المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم ذكر رحمة ربك عبده زكريا. اي هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا سنقصه عليك ونفصله تفصيلا يعرف به حالة نبيه زكريا واثاره الصالحة مناقبه الجميلة فان في قصها عبرة للمعتبرين واسوة للمقتدين. ولان في تفصيل رحمته لاوليائه وباي سبب حصلت له مما يدعو الى محبة الله تعالى والاكثار من ذكره ومعرفته. والسبب الموصل اليه وذلك ان الله تعالى اجتبى واصطفى زكريا عليه السلام لرسالته وخصه بوحيه فقام بذلك قيام امثاله من المرسلين. ودعا العباد الى ربه وعلمهم ما علمه الله لهم في حياته وبعد مماته. كاخوانهم من المرسلين ومن اتبعهم فلما رأى من نفسه الضعف وخاف ان يموت ولم يكن احد ينوب منابه في دعوة الخلق الى ربهم والنصح لهم الى ربه ضعفه الظاهر والباطن. وناداه نداء خفيا ليكون اكمل وافضل واتم اخلاصا. فقال واشتعل الرأس شيبا ربي اني وهن العظم مني اي وهى وضعف واذا ضعف العظم الذي هو عماد البدن ضعف غيره. واشتعل الرأس شيبا. لان الشيب دليل الضعف والكبر. ورسول الموت ورائده ونذيره. فتوسع الى الله تعالى بضعفه وعجزه. وهذا من احب الوسائل الى الله. لانه يدل على التبري من الحول والقوة. وتعلق القلب بحول الله قوته. ولم اكن بدعائك ربي شقيا. اي لم تكن يا رب خائبا ولا محروما من الاجابة. بل لم تزل بي حفيا ولدعائي مجيبا. ولم تزل الطافك تتوالى علي واحسانك واصلا اليك وهذا توسل الى الله بانعامه عليه. واجابة دعواته السابقة. فسأل الذي احسن سابقا ان يتمم احسانه لاحقا فهب لي من لدن واني خفت الموالي من ورائي واني خفت من يتولى على بني اسرائيل من بعد موتي الا يقوموا بدينهم حق القيام ولا يدعو عبادك اليك. وظاهر هذا انه لم يرى فيهم احدا فيه لياقة للامامة في الدين. وهذا فيه شفقة زكريا عليه السلام ونصحه وان طلبه للولد ليس كطلب غيره قصده مجرد المصلحة الدنيوية وانما قصده مصلحة الدين والخوف من ضياعه. ورأى غيره غير صالح لذلك. وكان بيته من البيوت المشهورة في الدين. ومعدن الرسالة ومظنة للخير الله ان يرزقه ولدا يقوم بالدين من بعده. واشتكى ان امرأته عاقر. اي ليست تلد اصلا. وانه قد بلغ من الكبر عتيا اي عمر يندر معه وجود الشهوة والولد. وهذه الولاية ولاية الدين وميراث النبوة والعلم والعمل. ولهذا قال آآ يرثني ويرث من ال يعقوب واجعله ربي رضيا اي عبدا صالحا ترضاه وتحببه الى عبادك. والحاصل انه سأل الله ولدا ذكرا صالحا يبقى بعد موته ويكون وليا من بعده. ويكون نبيا مرضيا عند الله وعند خلقه. وهذا افضل ما يكون من الاولاد ومن رحمة الله بعبده ان يرزقه ولدا صالحا. جامعا لمكارم الاخلاق ومحامد الشيم. فرحمه ربه واستجاب دعوته فقال قال يا زكريا انا نبشرك بغلام اسمه يحيى اي بشره الله تعالى على يد الملائكة بيحيى وسماه الله له يحيى وكان اسما موافقا لمسماه يحيى حياة حسية تتم به المنة ويحيى حياة معنوية وهي حياة القلب والروح. بالوحي والعلم والدين اي لم يسمي هذا الاسم قبله احد. ويحتمل ان المعنى لم نجعل له من قبل مثيلا ومساميا. فيكون ذلك بشارة بكماله واتصافه بالصفات الحميدة وانه فاق من قبله ولكن على هذا الاحتمال هذا العموم لابد ان يكون مخصوصا بابراهيم وموسى ونوح عليه عليهم السلام ونحوهم ممن هو افضل من يحيى قطعا. فحينئذ لما جاءته البشارة بهذا المولود الذي طلبه. استغرب وتعجب وقال وكانت امرأتي وقد بلغت من الكبر عتيا. ربي انا يكون لي غلام؟ والحال ان المانع من وجود الولد موجود بي وبزوجتي وكأنه وقت دعائه لم يستحضر هذا المانع لقوة الوارد في قلبه. وشدة الحرص العظيم على الولد وفي هذه الحال حين دعوته تعجب من ذلك فاجابه الله بقوله هو علي هين. اي الامر مستغرب في العادة وفي سنة الله في الخليقة. ولكن قدرة الله تعالى صالحة لايجاد الاشياء بدون اسبابها. فذلك هين عليه ليس باصعب من ايجاده قبل ولم يكن شيئا اجعل لي اية قال اياتك الا تكلم الناس ثلاث ليال سويا. قال ربي اجعل لي اية ان يطمئن بها قلبي وليس هذا شكا في خبر الله. وانما هو كما قال الخليل عليه السلام. رب ارني كيف تحيي الموتى. قال او لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. فطلب زيادة العلم والوصول الى عين اليقين بعد علم اليقين. فاجابه الله الى رحمة به فقال وفي الاية الاخرى الا تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا. والمعنى واحد لانه تارة يعبر بالليالي وتارة بالايام ومؤداها واحد وهذا من الايات العجيبة. فان منعه من الكلام مدة ثلاثة ايام. وعجزه عنه من غير خرس ولا افة. بل كان لا نقص فيه من الادلة على قدرة الله الخارقة للعوائد. ومع هذا ممنوع من الكلام الذي يتعلق بالادميين وخطابهم واما التسبيح والتهليل والذكر ونحوه فغير ممنوع منه. ولهذا قال في الاية الاخرى واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي الابكار فاطمئن قلبه واستبشر بهذه البشارة العظيمة وامتثل لامر الله له بالشكر بعبادته وذكره. فعكف في محرابه فخرج على قول منه فاوحى اليهم اي بالاشارة والرمز ان سبحوا بكرة وعشيا. لان البشارة بيحيى في حق الجميع مصلحة دينية يا يحيى خذ الكتاب بقوة واتيناه الحكم صبيا. دل الكلام السابق الى ولادة يحيى وشبابه وتربيته. فلما وصل الى حالة يفهم فيها الخطاب امره الله ان يأخذ الكتاب بقوة. اي بجد واجتهاد وذلك بالاجتهاد في حفظ الفاظه وفهم معانيه والعمل باوامره ونواهيه. هذا تمام اخذ الكتاب بقوة. فامتثل امر ربه اقبل على الكتاب فحفظه وفهمه وجعل الله فيه من الذكاء والفطنة ما لا يوجد في غيره. ولهذا قال اي معرفة احكام الله والحكم بها. وهو في حال صغره وصباه واتيناه ايضا حنانا من لدنا اي رحمة ورأفة تيسرت بها اموره وصلحت بها احواله واستقامت بها افعاله. وزكاة اي طهارة من الافات والذنوب. فطهر قلبه وتزكى عقله. وذلك يتضمن زوال الاوصاف المذمومة والاخلاق الرديئة. وزيادة الاخلاق الحسنة والاوصاف المحمودة. ولهذا قال اي اعنا للمأمور تاركا للمحظور. ومن كان مؤمنا تقيا كان لله وليا. وكان من اهل الجنة التي اعدت للمتقين قال له من الثواب الدنيوي والاخروي ما رتبه الله على التقوى وكان ايضا برا بوالديه. اي لم يكن عاقا ولا مسيئا الى ابويه. بل كان محسنا اليهما بالقول والفعل ولم يكن جبارا عصيا. اي لم يكن متجبرا متكبرا عن عبادة الله. ولا مترفعا على عباد الله ولا على والديه. بل كان تواضعا متذللا مطيعا اوابا لله على الدوام. فجمع بين القيام بحق الله وحق خلقه. ولهذا حصلت له السلامة من ان الله في جميع احواله مبادئها وعواقبها. فلهذا قال فيوم يبعث حيا. وذلك يقتضي سلامته من الشيطان. والشر والعقاب في هذه الاحوال الثلاثة وما بينها. وانه سالك من النار والاهوال ومن اهل دار السلام. فصلوات الله وسلامه عليه وعلى والده وعلى سائر المرسلين. وجعلنا الله من انه جواد كريم ترقيات. لما ذكر قصة زكريا ويحيى وكانت من الايات العجيبة انتقل منها الى ما هو اعجب منها. تدريجا من الادنى الى الاعلى فقال واذكر في الكتاب الكريم مريم عليها السلام. وهذا من اعظم فضائلها ان تذكر في الكتاب العظيم. الذي يتلوه مسلمون في مشارق الارض ومغاربها تذكر فيه باحسن الذكر وافضل الثناء جزاء لعملها الفاضل وسعيها الكامل اي واذكر في كتاب مريم في حالها الحسنة حين انتبذت اي تباعدت عن اهلها مكانا شرقيا اي مما يلي الشرق عنهم فاتخذت من حجابا اي سترا ومانعا. وهذا التباعد منها واتخاذ الحجاب. لتعتزل وتنفرد بعبادة ربها. وتقنط في حالة الاخلاص والخضوع والذل لله تعالى. وذلك امتثال منها لقوله تعالى واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين. يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين. وقوله فارسلنا اليها روحنا وهو جبريل عليه السلام اي كاملا من الرجال بصورة جميلة وهيئة حسنة لا عيب فيه ولا نقص. لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه. فلما رأته في هذه الحال وهي معتزلة عن اهلها منفردة عن الناس قد اتخذت الحجاب عن اعز الناس عليها وهم اهلها خافت ان يكون رجل قد تعرض لها بسوء وطمع فيها فاعتصمت بربها واستعاذت منه فقالت له اني اعوذ بالرحمن منك اي التجأ به واعتصم برحمته ان تنالني بسوء ان كنت تقيا اي ان كنت تخاف الله وتعمل بتقواه. فاترك التعرض لي. فجمعت بين الاعتصام بربها وبين تخويفه وترهيب وامره بلزوم التقوى. وهي في تلك الحالة الخالية والشباب والبعد عن الناس. وهو في ذلك الجمال الباهر والبشرية الكاملة السوية ولم ينطق لها بسوء او يتعرض لها وانما ذلك خوف منها. وهذا ابلغ ما يكون من العفة والبعد عن الشر واسبابه وهذه العفة خصوصا مع اجتماع الدواعي وعدم المانع من افضل الاعمال. ولذلك اثنى الله عليها فقال ابنة عمران التي احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا. وقال تعالى والتي احصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا سألناها وابنها اية للعالمين. فاعاضها الله بعفتها ولدا من ايات الله. ورسولا من رسله. فلما رأى جبريل منها الروعة قال انما انا رسول ربي اي انما وظيفتي وشغلي تنفيذ رسالة ربي فيك. وهذه بشارة عظيمة بالولد وزكائه. فان الزكاء يستلزم تطهيره من الخصال الذميمة. واتصافه بالخصال الحميدة. فتعجبت من وجود الولد من غيره لاب فقالت والولد لا يوجد الا بذلك قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله اية للناس تدل على كمال قدرة الله تعالى. وعلى ان الاسباب جميعها لا تستقل بالتأثير. وانما تأثيرها بتقدير الله فيري عباده خرق العوائد في بعض الاسباب العادية لان لا يقفوا مع الاسباب ويقطعوا النظر عن مقدرها ومسببها ورحمة منا اي ولنجعله رحمة منا به وبوالدته وبالناس. اما رحمة الله به فلما خصه الله بوحيه من عليه بما من به على اولي العزم. واما رحمته بوالدته فلما حصل لها من الفخر والثناء الحسن والمنافع العظيمة اما رحمته بالناس فان اكبر نعمه عليهم ان بعث فيهم رسولا يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فيؤمنون به ويطيعونه وتحصل لهم سعادة الدنيا والاخرة. وكان اي وجود عيسى عليه السلام على هذه الحالة امرا مقضيا قضاء سابقا. فلا بد من نفوذ هذا التقدير والقضاء. فنفخ جبريل عليه السلام في جيبها اي لما حملت بعيسى عليه السلام خافت من الفضيحة فتباعدت عن الناس مكانا قصيا التي قالت يا ليتني مت قبل هذا قالت يا ليتني مت قبل هذا فلما قرب اولادها الجأها المخاض الى جذع نخلة. فلما المها وجع الولادة ووجع الانفراد عن الطعام والشراب. ووجع قلبها من قالة الناس. وخافت عدم صبرها. تمنت انها ماتت قبل هذا الحال وكانت نسيا منسيا فلا تذكر. وهذا التمني بناء على ذلك المزعج. وليس في هذه الامنية خير لها ولا مصلحة. وان انما الخير والمصلحة بتقدير ما حصل فحينئذ سكن الملك روعها وثبت جأشها وناداها من تحتها لعله في مكان انزل من مكانها وقال لها لا تحزني اي لا تجزعي ولا تهتمي. قد جعل ربك تحتك سريا. اي نهرا تشربين منه وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جليا. اي طريا لذيذا نافعا فكلي واشربي وقلي عينا فاما ترى ان من البشر احدا فقولوا فقولي اني نذرت للرحمن فكلي من التمر واشربي من نهر وقري عينا بعيسى فهذا طمأنينتها من جهة السلامة من الم الولادة وحصول المأكل والمشرب الهني. واما من جهة قالت الناس فامرها انها اذا رأت احدا من البشر ان تقول على وجه الاشارة اني نذرت للرحمة صوما اي سكوتا فلن اكلم اليوم انسيا. اي لا تخاطبيهم بكلام لتستريحي من قولهم وكلامهم. وكان معروفا عند ان السكوت من العبادات المشروعة. وانما لم تؤمر بخطابهم في نفي ذلك عن نفسها. لان الناس لا يصدقونها ولا فيه فائدة وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد اعظم شاهد على برائتها. فان اتيان المرأة بولد من دون زوج ودعواها انه من غير احد من اكبر الدعاوى التي لو اقيم عدة من الشهود لم تصدق بذلك. فجعلت بينة هذا الخارق للعادة امرا من جنسه وهو كلام عيسى في حال صغره جدا. ولهذا قال تعالى فاتت به قومها تحمله. قالوا يا مريم لقد اي فلما تعلت مريم من نفاسها اتت بعيسى قومها تحمله وذلك لعلمها ببراءة نفسها فاتت غير مبالية ولا مكترثة. فقالوا لقد جئت شيئا فريا اي عظيما وخيما. وارادوا بذلك البغاء حاشاها من ذلك. يا اخت هارون الظاهر انه اخ لها حقيقي فنسبوها اليه. وكانوا يسمون باسماء الانبياء وليس هو هارون ابن عمران اخا موسى لان بينهما قرونا كثيرة. ما كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا. اي لم يكن ابواك الا صالحين سالمين من الشر وخصوصا هذا الشر الذي يشيرون اليه وقصدهم فكيف كنت على غير وصفهما واتيت بما لم يأتيا به وذلك ان الذرية في الغالب بعضها من بعض في الصلاح وضده فتعجبوا بحسب ما قام بقلوبهم كيف وقع منها؟ فاشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ فاشارت لهم اليه اي كلموه وانما اشارت لذلك لانها امرت عند مخاطبة الناس لها ان تقول اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا. فلما اشارت اليهم بتكليمه تعجبوا من ذلك وقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. لان ذلك لم تجري به عادة ولا حصل من احد في ذلك السن. فحينئذ قال عيسى عليه السلام وهو في المهد صبي هي الكتاب وجعلني نبيا. فخاطبهم بوصفه بالعبودية. وانه ليس فيه صفة يستحق بها ان يكون الها. او ابنا للاله تعالى الله عن قول النصارى المخالفين لعيسى في قوله اني عبد الله ومدعون موافقته. اتاني الكتاب ايقظ ان يؤتيني الكتاب وجعلني نبيا. فاخبرهم بانه عبد الله وان الله علمه الكتاب. وجعله من جملة انبيائه فهذا من كماله لنفسه. ثم ذكر تكميله لغيره فقال وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني بالصبر الصلاة والزكاة ما دمت حيا. وجعلني مباركا اينما كنت. اي في اي مكان واي زمان. فالبركة جعلها الله في من تعليم الخير والدعوة اليه والنهي عن الشر. والدعوة الى الله في اقواله وافعاله. فكل من جالسه او اجتمع به نالته بركته سعد به مصاحبه. واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. اي واوصاني بالقيام بحقوقه التي من اعظمها الصلاة وحقوق عباده التي اجلها الزكاة مدة حياتي. اي فانا ممتثل لوصية ربي. عامل عليها منفذ لها ووصاني ايضا ان ابر والدتي فاحسن اليها غاية الاحسان. واقوم بما ينبغي لها لشرفها وفضلها. ولكونها والدة لها حق الولادة توابعها. اي متكبرا على الله مترفعا على عباده. شقيا في نهاية او اخراي فلم يجعلني كذلك بل جعلني مطيعا له خاضعا خاشعا متذللا متواضعا لعباد الله سعيدا في الدنيا والاخرة انا ومن اتبعني فلما تم له الكمال ومحامد الخصال قال اموت ويوم ابعث حيا. اي من فضل ربي وكرمه حصلت لي السلامة يوم ولادتي. ويوم موتي ويوم بعثي من الشر والشيطان والعقوبة. وذلك يقتضي سلامته من الاهوال ودار الفجار. وانه من اهل دار السلام. فهذه معجزة عظيمة وبرهان باهر على انه رسول الله وعبد الله حقا اي ذلك الموصوف بتلك الصفات. عيسى ابن مريم من غير شك ولا مرية. بل قول الحق وكلام الله الذي لا اصدق منه قيلا ولا احسن منه حديثا. فهذا الخبر اليقيني عن عيسى عليه السلام. وما قيل فيه مما يخالف هذا فانه مقطوع ببطلانه وغايته ان يكون شكا من قائله لا علم له به. ولهذا قال الذي فيه يمترون اي يشكون مرونة بشكهم ويجادلون بخرصهم. فمن قائل عنه انه الله او ابن الله او ثالث ثلاثة تعالى الله عن افكهم اولهم علوا كبيرا ما كان لله ان يتخذ من ولد اي ما ينبغي ولا يليق لان ذلك من المستحيلة لانه الغني الحميد المالك لجميع الممالك. فكيف يتخذ من عباده ومماليكه ولداه؟ سبحانه اي تنزه وتقدس عن الولد والنقص. اذا قضى امره اي من الامور الصغار والكبار لم يمتنع عليه ولم يستصعب. فاذا فكان قدره ومشيئته نافذا في العالم العلوي والسفلي. فكيف يكون له ولد؟ واذا كان اذا اراد شيئا قال له كن فيكون فكيف يستبعد ايجاده عيسى من غير اب؟ ولهذا اخبر عيسى انه عبد مربوب كغيره فقال وان الله ربي وربكم الذي خلقنا ورانا ونفذ فينا تدبيره وصرفنا تقديره فاعبدوه اي اخلصوا له العبادة واجتهدوا في الانابة وفي هذا الاقرار بتوحيد الربوبية وتوحيد الالوهية. والاستدلال بالاول على الثاني. ولهذا قال هذا صراط مستقيم. اي طريق معتدل موصل الى الله لكونه طريق الرسل واتباعهم. وما عدا هذا فانه من طرق الغي والضلال لما بين تعالى حال عيسى ابن مريم الذي لا يشك فيه ولا يمترى. اخبر ان الاحزاب اي فرقا ضلال من اليهود والنصارى وغيرهم. على اختلاف اختلفوا في عيسى عليه السلام فمن غال فيه وجاف. فمنهم من قال انه الله ومنهم من قال انه ابن الله ومنهم من قال انه ثالث ثلاثة ومنهم من لم يجعله رسولا. بل رماه بانه ولد بغي كاليهود. وكل هؤلاء اقوالهم باطلة واراؤهم فاسدة. مبنية على الشك والعناد والادلة الفاسدة والشبه الكاسدة. وكل هؤلاء مستحقون للوعيد الشديد ولهذا قال فويل للذين كفروا بالله الله ورسله وكتبه. ويدخل فيهم اليهود والنصارى. القائلون بعيسى قول الكفر. من مشهد يوم عظيم اي مشهد يوم القيامة الذي يشهده الاولون والاخرون. اهل السماوات واهل الارض الخالق والمخلوق. الممتلئ بالزلازل والاهوال. المشتمل على الجزاء بالاعمال. فحينئذ يتبين ما كانوا يخفون ويبدون. وما كانوا يكتمون اسمع بهم وابصر يوم يأتوننا اي ما معهم وما ابصرهم في ذلك اليوم. فيقرون بكفرهم وشركهم واقوالهم. ويقولون ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا سنعمل صالحا انا موقنون. ففي القيامة يستيقنون حقيقة ما هم عليه. لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين. وليس لهم عذر في هذا الضلال. لانهم بين معاند ضال على بصيرة. عارف بالحق صادف عنه. وبين ضال عن طريق الحق. متمكن من معرفة الحق والصواب ولكنه راض بضلاله. وما هو عليه من سوء اعماله. غير ساع في معرفة الحق من الباطل. وتأمل كيف قال فويل للذين كفروا بعد قوله اختلف الاحزاب من بينهم. ولم يقل فويل لهم ليعود الضمير الى الاحزاب لان من الاحزاب المختلفين طائفة اصابت الصواب ووافقت الحق. فقالت في عيسى انه عبد الله ورسوله فامنوا به واتبعوه فهؤلاء مؤمنون. غير داخلين في هذا الوعيد. فلهذا خص الله بالوعيد الكافرين حسرة ان قضي الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون. انا نحن نرث الارض الانذار هو الاعلام بالمخوف على وجه الترهيب والاخبار بالصفاته واحق ما ينذر به ويخوف به العباد. يوم الحسرة حين يقضى الامر. فيجمع الاولون والاخرون في موقف واحد ويسألون عن اعمالهم. فمن امن بالله واتبع رسله سعد سعادة لا يشقى بعدها. ومن لم يؤمن بالله ويتبع رسله شقي شقاوة لا سعادة بعدها وخسر نفسه واهله. فحينئذ يتحسر ويندم ندامة تتقطع منها القلوب وتنصدم منها الافئدة واي حسرة اعظم من فوات رضا الله وجنته. واستحقاق سخطه والنار على وجه لا يتمكن من الرجوع ليستأنف عمل ولا سبيل له الى تغيير حاله بالعود الى الدنيا. فهذا قدامهم والحال انهم في الدنيا في غفلة عن هذا الامر العظيم لا يخطر بقلوبهم ولو خطر فعلى سبيل الغفلة قد عمتهم الغفلة وشملتهم السكرة فهم لا يؤمنون بالله ولا يتبعون قد الهتهم دنياهم وحالت بينهم وبين الايمان شهواتهم المنقضية الفانية. فالدنيا وما فيها من اولها الى اخرها ستذهب عن اهلها ويذهبون عنها. وسيرث الله الارض ومن عليها ويرجعهم اليه. فيجازيهم بما عملوا فيها. وما خسروا وفيها او ربحوا فمن فعل خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه اجل الكتب وافضلها واعلاها. هذا الكتاب المبين والذكر الحكيم ذكر فيه الاخبار كانت اصدق الاخبار واحقها. وان ذكر فيه الامر والنهي كانت اجل الاوامر والنواهي واعدلها واقسطها وان ذكر فيه الجزاء والوعد والوعيد كان اصدق الانباء واحقها وادلها على الحكمة والعدل والفضل. وان ذكر فيه الانبياء والمرسلون كان المذكور فيه اكمل من غيره وافضل. ولهذا كثيرا ما يبدئ ويعيد في قصص الانبياء. الذين فضلهم على غيرهم قدرهم واعلى امرهم بسبب ما قاموا به من عبادة الله ومحبته. والانابة اليه والقيام بحقوقه وحقوق العباد ودعوة الخلق الى الله والصبر على ذلك. والمقامات الفاخرة والمنازل العالية. فذكر الله في هذه السورة جملة من الانبياء يأمر الله رسوله ان يذكرهم. لان في ذكرهم اظهار الثناء على الله وعليهم. وبيان فضله واحسانه اليهم. وفيه الحث على الايمان بهم محبتهم والاقتداء بهم فقال جمع الله له بين الصديقية والنبوة. فالصديق كثير الصدق فهو الصادق في اقواله وافعاله واحواله. المصدق بكل لما امر بالتصديق به وذلك يستلزم العلم العظيم الواصل الى القلب المؤثر فيه الموجب لليقين والعمل الصالح الكامل وابراهيم عليه السلام هو افضل الانبياء كلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم. وهو الاب الثالث للطوائف الفاضلة وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب وهو الذي دعا الخلق الى الله وصبر على ما ناله من العذاب العظيم. فدعا القريب والبعيد واجتهد في دعوة ابيه مهما امكنه. وذكر الله مراجعته اياه. فقال الا يبصر ولا يغني عنك شيئا. اذ قال لابيه مهجنا له عبادة الاوثان. يا ابتي لم تعبد ما لا اسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. اي لم تعبد اصناما ناقصة في ذاتها وفي افعالها. فلا تسمع ولا تبصر ولا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا. بل لا تملك لانفسها شيئا من النفع. ولا تقدر على شيء من الدفع. فهذا برهان جلي دال على ان عبادة الناقص في ذاته وافعاله مستقبح عقلا وشرعا. ودل بتنبيهه واشارته ان الذي يجب يحسن عبادة من له الكمال الذي لا ينال العباد نعمة الا منه. ولا يدفع عنهم نقمة الا هو وهو الله تعالى قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني اهدك صراطا سويا. يا ابتي اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك اي يا ابتي لا تحقرني وتقول اني ابنك وان عندك ما ليس عندي بل قد اعطاني الله من العلم ما لم يعطك والمقصود من هذا قوله اي مستقيما معتدلا وهو عبادة الله وحده لا شريك له وطاعته في جميع الاحوال. وفي هذا من لطف الخطاب ولينه ما لا يخفى. فانه لم يقل يا ابتي انا وانت جاهل اوليس عندك من العلم شيء. وانما اتى بصيغة تقتضي ان عندي وعندك علما. وان الذي وصل الي لم يصل اليك ولم يأتك فينبغي لك ان تتبع الحجة وتنقاد لها الرحمن عصيا. يا ابتي لا تعبد الشيطان لان من عبد غير الله فقد عبد الشيطان. كما قال تعالى الم تعهد اليكم يا بني ادم الا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين فمن اتبع خطواته فقد اتخذه وليا. وكان عاصيا لله بمنزلة الشيطان. وفي ذكر اضافة العصيان الى اسم الرحمن اشارة الى ان المعاصي تمنع العبد من رحمة الله وتغلق عليه ابوابها. كما ان الطاعة اكبر الاسباب لنيل رحمته. ولهذا قال يا ابتي اني اخاف ان يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا يا ابتي اني اخاف ان يمسك عذاب من الرحمن. اي بسبب اصرارك على الكفر وتماديك في الطغيان اي في الدنيا والاخرة. فتنزل بمنازله الذميمة وترتع في مراتعه الوخيمة. فتدرج الخليل عليه السلام بدعوة ابيه بالاسهل فالاسهل فاخبره بعلمه وان ذلك موجب لاتباعك اياي وانك ان اطعتني اهتديت الى صراط مستقيم مستقيم ثم نهاه عن عبادة الشيطان. واخبره بما فيها من المضار. ثم حذره عقاب الله ونقمته. ان اقام على حاله وانه يكون وليا للشيطان. فلم ينجح هذا الدعاء بذلك الشقي. واجاب بجواب جاهل وقال اراغب يا ابراهيم انك واهجرني مليا. اراغب انت عن الهتي يا ابراهيم؟ فتبجح بالهته التي هي من الحجر والاصنام. ولا اما ابراهيم عن رغبته عنها وهذا من الجهل المفرط. والكفر الوخيم يتمدح بعبادة الاوثان ويدعو اليها. يا لئن لم تنتهي اي عن شتم الهة ودعوتي الى عبادة الله لارجمنك اي قتلا بالحجارة واهجرني مليا. اي لا تكلمني زمانا طويلا. فاجابه الخليل جواب عباد الرحمن عند خطاب الجاهلين. ولم يشتمه. بل صبر ولم يقابل اباه بما يكره. وقال سلام عليك اي ستسلم من خطابي اياك بالشكل والسب وبما تكره. ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا. اي لا ازال ادعو الله لك بالهداية والمغفرة. بان لك للاسلام الذي تحصل به المغفرة انه كان بي حفيا. اي رحيما رؤوفا بحالي. معتنيا بي. فلم يزل يستغفر الله اهله رجاء ان يهديه الله؟ فلما تبين له انه عدو الله وانه لا يفيد فيه شيئا ترك الاستغفار له وتبرأ منه قد امرنا الله باتباع ملة ابراهيم. فمن اتباع ملته سلوك طريقه في الدعوة الى الله. بطريق العلم والحكمة واللين والسهولة والانتقال من مرتبة الى مرتبة والصبر على ذلك. وعدم السآمة منه. والصبر على ما ينال الداعي من اذى الخلق بالقول والفعل. ومقابل ذلك بالصفح والعفو. بل بالاحسان القولي والفعلي. فلما ايس من قومه وابيه قال واعتزلكم واعتزلكم وما تدعون من دون الله. اي انتم واصنامكم وادعو ربي وهذا شامل لدعاء العبادة. ودعاء المسألة عسى ان لا اكون بدعاء ربي شقيا. اي عسى الله ان يسعدني باجابة دعائي. وقبول اعمالي. وهذه وظيفة من ايس ممن دعاهم اتبعوا اهواءهم فلم تنجح فيهم المواعظ فاصروا في طغيانهم يعمهون ان يشتغل باصلاح نفسه ويرجو القبول من ربه ويعتزل الشر واهله. ولما كان مفارقة الانسان لوطنه ومألفه واهله وقومه. من اشق شيء على النفس بامور كثيرة المعروفة ومنها انفراده عن من يتعزز بهم ويتكثر. وكان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. واعتزل ابراهيم قومه قال الله في حقه وكلا من اسحاق ويعقوب جعلنا نبيا فحصل له هبة هؤلاء الصالحين المرسلين الى الناس الذين خصهم الله بوحيه واختارهم لرسالته واصطفاهم من ووهبنا لهم اي لابراهيم وابنيه من رحمتنا. وهذا يشمل جميع ما وهب الله لهم من الرحمة. من العلوم النافعة والاعمال الصالحة الكثيرة المنتشرة الذين قد كثر فيهم الانبياء والصالحون. وجعلنا لهم لسان صدق عليا. وهذا ايضا من الرحمة التي وهب لها لهم لان الله وعد كل محسن ان ينشر له ثناء صادقا بحسب احسانه. وهؤلاء من ائمة المحسنين فنشر الله الثناء الحسن الصادق غير الكاذب العالي غير الخفي. فذكرهم ملأ الخافقين. والثناء عليهم ومحبتهم امتلأت بها القلوب بها الالسنة وصاروا قدوة للمقتدين وائمة للمهتدين. ولا تزال اذكارهم في سائر العصور متجددة. وذلك الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم كان رسولا نبيا. اي واذكر في هذا القرآن العظيم موسى ابن عمران على وجه التبجيل له والتعظيم. والتعريف الكريم واخلاقه الكاملة. انه كان مخلصا. قرئ بفتح اللام على معنى ان الله تعالى اختاره واستخلصه. واصطفاه العالمين وقرأ بكسرها على معنى انه مخلص لله تعالى في جميع اعماله واقواله ونياته. فوصفه الاخلاص في جميع احواله والمعنيان متلازمان. فان الله اخلصه لاخلاصه. واخلاصه موجب لاستخلاصه. واجل حالة يوصف بها العبد الاخلاص منه والاستخلاص من ربه. اي جمع الله له بين الرسالة والنبوة الرسالة تقتضي تبليغ كلام المرسل. وتبليغ جميع ما جاء به من الشرع. دقه وجله. والنبوة تقتضي ايحاء الله اليه وتخصيصه بانزال الوحي اليه. فالنبوة بينه وبين ربه. والرسالة بينه وبين الخلق. بل خصه الله من انواع الوحي. باجل انواعه وافضلها وهو تكليمه تعالى وتقريبه مناجيا لله تعالى. وبهذا اختص من بين الانبياء بانه كليم الرحمن لهذا قال وناديناه من جانب بالطور الايمن اي الايمن من موسى في وقت مسيره. او الايمن اي الابرك من اليمن والبركة. ويدل على هذا المعنى قوله تعالى ان بورك من في النار ومن حولها. وقربناه نجيا. والفرق بين النداء والنداء ان النداء هو الصوت الرفيع والنداء ما دون ذلك. وفي هذه اثبات الكلام لله تعالى وانواعه من النداء والنداء. كما هو مذهب اهل السنة جماعة خلافا لمن انكر ذلك من الجهمية والمعتزلة ومن نحى نحوهم وقوله ووهبنا له من رحمتنا اخاه هارون نبيا. هذا من اكبر فضائل موسى واحسان ونصحه لاخيه هارون انه سأل ربه ان يشركه في امره وان يجعله رسولا مثله فاستجاب الله له ذلك ووهب له من رحمته اخاه هارون نبيا. فنبوة هارون تابعة لنبوة موسى عليهما السلام. فساعده على امره واعانه عليه واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا اي واذكر في القرآن الكريم هذا النبي العظيم الذي خرج منه الشعب العربي. افضل الشعوب واجلها. الذي منهم سيد ولد ادم ادم انه كان صادق الوعد. اي لا يعد وعدا الا وفى به. وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع الله او مع العباد. ولهذا ما وعد من نفسه الصبر على ذبح ابيه له. وقال ستجدني ان شاء الله من الصابرين. وفى بذلك ومكن اباه من الذبح الذي هو اكبر مصيبة تصيب الانسان. ثم وصفه بالرسالة والنبوة التي هي اكبر منن الله على عبده. واهلها من الطبقة العليا من الخلق وكان يأمر اهله بالصلاة والزكاة. اي كان مقيما لامر الله على اهله. فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للاخلاص للمعبود. وبالزكاة المتضمنة للاحسان الى العبيد. وكمل نفسه وكمل غيره. وخصوصا اخص الناس عنده وهم اهله لانهم احق بدعوته من غيرهم وذلك بسبب امتثاله لمراضي ربه واجتهاده فيما يرضيه ارتضاه الله وجعله من خواص عباده واوليائه المقربين. رضي الله عنه ورضي هو عن ربه ايذكر في الكتب على وجه التعظيم والاجلال والوصف من صفات الكمال ادريس. جمع الله له بين الصف الصديقية الجامعة للتصديق التام والعلم الكامل واليقين الثابت والعمل الصالح. وبين اصطفائه لوحيه واختياره لرسالته ورفعناه مكانا عليا. اي رفع الله ذكره في العالمين. ومنزلة بين المقربين وكان عالي الذكر عالي المنزلة ادم ومنا حملنا مع انا واجتبينا وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم ايات لما ذكر هؤلاء الانبياء المكرمين وخاص المرسلين. وذكر فضائلهم ومراتبهم. قال اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين. اي انعم الله عليهم نعمة سلة الحق ومنة لا تسبق من النبوة والرسالة وهم الذين امرنا ان ندعو الله ان يهدينا صراط الذين انعمت عليهم وان من اطاع الله كان مع الذين انعم الله عليهم من النبيين وان بعضهم من ذرية ادم وممن حملنا مع نوح اي من ذريته انا واجتبينا. ومن ذرية ابراهيم واسرائيل. فهذه خير بيوت العالم. اصطفاهم الله واختارهم واجتباهم وكان حالهم عند تلاوة ايات الرحمن عليهم المتضمنة للاخبار بالغيوب والصفات علام الغيوب والاخبار اليوم الاخر والوعد والوعيد خروا سجدا وبكيا اي خضعوا لايات الله وخشعوا لها واثرت في قلوبهم من الايمان الرغبة والرهبة ما اوجب لهم البكاء والانابة والسجود لربهم ولم يكونوا من الذين اذا سمعوا ايات الله خروا عليها صما وعميان انا وفي اضافة الايات الى اسمه الرحمن. دلالة على ان اياته من رحمته بعباده واحسانه اليهم. حيث هداهم بها الى الحق وبصرهم من العمى وانقذهم من الضلالة وعلمهم من الجهالة لما ذكر تعالى هؤلاء الانبياء المخلصون المتبعون لمراضع ربهم المنيبون اليه. ذكر من اتى بعدهم وبدلوا ما امروا به. وانه خلف من بعدهم خلف. رجعوا الى الخلف والوراء اضاعوا الصلاة التي امروا بالمحافظة عليها واقامتها فتهاونوا بها وضيعوها واذا ضيعوا الصلاة التي هي عماد الدين وميزان الايمان والاخلاص لرب العالمين التي هي اكد الاعمال وافضل الخصال كانوا لما سواها من دينهم اضيع وله ارفظ والسبب الداعي لذلك انهم متبعوا شهوات انفسهم واراداتها وصارت هممهم منصرفة اليها. مقدمة لها على حقوق الله. فنشأ من ذلك كالتضييع لحقوقه والاقبال على شهوات انفسهم مهما لاحت لهم حصلوها وعلى اي وجه اتفقت تناولوها اي عذابا مضاعفا شديدا. ثم استثنى تعالى فقال فاولئك يدخلون دون الجنة ولا يظلمون شيئا. الا من تاب عن الشرك والبدع والمعاصي. فاقلع عنها وندم فيها وعزم عزما جازما الا يعاودها. وامن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وعمل صالحا. وهو عمل الذي شرعه الله على السنة رسله اذا قصد به وجهه ولا يظلمون شيئا. فاولئك الذين جمعوا بين التوبة والايمان والعمل الصالح. يدخلون الجنة المشتملة على النعيم المقيم والعيش السليم وجوار الرب الكريم. ولا يظلمون شيئا من اعمالهم. بل يجدونها كاملة موفرة الاجورها مضاعفا عددها. ثم ذكر ان الجنة التي وعدهم بدخولها ليست كسائر الجنات. وانما هي جنات عدن انه كان وعده مأتيا. وانما هي جنات عدن اي جنات اقامة. لا ضعن فيها ولا حول ولا زوال وذلك لسعتها وكثرة ما فيها من الخيرات والسرور والبهجة والحضور. التي وعد الرحمن عباده بالغيب. اي التي اسعدها الرحمن اضافها الى اسمه الرحمن لانها فيها من الرحمة والاحسان. ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على بشر وسماها تعالى رحمته. فقال واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون. وايضا ففي الى رحمته ما يدل على استمرار سرورها. وانها باقية ببقاء رحمته. التي هي اثرها وموجبها. والعباد في هذه الاية المراد عباد الهيته. الذين عبدوه والتزموا شرائعه. وصارت العبودية وصفا لهم. كقوله وعباد الرحمن ونحوه بخلاف عباده المماليك فقط الذين لم يعبدوه. فهؤلاء وان كانوا عبيدا للربوبيته. لانه خلقهم ورزقهم ودبرهم فليسوا داخلين في عبيد الهيته. العبودية الاختيارية التي يمدح صاحبها. وانما عبوديتهم عبودية لا مدح لهم فيها. وقوله بالغيب يحتمل ان تكون متعلقة بوعد الرحمن. فيكون المعنى على هذا ان الله وعدهم اياها وعدا غائبا. لم يشاهدوه ولم يروه فامنوا بها وصدقوا غيبها. وسعوا لها سعيها. مع ان انهم لم يروها فكيف لو رأوها؟ لكانوا اشد لها طلبا. واعظم فيها رغبة واكثر لها سعيا. ويكون في هذا مدح له بايمانهم بالغيب الذي هو الايمان النافع. ويحتمل ان تكون متعلقة بعباده. اي الذين عبدوه في حال غيبهم وعدم رؤيتهم اياه فهذه عبادتهم ولم يروه. فلو رأوه لكانوا اشد له عبادة. واعظم انابة واكثر حبا واجل شوقا ويحتمل ايضا ان المعنى هذه الجنات التي وعدها الرحمن عبادة من الامور التي لا تدركها الاوصاف. ولا يعلمها احد الا الله فيه من التشويق لها والوصف المجمل ما يهيج النفوس ويزعج الساكن الى طلبها. فيكون هذا مثل قوله فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون. والمعاني كلها صحيحة ثابتة ولكن الاحتمال الاول اولى بدليل قوله لابد من وقوعه فانه لا يخلف الميعاد وهو اصدق القائلين فيها بكرة وعشية. لا يسمعون فيها لغوا. اي كلاما لاغيا لا فائدة فيه. ولا ما يؤثم فلا يسمعون فيها شتما ولا عيبا ولا قولا فيه معصية لله او قولا مكدرا الا سلاما اي الا الاقوال السالمة من كل عيب من ذكر الله وتحية وكلام سرور وبشارة ومطارحة الاحاديث الحسنة بين الاخوان وسماع خطاب الرحمن الاصوات الشجية من الحور والملائكة والولدان. والنغمات المطربة والالفاظ الرخيمة. لان الدار دار السلام فليس فيها الا السلام التام من جميع الوجوه. اي ارزاقهم من المآكل والمشارب وانواع اللذات مستمرة حيثما طلبوا. وفي اي وقت رغبوا ومن تمامها ولذتها وحسنها. ان تكون في اوقاتها من معلومة بكرة وعشية ليعظم وقعها ويتم نفعها من عبادنا من كان تقيا. فتلك الجنة التي وصفناها بما ذكر. التي نورث من عبادنا من كان تقيا اي نورثها المتقين ونجعلها منزلهم الدائم الذي لا يطعنون عنه ولا يبغون عنه حولا قال الله تعالى وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض. اعدت للمتقين الا بامر ربك له ما بين ايدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرة في نزوله اليه. فقال له لو تأتينا اكثر مما تأتينا تشوقا اليه وتوحشا لفراقه. وليطمئن قلبه بنزوله. فانزل الله تعالى على لسان جبريل وما نتنزل الا بامر ربك. اي ليس لنا من الامر شيء. ان امرنا ابتدرنا امره ولم نعصي له امرا كما قال عنهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون. فنحن عبيد مأمورون وما خلفنا وما بين ذلك. اي له الامور الماضية والمستقبلة والحاضرة في الزمان والمكان. فاذا تبين ان الامر كله لله واننا عبيد مدبرون. فيبقى الامر دائرا بينا. هل تقتضيه الحكمة الالهية فينفذه؟ ام لا فيؤخره. ولهذا قال وما كان ربك نسيا. اي لم يكن الله لينساك ويهملك. كما قال قال ما ودعك ربك وما قلى. بل لم يزل معتنيا بامورك مجريا لك على احسن عوائده الجميلة. وتدابيره الجميلة اي فاذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد فلا يحزنك ذلك ولا يهمك. واعلم ان الله هو الذي اراد ذلك. لما له من الحكمة فيه ثم علل احاطة علمه وعدم نسيانه بانه رب السماوات والارض الربوبية للسموات والارض وكونهما على احسن نظام واكمله. ليس فيه غفلة ولا اهمال ولا سدى ولا باطل. برهان قاطع على علمه الشامل فلا تشغل نفسك بذلك بل اشغلها بما ينفعك ويعود عليك طائله. وهو عبادته وحده لا شريك له اي اصبر نفسك عليها وجاهدها وقم عليها اتم القيام واكملها بحسب قدرتك. وفي الاشتغال عبادة الله تسلية للعابد عن جميع التعلقات والمشتهيات. كما قال تعالى ولتمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه. الى ان قال وامر اهلك بالصلاة واصطبر عليها اي هل تعلم لله مساميا ومشابها ومماثلا من المخلوقين؟ وهذا استفهام بمعنى النفي. المعلومة بالعقل اي لا تعلم له مساميا ولا مشابها. لانه الرب وغيره مربوب. الخالق وغيره مخلوق. الغني من جديد الوجوه وغيره فقير بالذات من كل وجه. الكامل الذي له كمال المطلق من جميع الوجوه. وغيره ناقص ليس فيه من الكمال الا ما اعطاه الله تعالى فهذا برهان قاطع على ان الله هو المستحق لافراده بالعبودية. وان عبادته حق وعبادة ما سواه باطل فلهذا امر بعبادته وحده والاصطبار لها وعلل ذلك بكماله وانفراده بالعظمة والاسماء الحسنى ويقول الانسان المراد بالانسان ها هنا كل منكر للبعث مستبعد لوقوعه. فيقول مستفهما على وجه النفي والعناد والكفر. فاذا ما مت لسوف اخرج حيا. اي كيف يعيدني الله حي بعد الموت وبعد ما كنت رميما هذا لا يكون ولا يتصور. وهذا بحسب عقله الفاسد ومقصده السيء. وعناده لرسول وكتبه فلو نظر ادنى نظر وتأمل ادنى تأمل لرأى استبعاده للبعث في غاية السخافة. ولهذا ذكر تعالى برهانا قاطعا ودليلا واضحا يعرفه كل احد على امكان البعث. فقال خلقناه من قبل ولم يك شيئا. اي او لا يلفت نظره ويستذكر حالته الاولى وان الله خلقه اول مرة ولم يكن شيئا فمن قدر على خلقه من العدم ولم يكن شيئا مذكورا اليس بقادر على انشائه بعدما تمزق وجمعه بعدما تفرق وهذا كقوله وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه. وفي قوله او لا يذكر الانسان صوت للنظر بالدليل العقلي بالطف خطاب. وان انكار من انكر ذلك مبني على غفلة منه عن حاله الاولى. والا فلو ذكرها واحضرها في ذهنه لم ينكر ذلك اقسم الله تعالى وهو اصدق القائلين ربوبيته ليحشرن هؤلاء المنكرين للبعث. هم وشياطينهم فيجمعهم لميقات يوم معلوم اي جاثين على ركبهم من شدة الاهوال وكثرة الزلزال وفظاعة منتظرين لحكم الكبير المتعال. ولهذا ذكر حكمه فيهم فقال كل شيعة ايهم اشد على الرحمن عتيا. اي ثم لن ننزعن من كل طائفة وفرقة من الظالمين المشتركين في الظلم والكفر والعتو اشدهم عتوا واعظمهم ظلما واكبرهم كفرا ويقدمهم الى العذاب. ثم هكذا يقدم الى العذاب. الاغلظ اثما فالاغلظ. وهم في تلك الحال متلاعنون. يلعن بعضهم بعضا ويقول اخراهم لاولاهم ربنا هؤلاء اضلونا فاتهم عذابا ضعفا من النار. قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت اولاهم لاخراهم فما كان لكم علينا من فضل. وكل هذا تابع لعدله وحكمته وعلمه الواسع. ولهذا قال اي علمنا محيط بمن هو اولى صليا بالنار قد علمناهم وعلمنا اعمالهم واستحقاقها وقسطها من العذاب وهذا خطاب لسائر الخلائق برهم وفاجرهم مؤمنهم انه ما منهم من احد الا سيرد النار حكما حتمه الله على نفسه واوعد به عباده. فلا بد من نفوذه لا محيد عن وقوعه واختلف في معنى الورود. فقيل ورودها حضورها للخلائق كلهم. حتى يحصل الانزعاج من كل احد ثم بعد ينجي الله المتقين. وقيل ورودها دخولها. فتكون على المؤمنين بردا وسلاما. وقيل الورود هو المرور على الصراط الذي هو على متن جهنم. فيمر الناس على قدر اعمالهم. فمنهم من يمر كلمح البصر. وكالريح وكأجاويد خيل وكأجاويد الركاب. ومنهم من يسعى ومنهم من يمشي مشيا. ومنهم من يزحف زحفا. ومنهم من يخطف فيلقى في النار. كل قم بحسب تقواه ولهذا قال ثم ننجي الذين اتقوا الله تعالى بفعل المأمور واجتناب المحظور ونذر الظالمين انفسهم الكفر والمعاصي فيها جثيا وهذا بسبب ظلمهم وكفرهم. وجب لهم الخلود وحق عليهم العذاب. وتقطعت بهم الاسباب خير مقالا واحسن نديا. اي واذا تتلى على هؤلاء الكفار اياتنا بينات اي واضحات الدلالة على وحدانية نية الله وصدق رسله توجب لمن سمعها صدق الايمان وشدة الايقان. قابلوها بضد ما يجب لها واستهزءوا بها وبمن امن بها واستبدلوا بحسن حالهم في الدنيا على انهم خير من المؤمنين. فقالوا معارضين للحق. اي الفريقين؟ اي نحن والمؤمنون خير مقام اي في الدنيا من كثرة الاموال والاولاد وتوفر الشهوات واحسن نديا اي مجلسا اي تنتجوا من هذه المقدمة الفاسدة انهم اكثر اموالا واولادا. وقد حصلت لهم اكثر مطالبهم من الدنيا. ومجالسهم وانديتهم مزخرفة مزوقة والمؤمنون بخلاف هذه الحال وهم خير من المؤمنين. وهذا دليل في غاية الفساد. وهو من باب قلب الحقائق والا فكثرة الاموال والاولاد وحسن المنظر كثيرا ما يكون سببا لهلاك صاحبه وشقائه وشره. ولهذا قال تعالى وكم اهلكنا قبلهم من قرن هم احسن اثاثا ورئيا. هم احسن اثاثا اي متاعا من اوان وفرش وبيوت وزخارف واحسن رؤيا اي احسن مرأى ومنظرا. من غضارة العيش وسرور اللذات الصور فاذا كان هؤلاء المهلكون احسن منهم اثاثا ورئيا ولم يمنعهم ذلك من حلول العقاب بهم. فكيف يكون هؤلاء وهم اقل منهم واذل معتصمين من العذاب. اكفاركم خير من اولئكم ام لكم براءة في الزبر. وعلم من هذا ان الاستدلال على خير الاخرة بخير الدنيا من افسد الادلة وانه من طرق الكفار لما ذكر دليلهم الباطل الدال على شدة عنادهم وقوة ضلالهم اخبر هنا ان من كان في الضلالة بان رضيها لنفسه وسعى فيها فان الله يمده منها ويزيده فيها حبا عقوبة له على اختيار بها على الهدى. قال الله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة ونذروهم في طغيانهم يعمهون. حتى اذا او اي القائلون اي الفريقين خير مقاما واحسن نديا ما يوعدون اما العذاب بقتل او غيره واما الساعة التي هي باب الجزاء على الاعمال اي فحين اذ يتبين لهم بطلان دعواهم وانها دعوة مضمحلة ويتيقنون انهم اهل الشر واضعف ولكن لا يفيدهم هذا العلم شيئا. لانه لا يمكنهم الرجوع الى الدنيا فيعملون غير عملهم الاول والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا. لما ذكر انه يمد للظالمين في ضلالهم ذكر انه يزيد المهتدين هداية من فضله عليهم ورحمته. والهدى يشمل العلم النافع والعمل الصالح. وكل من سلك طريقا العلم والايمان والعمل الصالح زاده الله منه وسهله عليه ويسره له. ووهب له امورا اخر. لا تدخل تحت كسبه. وفي هذا دليل على زيادة الايمان ونقصه. كما قاله السلف الصالح ويدل عليه قوله تعالى ليزداد الذين امنوا ايمانا. وقوله تعالى واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا. ويدل عليه ايضا الواقع فان الايمان قول القلب واللسان. وعمل القلب والجوارح والمؤمنون متفاوتون في هذه الامور اعظم تفاوت. ثم قال خير عند ربك ثوابا وخير مردا والباقيات الصالحات اي الاعمال الباقية التي لا تنقطع اذا انقطع غيرها ولا تضمحل هي الصالحات منها من صلاة وزكاة وصوم وحج وعمرة. وقراءة وتسبيح وتكبير وتحميد وتهليل. واحسان الى المخلوقين واعمال قلبية وبدنية فهذه الاعمال خير عند ربك ثوابا وخير مردا اه اي خير عند الله. ثوابها واجرها وكثير للعاملين نفعها ورمدها. وهذا من باب استعمال افعال التفضيل في غير فانه ما ثم غير الباقيات الصالحات عمل ينفع. ولا يبقى لصاحبه ثوابه ولا ينجح. ومناسبة ذكر الباقيات الصالحات الله اعلم انه لما ذكر ان الظالمين جعلوا احوال الدنيا من المال والولد وحسن المقام ونحو ذلك. علامة لحسن حال صاحبها اخبر هنا ان الامر ليس كما زعموا. بل العمل الذي هو عنوان السعادة ومنشور الفلاح. هو العمل بما يحبه الله ويرضاه الذي كفر باياتنا وقال لاوتين ما لو وولدا اطلع الغيب ام اتخذ عند الرحمن عهدا كلا. اي افلا تتعجب من حالة هذا الكافر انه جمع بين كفره بايات الله ودعواه الكبيرة انه سيؤتى في الاخرة مالا وولدا. ان يكونوا من اهل الجنة. هذا من اعجب الامور. فلو كان مؤمنا بالله وادعى هذه الدعوة لسهل الامر. وهذه الاية وان كانت نازلة في كافر معين. فانها تشمل كل كافر. زعم انه على الحق انه من اهل الجنة. قال الله توبيخا له وتكذيبا اطلع الغيب اي احاط علمه بالغيب حتى علم ما يكون. وان من جملة ما يكون انه يؤتى يوم القيامة مالا وولد ام اتخذ عند الرحمن عهدا انه نائل ما قاله اي لم يكن شيء من ذلك فعلم انه متقول قائل ما لا له به وهذا التقسيم والترديد لغاية ما يكون من الالزام واقامة الحجة. فان الذي يزعم انه حاصل له خير عند الله في الاخرة لا يخلو اما ان يكون قوله صادرا عن علم بالغيوب المستقبلة. وقد علم ان هذا لله وحده فلا احد يعلم شيئا من المستقبلات الا ما اطلعه الله اليه من رسله. واما ان يكون متخذا عهدا عند الله بالايمان به واتباع رسله. الذي الله لاهله واوزع انهم اهل الاخرة الناجون الفائزون. فاذا انتفى هذان الامران علم بذلك بطلان الدعوى هذا قال تعالى قولوا ويأتينا فردا. كلا اي ليس الامر كما زعم. فليس للقائل اطلاع على الغيب لانه كافر. ليس عنده من علم من رسل شيء ولا اتخذ عند الرحمن عهدا بكفره وعدم ايمانه. ولكنه يستحق ضد ما تقوله. وان قوله مكتوب محفوظ ليجازى عليه ويعاقب. ولهذا قال يقول ويأتينا فردا. اي نزيده من انواع العقوبات كما ازداد من الغي والضلال ويرثهما يقول اي نرثهما له وولده فينتقل من الدنيا فردا بلا مال ولا اهل ولا انصار ولا اعوان. ويأتينا فردا فيرى من وخيم العذاب واليم العقاب. ما هو جزاء امثاله من ظالمين يكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا. المتر ان ارسلنا الشياطين انا الكافرين تؤزهم ازا. وهذا من عقوبة الكافرين انهم لما لم يعتصموا بالله ولم يتمسكوا بحبل الله بل اشركوا به ووالو اعداءه من الشياطين سلطهم عليهم وقيدهم لهم وجعلت الشياطين تؤزهم الى المعاصي ازا تزعجهم الى الكفر ازعاجا فيوسوسون لهم ويوحون اليهم ويزينون لهم الباطل ويقبحون لهم الحق فيدخل حب الباطل في بقلوبهم ويتشربها فيسعى فيه سعي المحق في حقه. فينصره بجهده ويحارب عنه. ويجاهد اهل الحق في سبيل الباطل. وهذا كله جزاء له على توليه من وليه وتوليه لعدوه جعل له عليه سلطان. والا فلو امن بالله وتوكل عليه لم يكن له عليه سلطان كما قال تعالى انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. انما سلطانهم على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. فلا تعجل عليهم انما نعد لهم عدا اه فلا تعجل عليهم اي على هؤلاء الكفار المستعجلين بالعذاب. انما نعد لهم عدا. اي ان لهم اياما معدودة لا يتقدمون عنها ولا يتأخرون. نمهلهم ونحلم عنهم مدة ليراجعوا امر الله. فاذا لم ينجح فيهم ذلك اخذناهم اخذ مقتدر يخبر تعالى عن تفاوت الفريقين المتقين والمجرمين وان المتقين له باتقاء الشرك والبدع والمعاصي. يحشرهم الى موقف القيامة مكرمين. مبجلين معظمين. وان ان مآلهم الرحمن وقصدهم المنان وفودا اليه والوافد لابد ان يكون في قلبه من الرجاء وحسن الظن بالوافد اليه. ما هو معلوم فالمتقون يفدون الى الرحمن راجين منه رحمته وعميم احسانه. والفوز بعطاياه في دار رضوانه. وذلك بسبب ما قدموه من العمل بتقواه واتباع مراضيه. وان الله عهد اليهم بذلك الثواب على السنة رسله. فتوجهوا الى ربهم مطمئنين به واثقين بفضله واما المجرمون. فانهم يساقون الى جهنم وردا اي عطاشا. وهذا ابشع ما يكون من الحالات. سوقهم على وجه الذل والصغار الى اعظم سجن وافظع عقوبة وهو جهنم في حال ظمأهم ونصبهم يستغيثون فلا يغاثون. ويدعون فلا يستجاب لهم. ويستشفعون فلا يشفع لهم لهذا قال لا يملكون الشفاعة اي ليست الشفاعة ملكهم ولا لهم منها شيء. وانما هي لله تعالى قل لله الشفاعة جميعا. وقد وانه لا تنفعهم شفاعة الشافعين. لانهم لم يتخذوا عنده عهدا بالايمان به وبرسله. والا فمن اتخذ عنده عهدا فامن به رسله واتبعهم فانه ممن ارتضاه الله وتحصل له الشفاعة كما قال تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى. وسمى الله الايمان به واتباع رسله عهدا. لانه عهد في كتبه وعلى السنة رسله. بالجزاء الجميل لمن اتبعهم. وقالوا اتخذ الرحمن ولدا. وهذا تقبيح وتشنيع لقول المعاندين الجاحدين. الذين زعموا ان الرحمن اتخذ ولدا قول النصارى المسيح ابن الله واليهود عزير ابن الله والمشركين الملائكة بنات الله تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. لقد جئتم شيئا ادا. اي عظيما وخيما. من عظيم امره انه تكاد السماوات على عظمتها وصلابتها يتفطرن منه اي من هذا القول وتنشق الارض منه اي تتصدع وتنفطر وتخر الجبال هدا اي تندك الجبال ان دعوا للرحمن اي من اجل هذه الدعوة القبيحة. تكاد هذه المخلوقات ان يكون منها ما ذكر الرحمن ان يتخذ ولدا. والحال انهما ينبغي اي لا يليق ولا يكون للرحمن ان يتخذ ولد وذلك لان اتخاذه الولد يدل على نقصه واحتياجه. وهو الغني الحميد. والولد ايضا من جنس والده. والله الا لا شبيه له ولا مثل ولا سمي اي دليلا منقاد غير متعاص ولا ممتنع. الملائكة والانس والجن وغيرهم مماليك متصرف فيهم ليس لهم من الملك شيء ولا من التدبير شيء. فكيف يكون له ولد وهذا شأنه وعظمة ملكه لقد اي لقد احاط علمه بالخلائق كلهم اهل السماوات والارض واحصاهم واحصى اعمالهم. فلا يضل ولا ينسى ولا تخفى عليه خافية يوم القيامة فردا. اي لا اولاد ولا مال ولا انصار. ليس معه الا عمله. فيجازيه الله ويوفيه في حسابه ان خيرا فخير وان شرا فشر. كما قال تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة ان الذين امنوا وعملوا لهم الرحمن ودا. هذا من نعمه على عباده الذين جمعوا بين الايمان والعمل الصالح. ان وعدهم ان يجعل لهم ودا. اي محبة وودادا في قلوب اوليائه واهل السماء والارض. واذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من امورهم. وحصل لهم من الخيرات والدعوات والارشاد والقبول امامة ما حصل. ولهذا ورد في الحديث الصحيح ان الله اذا احب عبدا نادى جبريل اني احب فلانا فاحبه ايحبه جبريل ثم ينادي في اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه. فيحبه اهل السماء ثم يوضع له القبول في الارض وانما جعل الله لهم ودا لانهم ودوه فوددهم الى اوليائه واحبابه لتبشر به المتقين وتنذرا يخبر تعالى عن نعمته تعالى وان الله يسر هذا القرآن الكريم بلسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يسر الفاظه ومعانيه. ليحصل المقصود منه والانتفاع به. لتبشر به المتقين بالترغيب في المبشر به من الثواب وبالعاجل والاجل وذكر الاسباب الموجبة للبشارة. وتنذر به قوما لدا اي شديدين في باطلهم. اقوياء في كفرهم فتنذرهم فتقوم عليهم الحجة وتتبين لهم المحجة فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ثم توعد اعادهم باهلاك المكذبين قبلهم. فقال وكم اهلكنا قبلهم من قرن من قوم نوح وعاد وثمود وفرعون. وغيرهم من المعاندين المكذبين. لما استمروا في اهلكهم الله فليس لهم من باقية والركز الصوت الخفي اي لم يبق منهم عين ولا اثر. بل بقيت اخبارهم عبرة للمعتبرين اسمارهم عظة للمتعظين