رحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه ايها الاخوة والاخوات سلام الله عليكم ورحمته وبركاته حياكم الله جميعا حيثما كنتم ومرحبا بكم مجددا مع هذه المحاضرة من تفسير سورة يونس مع قول الله جل جلاله بعد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين هذا بيان لاعجاز هذا الكتاب المبارك وانه لا يستطيع احد من البشر ان يأتي بمثله ولا بعشر سور مثله مفتريات ولا بسورة من مثله انه بفصاحته وببلاغته وبوجازته وبحلاوته وباشتماله على انباء الغيب وانباء القرون الاولى واشتماله على المعاني العزيزة النافعة في الدنيا والاخرة لا يمكن ان يكون الا من عند الله الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في افعاله ولا في اقواله ان كلامه جل جلاله لا يشبه كلام المخلوقين وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين. تصديقا الذي بين يديه اي مصدق لما سبقه من الكتب السماوية مهيمن عليها مبين لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه لقد استحفز الله الامم السابقة على كتبها فخانت امانة الله بدلت وغيرت في كلام الله فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم ويل لهم مما يكسبون وان فريقا منهم يلون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون لما خانوا امانة الله وبدلوا وغيروا تولى الله بنفسه حفظ كتابه الخاتم. فقال تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون في الكتب السابقة قال يحكمها يحكم بها الربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله فاستحفظ الله الامم السابقة علماءها احضرها ورهبانها على كتبهم فما رعوها حق رعايتها. ما حفظوا امانة الله ولا صانوها فتولى الله بنفسه حفظ كتابه الاخير. انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين الاحكام الشرائع الحلال الحرام بينها الله جل جلاله بيانا شافيا كافيا حقا لا مرية فيه. ففي كتاب الله خبر ما قبلنا ونبأ ما بعدنا وفصل ما بيننا اي خبر عما سلف وعما سيأتي وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه. فمن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به واستقام عليه هدي الى صراط مستقيم وما تركه من جبار الا قسمه الله جل جلاله ثم قال تعالى ام يقولون افتراه ام يقولون افتراه؟ قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين يا من تزعمون كذبا وزورا وبهتانا ان القرآن قد افتري من دون الله عز وجل ان ادعيتم وافتريتم وشككتم في ان هذا الكتاب من عند الله وقلتم كذبا ومينا ان هذا من عند محمد ان محمدا بشر مثلكم ناطق بلغتكم ناطق بلسانكم وقد جاء فيما زعمتم بهذا الكتاب فاتوا انتم بسورة مثله من جنس هذا القرآن استعينوا على ذلك بكل ما تقدرون عليه من انس وجان وان التحدي بالقرآن وقع على ثلاث مراحل المرحلة الاولى المرحلة الاولى تحداهم ان يأتوا بمثل هذا الكتاب قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. ثم تنزل معهم الى عشر بسور منه فقال في سورة هود ام يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين. ثم تنزل الى سورة واحدة. فقال تعالى في هذه السورة ام يقولون تراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين ثم بين انهم لم يقدروا فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين العرب كانوا اهل فصاحة وبلاغة وبيان الفصاحة من سجاياهم معلقاتهم واشعارهم اليها المنتهى في هذا الباب. لكن جاءهم من الله ما لا قبل لاحد به. ومن اجل هذا امن من امن منهم بما عرف من بلاغة هذا الكلام فقد كانوا اعلم الناس به وافهم الناس له واتبعهم له واشهرهم له انقيادا السحرة علموا بفنون السحر لكن علموا ان ما جاء به موسى عليه السلام لا يصدر من مشكاة السحر ابدا لا يصدر الا عن مؤيد مسدد مرسل من الله عز وجل. وان هذا ليس في مقدور احد من البشر نبي الله عيسى عليه السلام بعث في زمن تميز فيه علماؤه وبرزوا في عالم الطب ومعالجة المرضى فجاءهم بما بما لا طاقة لهم به ولا قدرة لهم علي. فكان يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى باذن الله ومثل هذا لا مدخل للعلاج والدواء فيه. فعرف من عرف منهم من سبقت له من الله الحسنى انه عبد الله ورسوله. ولهذا جاء في الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم ما بالنبي من الانبياء الا وقد اوتي من الايات ما على مثله امن الناس. وانما كان الذي اوتيته وحيا اوحاه الله الي فارجو ان اكون اكثرهم تابعا يوم القيامة ان البينة ان المعجزة التي يسوقها الله جل وعلا على يد انبيائه. انما تقوم مقام قول الله جل جلاله صدق عبدي فيما يبلغ عني يأتي مدعي النبوة ويزعم انه رسول ويطالبه الناس بالبينة فيخرق الله له السنن الجارية لكي تكون برهانا على صدقه واية على نبوته ورسالته ثم قال تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما ياتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين. كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه كذبوا بالقرآن لم يفهموه ولا عرفوه لم يتدبروا في معانيه ولا في مراميه ولما يأتيهم تأويله والتأويل يأتي في لغة الشارع بمعنى البيان او بمعنى حقيقة الامر وما يؤول اليه مثلا تأويل الرؤية تحققها ان يوسف عليه السلام في اول السورة قال يا ابت اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. قال يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدك اخر السورة ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا. وقال يا ابتي هذا تأويل رؤياي من قبل. قد جعلها ربي حقا احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي سجدين. اخر القصة ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا ابتي هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا تأويل ما اخبرنا الله به ان نراه يوم القيامة رأي العين وبعضه نراه في الدنيا عندما نرى تمكين الله للمؤمنين واخزاء الله للكافرين وتحقق وعد الله عز وجل صدق وعده ونصر عبده واعز جنده وهزم الاحزاب وحده. هذا تأويل قوله تعالى كتب الله لاغلبن انا ورسلي ان الله قوي العزيز تأويل قول الله تعالى ان الذين يحادون الله ورسوله اولئك في الاذلين التأويل ما وعد الله به موسى بقوله عندما جاء قوله تعالى واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني اسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعيشون. هذا تأويل قوله تعالى عندما قال له قومه اوذينا من قبل ان تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم ان يهلك عدو ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون. واهلك الله عدوه واستخلفهم في الارض. لكن بدلوا وغيروا وايضا فكانت العقوبات واولها فانها محرمة عليهم. اربعين سنة يتيهون في فلا تأس على القوم الفاسقين فانظر كيف كان عاقبة الظالمين كما قال تعالى فكلا اخذنا بذنبه فمنهم من ارسلنا عليه حاصبا ومنهم من اخذته ومنهم من خسفنا به الارض ومنهم من من اغرقنا وما ظلمهم الله فانظر كيف اهلكناهم بتكذيبهم رسلنا ظلما وعلوا وكفرا وعنادا وجهلا فاحذروا ايها المكذبون ان يصيبكم مثل ما اصابهم فاعتبروا يا اولي الابصار. لا تفعلوا مثل فعلهم في حل بكم في حل بكم مثل الذي حل بهم ثم قال تعالى ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به. الناس ليسوا سواء منهم من غلبت عليه شقوته ومنهم من سبقت له من الله الحسنى والسعيد من سعد في بطن امه والشقي من شقي في بطن امه لقد كان من الناس من يرى رسول الله لحظة واحدة لا لا تقع عينه عليه الا ويؤمن به على الفور ويقول لما رأيت وعرفت انه ليس بوجهي كذاب ومن الناس لم تسبق له من الله الحسنى ابو طالب عاش مع النبي الطيلة عمره لما مات النبي كان عمره خمسين سنة ابو طالب خمسة وتمانين سنة وعمر الدعوة عشر سنوات وهو الذي كفن النبي صلى الله عليه وسلم كفله طفلا له شابا وكفله يافعا كفله نبيا وظل يحرسه ويحوطه ويمنعه والنبي انصحه ولم يقصر في نصح ولا في بلاغ لكن غلبت عليه شقوته لم تسبق له من الله الحسنى وظل نبينا الى اخر لحظة الى اخر رمق قلها اشهد لك بها عند الله وحوله اخواله من بني مخزوم يحيطون به احاطة السوار بالمعصم. اترغب عن ملة الاشياخ ويستمع ويلتفت الى صدق المناشدة وحرارة المناشدة من قبل ابن اخيه والله يا ابن اخي لولا ان يقولوا اسلم جزعا من الموت لاقررت بها عينا ثم فرضت انفاسه وهو يقول انه على ملة الاشياخ. على ملة عبدالمطلب وقف نبينا محزونا مغموما مهموما اخذ يقول والله لاستغفرن لك ما لم انهى عن ذلك العمر الذي بذله ابو طالب في حماية النبي في نصرته في الدفاع عنه لكن لم تسبق له من الله الحسنى فانزل الله تعالى قوله ما كان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم وانزل على نبيه قوله انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء كده هنا بمعنى التوفيق لان هدية البيان بين النبي عليه الصلاة والسلام. ما قصر في بيان اما التوفيق ان تفتح مغاليق القلوب وان تمكن فيها للهدى هذا امر لا يملكه الا من يملك ازمة القلوب جل جلاله انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك اعلم بالمفسدين. اعلم بمن يستحق الهداية فيهديه من يستحق الضلالة فيضله فيهدي ذلك فضلا ويضل ذلك عدلا ويعطي كلا ما يستحقه تبارك عاد ان الله يضل من يشاء ويهدي اليه من اناب فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم. والله لا يهدي القوم الفاسقين. ثم قال تعالى وان كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم نعم تبرأ منهم ومن عملهم. كقوله تعالى قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون. وكقول خليل الرحمن ابي الانبياء جاي ابراهيم لقومه انا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء وابدا حتى تؤمنوا بالله وحده هذا ايضا جواب لمن يأتي يشتكي وما اكثر هذه الشكايات من قبل اباء يعيشون في هذا البلد ويتألمون ويتعذبون مما يتورط فيه اولادهم من معاصي ومناكر ومساخط لله عز وجل ويقولون لنا ماذا نفعل نخشى ان يأخذنا ربنا بتبعاتهم اقول له لا تملك الا استدامة النصح واستدامة الوعظ والمراوحة في ذلك بين الوعد والوعيد وبين الترغيب والترهيب ثم الدعاء الذي لا يتوقف ولا يفتر ثم البراءة مما يقعون فيه ويصرون عليه من مناكر ومصاغة لله عز وجل ان فعلت هذا فارجو ان تكون قد برأت ذمتك عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم اذا اهتديت في نفسك ثم نصحت ووعظت واحتسبت وامرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فقد خرجت من التبعة وبرئت من العهدة انتم بريئون مما اعمل وانا بريء مما تعملون اسأل الله جل وعلا ان يأخذ بنواصينا لما يحب ويرضى يجعلنا واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه. ان يحملنا واياكم في احمد الامور عنده واجملها عاقبة. ان يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء همومنا وذهاب احزاننا انه ولي ذلك والقادر عليه. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم. سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك