ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه وسلم كثيرا. اما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا ان موضوع الاسباب واتخاذها وحدود التعامل معها ظاهرا وباطنا من اهم ما على المسلم ان يتفقه فيه. ولا سيما في هذه الايام فكم المخطئون فيه الجانحون الى طرفي غلو او جفاء. واهل السنة والجماعة هم الذين وفقوا لسلوك مسلك الحق الوسط الموافق للنقل والعقل البريء من فرث الافراط ودم التفريط. وسأسوق لك ايها بعون الله خلاصة كلامهم فيه في عشر قواعد جامعة فارخي سمعك واستنصت الى كلمي القاعدة الاولى الله يقدر الاشياء باسبابها مع غناه عنها. فالله جل وعلا لحكمته يقدر الاشياء باسبابها وهو جل وعلا غني عن الاسباب والتسبب. لكنها حكمة له سبحانه. قال ابن القيم رحمه الله ولو تتبعنا ما يفيد اثبات الاسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة الاف موضع. ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ويكفي شهادة الحس والعقل والفطر. القاعدة الثانية ليس كل ما يحصل بسبب لا يحصل بدون اذا علمت ان الله يقدر الاشياء باسبابها. فاعلم ايضا انه ليس كل ما ترتب على سبب لا يحصل دونه بل قد يحصل بدونه. فالوالدان سبب وجود الولد والله قادر على ان يوجد الولد بلا كما اوجد ادم وحواء وعيسى وناقة صالح. والدواء سبب الشفاء. والله قادر على ان يشفي بلا وهذا دليل على ربوبية الله وعظمته. فلا تتعلق القلوب بسواه. القاعدة الثالثة مصالح الدنيا والاخرة مرتبطة بالاسباب فلابد من تحصيلها. فالله جل وعلا قدر المقادير وهيأ لها اسباب وهو الحكيم العليم بما نصبه من الاسباب في المعاش والميعاد. فاذا علم العبد ان مصالح دنياه واخراه مرتبطة بالاسباب الموصلة اليها كان اشد اجتهادا في فعلها والقيام بها. قال صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. فالله قدر الخير والشر واسباب كل منهما في دفع قدر الجوع بقدر الاكل. ويدفع قدر العطش بقدر الشرب. ويدفع قدر المرض والوباء بقدر العلاج والوقاية ويدفع قدر البرد بقدر اللبس. ويدفع قدر الاعتداء بقدر الدفاع يدفع قدر الذنب بقدر التوبة والطاعة. فيفر العبد من قدر الله الى قدر الله. ولا قيام لمصالح في هذا الكون الا بهذا وهذا باب واسع لمشاهدة حكمة الله تعالى وكمال ربوبيته واتصافه بالعدل واللطف والرحمة. القاعدة الرابعة السبب مؤثر وليس علة تامة ولا امارة محضة؟ فاهل السنة متوسطون بين هذين الاعتقادين فليس السبب علة مستقلة بايجاد المعلول فهذا من اعظم البهتان وليس في المخلوقات علة تامة صدر عنها شيء بل ذلك لا يكون الا عن مشيئة الله خلقه كما ان السبب ليس امارة محضة ان يحصل الشيء عنده لا به كما يقوله من يقوله من المتكلمين وصدق فيهم قول من قال من اهل العلم تكلم قوم في نفي الاسباب فاضحكوا اهل العقول على عقولهم السكين في قولهم حصل القطع عندها لا بها. وهذا باطل دون شك. بل السبب له اثر في حصول المسبب ولكنه ليس اثرا مستقلا ولا وجود لسبب مخلوق يؤثر تأثيرا مستقلا. القاعدة الخامسة سببية الاشياء ليست ذاتية. شأن جميع الاسباب التي جعلها الله سبحانه اسبابا انها اسباب لكن بمشيئة الله جل وعلا فهو الذي جعل السبب سببا. ولو شاء سبحانه ان يبطل سببيته لفعل فانه على كل شيء قدير ولا راد لحكمه. ولذا لم تكن النار محرقة لابراهيم عليه السلام لما شاء الله ان يسلب النار التأثير. فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وعليه فلا تتعلق القلوب بشيء من الاشياء سواه البتان. القاعدة السادسة وجود السبب لا يوجب حصول المسبب. لا يؤثر سبب البتة الا بانضمام سبب اخر او اسباب اليه فتعاونه وتشاركه. ولابد ثانيا من تحقيق شروط تأثير سببي في المسبب ولابد ثالثا من انتفاء المانع فمع وجوده لا يحصل للسبب تأثير. وكل هذا مرتبط بمشيئة فهذا شأن الاسباب مع مسبباتها. فكل سبب مهما علا فغايته عند التحقيق ان هنا جزء سبب غير مستقل بالتأثير. ولا يستقل بالتأثير وحده دون توقف تأثيره على غيره الا الواحد سبحانه فهو الذي بيده الحول كله والقوة كلها ومن اعتقد ان سببا يؤثر استقلالا عن مشيئته الله فقد اشرك وهذا برهان قطعي. على وجوب ان ينخلع من القلب كل تعلق بغير الله. وان تعلق الرجاء والخوف بغير الله مهما علت رتبته باطل فانه لا حول ولا قوة الا بالله. القاعدة السابعة لا يستقل بالايجاد والتأثير الا رب العباد سبحانه. فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فمشيئته هي الموجبة للاشياء على الحقيقة فان جميع الاسباب تتسلسل الى ان تصل الى الموجب للاشياء على الحقيقة وهو مشيئة الله جل وعلا. القاعدة الثامنة التوكل هو ترك الاعتماد على الاسباب بعد بذلها فالتوكل اذا يجمع هذين الامرين بذل السبب والاعتماد على الله. او هو كما قيل اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب. اي هو حركة لا تسكن بفعل الاسباب. وسكون الى المسبب سبحانه ركون اليه واعتماد عليه. فلا يضطرب قلبه معه. احرص على ما ينفعك واستعن بالله. ولا تعجز والحرص بذل المستطاع في حدود ما ابيح فما على العبد الا القيام بالاسباب والاعتماد بالقلب على المسبب وتفويض الامر اليه. فوض الامر اليه هو اولى بك منك فاللهم ارزقنا التوكل عليك حق التوكل. اقول هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه. ان ربي غفور رحيم. الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. ما لك يوم الدين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك شريك له واشهد ان نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه اجمعين. اما بعد فالقاعدة التاسعة اهمال الاسباب ليس مشروعا. يظن بعض الناس انهم اذا تركوا بذل الاسباب انهم بهذا يكونون متوكلين وهذا غلط محض. فليس هذا من التوكل الشرعي. انما مخالفة لسنة الله وسنة الله الكونية ومعارضة لحكمته. كما انه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي اصحابه فسيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم لبس في جهاده المغفرة والدرع وحفر الخندق وكان يرصد لاهله قوت سنة وقال فر من المجذوم كما تفر من الاسد. هذا وهو اعظم الناس توكلا واعتمادا على ربه صلى الله عليه وسلم. واذا كانت الشريعة قد جاءت باتخاذ الاسباب فتركها قدح فيها. واذا كان من حكمة الله ان ربط المسببات باسبابها فالقدح في الاسباب قدح في حكمة الله. كما انه تعطيل لامر الله وشرعه. لانه سبحانه امر بفعل الاسباب الدينية والدنيوية النافعة. والتوكل كما سبق حقيقة مركبة من امرين من فعل السبب بالجوارح وتفويض بالقلب. والقوم قد اخطأوا حين ظنوا ان كون الاشياء مقدرة يمنع كونها مرتبطة باسبابها فالله قدر الاشياء باسبابها فقدر السفر وقدر ان يكون بالترحال وقدر الري وقدر ان يكون الري بالشر وقدر الولد وقدر ان يكون الولد بالزواج وعليه فمن اراد المسبب فعل لابد من ملاحظة الامرين ان الله قدر الاشياء وانه يربط الاشياء باسبابها على انه يقال ان دعوى التخلي عن الاسباب لا يمكن لاحد طردها البتة. فترك الاسباب مطلقا مستحيل عقلا وشرعا ان وحسا ومن ادعى ترك الاسباب مطلقا فهو كاذب في دعواه انما هو تارك لبعض الاسباب لشبهة او هوى وفاعل لاسباب اخرى كثيرة. اليس يتنفس ويأكل ويشرب؟ فالحق الذي لا ريب فيه ان الدين هو اثبات الاسباب والوقوف معها والنظر اليها ولا دين الا بذلك. ولا يتم اسلام الا بذلك فاسعد الناس في الدارين اقومهم بالاسباب الموصلة الى مصالحهما. واشقاهم في الدارين. اشدهم لاسبابهما فبالاسباب عرف الله وبها عبد. وبها تقرب اليه المتقربون. وبها نال اولياؤه رضاه وبها نصر حزبه وبها ان قسم الناس الى سعيد وشقي. فقف عبد الله مع الاسباب حيث امرت بالوقوف وفارقها حيث امرت بمفارقتها. واحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. تكن من المفلحين قال اهل العلم انكار ان تكون الاسباب اسبابا بالكلية قدح في الشرع والحكمة والاعراض عنها مع العلم بكونها لا اسباب نقصان في العقل وتنزيلها منازلها ومدافعة بعضها ببعض وتسليط بعضها على بعض هو ذو العبودية والمعرفة واثبات التوحيد والشرع والقدر والحكمة. القاعدة العاشرة الاعتماد على الاسباب في التوحيد ان من لباب التوحيد ان ترى الامور كلها من الله تعالى رؤية تقطع الالتفات الى الاسباب فلا ترى الاشياء الا منه خلقا وتقديرا. فهو الخالق المدبر مالك الملك. فلا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن الا بتقديره وهذا المقام يثمر التوكل على الله والرضا عنه والتسليم لحكمه. اما قصر النظر على الاسباب المحسوسة نقص في الايمان وضعف في التوحيد. وهذا حال كثير من الناس. فمتعلق قلوبهم الاسباب المحسوسة. لا سيما مع طغيان المادية وضعف معرفتهم بالله ونعوت جلاله وعظيم سلطانه. وكم ينسب هؤلاء نعمة الله الى غيره يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها اما الموحد الصادق فانه اذا فعل ما فعل من الاسباب كان مشاهدا ان الله هو الذي خلقها وقدرها وسخرها وان كل ما في السماوات والارض فالله ربه ومالكه وخالقه ومسخره وهو مفتقر اليه. ان المؤمن من الاسباب الى مسببها ولا يتعلق قلبه بها. انه وان كان يتعاطاها فبجوارحه. اما قلبه فمتعلق بمن بيده ملكوت كل شيء. ولذا فلا حظ في قلبه لها بحيث يركن اليها او يعتمد عليها فهذا الذي حقق واياك نستعين. قال بعض العلماء الالتفات الى الاسباب شرك في التوحيد. ومحو الاسباب ان دون اسباب النقص في العقل والاعراض عن الاسباب بالكلية قدح في الشرع. وانما التوكل المأمور به ما يجتمع فيه مقتضى التوحيد والعقل والشرع. ان الموحد المتوكل لا يلتفت الى الاسباب. اي لا يطمئن بها ولا يثق بها ولا يرجوها ولا يخافها وان كان لا يهملها ولا يلغيها. لكن ليس فيه اضطراب من تشويشها. ولا سكون اليها. انما قصر فيها فصعد منها الى مسببها. فخلع السكون اليها من قلبه. والبسه السكون اليه. وتعلق يريدونها وعلم انها لا تضر ولا تنفع ولا تعطي ولا تمنع وانه اذا شاء جعل نافعها ضارة وضارها وداءها دواء. فالالتفات الى الاسباب عباد الله نقص في التوحيد. وشرك يرق ويغلو وبين ذلك فان العبد متى التفت الى غير الله اخذ ذلك الالتفات شعبة من قلبه فنقص من توكله على الله بقدر ذهاب تلك الشعبة. فالتوحيد والتوكل لا يتم الا برفض الاسباب عن القلب. وتعلق الجوارح بها فيكون منقطعا منها متصلا بها. يأتي بها اتيان من لا يرى النجاة والوصول الا بها. ويتوكل على الله الله توكل من يرى انها لا تنجيه ولا تحصل له فلاحا ولا توصله الى المقصود. فيجرد عزمه للقيام بها حرصا واجتهاد ويفرغ قلبه من الاعتماد عليها والركون اليها. فلا توكل الا عليه سبحانه. ولا التجاء الا اليه ولا خوف الا منه ولا رجاء الا فيه ولا ملجأ ولا منجى منه الا اليه. فمن جمع بين هذا التوحيد بين اثبات الاسباب استقام قلبه على السير الى الله. ووضح له الصراط المستقيم الذي مضى عليه رسل الله واتباعه عبد الله احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فالدين كله ظاهره وباطنه رائعه وحقائقه تحت هذه الكلمات النبوية والتوفيق بيد الله. اللهم صل على محمد وازواجه وذريته كما صليت على ال ابراهيم وبارك على محمد وازواجه وذريته كما باركت على ال ابراهيم انك حميد مجيد