليهم الايات اعملوا على مكانتكم. اي حالتكم التي انتم عليها. انا عاملون على ما كنا عليه. وانتظروا انا وانتظروا ما يحل بنا. انا منتظرون ما يحل بكم. وقد فصل الله بين الفريقين وارى عباده نصره لعباده المؤمنين وقمعه لاعداء الله المكذبين كله تعبده وتوكل عليه. وما ربك بغافل عما تعملون ولله غيب السماوات والارض. اي ما غاب فيهما من الخفايا والامور الغيبية. واليه يرجع الامر كله من الاعمال والعمال فيميز الخبيث من الطيب. فاعبده وتوكل عليه. اي قم بعبادته. وهي جميع ما امر الله به مما تقدر عليه. وتوكل على الله في وما ربك بغافل عما تعملون من الخير والشر. بل قد احاط علمه بذلك وجرى به قلمه. وسيجري عليه حكمه وجزاؤه