المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور باذن ربهم الى صراط وويل للكافرين يخبر تعالى انه انزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لنفعه الخلق ليخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والاخلاق السيئة وانواع المعاصي. الى نور العلم والايمان والاخلاق الحسنة. وقول باذن ربهم اي لا يحصل منهم المراد المحبوب لله الا بارادة من الله ومعونة ففيه حث للعباد على الاستعانة بربهم ثم فسر النور الذي يهديهم اليه هذا الكتاب فقال اي الموصل اليه والى دار كرامته. المشتمل على العلم بالحق والعمل به. وفي ذكر العزيز الحميد بعد ذكر الصراط الموصل اليه اشارة الى ان من سلكه فهو عزيز بعز الله قوي ولو لم يكن له انصار الا الله. محمود في اموره حسن العاقبة وليدل ذلك على ان صراط الله من اكبر الادلة على مال الله من صفات الكمال ونعوت الجلال. وان الذي نصبه لعباده عزيز السلطان حميد في اقواله وافعاله واحكامه. وانه مألوه معبود بالعبادات التي هي منازل الصراط المستقيم. وانه كما ان له ملك السماوات والارض خلقا ورزقا وتدبيرا. فله الحكم على عباده باحكامه الدينية. لانهم ملكه ولا يليق به ان يتركه سدى فلما بين الدليل والبرهان توعد من لم ينقد لذلك فقال وويل للكافرين من عذابي لا يقدر قدره ولا يوصف امره ثم وصفهم بانهم الحياة الدنيا على الاخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا. اولئك في ضلال بعيد. الذين يستحبون الحياة الدنيا على الاخرة. فرضوا بها واطمئنوا وغفلوا عن الدار الاخرة ويصدون الناس عن سبيل الله التي نصبها لعباده. وبينها في كتبه وعلى السنة رسله. فهؤلاء قد نابذوا ولا هم بالمعاداة والمحاربة ويبغونها اي سبيل الله عوجا اي يحرصون على تهجينها وتقبيحها للتنفير عنها ولكن يأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. اولئك الذين ذكر وصفهم لانهم ضلوا واضلوا وشاقوا الله ورسوله وحاربوهما. فاي ضلال ابعد من هذا؟ واما اهل الايمان فبعكسها هؤلاء يؤمنون بالله واياته ويستحبون الاخرة على الدنيا ويدعون الى سبيل الله ويحسنونها مهما امكنهم ويبينون استقامتها فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهذا من لطفه بعباده انه ما ارسل رسولا الا بلسان قومه ليبين لهم ما يحتاجون اليه. ويتمكنون من تعلم ما اتى به. بخلاف ما لو كان على غير لسانهم. فانهم يحتاجون الى ان يتعلموا تلك اللغة التي يتكلم بها ثم يفهمون عنه. فاذا بين لهم الرسول ما امروا به ونهوا عنه. وقامت عليهم الله فيضل الله من يشاء ممن لم ينقض للهدى ويهدي من يشاء ممن اختصه برحمته الذي من عزته انه انفرد بالهداية والاضلال. وتقليب القلوب الى ما شاء. ومن حكمته انه لا يضع وهدايته ولا اضلاله الا بالمحل اللائق به. ويستدل بهذه الاية الكريمة على ان علوم العربية الموصلة الى تبيين وكلام رسوله امور مطلوبة محبوبة لله. لانه لا يتم معرفة ما انزل على رسوله الا بها. الا اذا كان الناس بحالة لا يحتاجون اليها وذلك اذا تمرنوا على العربية ونشأ عليها صغيرهم وصارت طبيعة لهم. فحينئذ قد اكتفوا المؤنة وصلحوا لان يتلقوا عن الله وعن رسوله ابتداء كما تلقى عنهم الصحابة رضي الله عنهم اياتنا ان اخرج قومك من الظلمات الى النور وذكرهم بايام الله. ان في ذلك يخبر تعالى انه ارسل موسى باياته العظيمة الدالة على صدق ما جاء به وصحته وامره بما امر الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم. بل وبما امر به جميع الرسل قومهم. ان اخرج قومك من الظلمات الى النور. اي ظلمات الجهل والكفر وفروعه الى نور العلم والايمان وتوابعه. وذكرهم بايام الله بنعمه عليهم واحسانه اليهم وبايامه في الامم المكذبين ووقائعه بالكافرين. ليشكروا نعمه وليحذروا عقاب ان في ذلك اي في ايام الله على العباد. اي في الضراء والعسر والضيق. شكور على السراء والنعمة. فانه يستدل بايامه على كمال قدرته وعميم احسانه. وتمام عدله وحكمته ولهذا امتثل موسى عليه السلام امر ربه فذكرهم نعم الله فقال وان قال موسى لقومهم اذكروا نعم الله عليكم اذ انجاكم من ال فرعون يصونكم. يسومونكم سوء العذاب اذكروا نعمة الله عليكم اي بقلوبكم والسنتكم اذ انجاكم من ال فرعون يسومونكم اي يولوا سوء العذاب اي اشده وفسر ذلك بقوله ويذبحون ابنائكم ويستحيون نسائكم اي يبقونهن فلا يقتلونهن وفي ذلكم الانجاء. اي نعمة عظيمة او وفي ذلكم العذاب الباب الذي ابتليتم به من فرعون وملأه ابتلاء من الله عظيم لكم. لينظر هل تصبرون ام لا؟ وقال لهم حاثا على شكر نعم الله واذ تأذن ربكم اي اعلم ووعد لان شكرتم لازيدنكم من نعمي ومن ذلك انه يزيل عنهم النعمة التي انعم بها عليهم. والشكر هو اعتراف القلب بنعم الله. والثناء على الله بها وصرفها في مرضات الله تعالى. وكفر النعمة ضد ذلك. وقال موسى ان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا فان الله لغني حميد وقال موسى ان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا فلن تضروا الله شيئا فالطاعات لا تزيد في ملكه والمعاصي لا تنقصه وهو كامل الغنى حميد في ذاته واسمائه وصفاته وافعاله ليس ليس له من الصفات الا كل صفة حمد وكمال. ولا من الاسماء الاكل اسم حسن. ولا من الافعال الا كل فعل جميل والذين من بعدهم لا يعلمهم الا الله. جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا ايديهم في كفرنا بما ارسلتم به وانا لفي شك مما تدعوننا اليهم ريب. يقول تعالى مخوفا عباده ما احله بالامم المكذبة حين جاءتهم الرسل عذبوهم فعاقبهم بالعقاب العاجل الذي رآه الناس وسمعوه. فقال الم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود. وقد ذكر الله قصصهم في كتابه وبسطها. والذين من بعدهم لا يعلمهم الا الله. من كثرتهم وكون اخبارهم اندرست فهؤلاء كلهم جائتهم رسلهم بالبينات. اي بالادلة الدالة على صدق ما جاءوا به. فلم يرسل الله رسولا الا من الايات ما يؤمن على مثله البشر. فحين اتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها. بل استكبروا عنها. فردوا ايديهم في افواههم اي لم يؤمنوا بما جاءوا به. ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الايمان. كقوله جعلوا اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت وقالوا صريحا لرسلهم انا كفرنا بما ارسلتم به اي موقع في الريبة وقد كذبوا في ذلك وظلموا. ولهذا قالت لهم رسلهم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم الى اجل مسمى. افي الله شك؟ اي فانه اظهر الاشياء واجلاها. فمن شك في الله فاطمة في السماوات والارض الذي وجود الاشياء مستند الى وجوده. لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات. ولهذا خاطبتهم الرسل خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه. يدعوكم الى منافعكم ومصالحكم. ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم اي ليثيبكم على الاستجابة لدعوته بالثواب العاجل والاجل. فلم يدعكم لينتفع بعبادتكم بل النفع عائد اليكم. فردوا على رسلهم رد السفهاء الجاهلين وقالوا لهم ان انتم الا بشر مثلنا. اي فكيف تفضلوننا بالنبوة والرسالة كان يعبد اباؤنا فكيف نترك رأي الاباء وسيرتهم لرأيكم؟ وكيف نطيعكم وانتم بشر مثلنا فاتونا بسلطان مبين. اي بحجة وبينة ظاهرة ومرادهم بينة يقترحونها هم. والا قد تقدم ان رسلهم جائتهم بالبينات وما كان لنا ان نأتيكم وعلى الله فليتوكل المؤمنون. قالت لهم رسلهم مجيبين عن اقتراحهم واعتراضهم ان نحن الا بشر مثلكم اي صحيح وحقيقة انا بشر مثلكم ولكن ليس في ذلك ما يدفع ما جئنا به من الحق فان الله يمن على من يشاء من عباده. فاذا من الله علينا بوحيه ورسالته فذلك فضله واحسانه. وليس احد ان يحجر على الله فضله ويمنعه من تفضله. فانظروا ما جئناكم به فان كان حقا فاقبلوه. وان كان غير ذلك فردوه. ولا اسألوا حالنا حجة لكم على رد ما جئناكم به. وقولكم فائتونا بسلطان مبين. فان هذا ليس بايدينا وليس لنا من الامن وما كان لنا ان نأتيكم بسلطان الا باذن الله. فهو الذي ان شاء جاءكم به وان شاء لم يأتكم به. وهو لا يفعل الا ما هو مقتضى حكمته ورحمته. وعلى الله لا على غيره مؤمنون فيعتمدون عليه في جلب مصالحهم ودفع مضارهم. لعلمهم بتمام كفايته وكمال قدرته. وعميم احسانه ويثقون به في تيسير ذلك. وبحسب ما معهم من الايمان يكون توكلهم. فعلم بهذا وجوب التوكل. وانه من لوازم الايمان ومن العبادات الكبار التي يحبها الله ويرضاها. لتوقف سائر العبادات عليه على الله وقد هدانا سبلنا. اي شيء يمنعنا من التوكل على الله؟ والحال اننا على الحق والهدى. ومن كان على الحق والهدى فان هداه يوجب له تمام التوكل. وكذلك ما يعلم من ان الله متكفل بمعونة المهتدي وكفايته. يدعو الى ذلك بخلاف من لم يكن على الحق والهدى فانه ليس ضامنا على الله. فان حاله مناقضة لحال المتوكل. وفي هذا كالاشارة من الرسل عليهم الصلاة والسلام لقومهم باية عظيمة. وهو ان قومهم في الغالب لهم القهر والغلبة عليهم. فتحدتهم رسلهم بانهم على الله في دفع كيدهم ومكرهم. وجازمون بكفايته اياهم. وقد كفاهم الله شرهم مع حرصهم على اتلافهم واتفاء ما معهم من الحق فيكون هذا كقول نوح لقومه. يا قومي ان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بايات الله. فعلى الله توكلت امركم وشركاءكم ثم لا يكن امركم عليكم امة ثم اقضوا الي ولا تنظرون. وقول هود عليه السلام قال اني الله واشهدوا اني بريء مما تشركون من دونه. فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون وعلى الله فليتوكل المتوكلون. اي ولنستمرن على دعوتكم ووعظكم وتذكيركم. ولا بما يأتينا منكم من الاذى فانا سنوطن انفسنا على ما ينالنا منكم من الاذى احتسابا للاجر ونصحا لكم لعل الله ان ان يهديكم مع كثرة التذكير وعلى الله وحده لا على غيره. فان التوكل عليه مفتاح ولكل خير واعلم ان الرسول عليهم الصلاة والسلام توكلهم في اعلى المطالب واشرف المراتب وهي التوكل على الله في اقامة دينه وهداية عبيده وازالة الضلال عنهم. وهذا اكمل ما يكون من التوكل. وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا. فاوحى اليهم ربهم لنور لما ذكر دعوة الرسل لقومهم ودوامهم على ذلك. وعدم مللهم ذكر منتهى ما وصلت بهم الحال مع قومهم فقال وقال الذين كفروا لرسلهم متوعدين لهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا وهذا ابلغ ما يكون من الرد وليس بعد هذا فيهم مطمع. لانه ما كفاهم ان اعرضوا عن الهدى. بل توعدوهم بالاخراج من ديارهم الى انفسهم وزعموا ان الرسل لا حق لهم فيها. وهذا من اعظم الظلم. فان الله اخرج عباده الى الارض وامرهم بعبادته وسخر لهم الارض وما عليها يستعينون بها على عبادته. فمن استعان بذلك على عبادة الله حل له ذلك وخرج من التبعة ومن استعان بذلك على الكفر وانواع المعاصي لم يكن ذلك خالصا له ولم يحل له. فعلم ان اعداء الرسل في الحقيقة ليس لهم شيء من الارض التي توعدوا الرسل باخراجهم منها. وان رجعنا الى مجرد العادة فان الرسل من جملة اهل بلادهم وافراد منهم فلاي شيء يمنعونهم حقا لهم صريحا واضحا؟ هل هذا الا من عدم الدين والمروءة بالكلية؟ ولهذا لما انتهى مكروه في الرسل الى هذه الحال ما بقي حينئذ الا ان يمضي الله امره وينصر اولياءه بانواع العقوبات ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ولنسكننكم الارض من بعدهم اي العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم جزاء لمن خاف مقامي عليه في الدنيا وراقب الله مراقبة من يعلم انه يراه. اي ما توعدت به من عصاني كتب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله. والمبادرة الى ما يحبه الله واستفتحوا اي الكفار اي هم الذين طلبوا واستعجلوا فتح الله وفرقانه بين اوليائه واعدائه. فجاءهم ثم استفتحوا به والا فالله حليم لا يعادل من عصاه بالعقوبة اي خسر في الدنيا والاخرة من تجبر على الله وعلى الحق وعلى عباد الله. واستكبر في الارض وعاند الرسل وشاقهم ولا يكاد يسيئ من ورائه جهنم اي جهنم لهذا الجبار العنيد بالمرصاد. فلابد له من ورودها فيذاق حينئذ العذاب الشديد ويسقى من صديد يتجرعه ولا يكاد في لونه وطعمه ورائحته الخبيثة. وهو في غاية الحرارة يتجرعه من العطش الشديد ولا يكاد يصيغه فانه اذا قرب الى وجهه شواه واذا وصل الى قطع ما اتى عليه من الامعاء من كل مكان وما هو بميت. ان يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من انواع العذاب. وكل نوع منه من يبلغ الى الموت. ولكن الله قضى ان لا يموت كما قال تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطلحون فيها ومن ورائه اي الجبار العنيد عذاب غليظ اي قوي شديد لا يعلم وصفه شدته الا الله تعالى في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء. ذلك هو الضلال البعيد يخبر تعالى عن اعمال الكفار التي عملوها. اما ان المراد بها الاعمال التي عملوها لله. لانها في ذهابها وبطلانها واضمحلالها الرماد الذي هو ادق الاشياء واخفها اذا اشتدت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب فانه لا يبقي منه شيئا ولا يقدر منه على شيء يذهب ويضمحل. فكذلك اعمال الكفار لا يقدرون مما كسبوا على شيء. ولا على مثقال ذرة منه انه مبني على الكفر والتكذيب. حيث بطل سعيهم واضمحل عملهم واما ان المراد بذلك اعمال الكفار التي عملوها ليكيدوا بها الحق. فانهم يسعون ويكدحون في ذلك ومكرهم عائد اليهم. ولن الله ورسله وجنده وما معهم من الحق شيئا ينبه تعالى عباده بانه خلق السماوات والارض بالحق اي ليعبده الخلق ويعرفوه ويأمرهم وينهاهم. وليستدلوا بهما وما فيهما على ما له من صفات الكمال. وليعلموا ان الذي خلق السماوات والارض على عظمهما وسعتهما. قادر على ان يعيدهم خلقا جديدا. ليجازيهم باحسانهم واساءتهم. وان قدرتهم ومشيئته لا تقصر عن ذلك. ولهذا قال يحتمل ان المعنى ان يشأ يذهبكم ويأتي بقوم غيركم. يكونون اطوع لله منكم. ويحتمل ان المراد ان انه ان يشأ يفنيكم ثم يعيدكم بالبعث خلقا جديدا. ويدل على هذا الاحتمال ما ذكره بعده من احوال القيامة اي بممتنع بل هو سهل عليه جدا. ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة واحدة وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء وبرزوا اي الخلائق لله جميعا حين ينفخ في الصور فيخرجون من الاجداث الى ربهم فيقفون في ارض مستوية قاع صفصف لا ترى فيها عوجا ولا انت ويبرزون له لا يخفى عليه منهم خافية. فاذا برزوا صاروا يتحاجون. وكل يدفع عن نفسه. ويدافع ما يقدر عليه ولكن انى لهم ذلك؟ فيقول الضعفاء اي التابعون والمقلدون للذين استكبروا وهم المتبوعون الذين هم قادة في الضلال انا كنا لكم تبعا اي في الدنيا امرتمونا بالضلال وزينتموه لنا فاغويتمونا ولو مثقال ذرة قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا اجزعنا ام صبرنا ما لنا قالوا اي المتبوعون والرؤساء اغويناكم كما غوينا ولو هدانا الله لهديناكم فلا ايغني احد احدا سواء علينا اجزعنا من العذاب ام صبرنا عليه؟ ما لنا من محيص؟ اي من ملجأ نلجأ اليه ولا مهرب لنا من عذاب الله اي وقال الشيطان الذي هو سبب لكل شر يقع ووقع في العالم. مخاطبا لاهل النار ومتبرأا منه لما قضي الامر ودخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار ان الله وعدكم وعد الحق على السنة رسله فلم فلو اطعتموه لادركتم الفوز العظيم. ووعدتكم الخير فاخلفتكم اي لم يحصل ولن يحصل لكم ما منيتكم به من الامان الباطل وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم وما كان لي عليكم من سلطان. اي من حجة على تأييد قولي الا ان دعوتكم فاستجبتم لي. اي هذا نهاية ما عندي اني دعوتكم الى مرادي وزينته لكم. فاستجبتم لي اتباعا لاهوائكم وشهواتكم. فاذا كانت الحال بهذه الصورة فلا تلوموني ولوموا انفسكم. فلا تلوموني ولوموا انفسكم. فانتم السبب وعليكم في موجب العقاب. ما انا بمصرخكم اي بمغيثكم من الشدة التي انتم بها وما انتم بمصرخي. كل له قسط من العذاب اكتموني من قبل. اي تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله. ولا تجب طاعتي من الظالمين لهم عذاب اليم. ان الظالمين لانفسهم بطاعة الشيطان لهم عذاب اليم فيه ابدا وهذا من لطف الله بعباده ان حذرهم من طاعة الشيطان واخبر بمداخله التي يدخل منها على الانسان ومقاصده فيها وانه يقصد ان يدخله النيران. وهنا بين لنا انه اذا دخل النار وحزبه انه يتبرأ منهم هذه البراءة. ويكفر بشركهم ولا ينبئك مثل خبير. واعلم ان الله ذكر في هذه الاية انه ليس له سلطان. وقال في اية اخرى انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. فالسلطان الذي نفاه عنه هو سلطان الحجة والدليل. فليس له حجة اصلا على ما يدعو اليه وانما نهاية ذلك ان يقيم لهم من الشبه والتزيينات ما به يتجرأون على المعاصي. واما السلطان الذي اثبته فهو بالاغراء على المعاصي لاوليائه. يؤزهم الى المعاصي ازا. وهم الذين سلطوه على انفسهم بموالاته والالتحاق بحزبه ولهذا ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. ولما ذكر عقاب الظالمين ذكر ثواب الطائعين فقال وادخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار الانهار خالدين فيها باذن ربهم. خالدين وادخل الذين امنوا وعملوا الصالحات. اي قاموا بالدين قولا وعملا واعتقادا. جنات تجري من تحتها الانهار. فيها من اللذات والشهوات. ما الا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. خالدين فيها باذن ربهم. اي لا بحولهم وقوتهم. بل بحول الله الله وقوته. اي يحيي بعضهم بعضا بالسلام التحية والكلام الطيب ان اصلها ثابت وفرعها في السماء يقول تعالى الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة وهي شهادة ان لا اله الا الله وفروعها كشجرة طيبة وهي النخلة. اصلها ثابت في الارض وفرض منتشر في السماء وهي كثيرة النفع دائما تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله تؤتي اكلها اي ثمرتها كل حين باذن ربها كذلك شجرة الايمان اصلها ثابت في قلب المؤمن علما واعتقادا وفرعها من الكلم الطيب والعمل الصالح والاخلاق المرضية والاداب الحسنة في السماء دائما. يصعد الى الله منه من الاعمال والاقوال التي تخرجها شجرة الايمان. ما ينتفع به المؤمن وينفع لعلهم يتذكرون ما امرهم به ونهاهم عنه فان في ضرب الامثال تقريبا للمعاني المعقولة من الامثال المحسوسة. ويتبين المعنى الذي اراده الله غاية البيان. ويتضح غاية وهذا من رحمته وحسن تعليمه. فلله اتم الحمد واكمله واعمه. فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها في قلب مؤمن ثم ذكر ضدها وهي كلمة الكفر وفروعها فقال ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة المأكل والمطعم وهي شجرة الحنظل ونحوها. اجتثت هذه الشجرة من فوق الارض. ما لها من قرار اي من ثبوت الا عروق تمسكها ولا ثمرة صالحة تنتجها. بل ان وجد فيها ثمرة فهي ثمرة خبيثة. كذلك كلمة الكفر والمعاصي ليس لها ثبوت نافع في القلب. ولا تثمر الا كل قول خبيث. وعمل خبيث. يستضر به صاحبه ولا ينتفع. فلا يصعد الى والله منه عمل صالح ولا ينفع نفسه ولا ينتفع به غيره في الحياة الدنيا وفي الاخرة. ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء اه يخبر تعالى انه يثبت عباده المؤمنين. اي الذين قاموا بما عليهم من ايمان القلب التام. الذي يستلزم اعمال الجوارح ويثمرها فيثبتهم الله في الحياة الدنيا. عند ورود الشبهات بالهداية الى اليقين. وعند عروض الشهوات بالارادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومراداتها. وفي الاخرة عند الموت بالثبات على الدين الاسلامي. والخاتمة الحسنة القبر عند سؤال الملكين للجواب الصحيح اذا قيل للميت من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ هداهم للجواب الصحيح ان يقول المؤمن الله ربي والاسلام ديني ومحمد نبيي ويضل الله الظالمين عن الصواب في الدنيا والاخرة. وما الله ولكن ظلموا انفسهم. وفي هذه الاية دلالة على فتنة القبر وعذابه ونعيمه. كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة وصفاتها ونعيم القبر وعذابه يقول تعالى مبينا حال المكذبين لرسوله من كفار قريش. وما ال اليه امرهم. الم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا. ونعمة والله هي ارسال محمد صلى الله عليه وسلم اليهم. يدعوهم الى ادراك الخيرات في الدنيا والاخرة. والى النجاة من شرور الدنيا والاخرة فبدلوا هذه النعمة بردها. والكفر بها والصد عنها بانفسهم. وصدهم غيرهم حتى احلوا قومهم دار البوار. وهي حيث تسببوا لاضلالهم فصاروا وبالا على قومهم من حيث يظن نفعهم ومن ذلك انهم زينوا لهم الخروج يوم بدر ليحاربوا الله ورسوله فجرى عليهم ما جرى وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم في تلك الوقعة جهنم يصلونها اي يحيط بهم حرها من جميع جوانبهم وجعلوا لله اندادا اي نظراء وشركاء ليضلوا عن سبيله اي ليضلوا العباد عن سبيل الله بسبب ما لله من الانداد ودعوهم الى عبادتها قل لهم متوعدا تمتعوا بكفركم وضلالكم قليلا فليس ذلك بنافعكم فان مصيركم الى النار اي مئالكم ومقركم ومأواكم فيها وبئس المصير لعبادي الذين امنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية اي قل لعبادي المؤمنين امرا لهم بما فيه غاية صلاحهم. وان ينتهزوا الفرصة قبل الا يمكنهم ذلك. يقيموا الصلاة ظاهرا وباطنا وينفق مما رزقناهم. اي من النعم التي انعمنا بها عليهم. قليلا او كثيرا سرا وعلانية. وهذا يشمل نفقة الواجبة كالزكاة ونفقة من تجب عليه نفقته. والمستحبة كالصدقات ونحوها اي لا ينفع فيه شيء ولا سبيل الى استدراك ما فات لا بمعاوضة بيع وشراء ولا بهبة خليل وصديق. فكل امرئ له شأن يغنيه. فليقدم العبد لنفسه. ولينظر ما قدمه لغد فقد اعماله ويحاسب نفسه قبل الحساب الاكبر وسخر لكم الفلك لتجري في البحر يخبر تعالى انه وحده الذي خلق السماوات والارض على اتساعهما وعظمهما وانزل من السماء ماء وهو المطر الذي ينزله الله من السحاب. فاخرج بذلك الماء من الثمرات المختلفة الانواع رزقا لكم ورزقا لانعامكم وسخر لكم الفلك اي السفن والمراكب لتجري في البحر بامره. فهو الذي يسر لكم صنعتها عليها وحفظها على تيار الماء لتحملكم وتحمل تجاراتكم وامتعتكم الى بلد تقصدونه لتسقي حروفكم واشجاركم وتشربوا منها تائبين وسخر لكم الليل والنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين لا يفتران ولا ينيان يسعيان لمصالحكم من حساب ازمنتكم ومصالح ابدانكم وحيواناتكم وزروعكم وثماركم. وسخر لكم الليل فيه والنهار مبصرا لتبتغوا من فضله واتاكم من كل ما سألتموه اي اعطاكم من كل ما تعلقت به امانيكم وحاجتكم مما يسألونه اياه بلسان الحال او بلسان المقال من انعام والات وصناعات وغير ذلك. وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فضلا عن قيامكم بشكرها. اي هذا هذه طبيعة الانسان من حيث هو ظالم متجرأ على المعاصي مقصر في حقوق ربه كفار لنعم الله لا يشكرها ولا بها الا من هداه الله فشكر نعمه. وعرف حق ربه وقام به. ففي هذه الايات من اصناف نعم الله على العباد شيء عظيم مجمل ومفصل يدعو الله به العباد الى القيام بشكره وذكره. ويحثهم على ذلك ويرغبهم في سؤاله ودعائه. اناء الليل والنهار كما ان نعمه تتكرر عليهم في جميع الاوقات واجنبني وبني ان نعبد الاصنام. اي واذكر ابراهيم عليه الصلاة والسلام في هذه الحالة الجميلة اذ قال رب اجعل هذا البلد اي الحرم امنا فاستجاب الله دعاءه شرعا وقدرا. فحرمه الله في الشرع ويسر من اسباب قدرا ما هو معلوم. حتى انه لم يرده ظالم بسوء الا قصمه الله كما فعل باصحاب الفيل وغيرهم. ولما دعا له الامن دعا له ولبنيه بالامن فقال اي اجعلني جانبا بعيدا عن عبادتها والالمام بها. ثم ذكر الموجب لخوفه عليه وعلى بنيه. بكثرة من افتتن وابتلي بعبادتها فقال ربي انهن اضللن كثيرا من الناس اي ضلوا بسببها فمن تبعني على ما جئت به من التوحيد والاخلاص لله رب العالمين. فانه مني لتمام الموافقة. ومن احب قوما وتبعهم التحق بهم ومن عصاني فانك غفور رحيم. وهذا من شفقة الخليل عليه الصلاة والسلام. حيث دعا للعاصين بالمغفرة والرحمة من الله والله تبارك وتعالى ارحم منه بعباده. لا يعذب الا من تمرد عليه المحرم وارزقهم من السمرات لعلهم يشكرون وذلك انه اتى بهاجر ام اسماعيل وابنها اسماعيل عليه الصلاة والسلام. وهو في الرضاع من الشام حتى وضعه هما في مكة وهي اذ ذاك ليس فيها سكن ولا داع ولا مجيب. فلما وضعهما دعا ربه بهذا الدعاء فقال متضرعا متوكلا على ربه. ربنا اني اسكنت من ذريتي اي لا كل ذريتي. لان اسحاق في الشام وباقي بنيه كذلك. وانما كان في مكة اسماعيل وذريته وقوله بواد غير ذي زرع اي لان ارض مكة لا تصلح للزراعة. ربنا ليقيموا الصلاة اي اجعله موحدين مقيمين الصلاة. لان اقامة الصلاة من اخص وافضل العبادات الدينية. فمن اقامها كان مقيما لدينه فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم اي تحبهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه. فاجاب الله دعاءه فاخرج من ذرية اسماعيل محمدا صلى الله عليه وسلم حتى دعا ذريته الى الدين الاسلامي. والى ملة ابيهم ابراهيم. فاستجابوا له وصاروا مقيمي الصلاة وافترض الله حج هذا البيت الذي اسكن به ذرية ابراهيم. وجعل فيه سرا عجيبا جاذبا للقلوب. فهي تحجه ولا تقضي منه وترا على بل كلما اكثر العبد التردد اليه ازداد شوقه وعظم ولعه وتوقه. وهذا سر اضافته تعالى الى نفسه المقدسة وارزقهم من السمرات لعلهم يشكرون. فاجاب الله دعاءه فصار يجبى اليه ثمرات كل شيء شيء فانك ترى مكة المشرفة كل وقت والثمار فيها متوفرة. والارزاق تتوالى اليها من كل جانب انك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الارض ولا في السماء اه ربنا انك تعلم ما نخفي وما نعلن اي انت اعلم بنا منا فنسألك من تدبيرك وتربيتك لنا ان تيسر لنا من الامور التي لنعلمها والتي لا نعلمها ما هو مقتضى علمك ورحمتك ومن ذلك هذا الدعاء الذي لم يقصد به الخليل الا الخير. وكثرة الشكر لله رب العالمين الله الذي وهبني على الكبر اسماعيل واسحاق. فهبتهم من اكبر النعم. وكونهم هم على الكبر في حال الاياس من الاولاد. نعمة اخرى وكونهم انبياء صالحين اجل وافضل اي لقريب الاجابة ممن دعاه وقد دعوته فلم يخيب رجائي ثم دعا لنفسه ولذريته فقال ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب فاستجاب الله له في ذلك كله. الا ان دعاءه لابيه انما كان عن موعدة وعده اياه. فلما بين له انه عدو لله تبرأ منه. ثم قال تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعملون الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار. هذا وعيد شديد للظالمين وتسلية للمظلومين. يقول تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون. حيث امهلهم وادر عليهم الارزاق وتركهم يتقلبون في البلاد امنين مطمئنين. فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم. فان الله يملي للظالم ويمهله ليزداد اثما حتى اذا اخذه لم يفلته وكذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة. ان اخذه اليم شديد. والظلم ها هنا يشمل الظلم فيما بين العبد وربه وظلمه لعباد الله اي لا تطرف من شدة ما ترى من الاهوال. وما ازعجها من القلاقل اليهم طرفهم وافئدتهم هواء. مهضعين اي مسرعين الى اجابة الداعي حين يدعوهم الى الحضور بين يدي الله للحساب. لا امتناع لهم ولا محيص ولا ملجأ. مقنعي رؤوسهم اي رافعيها. قد غلت ايديهم الى الاذقان رفعت لذلك رؤوسهم. اي افئدتهم فارغة من قلوبهم قد صعدت الى الحناجر. لكنها مملوءة من كل هم وغم وحزن وقلق يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا اغفرنا الى اجل قريب نجبد قوتك ونتبع الرسل اولم تكونوا اقسمتم من قبل ما لكم من زوال يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وانذر الناس يوم يأتيهم العذاب اي صف لهم صفة تلك الحال حذرهم من الاعمال الموجبة للعذاب الذي حين يأتي في شدائده وقلاقله. فيقول الذين ظلموا بالكفر والتكذيب وانواع المعاصي على ما فعلوا. سائلين للرجعة في غير وقتها. ربنا اخرنا الى اجل قريب. اي ردنا الى الدنيا. فانا قد ابصرنا اجب دعوتك والله يدعو الى دار السلام. ونتبع الرسل وهذا كله لاجل التخلص من العذاب. والا فهم كذبة في هذا الوعد ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. ولهذا يوبخون ويقال لهم اولم تكونوا اقسمتم من قبل ما لكم من زوال عن الدنيا وانتقال الى الاخرة. فها قد تبين في اقسامكم وكذبكم فيما تدعون. وليس عليكم قاصر في الدنيا من اجل الايات البينات. بل في مساكن الذين ظلموا انفسهم متبين لكم كيف فعلنا بهم. وتبين لكم وتبين لكم كيف فعلنا بهم من انواع العقوبات وكيف الله بهم العقوبات حين كذبوا بالايات البينات وضربنا لكم الامثال الواضحة التي لا تدع ادنى شك في القلب الا ازالته فلم تنفع فيكم تلك الايات بل اعرضتم ودمتم على باطلكم حتى صار ما صار ووصلتم الى هذا اليوم الذي لا ينفع فيه اعتذار ومن اعتذر بباطل وقد مكروا مكرهم ظع عند الله مكرهم وان كان مكرهم تزول منه الجبال. وقد مكروا. اي المكذبون للرسل. مكرهم الذي وصلت ايراداتهم. وعند الله مكرهم اي هو محيط به علما وقدرة فانه عاد مكرهم عليهم ولا يحيق المكر السيء الا باهله انا مكرهم لتزول منه الجبال. اي ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق. وبمن جاء من عظمه لتزول الجبال الراسيات بسببه عن اماكنها. اي مكروا مكرا كبارا لا يقادر قدره. ولكن الله رد كيدهم في نحورهم ويدخل في هذا كل من مكر من المخالفين للرسل لينصر باطلا او يبطل حقا والقصد ان مكرهم لم يغني عنه شيئا ولم يضروا الله شيئا وانما ضروا انفسهم. يقول تعالى فلا تحسبن ان الله مخلف وعده رسله بنجاتهم ونجاة اتباعهم وسعادتهم واهلاك اعدائهم وخذلانهم في الدنيا وعقابهم في الاخرة فهذا لا بد من وقوعه. لانه وعد به الصادق قولا على السنة اصدق خلقه وهم الرسل. وهذا اعلى ما يكون من الاخبار خصوصا وهو مطابق للحكمة الالهية والسنن الربانية وللعقول الصحيحة. والله تعالى لا يعجزه شيء فانه عزيز منذ انتقام اي اذا اراد ان ينتقم من احد فانه لا يفوته ولا يعجزه. وذلك في يوم القيامة. يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار تبدل غير السماوات وهذا التبديل تبديل صفات لا تبديل ذات فان الارض يوم القيامة تسوى تمد كمد الاديم ويلقى ما على ظهرها من جبل ومعلم. فتصير قاعا صفصفا لا ترى فيه عوجا ولا امتى وتكون السماء المهل من شدة اهوال ذلك اليوم ثم يطويها الله تعالى بيمينه. وبرزوا اي الخلائق من قبورهم الى يوم بعثهم ونشورهم في محل لا يخفى منهم على الله شيء. اي المتفردون بعظمته واسمائه وصفاته وافعاله العظيمة. وقهره لكل العوالم. فكلها تحت تصرفه وتدبيره. فلا يتحرك منها متحرك ولا يسكن ساكن الا باذنه وترى المجرمين اي الذين وصفهم الاجرام وكثرة الذنوب في ذلك اليوم ايسلسل كل اهل عمل من المجرمين بالسلاسل من نار؟ فيقادون الى العذاب في اذل صورة واشنعها وابشعها سرابيلهم اي ثيابهم من قطران وذلك لشدة اشتعال النار فيهم وحرارتها ونتن ريحها وتغشى وجوههم التي هي اشرف ما في ابدانهم النار. اي تحيط بها وتصلاها من كل جانب. وغير الوجوه من باب اولى احرى وليس هذا ظلما من الله لهم. وانما هو جزاء لما قدموا وكسبوا. ولهذا قال تعالى ليجزي الله كل نفس ما كسبت من خير وشر بالعدل والقسط الذي لا جور فيه بوجه من الوجوه قوله تعالى اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون. ويحتمل ان معناه سريع المحاسبة فيحاسب الخلق في ساعة واحدة كما يرزقهم ويدبرهم بانواع التدابير في لحظة واحدة. لا يشغله شأن عن شأن وليس ذلك بعسير عليه. فلما بين البيان المبين في هذا القرآن قال في مدحه انما هو اله واحد. وليد هذا بلاغ للناس ان يتبلغون به ويتزودون الى الوصول الى اعلى المقامات وافضل الكرامات. لما اشتمل عليه من الاصول والفروع وجميع العلوم التي يحتاجها العباد. ولينذروا به لما فيه من الترهيب من اعمال الشر. وما اعد الله لاهلها من العقاب اعلموا ان ما هو اله واحد. حيث صرف فيه من الادلة والبراهين على الوهيته ووحدانيته. ما صار ذلك حق اليقين اي العقول الكاملة ما ينفعهم فيفعلونه وما يضرهم فيتركونه وبذلك صاروا اولي الالباب والبصائر. اذ بالقرآن ازدادت معارفهم واراؤهم. وتنورت افكارهم لما اخذوه فانه لا يدعو الا الى اعلى الاخلاق والاعمال وافضلها. ولا يستدل على ذلك الا باقوى الادلة وابينها. وهذه قاعدة اذا تدرب بها العبد الذكي لم يزل في صعود ورقي على الدوام في كل خصلة حميدة والحمد لله رب العالمين