السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله جعل الحج من شعائر الاسلام وكرره على عباده مرة في كل عام واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. وسلم عليه وعليهم تسليما مزيدا الى يوم الدين. اما بعد فهذا هو المجلس الاول من برنامج مناسك الحج الثامن. والكتاب المقروء فيه هو كتاب التحقيق والايضاح للعلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى. وقبل الشروع في اقرائه لابد من ذكر مقدمات ثلاث المقدمة الاولى التعريف بالمصنف. وتنتظم في ستة مقاصد المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة القدوة عبدالعزيز بن عبدالله ابن عبد الرحمن ابن باز يكنى بابي عبد الله ويعرف بابن باز نسبة الى جد له ولقب بمفتي البلاد وشيخ الاسلام. وكان رحمه الله شديد الزهد في القاب المقصد الثاني تاريخ مولده ولد في الثاني عشر من ذي الحجة سنة ثلاثين بعد الثلاث مئة والالف. المقصد الثالث جمهرة شيوخه تلقى رحمه الله على علومه عن جماعة من العلماء. منهم من طالت ملازمته له. ومنهم من قرأ عليه شيئا يسيرا كسعد بن حمد بن عتيق هو حمد بن فارس ومحمد ابن ابراهيم ومحمد ابن عبد اللطيف ال الشيخ وشيخ تخرجه هو العلامة محمد ابن ابراهيم ال الشيخ. المقصد الرابع جمهرة طلابه اخذ عنه رحمه الله الله تعالى جم غفير من الطلبة طبقة بعد طبقة. منهم جماعة من العلماء كالشيخ فهد ابن حمي والشيخ محمد ابن صالح ابن عثيمين والشيخ صالح ابن فوزان والشيخ عبد الله ابن والشيخ عبدالرحمن البراك. رحم الله امواتهم وحفظ الحي منهم. المقصد الخامس ثبت مصنفاته ترك رحمه الله تعالى من بعده ارثا عظيما من المصنفات منها ما حرره بنفسه في العقيدة الصحيحة والتحقيق والايضاح والفوائد الجلية ونقد القومية العربية ومنها ما كتب عنه حال الدرس ثم عرض عليه حال حياته كشرح ثلاثة الاصول ومنها ما كتب عنه حال الدرس. ولم يعرض عليه حال حياته. كشرح كتاب التوحيد وغيره. وهذا القسم الثالث اقل الاقسام اعتدادا به على قواعد اهل العلم كما سبق بيانه في غير هذا المحل. المقصد السادس تاريخ وفاته توفي رحمه الله في السابع والعشرين. من محرم حرام سنة عشرين بعد الاربعمائة والالف. وله من العمر تسعون سنة رحمه الله تعالى رحمة واسعة. المقدمة الثانية التعريف بالمصنف. وتنتظم في ستة مقاصد ايضا. المقصد الاول تحقيق عنوانه اسم هذا الكتاب هو التحقيق والايضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة. على ضوء الكتاب والسنة. كما صرح به المصنف في كتابه والمراد بالزيارة زيارة مخصوصة. هي زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في مدينته وهذا التركيب على ضوء الكتاب والسنة تركيب شاع عند المتأخرين يريدون به ما كان مبنيا من المسائل على دلائل الكتاب والسنة. ولم يكن معروفا عند من سبق وهو من جنس الصفة الكاشفة فان ما يبديه العلماء في كل مذهب مرده في اصل الاصول عندهم الى الكتاب والسنة. فان فقهاء الاسلام متفقون على ان الكتاب والسنة هما اصل الدلائل التي تبنى عليها المسائل فذكرها من جنس ذكر صفة كاشفة لا تفيد تمييزا ولا تخصيصا. ومن ظن ان كتب المتأخرين هي التي حظيت بهذا مما يبرز دونه باسم صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم او صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم او صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم او بيان كذا وكذا في ضوء الكتاب والسنة ويغفل عن ان هذا الاصل اصل مطرد عند المتقدمين فيحض على كتب الفقهاء بانها لم تنسج على الدليل فذلك غلط عليهم من اعظم الغلط في الشريعة الغلط على الاجلة من العلماء. والاولى اجتناب هذا. ولم نجد احدا من كبار المحدثين لما صنف كتابا له وترجم تراجمه بناه على هذا المعنى بل الكبار منهم كالبخاري وابن حبان والبيهقي مثلا لما ذكروا الصلاة ترجموا بصفة الصلاة ولم يقولوا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وسبق بيان هذا المعنى فيما سلف. المقصد الثاني اثبات نسبته هذا الكتاب صحيح النسبة الى المصنف رحمه الله تعالى. ويدل على ذلك دليلان اثنان احدهما شيوع نسبته اليه بطباعته مرارا حال حياته دون نكير منه وثانيهما عدم ادعاء احد سواه انه تصنيف له او لغيره المقصد الثالث بيان موضوعه موضوع هذا الكتاب ابراز الاحكام الشرعية المتعلقة بثلاث ابواب عظيمة من الدين اولها الحج وثانيها العمرة وثالثها زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الكائن في مدينته. المقصد الرابع ذكر رتبته جرى عامة اهل العلم قديما وحديثا على تقييد مدون في منسك الحج. وقد اتفق للمصنف رحمه الله تعالى اقتفاء عادتهم فصنف هذا الكتاب منسكا في الحج بناه على دلائل الكتاب والسنة مما تبين له كما صرح به في صدر كتابه. على نحو مختصر فجاء لاختصاره واشتماله على الدلائل من انفع المناسك المختصرة التي صنفها المتأخر كما صرح بذلك تلميذه عبدالمحسن العباد في تبصير الناسك المقصد الخامس توضيح منهجه رتب المصنف رحمه الله تعالى كتابه هذا في فصول يترجم لكل واحد منها بقوله فصل ثم يتبعه بما يدل على ما ترجم له. واعتنى فيه كما اراد ببيان دلائل الكتاب والسنة. فحشاه على اختصاره بادلة كثيرة من القرآن والسنة. معتنيا في الغالب بعزو الاحاديث الى مخارجها من الكتب المصنفة. وربما اهمل في مواضع منه وقل ذكره للخلاف الا ان يشير الى الترجيح كأن يقول وهو الاصح من قولي اهل العلم او وهو الصحيح في المسألة. فان مثل هذا اشارة الى الخلاف. المقصد السادس العناية به حظي هذا الكتاب عناية فائقة في طبعه. مرات كثيرة في حياة المصنف نافت عن ثلاثين مرة. ثم وضع تلميذه الشيخ عبدالله ابن جبرين شرحا له اسمه الافصاح شرح كتاب التحقيق والايضاح واصله امان املاها حال الدرس قيدت عنه ثم عرضت عليه فاقرها ونشرت بهذا الاسم حال حياته رحمه الله. المقدمة الثالثة ذكر السبب الموجب لاقراءه الموجب لاقراء هذا الكتاب رعاية فقه المناسبات. والمراد بفقه المناسبات بيان الاحكام الشرعية المتعلقة بزمان او مكان او حال كاحكام الصيام او الحج او الخسوف او الاستسقاء. ومن مآخذ العلم بهذا الاصل. فان دعاية فقه المناسبات فان اشاعة رعاية فقه المناسبات ينتفع بها طائفتان اثنتان الطائفة الاولى طائفة خلية من العلم بالاحكام الشرعية المتعلقة بتلك المناسبة فتنتفع بابداء احكامها حال وقوعها. ومن قواعد العلم المقررة ان الواجب من العلم هو ما وجب العمل به. فكل شيء وجب العمل به فانه يجب تقدم العلم به عليه كما ذكر ذلك القرافي في الفروق وابن في اعلام الموقعين ومحمد علي بن حسين المالكي في تهذيب الفوق. فمن رام اداء شيء من الاحكام المعلقة بالمناسبات وجب عليه ان يتعلم احكامها قبل الاقدام على العمل بما يجب فيها والطائفة الثانية طائفة لها علم بهذه الاحكام فيجري بيان الاحكام لها تذكيرا لما علمته من قبل. فان العلم اذا كرر تقرر في النفوس. ولا سيما اذا كان علما غامضا دقيقا وقد ذكر ابو العباس ابن تيمية الحفيد في منهاج السنة النبوية ان مناسك الحج من ادق العلم واغمظه. فيحتاج ملتمس العلم ان يكرره مرة بعد مرة وانفع التكرير له هو ما اقترن بزمانه. نعم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد. وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. مقدمة الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. اما بعد فهذا منسك مختصر يشتمل على ايضاح وتحقيق كثير من الحج والعمرة والزيارة. على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. جمعته لنفسه ولمن شاء الله من المسلمين واجتهدت في تحرير مسائله على ضوء الدليل. وقد طبع للمرة الاولى في عام ثلاث وستين وثلاث مئة والف للهجرة على نفقة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل قدس الله روحه واكرم مثواه ثم اني بسطت مسائله بعض البسط فزدت فيه من التحقيقات ما تدعو له الحاجة. ورأيت اعادة طبعه لينتفع به من شاء الله من العباد. وسميته التحقيق الايضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة. ثم ادخلت فيه زيادات اخرى مهمة وتنبيهات تكميلا للفائدة وغطوا بها غير مرة. واسأل الله ان يعمم النفع به وان يجعل السعي فيه خالصا لوجهه الكريم. وسببا فوزي لديه في جنات النعيم فانه حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. المؤلف عبدالعزيز بن عبد الله المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلمية والافتاء تضمنت ديباجة المصنف رحمه الله تعالى امورا احدها استفتاح كتابه بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا من الاداب المستحسنة في التصنيف. وثانيها اخبار عن نعت هذا الكتاب. وذلك في قوله فهذا منسك مختصر. والمنسك عند اهل العلم اسم لما وضع من تأليف مشتمل على احكام الحج والعمرة. ولم يزل من جاء باهل العلم في كل مذهب تأليف مناسك مفردة. وهذا المنسك مبني على الاختصار كما قال المصنف في وصفه مختصر لان المناسب للعلم عامة ولما تعلق بعموم الناس هو الاختصار والايجاز. فان علم الشريعة مبني عليه. ومن توهم ان علم الشريعة مبني على تطويل الكلام وذكر الخلاف فقد اخطأ. ومن ممادح النبي صلى الله عليه وسلم ايتاؤه جوامع الكلم كما ثبت ذلك في حديث جابر في الصحيحين وجمع الكلام يقتضي ان هنا بناؤه على الايجاز. وكان هذا هو علم السلف. كما قال رجل لايوب العلم اليوم اكثر. ام فيه من تقدمنا فقال الكلام اليوم اكثر والعلم فيمن تقدمنا اكثر. وكان كلام الاوائل كثير البركة بخلاف كلام المتأخرين فانه كثير قليل البركة. ذكر هذا المعنى ابن القيم في مدارج السالكين وابن ابي العز في شرح العقيدة الطحاوية. وثالثها الافصاح عن الحامل له في تصنيف هذا الكتاب. وذلك في قوله جمعته لنفسي ولمن شاء الله من المسلمين ومراده من تصنيفه نفع نفسه به بتعريفها باحكام الحج والعمرة والزيارة ودوام ملاحظة هذه الاحكام باعادة النظر فيه مرة بعد مرة. ثم طلب انتفاع غيره من المسلمين بعده ممن شاء الله سبحانه وتعالى. وهذا من اعظم المقاصد في التصنيف فان المصنف ينبغي له ان يكون اكبر همه فيما يشرع فيه من ان ينفع نفسه اولا ثم ينفع المسلمين ثانيا. ورابعها بيان ان هذا الكتاب حررت مسائله على ضوء الدليل لقوله واجتهدت في تحرير على ضوء الدليل. وهذا الوصف كما سبق صفة كاشفة. لا يقتضي ان تكون الكتب الاخرى ولا سيما كتب المذاهب الاربعة المعتمدة مصنفة على غير الدليل. بل هو خبر عن انه لم يلتزم بمذهب معين من المذاهب المتبوعة في كل مسألة بل التزم في عامة امره مذهب الحنابلة. فان ظهر له شيء خلاف ما يقتضيه الدليل عند غيرهم اخذ به وهذه هي طريقة اهل الحذق والمعرفة من اهل العلم. فانهم يجرون في وقويهم وافتائهم على مذهب معتمد. لكن التزامهم بالمذهب لا يعني عدم خروجهم عنه اذا بان الدليل في غيره واتباع الدليل اعظم من اتباع الائمة المعظمين المقلدين الناس في هذا طرفان ووسط فطائفة جامدة على ما تظمنته كتب المذاهب المتبوعة تمنع الخروج عنها قيد انملة. وتقابلها طائفة ثانية تزري على كتب الفقه وتعيب الاخذ بها وتنأى عن الانتفاع بها في التفقه وبينهما طريقة متوسطة حسنة جرى عليها كمل الخلق وهي الاعتداد بكتب المذاهب المصنفة في التفقه في الدين. فاذا تضمنت شيئا مخالفا للدليل خارج المذهب المتبوع اخذ بما دل عليه الدليل ولو كان مخالفا للمذهب دون تشويش ولا تهييج وهذه هي طريقة ائمة الدعوة الاصلاحية في الجزيرة العربية بعد القرن الثاني عشر. فانهم على الحنابلة اصولا وفروعا. واذا بان لهم الدليل على خلاف شيء من مقيدات المسائل في المذهب اتبعوا الدليل. وكانت سبيلهم قاصدة سالمة حتى نشأ في الاسلام لم يعرف طريقتهم فتوهم قوم ان طريقة الاتباع عند علماء الدعوة هي مجانبة كتب الفقه وقابلتهم طائفة اخرى توهمت ان طريقتهم الجمود على مذهب الحنابلة وطريقتهم كما سلف هي اعتماد مذهب الحنابلة مع ملاحظة ما ترجح به الدليل. الا ان المرجح للدليل عندهم هو من كانت له قدرة على الاجتهاد. وذلك مخصوص لمن جمع الته وليس الاجتهاد عندهم حمى مستباحا لكل من تكلم في العلم. ولذلك فالغالب وعلى فقهاء هذه الدعوة عدم مخالفة المذهب الا من قوم قلة كانت لهم مكنة في في النظر في المسائل والخروج عما تضمنه المذهب كالعلامة عبد الله بن محمد ابن عبد الوهاب من علماء الصدر الاول منهم ثم العلامة عبدالرحمن ابن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في علماء الطبقة الثانية منهم ثم العلامة عبد الله ابن عبد اللطيف ابن عبد ابن حسن في الطبقة الثالثة ثم العلامة محمد ابن إبراهيم ابن عبد اللطيف في الطبقة الرابعة ثم العلامة عبد العزيز ابن عبد ابن باز في الطبقة الخامسة. وقل خروج غير هؤلاء. مما يدل على انهم يعظمون هذا الامر تعظيما شديدة وتأمل هذا في حال الناس في صلاة التراويح فيما سلف في الطبع الرابعة فلم يكن احد يخرج عن ما عليه المذهب الا الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى لما كان فضلا في حياة شيخه محمد ابن ابراهيم. اما غيره فقد كان ملتزما بالمذهب وفي ذلك بيان ان طريقتهم هي تعظيم المذهب ورعاية التفقه من كتب الاصحاب اب الا من كانت له مكنة واله. اما ما ال اليه الناس اليوم بسبب الدراسات الاكاديمية مما يسمى الباحث حتى صار الاجتهاد حقا مستباحا لكل متكلم في العلم فهذه ليست طريقة اهل العلم لا قديما ولا حديث وسادس ما تضمنته المقدمة بيان ان المصنف رحمه الله تعالى بسط بعض وسائل الكتاب بعض البسط. وزاد شيئا من التحقيقات تدعو اليه الحاجة. ثم ادخل فيه بعد ذلك قيادات اخرى مهمة وتنبيهات مفيدة تكمينا الفائدة ثم ذكر امرا سابعا وهو بيان اسم الكتاب في قوله وسميته التحقيق والايضاح الى اخره. وذكر اسم الكتاب في من مستحسنات الادب في تأليف الكتب لئلا يقع الغلط في تسميته فان جملة من الكتب تنازع الناس تحقيق اسمها لعدم تصريح مصنفها بالاسم في دباجة كتابه او اثنائه وثامنها دعاء الله سبحانه وتعالى عموم النفع به. وان يجعل السعي فيه خالصا لوجه الكريم وسببا للفوز لديه في جنات النعيم. وهذا من مستحسنات الادب عند تأليف الكتب بان يدعو الانسان ربه ان يقع النفع بكتابه وان يكون سببا لفوزه عند اهو ثم ختم هذه المقدمة بالافصاح عن اسمه فقال المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والافصاح عن اسم المصنف من الاداب الواجبة في التصنيف. لان العلم لا يؤخذ عن مجهول كما نص على ذلك ميارة المالكي في قواعده ومحمد حبيب الله الشنقيطي في اضاءة الحال الكتب التي لا يعرف مصنفوها لا يعول عليها. فالجهل بالقائل كالجهل بالمقول. فاذا فجهل المتكلم بما فيها من العلم كان ذلك ايضا تجهيدا لما تضمنه الكتاب فقد يكون صحيحا وقد يكون غير صحيح. ولهذا ذكروا من احكام المصنفات مجهولة اسم المصنف ان تعرض على الاصول فان وافقتها اخذ بها وان خالفتها تركت. والاولى عدم الاعتداد بها لان العلم لا يؤخذ عن مجهول كما سلف نعم ما شاء الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين. والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فهذه رسالة مختصرة في الحج وبيان فضله وادابه. وما ينبغي لمن اراد السفر لاداءه وبيان مسائل كثيرة مهمة من مسائل الحج والعمرة والزيارة على سبيل الاختصار والايضاح قد تحريت فيها ما دل عليه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعتها نصيحة للمسلمين وعملا بقول الله تعالى وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين وقوله تعالى واذا اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه. الاية وقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى. الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الدين النصيحة ثلاث قيل لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم وروى الطبراني عن حذيفة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يهتم بامر المسلمين فليس منهم ومن لم يمسي ويصبح ناصحا لله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم فليس منهم. والله المسؤول ان ينفعني بها والمسلمين. وان يجعل السعي فيها خالصا لوجهه الكريم وسببا للفوز لديه في جنات النعيم انه سميع مجيب وهو حسبنا ونعم الوكيل. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا مقدمة ثانية والفرق بين المقدمتين ان هذه المقدمة هي هي مقدمة الكتاب وتلك هي مقدمة طبعة ثانية او ما بعدها. وكانت تصانيف من سلف يشتمل على مقدمة واحدة فقط. هي مقدمة الكتاب. ثم لما وجدت الطباعة وامكن تكرار طبع الكتاب مع الزيادة عليه مرة ثانية او ثالثة او فوق ذلك غير الطبعة الاولى وجد نوع ثان من المقدمات. وهو مقدمة الطبعة. فمقدمة الكتب نوعان اثنان احداهما مقدمة الكتاب الاصلية وثانيهما مقدمة ثانية او ما فوقها. والفرق بينهما ان مقدمة الكتاب تتعلق به اصلا وهي المقدمة بين يديه اولا. اما مقدمة الطبعة فتتعلق بالتقديم لهذه للاشارة الى ما لوحظ فيها من زيادة او تغيير او تحويل او نحو ذلك هذه المقدمة الثانية وهي مقدمة الكتاب ليس فيها زيادة على ما سلف من الامور التي ضمنتها مقدمة الطبعة الا الاشارة الى انه جمعها نصيحة للمسلمين عملا بقول الله تعالى وذكر فان الذكر تنفع المؤمنين وقوله تعالى واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا وقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى. ولما في الحديث الصحيح ان النبي صلى الله عليه قال الدين النصيحة وفيه قيل لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين عامتهم. وهذا الحديث في صحيح مسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه ليس فيه ذكر الثلاث. وانما الذكر الثلاث عند ابي داود وغيره وكانه غير محفوظ في لفظ الحديث. بل المحفوظ هو لفظ مسلم وفيه الدين النصيحة. قال قلنا لمن يا رسول الله الحديث؟ ولم يذكر ثلاثا ثم اردفه المصنف رحمه الله تعالى بحديث ثان جار مجرى المتابعة له. فقال وروى الطبراني عن حذيفة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يهتم بامر المسلمين. واسناده ضعيف وساغ ايراده لانه قام مقام التابع لما قبله. ومن الاهتمام بامر المسلمين لهم بيان الاحكام الشرعية المتعلقة بدينهم. بل هذا اعظم النصح لهم ومن جملة ذلك بيان احكام الحج والعمرة. نعم قال فصوتي ادلة وجوب الحج والعمرة والمبادرة الى ادائهما. اذا عرف هذا فاعلموا وفقني الله واياكم لمعرفة الحق واتباعه في ان الله عز وجل قد اوجب على عباده حج بيته الحرام وجعله احد اركان الاسلام قال الله تعالى ولله على الناس حج وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال لقد هممت ان ابعث رجالا الى ما هذه الامصار فينظر كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين وروي عن علي رضي الله عنه انه قال من قدر على الحج فتركه فلا عليه ان يموت هديا او نصرانيا. ويجب وعلى من لم يحج وهو يستطيع الحج ان يبادر اليه لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعجلوا الى يعني الفريضة فان احدكم لا يدري ما يعرض له رواه احمد. ولان اداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع اليه بظاهر قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ايها الناس ان الله فرض عليكم الحج فحجوا اخرجه مسلم. وقد وردت احاديث كن على وجوب العمرة منها قوله صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبرائيل لما سأله عن الاسلام قال صلى الله عليه وسلم الاسلام نشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله. وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر. وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء او تصوم رمضان اخرجه ابن خزيمة والدار قطني من حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقالت دار قطني هذا اسناد ثابت صحيح ومنها حديث عائشة رضي الله عنها انها قالت يا رسول الله هل على النساء من جهاده؟ قال عليهن جهاد لا قتال فيه الحج ولا يجب الحج والعمرة للعمر الا مرة واحدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الحج مرة فمن زاد فهو تطوع. ويشن الاكثار من الحج والعمرة لما ثبت في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة عقد المصنف رحمه الله تعالى هذا الفصل لبيان حكم الحج والعمرة. وقد صرح رحمه الله تعالى بحكمهما اذ قالا فصل في ادلة وجوب الحج والعمرة. فالحج والعمرة عنده واجبان وقد ذكر رحمه الله تعالى ادلة ذلك وابتدأ ببيان ادلة وجوب الحج فذكر في ذلك دليلا من القرآن والسنة ومن الصحابة رضوان الله عنهم. فاما دليل القرآن فهو قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من اليه سبيلا الاية. وهذه الاية اصل في بيان وجوب الحج. ودلالتها على ذلك من وجهين اثنين احدهما في الاتيان بحرف الجر على في قوله تعالى على الناس فان حرف الجر على موضوع في خطاب الشرع للدلالة على الامر كما صرح بذلك ابن القيم في بدائع الفوائد ومحمد بن اسماعيل الامير في شرح منظومته في اصول الفقه والالفاظ الموضوعة للدلالة على الامر نوعان اثنان احدهما ما وضع لذلك لغة وشرعا وهي الالفاظ الصريحة المجموعة في قول شيخ شيوخنا حافظ للحكمي في وسيلة الحصول اربع الفاظ بها الامر دري افعل لتفعل اسم فعل مصدري والنوع الثاني الالفاظ الموضوعة للدلالة على الامر شرعا. وهي الالفاظ غير الصريحة ولابن القيم في بدائع الفوائد والامير في شرح منظومته كلام مستطاب في بيان جملة كثيرة من هذه الالفاظ الموضوعة في الشرع للدلالة على الامر ومن جملتها الاتيان بعلى كقوله تعالى ولله على الناس حج البيت وثانيهما في قوله تعالى ومن كفر فان الله غني عن العالمين فان الكفر لا يذكر الا على ترك مأمور به واجب سواء كان انا الكفر الذي يفضي اليه كفرا اكبر او اصغر. فحيث رتب الكفر على الترك. فاعلم ان ما رتب عليه الكفر واجب. واما رتبة الكفر عند تركه. فتختلف اختلاف مأخذ حكمه. وباعتبار الحج فمن ترك الحج جاحدا له فكفره اكبر. ومن غير جاحد له مع القدرة عليه والمكنة منه باجتماع الشروط وانتفاء الموانع فكفره كفر اصغر فقد اتى ذنبا من عظائم الذنوب. واما دليل السنة فحديث عبد الله ابن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بني الاسلام على خمس ثم ذكرها وعد من في اللفظ الذي اورده المصنف وحج بيت الله الحرام. وهو بهذا اللفظ ليس في الصحيحين. بل ولا في شيء من كتب الرواية المسندة المشهورة. وانما فيها وحج البيت. ومن قواعد الرواية بالمعنى اجتنابها حال التصنيف. لان المصنف يجمع قوته وتمكنه مراجعة الاصول فينبغي ان يحقق الالفاظ كما هي في مخارجها من تأليف ائمة الرواية. ودلالة هذا الحديث على وجوب الحج في عده من مباني الاسلام واركانه العظام. فان اركان الاسلام التي يبنى عليها واجبة ان لو لم تكن واجبة لما صح اطلاق الركنية عليها فصارت دالة على وجوب الحج من جهة عده ركنا من اركان الاسلام. واما الاثار الواردة عن الصحابة فاورد المصنف رحمه الله تعالى اثرين احدهما عن عمر والاخر عن علي وكلاهما اسناده ضعيف. وانما صح عن عمر رضي الله عنه انه قال من اطاع الحج فلم يحج فسواء عليه يهوديا مات او نصرانيا اخرجه الاسماعيلي والبيهقي في سننه الكبرى. واسناده صحيح كما ذكر ابن كثير وابن اجل رحمهما الله. ودلالة هذا الاثر وما كان في معناه على وجوب الحج. في تصير من ترك الحج مع القدرة عليه في حكم اهل الكتاب من اليهود والنصارى وهم محكوم بكفرهم كما قال تعالى لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين. الاية والحاق من ترك الحج بهم دال على اقترافه ذنبا عظيما من افعال اهل الكفر. وسواء تركه جحدا او غير جحد فان ذلك كفر حال القدرة عليه كما قال الله فيما سلف ذكره ومن كفر فان الله غني عن العالمين وبينا وجه ذلك. فهذه الادلة دالة على وجوب الحج وانعقد على ذلك المسلمين وهو من الشعائر الظاهرة التي لا تحتاج الى نقل خاص. في بيان وجوبها الاستفاضة ذلك في اهل الاسلام. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مسألة تتعلق بوجوب حج وهي فوريته. والمراد بالفورية المبادرة الى فعله. عند اول التمكن منه المبادرة الى فعله عند اول التمكن منه. واورد المصنف رحمه الله تعالى للدلالة على ذلك حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعجلوا الى الحج. الحديث رواه احمد وهو عند ابي داود وغيره بلفظ من اراد الحج فليتعجل. وفي اسناده ضعف وروي من وجه اخر ومن اهل العلم من يحسنه باعتبار اجتماع طرقه والاشبه والله اعلم هذا الحديث. ومما يوجب على العبد المبادرة الى الحج عند استطاعته ما ذكره المصنف في قوله لان اداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل اليه في ظاهر قوله تعالى ولله على حج البيت الاية وهذا التفريع مبني على قاعدة اصولية وهي ان الوجوب على في اصح قولي اهل العلم فاذا وجب على العبد شيء فانه لا تبرأ ذمته ولا يسلم من عهدته حتى يبادر اليه غير متأخر عنه لان الاحكام مبنية على طلب ابنه الذمة وهو معنى الفورية. كما قال الله سبحانه وتعالى فاستبقوا الخيرات في دلائل اخرى مذكورة في تآليف الاصوليين. فمن استطاع الحج وجب عليه ان يبادر اليه فورا دون تأخير. وفورية الحج هي مذهب جمهور اهل العلم. فان جمهور اهل العلم على ان الحج واجب على الفور. خلافا للشافعي. وانما ذهب من ذهب الى القول بعدم فورية الحج اخذا بان فرظه كان في السنة السادسة واداؤه صلى الله عليه وسلم له كان في السنة التاسعة فحيث تأخر الامتثال بعد ورود الامر دل ذلك على انه على التراخي وهذا المذهب فيه نظر لان فرض الحج لم يكن بقول الله سبحانه وتعالى واتموا الحج والعمرة لله. النازلة سنة ست. وانما كان بقوله تعالى ولله على الناس حج البيت فالاية الاولى انما فيها الامر باتمام الحج والعمرة عند الدخول فيهما وليس فيها بيان وجوب الحج والعمرة ابتداء وانما وقع ذلك بغيرها من الدلائل صحيح ان فرض الحج انما وقع في سنة تسع واختار هذا جماعة من المحققين كابي العباس ابن تيمية وتلميذه ابي عبدالله ابن القيم وشيخ شيوخنا محمد الامين الشنقيطي رحمه الله تعالى. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى دليلا اخر من السنة يدل على الفورية وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ايها الناس ان الله فرض عليكم الحج فحجوا. اخرجه مسلم ودلالته على ذلك هو ما تقرر في اصح قول اهل العلم علم بالاصول ان الامر للفور. فقوله صلى الله عليه وسلم فحجوا دال على فورية الحج لكونه امرا. وما انا امرا فان الخطاب به امتثالا يقع على الفور وعدم التراخي. وبعد ان فرغ المصنف رحمه الله تعالى من بيان دلائل وجوب الحج اتبعه بدلائل وجوب العمرة. ولم يذكر شيئا من اي القرآن يدل على وجوب العمرة لخلو ذلك من ايه. وقوله تعالى واتموا الحج والعمرة لله لا يدل على وجوب العمرة ابتداء وانما يدل على وجوب اتمامها بعد الدخول فيها. ولهذا فالمعول عليه عند القائلين بوجوب العمرة انما هو الاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. والاحاديث الواردة عن صلى الله عليه وسلم في ايجاد العمرة نوعان اثنان احدهما ما هو حديث صريح غير صحيح والثاني ما هو حديث صريح صحيح لكن زيادة ذكر العمرة فيه شاذة. وهذا هو حكم الاحاديث التي اوردها المصنف رحمه الله تعالى كحديث عمر في قصة جبريل وفيه قوله صلى الله عليه وسلم وتحج البيت وتعتمر فان اصل الحديث صحيح. لكن هذه الزيادة ضعيفة. وكذلك حديث عائشة رضي الله الله عنها عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة فان اصل هذا الحديث صحيح الا ان هذه الزيادة بذكر العمرة شاذة وكل حديث جاء فيه ذكر وجوب العمرة مقرونة بالحج فلا يثبت عن النبي صلى الله الله عليه وسلم. والاحاديث المروية في ايجاب العمرة لا يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن صح هذا عن جماعة من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كابن عباس وغيره فالصحيح من قول اهل العلم وجوب العمرة. كما هو مذهب الشافعي واحمد. ودليل الوجوب والاثار المروية عن الصحابة. ولا نعلم بينهم خلافا في ذلك. واتباع اذهار الصحابة من طريقة اهل السنة والحديث والاثر. ثم ذكر مسألة متعلقة بوجوب الحج عمرة فقال ولا يجب الحج والعمرة في العمر الا مرة واحدة. فالذي تبرأ به الذمة ويحصل به الامتثال هو اداء الحج والعمرة مرة واحدة في العمر. وما زاد عنها كان تطوعا. واورد المصنف رحمه الله تعالى دليلا على ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الذي اخرجه الاربعة الا الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الحج مرة فمن زاد فهو تطوع. وهذا الحديث فيه ضعف فان اصل القصة في الصحيح وليس فيه ذكر هذا اللفظ لكن الاجماع منعقد على هذا. وان العبد مأمور باداء هذا النسك الحج مع العمرة مرة واحدة في عمره. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان من السنن الاكثار من الحج والعمرة وعن كما ثبت في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. فاذا امكن للعبد ان من اداء العمرة والحج تطوعا فذلك من افضل الاعمال. نعم فصل في وجوب التوبة من المعاصي والخروج من المظالم. اذا عزم المسلم على السفر الى الحج او او العمرة استحب له ان يوصي اهله واصحابه بتقوى الله عز وجل. وهي فعل اوامره واجتناب نواهيه. وينبغي ان يكتب ماله وما عليه من الدين ويشهد على ذلك ويجب عليه المبادرة الى التوبة النصوح من جميع الذنوب لقوله تعالى وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم فحقيقة التوبة الاقلاع من الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها. والعزيمة على عدم العود فيها وان كان عنده الناس عالم من نفس او مال او عرض ردها اليهم. او تحللهم منها قبل سفره. بما صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال من كان عنده مظلمة لاخيه من مال او عرض فليتحلل اليوم قبل ان لا يكون دينار ولا درهم. ان كان له عمل صالح اخذ منه وبقدر مظلمته وان لم تكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. وينبغي ان ينتقب لحجه وعمرته نفقة طيبة من الحلال لما صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله تعالى طيب لا يقبل الا طيبا ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في لبيك اللهم لبيك. ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك. زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأجور. واذا خرج الرجل من نفقة الخبيثة ووضع رجله في الغرس فنادى لبيك اللهم لبيك. ناداه من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك ثواب ونفقتك حرام وحجك غير مبرور. وينبغي للحاج الاستغناء عن ما في ايدي الناس والتعفف عن سؤالهم لقوله صلى الله عليه وسلم ومن يستعذف يعفه الله ومن يستغني يغنيه وقوله صلى الله عليه وسلم لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم. ويجب والتقرب الى الله بما يرضيه من الاقوال والاعمال في تلك المواضع الشريفة احذر كل الحذر من ان يقصد بخده الدنيا وحطامها او الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك. فان ذلك من اقبح المقاصد وسبب كما قال تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفي اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخشون قل اولئك الذين ليس لهم في الاخرة الا النار. وحفظ ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون. وقال تعالى كان يريد العاجلة تعدلنا له فيها ما نشاء لمن نريد. ثم جعلنا له جهنم يصفاها مذموما مدحورا ومن اراد الاخرة وسأل سعيها وهو مؤمن. فاولئك كان سعيهم مشكورا. وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال قال الله تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا اشرك معي فيه غيري تركته وشركه. وينبغي له وايضا ان يصحب في سفره الاخيار من اهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين. ويحذر من صحبة السفهاء والهشاق. فينبغي له ان يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته ويتفقه في ذلك ويسأل عما اسكن عليه ان يكون على بصيرة. فاذا ركب دابته او سيارته او طيارته او غيره هذه المرقوبات اذ تحب له ان يسمي الله سبحانه ويحمده ثم يكبر ثلاثا ويقول سبحان الذي سخر لنا هذا ما كنا انه مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون. اللهم اني اسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم هون علينا هذا واطوي عنا بعده. اللهم انت الصاحب في السفر والخليفة في الاهل. اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر مشروع المنقلب في المال والاهل. بصحة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم اخذه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ويكثر في الذكر والاستغفار ودعاء الله سبحانه وتضرع اليه وتلاوة القرآن وتدبر معانيه. ويحافظ على الصلوات في الجماعة ويحفظ كانه من كثرة القيل والقال والقول فيما لا يعنيه الافراط في المزاح ويصون لسانه ايضا من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية لاصحابه وغيرهم من اخواني المسلمين وينبغي له بذل البر لاصحابه وكف اذاه عنهم. وامرهم بالمعروف ونهيه عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة حسب ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا فصلا اخر من كتابه يبين فيه جملة من الاحكام سامي المتعلقة بالحج ترجم له بقوله فصل في وجوب التوبة من المعاصي والخروج من المظالم وذكر فيه غير هذين الشيئين مما يتعلق بما يكون عليه الحاج في سفره. وانما قصر الترجمة على هذين الامرين لجلايتهما وعظمتهما وكان له ان يترجم لقوله مثلا فصل في ما ينبغي على الحاج عند سفره الى حجه الا انه عدل عن ذلك وان كان مقصود الفصل الى الترجمة بهذا تنبيها الى جلالة محله من النسك. وبين في صدر هذا الفصل ذلك فقال اذا عزم المسلم على السفر الى الحج او العمرة استحب له ان يوصي اهله واصحابه بتقوى الله عز وجل وهي فعل اوامر واجتناب نواهيه وينبغي ان يكتب ما له وما عليه من الدين ويشهد على ذلك. ومقصود وصية ان يبين فيها حق الله وحق خلقه. فحق الله سبحانه وتعالى الذي كتبه عليه هو امره اهله بملازمة تقوى الله سبحانه وتعالى. وحق خلقه ردوا ما عنده من حقوقهم من مال وغيره. فيجب عليه ان يبينه ليعرف عنه ذلك ان مات في سفره فلا تضيع حقوق الخلق ولا تتعلق في ذمته باقية بعد موته ثم ذكر رحمه الله تعالى بعد هذا مما يجب على مريدي الحج قبل سفره ان يبادر الى التوبة النصوح من جميع الذنوب. وذكر قول الله سبحانه وتعالى وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون. وهذه اية دالة على وجوب التوبة. لكن ليس فيها تعيين كونها توبة نصوح. وكان المطابق لما ذكر ان يذكر قول الله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبة نصوحا. فان هذه الاية مصرحة بتعيين التوبة الواجبة وهي التوبة النصوح. والتوبة النصوح هي ان يتوب الانسان من قم ثم لا يرجع اليه كما صح ذلك عن عمر ابن الخطاب فيما رواه ابن جرير في تفسيره. ثم بين رحمه الله تعالى حقيقة التوبة. واصل التوبة هو الرجوع الى الله سبحانه وتعالى. فان التوبة متضمن لمعنى الرجوع فاذا تاب العبد الى الله فانه يرجع اليه مفارقا نهيه الى امره ومعصيته الى طاعته. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ما يبين حقيقتها لشرائطها فقال وحقيقة التوبة الاقلاع من الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزيمة على عدم العود فيها الى اخره وهذه الامور المبينة للحقيقة انما هي شرائط التوبة. فانزل الشرائط منزلة مبين الحقيقة وان كانت حقيقة التوبة كما سلف هي الرجوع الى الله سبحانه وتعالى وشروطها ثلاثة عند اهل العلم اولها الاقلاع من الذنب وتركه وثانيها الندم على مواقعته وثالثها العزيمة على عدم العود فيها. اي في الذنوب التي مضت. وهذه الشروط الثلاثة خصت بالذكر عند اهل العلم تعلقها بالتوبة اصلا وزاد بعضهم شرطا رابعا وهو الاخلاص وهذا الشرط شرط في جميع الاعمال. فان العمل لا يقبل حتى يكون خالصا. فترك واهل العلم عده لانه شرط مضطرد في كل عمل. وزاد بعضهم شرطا خامسا وهو التخلص من المظالم المتعلقة بالنفوس او الاعراض او الاموال وتحلل اهلها واعرظ عنه جمهور اهل العلم العادين لشروط التوبة لانفراجه في معنى الاقلاع عن الذنب. فان من لم يرد المظالم ولم يتحلل اهلها لم يكن مقلعا عن الدم. وسبق ان ذكرت لكم ان من قواعد اهل العلم ان الرد اولى من المد. فاذا امكن رد الكلام بعضه الى بعض كان ذلك اولى من مده وبسطه. فشروط التوبة هي الثلاثة التي ذكرت انفا وما زاد عنها فاما ان يكون راجعا الى اصل عام كالاخلاص او مندرجا في احدها كما يذكر من رد المظالم والتحلل منها. واورد المصنف رحمه الله تعالى حديثا مخرجا في صحيح البخاري يؤذن بوجوب التحلل من المظالم وردها الى اهلها وهو قوله صلى الله عليه وسلم من كان عنده مظلمة لاخيه من ماله او عرظ فليتحلل اليوم قبل ان لا يكون دينار ولا درهم. الحديد وفيه ايجاب التحلل من المظالم وطلب المسامحة والعفو من اهلها. فان اصل التحلل هو طلب جعل المرء في حل ولا يكون ذلك الا بوقوع العفو عنه. والمسامحة له. وهذا الامر دائر مع المصلحة والمفسدة. فاذا كانت مصلحة التحلل راجحة اقدم عليها. وان كانت المفسدة راجحة احجم عن التحلل. لان المقصود هو رد المظالم والتخلص منها لا تجديدها. وقد في التحلل تارة تجديدا لتلك المظالم وتهييجا لها. فاذا لم يمكن التحلل مباشرة وجب رد المظلمة دون ايجاب المباشرة كان يعطي المال وسيطا يوصله الى صاحبه او غير ذلك لئلا تتجدد المظالم وينتفي المقصود منها ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى من الاحكام المتعلقة بسفر الحاج انه ينبغي ان ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة هبة ومعنى الانتقاب الاختيار. فيختار من ما له مالا حلالا طيبا لما في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله طيب لا يقبل الا طيبا. ومن الطيب اللازم ان يكون هنا المال حلالا فيما يفتقر اليه من عبادات كحج وعمرة ثم اورد رحمه الله الله تعالى حديثا ثانيا في هذا المعنى اجراه مجرى المتابعة لما سبق. وهو حديث ابي هريرة المخرج عند الطبراني ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويغني عنه حديثه الاول ان الله تعالى طيب لا يقبل الا طيبا ثم ذكر من احكام السفر انه ينبغي للحاج الاستغناء عن ما في ايدي الناس. والتعفف عن لقوله صلى الله عليه وسلم ومن يستعفف يعفه الله وقوله لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة الحديث وكلا الحديثين مخرج في الصحيحين. وهذا لا يختص بالحج. بل ينبغي للعبد ان يستغني عما في ايدي الناس وان يمتنع من سؤالهم وان يعلق حاجته بربه عز وجل وانما ذكر المصنف رحمه الله تعالى وغيره هذه المسألة في هذا المحل من مناسك الحج لان مذهب المالكية ان من كان له عادة في سؤال الناس وجب عليه الحج فيسأل الناس ويحجوا بما جمعه من سؤالهم. وهذا خلاف ما عليه جمهور اهل العلم فان المأمور به هو الاستغناء عما في ايدي الناس. ثم ذكر رحمه الله تعالى طرفا مما يتعلق بنية حج فقال ويجب على الحاج ان يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الاخرة والتقرب الى الله بما يرضيه من الاقوال والاعمال الى اخر ما ذكر والنية المتعلقة بالاعمال لها ثلاث مراتب قولوها نية العمل ويراد بها النية التي يحصل بها تمييز العمل هو عبادة ام عادة؟ وهل العبادة فيه فرض ام نفل؟ وثانيها نية تتعلق بتمييز المقصود بالعمل. اهو الله ام غيره؟ ويتعلق بهذه في المرتبة الاخلاص والرياء. وثالثها نية تتعلق بتمييز المقصود من العمل اهو ثواب الاخرة ام الدنيا وهذه المراتب مطردة في كل عمل من الاعمال واذا اردت اجراءها في الحج فنية العمل فيه هل هو فرضك الذي تؤديه ام نفل تتقرب به الى الله سبحانه وتعالى. وهذا متعلق بالمرتبة الاولى في المرتبة الثانية وجوب الاخلاص في اعمالك في الحج كلها صغيرها وكبيرها سرها وعلنها. وفي الثالثة انه ينبغي على العبد ان يتحرى ما عند الله سبحانه وتعالى ثواب الاخرة الذي صحت به الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعمال الحج ومنها الحديث المتقدم في الصحيحين والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى طرفا مما يخالفه هذا فقال ويحذر كل حذر من ان يقصد بحجه الدنيا وحطامها اولياء السمعة والمفاخرة بذلك. فان ذلك من اقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله وذكر رحمه الله الاية المصدقة لذلك ثم اتبعها بحديث ابي هريرة المخرج في صحيح وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك معي فيه غيري وشركه. فيجب على العبد ان يخلص حجه لله سبحانه وتعالى. ثم ذكر من الاداب المستحسنة في السفر ان يحرص الحاج على صحبة الاخيار من اهل الطاعة والتقوى. ويحذر من صحبة السفهاء والفساق لان صحبة اهل الخير تعينه على امتثال المأمور به في حجه. كما ان صحبة اهل السفه والفسق تجره الى الوقوع فيما حرم الله سبحانه وتعالى. وهذا الاصل لا يختص بالحج بل هو اصل عظيم مقرر في الشرع فان الشرع جاء بالحث على مصاحبة الاخيار ومباعدة الاشرار كما فقال الله عز وجل يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين. والصادقون هم الصادقون مع الله ومع خلقه بامتثال اوامر الله سبحانه وتعالى وصدق الحديث مع خلق الله عز وجل وفي الصحيحين من حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك اما ان تبتاع منه واما ان يحذيك ان يعطيك واما ان تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير اما ان يحلق ثيابك واما ان تجد منه ريحا سيئة. والناس هنا على تشبه بعضهم ببعض كاسراب القطا كما قال مالك بن دينار رحمه الله تعالى. ثم ذكر من ينبغي للحاج وهو ان يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته وان يتفقه في ذلك ويسأل عما اشكل ليكون على بصيرة وهذا كما سلف مبني على قاعدة عظيمة وهي ان كل ما وجب العمل به فيجب تقدم العلم به عليه فلا يجوز للانسان ان يدخل في عمل من الاعمال الواجبة دون علم. فمن يحج دون تعلم لاحكام الحج فانه اذا وقع في شيء من الاخطاء المتعلقة احكام نسكه يكون اثما مباشرة. ولو لم يتعمد. لان جهله بها محرم. فلا يجوز للانسان ان الاحكام الشرعية المتعلقة بما وجب عليه من العمل لان كل واجب عمله يجب تقدم العلم كما ذكر ذلك القرافي وابن القيم ومحمد علي ابن حسين المالكي في تهريب الفروق وسبق ذكر هذا. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى من اداب السفر تقديم ذكر دعائه فيستحب للانسان ان يأتي بالدعاء الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى وقال في اخره لصحة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم اخرجه مسلم من حديث عبد الله ابن عمر وليس في لفظ الحديث عند مسلم ذكر التسمية ولا ذكر الحمد وهما غير محفوظين في الحديث وانما المحفوظ في الحديث هو التكبير ثلاثا ثم قول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين الى اخره. وهذا الدعاء يسمى دعاء السفر. ومحله هو حال خروج الانسان من بلده. ولا يشرع في غيره. فمن سافر من بلده الى مكة او المدينة او غيرهما شرع له ان يقول ذلك في ابتداء السفر فاذا خرج من تلك البلدة قافلا الى بلدته لم يشرع له ان يقول هذا الذكر. وكذلك اذا خرج من تلك البلدة الى بلدة اخرى فانه لا يشرع له ان يقول هذا الذكر. فاذا سافر الانسان مثلا من الرياظ الى المدينة ابتدأ ابي هذا الذكر عند خروجه من الرياض الى المدينة. فاذا خرج من المدينة الى مكة لم يكن له الاتيان به لانه لا يزال مسافرا ومحل هذا الذكر انما هو في اول سفره عند خروجه من بلده ابيه وهو لا يزال مسافرا ولو خرج من بلد الى بلد مئة مرة حتى يرجع الى بلده الاول ثم ذكر رحمه الله تعالى مما ينبغي ان يكون عليه الحاج في سفره الاكثار من الذكر والاستغفار ودعاء الله والتضرع اليه وتلاوة القرآن القرآن وتدبر معانيه والمحافظة على صلاة الجماعة وحفظ اللسان وترك الخوض فيما لا ينفع وعدم الافراط في المزح وصون اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة والسخرية باصحابه وغيرهم من اخوانه المسلمين. وكل هذه الامور مما دلائله في الاحكام الشرعية المتعلقة بالحج وغير الحج. ثم ذكر مما يتعلق بادب الرفقة وهو انه ينبغي له بذل البر في اصحابه وكف اذاه عنهم وامره بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة على حسب الطاقة. فيعاملهم على الوجه الاتم. كما يحب ان يعاملوه هم على الوجه الاتم. وفي صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من احب ان يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأتي الى الناس الذي يحب ان يؤتى اليه هذا اصل في ملاحظة معاملة الخلق بالاتم لانه يحب ان يعاملوه بمثله. نعم قال فصل فيما يفعله الحاج عند وصوله الى الميقات فاذا وصل الى الميقات استحب له ان يغتسل ويتطيب بما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم تجرد من المخيط عند الاحرام واغتسل. ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت اطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل ان يحرم ولحله قبل ان يطوف بالبيت. وامر صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها وقد احرمت بالعمرة ان تغتسل وتحرم بالحج. وامر صلى الله عليه وسلم اسماء بنت عميس رضي الله عنها قال لما ولدت في الحليفة ان تغتسل وتستثمر بثوب وتحرم. فدل ذلك على ان المرأة اذا وصلت الى الميقات وهي حائض او نفساء تغتسل وتحرم مع الناس وتفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت. كما امر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة واسماء رضي الله عنهما بذلك ويستحب لمن اراد الاحرام ان يتعاهد شاربه واظفاره وعانته وابيضيه فيأخذ ما تدعو الحاجة الى اخذه لان لا يحتاج الى ذلك بعد الاحرام وهو محرم عليه. ولان النبي صلى الله عليه وسلم شرع للمسلمين تعاهد هذه الاشياء في كل وقت. كما ثبت في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطرة خمس الختان والاستحداث وقص الشارب وقلب الاظفار ولطف الابار عطوة واخرجه النسائي بلفظ وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واخرجه احمد وابو داوود والترمذي بلفظ النسائي اما الرأس فلا يشرع اخذ شيء منه عند الاحرام. لا في حق الرجال ولا في حق النساء. واما اللحية فيحرم حلقها واخذ شيء منها في جميع اوقات بل يجب اعفائها وتوفيرها لما ثبت في الصحيحين عن رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خالف المشركين وفروا اللحى واحوا الشوائب. واخرج مسلم في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جزوا الشوارب واخفوا خالفوا المجوس وقد عظمت المصيبة في هذا العصر بمخالفة كثير من الناس هذه السنة ومحاربتهم من لحى رضاهم بمشابهة الكفار والنساء ولا سيما من ينتسب الى العلم والتعليم فانا لله وانا اليه راجعون. ونسأل الله ان يهدينا وسائر المسلمين بما السنة والتمسك بها والدعوة اليها وان رغب عنها الاكثرون. وحسبنا الله ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم يلبس الذكر ازارا ورداء. ويستحب ان يكونا ابيظين نظيفين ويستحب ان يحرم في نعليه. لقول النبي صلى الله عليه وسلم وليحرم احدكم في ازار ورداء ونعلين. اخرجه الامام احمد رحمه الله. واما المرأة فيجوز لها ان تحطم فيما شاءت من لكن ليس لها ان تلبس النقاب والقفازين حال احرامها ولكن تغطي في وجهها وكفيها بغير النقاب والقفازين. لان النبي صلى الله عليه وسلم نأى المرأة المحرمة عن لبس النقاب والقفازين. واما تخصيص بعض العامة المرأة في الاخضر او الاسود دون غيرهما فلا اصل له. ثم بعد الفراغ من الغسل والتنظيف ولبس ثياب الاحرام. ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج او عمرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى. ويشرع له التلفظ بما نوى فان كانت نيته والعمرة قال لبيك الله عمرة او اللهم لبيك عمرة وان كانت نيته الحج قال لبيك حجا او او اللهم لبيك حجا لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وان نواهما جميعا لبى بذلك فقال اللهم لبيك عمرة وحجا والافضل ان يكون التأهب بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة او سيارة او غيرهما لان النبي صلى الله عليه وسلم انما اهل بعد ما استوى على راحلته وانبعثت به من الميقات للسير هذا هو الاصح من اقوال اهل العلم. ولا يشرع له التلفظ بما نوى الا في الاحرام خاصة لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم اما الصلاة والطواف وغيرهما فينبغي له الا يتلفظ في شيء منها بالنية فلا يقول رأيت ان اصلي كذا وكذا ولا نويت ان اطوف كذا وكذا بل التلفظ بذلك من البدع المحدثة. والجهر بذلك اقبح واشد اثما. ولو كان التلفظ بالنية مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم. واوضحه في الامة بفعله او قوله وسبق اليه السلف الصالح فلما لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن اصحابه رضي الله عنهم علم ان انه بدعة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل بدعة ضلالة. اخرجه مسلم في صحيحه وقال عليه الصلاة والسلام من احبب في امرنا هذا ما ليس منه فهو رده. متفق عليه من متفق على صحته. وفي لفظ لمسلم من عمل عمل ليس عليه امرنا فهو ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا فصلا اخر يتعلق باحكام الحج هو فصل فيما يفعله الحاج عند الى الميقات وابتدأه بقوله فاذا وصل الى الميقات استحب له ان يغتسل ويتطيب واورد في ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه تجرد من المخيط عند الاحرام واغتسل والاحاديث المروية في اغتساله صلى الله عليه وسلم عند الاحرام من الميقات لا يثبت منها شيء ولم يكن هذا امرا يلتزمه اصحابه رضوان الله عنهم. بل ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه انه كان اذا احرم ربما اغتسل وربما توضأ والمفرق بين الحالين فيما يظهر والله اعلم ملاحظة الحاجة الى ذلك. فاذا احتيج الى الاغتسال لاجل قدر البدن ووسخه كان ذلك مستحبا. واذا لم توجد الحاجة يستحب ذلك وهذا هو الذي تدل عليه الاحاديث الثابتة في ذلك فان النبي صلى الله عليه امر من امر بالاغتسال لما كان له موجب للاغتسال كعائشة في حيضها واسماء في نفاسها. فاذا وجد نظير هذا باحتياج البدن الى الاغتسال استحب له ذلك فان لم يحتج المرء اليه لم يكن ذلك مستحبا. ويتبع الاغتسال في استحباب التطيب وقد ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عائشة اذ قالت كنت اطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الاحرامه قبل ان يحرم وتطيب المحرم انما هو في بدنه ورأسه فيستحب له ان يطيب بدنه ورأسه دون ثياب نسكه. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مما يستحب في مريدي النسك ان يتعاهد شاربه واظفاره وعانته وابطيه. فيأخذ ما تدعو الحاجة الى اخذه وهذا هو الذي عليه المحققون في استحباب هذه الاعمال للناسك. وهو وجود داعي الحاجة فاذا دعت الحاجة الى ذلك استحب له وان لم تدع الحاجة الى ذلك لم يستحب فان الدلائل لم تثبت في تعاهد الشارب والاظفار والعانة والابطين عند ارادة الدخول في النسك فلا تختص بهذا كما ذكر ذلك شيخ الاسلام ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى لكن ان وجدت الحاجة الى ذلك استحب للعبد ان يتعاهدها. فان النبي صلى الله عليه وسلم امر المسلمين بتعاهد هذه الاشياء في كل وقت فانها من سنن الفطرة كما ثبت ذلك في حديث ابي هريرة المخرج في الصحيحين وفي الفطرة وفي صحيح مسلم من حديث انس انه قال وقت لنا في قص الشارب وقلم الاظفار ونتف الابط وحلق العانة الا نترك ذلك اكثر من اربعين ليلة. فمنتهى التأميد في اخذ هؤلاء هو بلوغ الاربعين فلا يجوز للانسان ان يؤخرها عن الاربعين. وقد يتعين ذلك قبلها اذا وجد علة الحكم فاذا طالت الاظافر او الشارب او كتف شعر الابط والعانة. وجب على ذلك ولو قبل الاربعين. لان الحكم مناض بعلته. وعلته دفع الاذى والتقدر عن العبد فاذا وجدت العلة وجب على الانسان ان يبادر الى ما امر به. وقد وقع التصريح نسبة المؤقت الى النبي صلى الله عليه وسلم عند النسائي بلفظ وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمحفوظ هو لفظ مسلم قتالين وما اضافه اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالبناء لغير الفاعل كامرنا او او وقت لنا فانها مرفوعة الى النبي صلى الله عليه وسلم حكما على الصحيح من قولي اهل العلم كما اشار الى ذلك العراقي بقوله في الالفية قول الصحابي من السنة او نحو امرنا حكمه الرفع ولو بعد النبي قاله باعصر على الصحيح وهو قول الاكثري. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى كلمة في بيان هذا الحكم كان الاولى العدول عنها اذ قال لان النبي صلى الله عليه وسلم شرع للمسلمين تعاهد هذه الاشياء الى اخره. فان النبي صلى الله عليه وسلم ليس شارعا. وانما هو مبلغ. هذا فهو الذي نطقت به اية الكتاب الكريم وجرى عليه عمل السلف رحمهم الله تعالى فلم يأتي في الفاظهم قط قولهم شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ولا جاء ذلك في اي القرآن ولا الاحاديث النبوية. وذكرنا هذه المسألة سابقا في ابيات من يذكرها الشرع حق الله دون رسوله الشرع حق الله دون رسوله بالنص اثبت لا بقول فلان وما رأيت الله حين اشاده ما جاء في الايات ذكر الثاني وجميع صحب محمد لم ينطقوا شرع الرسول وشاهد برهان فاي الكتاب لم يأتي فيها قط ان النبي صلى الله عليه وسلم شارع وانما فيها انه مبلغ. وكذلك اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يتلفظوا بهذا وانما كانوا يقولون فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا او سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى بعد ذلك مما ينبه اليه من الاحكام ان تعهد الرأس بالاخذ منه لا يشرع عند الاحرام لا في حلق الرجال ولا في حلق النساء فالتعاهد يختص بالامور السابقة وبينا ما سلف فيها. واما اللحية فيحرم حلقها او اخذ شيء منها في الاوقات لما جاء من الادلة في وجوب اعفائها وتوفيرها وذكر رحمه الله تعالى الاحاديث في ذلك فاما تحريم الحلق فهذا امر نقل جماعة من اهل العلم الاجماع عليه منهم ابو محمد ابن حزم وابو العباس ابن تيمية الحفيد. فيحرم حلق اللحية اجماعا. والمراد حلق استئصالها بحيث لا يبقى شيء من شعرها. اما اخذ شيء منها فاهل العلم في دخوله في جملة الاعفاء والتوفير للمأمور به ام لا؟ والصحيح ان اخذ ما زاد عن القبضة صحت به الاثار عن الصحابة كابن عمر وابي هريرة. واما ما دون ذلك مما هو فوق القبضة فلم يصح عن احد من الصحابة رضي الله عنهم الاخذ منه. فيجب وقف المأخوذ منها على ما ورد عن الصحابة رضوان الله عنهم وما زاد عن ذلك فلا يؤخذ منه شيء الا ان حصل به او احتيج اليه في مداواة ونحوها. وهذه المسألة مما عظمت البلية فيها في الازمنة المتأخرة عند الناس. فصار من المنكرات الظاهرة حلق اللحية بالكلية ومخالفة امر النبي صلى الله عليه وسلم في التوفير والاعفاء. واشد ما تعظم المصيبة به في وقوع هذا المنكر اذا كان في من ينتسب الى العلم والتعليم. وشيوع منكر ما لا يؤذن بغظ الطرف عنه. فان المحرم محرم قل او كثر فشى في الناس ام لم يفشوا فيهم. والواجب على طالب العلم ان يرعى هذا ان الامر في المنكرات وان يمتثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابي سعيد الخدري المخرج في صحيح مسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان وتغيير القلب يكون بكراهة الذنب وبغضي وهذا امر يجب ان يطرده الانسان في جميع المعاصي ولو كثرت وفشت ان يحرك داعي الانكار في نفسه عند رؤيته لها. وعظمت المصيبة اكثر واكثر في الازمنة الاخيرة بتطلب مخارج هذا المنكر وتشريعه بين الناس واظهار هذه المسألة من خفاف المسائل التي يسع الامر فيها الخلق. وهذا من رقة الدين وضعفه في نفوس الناس. وقد بلغ امر بمن ضرب في هذا المسلك بالتماس بناء ذلك على دليل. فقال احد المتكلمين في هذه المسألة وقد وجدت مخرجا لمن وقع في حلق اللحية وهو ان الاصوليين مختلفون في دلالة افعل هل هي على الوجوب؟ او الاستحباب او للطلب الشائع بين الوجوب الاستحباب وعلى ذلك تكون الادلة السابقة في وجوب توفير اللحية وارخائها جارية على هذا الخلاف فيكون الامر فيها متسعا. وهذا كله من رقة الدين وضعفه في قلوب الخلق اهل العلم والمنتسبون للشريعة ينبغي ان يبنوا تدينهم على العزائم لا على الرخص من ظن ان بناء الدين على الرخص يوجب قبوله في قلوب الخلق فقد زل. فان ابن مسعود كان يقول ان هذا الامر جد. فاذا خلطتموه بالهزل مجته قلوب الناس. فمن يظن انه بتيسيره للدين كما فيتوهم ببنائه على الرخص المجزوم بها او المظنونة او المتوهمة فقد اخطأ طريقة والسنة فان الله عز وجل لما امر اهل الكتاب قال لهم خذوا الكتاب بقوة. فالدين انما يقوم تقبله القلوب اذا كان معظما في النفوس. فاذا رقق الدين لهم وحبب بهذا المسلك فانهم ينفرون منه بل ينفرون من الداعي الذي اختار هذا. ومن تلاعب الشيطان بالناس ارتكبه بعض المنتسبين الى الدعوة من ابتغاء هذا الاصل ظانين انهم يوصلون الدين بذلك الى قلوب الخلق وهو خلاف طريقة الكتاب والسنة فان الكتاب والسنة لم تنسج هذا في تقعيد الدين في قلوب الناس وتقليد فيهم بل جرت على طلبهم بالعزائم والكمالات لان النفوس اذا عزمت وكملت قوت عليه الى سلوك الطريق واذا اضعفت بمثل هذه الرخص انقطعت عن سلوك الطريق فينبغي على طالب العلم ان يلازم اخذ بالعزيمة المقوية لان الرخص الموهنة المتوهمة تضعف دين الانسان فان يبدأ برخصة مجمع عليها ثم يتسارع الى رخصة مختلف فيها ثم يرتكب بعدها رخصة حتى يتلاشى دينه بالكلية كما ترونه اليوم في حال الناس. فلا تنظر الى من هلك كيف ولكن انظر الى من نجى كيف نجى. واعلم ان اعظم الطرق المؤدية الى تعظيم الدين في قلوب الناس هو تعظيمه لهم وبناء فعلهم له على الكامل واما الناقص فانه لا ينفعهم وما يجري عليه الناس من ابتغاء غير هذا السبيل لا ينفع الداعي ولا المدعو وستنبئك الايام عن حقائق ذلك. ومن يسلك هذا المسلك ممن يطلب رضا الجماهير. يخسر الجماهير حتما. وقد سلكه قبل اناس فخسروا جماهيرهم وربما رجع عليهم جماهيرهم باللعن وربما هم انخلعوا من الاسلام بالكلية وانتحلوا مذاهب الزندقة والنفاق الرائجة في كل عصر تحت اسماء مختلفة كالعلمانية والليبرالية فليحذر الطالب هذا الامر ويأخذ نفسه بالاحوط ليسلم له دينه. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مما يتعلق بالاحكام الكائنة عند الوصول الى الميقات ان يلبس الذكر ازارا ورداء ويستحب ان ابيضين نظيفين. ويستحب ان يحرم في نعلين. وتصير لباس الذكر على هذه الصفة من كونه ازارا ورداء ابيضين نظيفين. اما ترتيبه ازارا ورداء فهذا هو الذي ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم واما كونهما ابيضين فالاحاديث الصحيحة في مدح البياض والامر باتخاذ الثياب منه كما ثبت ذلك عند الترمذي وابن ماجة. واما كونهما نظيفين فلان نظافة الرداء والازار دالة على كمال التجمل الموجب كمال العبادة فان الانسان اذا تجمل لربه اعانه ذلك على تكميل عبادته وقد اشترى تميم للدار حلة بالف دينار كان يلبسها في صلاة الليل فهو يتجمل لربه ليكون تقربه له على الوجه الاكمل. واستحباب النعلين فيه هذا الحديث عند احمد وليحرم احدكم بازاء ورداء ونعلين. واصل الحديث في الصحيحين ليس فيه هذا اللفظ. فهذا الحديث بهذا السياق شاد واستحباب النعال خاصة لم يرد فيه شيء معين بالنسبة للحاج. واما بالنسبة لعامة حال الانسان فقد ثبت الامر بالانتعال ومدحه في احاديث كثيرة في صحيح مسلم وغيره ثم ذكر بعد ذلك لباس المرأة فقال واما المرأة فيجوز لها ان تحرم فيما شاءت من اسود او اخضر او غيرهما فلا يتعين لون من الالوان مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم لحرمة ذلك لكن ليس لها ان تلبس النقاب والقفازين حال احرامها ولكن تغطي وجهها وكفيها بغير النقاب والقفازين لما عن النبي صلى الله عليه وسلم من نهي المرأة المحرمة عن لبس النقاب والقفازين في صحيح البخاري. وما كان في معنى النقاب فهو ملحق به كالبرقع واللثامى. وقد روى البيهقي في سند صحيح عن عائشة قالت في عد احكام المرأة في الحج قالت ولا تبرقعوا ولا تلثم فالمرأة منهية عن البرقع واللثام كما هي منهية عن النقاب لكن النقاب جاء في لفظه صلى الله عليه وسلم وغيره انما جاء في في اثار الصحابة كاثر عائشة الذي ذكرته لكم عند البيهقي بسند صحيح. ثم نبه ان ما يتوهمه بعض العوام من تخصيص احرام المرأة في لون معين كالاخظر او الاسود انه لا اصل له. ثم ذكر بعد ذلك ما يشرع للناسك بعد فراغهم رشده وتنظفه ولبسه ثياب الاحرام وهو ان ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده. وهذه النية هي التي تسمى بالاحرام. فان الاحرام هو نية الدخول في النسك. وليس هو لبس الازار والرداء. بل الاحرام هو نية الدخول في النسك. وهذه النية هي النية الخاصة. فان الناسك له نيتان اثنتان احداهما نية عامة بارادة نسكه من حج او عمرة وهذه النية واقعة منه عند خروجه من بلده والثانية نية خاصة وهي متعلقة بارادته الدخول في النسك وهي التي تكون عند الميقات. ثم المصنف رحمه الله تعالى ان الناسك يشرع له التلفظ بما نوى بان يقول لبيك عمرة او الله لبيك عمرة او ان يقول لبيك حجا او يقول اللهم لبيك حجا لان النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كما ثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لبيك عمرة وحجا. وفي لفظ لبيك بعمرة وحج. وهل هذا تلفظ وتلفظ بالنية ام تلفظ بالنسك قولان لاهل العلم. وصحهما ان هذا تلفظ بالنسك وليس تلفظا بالنية لان النية محلها القلب ولم يشرع التلفظ بها في شيء من العبادات وانما الذي تلفظ به عند الدخول في النسك تعيينه وبيان مقصود الناسك في نسكه الذي اراده. فاذا قال لبيك عمر دل على ارادته العمرة واذا قال لبيك حجا دل على ارادته حجا واذا قال لبيك عمرة وحجا دل على تعيين نسكه بالعمرة والحج وهو القران كما سيأتي فالمختار ان هذا تلفظ ببيان النسك وليس تلفظا بالنية باصح قولي اهل العلم الله تعالى. ثم بين المصنف رحمه الله تعالى محل التلفظ ببيان النسك. وهو انه يكون بعد استواء الحاج على مركوبه من دابة او سيارة او غيرهما وهذا هو الصحيح من قولي اهل العلم. لان النبي صلى الله عليه وسلم انما اهل بعد استوى على راحلته كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر. واما الاحاديث المروية ان النبي صلى الله عليه وسلم اهل بنسكه على الارض فلا يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم والمحفوظ عنه هو ما رواه ابن عمر من اهلاله بنسكه حال على ناقته ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى انه لا يشرع التلفظ بما ينويه العبد الا الاحرام خاصة لانه هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وما عدا ذلك فلا ينبغي له ان يتلفظ فيه بالنية. والصحيح ان ما وقع منه صلى الله عليه وسلم ليس تلفظا بالنية وانما هو بيان للنسك المراد المقصود فلا يشرع التلفظ بالنية لا في في حج ولا في وضوء ولا في عمرة ولا في حج فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل نويت ان احج او نويت ان كاميرا او نويت ان اتوضأ او نويت ان اصلي. فلم ينقل ذلك عنه ولم ينقل عن اصحابه رضي الله عنهم. وقد وضع المصنف رحمه الله تعالى بان هذا لم يعهد عن السلف الصالح ومراده بالسلف الصحابة والتابعين واتباع التابعين وهو كما قال فان هذا انما وجد في كلام غيرهم. فوجد هذا في كلام الشافعي. كما روى ذلك عنه بسند صحيح ابن المقرئ في معجمه والسبكي في طبقاته فما يوجد في كلام ابي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى والتلميذ ابن القيم ان ذلك لا يعرف عن احد من ائمة اهل العلم فيه نظر فقد صح ذلك عن الشافعي. لكن الشافعي رحمه الله تعالى قد ترك هذا. وهجر القول بالتلفظ بالنية عند الصلاة الذي صح عنه عند ابن المقرئ والسبك في الطبقات والذي دل على هجره انه اخلاه من كتبه. فهذا كتاب الام بين ايدينا ولم يذكر فيه الشافعي هذه المسألة. فكان الشافعي كان يرى هذا قديما ثم تركه وهو الصحيح لانه لا يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن احد من الصحابة ولا رحمهم الله تعالى فهو من محدثات الامور وبدع الاعمال التي دخلت على الناس. نعم فصل في المواقي في المكانية وتحديدها المواقف خمسة. الاول ذو الحليفة وهو ميقات اهل المدينة وهو المسمى عند الناس اليوم ابيار الثاني الجحفة وهي ميقات اهل الشام وهي قرية خراب تلي رابغ والناس اليوم يحرمون من رابغ ومن احرى من رابغ الثالث قرن المنازل وهو ميقات اهل نجد وهو المسمى اليوم بالسيل. الرابع الملم وهو ميقات اهل اليمن. الخامس ذات عرق وهو وهي ميقات اهل العراق. وهذه المواقيت قد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم ذكرنا ومن مر عليها من غيرهم ممن اراد الحج والعمرة. والواجب على من مر عليها ان يحرم منها ويحرم عليه ان يتجاوزها بدون ومن اذا كان قاصدا مكة يريد حجا او عمرة. سواء كان مروره عليها من طريق الارض او من طريق الجوف. لعموم قول النبي الله عليه وسلم مما وقت هذه المواقيت هن لهن ولمن اتى عليهن من غير اهلهن ممن اراد الحج والعمرة. والمشروع لمن توجه الى مكة الطريق الجوي بقصد الحج او العمرة ان يتأهب لذلك بالغسل ونحوه قبل الركوب في الطائرة ان يتأهب لذلك بالغسل ونحوه قبل الركوب في الطائرة فاذا دنا من الميقات لبس ازاره ورداءه ثم لبى بالعمرة ان كان الوقت متسعا وان كان الوقت ضيقا لبى بالحج وان لبس ازاره واذاه قبل الركوب او قبل الدنو من الميقات فلا بأس ولكن لا ينوي الدخول في النسك ولا يلبي بذلك الا اذا حاذ الميقات او دنى منه. لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم الا من الميقات. والواجب على الامة التأسي به صلى الله عليه كغيره من شؤون الدين. لقول الله سبحانه لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الوداع خذوا عني مناسككم. واما من توجه الى مكة ولم يرد حجا ولا عمرة كالتاجر والحطاب والبريد ونحو ذلك. فليس عليه محرام الا في ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم لما ذكر المواقيت هن لهن ولمن اتى عليهن من غير اهلهن من من اراد الحج والعمرة فمفهومه ان من مر على المواقيت ولم يرد حجا ولا عمرة فلا احرام عليه. وهذا من رحمة الله بعباده وتسهيله عليهم فله الحمد على ذلك ويؤيد ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما اتى مكة عام الفتح لم يحرم بل دخلها وعلى رأسه المغفر وانما اراد سلاحها وازالة ما فيها من الشرك. واما من كان مسكنه دون المواقيت سلم الشجر هذا المعروف يكثر فيها الشجر هذا سموه ام السنم ام السلم وهو الشرائع وبدر ومستورة واشباهها فليس عليه ان يذهب الى شيء من المواقيت الخمسة المتقدمة بل مسكنه هو ميقاته فيحرم منه بما اراد من حج او عمرة واذا كان له مسكن اخر خارج الميقات فهو بالخيار ان شاء احرى من مسكنه الذي هو اقرب من الميقات الى مكة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس لما ذكر المواقيت قال ومن كان دون ذلك فمهله من اهله حتى اهله مكة يهلون من مكة اخرجه البخاري ومسلم. لكن من اراد العمرة وهو في الحرم فعليه ان يخرج الى الحل ويحرم بالعمرة منه. لان النبي الله عليه وسلم لما طلبت ابن عائشة رضي الله عنها العمرة امر اخاها عبدالرحمن رضي الله عنه ان يخرج بها الى الحل فتحرم منه فدل ذلك على ان المعتمر لا يحرم بالعمرة الى الحرم وانما يحرم بهذه الحل وهذا الحديث يخصص حديث ابن عباس ابن المتقدم ويدل على ان مراد النبي صلى الله عليه وسلم في قوله حتى اهل مكة يهلون مكة هو الاهلال بالحج الى العمرة. اذ لو كان الاهلال بالعمرة جائزا من الحرم لاذن عائشة رضي الله عنها ذلك ولم يكلفها بالخروج الى الحلف. وهذا امر واضح وهو قبل قول جمهور العلماء رحمة الله عليهم. وهو احوط للمؤمن ان فيه العمى بالحديث جميعا والله الموفق واما ما يفعله بعض الناس من الاكثار من العمرة بعد الحج من التنعيم او الجعرانة او غيرهما وقد سبق ان اعتمر قبل فلا دليل على شرعيته بل الادلة تدل على ان الافضل تركه لان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم لم يعتمروا بعد فرامهم من الحج وانما اعتبرت عائشة من التنعيم لكونها لم تعتمر مع الناس حين دخول مكة بسبب الحيض فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم ان تعتمر بدلا عن عمرتها التي احرمت بها من الميقات فاجابها النبي صلى الله عليه وسلم الى ذلك وقد حصلت لها العمرتان العمرة التي مع حجها وهذه العمرة المفردة فمن كان كان مثل عائشة فلا بأس ان يختمر بثوابه من الحج عملا بالادلة كلها وتوسيعا على المسلمين ولا شك ان اشتغال الحجاج بعمرة بعد فراغهم من الحج سوء العمرة التي دخلوا بها مكة يشق على الجميع ويسبب كثرة الزحام والحوادث مع ما فيه من المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته والله الموفق. ذكر المصنف رحمه الله تعالى فصلا اخر من فصول المتعلقة ببيان احكام في الحج ترجم له بقوله فصل في المواقيت المكانية وتحديدها فهو متضمن لبيان احد شعيب مواقيت الحج فان مواقيت الحج نوعان اثنان احدهما المواقيت الزمنية وثانيهما المواقيت المكانية. فالمواقيت الزمانية هي بيان الازمان المحددة شرعا العمرة والحج والمواقيت المكانية هي بيان الاماكن المحددة شرعا لامتداد اي العمرة والحج. وهذا الفصل متعلق بالثاني منهما وهو المواقيت المكانية ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان المواقيت خمسة. والاجماع منعقد على هذا. الا ان هذه المواقيت تنقسم الى قسمين اثنين. اولهما ما ثبت توقيته من النبي صلى الله عليه وسلم. وهي فوقيت الاربعة الاولى ذو الحليفة والجحفة وقرن المنازل ويلملم. والثاني ما وقته غيره اجتهادا. ثم وقع الاجماع عليه وهو ذات عرق. فان توقيت ذات عرق انما وقع من عمر رضي الله عنه اجتهادا ثم انعقد الاجماع عليه ميقاتا لاهل العراق. والاحاديث المروية في توقيت عرق من النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح منها شيء وقد بين المصنف رحمه الله تعالى محال هذه المواقيت ومن تتعلق به فقال في الاول ذو الحليفة وهو اهل المدينة وهو المسمى عند الناس اليوم ابيار علي. وقد كان ناء عن المدينة فيما سبق. وصار اليوم حيا من احيائها داخلا في مسماها. والثاني الجحفة وهو ميقات اهل الشام. وهي قرية خراب رابغ فيما سلف فان المصنفين للمناسك قديما كانوا يذكرون هذا فقد كانت قرية ثم خربت. اما اليوم فقد جدد هذا الموضع وصار في الجحفة ميقات يؤمه الناس وعدلوا عن رابط فقد كانت رابغ محلا للاحرام لما خربت الجحفة فلما اعيد تجديد هذا الميقات قبل سنين صار الناس يحرمون منه. والثالث قرن المنازل المسمى بالسير الكبير وهو ميقات اهل نجد. والرابع يلملم وهي المسماة بالسعدية. والخامس ذات عرق. والمصنفون في المناسك يذكرون خرابها. وقد كان هذا فيما سلف اما اليوم فقد جدد الميقات فيها واعيد الطريق اليها فان الطرق كانت قد عدلت عنها. واما اليوم قد اعيد الطريق اليها قبل سنوات. وهي تسمى بالضريبة. في اسماء الناس اليوم. فهي قرية معروفة اليوم وقد بني فيها ميقات باخرة وجدد الطريق اليها في توسيعات الطرق الاخيرة. وهذه المواقف المكانية وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لمن ذكرنا كما ثبت عنه في الصحيحين فمن مر عليها ممن اراد الحج والعمرة وجب عليه ان يحرم منها. ويحرم على مريدي النسك ان يتجاوزها دون احرام. فمن اراد الحج والعمرة وجب عليه ان يكون احرامه بنسكه من هذه المحال المؤقتة ولا يجوز للانسان ان يتجاوزها. فان تجاوز ما وقت له من محل وجب عليه الرجوع اليه فان لم يرجع لزمه دم في اصح قول اهل العلم كما صح عن ابن عباس فيما رواه مالك في موطئه انه قال من ترك شيئا من نسكه او نسيه فليرق دما. ومن احرم بنسكه من غير ما وقت انه من مكان فقد ترك منه شيئا فيجب عليه دم فيه. ثم ذكر ان المشروع لمن توجه الى مكة من طريق الجو بقصد الحج والعمرة ان يتأهب لذلك بالاغتسال والتطيب قبل الركوب في الطائرة. لعدم امكان ذلك فيها فاذا دنا من الميقات لبس ازاره ورداءه ثم لبى بنسكه ان كان عمرة او حجا. ولبس الازار والرجال قبل الدنو من الميقات لا بأس به. ولكن لا ينوي الانسان الدخول في النسك حتى يحاذي هذا هو السنة. فالسنة ان يكون دخول العبد في النسك بنيته من الميقات وان تقدمه ففي ذلك خلاف عند المتأخرين. ممن صنف في المناسك باخرة. واما المتقدمون فقد نقل ابن عبد البر الاجماع على جواز الدخول في النسك قبل الميقات. ويدل على ذلك ما ثبت عن ابن عمر عند عبد الرزاق في الاماني وغيره انه احرم بالحج من بيت المقدس. فيجوز للانسان ان يحرم بالنسك قبل ميقاته. لكن السنة ان يحرم من الميقات. فان تقدم ذلك جاز والمراد دخوله في احرامه قبل ميقاته بالنية لا بمجرد اللبس فان الانسان قد يلبس رداءه وازاره في الرياض قبل ركوب الطائرة. ثم لا ينوي الا اذا حاذ الميقات. فهذا لا يكون قد احرم بنسكه من الرياء. لكن اذا لبس زاره ونداءه ونوى النسك من الرياض فيكون قد احرم قبل الميقات وهذا جائز بالاتفاق وثبت ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه فليس هو بدعة كما تفوه به بعض المتأخرين. ثم ذكر رحمه الله تعالى ان من لم يرد كالتاجر والحطاب والبريد فليس عليه احرام. الا ان يرغب في ذلك وهذا هو الصحيح في قولي اهل العلم الدخول في النسك عند المرور بالمواقيت لا يجب الا على مريده. اما من لم يرد النسك كان يدخل مكة لحاجة من بيع او شراء او بريد او غير ذلك فلا يجب عليه. ثم ذكر بعد ذلك حكم من كان دون مسكنه دون المواقيت اي قبل المواقيت قريبا الى الحرم. فقال واما من كان مسكنه دون المواقيت كسكان جدة وام السلم وبحره السرايا وبدر الى ان قال فليس عليه ان يذهب الى شيء من المواقيت الخمسة. بل مسكنه هو ميقاته. فيحرم منه بما اراد من نسك واذا كان للانسان مسكنان احدهما دون المواقيت والاخر خارج المواقيت فهو مخير في ذلك ان شاء احرم مما هو دون الميقات وان شاء احرم من الميقات. ثم ذكر بعد ذلك مما يتعلق بمريد العمرة من اهل الحرم انه يجب عليه ان يخرج الى الحل بخلاف الحج. فالحج يهل اهل مكة من مكة فيحرمون بحجهم منها. اما العمرة فان الانسان مأمور بان يخرج من الحرم الى الحل. فيخرج الى التنعيم او الى عرفة او الى غيرهما من جهات الحل. ثم يدخل بعد ذلك بنسك العمرة كما امر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة لما ارادت الاعتمار بعد حجها ان تخرج الى فاخرجها صلى الله عليه وسلم الى التنعيم وهو من الحل ثم رجعت مرة ثانية الى الحرم وجاءت بالعمرة فاحرام اهل مكة من مكة مخصوص بالحج دون العمرة. وهذا اتفاق بين اهل العلم ونسبته الى الجمهور فيها نظر. بل هو اتفاق والخروج عن هذا القول هو شاذ. كما ذكره الطبري في القراء فالقول بان مريد العمرة يحرم من مكة اذا كان من اهلها قول شاد لا يعول عليه والاشبه ان اهل العلم متفقون على وجوب خروج المكي من مكة الى الحل يحرم بعمرته. ثم ذكر بعد ذلك حكم العمرة المكية. وهي التي يفعلها كثير من الناس بعد فراغهم من الحج. بخروجهم الى التنعيم او الجعرانة او غيرهما ثم الدخول الى مكة معتمرين وتكرير ذلك. وذكر ان الادلة تدل على ان الافظل تركه لان النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لم يعتمروا بعد فراغهم. الى اخر ما ذكر. وهذا الذي ذكره باعتبار افضل صحيح فان الافضل هو عدم ذلك. لكن القول بعدم الجواز قول ضعيف اهل العلم متقابلون في هذه المسألة فمنهم من يجعلها مستحبة ومنهم من يجعلها بدعة. والصحيح انها جائزة ليست بسنة ولا ببدعة. والدال على الجواز ثبوت ذلك في الاثار. فقد روى ابن ابي شيبة بسند صحيح عن ابن عمر انه سئل عن ذلك فقال ان اناسا يفعلون كذلك ولان اعتمر في غير ذي الحجة احب الي من ان اعتمر في ذي الحجة. وجوابه مشعر جواز وروى مالك في موطأه بسند لا بأس به ان عائشة كانت تفعل ذلك ثم تركته. ففعلها لذلك في اول عمرها وقوة نشاطها دال على جواز ذلك. فكانت اذا حجت خرجت ورجعت مرة ثانية معتمرة فعلت هذا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وتكرارها لذلك دال على انه جائز. فالصحيح جواز ذلك وانه ليس بمستحب ولا ببدعة. وثبوت الاثار عن الصحابة يمنع القول بالبدعة. والاشبه الجواز كما سلف ومضايق النظر في هذه المسائل توجب على طالب العلم ان يديم النظر في كتب الاثار. ولا يكمل الفقه الا بالامر اثار وانما كان فقه الاوائل من الائمة المتبوعين رحمهم الله تعالى مالك والشافعي والثوري والاوزعي واحمد هو الاعتداد بالاثار والتفقه فيها. ولا سيما ما يتعلق بمناسك الحج. فان احوج باب من العبادات الى الاثار هو باب المناسك. لان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حجوا معه. وعرف احكام نسكه. كما جاء من الاثار عنهم ينزل منزلة عظيمة لان الاشبه انهم اخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة عبادتان توقيفيتان والصحابة منزهون عن القول في احكام بشيء لا يعول عليه. واذا هجر هذا الاصل في المناسك خاصة تعطلت كثير من الاحكام. فما سلف من ايجاب الدم عند ترك الواجب فيه اثر ابن عباس عند مالك في موطئه بسند صحيح انه قال من ترك شيئا من نسكه او نسيه فليرقد دما والذي يخرج عن هذا فيقول لا يجب عليه الدم لعدم الدليل من الكتاب والسنة خارج عن قانون الادلة ان اثار الصحابة في المناسك لها اثر عظيم. وجملة من مناسك الحج لا عمدة لنا فيها الا ما نقله الصحابة. رضوان الله عنه فينبغي ان يعتني طالب العلم بالاثار عامة وباثار الحج خاصة. وهذا اخر التقرير على هذا الكتاب في هذا المجلس ونستكمله باذن الله سبحانه وتعالى في المجلس الثاني بعد صلاة العصر وبالله التوفيق وانبه دائما الى ان درس الفجر في الدروس دائما يكون بعد ساعة من الاذان. فحيث قدم الاذان او تأخر فابني ساعة بعده وعلى هذا كان من سلف فان الاشياخ كان لهم اوقات فكان درس الفجر يبدأ بعد ساعة من الاذان. ودرس المغرب يبدأ بعد نصف ساعة منه وكان درس ما بين العشائين يستمر الى ان تكون ثلاث ساعات بين اذان المغرب واقامة العشاء. فكانوا يجلسون بعد الى اذان العشاء ساعة ونصف في الدرس. هكذا كان على ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لما كان في الدلم وقبله الشيخ محمد ابن ابراهيم لما كان في الرياض والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف في الرياض وكان هذا عادتهم ودأبهم حتى تغيرت الاحوال في هذه زمان والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين