بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمسلمين. قال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى. باب قول الله تعالى يشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون. ولا يستطيعون لهم نصرا ولا انفسهم ينصرون. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى اله واصحابه مسلما تسليما كثيرا اما بعد فان المؤلف رحمه الله بعد ان اورد بعضا من انواع الشرك التي تنفض التوحيد او تقدح فيه اعقب بذكر دلائل وبراهين لهذا التوحيد واعقب ردا على المشركين في اشراكهم بالله عز وجل في وهذا الباب والذي يليه هو في هذا اعني في ذكر دلائل على التوحيد والتوحيد اعني توحيد العبادة قد كثرت وتنوعت دلائله في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن دلائله النقل في جملة كبيرة من النصوص يا ايها الناس اعبدوا ربكم واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ودلائل عقلية نقلية ولها انواع في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما بوب له الشيخ رحمه الله من الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الالوهية. فتوحيد الربوبية دليل على توحيد الالوهية. وجل ايات الكتاب التي جاءت في توحيد الربوبية انما سيقت لاجل ان تكون دليلا على توحيد الوهية وهذا كثير. كما في قول الله عز وجل يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم الذين من قبلكم لعلكم تتقون الى اخر السياق فكان توحيد الربوبية دليلا على توحيد الالوهية. وكما في قوله تعالى ان الهكم لواحد السماوات والارض وما بينهما ورب المشارق. فهو اله واحد لانه رب هذه الاشياء وكما في ايات سورة النمل تلك الايات العظيمة. قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير ام ما يشركون؟ امن خلق السماوات والارض وانزل لكم من السماء ماء فانبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم ان تنبتوا شجرها االه مع الله؟ بل هم قوم يعدلون. امن جعل الارض قرارا وجعل خلالها انهارا. وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا. اإله مع الله بل اكثرهم لا يعلمون. امن يجيب المضطر اذا دعاه. ويكشف السوء. ويجعلكم خلفاء الارض اله مع الله قليلا ما تذكروه. الى اخر السياق. فتلاحظ ان هذه الادلة الكثيرة فيها تقرير افراد الله عز وجل بالعبادة لانه المتفرد بتوحيد الربوبية فهو الخالق وحده وهو الرازق وحده وهو المحيي وحده وهو المعطي وحده وهو المميت وحده وهو الذي يضر وحده وهذا القدر قد اقر به المشركون في الجملة كما سبق الحديث عن هذا سابقا فكانوا اذا سئلوا عن شيء من هذه الانواع انواع افعال الربوبية ولئن سألتهم من خلقهم ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض الى اخره تجد جوابهم هو افراد الله ليقولن الله واذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين يتجهون الى الهة يعتقدون انها مملوكة لله عز وجل. كما في صحيح مسلم من حديث ابن عباس في ذكر تلبية المشركين. لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك. فهذا كله يدلك على ان المشركين كانوا يقرون بهذا النوع. ولاجل هذا كثر في النصوص الاستدلال به على ما انكروا وهو توحيد العبادة. ايضا من ادلة توحيد العبادة الادلة العقلية النقلية الاستدلال بنقص الهة المشركين وهذا ما اورده المؤلف ايضا في هذا الباب. فيستدل بكون هذه الاية التي تقصد من دون الله والتي جعلت شريكة مع الله يستدل بكونها ناقصة على ان التوحيد الحق انما هو لله سبحانه وتعالى. وهذا في نصوص كثيرة آآ سيأتي الكلام عنها ومنها ما لم يرده المؤلف وهو كثير. قال تعالى افمن يخلق كمن لا يخلق افلا تذكرون؟ وقال ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا فلان الطعام اذا هو بشر وامه كذلك بدليل احتياجهم الى الطعام اذا لما كان عيسى عليه السلام بشر ومحتاج الى غيره اذا لا يصلح ان يكون الها قال تعالى يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له. ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب. فاذا كانت هذه الالهة التي يشرك بها من دون الله عز وجل. ناقصة فعبادتها اذا باطلة ببدائه العقل. ولذلك الله عز وجل بين ان هؤلاء المشركين انما يتبعون اهواءهم بل اتبع الذين ظلموا اهواءهم بغير علم. فهم انما اشركوا لانهم فارقوا الحق واتبعوا الاهواء. ايضا من دلائل تقرير التوحيد. ضرب الامثال. كما في هذه الاية السالفة وغيرها آآ في كتاب الله عدد من الايات فيها الاستدلال بضرب مثال على تقرير توحيد الالوهية. اذا تلاحظ ان الادلة على توحيد الالوهية كثيرة منها ما يتعلق بتوحيد الربوبية ومنها ما يتعلق ببيان نقص الهة المشركين ومنها ما يتعلق بضرب الامثال ومنها ما يتعلق بتوحيد الاسماء والصفات بما ان الله عز وجل له الكمال المطلق في صفاته ونعوت جلاله اذا هو المستحق للعبادة. وهذا ما سيأتي الحديث عنه ان شاء الله في الباب القادم. اذا آآ كثرة الادلة على التوحيد من ابلغ ما يكون في تقريره وفي المحاجة على المشركين. وهذا مما ينبغي ان يعتني به الداعية الى التوحيد فينوع اه يجعل الادلة على التوحيد متصرفة يعني في انواع متعددة ولا يسوق فقط نوع واحدا بل ينوع في الاستدلال ليكون هذا ابلغ. ويكون ادعى الى القبول بوب المؤلف رحمه الله على هذا الباب بالاية لانها ابلغ في الدلالة على ما قصد في هذا الباب. فقال تعالى ايشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون. ولا يستطيعون لهم نصرا ولا انفسهم ينصروه. هذا الاستفهام في قوله ايشركون هو استفهام تقريع توبيخ الله عز وجل يوبخ هؤلاء المشركين كيف تعبدون جهة لا تخلق بل هي مخلوقة. ولا تستطيع ان تقدم لكم نصرا اذا احتجتم الى ذلك بل هي في انفسها لا تستطيع نصر انفسها اذا ما اخسر صفقة اولئك العابدين لها. وقوله ايشرك ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون. تلاحظ انه قال يخلق على الافراد ويخلق على الجمع. قال اهل العلم ان الضمير في قوله يخلق عائد الى ما طوله باعتبار لفظها. ويخلقون الجمع هنا انما كان لان الضمير عائد الى ما باعتبار معناها. فان ما هنا لفظها مفرد لكن معناها يشمل سائر الالهة التي جعلت مع الله عز وجل وهي كثيرة. فهذا هو وجه الافراد والجمع والمقصود ان الله عز وجل بين ان هذه الالهة التي دعيت مع الله عز وجل فاقدة لاربعة امور. مما يجعلها غير مؤهلة لان تعبد. فهي اولا آآ ايشركون ما لا يخلق شيئا. اولا هي لا تستطيع ان تخلق. فاقدة لان تخلق. صفة الخلق مفقودة فيها. وثانيا هي في نفسها مخلوقة. وما كان مخلوقا لا يصح في العقل ان يكون معبودا. بل الذي خلق هذا المخلوق هو الاولى بالعبادة ثالثا انها لا تستطيع ان تنصر عابديها. فما فائدة عبادتها اذا انما يقصد العابد بالتوجه الى معبوده لاجل ان يحصل من ذلك نفعا ويدفع من ذلك عنه فاذا كانت هذه لا تستطيع نصرا لعابدها الذي توجه اليها فعبادتها اذا ضرب من السفه ولاحظ انه قال ولا يستطيعون لهم نصرا ما قال ما ينصرون لانه قد يقول قائل انهم قادرون على ان ينصروا لكن لا يريدون. لكن الله عز وجل بين انهم لا يستطيعون اخلى ان ينصروا هؤلاء العابدين. ثم قال ولا انفسهم ينصرون. الامر الرابع انهم لا يستطيعون ان يدفعوا عن انفسهم النصر. فضلا عن ان يدفعوا عن غيرهم. اذا هذا فيه ابلغ ما يدل على ان عبادتهم عبادة باطلة وهذا مما يدركه كل عاقل. هذه الاصنام التي كان يتوجه اليها المشركون كانت لا تستطيع ان تدفع عن نفسها شيئا. ولذلك لما ظهر الحق واظهر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بعث النبي صلى الله عليه وسلم من اصحابه من يهدمها ومن يكسرها وما استطاعت ان تدفع عن نفسها شيئا. اذا هي الهة عبادتها باطلة ولا تستحق ان تعبد مع الله عز وجل هذه الاية فيها فوائد مهمة يحتاجها طالب العلم اولا في قوله ايشركون هذه الاية دلت على ان الشرك يكون في العبادة لان السياق دال على ذلك. فهو في مقام محاججة مشركين الذين يقرون ان الله عز وجل هو الخالق. واذا كان الامر كذلك فالشرك ها هنا انما هو شرك في العبادة. وبالتالي يرد بهذه الاية على الذين يزعمون ان الشرك انما يتعلق بالربوبية. وعليه فالمشرك هو الذي يعتقد ان غير الله او ينفع او يضر او يحيي او يميت. اذا كان الانسان يعتقد افراد الله بذلك فهو الموحد. وان توجه لغير الله وان دعا وان نذر وان ذبح لغير الله عز وجل فهو موحد. لانه اعتقد ان التأثير لله سبحانه وتعالى وحده في هذا الكون. فهذه الاية ترد على ذلك. فانها اثبتت الشرك لهؤلاء والشرك وها هنا قطعا في العبادة. ثم في قوله ما لا يخلق شيئا. ما هنا الموصولة تفيد العموم. فيدخل في عمومها سائر الاشياء. سوى الله عز وجل. فالانبياء والصالحون والاولياء والملائكة والجن والاصنام والاشجار كلها داخلة في قوله ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا انفسهم ينصرون. هذا وصف منسب منطبق على سائر المخلوقات. وهذا فيه رد على القبوريين الذين يزعمون ان النصوص التي جاءت في النهي عن الشرك انما توجهت الى المشركين الذين يعبدون الاصنام والاحجار والاشجار فقط. وبالتالي فلا تتوجه الى من يقصد نبيا او يقصد ولي او يقصد صالحا. فيقال لهم هذه الاية وصفها منطبق على كل احد حتى الانبياء هل يستطيع الانبياء ان يخلقوا شيئا؟ سيقولون لا. هل هم مخلوقون؟ سيقولون لا في النصر في حياته عليه الصلاة والسلام كان يستنصر ربه تبارك وتعالى. وكان يدعو الله عز وجل ويبتهل الى الله سبحانه ان ينجز له ما وعد. اذا هو صلى الله عليه وسلم وفي حياته وليس بعد مماته كان يسأل الله عز وجل النصر. اذا هذا الوصف ينطبق على سائر ما يدعى ويعبد من دون الله عز وجل حتى الانبياء وحتى الاولياء وحتى الصالحون. اذا عبادتهم من دون الله سبحانه عبادة باطلة وصاحبها قد اشرك بالله عز وجل دخل في قوله ان يشركون. نعم قال رحمه الله تعالى وقوله والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. هذه الاية سياقها آآ السياق نفسه وهو الاستدلال على توحيد الالوهية ببيان نقص الهة المشركين. كالاية الاولى ايشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ثم انهم لا يملكون شيئا. لا يملكون شيئا البتة حتى الشيء التافه الذي لا يلتفت الناس اليه هم لا يملكونه. لا يملكون قطميرا والقطمير هو اللفافة الرقيقة التي تكون على نواة التمر. حتى هذا الشيء الحقير لا يملكه الذين يتوجه هؤلاء المشركون اليهم. ما يملكون من قطمير. ان تدعون وهم لا يسمعوا دعاءكم. ولو سمعوا ما استجابوا لكم. اذا هؤلاء المشركون فاقدون لثلاثة او فاقدون لثلاث صفات دل فقدهم لها على ان عبادتهم باطلة من فقد هذه الثلاث لا يمكن ان يكون معبودا ولا يمكن ان يكون مألوها. اولا الملك فهؤلاء ما يملكون شيئا البتة ما يملكون من قطمير. وهذا اه دلت عليه دلائل كثيرة في كتاب الله عز وجل هذا المدلول هو ان الملك لله سبحانه وتعالى فهو الذي يملك تبارك وتعالى والذين يدعون ويلجأ اليهم من دون الله ما يملكون من شيء. قال تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون الضر عنكم ولا تحويلا. قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض. اذا الملك مفقود بالنسبة لهذه الالهة. وقد يقول قائل ماذا عن ملك الانسان في الدنيا؟ الانسان في الدنيا يملك اشياء كبيت وكسيارة وكملابس وكنحو ذلك. الجواب عن هذا ان يقال ان الملك المنفي هو الملك التام. اما ما يملكه الانسان في الحياة فانه ملك ناقص ولذلك التصرف في هذا الملك راجع الى امر الله الشرعي وامر الله فالمسلم لا لا يتصرف في ما يملك الا في حدود آآ ما بينته الشريعة فهو مأمور في هذا الملك وفي هذا المال الذي يملكه ان يتصرف ما امر الله عز وجل. ايضا هذا الملك انما يتصرف فيه بامر الله الكوني. ولذلك فان الله عز وجل اذا شاء ان يهلك هذا الماء هذا المال في لحظة اهلكه. انزل عليه آآ سببا من الاسباب الكونية كصاعقة مثلا او آآ يقدر سرقة له او ما شاكل ذلك فيزول هذا اذا هذا الملك ملك ناقص. والذي يملك على الحقيقة انما هو الله سبحانه وتعالى. ثم فقدهم للصفة الثانية. ان تدعوهم لا يسمعوا دعائكم. فهم لا يسمعون اما لكونهم امواتا واما لكونهم مشغولين بطاعة الله سبحانه كالملائكة واما لكونهم جمادات كالاصنام والاشجار والاحجار. اذا هم لا يسمعون. ثم على فرض سماعهم لو قدر انهم يسمعون فانهم فاقدون للقدرة على الاجابة. اذا لا ملك ولا ولا قدرة على الاجابة فلاي شيء يعبدون من دون الله عز وجل. ما هي الا عبادة باطلة وما هو الا اتباع للهوى والعبادة الحقة انما هي لله سبحانه وتعالى. نعم قال رحمه الله تعالى في الصحيح عن انس رضي الله تعالى عنه انه قال شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم احد فقال كيف يفلح قوم شجوا نبيهم فنزلت ليس لك من الامر شيء. نعم. قال المؤلف رحمه الله في الصحيح يعني في صحيح البخاري تعليقا وفي صحيح مسلم موصولا. هذا الحديث حديث بس فيه فائدة عظيمة وهي ان النبي صلى الله عليه وسلم شج يوم احد. وكسرت كما في رواية مسلم رباعيته صلى الله عليه وسلم. رباعية هي السن الذي يلي اه الثنية يعني المقدمة التي تكون في الوسط من الاسنان هذه الثنايا وما بعدها تسمى رباعية وللانسان اربع رباعيات في الاعلى اثنان وفي الاسفل اثنان. والنبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته السفلى لم تستأصل انما كسرت منها قطعة. وشج رأسه صلى الله عليه وسلم الشج هو الجرح الذي يكون في الرأس والوجه. النبي صلى الله عليه وسلم في جبهته عليه الصلاة والسلام وسال دمه صلى الله عليه وسلم وكان يمسح الدم عن وجهه كما جاء في رواية مسلم ويقول كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وهو يدعوهم الى الله. فنزل قول الله عز وجل ليس لك من الامر شيء. ما اصاب النبي ما اصاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه حكم عظيمة منها زيادة الاجر ورفعة المكانة عند الله عز وجل. فان عظم الاجر من عظم البلاء. واشد الناس بلاء هم الانبياء ثم الامثل فالامثل. والثانيا لكي يتأسى به صلى الله عليه وسلم وبهم اعني الرسل المؤمنون. فانهم اذا دعوا دعوا الى الله سبحانه وتعالى ولاقوا الابتلاءات فلهم في النبي صلى الله عليه وسلم والانبياء قبله اسوة يتأسون ويتعزون بها. وامر ثالث وهو ان يعلم الانسان ان هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام والانبياء قبله انما هم بشر. يجوز عليهم ما يجوز على البشر. ولذلك قد يشج قد يجرح قد تكسر رباعيته وقد يصيبه من البلاء والمحن ما يصيبه اذا فلا يغلى فيهم ولا اعتقدوا فيهم انهم ارباب مع الله سبحانه وتعالى. بل نبينا صلى الله عليه وسلم انما هو عبد الله ورسوله. عبد لا يعبد. ورسول لا يكذب. بل يطاع ويتبع فا الذي حصل في احد فيه فائدة عظيمة من هذا الباب وهي ان الانسان لا يغالي في النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرفعه عن المكانة التي جعله الله عز وجل فيها وهي انه عبد ورسول له تبارك وتعالى وهذه الاية ليس لك من الامر شيء دليل عظيم من دلائل التوحيد واثبات ان غير الله عز وجل مهما ارتفعت مكانته ومهما علت منزلته فانه لا يستحق ان يعبد مع الله. فالنبي صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه من المنزلة الرفيعة والمكانة العلية الا انه ليس له من الامر شيء قال اهل التفسير كأن آآ كأن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه شيء من اليأس في ان يؤمن هؤلاء المشركون فانزل الله ليس لك من الامر شيء ليس له صلى الله عليه وسلم من الامر شيء. اللام هنا لام الملك ليس لك لا تملك من الامر شيئا. الامر يعني شأن المخلوقين انما هو راجع الى خالقهم واما وظيفة هذا النبي عليه الصلاة والسلام فهي انه يبلغ يبشر ينذر واما ما عدا ذلك من شأن الخلق ومصيرهم وحالهم فامر ذلك الى الله عز وجل. ليس لك من الامر شيء وهذا دليل عظيم من دلائل التوحيد. النبي عليه الصلاة والسلام وهو هو ليس له من الامر شيء فكيف بمن دونه من المخلوقين؟ لا شك انهم اولى ان لا يكون لهم من الامر شيء ولا كان هذا يدعو الى ان يتعلق الانسان بمن بيده كل شيء سبحانه وتعالى. نعم وفيه عن ابن عمر رضي الله عنهما انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذا رفع رأسه من الركوع في في الركعة الاخيرة من من الفجر اللهم العن فلانا وفلانا بعدما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فانزل الله ليس من الامر شيء وفي رواية يدعو على صفوان ابن امية وسهيل ابن عمرو والحارث ابن هشام فنزلت ليس لك من الامر شيء هذا سبب اخر لنزول هذه الاية. والحديث انما يدور عنها. وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان اصابه ما اصابه في احد كان يقنت داعيا على المشركين ويخص منهم فلانا وفلانا كما جاء في الرواية الاخرى هم هؤلاء الثلاثة الذين هم اعظم من المشركين تأثيرا فيما حصل له عليه الصلاة والسلام وما حصل على المسلمين. مع رابع وهو ابو سفيان صفوان ابن امية وصهيب ابن عمرو والحارث ابن هشام. هؤلاء كانوا اعظم الناس تأثيرا في ما حصل؟ وكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا رفع من الركعة الثانية من صلاة الفجر يقنت عليهم ويلعنهم وهذا الحديث لا ينافي الحديث السابق من جهة سبب النزول فانه يقال ان فتعدد سبب النزول لا اشكال فيه. فنزلت الاية بسبب هذا وبسبب ذاك. والامران في اصلي متقاربان والمقصود ان النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا على هؤلاء الذين كانوا مشركين بان يلعنهم الله عز وجل ويطردهم ويخرجهم من رحمته جل وعلا انزل الله ليس لك من الامر شيء. فامر هؤلاء ومصيرهم كونهم يرحمون او كونهم يطردون من رحمة الله هذا لله تبارك وتعالى. والذي حصل ان هؤلاء قد اسلموا وحسن اسلامه واصبحوا من اولياء الله بعد ان كانوا من اعدائه. اذا الامر كله لله الله سبحانه وتعالى فهو اعلم بمحل الهداية وهو آآ لحكمته تبارك وتعالى يضعها حيث يشاء. ولاحظ في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم على هؤلاء لا في ذلك دليلا عظيما على التوحيد. وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي والمؤمنون معه ومع ذلك كانوا يلجأون الى الله في في شأن هؤلاء المشركين. فكيف يلجأ اليه صلى الله عليه وسلم؟ او الى غير من الصالحين في دفع الضر. وهو عليه الصلاة والسلام انما كان يلجأ في ذلك الى الله عز وجل كان وهو حي يلجأ الى الله فكيف يلجأ اليه وهو ميت؟ اذا قنوت النبي صلى الله عليه وسلم فيه فائدة عظيمة في اثبات التوحيد. وان الامر لله تبارك وتعالى. وان من توجه له عليه الصلاة والسلام او لغيره من الصالحين فقد ضل ضلالا مبينا والمتأمل في هذه الدلائل والبراهين الساطعة ثم تأملوا بعد ذلك في حال ما وقع او في حال كثير من هذه الامة وما وقع منه يتبين له بينوا له حقيقة التوحيد ويتبين له غربة الدين. كما ذكر المؤلف رحمه الله في اخر المسائل اذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ الى الله وهو حي وعنده من القدرة ما اعطاه الله فكيف يلجأ اليه هو في حال وفاته عليه الصلاة والسلام. فكيف بمن هو دونه؟ ممن يقول من هؤلاء لتلاميذه اذا اعدتكم الامور فاهتفوا باسمي. اذا نزلت بكم النازلة ما الا ان تدعوني وانا سوف انقذكم مما انتم فيه ويقول بعض هؤلاء الضالين اذا كان يوم القيامة نصبت خيمتي عند جهنم فامنع من استجار بي من دخولها. فلا اله الا الله. اي ضلال فوق هذا الضلال والانسان اذا عجب من عقول يصدر منها هذا الامر فانه يعجب اكثر من عقول تصدق هذا الكذب وهذا الهراء والله المستعان. نعم قال رحمه الله تعالى وفيه عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه انه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انزل الله عليه وانذر عشيرتك الاقربين. قال يا معشر قريش او كلمة نحوها اشتروا انفسكم لا اغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا اغني عنك من الله شيئا. يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا اغني عنك من الله يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا اغني عنك من الله شيئا هذا الحديث حديث ابي هريرة رضي الله عنه وهو مخرج في الصحيحين فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه قوله تعالى وانذر عشيرتك الاقربين امر النبي صلى الله عليه وسلم بانذار عشيرته الاقربين وعشيرة الانسان جماعته وقبيلته الذين هم ادنى اليه وتخصيص هؤلاء بالانذار فيه فائدة عظيمة من جهة الدعوة لانه اذا امن هؤلاء وهم الاقرب له عليه الصلاة والسلام كان هذا ادعى لان من الابعد وكان في هذا تقوية له عليه الصلاة والسلام في دعوته. والمقصود ان النبي صلى الله عليه وسلم امتثل ما امره به ربه. فقام على الصفا ونادى على قريش وصاح بهم حتى اجتمعوا ثم انهم ثم انه عليه الصلاة والسلام ناداهم فعمم وخصص. قال يا معشر قريش معشر يعني جماعة وقريش هم قبيلته صلى الله عليه وسلم وقريش تطلق على ولد النضر ابن كنانة. وقيل على ولدي فهر ابن مالك ابن النضر ابن كنانة على قولين وسميت قريش قريشا اما من التقرش وهو التجمع او التقرش وهو هو التكسب فانهم كانوا اهل تجارة او نسبة الى القرش وهو السمك العظيم المعروف في البحار. فانه آآ من اقوى الاسماك قبيلة قريش من اقوى العرب كما عند البيهقي في الدلائل لما سأل معاوية ابن عباس رضي الله عنهم عن قريش لم سميت بذلك اجابه سميت بالدابة التي تسكن البحر فقال هل في كلام العرب من شيء في ذلك؟ فانشده قول الشاعر وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش من قريشا تأكل الغث والسمين ولا تترك فيه لذي جناحيه جناحين ريشة هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد اكلا كميشة. المقصود ان النبي صلى الله عليه وسلم نادى قريش وامرهم ان يشتروا انفسهم يعني ان ينقذوا انفسهم كما في رواية في الحديث انقذوا انفسكم. وذلك باخلاص الدين لله الاصل التوحيد والتوجه لله سبحانه وتعالى وحده. هذا هو السبب الوحيد الذي ينقذ من عذاب الله عز وجل فقرابتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ليست نافعة لهم اذا فقدوا هذا السبب العظيم وهو التوحيد هو الطاعة لا اغني عنكم من الله شيئا. ولاحظ ان شيئا نكرة في النفي فتعم. فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك شيئا ولا يغني عن هؤلاء شيئا ما شاء الله سبحانه وتعالى له رحم يبلها ببلالها كما جاء في هذه الرواية وما زاد على ذلك ان لهم من عذاب الله ان يدخلهم جنته ما كان منه صلى الله عليه وسلم ولا يكون. فلن يغني عن قوم شيئا ثم نادى عمه العباس وكان من احب الناس اليه صلى الله عليه وسلم وكان العباس يحب النبي عليه الصلاة والسلام حتى في حال اشراكه. فانه قد حضر معه يوم او ليلة العقبة واستوثق لابن اخيه من الانصار لشدة حرصه وشفقته على ابن اخيه صلى الله عليه وصل له. ثم وجه الخطاب الى عمته صفية. وهي ام الزبير ابن العوام رضي الله عنهم. لا عنها من الله شيئا. حتى عمته القريبة الحبيبة لا يغني عنها من الله شيئا. اشتري نفسك لا اغني عنك الى الله شيئا. ثم وجه الخطاب الى سيدة نساء العالمين فاطمة. رضي الله عنها وقال اشتري قال سليني من من ما لي ما شئت لا اغني عنك من الله شيئا. حتى ابنته التي هي بضعة منه عليه الصلاة والسلام والتي يحبها حبا عظيما ومع ذلك اخبرها ان الشيء الذي يقدر عليه وهو والتصرف في ماله لها ان تسأله منه. لها ان تسأله منه. اما انقاذها من عذاب الله عز وادخالها الجنة فهذا ليس اليه صلى الله عليه وسلم. وهذا يدلك على ان سؤال الانسان الشيء الذي يقدر ليه؟ لا حرج فيه. واما سؤال ما لا يقدر عليه الا الله عز وجل فلا يجوز. بل هو شرك بالله سبحانه وتعالى كما تبين معنا فيما سبق. وهذا الحديث ايضا فيه عبرة عظيمة لمن كان له قلب. والقى السمع وهو شهيد. فالنبي صلى الله عليه وسلم اذا كان الا يملك لقرابته؟ لا يملك لعمه وعمته وابنته. وهم من اقرب الناس اليه شيئا يملكه الله سبحانه وتعالى. لا يستطيع صلى الله عليه وسلم نفعهم بشيء يتعلق بافعال الله تبارك وتعالى وما يختص به سبحانه وتعالى. فكيف يلجأ اليه صلى الله عليه وسلم واذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغني عن هؤلاء شيئا. فكيف بمن بعدهم؟ واذا كان هو صلى الله عليه وسلم لا يغني عن هؤلاء شيئا فكيف بمن دونه؟ اذا نظرت الى هذا وتأملته وجدت فيه ردا عظيما على هؤلاء الذين يقعون في الشرك الاكبر النبي صلى الله عليه وسلم كلامه حق. ومن شك في صدقه او كذبه فقد كفر بالاجماع فيقال لهذا الذي يستغيث به ويلجأ اليه عند قبره او بعيدا عن قبره؟ هل كلامه صلى الله الله عليه وسلم حق ام لا؟ حينما قال لا اغني عنكم لا اغني عنك لا اغني عنك شيئا هل كلامه حق او ليس بحق؟ ان قلت انه ليس بحق فقد كذبته صلى الله عليه عليه وسلم وكفرت بذلك وان قلت انه حق فما معنى هذا؟ اذا كنت تلجأ اليه صلى الله عليه وسلم دون الله تبارك وتعالى بعد موته. وهو الذي يقول لا اغني عنك ولا اغني عنكم ولا اغني عنك من الله شيئا اذا هذه عبادة باطلة. ولجوء لا ينفع الانسان. لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغني عن العبد شيئا والمشركون اذا قيل لهم ذلك فانهم يقولون تنقصتم النبي صلى الله عليه وسلم. ولا تحبونه ولا تعرفون له قدره وله المكانة وله الجاه والله عز وجل انما خلق هذا الكون لاجله الى غير ذلك مما يقولون ولا شك ان هذا الكلام باطل. فالنبي صلى الله عليه وسلم اه انما هو عبد لا يعبد ورسول لا يكذب. وهو باطل فان الله عز وجل انما خلق الخلق تبارك وتعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. فاذا تأمل الانسان كما قال المؤلف رحمه الله في حال خواص تبين له التوحيد وغربة الدين. خواص الناس. اناس يتسمون بالعلم. ويتصفون هنا بالمشيخة وعليهم العمائم الكبيرة. ومع ذلك يقررون للناس الشرك. وانه يلجأ الى النبي صلى الله عليه وسلم في كل حال. وتجدهم يترنمون في كل وقت بابيات فيها اكل بالنبي صلى الله عليه وسلم مع الله. يا اكرم الخلق ما لي من الوذ به سواك عند حلول الحادث العمم فان من جودك الدنيا وضرتها. ومن علومك علم اللوح والقلم. ويقول قائلهم فاجرني اقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما. ليس هذا عند هؤلاء فقط بل حتى عند غيرهم. حتى عند كثير من الادباء والشعراء بل حتى الدعاة ومن يتسمون بالدعوة تجد منهم من ربما يقع في شيء من ذلك فيقول هذا الحبيب مع الاحباب قد حضر وسامح الكل في فيما قد مضى وجرى وتجد من الشعراء والادباء المعاصرين من يقع في شيء من ذلك. كما تجد مثلا في ديوان شوقي يقول ما جئت يقول مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم ما جئت بابك مادحا بل داعيا ومن المديح تضرع ودعاء ادعوك عن قوم الضعاف ازمة في مثلها يلقى عليك رجاؤه. يلقى الرجاء على النبي صلى الله عليه وسلم. ويدعى هو عليه الصلاة والسلام. وتجد من الناس من يقول لا اله الا الله ويصلي ويصوم ويحج ويعتمر ويترنم وهو مبتهج بمثل هذه الابيات التي فيها الشرك الاكبر مع الله عز وجل. اين هؤلاء؟ عن قوله صلى الله عليه وسلم لا اغني عنكم من الله شيئا. اذا تبين لك ذلك فقد تبين لك حقا حقيقة التوحيد وغربة الدين. نسأل الله عز وجل ان يثبت ان يثبتني واياكم على التوحيد. وعلى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم. ونعوذ به من الشرك كله من صغيره ومن كبيره ومما جلى منه ومما دق ان ربنا لسميع الدعاء وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله واصحابه واتباعه باحسان