بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الحمد في الاخرة والاولى واشهد ان سيدنا ونبينا محمدا عبد الله الله ورسوله صلى الله ربي وسلم وبارك عليه وعلى ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. وبعد ايها الاخوة المباركون في امة الاسلام من كل مكان فمن رحاب بيت الله الحرام ينعقد هذا المجلس العاشر من مجالس كتاب تهذيب السيرة النبوية للامام ابي كريا نووي رحمة الله تعالى عليه في مقدمة كتابه تهذيب الاسماء واللغات. وما يزال هذا المجلس المبارك المنعقد من رحاب بيت الله الحرام. في هذه الليلة مباركة ليلة الجمعة رجاء والتماسا. بركة هذه الليلة بكثرة صلاتنا وسلامنا. على الحبيب المصطفى صلى الله وعليه وسلم وهو يقول اكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فان صلاتكم معروضة علي. وعسى ان يكون مجلسنا هذا كما اسلفنا مرارا ونحن نتذاكر صفحات من سيرته العطرة وان كانت موجزة ونبذة مقتظبة من شمائله العطرة عليه الصلاة والسلام عسى ان يكون مجلسا حافلا بكثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه واله وسلم. نبراس هذا الكون منبع نور بلغت مآثره الكريمة انجما. لك يا رسول الله خير مكانة في قلب من صلى عليك وسلم الله عليه واله وسلم. وقد مضى مجلسان او اكثر في الحديث عن هذا الفصل الحافل الذي افردت فيه ان فاتوا وليست الفصول ضمن الابواب. وانعقدت له المجالس تلو المجالس في الحديث عن باب كريم من ابواب بنبوته مدحه به خالقه جل في علاه. واثنى به عليه من فوق سبع سماوات. وانزل في شأنه قرآنا يتلى الى يوم القيامة لما قال ربه سبحانه وتعالى له وانك لعلى خلق عظيم. هو خلقه صلى الله عليه واله وسلم الذي ابتدأنا فصله منذ مجلسين او اكثر ولم ينتهي الفصل بعد رغم وجازت العبارة في كلام رحمه الله واختصاره واقتصاره على جمل عامة عظيمة شاملة الا انه لا يمكن ان يوسع الحديث مهما اختصر عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذلكم امة الاسلام اننا نتحدث ليس عن صفحة ولا عن موقف ولا عن ساعة او حديث ورواية. بل نتحدث عن حياة باسرها. نتحدث عن سيرة كاملة عاشها صلى الله عليه وسلم تتلمسون خلقها الكريم وصفحاته المشرقة في كل موقف في كل رواية في كل حديث وهكذا لانها حياة من كل ابوابها مع الصديق والعدو في الاسرة وخارجها في البيت والمسجد كل ذلك كان يعيش اشراقات من اخلاقه الكريمة صلى الله عليه واله وسلم. ولهذا مضى معنى الحديث في السابقة في فقرات تناولت جوانب مختلفة. منها ما تعلق بمجلسه كما مضى ان مجلسه كان مجلس حلم وامانة وصبر وسكينة لا ترفع فيه الاصوات ولا تؤبن فيه الحرم. وفقرات كانت تتناول باب عبادته وعلاقته بربه عز وجل وكثرة ذكره وفكره صلى الله عليه وسلم. مثل قوله ان كان كثير الذكر الفكري ومضت ابواب كذلك في الحديث عن كلامه وحديثه العذب صلى الله عليه وسلم وهديه فيه. فكان يتكلم بجوامع كلم يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم. كلامه بين يفهمه من سمعه لا يتكلم من غير حاجة. لا يقعد ولا يقوم الا على ذكر الله تعالى. وابواب اخرى تتعلق بجوانب اخرى مثل طعامه وشرابه. ومثل شأنه في جلوسه قيامه وقعوده عليه الصلاة والسلام حتى نختصر الكلام ولا نعود الى ما سبق لكن للربط اللاحق بالسابق وقفنا عند عند حديث المصنف رحمه الله عن سيرته صلى الله عليه وسلم مع اصحابه عن مجالسه معهم كيف كانت. وقد وقف بنا الحديث عند قوله رحمه الله كان يتألف اصحابه ويكرم كريم كل قوم ويوليه امرهم ويتفقد اصحابه كما تقدم في فقرات مضت هذه جمل تمثل معالم كبيرة في شأنه في التعامل مع اصحابه وكسب قلوبهم واجتذاب مودتهم وموالاتهم. اما انه والذي بعثه بالحق عاش صلى الله عليه وسلم اليفا مؤلفا. كان تهواه القلوب عليه الصلاة والسلام لشدة ما يحسن اليها ويتألف لها. فكان يألف ويؤلف واشار الينا ان هذا شأن المؤمن ان يألف ويؤلف. انما الفه اصحابه لانه كان يتألف ومعنى يتألفهم انه يبحث عن الابواب التي توطن بها محبتهم فيكسبوا مودتها. ويكرم كريم كل بقوم ويوليه امرهم يقصد بكرام الاقوام ساداتهم كبراؤهم الوجهاء فيهم والاعيان. فان العناية بهم عناية بالقوم كله. وبالقبيلة كلها فانهم قد عقدوا مناط اكرامهم واجلالهم لهؤلاء الكبراء والوجهاء بينهم. فكان عليه الصلاة والسلام يكسب احترام مودة ومعزة القوم جميعا باعزاز كبيرهم ووجيههم وكريمهم يكرمه تارة بالاهداء وتارة بالتصدير في المجالس وتارة يوليه امر مهمات فيبعثه بعدما يعودون اه من عنده وقد دخلوا في الاسلام واعلنوا البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم او نحو وذلك فيطلب منهم ان يتولى امرهم وان يدير شأنهم وان يحكم بينهم بحكم الله الذي قد دان له قال واعلن اسلامه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتارة يكون الاكرام كما اسلفت بالاهداء. يتألف القلوب وتارة باعطائه الامر العظيم او باقطاعه او بابدائه ما سأل والدعاء له كل ذلك كان منه صلى الله عليه عليه وسلم اكراما لكرماء الاقوام قوله ويتفقد اصحابه يعني يسأل عنهم. اذا غابوا اذا مرضوا اذا اصيب بعضهم بشيء وقد كان في ذلك صلى الله عليه وسلم بالرغم من كثرة اشغاله واعبائه ومهمات حياته الا انه كان حريصا غاية الحرص. واضربوا ولذلك مثلين كبيرين عزيزين كريمين لهما وقع في تاريخ الامة ونحن نقرأ السيرة الى هذا الجيل فكيف بواقعه بين اصحابه رضي الله عنهم جميعا. بل كيف كان وقعه على اصحاب الشأن انفسهم. اما الموقف الاول فعيادته صلى الله عليه وسلم للمرظى وهذا كثير. يعود مريظهم يزوره في المكان الذي يمرض فيه. سواء كانت دار او في دار من يمرض عنده. واما سعد ابن معاذ رضي الله عنه السيد المطاع الانصاري الرؤوس الصحابة الكرام رضي الله عنهم فانه لما اصيب وآآ نزف رضي الله عنه امر عليه الصلاة والسلام ان يطبب في المسجد ليكون على مقربة منه وهذا في غاية الاكرام وهذا ولا شك في اعظم صور التفقد للاصحاب وللسادات منهم والنخبة والصفوة كسعد رضي الله عنه طببب في المسجد حتى يكون بامكانه ان يراه عند كل صلاة. وان يزوره بين الحين والحين اذا دخل واذا خرج وذلك لمكانة سعد رضي الله عنه فانه ثبت في الحديث انه لما اقبل ذات يوم قال قوموا الى سيدكم. سعد رضي الله عنه من سادات الانصار والصحب جميعا رضي الله عنهم وارضاهم ولما طبب وحان اجله وفاضت روحه الى باريها قام صلى الله عليه وسلم ينعاه الى اصحابه يتعجل في ادراكه وهو يقول لهم قوموا الى صاحبكم لا تسبقنا اليه الملائكة. واما الموقف الاخر في تفقد اصحابه فهي المرأة التي كانت تقم المسجد ماتت ذات ليلة رضي الله عنها فاهتم بامرها الصحابة وغسلوها وكفنوها ودفنوها ولم يخبروه صلى الله عليه وسلم ليس لشيء اكثر من كفايته امرها وانهم يتولون الشأن ويكفونه عليه الصلاة والسلام وهو لا يزال عظيم الاشغال والمهمات صلوات ربي وسلامه عليه. لكنه لتفقده لاصحابه وهذا موضع الشاهد. فقدها في اليوم التالي فسأل عنها فاخبر انها ماتت وانهم دفنوها رضي الله عنهم جميعا. فقال هلا اذنتموني؟ فقام الى قبرها عليه الصلاة والسلام فكبر وصلى عليها. وهذا اية اخرى من شواهد هذه العظمة في خلقه الكريم صلى الله عليه وسلم لتفقد اصحابه. فلا تعجبوا ان ملك قلوبهم بل اسرها والله بحبهم واجلالهم وتعظيمهم لنبي كريم ملك قلوبهم حبا عليه الصلاة والسلام فوق المحبة الشرعية التي امرنا بها فقد ملك قلوبهم بمثل تلك المواقف التي ما زالت تتابع في حياتهم وهم يرونها في انفسهم تارة وفي من حولهم تارة. الكل قد وجد منه الرفق والرحمة والحنان واللطف والتفقد العناية منه بابي وامي هو صلى الله عليه وسلم ثم قال المصنف رحمه الله في جمل تصف ابوابا اخرى من خلقه في التعامل مع الناس من حوله في الجملة. قال لم كن فاحشا ولا متفحشا والمقصود بالفحش كل بذيء مستبشع تستهجنه النفوس والعقول السوية والقلوب الطاهرة. فان كرماء القوم والنبلاء واصحاب العفة والطهارة يأنفون من الفحش والمقصود به كل دنس من قول او الفعل كل ما يمت الى ما لا يليق بالاخلاق والمروءة بصلة. كل ما وصف في عرف اوساط الناس مجتمعاتي الفاضلة كل ما وصف بانه دميم وقبيح ومستهجن قولا او فعلا بالفعل في تصرفات بدءا من الهمزات والغمزات واشارة الاعين والايدي وانتهاء بتصرفات الافعال والمواقف والوقوع في الفواحش اجاركم الله والانكفاع في مستنقعات الرذيلة والخنا وما بين ذلك من تصرفات واقوال وافعال درجات في الفحش. والله عز وجل ينزه اهل الايمان فضلا عن السادات من الانبياء الكرام عليهم السلام عن الوقوع في تلك المستنقعات البشعة والرذيلة التي لا تليق بهم. لم قل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا يعني واقعا في الفحش بصورة من الصور قط ولا متفحشا يعني لا يقع فيه قصدا وعمدا ولا بالغلط او بالسهو فانه لا لا يتقصد ذلك ولا يتعناه ولا يتكلفه بل لا يقع فيه ولو استفز صلى الله عليه وسلم ودفعته المواقف الى شيء من ردود الافعال التي قد يستفز بها بعض العقلاء فيقع في طيش او سفه او فحش لكن نبينا صلى الله عليه وسلم نزه عن كل ذلك. وقيل لا الفحش ولا التفحش يعني بالقول او بالفعل كلاهما كان نزه المعصوما عنه صلى الله عليه وسلم. ولهذا يا كرام فان هذا من دلائل نبوته اما رأيتم كيف ان الاعداء في زمنه عليه الصلاة والسلام او بعده ممن ملئت قلوبهم غلا وحقدا وكفرا وفجورا اظلمت قلوبهم عن الايمان فعميت عن اتباع الحق اما رأيتم انهم عبر التاريخ رغم الكذب والافتراءات رغم الزور والبهتان رغم التعدي والتطاول الا انهم لا يجرؤون ولا يملكون نصف كلمة ينسبونها الى المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم فيه منقصة له في اخلاقه او افعاله ان ينسب اليه فحش او تفحش وهذا والله اية. قالوا كذاب وقالوا ساحر وقالوا شاعر وقالوا مجنون وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا. قالوا اقاويل كثيرة. لكن ما يجرؤ واحد منهم ان يصفه الله عليه وسلم بالفحش وبالتفحش او بالوقوع فيما لا يليق او بلى يليق باهل المروءات وحتى في ازمان متأخرة بعده الى زمننا المعاصر. وعجب والله ان الرواية على ضعفها والافتراءات على كثرتها لم ينسب فيها شيء كذب وزور او حديث موضوع ينسب اليه صلى الله عليه وسلم زلة لسان او قولة او فعل كيف وقد عصمه ربه عز وجل بل وحماه وحفظ عرضه من ان يطال صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك البهتان والزور والافك الذي نزهه الله تعالى عنه طيلة حياته ونزهه عنه بعد مماته صلوات الله وسلامه عليه. قال المصنف رحمه الله في تتمة ذلك ولا يجزي السيئة بالسيئة بل يعفو ويصفح الموقف تجاه الاساءة يا كرام يتنوع في مواقف البشر لكنه من حيث الجهة المشروعة ينحصر في مراتب ثلاثة اولها مقابلة السيئة بالسيئة يعني ردها بمثلها وهذا هو العدل والانصاف ان يقتص صاحب الحق لحقه وان يأخذ بحظ نفسه. قال الله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها قال سبحانه وتعالى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم. وكان الله سميعا عليما. هذه مرتبة العدل والانصاف الا يبتدئ المسلم اخر بسيئة واساءة قولا وفعلا. لكنه يشرع له ان ينتصر لنفسه. قال الله سبحانه ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل. انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير حق اولئك لهم عذاب اليم فهذا اول المراتب وهو العدل والانصاف والانتصار للنفس والاخذ بحقها. مقابلة السيئة بالسيئة ولا تسمى سيئة الا في مقام المقابلة اللفظية والا فرد الاساءة انتصارا للنفس لا يسمى اساءة. المرتبة الثانية تجاوز ذلك تجاوزوا ذلك بالعفو والصفح بمعنى انه لا يقتصر على رد الاساءة باساءة بل يتعاظم في خلقه فيعفو ويتنازل عن الموقف عفوا وصفحا. قال الله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله انه لا يحب الظالمين. اجره على الله اشارة الى عظم هذا الجزاء الكبير المترتب على العفو عن الاساءة. ولهذا قال الله في الاية الاخرى لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم وكان الله سميعا عليما ان تبدوا خيرا او تخفوه او تعفوا عن سوء فان الله كان عفوا قديرا. هذه مرتبة اجل ومقام اكبر. ولا يقوى عليه الا كبراء النفوس وعلى رأسهم نبي الامة صلى الله عليه وسلم كما قال هنا بل يعفو ويصفح ذكر هذا في سيرته ليس في رصد مواقفه في الحياة التي عاشها حياة كرم وبذل وعفو وصفح بل قبل ان يبعث هكذا وصفه في الكتب السابقة انه لا يجزي السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح. فاثر عنه قبل ان يخلق ويبعث صلى الله عليه وسلم. اما وقد بعث وعاش بين ظهران قومه وامته فما وجدوه والله الا كذلك. هذا يسيء اليه بالقول وذاك يغلظ له في العبارة وذاك فيتهمه بالكذب ورابع وخامس وعاشر. بل حتى بعد الاسلام واقبال الوفود عليه يأتي هذا فيغلظ له العبارة والثاني في الموقف والاشارة يطلب الصدقة فيغلظ له. فيقول مر لي من مال الله الذي عندك فانه ليس مالك ولا مال ابيك. فيأمر له صلى الله عليه عليه وسلم بعطاء كبير حتى تطيب نفسه ويفرح ويسر خاطره. ويعطي غنم بين جبلين واعطى مسلمة الفتح حتى ارظاهم صلى الله عليه وسلم وقسم بينهم الاموال والمغانم وكذلك الشأن عنده صلى الله عليه وسلم في العفو والصفح كلما قدر واعظم ذلك عفوه يوم فتح مكة. جاء الى قوم قد عادوا اكثر من عشرين سنة ولما ملك رقابهم وامرهم تلك الساعة قال اذهبوا فانتم الطلقاء صلى الله عليه وسلم هذه الحياة الكريمة كانت تمثل هذه المرتبة السامية التي قال عنها لا يجزي السيئة بالسيئة بل يعفو ويصفح. اما ثالث المراتب التي جاءت بها الشريعة فمقابلة الاساءة باحسان نعم ليس مجرد اقتصاد عن دفع السيئة بسيئة ولا الوقوف عند الصبر والاحتمال والعفو عن المسيء بل مقابلة الاساءة باحسان. وفي هذا قال الله تعالى ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن اذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميد. اسمعوا يا كرام ماذا قال الله عن هذا المقام؟ قال ولا يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم والله مهما ظعفت نفسك او اثقل عليه الشيطان واجلب عليها بخيله ورجله. في موقف تريد فيه الاحسان الى من اساء. فيأتي فيذكرك بالمواقف يجدد عليك المواجع فتذكر ما يلقاها الا ذو حظ عظيم. فاذا رجوت ان تكون من هؤلاء القلة اصحاب الحظ العظيم فدونك ان تكابر وتصابر وتتحمل حتى تبلغ تلك المقامات. والله عز وجل خص نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق كريم فامره فقال خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم. امتثل صلى الله عليه وسلم امر ربه الكريم عز وجل. فعاش حياة ملؤها العفو والصفح. بل والله ان حياته كلها وسيرته العطرة كلها صلى الله عليه وسلم كانت عفوا وصفحا. اوذي لما خرج الى الطائف اوذي يوم احد وقد جلب له قومه الحرب والعداء فما وجدوا الا العفو والصفح يستأذن في ان يطبق عليهم ملك الجبال الاخشبين بل يرجو لهم عفوا والصفح ولما يسأل عما اصابهم يوم احد عما اصابه وقد وقع في الحفرة وانكسرت ثنيته وسال الدم على وجهه جت جبهته صلى الله عليه وسلم يسأل عن ذلك فيقول اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون ويتأسى باخيه موسى عليه السلام قال قد اوذي باكثر من هذا فصبر. فصلوات الله وسلامه عليه قال المصنف رحمه الله ولم يضرب خادما ولا امرأة ولا شيئا قط. الا ان يجاهد في سبيل الله تعالى. هذا موقف اخر من مواقف عظمة النفوس التي يتعلم فيها الكبراء من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم والعفو والصفح خصوصا مع ذوي الضعف ضعف المكان او المكانة. القدر والمنزلة الخادم الذي من شأنه ان يؤمر يأتمر وينهى فينتهي ومن شأنه ان يوبخ ويعاتب ويخاصم لكنه في مقام الخلق المحمدي لا يعيش الا عزيزا كريما. واما المرأة فلما غلب الشأن عليها في الضعف لضعف خلقتها التي خلقت عليها ليس ظعف مكانة بقدر ما هو ظعف خلقة يحملها على الحياء على التغاظي على الصبر بل ربما كان ذلك سببا في جرأتي بعظ من فقد مروءته ورجولته فيستعدي عليها لظعفها بشتم او ظرب او واذا لكن الخلق الكريم ينأى بصاحبه عن الوقوع في تلك الرذائل. وقد حفظ من سيرته عليه الصلاة والسلام انه ما ضرب خادما ولا امرأة مع كون موجبات الضرب ضرب عقاب وتأديب ان موجبات ذلك قد تكون قائمة ومتحققة بل هذا هو الظن الغالب او الامر المحقق عليه العادة وما استقرأ الناس عليه انماط الحياة. فانه لا يخلو قادم من تقصير او تفريط او اهمال ولا يخلو ايضا من اه قلة ادراك تارة او ضعف انتباه تارة ففوات مصلحة رتبت على ذلك السهو والغلط او التقصير والتفريط والاهمال. فان تجد حياة استمرت سنين في بيته صلى الله عليه وسلم مع من يخدمه فلا يمد يده ضربا على احد منهم قط. وفيهم الموالي الذين كانوا تحت يده عليه الصلاة والسلام. واما النساء فانه عليه الصلاة والسلام لم يكن ذا زوجة ولا اثنتين ولا ثلاث واربع فقط بل تجاوز ذلك كما تعلمون الى تسع نسوة واحدى عشرة امرأة اجتمعن على اوقات متفاوتة في عشرته الزوجية صلى الله عليه وسلم ومحال ان نظن انها حياة كانت عامرة بالصفاء والمودة انها لم يكدر صفوها اه في ساعة من ليل او نهار او يوم من الايام او او في وقت من العام انه لم يكدر صفو ذلك شيء من لا في او شيء من الشقاق وشيء من آآ ما يقع في الحياة الاسرية مما لم يخلو منه بيت النبوة قط ومع ذلك فانك تجد في حياته صلى الله عليه وسلم غاية العظمة في الخلق الكريم فانه ما مد يده على امرأة منهن ضربا قط صلى الله عليه وسلم. بل كان غاية ذلك العتب والهجر الذي كان ينأى به صلى الله عليه وسلم ينأى فيه بخلقه الكريم عن ان يتجاوز ذلك فلم يحفظ في سيرته النبوية وحياته الاسرية شيء يخدش الحياء او يستحى من اظهاره. بلى والله لقد كانت سيرة مشرقة عطرة صفحة بيضاء نبديها بكل ادخال للامم جمعاء اننا اننا امة حفية بنبي كريم صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله ولا شيئا قط يعني في الضرب لا امرأة ولا خادما ولا شيئا سوى ذلك الا ان يجاهد في سبيل الله تعالى فيمتثل امر ربه يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ولا السلاح ولا بيسد درعا ورفع السيف في القتال جهادا في سبيل الله صلوات الله وسلامه عليه. وقد مضى مضى مضى قبل ذلك الاشارة الى غزواته وسراياه عليه الصلاة والسلام. قال المصنف رحمه الله وما خير بين امرين الا ايسرهما ما لم يكن اثما. هذا في شأن رفقه العام بامته عليه الصلاة والسلام. ان يخير بين امرين في بيته او يخير بين امرين في شأن يتعلق بغيره او يخير بين امرين في شأن خاصة نفسه الا اختار ايسرهما في سفر وحضر في اقامة وارتحال في طعام وشراب في اي شأن من شؤون الحياة بضابط واحد وقيد مهم ما لم يكن اثما. فاذا كان اثما كان ابعد الناس عنه صلى الله عليه وسلم. هذه العبارة ما خير بين امرين الا اختار ايسرهما غدت عنوانا للرفق المحمدي. والتيسير النبوي الذي رفع رايته صلى الله عليه وسلم رفقا بامته فكان كما قال الله عنه. لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم. يعني عزيز عليه اي امر فيه المشقة والعنت الذي يصيبكم. حريص عليكم. هذه صورة جلية من صور الحرص بالمؤمنين رؤوف رحيم صلوا عليه وسلموا تسليما. صلى الله عليه وسلم هذه العبارة غدت معلما من معالم الشريعة الغراء على يدي نبي الامة صلى الله عليه وسلم تشريع التيسير وتقريبه وبجعله بابا موصدا بابا مفتوحا لا يوصده احد بعده في الامة قط. وهو يوجه لذلك بقوله ان هذا الدين يسر فاوغل فيه برفق وهو القائل وقد بعث بعض اصحابه صلى الله عليه وسلم قال انما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين. فضلا عن نصوص المتواترة المتضافرة التي تؤكد يسر الشريعة وتيسيرها اما هو صلى الله عليه وسلم فقد كان يلتمس الايسر والاخف والارفق به وبمن حوله بل بامته جميعا عليه الصلاة والسلام قال المصنف رحمه الله بعد ان امضى صفحات في هذا الفصل المختصر الوجيز الذي قضينا فيه مجالس عدة فيما سبق قال كل ما ذكرته في الصحيح مشهورة. يعني استغنى بذكر هذه الجمل عن ايراد الشواهد والروايات المسوقة باسانيد وما حفظته الرواة وما نقلته الدواوين لانها اكثر من ان تذكر صدقا والله بل افردت فيها المصنفات ولو استقصيناها ما اطقنا لذلك المجالس الكثيرة المتتابعة. قال ودلائل كل ما ذكرته في الصحيح مشهورة فقد جمع الله سبحانه وتعالى له صلى الله عليه وسلم كمال الاخلاق ومحاسن الشيم. واتاه علم الاولين والاخرين المقصود بعلم الاولين والاخرين من علم الغيب الذي اطلعه الله عليه. علم الاولين المراد به الامم السابقة. فانه عليه الصلاة والسلام ما عاشها ولا ادرك ازمانها لكن الله عز وجل اعلمه. فعلمنا مما علمه الله تعالى شأن الامم من ادم عليه السلام فنوح فابراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من النبيين المكرمين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين وعلم الاخرين يعني ما سيكون بعده في الامة اما من نبوءات وقعت او ستقع او مما سيكون في اليوم الاخر من احداث الجنة والنار والوعد والوعيد وما يكون يوم الحساب وشهود الشهود ونصب الموازين كل ذلك قد بث في سيرته سنته عليه الصلاة والسلام. هذا المقصود علم الاولين والاخرين. فلا يعلم الا ما علمه الله تعالى اياه. قال الله سبحانه عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول. وقال الله تعالى له وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فظل الله عليك عظيما. وفي غير ما موضع يشير القرآن عقب قصص الانبياء والمرسلين واحداثهم التي مضت في ازمان غابرة في مثل قوله تعالى تلك من انباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا في قصة نوح عليه السلام. وقال الله تعالى في قصة يوسف ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم. اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون. وقال الله تعالى في قصة مريم وعمران وزكريا عليه السلام. ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم. ايهم يكفل مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون. فكل ذلك من الغيب الذي اطلعه الله عليه من علم الاولين. وما سيكون ايضا من علم الاخرين. قال المصنف رحمه الله علم الاولين والاخرين وما فيه النجاة والفوز. يعني بالشريعة كلها اصولها وفروعها حلالها عقائدها واخلاقها عباداتها ومعاملاتها. شريعة كاملة اتاه الله عز وجل ذلك كله فبلغه فاشهدوا وتشهدون انه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الامانة وادى الرسالة ونصح في الامة وجاهد في الله حق الجهاد حتى اتاه اليقين. وانه ما لحق بالرفيق الاعلى صلوات الله وسلامه عليه. حتى دلنا على كل خير امره الله تعالى به وحذرنا من كل شر نهانا الله تعالى عنه. وما افضى الى ربه عليه الصلاة والسلام ولا طائر في السماء يقلب جناحيه الا علمنا منه علما. وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك بيكون صلوات الله وسلامه عليه. قال المصنف رحمه الله وعلمه واتاه علم الاولين والاخرين وما فيه النجاة والفوز وهو امي لا يقرأ ولا يكتب ولا معلم لما له من البشر هذه اية وهي في سياق المعجزات اقرب وفي سياق دلائل النبوة اظهروا واكدوا واوضح انه اوتي كل ذلك العلم قال الله وعلمك ما لم تكن تعلم وهو مع ذلك امي لا يقرأ ولا يكتب وصفه بالامية هنا وصف اعجاز وتشريف وتكريم واثبات نبوة من اعظم الدلائل واظهرها. الذي يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل. وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون. فهذه ايات بينات على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم. لا يقرأ ولا يكتب وهو القائل عليه الصلاة والسلام نحن امة امية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا. وهكذا وهكذا قالها مرتين وقال قبض اصبعه في الثالثة قال المصنف رحمه الله واتاه الله ما لم يؤتي احدا من العالمين واختاره على جميع الاولين والاخرين صلوات الله وسلامه عليه دائمين الى يوم الدين. فصلى الله ربي وسلم وبارك عليه صلاة وسلاما دائمين ابدا. ما تعاقب الليل والنهار صلاة وسلاما دائمين ابدا عدد ما صلى عليه المصلون وعدد ما غفل عن الصلاة عليه الغافلون هكذا هو مقامه العظيم. اتاه الله ما لم يؤت احدا من العالمين. في الكرامة في المعجزة حتى في خصائص النبوة والرسالة وهو القائل اعطيت خمسا لم يعطهن احد من الانبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة تشهر واوتيت جوامع الكلم احلت لي المغانم ولم تحل لاحد قبلي وجعلت هي الارض مسجدا وطهورا وكان كل نبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس كافة. فضلا عن كثير من المعجزات التي خص بها والتي ستأتي في فصلنا الاتي في مجلسنا المقبل ان شاء الله تعالى فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم فيها متسع لذكر امور خص بها ومعجزات لم يؤتها غيره من النبيين عليهم الصلاة والسلام اجمعين قال اتاه ما لم يؤتي احدا من العالمين. كما قلنا في خصائص النبوة وفي دلائلها ومعجزاتها. واوتي ما لم يؤت احد من العالمين في الكرامة والمناقب التي فضل بها صلى الله عليه وسلم. فانه امام الانبياء. اما بهم في قصة في بيت المقدس وهو خاتم النبيين. ولم يجعل لاحد ختم النبوة سواه صلى الله عليه وسلم. اوتي الشفاعة العظمى يوم القيامة لم يؤتها احد واوتي المقام المحمود عليه الصلاة والسلام اوتي الوسيلة اوتي الفضيلة عليه الصلاة والسلام بيده لواء الحمد هو اول من ينشق عنه القبر؟ اول شافع واول مشفع صلى الله عليه وسلم في ابواب عديدة ليس هذا ايضا مقام في بيان ما اتاه الله عز وجل مما لم يؤت به احدا من العالمين. وكتاب الله سبحانه وتعالى حافل عاطر بتلك الفضائل التي خص بها والمناقب التي اوتيها عليه الصلاة والسلام. وفي الجملة فقد بلغ مكانة عند ربه حسا ومعنى حسا يعني في قصة المعراج ومعنى يعني في المناقب والمكارم لم يبلغها قبله ملك مقرب ولا نبي مرسل. صلوات الله وسلامه عليه هذا يا كرام للتأكيد على مقام عظيم يجب على الامة ان توقره لاجله صلى الله عليه وسلم اعظم التوقير المأمور به امته. قال لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه. هذه من مقاصد بعثته فان الله لاجل ذلك ارسله. اما قال سبحانه انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله اللام للتعليم وتعزروه وتوقروه فتعزيره يعني نصرته وتوقيره احترامه واجلاله وانما يبلغ المؤمن في مقام في توقيره صلى الله عليه وسلم المقام اللائق. والواجب المستحق اذا وقف على جوانب موجبات هذا التوقير والوقوف على مثل هذه الجمل في خصائصه وفضائله. بل انه صلى الله عليه وسلم اوتي ما لم يؤت احد من العالمين النبيين والمرسلين في شريعته التي بعث بها عليه الصلاة والسلام. فكانت شريعة سمحة غراء بل جاء حق قل واضح كلها احكامها فيها التيسير والتشريع فيه التخفيف. شريعته التي جاءت شاملة كاملة وافية صالحة لكل زمان ومكان. شريعة هي ايضا من خصائصه التي بعث بها عليه الصلاة والسلام الى الاولين والاخرين ختم المصنف رحمه الله تعالى هذا الفصل البديع على وجازته واقتصاره على جمل من اخلاقه العظيمة بهذا الحديث الصحيح الذي رواه الصحابي الجليل انس رضي الله عنه واخرجه الشيخان في الصحيحين قال ما مسست ديباجا ولا حريرا الين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا في وصف خلقته فان كفه عليه الصلاة والسلام كانت لينة لينة حسا ومعنى. اما الحس فهو هاوى يقول ما مسست ديباجا ولا حريرا الين والعبارة على ظاهرها واضحة على حقيقتها واما لينها المعنوي دين كف نبينا صلى الله عليه وسلم فبالبذل والعطاء والسخاء والجود انفق عليه الصلاة والسلام واعطى عطاء من لا يخشى الفقر كما قال الاعرابي اعطى عليه الصلاة والسلام عطاء حفظه التاريخ وسجلته الدواوين. قال ما مسست ديباجا ولا حريرا الين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا شممت رائحة قط اطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم هو الطيب المطيب عليه الصلاة والسلام. كان عرقه طيبا كان يجمع في في في قماش او قطن ثم يسلت يوضع في قارورة لتكون سكة طيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مضى انه مع طيب بدنه وعرقه وطيب رائحته عليه الصلاة والسلام فانه كان يحب الطيب يتطيب ولا يرد طيبا وكان من احب ما يهدى اليه الطيب وكان يضرب المثل في الطيب بالطيب ورائحة المسك حبا صلى الله عليه وسلم للطيب وقد طيبه الله ظاهرا وباطنا صلوات الله وسلامه عليه. ثم يقول انس رضي الله عنه ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط اف ولا قال لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم افعله الا فعلت كذا. هذه الجملة المشهورة جدا في تواضعه في كرم خلقه صلى الله عليه وسلم في حلمه وصفحه في ادب التعامل مع الخدم واهل البيوت في الرفق بالصغار فانس رضي الله عنه خادم. انس رضي الله عنه صبي صغير. انس رضي الله عنه في وحكم اهل البيت منذ ان اتت به امه رضي الله عنها الى النبي صلى الله عليه وسلم ليكون بين يديه خادما وقد وفقت اه رضي الله عنها وارضاها الى هذا الامر فكان انس رضي الله عنه اسعد صحابي بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يحكي هذه المدة التي قضاها عشر سنين. قال خدمته. ففي الجملة شرف ومنقبة لانس رضي الله عنه وارضاه. ثم في الجملة في تمامها خلق نبوي كريم ومعلم عظيم. قال فما قال قط اف ولا قال لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم افعله الا فعلت كذا. يعني لم يعاتب ولم يعقب صلى الله عليه وسلم. اما العتب فما قال لي اف قط هل هذا لان انسا رضي الله عنه طيلة السنوات العشر لم يصدر منه صنيع او فعل او تقصير او موقف قصدا او بغير قصد ان كان يبعث على التضجر من صنيعه والتذمر والتأفف بلى والله هو الغالب ليس سوء ظن بانس رضي الله عنه لكنه الشأن البشري الذي لا تخلو منه الحياة والخدمة مهما تفانى بها صاحبها يقع في تقصير ولابد فانها شيء جبلت عليه الحياة. لكن الامر ليس متعلقا بعصمة انس رضي الله عنه من الخطأ والتقصير بل امر يتعلق بعظمة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى لن اقول لك ما الذي فعلته مع خادم من خدمك؟ او موظف يعمل تحت امرتك عندما يقصر وانك لم تعاتبه يوما قط على مدى سنوات متتابعة بل عن اهل بيتك من اولادك البنين والبنات ممن تأمرهم وتنهاهم فيفرطون ويجهلون ويقصرون ويخطئون وكذا الزوجات واهل البيوت هل وجدت نفسك قد بلغت في الحلم والصفح والعظمة والتغاضي والاعراض انك لم تقل مرة اف تذمرا وتضجرا هذا مبلغ عظيم قد بلغه ربي الامة صلى الله عليه وسلم نذكره لنزداد حبا وتعظيما واجلالا وتوقيرا له صلى الله عليه وسلم لنزداد حبا نملأ به قلوبنا لشخصية عجزت البشرية ان تجد شبيها كاملا له عليه الصلاة والسلام نذكر ذلك ونكرره ونتدارسه لنحمل النفوس على الارتقاء باخلاقها والسمو بشمائلها لا نبلغ سقف ذلك قط لكننا نجاهد في الارتقاء قدر المستطاع وكل موفق وميسر بما يتهيأ له قال ولا قال لي شيء بشيء فعلته لما فعلته ولا لشيء لم افعله الا فعلت كذا. هذه الاشارة الى عدم المعاتبة قلنا قبل ليس فيها آآ معاتبة وهذه ليس فيها تعقيب فلا عتب ولا تعقيب امره ان يفعل الشيء او صدر منه فعل الشيء فلم يعاتبه تعقيبا لماذا فعلت ذلك ولا لشيء ترى او قصر فيه الا فعلت كذا؟ كان يكفيه ان يطلب عليه الصلاة والسلام ليمتثل انس رضي الله عنه وغيره من ال بيت نبينا عليه الصلاة والسلام في الامتثال واستقبال شأنه والقيام على حاجته عليه الصلاة والسلام. الحديث البديع الجميل ختم به المصنف رحمه الله تعالى هذا الفصل الكريم في خلق نبينا صلى الله وعليه واله وسلم وهو حديث من جملة احاديث عديدة في هذا السياق تأتي لذكر شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي لن تحصر. وقد افردت لها المصنفات ودونت لها الدواوين. لكنها غيظ من فيظ وفي ذلك قال ربنا عز وجل في ايات كثيرة يمدح بها مقامه ويثني بها على نبيه صلى الله عليه وسلم في مواضع عدة اوجزت في اية سورة القلم وانك لعلى خلق عظيم. وما اجمل قول امير الشعراء رحمه الله تعالى في وصف طرف من هذا الخلق النبوي الكريم يصف به سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وهو يقول قولوا يا من له الاخلاق ما تهوى العلا منها وما يتعشق الكبراء زانتك في الخلق العظيم شمائل يغرى بهن ويولع الكرماء فاذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الانواء واذا فقادرا ومقدرا لا يستهين بعفوك الجهلاء. واذا غضبت فانما هي غضبة في الحق لا ضغن ولا بغضاء. واذا رضيت فذاك في مرضاته ورضى الكثير تحلم ورياء يعني كثير ممن يبالغ في الصبر والحلم يفعل ذلك تحل من يعني تحاملا على الحلم او رياء في المواقف التي ترصدها الانظار. لكن نبينا صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله. قال واذا رضيت فذاك في مرضاته ورضا الكثير تحلم ورياء. واذا خطبت فلل هزة تعرو الندى وللقلوب بكاء. واذا قضيت فلا ارتياب كانما جاء الخصوم من السماء قضاء واذا حميت الماء. واذا حميت الماء لم يورد ولو ان القياصر والملوك ظماء. يعني عظمته صلى الله عليه وسلم يمضي امره وينفذ حكمه وقضاؤه واذا حمى حمى الماء لا يمكن ان يورد عليه مهما كان ابتغي الماء ولو كان قد بلغ الظمأ اولئك الكبراء من الملوك والقياصرة. قال واذا اجرت فانت بيت الله لم يدخل عليه المستجير عداء واذا ملكت النفس قمت ببرها ولو ان ما ملكت يداك الشاء واذا بنيت فخير زوج عشرة واذا تليت فدونك الاباء. واذا صحبت رأى الوفاء مجسما في بردك الاصحاب والخلطاء. واذا اخذت العهد او اعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء. واذا مشيت الى العيد فغضنفر واذا جريت فان النكباء وتمد حلمك للسفيه مداريا حتى يضيق بعرضك السفهاء في كل نفس من سطاك ولكل نفس في نداك رجاء. واذا رحمت فانت ام او اب. هذان في الدنيا هما الرحماء واذا خطبت واذا واذا اخذت العهد او اعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء. المصلحون اصابع جمعت يدا هي انت بل انت اليد البيضاء. يا ايها الامي حسبك رتبة في العلم ان دانت بك العلماء. الذكر اية ربك الكبرى التي فيها لباغي المعجزات غناء دين يشيد اية في اية لبنائه السور والاضواء الحق فيه هو الاساس كيف لا. والله جل جلاله البناء بك يا ابن عبدالله قامت سمحة بالحق من ملل الهدى غراء الله فوق الخلق فيها وحده والناس تحت لوائها اكفاء هذه اشارات يبدي فيها المحبون في الامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفحة من مشاعر نفوسهم تجاه هذه العظمة في اخلاقه الكريمة التي بسط بها على امته صلى الله عليه وسلم رداء من العظمة عاشت في اكنافها خير امة عظمة تظللت الامة في افيائها خير ظلال. فاستلهمت اسمى الاخلاق واشمى وواسنى السيم استلهمت الامة في ظلالها اسنى الاخلاق وارفع الشيم. هذه اخلاق عظيمة وسيرة عطرة بسطت ظلالها فغدت امتنا بفضل الله جل جلاله خير امة اخرجت للناس تتفيأ من ظلال اخلاقه الكريمة عليه الصلاة والسلام. معاني غزيرة وترتوي من نبعها المتدفق حتى تتعاقب الاجيال على هذا المورد العذب الزلال غضا طريا كما هو منذ ان بعث صلى الله عليه وسلم امة محمد عليه الصلاة والسلام هذه اخلاق نبيكم. هذه نبذة موجزة منها فاقبلوا عليها. ونشئوا عليها ناشئتكم وفتيانكم وفتياتكم فاننا ان فعلنا ذلك فاننا والله على خير والى خير. بمجتمعاتنا باخلاقنا بناشئتنا باجيالنا اللاحقة ان تنشأ على اكرم خلق واطهر سيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهما ابتغينا الصلاح لانفسنا والاصلاح في مجتمعاتنا. فلا شيء يعالج الاخلاق ويقوم اعوجاجها لا شيء. اسمى ولا اطهر ولا اسرع برءا لها. من مداواتها بهذا الخلق على صاحبه افضل الصلاة والسلام. اعلموا يا كرام اننا في توراث امتنا الاسلامي بين يدينا ثروة هائلة ومنجم خلقي كريم نحن بحاجة الى ان نكون اسعد الامم به واكثرها عناية واقبالا عليه واشتغالا به واستخراجا من كنوزه ما نتفيأ به طاف الامم السعيدة في حياتها الكريمة باخلاقها. لا يمكن والله ولا يليق بامة هذا نبيها. وهذا خلق الكريم عليه الصلاة والسلام لا يليق بها والله ان تنحدر في امور تنحط بها الاخلاق لدى اجيال اثرت فيها سفهاء البشر وغوغاؤهم وسفلتهم. والله لا يليق بامة هذا نبيها. وهذه اخلاقه العطرة ان تظل لمتسولة على موائد الامم تقتات منها الفتات. في الاخلاق المنحطة والقيم الرذيلة التي لا تليق بنا امة الاسلام فعودا حميدا الى هذه المائدة الكريمة من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي الخير كله والسعادة باسرها حياة الكريمة الطيبة. ثم اضيئوا ليلتكم وجمعتكم غدا بكثرة الصلاة والسلام عليه. صلى الله عليه وسلم ولنا في المجالس المقبلة حديث يتبع فيه السابق باللاحق حتى نتم الكتاب بعون الله. صلى عليك الله يا من حبه قد بصرك الباب بعد عماها صلى عليك الله يا من ذكره قد طيب الاسماع والافواه. فيا رب صلي وسلم وبارك عليه وارزقنا بالصلاة والسلام عليه على المراتب واسنى المقامات يا حي يا قيوم. اللهم انا نسألك علما نافعا وعملا صالحا ورزقا واسعا يا الجلال والاكرام وشفاء من كل داء. اللهم اجعل لنا ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا. ومن كل ضيق مخرجا. ومن كل بلاء عافية يا ارحم الراحمين. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل يا ربي وسلم وبارك على ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين