المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم طه من جملة الحروف المقطعة المفتتح بها كثير من السور. وليست اسما للنبي صلى الله عليه سلم اي ليس المقصود بالوحي وانزال القرآن عليك وشرع الشريعة لتشقى بذلك ويكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين. وتعجز عنه قوى العاملين. وانما الوحي والقرآن والشرع شرعه الرحيم الرحمن وجعله موصلا للسعادة والفلاح والفوز وسهله غاية التسهيل ويسر كل طرقه وابوابه وجعله نساء للقلوب والارواح وراحة للابدان. فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة بالقبول والاذعان. لعلمها بما احتوى عليه من الخير في الدنيا والاخرة. ولهذا قال الا ليتذكر به من يخشى الله تعالى قال ويتذكر ما فيه من الترغيب الى اجل المطالب. فيعمل بذلك. ومن الترهيب عن الشقاء والخسران. ويرهب منه. ويتذكر به الاحكام الحسنة الشرعية المفصلة التي كان مستقرا في عقله حسنها مجملا. فوافق التفصيل ما يجده في فطرته وعقله. ولهذا فسماه الله تذكرة والتذكرة لشيء كان موجودا الا ان صاحبه غافل عنه او غير مستحضر لتفصيله وخص بالتذكرة من لان غيره لا ينتفع به. وكيف ينتفع به من لم يؤمن بجنة ولا نار. ولا في قلبه من خشية الله مثقال ذرة. هذا ما لا سيتذكر من يخشى ويتجنبها الاشقى الذي يصلى النار الكبرى خلق الارض والسماوات العلى. ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم وانه تنزيل خالق الارض والسماوات كبروا لجميع المخلوقات اي فاقبلوا تنزيله بغاية الاذعان والمحبة والتسليم. وعظموه نهاية التعظيم. وكثيرا ما يقرن بين والامر كما في هذه الاية. وكما في قوله الا له الخلق والامر. وفي قوله الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن وذلك انه الخالق الامر الناهي. وكما انه لا خالق سواه فليس على الخلق الزام ولا امر ولا لا نهي الا من خالقهم. وايضا فان خلقه للخلق فيه التدبير الكوني القدري. وامره فيه التدبير الشرعي الديني. وكما ان الخلق لا يخرج عن الحكمة فلم يخلق شيئا عبثا فكذلك لا يأمر ولا ينهى الا بما هو عدل وحكمة واحسان. فلما بين انه خالق المدبر الامر الناهي اخبر عن عظمته وكبريائه فقال والذي على العرش الذي هو ارفع المخلوقات واعظمها واوسعها استوى استواء يليق بجلاله ويناسب عظمته وجماله استوى على العرش واحتوى على الملك وما بينهما من ملك وانسي وجني وحيوان وجماد ونبات. اي في الارض فالجميع ملك لله تعالى. عبيد مدبرون. مسخرون تحت قضائه وتدبيره. ليس لهم من الملك شيء ولا يملكون لانفسهم نفع ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فانه يعلم السر الكلام الخفي واخفى من السر الذي في القلب ولم ينطق به او السر ما خطر عليه القلب واخفى ما لم يخطر. يعلم تعالى انه يخطر في وقته وعلى صفته. والمعنى ان علمه تعالى محيط بجميع الاشياء اه دقيقها وجليلها وخفيها وظاهرها. فسواء جهرت بقولك او اسررته فالكل سواء بالنسبة لعلمه تعالى فلما قرر كماله المطلق بعموم خلقه وعموم امره ونهيه. وعموم رحمته وسعة عظمته وعلوه على عرشه. وعموم وعموم علمه نتج من ذلك انه المستحق للعبادة. وان عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع والعقل والفطرة عبادة غيره باطلة. فقال الله لا اله الا هو اي لا معبود بحق ولا مألوه بالحب والذل والخوف والرجاء والمحبة والانابة والدعاء الا له الاسماء الحسنى اي له الاسماء الكثيرة الكاملة الحسنى من حسنها انها كلها اسماء دالة على المدح فليس فيها اسم لا يدل على المدح والحمد. ومن حسنها انها ليست اعلاما محضة. وانما هي اسماء واوصاف. ومن حسنها انها ما دالة على الصفات الكاملة وان له من كل صفة اكملها واعمها واجلها. ومن حسنها انه امر العباد ان يدعوه بها. لانها مقربة اليه يحبها ويحب من يحبها ويحب من يحفظها. ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبد له بها. قال قال تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها لعلي اتيكم منها بقدس او اجد على النار هدى يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على وجه الاستفهام التقريري والتعظيم لهذه القصة والتفخيم لها فقال لاهلهم كسوء اني انست نارا. في حاله التي هي مبدأ سعادته ومنشأ نبوته انه رأى نارا من بعيد وكان قد ضل الطريق واصابه البرد ولم يكن عنده ما يتدفق به في سفره فقال لاهله اني انست اي ابصرت نارا وكان ذلك في جانب الطور الايمن منها بقدس او اجد على النار هدى. لعلي اتيكم منها بقبس تصطلون به اي من يهديني الطريق وكان مطلبه النور الحسي والهداية الحسية فوجد ثم النور المعنوي نور الوحي الذي تنير به الارواح والقلوب والهداية الحقيقية. هداية الصراط المستقيم. الموصلة الى جنات النعيم. فحصل له امر لم يكن في حسابه ولا خطر بباله انك بالوادي المقدس طوى. فلما اتاها اي النار التي انسها من بعيد. وكانت في الحقيقة نورا. وهي نار تحرق وتشرق. ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم. حجابه النور او النار. لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه فيما انتهى اليه بصره. فلما وصل اليها نودي منها اي ناداه الله كما قال وناديناه من جانب الطور الايمن وقربناه اي اخبره انه ربه وامره ان يستعد ويتهيأ لمناجاته. ويهتم لذلك ويلقي نعليه. لانه بالوادي المقدس المطهر المعظم ولو لم يكن من تقديسه الا ان الله اختاره لمناجاته كليمه موسى لكفى. وقد قال كثير من المفسرين ان الله امره ان يلقي عليه لانهما من جلد حمار والله اعلم بذلك انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني وانا اخترتك اي تخيرتك واصطفيتك من الناس وهذه اكبر نعمة ومنة انعم الله بها عليه. تقتضي من الشكر ما يليق بها. ولهذا قال اي القي سمعك للذي اوحي اليك فانه حقيق بذلك لانه اصل الدين ومبدأه وعماد الدعوة الاسلامية. ثم بين الذي يوحيه اليه بقوله اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري. اي الله المستحق الالوهية المتصف بها. لانه الكامل في اسمائه وصفاته المنفرد بافعاله الذي لا شريك له ولا مثيل ولا كفو ولا سمي الصلاة لذكري. فاعبدني بجميع انواع العبادة. ظاهرها وباطنها. اصولها وفروعها. ثم خص الصلاة بالذكر وان كانت داخلة في العبادة بفضلها وشرفها وتضمنها عبودية القلب واللسان والجوارح. وقوله لذكر اللام اي اقم الصلاة لاجل ذكرك اياي. لان ذكره تعالى اجل المقاصد وهو عبودية القلب وبه سعادته. فالقلب المعطل عن ذكر الله معطل عن كل خير. وقد خرب كل الخراب وشرع الله للعباد انواع العبادات. التي المقصود منها اقامة ذكره. خصوصا الصلاة. قال الله تعالى اتل ما اوحي اليك من الكتاب واقم الصلاة. ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. ولذكر الله اكبر اي ما فيها من ذكر الله اكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر. وهذا النوع يقال له توحيد الالوهية وتوحيد العبادة. فالالوهية وصف تعالى والعبودية وصف عبده نفس بما تسعى. ان الساعة اتية اي لا بد من وقوعها. اكاد اخفيها. اي عن نفسي كما في بعض القراءات كقوله تعالى يسألك الناس عن الساعة. قل انما علمها عند الله. وقال وعنده علم الساعة. فعلمها قد اخفاه عن الخلائق كلهم. فلا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل. والحكمة في اتيان الساعة من الخير والشر. فهي الباب لدار الجزاء ليجزي الذين اساءوا بما عملوا. ويجزي الذين احسنوا بالحسنى. اي لا يصدك ويشغلك عن الايمان بالساعة والجزاء. والعمل لذلك من كان كافرا بها غير معتقد لوقوعها. يسعى في الشك فيها والتشكيك ويجادل فيها بالباطل. ويقيم من الشبه ما يقدر عليه. متبعا في ذلك هواه. ليس قصده الوصول الى الحق. وانما اتباع الهوى فاياك ان تصغي الى من هذه حاله او تقبل شيئا من اقواله واعماله الصادة عن الايمان بها والسعي لها سعيها وانما حذر الله تعالى عمن هذه حاله لانه من اخوف ما يكون على المؤمن بوسوسته وتدجيله. وكون النفوس مجبولة على التشبه والاقتداء بابناء الجنس. وفي هذا تنبيه واشارة الى التحذير من كل داع الى باطل. يصد عن الايمان الواجب او عن كماله. او يوقع الشبهة في القلب وعن النظر في الكتب المشتملة على ذلك. وذكر في هذا الايمان به وعبادته. والايمان باليوم الاخر. لان هذه الامور الثلاثة اصول الايمان وركن الدين. واذا تمت تم امر الدين ونقصه او فقده بنقصها او نقص شيء من منها وهذه نظير قوله تعالى في الاخبار عن ميزان سعادة الفرق. الذين اوتوا الكتاب وشقاوتهم. ان الذين امنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وقوله اي تهلك وتشقى. ان اتبعت طريق من يصد عنها. وقوله تعالى يا موسى لما بين الله لموسى اصل الايمان اراد ان يبين له ويريه من اياته ما يطمئن به قلبه وتقر به عينه ويقوى ايمانه بتأييد الله له على عدوه. فقال وما تلك بيمينك يا موسى؟ هذا مع تعالى ولكن لزيادة الاهتمام في هذا الموضع. اخرج الكلام بطريق الاستفهام. فقال موسى واهش بها على غنمي. ذكر فيها هاتين المنفعتين منفعة لجنس الادمي وهو انه ويعتمد عليها في قيامه ومشيه فيحصل فيها معونة ومنفعة للبهائم. وهو انه كان يرعى الغنم. واذا رعاها في شجر الخط ونحوه هش بها اي ضرب الشجر ليتساقط ورقه فيرعاه الغنم. هذا الخلق الحسن من موسى عليه السلام الذي من اثاره حسن رعايته اية الحيوان البهيم والاحسان اليه. دل على عناية من الله له واصطفاء. وتخصيص تقتضيه رحمة الله تعالى وحكمته فيها مآرب اخرى. ولي فيها مآرب اي مقاصد اخرى غير هذين الامرين. ومن ادب موسى عليه السلام ان الله لما سأل عما في يمينه وكان السؤال محتملا عن السؤال عن عينها او منفعتها اجابه بعينها ومنفعتها قال الله له قلبت باذن الله ثعبانا عظيما. فولى موسى هاربا خائفا ولم يعقب. وفي وصفها بانها تسعى ازالة لوهم يمكن وجوده وهو ان يظن انها تخييل لا حقيقة. فكونها تسعى يزيل هذا الوهم. فقال الله لموسى سنعيدها سيرتها الاولى. خذها ولا تخف اي ليس عليك منها بأس الاولى اي هيئتها وصفتها اذ كانت عصا فامتثل موسى امر الله ايمانا به وتسليما فاخذها فعادت التي كان يعرفها هذه اية. ثم ذكر الاية الاخرى فقال واضمم يدك الى جناحك اي ادخل يدك في جيبك وضم عليك عضدك. الذي هو جناح الانسان تخرج بيضاء من غير سوء. اي بياضا ساطعا. من غير عيب ولا برص. قال الله فذلك برهانان من ربك الى فرعون وملأه. انهم كانوا من فاسقين. اي فعلنا ما ذكرنا من انقلاب العصا حية تسعى ومن خروج اليد بيضاء للناظرين لاجل ان نريك من اياتنا الكبرى. الدالة على صحة رسالتك وحقيقة ما جئت به. فيطمئن قلبك ويزداد علمك وتثق بوعد الله لك بالحفظ والنصرة. ولتكون حجة وبرهانا لمن ارسلت اليهم لما اوحى الله الى موسى ونبأه واراه الايات الباهرات ارسله الى فرعون ملك مصر قال اي تمرد وزاد على الحد في الكفر والفساد والعلو في الارض والقهر للضعفاء حتى انه ادعى الربوبية والالوهية قبحه الله. اي وطغيانه سبب لهلاكه. ولكن من رحمة الله وحكمته وعدله انه لا يعذب احدا الا بعد قيام الحجة بالرسل. فحينئذ علم موسى عليه السلام انه تحمل حملا عظيما. حيث ارسل الى هذا الجبار العنيد الذي ليس له منازع في مصر من الخلق. وموسى عليه السلام وحده. وقد جرى منه ما جرى من القتل. فامتثل امر ربه وتلقاه بالانشراح والقبول وسأله النعونة وتيسير الاسباب التي هي من تمام الدعوة. فقال رب اشرح لي صدري اي وسعه وافسحه لاتحمل الاذى القولي المستوى الفعلي ولا يتكدر قلبي بذلك. ولا يضيق صدري فان الصدر اذا ضاق. لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم. قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين وسعة الصدر وانشراحه عليهم. اي سهل علي كل امر اسلكه وكل طريق اقصده في سبيلك. وهون علي ما امامي من الشدائد. ومن تيسير الامر ان ييسر للداعي ان يأتي جميع الامور من ابوابها ويخاطب كل احد بما يناسب له ويدعوه باقرب الطرق الموصلة الى قبول قوله وكان في لسانه ثقل لا يكاد يفهم عنه الكلام. كما قاله المفسرون كما قال الله عنه انه قال واخي هارون هو افصح مني لسانا. فسأل الله ان يحل منه عقدة. يفقه ما يقول فيحصل المقصود التام من المخاطبة والمراجعة والبيان عن المعاني واجعل لي وزيرا من اهلي. اي معينا يعاونني ويؤازرني. ويساعدني على من ارسلت اليهم. وسأل الله ان يكون كان من اهله لانه من باب البر واحق ببر الانسان قرابته. ثم عينه بسؤاله فقال اي قوني به وشد به ظهري. قال الله سنشد عضدك باخيك ونجعل لك ما سلطانا واشركه في اي في النبوة بان تجعله نبيا رسولا كما جعلتني. ثم ذكر الفائدة في ذلك فقال علم عليه الصلاة والسلام ان مدار العبادات كلها والدين على ذكر الله فسأل الله ان يجعل اخاه معه يتساعدان ويتعاونان على البر والتقوى. فيكثر منهما ذكر الله من التسبيح والتهليل. وغيره من انواع العبادات تعلم حالنا وضعفنا وعجزنا افتقارنا اليك في كل الامور. وانت ابصر بنا من انفسنا وارحم. فمن علينا بما سألناك. واجب لنا فيما دعوناك. فقال الله اي اعطيت جميع ما طلبت فسنشرح صدرك ونيسر امرك ونحل عقدة من لسانك. يفقه قولك ونشد عضدك باخيك هارون ونجعل لك ما سلطانا فلا يصلون اليكم باياتنا انتما ومن اتبعكما الغالبون. وهذا السؤال من موسى عليه السلام يدل على كمال معرفته بالله. وكمال فطنته للامور وكمال نصحه. وذلك ان الداعي الى الله المرشد للخلق. خصوصا اذا كان المدعو من اهل العناد والتكبر والطغيان يحتاج الى سعة صدر وحلم تام على ما يصيبه من الاذى. ولسان فصيح يتمكن من التعبير به عما يريده ويقصده بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام من الزم ما يكون لكثرة المراجعات والمراوضات ولحاجته لتحسين الحق وتزيينه بما يقدر عليه يحببه الى النفوس والى تقبيح الباطل وتهجينه لينفر عنه. ويحتاج مع ذلك ايضا ان يتيسر له امره فيأتي البيوت من ابوابها ويدعو الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. والمجادلة بالتي هي احسن. يعامل الناس كلا بحسب في حاله وتمام ذلك ان يكون لمن هذه صفته اعوان ووزراء ساعدونه على مطلوبه. لان الاصوات اذا كثرت لا بد ان تؤثر فلذلك سأل عليه الصلاة والسلام هذه الامور فاعطيها. واذا نظرت الى حالة الانبياء المرسلين الى الخلق رأيتهم بهذه الحالة بحسب احوالهم خصوصا خاتمهم وافضلهم محمد صلى الله عليه وسلم. فانه في الذروة العليا من كل صفة كمال. وله من شرح قدر وتيسير الامر وفصاحة اللسان وحسن التعبير والبيان والاعوان على الحق من الصحابة فمن بعدهم ما ليس لغيره لما ذكر منته على عبده ورسوله موسى ابن عمران في الدين والوحي والرسالة واجابة سؤاله. ذكر نعمته عليه وقت التربية والتنقلات في اطواره. فقال حيث الهمنا امك ان تقذفك في التابوت وقت الرضاع خوفا من فرعون لانه امر ذبح ابناء بني اسرائيل فاخفته امه وخافت عليه خوفا شديدا فقذفته في التابوت ثم قذفته في اليم اي شطني لمصر فامر الله اليم ان يلقيه في الساحل وقيد ان يأخذه اعدى الاعداء لله ولموسى. ويتربى في اولاده ويكون قرة عين لمن رآه ولهذا قال والقيت عليك محبة مني وكل من رآه احبه. اي ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي. واي نظر وكفالة اجل واكمل من ولاية البر الرحيم. القادر على ايصال مصالح عبده ودفع المضار عنه. فلا ينتقل من حالة الى الا والله تعالى هو الذي دبر ذلك لمصلحة موسى ومن حسن تدبيره ان موسى لما وقع في يد عدوه قلقت امه قلقا شديدا واصبح فؤادها فارغا وكادت تخبره لولا ان الله ثبتها وربط على قلبها. في هذه الحالة حرم الله على موسى المراضع. فلا يقبل ثدي امرأة قط. ليكون اله الى امه فترضعه. ويكون عندها مطمئنة ساكنة قريرة العين. فجعلوا يعرضون عليه المراضع. فلا يقبل ثديا فجاءت اخت موسى فقالت لهم هل ادلكم على اهل بيت يكفلونه لكم؟ وهم له ناصحون وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وقتلت نفسا وهو القبطي لما دخل المدينة وقت غفلة من اهلها وجد رجلين يقتتلان من شيعة موسى والاخر من عدوه قبطي. استغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه. فوكزه موسى فقضى عليه. فدعا الله وسأله المغفرة فغفر له ثم فر هاربا لما سمع ان الملأ طلبوه يريدون قتله. فنجاه الله من الغم من عقوبة الذنب ومن القتل اي اختبرناك وبلوناك ووجدناك مستقيما في احوالك او نقلنا هناك في احوالك واطوارك حتى وصلت الى ما وصلت اليه فلبثت سنين في اهل مدين حين فر هاربا من فرعون وملأه حين ارادوا قتله فتوجه الى مدين ووصل اليها وتزوج هناك ومكث عشر سنين او ثمان سنين اي جئت مجيئا قد مضى به القدر وعلمه الله واراده في هذا الوقت وهذا الزمان وهذا المكان. ليس مجيئك اتفاقا من غير قصد ولا تدبير منا. وهذا يدل على كمال اعتناء الله بكليمه موسى عليه السلام. ولهذا قال اي اجريت عليك صنائعي ونعمي وحسن عوائدي لتكون لنفسي حبيبا مختصا. وتبلغ في ذلك مبلغا لا يناله احد من الخلق. الا النادر منهم. واذا كان الحبيب اذا اراد اصطناع حبيبه من المخلوقين. واراد ان يبلغ من الكمال المطلوب له ما يبلغ. يبذل غاية جهده ويسعى نهاية ما يمكنه في ايصاله لذلك فما ظنك بصنائع الرب القادر الكريم؟ هو ما تحسبه يفعل بمن اراده لنفسه واصطفاه من خلقه لما امتن الله على موسى بما امتن به من النعم الدينية والدنيوية قال له اذهب انت واخوك هارون بايات اي الايات التي مني الدالة على الحق وحسنه وقبح الباطل باليد والعصا ونحوها في تسع ايات الى فرعون وملأه. اي لا تفترا ولا تكسلا عن مداومة ذكر بل استمرا عليه والزماه كما وعدتما بذلك. كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا. فان ذكر الله فيه معونة على جميع الامور يسهلها ويخفف حملها. اي جاوز الحد في كفر به وطغيانه وظلمه وعدوانه. فقولا له وقولا لينا اي سهلا لطيفا برفق ولين ادب في اللفظ من دون فحش ولا صلف. ولا غلظة في المقال او فظاظة في الافعال لعله يتذكر او يخشى. لعله بسبب القول اللين يتذكر ما ينفعه فيأتيه. او يخشى ما يضره فيتوب كوكو فان القول اللين داع لذلك. والقول الغليظ منفر عن صاحبه. وقد فسر القول اللين في قوله فقل هل لك الى ان واهديك الى ربك فتخشى. فان في هذا الكلام من لطف القول وسهولته. وعدم بشاعته ما لا يخفى على المتأمل. فانه اتى بهل الدالة على العرض والمشاورة التي لا يشمئز منها احد. ودعاه الى التزكي والتطهر من الادناس. التي اصلها التطهر عن الشرك الذي يقبله كل عقل سليم. ولم يقل ازكيك بل قال تزكى انت بنفسك. ثم دعاه الى سبيل ربه الذي رباه وانعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة. التي ينبغي مقابلتها بشكرها وذكرها فقال واهديك الى ربك فتخشى فلما لم يقبل هذا الكلام اللين الذي يأخذ حسنه بالقلوب. علم انه لا ينجح فيه تذكير. فاخذه الله اخذ عزيز مقتدر قال ربنا اننا نخاف ان يفرط علينا او ان يطغى. قال ربنا اننا نخاف ان يفرط علينا ان يبادرنا بالعقوبة والايقاع بنا قبل ان تبلغه رسالاتك. ونقيم عليه الحجة يتمردوا عن الحق ويطغى بملكه وسلطانه وجنده واعوانه قال لا تخافا ان يفرط عليكما اي انتما بحفظي ورعايتي اسمع اقوالكما وارى جميع احوالكما. فلا تخاف منه. فزال الخوف عنهما واطمأنت قلوبهما بوعد ربهما اي فاتياه بهذا بين الامرين دعوته الى الاسلام وتخليص هذا الشعب الشريف بني اسرائيل من قيده وتعبيده لهم. ليتحرروا ويملكوا امرهم ويقيم فيهم موسى شرع الله ودينه اه قد جئناك باية تدل على صدقنا. فالقى موسى عصاه فاذا هي ثعبان مبين. ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين الى اخر ما ذكر الله عنهما. اي من اتبع الصراط المستقيم واهتدى بالشرع المبين حصلت له السلامة في الدنيا والاخرة انا قد اوحي الينا اي خبر من عند الله لا من عند انفسنا اي كذب باخبار الله واخبار رسله وتولى عن الانقياد لهم واتباعهم وهذا فيه الترغيب لفرعون الايمان والتصديق واتباعهما والترهيب من ضد ذلك. ولكن لم يفد فيه هذا الوعظ والتذكير. فانكر ربه وكفر. وجادل في في ذلك ظلما وعنادا اي قال فرعون لموسى على وجه الانكار اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. فاجاب موسى بجواب شاف كاف واضح. فقال الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى. اي ربنا الذي خلق جميع المخلوقات واعطى كل مخلوق خلقه به الدال على حسن صنعه من خلقه. من كبر الجسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته. ثم هدى كل مخلوق الى ما خلقه وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات. فكل مخلوق تجده يسعى لما خلق له من المنافع. وفي دفع المضار عنه حتى ان الله تعالى اعطى الحيوان البهيم من العقل ما يتمكن به على ذلك. وهذا كقوله تعالى الذي احسن كل شيء خلقه الذي خلق المخلوقات واعطاها خلقها الحسن الذي لا تقترح العقول فوق حسنه وهداها لمصالحها هو الرب على الحقيقة فانكاره انكار لاعظم الاشياء وجودا. وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب. فلو قدر ان الانسان انكر من الامور المعلومة ما انكر كان انكاره لرب العالمين اكبر من ذلك. ولهذا لما لم يمكن فرعون ان يعاند هذا الدليل القاطع عدل الى المشاغبة وحاد عن المقصود فقال لموسى اي ما شأنهم؟ وما خبرهم؟ وكيف وصلت بهم الحال وقد سبقونا الى الانكار والكفر والظلم والعناد ولنا فيهم اسوة. فقال موسى كتابة لا يضل ربي ولا ينسى. اي قد احصى اعمالهم من خير وشر وكتبه في كتاب وهو اللوح المحفوظ واحاط به علما وخبرا. فلا يضل عن شيء منها ولا ينسى ما علمه منها. ومضمون ذلك انهم قدموا الى ما قدموا ولاقوا اعمالهم وسيجازون عليها. فلا معنى لسؤالك واستفهامك يا فرعون عنهم. فتلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. فان كان الدليل الذي اوردناه عليك. والايات التي اريناكها قد تحققت صدقها ويقينها والواقع ان قد الى الحق ودع عنك الكفر والظلم. وكثرة الجدال بالباطل. وان كنت قد شككت فيها او رأيتها غير مستقيمة. الطريق وباب البحث غير مغلق. فرد الدليل بالدليل. والبرهان بالبرهان. ولن تجد لذلك سبيلا. ما دام الملوان كيف وقد اخبر الله عنه انه جحدها مع استيقانها. كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. وقال موسى لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر. فعلم انه ظالم في جداله قصده العلو في الارض. ثم استطرد في هذا الدليل القاطع بذكر كثير من نعمه واحسانه الضروري. فقال لكم فيها سبلا وانزل من السماء ماء فاخرجنا به ازواجا الذي جعل لكم الارض مهدا اي فراشا بحالة تتمكنون من السكون فيها والقرار والبناء واثارتها للازدراع وغيره وذللها لذلك. ولم يجعلها ممتنعة عن مصلحة من مصالحكم. وسلك لكم فيها اي نفذ لكم الطرق الموصلة من ارض الى ارض ومن قطر الى قطر. حتى كان الادميون يتمكنون من الوصول الى جميع الارض باسهل ما يكون وينتفعون باسفارهم اكثر مما ينتفعون باقامتهم اي انزل المطر فاحيا به الارض بعد موتها وانبت بذلك جميع اصناف النوابت على اختلاف انواعها. وتشتت اشكالها وتباين احوالها. فساقه وقدره ويسره رزقا لنا ولانعامنا ولولا ذلك لهلك من عليها من ادمي وحيوان. ولهذا قال كلوا وارعوا انعامكم وسياقها على وجه الامتنان ليدل ذلك على ان الاصل في جميع النوابت الاباحة فلا يحرم منهم الا ما كان مضرا كالسموم ونحوه اي لذوي العقول الرزينة والافكار المستقيمة على فضل الله واحسانه ورحمته وسعة جوده عنايته وعلى انه الرب المعبود المالك المحمود الذي لا يستحق العبادة سواه ولا الحمد والمدح والثناء الا من امتن بها هذه النعم وعلى انه على كل شيء قدير. وكما احيا الارض بعد موتها ان ذلك لمحيي الموتى. وخص الله اولي النهى بذلك انهم المنتفعون بها. الناظرون اليها نظر اعتبار. واما من عاداهم فانهم بمنزلة البهائم السارحة والانعام السائمة. لا ينظر اليها نظر اعتبار. ولا تنفذ بصائرهم الى المقصود منها. بل حظهم حظ البهائم. يأكلون ويشربون. وقلوبهم لاهية اجسامهم معرضة وكأي من اية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون. منها خلقناكم وفيها لا نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى. ولما ذكر كرم الارض وحسن شكرها لما ينزله الله عليها من المطر وانها باذن ربها تخرج النبات المختلف الانواع. اخبر انه خلقنا منها وفيها يعيدنا اذا متنا فدفن فيها ومنها يخرجنا تارة اخرى. فكما اوجدنا منها من العدم. وقد علمنا ذلك وتحققناه. فسيعيدنا بالبعث منها بعد موتنا ليجازينا باعمالنا التي عملناها عليها. وهذان دليلان على الاعادة عقليان واضحان. اخراج النبات من الارض بعد موتها واخراج المكلفين منها في ايجادهم يخبر تعالى انه ارى فرعون من الايات والعبر والقواطع جميع انواعها العيانية والافقية والنفسية. فما استقام ولا رعوى وانما كذب وتولى كذب بالخبر. وتولى عن الامر والنهي وجعل الحق باطلا والباطل حقا. وجادل بالباطل ليضل الناس. زعم ان هذه الايات التي اراها اياه موسى سحر وتمويه. المقصود منها اخراجهم من ارضهم. والاستيلاء عليها ليكون كلامه مؤثرا في قلوب قومه الطباعة تميل الى اوطانها. ويصعب عليها الخروج منها ومفارقتها. فاخبرهم ان موسى هذا قصده ليبغضوه ويسعوا في محاربة نحن ولا نأتينك بسحر مثل سحرك فامهلنا واجعل لنا موعدا لا نخلفه نحن ولا انت مكانا سوى اي مستو علمنا وعلمك به. او مكانا مستويا معتدلا ليتمكن من رؤية ما فيه. فقال موسى موعدكم يوم الزينة وهو عيدهم الذي يتفرغون فيه ويقطعون شواغلهم. وان يحشر الناس ضحى. اي يجمعون كلهم في وقت الضحى وانما قال موسى ذلك لان يوم الزينة ووقت الضحى منه يحصل فيه من كثرة الاجتماع ورؤية الاشياء على حقائقها ما لا يحصل في غيره فتولى فرعون فجمع كيده ثم اتى. اي جميع ما يقدر عليه مما يكيد به موسى. فارسلت في مدائنه من يحشر السحرة الماهرين في سحرهم. وكان السحر اذ ذاك متوفرا وعلمه علما مرغوبا فيه. فجمع خلقا كثيرا من السحرة ثم اتى كل منهما للموعد واجتمع الناس للموعد. فكان الجمع حافلا حضره الرجال والنساء والملأ والاشراف والصغار والكبار وحضوا الناس على الاجتماع وقالوا للناس هل انتم مجتمعون؟ لعلنا نتبع السحرة ان كانوا هم الغالبون فحين اجتمعوا من جميع البلدان وعظهم موسى عليه السلام واقام عليهم الحجة وقال لهم يا ويلكم لا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب. وقد خاب من افترى اي لا تنصروا ما انتم عليه من الباطل بسحركم وتغالبون الحق. وتفترون على الله الكذب. فيستأصلكم بعذاب من عنده ويخيب فسعيكم وافتراؤكم فلا تدركون ما تطلبون من النصر والجاه عند فرعون وملأه. ولا تسلمون من عذاب الله وكلام الحق لابد ان يؤثر في القلوب. لا جرم ارتفع الخصام والنزاع بين السحرة سمعوا كلام موسى وارتبكوا ولعل من جملة نزاعهم الاشتباه في موسى هل هو على الحق ام لا؟ ولكن هم الى الان ما تم امرهم ليقضي الله امرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. فحينئذ اسروا فيما بينهم النجوى وانهم يتفقون على مقالة واحدة. لينجحوا في مقالهم وفعالهم. وليتمسك الناس بدينهم والنجوى التي اسروها بقوله ويذهبا بطريقتكم المثلى. كما قالت فرعون السابقة فاما ان يكون ذلك توافقا من فرعون والسحرة على هذه المقالة من غير قصد. واما ان يكون تلقينا منه لهم مقالته التي صمم عليها واظهرها للناس. وزادوا على قول فرعون ان قالوا اي طريقة السحر حسدكم عليها واراد ان يظهر عليكم ليكون له الفخر والصيت والشهرة ويكون هو المقصود بهذا العلم الذي اشغلتم زمانكم فيه ويذهب عنكم ما كنتم تأكلون بسببه. وما يتبع ذلك من الرياسة وهذا حظ من بعضهم على بعض على الاجتهاد في مغالبتهم ولهذا قالوا فاجمعوا كيدكم. اي اظهروه دفعة واحدة. متظاهرين متساعدين فيه. متناصرين. متفقا رأيكم كلمتكم ثم اتوا صفا ليكون امكن لعملكم واهيب لكم في القلوب. ولان لا يترك بعضكم بعض مقدوره عن العمل. واعلموا ان من افلح اليوم ونجح وغلب غيره فانه المفلح الفائز. فهذا يوم له ما بعده من الايام. فلله درهم ما اصلبهم في باطلهم واشدهم فيه. حيث اتوا بكل سبب ووسيلة وممكن. ومكيدة يكيدون بها الحق. ويأبى الله الا ان يتم نوره اظهر الحق على الباطل. فلما تمت مكيدتهم وانحصر مقصدهم. ولم يبقى الا العمل القي واما ان نكون اول من القى. قالوا يا موسى اما ان تلقي عصاك خيروه موهمين انهم على جزم من ظهورهم عليه باي حالة كانت. فقال لهم موسى قال فالقوا حبالهم وعصيهم يخيل اليه اي الى موسى من سحرهم البليغ. اي انها تسعى فلما خيل الى موسى ذلك. كما هو مقتضى الطبيعة البشرية والا فهو جازم بوعد الله ونصره. قلنا له تثبيتا وتطمينا انك انت الاعلى عليهم اي ستعلو عليهم وتقهرهم ويذلوا لك والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيد ساحر. والقي ما في يمينك اي عصاك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث اتاك. اي كيدهم ومكرهم ليس بمثمر لهم ولا ناجح فانه من كيد السحرة. الذين يموهون على الناس ويلبسون الباطل ويخيلون انهم على الحق موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا كله واكلته. والناس ينظرون لذلك الصنيع. فعلم السحرة علما يقينا ان هذا ليس بسحر. وان من الله فبادروا للايمان فالقي السحرة ساجدين قالوا امنا برب العالمين. رب موسى وهارون. ووقع الحق وظهر وسطع. وبطل السحر والكيد في ذلك المجمع العظيم. فصارت بينة ورحمة للمؤمنين وحجة على المعاندين له قبل ان اذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر فلاقطعن ايديكم ولاصلبنكم في جدوع النخل ولتعلمن ان اينا اشد عذابا ولتعلمن اينا اشد عذابا وابقى. قال فرعون للسحرة امنتم له قبل ان اذن لكم. اي كيف اقدمتم على الايمان من دون مراجعة مني ولا اذن. استغرب ذلك منهم بادب معه وذلهم وانقيادهم له في كل امر من امورهم. وجعل هذا من ذاك. ثم استلج فرعون في كفره وطغيانه بعد هذا البرهان واستخف عقول قومه واظهر لهم ان هذه الغلبة من موسى للسحرة ليس لان الذي معه الحق بل لانه تمالأ هو والسحرة ومكروا ودبروا ان يخرجوا فرعون وقومه من بلادهم فقبل قومه هذا المكر منه وظنوه صدقا فاستخف قومه فاطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين. مع ان هذه المقالة التي قالها لا تدخل عقل من له ادنى مسكة من عقل. ومعرفة بالواقع فان موسى اتى من مدين وحيدا وحين اتى لم يجتمع باحد من السحرة ولا غيرهم. بل بادر الى دعوة فرعون وقومه واراهم ايات فاراد فرعون ان يعارض ما جاء به موسى فسعى ما امكنه. وارسل في مدائنه من يجمع له كل ساحر عليم. فجاؤوا اليه ووعدهم الاجر والمنزلة عند الغلبة. وهم حرصوا غاية الحرص. وكادوا اشد الكيد على غلبتهم لموسى. وكان منهم ما كان. فهل ان يتصور مع هذا ان يكونوا دبروهم وموسى واتفقوا على ما صدر. هذا من امحل المحال. ثم توعد فرعون السحرة فقال كما يفعل بالمحارب الساعي بالفساد يقطع يده قمنا ورجله اليسرى ولاصلبنكم في جذوع النخل. اي لاجل ان تشتهروا وتختزوا يعني بزعمه هو او الله. وانه اشد عذابا من الله وابقى. قلبا للحقائق لمن لا عقل له. ولهذا لما عرف السحرة الحق ورزقهم الله من العقل ما يدركون به الحقائق. اجابوه بقولهم. قالوا البينات والذي فطرنا. اي لن نختارك وما وعدتنا اقتنى به من الاجر والتقريب على ما ارانا الله من الايات البينات الدالات على ان الله هو الرب المعبود وحده. المعظم المبجل ان ما سواه باطل ونؤثرك على الذي فطرنا وخلقنا هذا لا يكون فاقض ما انت قاض مما اوعدتنا به من القطع والصلب والعذاب. انما تقضي هذه الحياة الدنيا اي انما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا. ينقضي ويزول ولا يضرنا بخلاف عذاب الله. لمن استمر على كفره فانه دائم عظيم. وهذا كانه جواب منهم لقوله وفي هذا الكلام من السحرة دليل على انه ينبغي للعاقل ان يوازن بين لذات الدنيا ولذات الاخرة وبين عذاب الدنيا وعذاب الاخرة. اي كفرنا ومعاصينا فان الايمان مكفر للسيئات والتوبة تجب ما قبلها. وما اكرهتنا عليه من السحر الله خير وابقى. وما اكرهتنا عليه من السحر الذي عارضنا به الحق. هذا دليل على انهم غير مختارين في عملهم المتقدم وانما اكرههم فرعون اكراها. والظاهر والله اعلم ان موسى لما وعظهم كما تقدم في قوله ويلكم لا تفتروا على والله كذبا فيسحتكم بعذاب. اثر معهم. ووقع منهم موقعا كبيرا. ولهذا تنازعوا بعد هذا الكلام والموعظة. ثم ان فرعون الزمهم ذلك واكرههم على المكر الذي اجروه. ولهذا تكلموا بكلامه السابق قبل اتيانهم. حيث قالوا ان هذان لساحران يريد ان يخرجاكم من ارضكم بسحرهما فجروا على ما سنه لهم واكرههم عليه ولعل هذه النكتة التي قامت بقلوبهم من كراهتهم بهم لمعارضة الحق بالباطل. وفعلهم ما فعلوا على وجه الاغماض هي التي اثرت معهم. ورحمهم الله بسببها ووفقهم للامام والتوبة. والله خير مما وعدتنا من الاجر والمنزلة والجاه. وابقى ثوابا واحسانا لا ما يقول فرعون ولتعلمن اينا اشد عذابا وابقى. يريد انه اشد عذابا وابقى. وجميع ما اتى من قصص موسى مع فرعون يذكر الله فيه اذا اتى على قصة السحرة ان فرعون توعدهم بالقطع والصلب ولم يذكر انه فعل ذلك ولم يأتي في ذلك حديث صحيح والجزم بوقوعه او عدمه يتوقف على الدليل. والله اعلم بذلك وغيره. ولكن توعده اياهم بذلك مع اقتداره دليل على وقوعه ولانه لو لم يقع لذكره الله والاتفاق الناقلين على ذلك انه مجرما فان له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى. يخبر تعالى ان من اتاه قدم عليه مجرما اي وصفه الجرم من كل وجه. وذلك يستلزم الكفر. واستمر على ذلك حتى مات. فان له نار جهنم جديد نكالها العظيمة اغلالها البعيد قعرها. الاليم حرها وقرها. التي فيها من العقاب ما يذيب الاكباد هذا والقلوب ومن شدة ذلك ان المعذب فيها لا يموت ولا يحيى. لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة يتلذذ بها. وانما حياة محشوة بعذاب القلب والروح والبدن. الذي لا يقدر قدره ولا يفتر عنه ساعة. يستغيث فلا يغاث ويدعو فلا يستجاب له نعم اذا استغاث اغيث بماء كالمهل يشوي الوجوه. وان دعا اجيب باخسئوا فيها ولا تكلمون. ومن مؤمنا قد عمل الصالحات فاولئك لهم الدرجات العلى ومن يأتي ربه مؤمنا به مصدقا لرسله متبعا لكتبه قد عمل الصالحات الواجبة والمستحبة. اي المنازل العاليات في الغرف المزخرفات واللذات المتواصلات والانهار السارحات والخلود الدائم والسرور العظيم. فما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذلك الثواب جزاء من تزكى. اي تطهر من الشرك والكفر والفسوق والعصيان. اما الا يفعلوها بالكلية او يتوبوا مما فعله منه وزكى ايضا نفسه ونماها بالايمان والعمل الصالح. فان التزكية معنيين. التنقية وازالة الخبث والزيادة بحصول الخير وسميت الزكاة زكاة لهذين الامرين لما ظهر موسى بالبراهين على فرعون وقومه مكث في مصر يدعوهم الى الاسلام. ويسعى في تخليص بني اسرائيل من فرعون وعذابه. وفرعون في عتو ونفور وامره شديد على بني اسرائيل ويريه الله من الايات والعبر ما قصه الله علينا في القرآن. وبنو اسرائيل لا يقدرون ان يظهروا ايمانهم ويعلنوه اتخذوا بيوتهم مساجد وصبروا على فرعون واذاه. فاراد الله تعالى ان ينجيهم من عدوهم. ويمكن لهم في الارض ليعبدوه جهرا ويقيم امره فاوحى الى نبيه موسى عن سر او سيروا اول الليل ليتمادوا في الارض. واخبره ان فرعون وقومه يتبعونه فخرجوا اول الليل جميع بني اسرائيل هم ونساؤهم وذريتهم. فلما اصبح اهل مصر اذا ليس فيها منهم داع ولا فحنق عليهم عدوهم فرعون وارسل في المدائن من يجمع له الناس ويحضهم على الخروج في اثر بني اسرائيل ليوقع بهم ثم ينفذ غيظه والله غالب على امره. فتكاملت جنود فرعون فسار بهم يتبع بني اسرائيل. فاتبعوهم مشرقين. فلما ما تراءى الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون. وقلقوا وخافوا. البحر امامهم وفرعون من ورائهم. قد امتلأ غيظا وحنقا وموسى مطمئن القلب ساكن البال. قد وثق بوعد ربه فقال كلا ان معي ربي سيهدين فاوحى الله اليه ان يضرب البحر بعصاه فضربه. فانفرق اثني عشر طريقا وصار الماء كالجبال العالية. عن يمين الطرق ويساره وايبس الله طرقهم التي انفرق عنها الماء. وامرهم الله الا يخافوا من ادراك فرعون. ولا يخشوا من الغرق في البحر. فسلكوا في تلك الطرق فجاء فرعون وجنوده فسلكوا وراءهم حتى اذا تكامل قوم موسى خارجين وقوم فرعون داخلين امر الله البحر عليهم وغشيهم من اليم ما غشيهم. وغرقوا كلهم. ولم ينجح منهم احد. وبنوا اسرائيل ينظرون الى عدوهم. قد قر الله اعينهم بهلاكه. وهذا عاقبة الكفر والضلال. وعدم الاهتداء بهدي الله. ولهذا قال تعالى واضل فرعون قومه بما زين لهم من الكفر وتهجين ما اتى به موسى واستخفافه اياهم وما هداهم في وقت من الاوقات. فاوردهم موارد الغي والضلال. ثم اوردهم مورد العذاب والنكال وواعدناكم جانب الطور الايمن ونزلنا عليكم المن والسلوى. يذكر تعالى بني اسرائيل منته العظيمة عليهم باهلاك عدوهم ومواعدته لموسى عليه السلام بجانب الطور الايمن. لينزل عليه الكتاب الذي فيه الاحكام الجليلة والاخبار الجميلة. فتتم عليهم نعمة الدينية بعد النعمة الدنيوية. ويذكر منته ايضا عليهم في التيه. بانزال المن والسلوى والرزق الراغد الهني الذي يحصل له هم بلا مشقة وانه قال لهم ولا تطغوا فيه فاحل عليكم غضبي كلوا من طيبات ما رزقناكم. اي واشكروه على ما اسدى اليكم من النعم ولا تطغوا فيه اي في رزقه فتستعملونه في معاصيه وتبطرون النعمة. فانكم ان فعلتم ذلك عل عليكم غضبي. اي غضبت عليكم ثم عذبتكم. ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى. اي ردى وهلك وخاب وخسر انه عدم الرضا والاحسان وحل عليه الغضب والخسران. ومع هذا فالتوبة معروضة. ولو عمل العبد ما عمل من المعاصي. فلهذا قال يا غفار اي كثير المغفرة والرحمة لمن تاب من الكفر والبدعة والفسوق وامن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وعمل صالحا من اعمال القلب والبدن واقوال اللسان. اي سلك الصراط المستقيم وتابع الرسول الكريم واقتدى بالدين القويم فهذا يغفر الله اوزاره ويعفو عما تقدم من ذنبه واصراره. لانه اتى بالسبب الاكبر للمغفرة والرحمة بل الاسباب كلها منحصرة في هذه الاشياء. فان التوبة تجب ما قبلها. والايمان والاسلام يهدم ما قبله. والعمل الصالح الذي هو الحسن يذهب السيئات وسلوك طرق الهداية بجميع انواعها من تعلم علم وتدبر اية او حديث حتى يتبين له معنى من المعاني يهتدي به ودعوة الى دين الحق ورد بدعة او كفر او ضلالة وجهاد وهجرة وغير ذلك من جزئيات الهداية كلها مكفرات للذنوب. محصلات لغاية المطلوب. كان الله تعالى لقد وعد موسى ان يأتيه لينزل عليه التوراة ثلاثين ليلة فاتمها بعشر. فلما تم الميقات بادر موسى عليه السلام الى الحضور للموعد شوقا لربه وحرصا على موعوده. فقال الله له اي ما الذي عليهم ولم لم تصبر حتى تقدم انت وهم هم اولاء على اثري اي قريب مني وسيصلون في اثري والذي عجلني اليك يا رب. طلبا لقربك ومسارعتك في رضاك وشوقا اليك. فقال الله له فانا قد فتنا قومك من بعدك اي بعبادتهم للعجل. ابتليناهم واختبرناهم فلم يصبروا. كفروا السامري فاخرج لهم عجلا جسدا وصاغه فصار له خوار فقالوا لهم هذا الهكم واله موسى فنسيه موسى فافتتن به بنو اسرائيل فعبدوه ونهاهم هارون فلم ينتهوا. فرجع موسى الى قومه فلما رجع موسى الى قومه وهو غضبان اسف. اي ممتلئ غيظا وحنقا وغما. قال لهم موبخا في حل فعلهم قال يا قوم الم يعدكم ربكم وعدا حسنا؟ وذلك بانزال التوراة افطال عليكم العهد اي المدة فتطاولتم غيبتي وهي مدة قصيرة. هذا قول كثير من المفسرين ويحتمل ان معناه افطال عليكم عهد والرسالة فلم يكن لكم بالنبوة علم ولا اثر. واندرست اثارها فلم تقفوا منها على خبر. تمحت اثارها لبعد اهدي بها فعبدتم غير الله لغلبة الجهل. وعدم العلم باثار الرسالة. اليس الامر كذلك؟ بل النبوة بين اظهركم والعلم قائم والعذر غير مقبول ام اردتم بفعلكم ان يحل عليكم غضب من ربكم؟ اي فتعرضتم لاسبابه واقتحمتم موجب عذابه وهذا هو الواقع حين امرتكم بالاستقامة ووصيت بكم هارون فلم ترقبوا غائبا ولم تحترموا حاضرا قالوا ما اخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا اوزارا من زينة القوم فقط اي قالوا له ما فعلنا الذي فعلنا عن تعمد منا وملك منا انفسنا ولكن السبب الداعي لذلك اننا تأثمنا من زينة القوم التي عندنا وكانوا فيما يذكرون استعاروا حليا كثيرا من القبط وخرجوا وهو معهم والقوه وجمعوه حين ذهب موسى ليراجعوه فيه اذا رجع. وكان السامري قد بصر يوم الغرق باثر الرسول فسولت له نفسه ان يأخذ قبضة من اثره. وانه اذا القاها على شيء حي فتنة وامتحانا. فالقاها على ذلك العجل الذي صاغ بصورة عجل فتحرك العجل وصار له خوار وصوت. وقالوا ان موسى ذهب يطلب ربه. وهو ها هنا فنسيه افلا يرون الا يرجع اليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا. وهذا هذا من بلادتهم وسخافة عقولهم. حيث رأوا هذا الغريب الذي صار له خوار. بعد ان كان جمادا فظنوه اله الارض والسماوات افلا يرون ان العجل لا يرجع اليهم قولا؟ اي لا يتكلم ويراجعهم ويراجعونه. ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا للكمال والكلام والفعال. لا يستحق ان يعبد وهو انقص من عابديه. فانهم يتكلمون ويقدرون على بعض الاشياء من النفع والدفع باقدار الله لهم وان ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا امري. اي ان اتخاذهم العجل ليسوا معذورين فيه. فان انه وان كانت عرضت لهم الشبهة في اصل عبادته. فان هارون قد نهاهم عنه. واخبرهم انه فتنة. وان ربهم الرحمن الذي منه النعم الظاهرة والباطنة الدافع للنقم وانه امرهم ان يتبعوه ويعتزلوا العجل فابوا وقالوا فاقبل موسى على اخيه لائما له وقال كونوا ما منعك اذ رأيتهم ضلوا الا تتبعني فعصيت امري. الا تتبعن فتخبرني لابادر في الرجوع اليهم افعصيت امري في قولي اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. فاخذ موسى برأس هارون يجره من الغضب والعتب عليه. فقال هارون اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي يا ابن ام ترقيق له والا فهو شقيقه فانك امرتني ان اخلفك فيهم فلو تبعتك تركت ما امرتني بلزومه وخشيت لائمتك. ان تقول فرقت بين بني اسرائيل حيث تركتهم. وليس عندهم راع ولا خليفة ان هذا يفرقهم ويشتت شملهم. فلا تجعلني مع القوم الظالمين. ولا تشمت فينا الاعداء. فندم موسى على ما صنع باخيه فهو غير مستحيل لذلك فقال ربي اغفر لي ولاخي وادخلنا في رحمتك وانت ارحم الراحمين. ثم اقبل على السامري اي ما شأنك يا سامري؟ حيث فعلت ما فعلت؟ فقال فصرت بما لم يبصروا به وهو جبريل عليه السلام على فرس رآه وقت خروجهم من البحر. وغرق فرعون وجنوده على ما قاله المفسرون. فقبضت قبضة من اثر حافر فرسه فنبذتها على العجل. ان اقبضها ثم انبذها فكان ما كان فقال له موسى فاذهب واستأخر مني اي تعاقب في الحياة عقوبة لا يدنو منك احد ولا يمسك احد حتى ان من اراد القرب منك قلت له لا تمسني ولا تقرب مني عقوبة على ذلك. حيث مس ما لم يمسه غيره. واجرى ما لم يجره احد ان لك موعدا لن تخلفه. فتجازى بعملك من خير وشر وانظر الى الهك الذي ظلت عليه عاكفا اي العجل انه ثم لننسفنه في اليمن نسفا. ففعل موسى ذلك فلو كان الها اقتنع ممن يريده باذى ويسعى له بالاتلاف. على وجه لا تمكن اعادته بالاحراق والسحق وذريه في اليم ونسفه. ليزول ما في قلوبهم من حبه كما زال شخصه. ولان في ابقائه محنة. لان في النفوس اقوى داع الى الباطل. فلما تبين لهم بطلانه اخبرهم بمن يستحق العبادة وحده لا شريك له. فقال انما الهكم الله الذي لا اله الا هو انما الهكم الله الذي لا اله الا هو وسع كل شيء علما. اي لا معنى الا وجهه الكريم. فلا يؤله ولا يحب ولا يرجى ولا يخاف. ولا يدعى الا هو. لانه الكامل الذي له الاسماء الحسنى. والصفات العلا المحيط علمه بجميع الاشياء. الذي ما من نعمة بالعباد الا منه. ولا يدفع السوء الا هو. فلا اله الا هو لا معبود سواه يمتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بما قصه عليه من انباء السابقين. واخبار السالفين. كهذه القصة العظيمة وما فيها من الاحكام وغيرها التي لا ينكرها احد من اهل الكتاب. فانت لم تدرس اخبار الاولين ولم تتعلم ممن دراها فاخبارك بالحق اليقين من اخبارهم؟ دليل على انك رسول الله حقا. ولهذا قال وقد اتيناك من لدنك اي عطية نفيسة. ومنحة جزيلة من عندنا ذكرى وهو هذا القرآن الكريم. ذكر للاخبار السابقة ساحقة وذكر يتذكر بهما لله تعالى من الاسماء والصفات الكاملة. وتذكر به احكام الامر والنهي. واحكام الجزاء وهذا مما ما يدل على ان القرآن مشتمل على احسن ما يكون من الاحكام. الذي تشهد العقول والفطر بحسنها وكمالها. ويذكر هذا القرآن ما الله فيها واذا كان القرآن ذكرا للرسول وامته فيجب تلقيه بالقبول والتسليم والانقياد والتعظيم. وان يهتدى بنوره الى الصراط المستقيم وان يقبلوا عليه بالتعلم والتعليم. واما مقابلته بالاعراض او ما هو اعظم منه من الانكار. فانه كفر لهذه النعمة ومن فعل ذلك فهو مستحق للعقوبة. ولهذا قال وزرا. من اعرض عنه فلم يؤمن به او تهاون باوامره ونواهيه. او بتعلم معانيه الواجبة يوم القيامة وزرا. وهو ذنبه الذي بسببه اعرض عن القرآن. واولاه الكفر والهجران. خالدين في فيه وساء لهم يوم القيامة حملا. خالدين فيه اي في وزرهم لان العذاب فهو نفس الاعمال تنقلب عذابا على اصحابها بحسب صغرها وكبرها اي بئس الحمل الذي يحملونه والعذاب الذي يعذبونه يوم القيامة. ثم استطرد فذكر احوال يوم القيامة واهواله فقال اي اذا نفخ في الصور وخرج الناس من قبورهم كل على حسب حاله. فالمتقون يحشرون الى والمجرمون يحشرون زرقا الوانهم من الخوف والقلق والعطش. يتناجون بينهم ويتخافتون في قصر مدة الدنيا سرعة الاخرة فيقول بعضهم ما لبثتم الا عشرة ايام. ويقول بعضهم غير ذلك. والله يعلم تخافتهم ويسمع ما يقولون اذ يقول امثالهم طريقة اي اعدلهم واقربهم الى التقدير. والمقصود من هذا الندم العظيم كيف ضيعوا الاوقات القصيرة؟ وقطعوها ساهين لاهين. معرضين عما ينفعهم. مقبلين على ما يضرهم. فها قد الجزاء حق الوعيد. ولم يبق الا الندم والدعاء بالويل والثبور. كما قال تعالى قال كم لبثتم في الارض عدد سنين؟ قالوا لبثنا يوما او بعض يوم فاسأل العادين. قال ان لبثتم الا قليلا. لو انكم كنتم تعلمون فقل ينسفها ربي نسفا. يخبر تعالى عن اهوال يوم القيامة وما فيها من الزلازل والقلاقل. فقال ويسألونك عن الجبال اي ماذا يصنع بها يوم القيامة؟ وهل تبقى بحالها ام لا فقل ينسفها ربي نسفا. اي يزيلها ويقلعها من اماكنها. فتكون كالعهن وكالرمل. ثم يدقها ويجعلها هباء منبثا فتضمحل وتتلاشى ويسويها بالارض ويجعل الارض قاعا صفصفا مستويا لا ترى فيه ايها الناظر عوجا. هذا من تمام استوائها. اي اودية واماكن منخفضة او مرتفعة فتبرز الارض وتتسع للخلائق. ويمدها الله مد الاديم. فيكونون في موقف واحد. يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ولهذا قال وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا يومئذ يتبعون الداعي. وذلك حين يبعثون من قبورهم ويقومون منها. يدعوهم الداعي الى الحضور والاجتماع للموقف سيتبعونه مهضعين اليه. لا يلتفتون عنه. ولا يعرجون يمنة ولا يسرة. وقوله الداعي لا عوج له. اي لا عوج لدعوة الداعي. بل تكون دعوته حقا وصدقا. لجميع الخلق. يسمعهم ويصيح بهم اجمعين. فيحضرون لموقف القيامة خاشعة اصواتهم للرحمن اه اي الا وطأ الاقدام او المخافة سرا بتحريك الشفتين فقط. يملكهما الخشوع والسكون والانصات. انتظارا الرحمن فيهم وتعنوا وجوههم اي تذل وتخضع. فترى في ذلك الموقف العظيم الاغنياء والفقراء والرجال والنساء والاحرار والارقاء والملوك والسوقة. ساكتين منصتين خاشعة ابصارهم خاضعة رقابهم. جاثين على ركبهم عانية وجوههم. لا يدرون ماذا ينفصل كل منهم به. ولا ماذا يفعل به. قد اشتغل كل بنفسه وشأنه عن ابيه واخيه وصديقه وحبيبه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. فحينئذ يحكم فيهم الحاكم العدل الديان. ويجازي المحسن باحسانه والمسيء بالحرمان والامل بالرب الكريم الرحمن الرحيم ان يري الخلائق منه من الفضل والاحسان والعفو والصفح والغفران ما لا تعبر عنه الالسنة ولا تتصوره الافكار. ويتطلع لرحمته اذ ذاك جميع الخلق لما يشاهدونه. فيختص المؤمنون به ورسله بالرحمة فان قيل من اين لكم هذا الامل؟ وان شئت قلت من اين لكم هذا العلم بما ذكر؟ قلنا لما نعلمه من غلبة رحمته لغضبه ومن سعة جوده الذي عم جميع البرايا ومما نشاهده في انفسنا وفي غيرنا من النعم المتواترة في هذه الدار وخصوصا في فصل القيامة فان قوله ان الا من اذن له الرحمن مع قوله الملك يومئذ الحق للرحمن. مع قوله صلى الله عليه وسلم ان الله مئة رحمة انزل لعباده رحمة بها يتراحمون ويتعاطفون. حتى ان البهيمة ترفع حافرها عن ولدها خشية ان اي من الرحمة المودعة في قلبها. فاذا كان يوم القيامة ضم هذه الرحمة الى تسع وتسعين رحمة. ورحم بها العباد مع قوله صلى الله عليه وسلم الله ارحم بعباده من الوالدة بولدها فقل ما شئت عن رحمته فانها فوق ما تقول وتصور ما شئت فانها فوق ذلك. فسبحان من رحم في عدله وعقوبته. كما رحم في فضله واحسانه ومثوبته. وتعالى من وسعت رحمته كل شيء وعم كرمه كل حي وجل من غني عن عباده رحيم بهم وهم مفتقرون اليه على الدوام في جميع احوالهم فلا غنى لهم عنه طرفة عين. وقوله اي لا يشفع احد عنده من الخلق الا اذا اذن في الشفاعة. ولا يأذن الا لمن رضي قوله اي شفاعته من الانبياء والمرسلين وعباده المقربين. لمن ارتضى قوله وعمله وهو المؤمن المخلص. فاذا اختل واحد من هذه فلا سبيل لاحد الى شفاعة من احد علما ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وعنت الوجوه الحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما. ومن يعمل من الصالحات وينقسم الناس في ذلك الموقف قسمين ظالمين بكفرهم وشرهم فهؤلاء لا ينالهم الا الخيبة والحرمان. والعذاب الاليم في جهنم وسخط الديان. والقسم الثاني من امن ايمانا مأمور به وعمل صالحا من واجب ومسنون. فلا يخاف ظلما بزيادة في سيئاته ولا هضما اي نقصا من حسناته. بل تغفر ذنوبه وتطهر عيوبه وتضاعف حسناته. وان تكح حسنة يضاعفها ويؤتي من لدنه اجرا عظيما وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون او يحدث لهم اي وكذلك انزلنا هذا الكتاب باللسان الفاضل العربي. الذي تفهمونه وتفقهونه ولا يخفى عليكم لفظه ولا معناه وصرفنا فيه من الوعيد اي نوعناها انواعا كثيرة. تارة بذكر اسمائه الدالة على العدل والانتقام. وتارة بذكر المثلات التي احلها الامم السابقة وامر ان تعتبر بها الامم اللاحقة وتارة بذكر اثار الذنوب. وما تكسبه من العيوب وتارة بذكر اهوال القيامة وما فيها من المزعجات والمقلقات. وتارة بذكر جهنم. وما فيها من انواع العقاب واصناف العذاب. كل هذا رحمة بالعباد لعله يتقون الله فيتركون من الشر والمعاصي ما يضرهم. فيعملون من الطاعات والخير ما فكونه عربيا وكونه مصرفا فيه من الوعيد. اكبر سبب واعظم داع للتقوى والعمل الصالح. فلو كان غير او غير مصرف فيه لم يكن له هذا الاثر لما ما ذكر تعالى حكمه الجزائي في عباده وحكمه الامري الديني الذي انزله في كتابه وكان هذا من اثار ملكه قال فتعالى الله اي جل وارتفع وتقدس عن كل نقص وافة. الملك الذي الملك وصفه والخلق كلهم مماليك له. واحكام الملك القدرية شرعيتنا نافذة فيهم الحق. اي وجوده وملكه وكماله حق. فصفات الكمال لا تكون حقيقة الا لذي الجلال ومن ذلك الملك فان غيره من الخلق وان كان له ملك في بعض الاوقات على بعض الاشياء فانه ملك قاصر باطل يزول واما الرب فلا يزال ولا يزول ملكا حيا قيوما جليلا اليك وحيه. اي لا تبادر بتلقف القرآن حين يتلوه عليك جبريل. واصبر حتى يفرغ منه. فاذا فرغ منه فاقرأ فان الله قد ضمن لك جمعه في صدرك وقراءتك اياه. كما قال تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به. ان علينا جمعه وقرآنه. فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثمان علينا بيانه. ولما كانت عجلته صلى الله عليه وسلم على تلقف وحي ومبادرته اليه يدل على محبته التامة للعلم وحرصه عليه. امره الله تعالى ان يسأله زيادة العلم. فان العلم خير وكثرة الخير مطلوبة وهي من الله. والطريق اليها الاجتهاد والشوق للعلم. وسؤال الله والاستعانة به والافتقار اليه في كل وقت ويؤخذ من هذه الاية الكريمة الادب في تلقي العلم. وان المستمع للعلم ينبغي له ان يتأنى ويصبر حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض. فاذا فرغ منه سأل ان كان عنده سؤال ولا يبادر بالسؤال قطع كلام ملقي العلم فانه سبب للحرمان. وكذلك المسئول ينبغي له ان يستملي سؤال السائل. ويعرف المقصود منه قبل الجواب فان ذلك سبب لاصابة الصواب. اي ولقد وصينا ادم وامرناه وعهدنا اليه عهدا ليقوم به فالتزمه واذعن له وانقاد وعزم على القيام به ومع ذلك نسي ما امر به وانتقضت عزيمته المحكمة فجرى عليه ما جرى. فصار عبرة لذريته. وصارت طبائعهم مثل طبيعته. نسي ادم فنسيت ذريته وخطأ فخطأ ولم يثبت على العزم المؤكد وهم كذلك. وبادر بالتوبة من خطيئته واقر بها واعترف فغفرت له ومن يشابه اباه فما ظلم. ثم ذكر تفصيل ما اجمله فقال اه اي لما اكمل خلق ادم بيده وعلمه الاسماء وفضله وكرمه امر الملائكة بالسجود له. اكراما وتعظيما واجلالا. فبادروا بالسجود ممتثلين. وكان بينهم ابليس. فاستكبر عن امر ربه وامتنع من السجود لادم وقال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ان هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى. فتبينت حينئذ البليغة لادم وزوجه. لما كان عدوا لله وظهر من حسده ما كان سبب العداوة. حذر الله ادم وزوجه منه وقال فتشقى اذا خرجت منها فان لك فيها الرزق الهني والراحة التامة اي تصيبك الشمس بحرها. فضمن له استمرار الطعام والشراب والكسوة والماء وعدم التعب والنصب فلم يزل الشيطان يسول لهما ويزين اكل الشجرة ويقول فوسوس اليه الشيطان قال يا ادم هل يدلك على شجرة الخلد هل ادلك على شجرة الخلد؟ اي الشجرة التي من اكل منها خلد في جنة وملك لا يبلى. اي لا ينقطع ان اكلت منها فاتاه بصورة ناصح. وتلطف له في الكلام واغتر به ادم فاكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخسفان عليهما من ورق الجنة واكل من الشجرة في ايديهما وسقطت كسوتهما واتضحت معصيتهما. وبدا لكل منهما سوءة الاخر بعد ان كانا مستورين وجعل يخصفان على انفسهما من ورق اشجار الجنة ليسترا بذلك. واصابهما من الخجل ما الله به عليم فبادرا الى التوبة والانابة وقال ما ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. فاجتباه ربه واختاره ويسر له التوبة فكان بعد التوبة احسن منه قبلها. ورجع كيد العدو عليه وبطل مكره. فتمت النعمة عليه وعلى ذريته ووجب عليهم القيام بها والاعتراف وان يكونوا على حذر من هذا العدو المرابط الملازم لهم ليلا ونهارا. يا بني ادم لا يفتنن الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما. انه يراكم هو وقبيله من حيث لترونهم انا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون. قال اهبطا منا جميعا بعضكم لبعض فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى يخبر تعالى انه امر ادم وابليس ان يهبط الى الارض. وان يتخذ ادم وبنوه الشيطان عدوا لهم. فيأخذوا الحذر منه ويعد له عدته ويحاربوه. وانه سينزل عليهم كتبا ويرسل اليهم رسلا يبينون لهم الطريق المستقيم الموصلة اليه والى جنته ويحذرونه من هذا العدو المبين. وانهم اي وقت جاءهم ذلك الهدى الذي هو الكتب والرسل. فان من اتبعه اتبع ما امر به واجتنب ما نهي عنه. فانه لا يضل في الدنيا ولا في الاخرة. ولا يشقى فيهما. بل قد هدي الى صراط مستقيم في الدنيا والاخرة وله السعادة والامن في الاخرة. وقد نفى عنه الخوف والحزن في اية اخرى لقوله فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. واتباع الهدى بتصديق الخبر وعدم معارضته بالشبه. وامتثال الامر بالا يعارضه بشهوة ونحشره يوم القيامة ومن اعرض عن ذكري اي كتابي الذي يتذكر به جميع المطالب العالية. وان يتركه على وجه الاعراض عنه. او ما هو اعظم من ذلك بان يكون على وجه الانكار له والكفر به. اي فان جزاءه ان نجعل معيشته ضيقة مشقة ولا يكون ذلك الا عذابا. وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر. وانه يضيق وعليه قبره ويحصر فيه ويعذب جزاء لاعراضه عن ذكر ربه. وهذه احدى الايات الدالة على عذاب القبر. والثانية قوله تعالى ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا ايديهم. والثالثة قوله ولنذيقنهم من العذاب الادنى هنا العذاب الاكبر والرابعة قوله عن ال فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا. والذي اوجب لمن فسرها بعذاب القبر فقط من السلف وقصرها على ذلك والله اعلم اخر الاية. وان الله ذكر في اخرها عذاب يوم القيامة. وبعض المفسرين يرى ان المعيشة الضنك عامة في دار الدنيا. بما يصيب المعرض عن ذكر ربه من الهموم والغموم والالام. التي هي عذاب وفي دار البرزخ وفي الدار الاخرة لاطلاق المعيشة الضنك وعدم تقييدها ونحشره اي هذا المعرض عن ذكر ربه يوم القيامة اعمى. اعمى البصر على الصحيح كما قال تعالى ونحشره وهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما. قال على وجه الذل والمراجعة والتألم والضجر من هذه الحالة وقد كنت في دار الدنيا بصيرا. فما الذي سيرني الى هذه الحالة الشنيعة قال كذلك اتتك اياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. فنسيتها باعراضك عنها وكذلك اليوم تنسى. اي تترك في العذاب فاجيب بان هذا هو عين عملك. والجزاء من جنس العمل. وكما عميت عن ذكر ربك وعشيت عنه ونسيته ونسيت حظك منه. اعمى الله بصرك في الاخرة. وحشرت الى النار اعمى. اصم ابكم واعرض عنك ونسيك في العذاب وكذلك نجزي من اسرف ولم يؤمن بايات ربه ولعل عذاب الاخرة اشد وابقى. وكذلك اي هذا الجزاء نجزي من اسرف بان تعدى الحدود وارتكب المحارم وجاوز ما اذن له. ولم يؤمن بايات ربه الدالة على جميع مطالب الايمان. دلالة واضحة صريحة. فالله لم يظلم ولم يضع العقوبة في غير محلها وانما السبب اسرافه وعدم ايمانه والعذاب الاخرة اشد من عذاب الدنيا اضعافا مضاعفة. وابقى لكونه لا ينقطع. بخلاف عذاب الدنيا فانه منقطع فالواجب الخوف والحذر من عذاب الاخرة اي افلم يهدي هؤلاء المكذبين المعرضين ويدلهم على سلوك الطريق الرشاد وتجنب طريق الغي والفساد. ما احل الله بالمكذبين قبلهم من القرون الخالية والامم المتتابعة. الذين تعرفون قصصهم ويتناقلون اسمارهم وينظرون باعينهم مساكنهم من بعدهم. كقوم هود وصالح ولوط وغيرهم. وانهم لما كذبوا رسلنا واعرضوا عن كتبنا اصبناهم بالعذاب الاليم. فما الذي يؤمن هؤلاء ان يحل بهم ما حل باولئك كفاركم خير من اولئكم. ام لكم براءة في الزبر؟ ام يقولون نحن جميع منتصر؟ لا شيء من هذا كله. فليس هؤلاء الكفار خيرا من اولئك حتى يدفع عنهم العذاب بخيرهم بل هم شر منهم لانهم كفروا باشرف الرسل وخير الكتب وليس لهم براءة مزورة وعهد عند الله. وليسوا كما يقولون ان جمعهم ينفعهم ويدفع عنهم. بل هم اذلوا واحقر من ذلك. فاهلاك الماضية بذنوبهم من اسباب الهداية لكونها من الايات الدالة على صحة رسالة الرسل الذين جاؤوهم وبطلان ما هم عليه. ولكن ما كل احد ينتفع بالايات. انما ينتفع بها اولو النهى. اي العقول السليمة. والفطر المستقيمة. والالباب التي تزجر اصحابها عما لا ينبغي هذا تسلية للرسول وتصبير له عن المبادرة الى اهلاك المكذبين المعرضين. وان كفرهم وتكذيبهم سبب صالح لحلول العذاب بهم ولزومه لهم لان الله جعل العقوبات سببا وناشئا عن الذنوب. ملازما لها وهؤلاء قد اتوا بالسبب. ولكن الذي اخرهم وعنهم كلمة ربك المتضمنة لامهالهم وتأخيرهم. وضرب الاجل المسمى. فالاجل المسمى ونفوذ كلمة الله. هو الذي اخر عنه العقوبة الى ابان وقتها. ولعلهم يراجعون امر الله فيتوب عليهم ويرفع عنهم العقوبة. اذا لم تحقق عليهم الكلمة ولهذا امر الله رسوله بالصبر على اذيتهم بالقول فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس فسبح وامره ان يتعوض عن ذلك ويستعين عليه بالتسبيح بحمد ربه في هذه الاوقات قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. وفي اطراف النهار اوله واخره. عموم بعد خصوص واوقات الليل وساعاته لعلك ان فعلت ذلك ترضى بما يعطيك ربك من الثواب العاجل والاجل. وليطمئن قلبك وتقر عينك بعبادة ربك. وتتسلى عن اذيتهم فيخف حينئذ عليك الصبر لنفتنهم فيه. ورزق ربك خير وابقى اي لا تمد عينيك معجبا. ولا تكرر النظر مستحسنا الى احوال الدنيا والممتعين بها. من المآكل والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والبيوت المزخرفة والنساء المجملة. فان ذلك كله زهرة الحياة الدنيا. تبتهج بها نفوس المغترين. وتأخذ اعجابا المعرضين ويتمتع بها بقطع النظر عن الاخرة القوم الظالمون. ثم تذهب سريعا وتمضي جميعا وتقتل محبيها عشاقها فيندمون حيث لا تنفع الندامة ويعلمون ما هم عليه اذا قدموا في القيامة. وانما جعلها الله فتنة واختبارا. ليعلم من نقف عندها ويغتر بها ومن هو احسن عملا. كما قال تعالى انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا وانا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا. ورزق ربك العاجل من العلم الايمان وحقائق الاعمال الصالحة والاجل من النعيم المقيم والعيش السليم بجوار الرب الرحيم. خير مما متعنا به ازواجا في ذاته وصفاته. وابقى لكونه لا ينقطع اكلها دائم وظلها. كما قال تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا والاخرة خير وابقى. وفي هذه الاية اشارة الى ان العبد اذا رأى من نفسه طموحا الى زينة الدنيا واقبالا عليها ان يذكرها ما امامها من رزق ربه. وان يوازن بين هذا وهذا اي حث اهلك على الصلاة وازعجهم اليها من ونفل والامر بالشيء امر بجميع ما لا يتم الا به. فيكون امرا بتعليمهم. ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها اصطبر عليها اي على الصلاة باقامتها بحدودها واركانها وادابها وخشوعها. فان ذلك مشق على النفس. ولكن ينبغي اكراهها جهادها على ذلك والصبر معها دائما. فان العبد اذا اقام صلاته على الوجه المأمور به. كان لما سواها من دينه احفظ واقوم. واذا ضيعها كان لما سواها اضيع. ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق. والا يشغله الاهتمام به عن اقامة دينه. فقال نرزقك والعاقبة للتقوى. نحن نرزقك اي رزقك علينا قد تكفلنا به. كما تكفلنا بارزاق الخلائق كلها فكيف بمن قام بامرنا واشتغل بذكرنا ورزق الله عام للمتق وغيره. فينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الابدية والتقوى ولهذا قال والعاقبة في الدنيا والاخرة للتقوى التي هي فعل المأمور وترك المنهي. فمن قام بها كان له العاقبة كما قال تعالى والعاقبة للمتقين اي قال المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم الا يأتينا باية من ربه يعنون ايات الاقتراح كقولهم وقالوا لن نؤمن لك حتى تفتر لنا من الارض ينبوعا. او تكون لك جنة من نخيل وعنب وتفجر الانهار خلالها تفجيرا. او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا. او تأتي بالله والملائكة قبيلا. وهذا تعنت من وعناد وظلم. فانهم هم الرسول. بشر عبيد لله. فلا يليق منهم الاقتراح بحسب اهوائهم. وانما الذي ينزلها يختار منها ما يختار بحسب حكمته هو الله. ولان قولهم لولا انزل عليه ايات من ربه يقتضي انه لم يأتهم باية على ولا بينة على حقه. وهذا كذب وافتراء فانه اتى من المعجزات الباهرات والايات القاهرات. ما يحصل ببعضه المقصود ولهذا قال اولم تأتيهم ان كانوا صادقين في قولهم وانهم يطلبون الحق بدليله بينة ما في الصحف الاولى. اي هذا القرآن العظيم المصدق لما في الصحف الاولى من التوراة والانجيل والكتب في السابقة المطابق لها المخبر بما اخبرت به. وتصديقه ايضا مذكور فيها ومبشر بالرسول بها. وهذا كقوله تعالى اولم يكفيهم انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟ ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون. فالايات تنفع المؤمنين ويزداد فيها ايمانهم وايقانهم. واما المعرضون عنها المعارضون لها. فلا يؤمنون بها. ولا ينتفعون بها. ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم وانما الفائدة في سوقها اليهم بها لتقوم عليهم حجة الله ولان لا يقولوا حين ينزل بهم العذاب من قبل ان نذل ونخزى بالعقوبة. فها قد جاءكم رسولي ومعه اياتي وبراهيني. فان كنتم كما تقولون فصدقوه الصراط السوي ومن اهتدى. قل يا محمد مخاطبا للمكذبين لك الذين يقولون تربصوا به ريبا المنون قل كل متربص فتربصوا بي الموت. وانا اتربص بكم العذاب. قل هل تربصون بنا الا احدى الحسنيين؟ اي الظفر او شهادة ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده او بايدينا. فتربصوا فستعلمون من اصحاب الصراط السوي ومن اهتدى. فستعلمون من اصحاب الصراط السوي اي المستقيم ومن اهتدى بسلوكه انا ام انتم؟ فان صاحبه هو الفائز الراشد الناجي المفلح. ومن حاد عنه خاسر خائب معذب. وقد علم ان الرسول هو الذي بهذه الحالة واعداؤه بخلافه. والله اعلم