الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. وبعد قال الامام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فان الامام محمدا رحمه الله عقد هذا الباب عقب الباب السابق وهو قول باب قول الله تعالى ايشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون اقول اعقد هذا الباب ليبين بطلان عبادة الملائكة كما تبين في الباب السابق بطلان عبادة الاولياء والانبياء فالباب السابق ساقه المؤلف رحمه الله لاجل بيان بطلان عبادة الاولياء والانبياء وهذا الباب ساقه لاجل بيان بطلان عبادة الملائكة واذا ظهر بطلان عبادة الاولياء والانبياء والملائكة فان ظهور بطلان عبادة من سواهم اظهر وذلك لان الشبهة في هؤلاء اعظم فاذا كان هؤلاء وهم الذين لهم المكانة العلية والمنزلة الرفيعة ليسوا اهلا لان يعبدوا مع الله جل وعلا فبطلان عبادة غيرهم اوضح واظهر ولا تستهن يا رعاك الله سوق الادلة والبراهين على بطلان عبادة غير الله جل وعلا ولا تظنن ان الفتنة بعبادة غير الله شيء بعيد وشيء نادر وشيء لا يكاد يقع الامر بخلاف ذلك فالفتنة بالشرك عظيمة حتى ان ابراهيم الخليل عليه السلام وهو امام الحنفاء دعا الله جل وعلا ان يجنبه عبادة الاصنام واجنبني وبني ان نعبد الاصنام فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم فتنة الشرك فتنة عظيمة حتى ولو كانت لا بانبياء ولا باولياء ولا بجن ولا بملائكة بل باشجار واحجار واصنام هي فتنة البلاء بها عظيم مع الاسف الشديد في هذا العصر الذي نعيش فيه وهو الذي يسمى عصر التطور والتقدم وهو جدير بذلك في امور الحياة المادية ومع ذلك امم من هذه الامم التي يزعم انها متطورة تعبد الاصنام والاحجار الى هذا اليوم وهي تصنع الاصنام بايديها ثم تخر لها ساجدة اناس لا ينقصهم تعليم مادي ولا شهادات بل ربما تجد احدهم حاصلا على اعلى الشهادات ويتسنم اعلى المناصب ومع ذلك تجده راكعا خاضعا مستغيثا بصنم بحجر كان هو او غيره ينحته قبل قليل ثم اتخذه الها وربا البلية بالشرك عظيمة والفتنة بها كبيرة وعلى المسلم الذي رزقه ربنا سبحانه بفضله ومنته وحده من رزقه حب الاسلام والانقياد لله بالتوحيد عليه ان يحمد الله وان يسعى في شكر هذه النعمة التي لا نعمة اعظم منها وعليه ايضا ان يسعى السعي الحثيث في الثبات على هذا التوحيد ومن اسباب الثبات ان يخاف من الشرك فخوفه دافع له الى ان يتعلم ومن ثم ان يتحرز والا فانه اذا استهان في الامر فما اقرب الخلل وما اقرب العطب ثم اذا نظر الى حال هؤلاء المشركين حمد الله على ما انعم الله عليه وزاد خوفه من الله ووجله من الله وزادت رغبته الى الله ان يقيه هذا المصرع واجعل لوجهك مقلتين كلاهما من خشية الرحمن باكيتان لو شاء ربك كنت ايضا مثلهم فالقلب بين اصابع الرحمن احمد الله يا ايها الموحد واشكره وانطرح بين يديه جل وعلا وسله الثبات وسله ان يثبتك على هذا التوحيد حتى تلقاه وادعو ربك بضراعة وبصدق ان يجنبك عبادة الاصنام وان يقيك الشرك كله جليه وخفيه سل ربك دائما اللهم اني اعوذ بك ان اشرك بك شيئا وانا اعلم واستغفرك لما لا اعلم اذا وفقك الله فثبت على التوحيد الى ان غادرت روحك جسدك فهذه والله البشارة العظيمة ابشر بالخير وابشر بالسعادة فمن لقي الله لا يشرك به شيئا لقيه الله سبحانه وتعالى بالرحمة والمغفرة حتى لو انه اتى بقراب الارض خطايا هكذا اخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لكن البلية ولكن المصيبة كل المصيبة ان يموت الانسان وقد اشرك مع الله عز وجل غيره حذاري يا عبد الله لا تستهن بهذه الابواب ولا تستهن بهذه النصوص. ولا تستهن بهذه الدلائل بل تأملها واحضر قلبك عندها وافتح سمعك وعقلك لها احسن تدبرها وتأملها واحفظها لربما كانت سببا للعصمة وسببا للوقاية والموفق من وفقه الله سبحانه قال المؤلف رحمه الله باب قول الله تعالى حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير هذه الاية التي افتتح بها المؤلف رحمه الله هذا الباب وهذا الباب فيه اية وحديثان هذه الاية وحديثان بعدها حديث ابي هريرة وحديث النواس رضي الله عنهما فيهما تنبيه على دليلين عقليين شرعيين هما من احسن الادلة واقواها في بيان التوحيد ونقضي الشرك الاول الاستدلال على هذا المقام العظيم بعظمة الله سبحانه وتعالى وان الله جل جلاله له الكمال المطلق وله العظمة الكاملة واذا كان كذلك كان حريا ان يعبد وحده لا شريك له الله العظيم خضعت لعظمته كل الاشياء حتى السماوات والارض هذه الاجرام العظيمة كانت تخاف من الله جل وعلا وتخضع له وتذعن له وتسبح له حتى الملائكة ذلك الخلق العظيم الذي هو من اعظم خلق الله جل وعلا ومع ذلك هو خاضع لعظمة الله عز وجل. كل هذا الخلق مع عظمته ومع مكانته ومع رفيع درجته ومع ذلك كلهم خاضعون لله جل وعلا النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابي داوود باسناد صحيح من حديث جابر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم اذن لي اذن لي ان احدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة اذنه الى عاتقه مسيرة سبعمائة عام انظر الى هذه العظمة التي تتحير عندها الالباب هذا ملك مخلوق من ملائكة الله جل وعلا وهو بهذه العظمة الهائلة ومع ذلك هو خاضع لله دليل لله يخاف من الله فاذا كان ذلك كذلك فالله العلي الكبير هو الجدير بالعبادة وحده لا شريك له وهذا واحد من الامرين العظيمين الذين تضمنهما هذا الباب اما الثاني فهو الاستدلال على قبح الشرك بنقص كل من سوى الله جل وعلا فاذا كان كل من سوى الله ناقصا عاجزا لم يستحق ان يعبد وكان الذي يخضع له ويذعن له هو الحري بان يعبد وحده لا شريك له بهذه الاية وما بعدها من الحديثين بيان ان الملائكة لا تصلح ان تكون معبودة لانها تخاف والذي يخاف لا يصلح ان يكون ربا ولا الها وفي ما يأتي من الحديثين ان الملائكة تصعق اذا تكلم الله عز وجل بالوحي كما سيأتي يأخذها صعق ورعدة وفزع عظيم ومن كان كذلك لا يصلح ان يكون ربا ولا يصلح ان يكون الها وبالتالي نقص هذه المخلوقات التي هي الملائكة دليل على بطلان اشراكها مع الله واذا كانت هذه الملائكة مع عظيم خلقتها ورفيع منزلتها لا تصلح للعبادة فغيرها من باب اولى اذا هما استدلالان في غاية الاهمية ينبغي ان يتنبه لهما المسلم حينما يقرأ في ادلة الكتاب والسنة الاستدلال على توحيد الله بالعبادة بكونه العظيم الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه والاستدلال الثاني الاستدلال على بطلان الشرك بغير الله بكون كل ما سوى الله عاجز بكون كل ما سوى الله عاجزا ناقصة وبالتالي يتجلى لنا حسن التوحيد وقبح الشرك قال جل وعلا حتى اذا فزع عن قلوبهم فهم هذه الاية يتم بمعرفة ما قبلها قال الله جل وعلا وهذه الاية في سورة سبأ قل ادع الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له حتى اذا فزع عن قلوبهم هذه اية عظيمة من اعظم ادلة التوحيد حتى ان المؤلف رحمه الله اشار في المسائل الى ما ذكره اهل العلم وهو ان هذه الاية تقطع جذور شجرة الشرك من القلب ولكن هذا لمن فتح الله عز وجل على قلبه ورزق حسن بصيرة يتدبر بها كلام الله قل ادع الذين زعمتم من دون الله هذا امر تعجيز للمشركين وفيه اقامة الحجة عليهم قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ادعوهم وانظروا في حالهم والشأن ان كل من دعي وعبد من دون الله انما يدعى لسبب لا يفعل هذا اعني ان يعبد دون سبب عاقل بل لا بد ان يكون عنده سبب يدعوه الى ان يخص هذا الشيء بالعبادة وهذا امر لا يكاد يخالف فيه عاقل وهذا السبب ان تأملته وجدته لا يخلو من واحد من اربعة اسباب اما ان يكون هذا المعبود المدعو له ملك وملك في هذا الكون فنفى الله سبحانه وتعالى ذلك عن كل ما سواه قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله كل من تزعمونه الها ومعبودا مع الله ادعوه قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله والنتيجة انهم لا يملكون شيئا حتى مثقال ذرة هذا الهباء الذي يظهر في الهواء اذا سلطت ضوء النافذة يظهر لك هباء هذا هو او هذه هي الذرة الحبة من هذا الهباء لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ليس لهم اي سلطة ولا نفوذ امر لا يملكون شيئا البتة ليس لهم سلطان على شيء اطلاقا انما الملك والملك لله العظيم وحده لا شريك له اذا انتهى في انتفى في حق هؤلاء ان يكونوا ان يكون لهم الملك والملك قد يقول قائل ربما لا يكون الواحد من هؤلاء المعبودات له ملك الاستبداد يعني ملك الاستقلال لكن ندعوه لان له شراكة في هذا الملك شريك مع الله عز وجل في الملك فنحن ندعوه لاجل ما له من شراكة مع الله جل وعلا فنفى الله سبحانه وتعالى ذلك. وهذا هو الامر المنفي الثاني وماله وما لهم فيه ما من شرك كل ما يعبد من دون الله ليس لهم شرك ولا اي حد ونصيب من هذا الملكوت طيب قد يقول قائل ربما يكون احد هؤلاء ظهيرا لله معاونا لله وزيرا لله يستعين الله به فلاجل ما له من هذه المكانة وهذا القدر وهذا الحق على الله انا اعبده فنفى الله عز وجل ذلك ايضا فقال وماله؟ يعني مال الله؟ منهم من ظهير يعني معاوي الله عز وجل هو الغني وكل ما سواه فهو المفتقر اليه اذا ليس لهم ملك وليس لهم شراكة في الملك وليس لهم ايضا اعانة لله عز وجل ما بقي الا انه ربما يملكون الشفاعة ربما يدلون على الله عز وجل كما يدلي الشفيع المقرب من المشفوع عنده فيتقدمون بين يدي المشفوع عنده كما يفعلون في الدنيا لهم جاه ومكانة عنده بحيث انهم يؤثرون عليه ويتقدمون بين يديه بالشفاعة متى شاؤوا ولا يملك المشفوع عنده ردهم لما لهم من مكانة في نفسه فنفى الله عز وجل هذا الامر ايضا فماذا قال ها وماله في وماله منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له لم لان الشفاعة ملك خالص لله سبحانه وتعالى وحده تأمل دوما قول الله جل وعلا قل لله الشفاعة جميعا. من اولها الى اخرها لمن لله لام الملك والاستحقاق الشفاعة لله وحده لا شريك له كلها لا يمكن ان تكون شفاعة مملوكة مستحقة لغير الله جل وعلا. فهو الذي يملكها وهو الذي امنحها ويتفضل بها على من يشاء اذا كل من سوى الله جل وعلا ليس له نصيب في الشفاعة انما الله هو الذي يتفضل عليه بما يملكه وهو الشفاعة حتى ان الشافع لا يعدو ان يكون مأمورا بالشفاعة ليس ان له حقا وجاه عند الله عز وجل بحيث انه يتقدم بين يدي الله جل وعلا بالشفاعة لما له من اذلال ولما له من جاه ولما له من حظوة عند الله جل وعلا. حذاري يا عبد الله هذا مفهوم مغلوط اكثر الله عز وجل في كتابه من نفي الشفاعة في الاخرة لاجل ان يزول هذا المعنى من قلبك الشفاعة التي يعهدها الناس في الدنيا منفية لا وجود لها الشفاعة التي تكون يوم القيامة شأن اخر الشفاعة التي تكون يوم القيامة ملك لله جل وعلا. هو الذي يملكها ولا يجرؤ احد قط. على ان يتقدم بين يدي الله عز وجل بها حتى يأذن له الله سبحانه بل لا يجرؤ على ان يتكلم بين يدي الله عز وجل احد الا اذا اذن له بل الا اذا امره الله عز وجل حتى سيد الشفعاء صلى الله عليه وسلم. الذي له ان نصيب الاوفر من الشفاعة والذي له المقام العظيم عند الله جل وعلا وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فالله عز وجل يأمره ان يشفع. فيقول له اشفع فعل امر تشفع اذا الشفاعة لله جل وعلا وكل من سواه لا يملك هذه الشفاعة ولا يجوز بحال ان تتعلق القلوب وبه لاجل هذه الشفاعة انما يجب ان يتعلق قلبك بمن يملك الشفاعة. وهو الله سبحانه لا غير ثم قال الله عز وجل بعد ذلك حتى اذا فزع عن قلوبهم اختلف العلماء في المراد بمن فزع عن قلوبهم قالت طائفة من اهل العلم ان هؤلاء هم المشركون يفزع عن قلوبهم يوم القيامة قرأ الجمهور حتى اذا فزع عن قلوبهم وقرأ ابن عامر حتى اذا فزع عن قلوبهم يعني الله جل وعلا قرأ هو على البناء للمعلوم وقرأ الجمهور وعلى البناء ها للمجهول والمراد ان الله عز وجل هو الذي يفزع عن قلوبهم ومعنى فزع هنا يعني ازال الفزع انتبه في اللغة العربية الفعل اذا جاء على وزن فعل فانه يأتي على احد ضربين اما ان يكون بمعنى الادخال في الشيء كنحو قولك علم يعني سعى في ادخال العلم في غيره علم وقد تأتي بالعكس يعني في اخراج شيء عن شيء كما في هذه الاية فزعه يعني ازال الفزع منه جزعه ازال الجزع منه مرضه سعى في ازالة المرظ عنهم اذا حتى اذا فزع يعني ازيل الله جل وعلا يزيل الفزع من قلوبهم. والفزع هو الخوف المفزع اجئ لما يصيبهم من الوجل والخوف العظيم في اهوال القيامة يصيبه فزع ثم يزيله الله عز وجل عن قلوبهم فيقولون ماذا قال ربكم فتجيب الملائكة قالوا الحق وهو العلي الكبير القول الثاني ان المراد بالذين يفزع عن قلوبهم هم الملائكة وهذا الذي اختاره جماعة كبيرة من اهل العلم وهو اختيار ابن جرير وابن كثير وابن عطية وظاهر تبويب البخاري رحمه الله في صحيحه وهو الانسب لسياق الاية بل وهو الذي تعضده ادلة السنة كما سيأتي معنا في ادلة الباب ومعلوم انه ان امكن تفسير القرآن بالسنة فلا ينبغي العدول عن ذلك اذا الصحيح ان شاء الله ان الذين يفزع عن قلوبهم انما هم الملائكة سيأتي تفصيل كيفية ذلك وسبب ذلك وسيأتي سبب ذلك في شرح الحديثين القادمين ان شاء الله قال جل وعلا حتى اذا فزع عن قلوبهم اذا الملائكة تخاف وتفزع وتوجل ومن كان هذا شأنه ايكون ربا والها الجواب لا وهذا وجه الاستدلال من هذه الاية ان الملائكة لا تصلح لان تكون الهة. لانها تخاف وتفسح ومن كان هذا شأنه لا يصلح لان يكون ربا ومعبودا قال جل وعلا حتى اذا فزع عن قلوبهم وذلك اذا تكلم الله عز وجل بالوحي فانهم يسمعون صوتا عظيما يكون له تأثير عظيم في قلوبهم فيحصل له فزع ثم انهم يمن الله عز وجل عليهم بازالة هذا الفزع يفزع عن قلوبهم فيقولون ماذا قال ربكم فتقول طائفة من الملائكة لهم قالوا الحق ولاهل العلم قولان في تفسير قوله تعالى قالوا الحق الاول ان المراد انهم يقولون قال الله الحق يعني كلمة الحق منصوبة على انها مفعول به او انها صفة قالوا قال الله القول الحق اذا قالوا الحق يعني قالوا قال الله الحق او قالوا قال الله القول الحق واما القول الثاني وهو ما نحى اليه ابن كثير رحمه الله في تفسيره فهو انهم يقولون ما امرهم الله عز وجل بابلاغه من الوحي دون زيادة او نقصان يقولون الحق ويبلغون الحق ويكونون امناء على وحي الله عز وجل الذي يأمرهم ان يبلغونا فان هذا الوجه قالوا الحق يعني يقولون القول الحق وليس ان الملائكة تقول ماذا القول الباطل انما يقولون ايش الحق ولكن الاول اولى وهو المناسب لسياق الاية لا سيما وان ظاهر قوله وهو العلي الكبير انه تابع قالوا الحق وعلى التفسير الثاني يكون كلاما مستأنفا وهذا فيه من البعد ما لا يخفى فالظاهر والله اعلم وهو الذي عليه اكثر المفسرين ان قالوا الحق يعني قالوا القول الحق او قالوا يعني قالوا قال الله الحق او قال الله القول الحق في هذه الاية من الفوائد اثبات صفة القول لله عز وجل وصفة العلو وصفة الكبر اما القول ففي قول الله جل وعلا قالوا ماذا؟ ايش قال ربكم اذا الله يقول الله جل وعلا ثبت في القرآن والسنة ان من صفاته القول والكلام والحديث والمناداة والمناجاة وكلها بمعنى واحد في الجملة على فروق دقيقة بين هذه الكلمات لكن في الجملة المعنى واحد فالله يقول وله القول سبحانه يتصف بالقول ويتصف بالكلام ويتصف بالحديث ويتصف بالمناداة ويتصف بالمناجاة ومنهج اهل السنة والجماعة وهو الذي مضى عليه السلف الصالح ان الله جل وعلا يقول ما يشاء ويتكلم بما يشاء اذا شاء كيف شاء سبحانه وتعالى وان كلامه بحرف وصوت وان كلامه بحرف وصوت وهذا الذي لا تعرف العرب في لغتها كلاما سواه لا يكون الكلام كلاما الا اذا كان بحرف وصوت وسيأتي معنا ما يتعلق باضافة الصوت الى الله جل وعلا ضمن ما يشرح من الحديث الذي سيمر معنا ان شاء الله وخلف في هذه الصفة من خالف من اهل البدع طائفة نفت الكلام عن الله عز وجل ونفت القول عن الله عز وجل صراحة وطائفة نفت الكلام عن الله عز وجل بمواربة طائفة قالت الله عز وجل لا يتكلم انما الكلام مفعول مخلوق لله جل وعلا. الله عز وجل يخلق شيئا اسمه الكلام مثل ما يخلق السماء والارض والشجر والحجر كذلك يخلق الكلام ولا شك ان هذا من اعظم الباطل بل هذا من الكفر بالله سبحانه وتعالى وقد اجمع السلف على كفر من قال بان كلام الله جل وعلا مخلوق ومن لطيف ما استدل به البخاري رحمه الله في هذه او من هذه الاية التي معنا ما بوب به في صحيحه فقال باب قوله تعالى حتى اذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قال البخاري ولم يقولوا ما لا ولم يقولوا ماذا خلق ربكم قالوا ماذا قال ربكم ولم يقولوا ماذا خلق ربكم واما الذين نفوا هذه الصفة بمواربة ولم يكونوا صرحاء صراحة الاولين فهم الذين قالوا ان كلام الله جل وعلا معنى قائم بذات الله عز وجل وسموا هذا الكلام الكلام النفسي وانه لا يتبعظ ولا يتجزأ بل هو شيء واحد وهذا في الحقيقة ان تأملته لم تجده الكلام الذي هو حقا صفة لله جل وعلا بل هذا شيء اخر اعاد قولهم الى ان الكلام الذي هو بعض كلام الله الذي هو القرآن مخلوق فالقرآن الذي بين دفتي المصحف كلام الله جل وعلا نؤمن ان الله تكلم به وهو بعض كلام الله وهؤلاء يعتقدون انه مخلوق لانه عبارة عن كلام الله او حكاية عن كلام الله وعلى كل حال مذهبهم باطل وهذه الاية فيها رد عليهم كما قال المؤلف رحمه الله في المسائل في الاية اثبات الصفات خلافا للمعطلة ثانيا في الاية اثبات صفة العلو لله جل وعلا قال وهو قال سبحانه وهو العلي الكبير. الله جل وعلا اسمه العلي وصفته العلو والعلو في صفة الله جل وعلا ثلاثة انواع كلها حق وكلها ثابتة له وله العلو من الجهات جميعها ذاتا وقهرا مع علو الشام له علو القدر والشأن سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا وله علو القهر فالله جل وعلا علا على كل شيء يعني قهر كل شيء على تأتي في اللغة بمعنى قهر كما قال سبحانه ولعلى بعضهم على بعض وله ثالثا علو الذات هو سبحانه عال على كل شيء وفوق كل شيء وكل شيء فهو دون الله جل وعلا الله عز وجل له العلو المطلق سبحانه وتعالى يا قومنا والله ان لقولنا الفا يدل عليه بل الفان عقلا ونقلا مع صريح الفطرة الاولى وذوق حلاوة القرآن كل يدل بانه سبحانه فوق السماء مباين الاكوان اترون انا تارك ذا كله لجعازع التعطيل والهذيان اذا الله جل وعلا له صفة العلو الذاتي على كل شيء وقد ضل في هذا طائفتان طائفة تقول الله ليس في مكان لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا عن يمينه ولا عن شماله الى اخر ما يذكره وطائفة تقول الله في كل مكان وكلا الطائفتين ظلت الحق وتجنبت سواء السبيل بل الادلة التي لا شك فيها من جهة الشرع ومن جهة العقل ومن جهة الفطرة التي فطر الله الناس عليها كلها متظافرة على ان الله في العلو المطلق سبحانه وتعالى الصفة الثالثة صفة الكبر قال وهو العلي الكبير من اسمائه الكبير الله جل وعلا له الكبر وله العظمة بل هو اكبر من كل شيء. واعظم من كل شيء سبحانه وتعالى واذا كان الله عز وجل اكبر من كل شيء وجب ان يكون عند عابديه اكبر من كل شيء ويجب ان تكون محبته في قلوبهم اكبر من كل محبة ويجب ان يكون خوفه في قلوبهم اكبر من كل خوف بهذا يتحققون بايمانهم بصفة الكبر لله جل وعلا الشاهد ان هذه الاية رد صريح على الذين ضلوا في شأن الملائكة فجعلوهم شركاء مع الله او انهم شفعاء عند الله جل وعلا يملكون الشفاعة وانهم يشفعون بلا اذنه رد الله جل وعلا ذلك عليهم في هذه الاية وفي غيرها من الايات ولا يخفاك ان من المشركين من كان يعبد الملائكة بل في هذه السورة نفسها في سورة سبأ يقول الله جل وعلا ويوم يحشرهم جميعا يا معشر ويوم يحشرهم جميعا ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم. بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون. ثم قال الله فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا الله جل وعلا بين انه ليس يملك الملائكة نفعا ولا ضرا لعابديهم ولا عابدون ولا من عبدوهم يملكون لهم نفعا ولا ضرا لان ذلك بيد الله سبحانه لا شريك له اذا انتفى ان يكونوا شركاء مع الله جل وعلا في العبادة وانتفى ايضا ان يكونوا شفعاء مع الله. وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا الا من بعد ان يأذن الله لمن يشاء ويرضى اخيرا في قول الله جل وعلا قالوا الحق يعني على الراجح قالوا قال الله الحق والحق اسم الله جل وعلا والحق قول الله جل وعلا قال فالحق والحق اقول والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحق في قول الله عز وجل هو الصدق في الاخبار والعدل في الاحكام وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا الله جل وعلا لا يقول الا الحق سواء كان ذلك في القول الكوني او في القول الشرعي فالله جل وعلا يدبر هذا الكون بقوله ويخلق بقوله انما امرنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون كما انه يقول الحق سبحانه في قوله الشرعي ومنه وحيه الذي ينزله على رسله ومن ذلك هذا القرآن الذي بين ايدينا وبالحق انزلناه وبالحق نزل والله جل وعلا اعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله هذه واتباعه باحسان