الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير احمده سبحانه على ما اسداه واولاه من الانعام والاكرام والخير الكثير واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولا ولد ولا ظهير واشهد ان محمدا عبده ورسوله فالسراج المنير والبشير النذير اللهم صلي على عبدك ورسولك محمد وعلى اله واصحابه ومن على سبيله الى الله يسير وسلم تسليما كثيرا اما بعد فيا ايها الناس اتقوا الله حق تقواه وسارعوا الى مغفرته ورضاه فقد خلقكم لامر عظيم وهيئكم لشأن جسيم خلقكم لمعرفته وعبادته وامركم بتوحيده وطاعته واخذ على هذا مواثيقكم ورتهن بحقه نفوسكم ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون ويكتبون ما تعملون عباد الله هذا حديث عن القلوب القلب مضغة صغيرة الحجم جليلة الخطر شأن القلب عباد الله شأن عظيم فهو محل نظر ربنا سبحانه وتعالى وعليه المعول في الصلاح والفساد والسعادة والشقاوة فهنيئا لمن جاء ربه يوم القيامة بقلب سليم عبدالله ان القلوب لها انواع واحوال لها صحة واعتلال ويقظة وغفلة وحياة وموت ولذة والم وفاقة وغناء وامور سوى هذه كثيرة والفقه في شؤون القلوب باب شريف من ابواب العلم قل من يتفطن له ومن هذا ان تعلم ان القلب اذا امتلأ بشيء لم يبق فيه متسع لغيره القلب ليس له الا وجهة واحدة اذا مال بها الى جهة لم يمل الى غيرها. قال تعالى ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فبقدر ما يدخل القلب من هم وارادة وحب يخرج منه هم وارادة وحب يقابله فهو اناء واحد والاشربة متعددة فاي شراب ملأه لم يبقى فيه موضع لغيره القلب اذا انصرف الى شيء انصرف عما سواه بحسب قوة جذابه الى هذا واعراضه عن هذا فاذا شغل بشيء من فتن الدنيا وشهوات النفس فاستولى على قلبه فهو حينها قد ضيع حقه وفاته النظر فيما ينفعه فهو في هذه الحال كالعين الناظرة الى وجه الارض لا يمكنها ان ترى ما امامها فمن اراد صفاء قلبه وصلاحه فليؤثر الله على شهوته فان القلوب المتعلقة بالشهوات المحجوبة بالشبهات هي محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها وكمال الحب في ان يحب العبد ربه عز وجل بكل قلبه وما دام يلتفت الى غيره فزاوية من قلبه مشغولة بهذا الغير. فبقدر ما يشغل قلبه بغير الله. ينقص منه حب الله عبد الله اعلم ان القلوب اذا تعوضت عن المشروع بغير المشروع وعن الحق بالباطل فترت عن الرغبة في الحق والمشروع وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم فنقص بسبب ذلك تأثيرها في القلوب فخسرت بهذا خسرانا مبينا واعظم من هذا ان من اعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية لمخلوق ومحبته وخدمته قال تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين من عظم خوفه من غير الله قل خوفه من ربه ومن كثرت المحبوبات دون الله في قلبه نقصت محبة الله في قلبه فعلى العاقل ان يجاهد نفسه فيفرغ قلبه من الاشتغال بالباطل والفكر فيه وان يسعى في ان يمحوه من نفسه كلما خطر له فلا يلتفت اليه فضلا عن ان يملأ قلبه به. فهذا من انفع الادوية في صلاح القلوب. واقوى الاسباب المعينة على دفاع الشرور عنها عبد الله ان اجتماع القلب على الله وطمأنينته به وسكونه اليه بلا منازع ولا جاذب ولا معارض هو صحته وحياته ونعيمه وهذا باب عظيم. هذا باب عظيم النفع. لا يلقاه الا اصحاب النفوس الشريفة والهمم العلية وهل شيء اعظم وهل شيء اعظم من قلب اثر ربه ومرضاته؟ على هواه وشهوته ودواعي طبعه فهو هارب الى ربه من بين تلك الجيوش ومقبل عليه في تلك الزعازع والاهوية ولتعلم يا عبد الله ان ثواب هذه الحال ان ثواب هذه الحال معجل في الدنيا قبل الاخرة فانه اذا اصبح القلب وامسى وليس همه الا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها عنه كل ما اهمه وفرغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته اما اذا اصبح وامسى والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها وانكادها ووكله الى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق ولسانه عن ذكره بذكرهم وجوارحه عن طاعته بخدمتهم واشغالهم فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره. ويبلي جسده في نفع غيره عبدالله القلب ملك والجوارح جنوده ورعيته المنقادة لامره فاذا صلح الملك صلحت رعاياه واذا فسد الملك فسدت قال ابو هريرة رضي الله عنه القلب ملك وله جنود. فاذا صلح الملك صلحت جنوده. واذا فسد الملك فسدت جنوده واذا كان الجسد تابعا للقلب فلا يستقر شيء في القلب الا ظهر مقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه ولا يمكن ان يتخلف البدن عما يريده القلب ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح لها سائر الجسد واذا فسدت فسد لها سائر الجسد الا وهي القلب عبد الله اعلم ان في القلب فاقة عظيمة وضرورة تامة وحاجة شديدة لا يسدها الا فوزه بمعرفة الغني الحميدي سبحانه وعبادته فهذا ان حصل للعبد حصل له كل شيء. وان فاته فاته كل شيء واذا استيقن العبد بهذا تبين له ان الفقر الى الله عز وجل هو عين الغنى. فكمال الغنى به هو كمال عبوديته وحقيقة العبودية كمال الافتقار اليه من كل وجه وهذا الافتقار هو عين الغنى به فافقر الناس الى الله اغناهم به واذلهم له اعزهم واضعفهم بين يديه اقواهم فكما انه سبحانه الغني بذاته على الحقيقة ولا غني سواه فالغني به هو الغني في الحقيقة ولا غنى بغيره البتة فمن لم يستغن به عما سواه تقطعت نفسه حسرات ومن استغنى ومن استغنى به زالت عنه كل حسرة وحضره كل سرور وفرح. واما الغنى بغيره فعين الفقر فانه غنى بمعدوم فقير. والفقير كيف يستغني بفقير مثله؟ ان من لم يستغني قلبه بالله ففقره بين عينيه ولا يزال خائفا من الفقر لا يستغني قلبه بشيء ولا يشبع من الدنيا ولا يغنيه ما كثر له منها وانما يضر نفسه قال ابن رجب رحمه الله ولهذا قال الامام احمد وابن عيينة وابن وهب وجماعة من الائمة. ان الفقر الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم هو فقر النفس انتهى كلامه رحمه الله يا غنيا بالدنانير محب الله اغنى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم انما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب. وقال صلى الله عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرب ولكن الغنى غنى النفس ان حقيقة غنى القلب تعلقه بالله وحده وحقيقة فقره المذموم تعلقه بغيره واذا اغنى الله القلب صح سيره اليه وقطع تعلقه بغيره ولم يقصد سواه واكتفى به واستغنى عما سواه واستوحش مما يقطعه عنه ولا سبيل لغنى القلب الا بتحقيق العبودية المحضة التي هي اعظم خلعة تخلع عليه فاذا استغنى القلب بهذا الغنى استغنت النفس غنا يناسبها وذهب عنها كسلها واخلادها الى الارض وسقيت بماء الحياة الذي انزله الله عز وجل على قلوب انبيائه فانبتت من كل زوج كريم. واذا من الله على عبده بغنى قلبه فاي فقر يخشى وقد فاز بهذا الحظ الجليل واي غنى فاته حتى يلتفت اليه عبد الله ان القلب لا يستغني الا بالله تعالى فان الانسان خلق محتاجا الى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره ونفسه مريدة دائمة ولابد لها من مراد يكون غاية مطلوبها فتسكن اليه وتطمئن به. وكل مألوف سواه سبحانه يحصل به الفساد. لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا ولا يحصل صلاح القلوب الا بعبادة الله وحده والاستعانة به فهو مفتقر اليه الها ومفتقر اليه ربا. فلا حول ولا قوة الا بالله. ولا ملجأ منه الا اليه ولا اله غيره والعبد اذا لم يكن مخلصا له الدين عبد غيره واشرك به عبادة واستعانة فاللهم اغننا بك ولا تكلنا الى انفسنا طرفة عين اقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ان ربي غفور رحيم الحمد لله الذي فتح لاوليائه ابواب الخيرات واسبغ عليهم الهبات والمبرات وخذل المعرضين عنه فبقيت قلوبهم في الظلم والضلالات واشهد ان لا اله الا الله فاطر الارض والسماوات الغني بذاته المغني لجميع المخلوقات واشهد ان محمدا عبده ورسوله اكمل البريات اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اولي الفضائل والمكرمات اما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا ان السعادة مقرونة بتزكية القلب وجودا وعدما فما اصغر النفوس واهلكها مثل معصية الله وما كبرها وشرفها واسعدها مثل طاعة الله قال تعالى ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والزكاة هنا هي العمل بما يزكي النفس ويطهرها وهو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اتي نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها والناس يوم القيامة اثنان مجرم او متزك قال تعالى انه من ياتي ربه مجرما فان له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى. ومن يأتيه مؤمنا قد عمل الصالحات فاولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. وذلك جزاء من تزكى الزكاة هي النماء والزيادة في الصلاح فالقلب يحتاج ان يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح ويفلح كما يحتاج البدن ان يربى بالاغذية المصلحة له فزكاة القلب مثل نماء البدن واكثر الناس اكثر الناس يسعون ليلهم ونهارهم في العناية بابدانهم واصلاحها وتغذيتها ودفع الافات والامراض عنها. واكثر هم مع الاسف لا يبذلون بعض هذا الجهد في العناية بقلوبهم وتغذيتها واصلاحها ومداواتها من امراضها مع ان شأنها والله اعظم فانها محل نظر ربهم وعليها مدار سعادتهم او شقائهم قد افلح من زكى وقد خاب من دساها. قال صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينظر الى اجسادكم ولا الى صوركم ولا ينظر الى قلوبكم واشار باصابعه الى صدره صلى الله عليه وسلم. فالحاجة عباد الله الى زكاة القلب اعظم من الحاجة الى زكاة البدن. واذا لم يغفل الانسان او ينسى ان يتناول وجبة بل وجبات طعامه التي تقوت بدنه يوميا فعليه الا يغفل ولا ينسى ان يتناول ما يقيت قلبه ويزكيه يوميا. فالقلب بحاجة الى ما يزكيه كما يتغذى البدن بما ينميه. والا كان الهلاك والتوحيد عباد الله هو الحبل الاوثق والسبب الاعظم لتزكية القلوب ونمائها. قال تعالى عن موسى عليه السلام في دعوته فرعون الى التوحيد فقل هل لك الى ان تزكى واهديك الى ربك فتخشى؟ فلا تزكية ولا طهارة الا بالتوحيد. والضد بالضد قال تعالى انما المشركون نجس وقال تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة قال اكثر مفسرين الزكاة ها هنا التوحيد. فالنفس ليس لها نجاة ولا سعادة ولا كمال. الا بان يكون الله وحده محبوبا ومعبودها ولا احب اليها منه ولا اثر عندها من مرضاته والتقرب اليه والصلاة عباد الله اعظم اسباب زكاة القلب بعد التوحيد. قال تعالى قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى. فهي قوت القلوب وسبب صلاحها وكمالها هذا اذا كانت صلاة ذات خشوع مؤداة على الوجه المرضي. واذا كان الجسد لا يتغذى باليسير من العقل لا يتغذى باليسير من الاكل. فالقلب لا يقتات بالنقر في الصلاة بل لا بد من صلاة تامة تقيت قلبه وما اقل من يتنبه الى هذا عبد الله انه لا لذة ولا نعيم اطيب من سلامة القلب. وهل العيش في الحقيقة الا عيش القلب السليم لقد اثنى الله سبحانه وتعالى على خليله ابراهيم عليه السلام بسلامة قلبه فقال وان من شيعته لابراهيم اذ جاء ربه بقلب سليم وقال حاكيا عنه انه قال يوم لا ينفع مال ولا بنون. الا من اتى الله بن سليم فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا وفي جنة في البرزخ وفي جنة يوم المعاد وهو الذي ضمن له النجاة من عذابه والفوز بكرامته القلب السليم هو الذي اسلم وسلم واستسلم اسلم لله وسلم مما يقطعه عنه وسلم لقضائه وسالم اولياءه واستسلم لشرعه القلب السليم هو الذي سلم من كل افة تبعده عن الله. ومن كل ارادة تزاحم مراده ومن كل قاطع يقطعه عنه القلب السليم هو الذي حقق التوحيد فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى الا من اتى الله بقلب سليم قال شهادة ان لا اله الا الله فهو سليم مما سوى الله وامره لا يريد الا الله ولا يفعل الا ما امره الله فالله وحده غايته وامره شرعه وسيلته وطريقته. القلب السليم هو الذي سلم للوحي فلم تبق فيه منازعات لامر. ولا لخبر تلقى احكام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسالمة. فلم يعارضها برأي ولا قياس ولا تقليد. ولا رأى الى خلافها سبيلا البتة انما هو الانقياد المحض والتسليم والاذعان والقبول القلب السليم هو الذي استسلم لقضاء ربه فلم يتهمه ولم ينازعه ولم يتسخط اقداره القلب السليم هو النقي من الغل والبغل الخالص من الغش والحقد والحسد. يضمر للمسلمين كل خير ونصح. ويغلب على قلبه حسن الظن بالمؤمنين في كل لما امكن فيه العذر قد سالم اولياء الله وحزبه المفلحين وعاد اعداءه الضالين المخالفين يا من يحدث نفسه بدخول جنات النعيم ان كنت متقيا فانت على الصراط المستقيم لا ترجون سلامة من غير ما قلب سليم فاسلك طريق المتقين وظن خيرا بالكريم اللهم اتي نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها. اللهم انا نعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها. اللهم وفق اولي امرنا لصالح القول والعمل وارزقه بطانة صالحة ناصحة. اللهم ولي على المسلمين خيارهم واصلح قادتهم. ربنا هب لنا من لدنك رحمة. وهيئ لنا من امرنا رشد سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين