بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله اولا واخرا وظاهرا وباطنا. الحمدلله الذي هدانا للاسلام وعلمنا الحكمة والقرآن احمد الله تعالى واشكره واستعينه واستغفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله الله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله ربي وسلم وبارك عليه. وعلى ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وبعد اخوة الاسلام في كل مكان فمن رحاب بيت الله الحرام. وفي هذه الليلة الشريفة المباركة ليلة الجمعة. ينعقد هذا المجلس الثامن من مجالس مدارستنا لهذا المختصر من تهذيب السيرة النبوية الذي قدم به الامام المصنف النووي رحمه الله تعالى به كتابه تهذيب الاسماء واللغات في هذه الليلة نعقد مجلسا كهذا نتدارس فيه طرفا من سيرته وشمائله. صلوات ربي وسلامه عليه نستكثر من الصلاة السلام عليه. في هذه الليلة المباركة نعطر بها جمعتنا. وننور بها صحيفتنا ونثقل به ميزاننا. لما تجلى اشعة الانوار والكون احتفى. تالله ما بين البرايا كالحبيب المصطفى. طوبى لمن صلى عليه محبة وبه اقتفى فيا رب صلي وسلم وبارك عليه عدد ما صلى عليه المصلون. وصلي وسلم وبارك عليه عدد ما غفل عن الصلاة عليه الغافلين في لون وبعد اخوتي الكرام فما زال حديثنا متصلا بما سبق في فصول من هذا التهذيب المختصر وكان اخره الحديث عن فصول في عمره حجته وغزواته وسراياه صلى الله عليه وسلم اما مجلس الليلة فمجلس حافل بتفاصيل مجملة لاية كريمة عظيمة محكمة هي قول الله تعالى في صدر سورة القلم وانك لعلى خلق عظيم صلى الله عليه وسلم هذا فصل في اخلاقه عليه الصلاة والسلام. الاخلاق التي تزينت وتجملت وتكملت بالتخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بها هذا الباب الذي كان ولم يزل معدودا في فرائض سيرته عليه الصلاة والسلام. ودلائل نبوته وجانب من جوانب بعظمته عليه الصلاة والسلام. اثنى به ربه عليه كمل خلقه ورفع قدره واعلى شأنه بين الانام. ولم يزل عليه الصلاة والسلام باخلاقه العظيمة وشمائله العطرة لم يزل اسرا للبشرية من حوله. ليس للصحب الكرام الذين امنوا به رضي الله عنهم واكتحلت اعينهم برؤيته واستمتعوا بالعذب من اخلاقه وسيرته وشمائله فحسب بل حتى كان في زمنه عليه الصلاة والسلام من المعاندين والمكذبين والمعارضين لدعوته لم يزل هو الاخر شاهدا من شواهد عظمة اخلاقه عليه الصلاة والسلام. بل عفوا ليست البشرية التي عاصرته هي فقط من استدلت بعظمة اخلاقه به على صدق نبوته عليه الصلاة والسلام. بل ما تزال البشرية الى اليوم التي تقرأ في سطور التاريخ سطورا من نور في سيرته عطرة واخلاقه العظيمة عليه الصلاة والسلام لم تزل الى اليوم تثني ركبتيها اجلالا وتعظيما لهذا الخلق المحمدي لم لا؟ وقد قال الله تعالى عنه وانك لعلى خلق عظيم باب الاخلاق المحمدية يا امة الاسلام. باب عظيم يزداد به المسلم ايمانا ومحبة وتصديقا لنبيه عليه الصلاة والسلام ثم هو شاهد عظيم وصفحة مشرقة نعلن بها ديننا بفخر امة الاسلام وسيرة نبينا العطرة المشرقة بكل فخر واعتزاز امة الاسلام. وهو في الوقت ذاته ايضا باب عظيم نستلهم منه الدروس والعبر. نقوم به اعوجاج اخلاقنا ونهذب به سوء سلوكنا ونعيد به حياتنا الى نقائها وصفائها وروعتها وجمالها. فوالله والله الذي لا اله الا هو لا تتجمل الحياة في دنيا البشر بمثل الاخلاق الفاضلة. ولا اخلاق في حياة البشر باجلة ولا اعظم ولا ارقى ولا اشرف من اخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم. فهلموا امة الاسلام الى هذا الفصل الموجز المختصر. لانه والله لو اردنا استقصاء جوانب عظمة اخلاقه عليه الصلاة والسلام ما وسعنا هذا المجلس ولا اضعاف اضعافه. لكن حسبنا من القلادة ما احاط بالعنق النهج الذي مضى فيه المصنف رحمه الله في كتابه في الاختصار الموجز والاقتصار على جمل مقتضبة تشير اشارات مجملة الى معالم الفصل الذي يتحدث عنه فهكذا هو الشأن في هذا الفصل العظيم الحافل في اخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم هي جمل موجزة تأتي على جوانب هي معالم بارزة اقتص بها المصنف رحمه الله واوردها من احاديث عظيمة روايات عديدة جاءت في وصف هذا الجانب الكبير من اخلاقه عليه الصلاة والسلام ولك ان تتخيل عبد الله كيف يستطيع الصحابة بوصفهم مهما افصحوا في العبارة واطلقوا في الوصف واكثروا في الجمل. كيف لهم ان يحيطوا بخلق اسر قلوبهم؟ وهم يرونه على مدى ثلاث وعشرين سنة صحيبه في السفر والحظر سحبوه في السلم والحرب. صحبوه قبل الهجرة وبعدها. صحبوه في جوانب شتى. فما رأوا في كل موقف من المواقف الا الاخلاق تتجلى في اكمل صورها. فما زالت اخلاقه من المعابد الكبرى التي نمضي فوقها امة الاسلام لنلج منها الى عظيم المحبة الوافرة لنبينا عليه الصلاة والسلام. فلن تجد شيئا يحملك على حبه حبا اتم واعظم واكمل واصدق مثل معرفتك عن قرب بعظمة اخلاقه عليه الصلاة والسلام. اقترب عبد الله تعرف عليها واقتبس من نورها واقتدي بها وتأسى بها في حياتك سترى السعادة ترفرف جوانحها شرقا وغربا. واقترب اكثر تعرف عليها عن قرب فستزداد حبا لنبي وجب عليك ان تحبه اكمل الحب عليه الصلاة والسلام. هو ذاك المصطفى صلى الله عليه عليه واله وسلم والامر لا يزال في الاشارات الموجزة المقتضبة في هذا المقام فصلى الله ربي وسلم وبارك عليه بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه وللسامعين قال المصنف رحمه الله فصل في اخلاقه صلى الله عليه وسلم كان صلى الله عليه وسلم اجود الناس وكان اجود ما يكون في رمضان هذه احدى الجمل التي وصف بها انس وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهم من الصحابة جمال الخلق المحمدي فجاءوا الى جانب الجود والكرم فقالوا كان اجود الناس وهذا الوصف على اطلاقه ليس مبالغة ولا استرسالا مع العاطفة التي احب بها الصحابة بقلوبهم نبي الامة عليه الصلاة والسلام. لكنه والله الوصف الصادق الدقيق الذي ما تجاوز حق الوصف قدر انملة. كان اجود الناس. تدري لم لانك عندما تضرب المثل بجود احد الاجواد وكرم الكرماء. فعن اي جود ستتحدث؟ انا اخبرك. ستتحدث عن جود بل والبذل والعطاء وتقديم الطعام ستتحدث عن جود وسخاء بالاموال والارصدة والفائض من حاجة الانسان تكلموا عن جود ربما يؤثر به الانسان بطعامه وشيء من اموره لموقف تأثر به فرأى ايثار فقير ومحتاج هكذا هو كرم الكرماء وبذل الاجواد الذين عرفوا في تاريخ البشرية لكن جود نبينا صلى الله عليه وسلم كان ذلك وفوق ذلك جودا تجاوز المدى وهو الموصوف عليه الصلاة والسلام بانه ما كان يدخر دون امته شيئا هذا الجود تجاوز جود المال وبذل الطعام الى جود الخلق والنفس السمحة تجاوزا الى بذل الوقت والعمر تجاوز الى الجود بما ملك وبالدعاء عندما لا يملك شيئا يعطيه سائله عليه الصلاة والسلام هكذا كانت المواقف والشواهد المتواترة التي اطبقت على هذا الوصف. ما عسانا ان نتكلم عن جود امة الاسلام يتعلم منه الكرماء كيف يكون الجود يجود بماله عليه الصلاة والسلام. لا يبقي لاهل بيته ولا يدخر وانما كان عليه الصلاة والسلام يبذل اذا اتته المغانم والاموال حتى قال قائلهم اسلموا يا قوم فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر عليه الصلاة والسلام. اعطى غنما بين جبلين واعطى حتى اكتفى ولم يزل يزيد للسائل ويعطيه. فاما اذا اتاه السائل ولم يجد عنده صلى الله عليه وسلم ما يعطيه. فانه يرجئه الى حين فيقول له مثلا اقم حتى تأتينا الصدقة. فاذا جاءته قال اين فلان؟ لا ينساها عليه الصلاة والسلام. وان لم يكن قل وكان السائل على وشك ارتحال وليس بالامكان بقاؤه وانتظاره فانه عليه الصلاة والسلام يصرفه صرفا حسنا باعظم الجود والعطاء بدعوات لرب الارض والسماء. كذاك المسافر الذي جاء فقال يا رسول الله اني اريد سفرا فزودني. قال زودك الله تقوى فرح الرجل بدعوة هي والله اعظم مما لو اعطاه الدنانير والدراهم وحمله المتاع فوق راحلته. فقال طامعا مسرورا زدني يا رسول الله. قال وغفر ذنبك بالله عليكم لو ان نبي الامة دعا لاحدنا فقال غفر الله ذنبك اي سعادة اي عطاء تنصرف به من حضرته عليه الصلاة والسلام اكثر من هذا العطاء فقال الرجل زدني يا رسول الله. قال ويسر لك الخير حيثما كنت الجواد الكريم البذول المعطاء لا يقف عند حد ان تجد يداه او لا تجد ولا يملك الا ان يمتثل امر ربه واما السائل فلا تنهار كان عليه الصلاة والسلام اجود الناس وبسط هذا وشرحه يستغرق المجلس واضعافه. ثم قال وكان اجود ما يكون في رمضان جوده عليه الصلاة والسلام المتضاعف في رمضان المحمول في طيات هذه الجملة بكثير من الوصف البديع والمعنى الغزير والمرمد العميق رمضان حيث تثمر النفوس بتقواها لربها. رمضان حيث تشرق انوار النفس بذلا وعطاء واقبالا على الخالق صياما بالنهار وقياما بالليل وقرآنا يسقي القلوب فتنتعش الارواح. كان اجود ما يكون في رمضان. يقول الصحابي رضي الله عنه وذلك حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن وذلك كل ليلة في رمضان. هو القرآن تهذيب القلوب وارتقاء نفوسي في هذا المضمار الكريم مضمار الاخلاق. فكان اجود الناس عليه الصلاة والسلام وكان اجود ما يكون في رمضان وكان احسن الناس خلقا وخلقا. هذه ايضا جملة موجزة احسن الناس خلقا وخلقا اما الخلق فهو الذي مضت فيه الاشارة في صدر المجلس. وحسبكم ثناء ربه عليه وانك لعلى خلق عظيم. وما زلنا نقول ان احدنا يستر بكريم اخلاقه شيئا من نقائصه ومعايبه. ربما يكون في احدنا خصلة هي من نقصه البشري الذي فطرنا عليه البشر جملة. ان يكون في احدنا عيب ونقص وخلق ذميم وخلل وزلل فيستر احدنا كريم خلق اخر بالعيب الذي يكون فيه من جهة اخرى فربما ستر احدنا بكرمه شيئا من غضبه وحماقته. وربما ستر ايضا بحلمه شيئا من اساءته وغلظته وهكذا. فما تزال الاخلاق يستر يستر جميلها دميمها. ويغطي حسنها على لكننا اذا كنا نتجمل بالاخلاق فنمدح بما فينا من خلق كريم فهذا امر معتاد لكنك تجد في سياق سيرة النبي عليه الصلاة والسلام شيئا عظيما مختلفا تماما. تجد ان الاخلاق عندما توصف كالتواضع والكرم والصدق والامانة والحياء والحلم والعفة ونحوها تجد الاخلاق تزداد جمالا ورونقا وبهاء اذا ما ضرب المثال لها بتخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بها فلا نعرف حقيقة جمال التواضع حتى يساق لها المثال من سيرته عليه الصلاة والسلام في موقف واثنين وثلاثة. وكذلك قل في الصدق والامانة والحياء والوفاء اخلاق تجملت بتزين رسول الله صلى الله عليه وسلم بها. كان احسن الناس خلقا اما احسنهم خلقا فقد مضت الاشارة ايضا الى شيء من البسط في هذا المعنى في جمال خلقته التي حباه الله تعالى بها كمله الله عز وجل ظاهرا وباطنا. خلقة واخلاقا. وكان جمال خلقته عليه الصلاة والسلام هي ايضا في عداد ايات لنبوته الباهرة وجماله الذي اسر اعين الناظرين اليه صلى الله عليه وسلم اوتي الحسنى والجمال والبهاء الفخامة كما قال هند بن ابي هالكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما. يتلألأ وجهه تلألأ البدري تلألؤ القمر ليلة البدر. كان جماله عليه الصلاة والسلام جمال اعظام واجلال يجد الناظر اليه عظمة واجلالا وملئا للنفس توقيرا ومهابة له صلوات ربي وسلامه عليه. جمال جعل النعتين من اصحابه رضي الله عنه يقول احدهم لم ارى مثله قبله ولا بعده صلى الله عليه وسلم. ويقول الاخر لم ارى احسن منه صلى الله الله عليه وسلم. ويقول الثالث فجعلت انظر اليه والى القمر فله وعندي احسن من القمر صلى الله عليه واله وسلم وكان احسن الناس خلقا وخلقا والينهم كفا واطيبهم ريحا واكملهم حجا واكملهم حجا واكملهم حجا واحسنهم عشرة واشجعهم واعلمهم بالله واشدهم خشية لله. هذه ايضا جمل لو اردنا الوقوف عند كل جملة منها لانقضى المجلس ومجالس بعده دون استيفاء لحقها من ضرب الشواهد وسوق الادلة على ذلك لكننا نمضي على قصد المصنف رحمه الله من الاختصار والاقتصار على ما تشير اليه العبارة. قال كان الينهم كفى لين الكف يراد به معنيان. احدهما مجازي والاخر حقيقي اما الحقيقي فدين الكف لين الملمس عندما يقبض احدهم على كفه صلى الله عليه وسلم يقبض عليها قبض تسليم او قبض مصافحة كما في الصحيحين من حديث انس رضي الله عنه لما قال ما مسست ديباجا ولا حريرا الين من كف رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الحقيقي في لين الكف ويراد به المعنى المجازي الاخر لين الكف يعني سخاء اليد بالبذل والعطاء وهي داخلة في صدر الفصل لما قال كان صلى الله عليه وسلم اجود الناس وكلا المعنيين صحيح مطابق تماما من لوصفه عليه الصلاة والسلام. كان اطيبهم ريحا عليه الصلاة والسلام. طيب الريح ايضا مضى في حديث انس الان في قبل قليل قال ما مسست ديباجا ولا حريرا الين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط اطيب رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا الذي قاله انس رضي الله عنه شهد به الصحابة فما زالوا يذكرونه بطيب الريح الصلاة والسلام وما زالوا يذكرون انه لو وضع صلى الله عليه وسلم يده على رأس احدهم او على صدره وجد لها بردا وريحا طيبا بل كان عرقه عليه الصلاة والسلام من اطيب المسك الذي يتطيب به الناس لما حباه الله تعالى به وكمله به صلى الله عليه وسلم قوله رحمه الله وكان اكملهم حجا. الحجل عقل والمراد به اكمل الناس عقلا وهذا مما لا شك فيه بل ولا حاجة الى الاستدلال عليه. كيف وقد كمله الله بالوحي وايده معجزات ولم يزل رأيه سديدا موفقا مهديا من ربه جل جلاله. فكان اكمل الناس عقلا واسدى رأيا عليه الصلاة والسلام. قال واحسنهم عشرة لما يكون كريم الخلق موصوفا بهذا الوصف مع الناس من حوله لن تجده الا حسن العشرة مع الجميع. فان كرم الخلق لا يحمل صاحبه قط على اساءة او شيء من الاذى المقصود او غير المقصود باي وجه من الوجوه. قال وكان اشجعهم. ولهذا قالوا رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم اشجع الناس وضربوا لذلك امثلة عدة منها موقفه صلى الله عليه وسلم في حنين لما تنافر الصحابة وحصل ما حصل من اقبال جيش العدو عليه ورميهم حتى كانت موقعة تزلزلت لها القلوب وانفض فيها الناس. واذا النبي صلى الله عليه وسلم مقتحم على بغلته يشق وسط الميدان وهو القائل انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب اما تراهم يقولون كنا اذا حمي الوطيس احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم شجاعة القائد وقلب الواثق بربه قيلي عليه صلوات ربي وسلامه عليه. كان اشجع الناس ولقد فزع اهل المدينة ذات يوم على صوت فخرجوا ينظرون ما الصوت اذا برسول الله صلى الله عليه وسلم عائد على فرس لابي طلحة علي ليس عليها سرج واقبل وقد تفقد الصوت ووصل وعاد عليه الصلاة والسلام وهو يقول لهم لن تراعوا لن تراعوا. ما زالوا خرجوا يستنجدون الامر يبحثون ما هو؟ واذا هو عليه الصلاة والسلام قد قضى الامر واستكشفه وعاد ليطمئنهم وهو يقول لن تراعوا. كان اعلمهم بالله واشدهم لله خشية هذا المقام الكريم مقام معرفة برب العالمين ولا احد في الامة اعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف لا وهو الذي وقف على هذا الباب اكمل معنى واتم وجه معرفتنا بالله هي معرفتنا باسمائه وصفاته بكلامه وما اخبر به عن نفسه ولا احد في الامة في هذا الباب اكمل علما ومعرفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم دم وقد اوحى الله اليه واجتباه اليه ورفعه اليه فوق سبع سماوات حتى بلغ موضعا ومكانا ما بلغه قبله ملك مقرب ولا نبي دون مرسل بلغ سدرة المنتهى ولم يزل موعودا بالمقام المحمود عليه الصلاة والسلام. هناك في اليوم الاخر حين يستأثر عليه الصلاة والسلام بمقام الشفاعة العظمى فيقال له يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع. صلوات الله وسلامه عليه ولا يغضب لنفسه ولا ينتقم لها. وانما يغضب اذا انتهكت حرمات الله عز وجل فحينئذ يغضب ولا يقوم لغضبه شيء حتى ينتصر للحق واذا غظب اعرظ واشاح هذان جانبان في وصف غظبه عليه الصلاة والسلام. اولهما وهو الاهم انه كان لا تور غضبه لاي باعث من البواعث التي نغضب لاجلها نحن معشر البشر. سنكون اكثر صلاحا ونكشف الغطاء لنقول ما الذي يغضب ويغضبك انت كل الامور التي يمس فيها طرف لاحدنا هي مسار لغضبه عندما يعتدى على ماله على شأنه على سمعته وجاهه على شيء من حقوقه يثور فينا سائر الغضب فنحن بشر واحدنا لم يزل حظيا لنفسه حريصا عليها مؤثرا لها. وهذا من جملة ما فطر عليه البشر لكن كلما كمل البشر في مقامات الكمال كان احدهم يترفع عن الحظوظ النفسية والرغبات الذاتية الى الابعاد الابعد والافق الارحب فكيف بالانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام الذين بعثوا لحمل هموم اممهم لا هموم اشخاصهم وذواتهم. سيكون ترفعهم على حظوظ النفس ورغبات الذات اكمل ما يكون. فكيف بخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام الذي حملها حمل هم امته على اكمل المحامل فلم يزل صلى الله عليه وسلم على ذلك كما قال المصنف لا يغضب لنفسه. ولا ينتقم لها. وشواهد ذلك كثيرة. كم اوذي في مكة على مدى عشرة سنة وهو عليه الصلاة والسلام يؤذى في عرضه فيقال عنه ساحر وكذاب وشاعر ومجنون ويؤذى في اهل بيته ويؤذى في بدنه عليه الصلاة والسلام فيوضع سلا الجزور على ظهره الشريف وهو ساجد عند الكعبة. ويؤذى الله عليه وسلم باشاعة الاباطيل عنه والوحي الذي ينزل عليه. وقال الذين كفروا ان هذا الا افك افتراه اعانه عليه قوم اخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا اساطير الاولين اكتتبها. فهي تملى عليه بكرة واصيلا الى سائر وجوه التعدي والاساءة فهل وجدتم في سيرته عليه الصلاة والسلام بمكة على مدى ثلاث عشرة سنة انه غضب لنفسه وانتقم لذاته عليه الصلاة والسلام واراد دفاع عن حظوظ نفسه بل كان يدفع ذلك كله يمتثل بامر الله. بل لما تعين الساعة التي يمكن ان يظفر فيها بثأر لنفسه وانتقام لذاته وشيء من رد الاعتبار الذي اوذي فيه لله ولدين الله عز وجل فانه صلى الله عليه وسلم يتنازل عن ذلك كما حصل لما عرض عليه ملك الجبال ان يطبق عليهم الاخشبين فابى عليه الصلاة والسلام. كما حصل يوم احد وقد سال الدم من وجهه عليه الصلاة والسلام وهو يقول لن تفلح امة اذوا نبيهم وهو يقول اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون. واما يوم فتح مكة فموقف عظيم من مواقف العفو. وقد احتشدوا بين يديه اطلقت رؤوسهم اذعنوا بان يوم لا مفر لهم فيه من العدالة التي يمكن ان ينتصر فيها بشيء من اذى عشرين سنة ماضية فيقولوا لهم عليه الصلاة والسلام ما تظنون اني فاعل بكم فيقولون اخ كريم وابن اخ كريم ليقول لهم اذهبوا فانتم الطلقاء هذه المواقف في العفو والتنازل والنظر الى هم الدين وتبليغ الرسالة واستنقاذهم من الجاهلية وابواب جهنم الى الجنة والنجاة في الدنيا والاخرة. شواهد صدق متعددة لا حصر لها في سيرته. كان عليه الصلاة والسلام لا يغضب لنفسه ولا ينتقم لها. قال وانما يغضب اذا انتهكت حرمات الله عز وجل. فحينئذ يغضب ولا يقوم لغضبه فيه شيء حتى ينتصر للحق عندما يرى المحارم تنتهك او حدود الله تتعدى او دين الله يحارب فانه يقف ويمتثل امر ربه يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير. الجملة الاخرى في وصف غضبه عليه الصلاة والسلام هو تبدي معالم هذا الغضب عليه. اذا غضب اعرض واشاح كان عليه الصلاة والسلام ازج الحواجب من غير قرن. بينهما عرق يدره الغضب كان عليه الصلاة والسلام اذا غضب عرف ذلك في وجهه كل تلك علامات وامارات تدل الصحابة رضي الله عنهم على ان الموقف كان مما لا يرضيه عليه الصلاة والسلام او يغضبه وحتما ستجد الباعث في ذلك الموقف شيء مما اشار اليه المصنف وتواترت به الروايات يغضب لله. اذا انتهك كت حرمات الله عز وجل لا شيء يتعلق من ذلك بنفسه الكريمة الشريفة عليه الصلاة والسلام وكان خلقه القرآن وكان اكثر الناس تواضعا. يقضي حاجة اهله ويخفض جناحه للضعفة وما سئل شيئا قط فقال لا. هذه ايضا جمل عظيمة عميقة المعنى بعيدة الغور كان خلقه القرآن. هكذا وصفته امنا عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن ابيها. لما سئلت عن خلقه عليه الصلاة والسلام قالت كان خلقه القرآن تقصد رضي الله عنها ان كل ما حواه القرآن بسوره واياته من عظيم الامر الالهي وجليل التوجيه الرباني كان ذلك متمثلا في حياته عليه الصلاة والسلام. يتأول القرآن يتمثله يعيش به في حياته. كان خلقه قرآن. فكل ما وجدتموه من خلق كريم حميد في كتاب الله. فقد كان موصوفا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما وجدتموه في القرآن من خلق ذميم ووصف قبيح وجدتموه ابعد الناس عنه صلى الله عليه وسلم بل ومحذرا امته منفرا اياها من ان تقع في شيء من ذلك من قريب او بعيد وتفاصيل ذلك ما جاء في هذا الفصل واضعافه. كان اكثر الناس تواضعا لم يقل كان متواضعا كان اكثر الناس تواضعا مقياس عظمة التواضع نقيسها بمقياس الشخص نفسه. فتواضع الغني يبدو في مواقف قد تكون لحياة الفقير معتادة لا دلالة على التواضع واعني بذلك ان الفقير لرقة حاله وبؤس معيشته ربما جلس على الحصير واكل اليابس من الطعام واكتفى باليسير من دنياه ليس زهدا ولا تواضعا لكنه اكتفاء وقناعة بالقدر الحاصل له في دنياه اما اذا وجدته موسرا ثريا قادرا فكان يتخفف من دنياه زهدا وتواضعا كان ذلك امارة على التواضع. اذا فمقياس عظمة تواضع مرتبط ارتباطا وثيقا بمقام الشخص ذاته وميزانه وموقعه في الحياة. فما ظنكم عندما يكون الحديث لا اقول عن البشر وامام النبيين وخاتم المرسلين وحبيب رب العالمين صلى الله عليه وسلم. وكل تلك والله اوصاف جديرة بان تجعله في اعلى مقامات لكن حسبنا ان نقول ما ظنكم بتواظع يجلس فيه صاحبه مع الفقراء ويرضى بمعايشتهم والاكل معهم وصحبتهم والانس بهم وتصبيرهم والجهاد واياهم واخذهم بايديهم نحو رظا الله عز وجل وتبليغ دينه جل جلاله واستغناء عن الدنيا قليلها وكثيرها بالقدر الذي تقوم به حياته ويحقق معاشه. والله يقول له ولا تمدن الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه. ورزق ربك خير وابقى. ما ظنكم بتواضع في حياة انسان لو اراد ان يجد في نفسه من نشوة الفرح والكبر والتعالي بشيء يجده اهل الدنيا في دنياهم فقد وجد اعظم من ذلك بما لا مقابل له ولا قياس. عرج به الى السماوات السبع وبلغ سدرة المنتهى وكلمه رب العزة والجلال فيعود من هناك ولا يزال عليه الصلاة والسلام يعيش عيشة التواضع فهل بعد ذلك شاهد يحتاج الى اقامته على جملة تقول كان اكثر الناس تواضعا صلى الله عليه وسلم من جملة تواضعه قوله يقضي حاجة اهله ويخفض جناحه للضعفة. حاجة الاهل ما يطلبونه في بيتهم من خدمة ومتاع واعانة وشراء وكل ذلك يقوم به الانسان لشأنه لا محالة. وهو في النهاية امر يعود الى حياته وبيته واسرته. لكنه جرت العادة ايضا في حياة الناس كلما كثرت الشواغل والاعباء قالوا في حياتهم ضاقت عن ان تزاحمها شيء من امور البيت الصغيرة والقليلة واليسيرة وانه يمكن ان يقوم بها مثلا اهل البيت والاولاد والصغار والكبار والزوجات. وكذلك الخدم والحاشي ومن يكون داخل دائرة البيت واهل البيت فاذا ما وجدت صاحب البيت رغم مقامه العلي وجاهه في المجتمع لا يزال حريصا على المشاركة في ذلك الجانب ان ذلك امارة تواضع تدل على عدم استنكاف او تكبر بل على حمل للنفس على مشاركة الاهل في قضاء الحوائج اذا ما طلبوه شراء شيء من متاع السوق او حمل اغراضهم او خدمتهم في تنظيف البيت وتيسير امور المعاش داخل الحجرات كان بحاجة اهله عليه الصلاة والسلام. ويخفض جناحه للضعفا. يعني الا يتعالى ولا يتكبر وشواهد ذلك كما اسلفت كثيرا. ومن اجلاها واوضحها ان الامة من اماء المدينة كانت ربما اتت فاخذت بيده صلى الله عليه وسلم تنطلق به يقضي حاجتها. قال وما سئل شيئا قط فقال لا ما قال لا قط الا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعم عليه الصلاة والسلام. كان يعطي عطاء ولا يرد سائلا بل مضى قبل قليل انه لو لم يملك متاعا لبذل الدعوات الصادقة التي يرجو بها افراح واغناء قلبه وانصرافه برضى وانشراح خاطر. والاعجب من ذلك كله قصة ام حميد رضي الله عنها لما قالت انها اهدت الى النبي صلى الله عليه وسلم بردة نسجتها بيديها فاهدتها لرسول الله عليه الصلاة والسلام فلبسها وخرج الى اصحابه فقال رجل من القوم ما اجملها يا رسول الله اكسونيها. قال نعم ثم دخل عليه الصلاة والسلام داره فخلعها وطوى بها فبعث بها اليه. فقال الصحابة للرجل ما احسنت سألته اياها وعلمت انه لا يرد سائلا. فانظر كيف كان هذا متقررا عندهم قالوا علمت انه لا يرد سائلا فقال الرجل والله ما سألته لالبسها انما سألته لتكون كفني. قال سهل فكانت كفنه رضي الله عنهم جميعا. ما سئل شيئا قط؟ فقال لا. والنبي عليه الصلاة والسلام كان في الجود والبذل والعطاء اية يضرب بها المثل ما زال الناس يستلهمون منها حث النفوس على معنى البذل والعطاء ولو على قلة ذات اليد. فليس معنى والعطاء والبذل يا كرام ان يكون احدنا وافر المال مالكا للزائد عن حاجته والارصدة التي آآ تزيد وتفيض اموره واسرته واهل بيته الجود والعطاء لا يعرف لتلك المعايير شيئا وحدودا تفصله لكنه بذل النفس اخاؤها التي تحمل صاحبها على المضي قدما وهكذا قد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم وكان احلم الناس وكان اشد حياء من العذراء في خدرها. والقريب والبعيد والقوي والضعيف عنده في حقي سواء حلمه عليه الصلاة والسلام الذي نال امته جمعاء حلم صبر به عليه الصلاة والسلام على اذى قريش في مكة ثلاثة عشرة سنة. حلم تصبر به عليه الصلاة والسلام في هجرته الى المدينة. حلم عاش به صلى الله عليه وسلم بين فئات في الامة من حوله منافقين ويهود وكثير ممن رامه بسوء فما عاد بحلمه صلى الله عليه وسلم عليهم الا باب خير فاسلم كافرهم واهتدى ظالهم واقبل مبغضهم وشانئهم ابغض مسلما حبيبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلم وسع الامة الحاضرة بين يديه من صحابته والامة الاتية من بعده. حلم اجده انا وانت في خلقه عليه الصلاة والسلام لدينا معشر امته الذين لم نظفر بصحبته لكن الله اكرمنا بان اصبحنا من امته. حلم نجده في دعواته لامته عليه الصلاة والسلام. في حرصه ورفقه ورأفته ورحمته بامته صلى الله عليه وسلم. وكان اشد حياء من العذراء في خدره هذا مثل تضربه العرب لشدة الحياء. العذراء البنت التي لم يسبق لها زواج. ولانها كذلك فلا مخالطة لها بالرجال حشمة وحياء وعفة فلم يؤثر عنها اختلاط ولا مقابلة للاجانب ولا معرفة بغير اهل البيت. فتكون في خدرها اي في ستار بيتها لا تكاد تتجاوزه ولا تكشفه الا لاهل البيت. فاذا ما كشف خدرها عندما تزف عروسا وهي بكر فانها لشدة حيائها يكاد ينفطر قلبها حياء ويرى ذلك على وجهها وانتفاضة بدنها واحمرار وجنتيها وما قلت في ذلك من اوصاف يعرفه الناس من شأن الحياء وما يفعل فاذا ضرب المثل بشدة الحياء يقال كالعذراء في خدرها وصف النبي عليه الصلاة والسلام في حيائه بهذا الوصف فقال وكان اشد حياء من العذراء في خدرها الحياء الذي لا يأتي الا بخير كما قال عليه الصلاة والسلام. ثم قال والقريب والبعيد والقوي والظعيف عنده في الحق سواء مقياس الحق لا علاقة له بقريب وبعيد. ولا صديق وعدو ولا شيء من ذلك ودلالة ذلك في كتاب الله الكريم. يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا. اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله نعم وما عاب طعاما قط ان اشتهاه اكله والا تركه ولا يأكل متكئا ولا على خوان ويأكل ما تيسر ولا يمتنع من مباح ما. هذه جمل انتقلنا فيها في وصف شمائله عليه الصلاة والسلام الى جمل تعلقوا بهديه في الطعام وشأنه صلى الله عليه وسلم فيه فقال في اولى هذه الجمل ما عاب صلى الله عليه وسلم طعاما قط الطعام في كل اصنافه حتما سنجد فيه ما يوافقنا وما لا يوافقنا. ما نشتهيه وما لا نشتهيه وايضا سنجد في الطعام الذي يمر بنا ويوضع بين ايدينا اه ما يكون اه ناضجا اه مهيئا على وجهه الحسن وما يكون على خلاف ذلك ايا كان لم تحفظ الروايات في حياته صلى الله عليه وسلم انه عاب طعاما او ذمه تدري لم اولا تعظيما لنعمة الله وتقديرا لها وثانيا ان المسألة كانت اقل واصغر من ان ينصرف هم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليها. ليتحدث عنها او يتكلم بشأنها لكنه اذا وضع الطعام بين يديه فان وافق هواه واشتهاه اكله. وان لم يعجبه انصرف وتركه من غير ان يذم. لا طعاما فيكون متعديا على نعمة الله عز وجل. ولا صنع صانع الطعام فيسيء اليه ويجرح مشاعره بقصد او بغير قصد. ما عاب طعاما قط بل لما دخل عليه الصلاة والسلام على بيته وبيده ضيف فقال هل عندكم من طعام؟ فقالت ام المؤمنين رضي الله عنها ما عندنا الا الخل يا رسول الله والخل ليس بطعام هو لا يستقل به طعاما لكنه كان الموجود في البيت انذاك. قال هات فنعم الادام الخل هاتي فنعم الادام الخلق يغمس به خبز الشعير فيترطب وتزول عنه الخشونة التي فيه وللخل طعامه الحاذق فيصيب به شيئا من جفاف الخبز فيأكل انظر كيف قال نعم الادام والخل. ما كسر خاطرها لما قالت ما عندنا الا هذا وجبر بخاطر ضيفه الذي دخل فلم يجد في بيته طعاما يضيفه به. قال ما عاب طعاما قط ان اشتهاه اكله والا تركه كم ستجني البيوت والاسر الخير الكبير والله والرفقة والانسى والطمأنينة اذا ما طبقت الهدي النبوي وهذا احد ابوابه قال ولا يأكل متكئا ولا على خوان لا يأكل متكئا بل ونهى صلى الله عليه وسلم عن الاتكاء حالته الاكل وفسر الاتكاء باكثر من معنى منها الاتكاء بوضع اليد خلف الظهر والاتكاء عليها. او الاتكاء على وسادة على احد الجانبين وفسر الاتكاء في معنى اخر بالتربع الذي ايضا يحمل معنى الاتكاء والاقبال على الطعام على وجه يقبل فيه بنحو يريد الاسلام التوجيه الى الاقتصار على قدر ما يشد الصلب ويقيم قال ولا على خيوان. الخيوان كلمة فارسية في الاصل معربة. والمراد بها كالمائدة او الصفرة التي تكون مرتفعة في مثل الطاولة الصغيرة فاذا جلست على الارض ووضعت الطعام على مائدة قصيرة تكون بين يديك تسمى خوانا. لم يضعه عليه الصلاة والسلام كما في حديث انس عند البخاري ما اكل على خيوان قط ليس تحريما ولا منعا لكنه ما حصل ولا عرفه صلى الله عليه وسلم ولا وضع بين يديه قال ويأكل ما تيسر بحسب الموجود كما تقدم في حديث جابر قال هل عندكم من طعام؟ قالت لا الا الخل يا رسول الله. قال هاتي. فنعم الادام الخل. قال ولا يمتنع مباح ما لا يمتنع يعني لا يرفض عليه الصلاة والسلام ولا يمنع امته من المباح. حتى اذا كان الطعام لا يوافق هواه يتركه ويقر اصحابه وعلى اكله وقد اكل الضب بين يديه صلى الله عليه وسلم ولم يأكل. فلما خاف بعض الصحابة ان يكون ذلك استكراها او استقذارا للطعام. قال انه لم يكن بارض قومه فاجدوني اعافه فاقرهم على اكله صلى الله عليه وسلم وكان يحب الحلوى والعسل ويعجبه الدباء وهو اليقطين وقال نعم الادام الخل وفضل عائشة على النساء كفظل الثريد على سائر الطعام وكان احب الشاة اليه الذراع هذه بعض انواع الاطعمة التي احبها نبيكم صلى الله عليه وسلم يا امة الاسلام اولها قال كان يحب الحلوى والعسل العسل المعروف يحبه ولم يقل كان يأكله فقط وهذا الوصف ايضا عن بعض امهات المؤمنين. كان يحب الحلوى والعسل. الحلوى كل طعام حلو فمحبته له كسائر رغبات الناس وعامة الناس تحب الطعام الحلو. ولانه حلو تستطيبه الافواه يوافق المذاق يحب الحلوى والعسل صلى الله عليه وسلم. وفي العسل شفاء كما اخبر الله سبحانه. قال ايضا ويعجبه الدب وهو اليقطين النبات المعروف بالقرع فيسمى الدباء في بعض البلاد ويسمى القرع يؤكل اداما وهو من الخضروات التي تطبخ فتؤكل اما الطهي على النار او بغيره من انواع الطبخ كان يعجبه ايضا ليس مجرد اكل بل كان مفضلا عنده في الاطعمة عليه الصلاة والسلام وقد حكى انس رضي الله عنه ايضا انه رافقه في ضيافة ذات يوم في بيت بعض الانصار فقدم اليه الدباء قال فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع عدوا الدباء من حول الصحفة. يعني يلتقط قطعها قال انس فما فعرفت انه يحب الدبان فما زلت احب الدباء من يومئذ. فهذا دلالة على محبته صلى الله عليه وسلم بهذا النوع من الطعام وايضا كان الخل وقد تقدم قال نعم الادام والخل والحديث عند مسلم كما تقدم في قصة حديث جابر رضي الله عنه وارضاه. وبعض اهل العلم قال لم يكن قوله نعم الادام الخل دلالة على محبته او تفضيله بل سيق الكلام في ذلك الموقف لما كان من قول ام المؤمنين ليس عندنا الا الخلف قال ذلك جبرا لخاطرها. وليس المقصود تخصيصه بتفضيل بحيث يراه مفضلا على غيرهم من اصناف الطعام. اما الجملة الاخيرة هنا وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام والحديث في الصحيحين الحديث في اصله وسياقه من احاديث مناقب ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وهو من دلائل فضلها ومكانتها في الامة لكن التمثيل الوارد في الحديث في سياق التفضيل في ذكر بعض انواع الطعام اصبح دليلا على تفضيله صلى الله عليه وسلم للثريد. قال لما قال كفضل الثريد على سائر الطعام. اذا فالثريد طعام مفضل عنده صلى الله عليه وسلم قال كفضل عائشة وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد. الثريد هو خبز يفت على المرق فيكون مع معه لحم ونحوه قال كفضل الثريد على سائر الطعام وكان احب الشاة اليه الذراع وهذا ايضا مما عرف في سيرته عليه الصلاة والسلام في محبته اياه من الطعام. ولذلك فان اليهودية لما وضعت السم في الشاة للنبي عليه الصلاة والسلام قصدت الذراع فقدمتها اليه لمعرفتها انه احب ازدراع فكان منها ما وصل اليه من السم الذي اكل منه صلى الله عليه وسلم هو وبعض صحابته في هذه القصة المشهورة وقال ابو هريرة رضي الله عنه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير يعني العدم وكان يأتي الشهر والشهران ولا يوقد في بيت في بيت في بيت من بيوته النبي عليه الصلاة والسلام من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير يعني للعدم والخبز خبز الشعير وليس من فاخر انواع الخبز ولا رقيقه ولا افخر انواعه بل هو من اقلها درجة لما عرف خبز الشعير من الجفاف واليوبوسة اكثر من غيره هذا الخبز وهو من ليس من اعلى مراتب الخبز ولا اطيبه ولا افخره لم يكن متوفرا لم يكن متوفرا حد الشبع له صلى الله عليه وسلم هو واهل بيته فما بالكم بغيره من فاخر الطعام وطيب مذاقه لم يشبع من خبز الشعير يومين متتاليين قط ابدا عليه الصلاة والسلام. وربما بات طاوي هو واهل بيته الليالي المتتابعة قال وكان يأتي الشهر والشهران ولا يوقد في بيته نار يمضي الهلال والهلالان فيمضي شهر وشهران ولا يوقد في بيت من بيوته نار نار. يعني لا شيء يطبخ لا شيء يوجد يمكن ان يطهى على نار. فماذا كان يأكل لما سئلت فما كان طعامكم يا ام المؤمنين؟ قالت الاسودان التمر والماء. فان يكون عامة الطعام في اغلب ايام الشهر على ذلك ثم بين الحين والحين لحما او اداما او مرقا او فريدا فذلك من القلة. اما الاغلب فكان على هذا النحو الموجز اليسير الذي يكتفي فيه صلى الله عليه وسلم بما لا يحتاج الى ايقاد نار لطبخ. وهذا من عظائم الادلة التي تدل على النبوي والتقلل الذي عاش عليه نبينا صلى الله عليه وسلم. وكان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ويكافئ على الهدية. كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. المقصود بالاكل هنا قبول الهدية ولو كانت طعاما او غير طعام. يقبل الهدية عليه الصلاة والسلام بل ويكافئ عليها. يعني يرد الهدية بمثلها. ومن اهداه اهدى اليه. ولا يأكل الصدقة لانه عليه الصلاة والسلام كان اجل من ان يأكل الصدقة هو واهل بيته. وكان هذا من دلائل نبوته وهي واحدة من المواقف التي استدل بها سلمان الفارسي رضي الله عنه على نبوته صلى الله عليه وسلم لما جاء المدينة في اول الهجرة. ويخسف النعل الثوب ويعود المريض ويجيب من دعاه من غني وفقير ودني وشريف ولا يحقر احد به جمل من صور النبوي يخصف النعل والمقصود بخصف النعل اصلاحه اذا انقطع وخرزه اذا تمزق يفعل هذا بنفسه هو ومن باب يدل على التواضع ومن الباب الاخر على الفقر والتقلل من الدنيا. فما كان يرمى بل يحتاج اليه فيصبحه استعمله صلى الله عليه وسلم وكان يرقع الثوب هو ايضا كالسابق في خصف النعل. رقع الثوب اذا تمزق وانقطع او انقطعت منه وشقت منه قصاصه فيرقعه ليسد ذلك الشق ويخيط ذلك التمزق الذي حصل. ويعود للمريض يعوده لما ثبت فيه من الاجر عليه فيه من الفضل ولما يدخله في عيادة المريض من انس وسعادة وسرور وبهجة على المريض. وفي ذلك النصوص الكثيرة اللة على الفضل ويجيب من دعاه من غني وفقير ودني وشريف ولا يحقر احدا. اجابة الدعوة من حقوق المسلم على المسلم ما قال عليه الصلاة والسلام فهي فوق كونها حقا لابد من الوفاء به واجابته فيها ترابط لاواصر المجتمع فيها تقوية لعلائق الاخوة فيها ادخال للسرور فيها فرحة فيها اكرام للداعي يجيب دعوته عليه الصلاة والسلام وكان يقعد تارة القرفصاء وتارة متربعا واتكأ في اوقات وفي كثير من الاوقات او في اكثرها محتبيا بيديه هذه الجمل الثلاثة واردة في وصف جلسته عليه الصلاة والسلام. قال كان يقعد تارة القرفصاء وتارة متربعا. القرفص الجلوس على الاليتين. والصاق الفخذين بالبطن ووضع اليدين يشد بها الساق. يضم الى صدره وهذه من اوصاف الجلوس التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يقعدها وفيها مظهر عظيم من مظاهر التواضع في الجلسة قال وتارة متربعة. يجلس هكذا وهكذا. الجملة الثانية قوله واتكأ في اوقات يعني احيانا كان يتكئ الا على الطعام كما تقدم فانه موضع نهي عن الاتكاء. والاتكاء يحتاجه الجالس اذا طالت المجالس الفترات او اذا احتاج ليكون اكثر استراحة متمكنا في جلسته. قال وفي كثير من الاوقات او في اكثرها محتبيا بيديه الاحتباء ان يجلس فيجمع ظهره وساقيه بيديه. ويضمها الى صدره وربما يكون الاحتباء بقطعة من قماش لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان اكثر احتبائه بيديه نعم وكان يأكل باصابعه الثلاث ويلعقهن ويتنفس في الشراب بالاناء ثلاثا خارج الاناء. هاتان جملتان نختم بهما مجلس الليلة. تتصلان بما تقدم في هديه في عليه الصلاة والسلام وهي جزء من جوانب اخلاقه الكريمة كان يأكل باصابعه الثلاث الاصابع الثلاث التي كان يأكل بها هي هذه الثلاث الابهام والسبابة والوسطى. فبها يأكل التمر ويحمل اللقمة فيضعها في فيه صلى الله عليه وسلم فليس بالخمس لعدم الاشارة الى النهم والاستكثار من الطعام. وما تحمله الاصابع الثلاث لقمة محدودة يكون في فم الاكل منها قدر يساعد على المضغ وقلة الطعام وهي دلالة ايضا على التقلل كما تقدم. كان يأكل وباصابعه الثلاث قال ويلعقهن يعني في اخر طعامه لما قد يعلق بها من دهن او بقية طعام الجملة الثانية قال وكان يتنفس في الشراب بالاناء ثلاثا خارج الاناء التنفس خارج الاناء وهو يكون على ثلاث دفعات في شرب الدفعة الاولى من الاناء ثم يبعد الاناء ويتنفس ويشرب ثانية ويتنفس ويشرب ثالثة. فالشرب ثلاثا يتخلله تنفس خارج الاناء لا داخله وقد اثبت الطب اليوم ان هذا انفع ما يكون صحة للبدن واستمراء للماء الذي يشرب واستطبابا للبدن وايضا بصحة الماء الذي يبقى في الاناء واخر ما يذكره الطب في روعة ذلك واثره العظيم على شرب الشارب الهنيء المريء هذه جمل من وصف اه في فصل خلقتي في فصل خلقه صلى الله عليه وسلم ولا يزال في الفصل بقية نأتي عليها في مجلس ليلة الجمعة المقبلة اما وقد تعطل مجلسنا الليلة بنبذ من اخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم فعلها ان تكون ابهاجا للقلوب امتاعا للارواح تلذذا بالاسماع يحملنا على استكثار من الصلاة والسلام. على نبي الهدى والرحمة في هذه الليلة المباركة ويوم لغد الجمعة بلغ العلا بكماله كشف الدجى بجماله حسنت جميع خصاله صلوا عليه واله صلى الله عليه وسلم اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين اللهم اجعل لنا ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية يا ارحم الراحمين. اللهم واغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين. واجعلنا للمتقين اماما ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل يا ربي وسلم وبارك على عبدك ورسولك حبيبنا نبينا وشفيعنا وقدوتنا محمد بن عبدالله وعلى اله وصحبه اجمعين. واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين