بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام الاتمان الاكملان على المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما انك انت الرزاق الكريم. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى واعلم ان تفسير المعية بظاهرها على الحقيقة اللائقة بالله تعالى لا يناقض ما ثبت من علو الله تعالى بذاته على عرشه ذلك من وجوه ثلاثة. نعم. ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا ما لنا من يهده الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا لا شريك له واشهد ان نبينا محمدا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى اله واصحابه وسلم كثيرا اما بعد فقد ذكر الشيخ رحمه الله انه لا منافاة بين ثبوت علو الله عز وجل على خلقه وكونه معهم بعلمه او بنصرته وتأييده يعني كونه معهم معية عامة او معية خاصة على ما سيذكر في الاوجه الثلاثة القادمة انبه قبل ان نسترسل فيما ذكر الشيخ الى التوجيه الذي ذكر في درس الامس فيما يتعلق بتفسير الاستواء الى السماء القصد وذلك انه ربما لم يفهم بعض الاخوة ما جرى الكلام عنه ذكر الشيخ رحمه الله ان استوى الى السماء لها او فيها قولان الاول علا وارتفع الى السماء فذكرت لك ان هذا هو قول السلف قاطبة وليس عندهم في هذه الاية الا هذا القول القول الثاني ان استوى الى السماء تعني القصد وهذا استفيد من تعدية فعل الاستواء بحرف الغاية الى وهذا القول فيه تفصيل فان امكن حمل الكلام على القصد الى الشيء علوا وارتفاعا فالكلام صحيح من قال استوى الى السماء يعني قصد اليها علوا وارتفاعا فهذا الكلام صحيح وموافق للاول واما ان كان المراد كما ذكر بعض المفسرين عمد او قصد الى خلق السماء فهذا القول غير صحيح. بل هو تأويل في هذه الاية. ولا يعرف هذا عن احد من السلف هذا ما كان لا بد من التنبيه عليه حتى يتضح المقام. نعم قال رحمه الله الاول ان الله تعالى جمع بينهما لنفسه في كتابه المبين المنزه عن التناقض. وما جمع الله وبينهما في كتابه فلا تناقض بينهما وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض وفيما يبدو لك فتدبره حتى يتبين لك. لقوله تعالى افلا يتدبرون قرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. فان لم يتبين لك فعليك بطريق الراسخين في العلم الذين يقولون امنا به كل من عند ربنا. وكل الامر الى منزله الذي يعلمه الى منزله. وكيل الامر الى منزله الذي يعلمه. واعلم ان القصور في علمك او في فهمك وان القرآن لا تناقض فيه والى هذا الوجه اشار شيخ الاسلام في قوله فيما سبق كما جمع الله بينهما. وكذلك ابن القيم رحمه الله كما في مختصر في سياق كلامه على المثال التاسع مما قيل انه مجاز قال رحمه الله وقد اخبر الله انه مع خلقه مع كونه على عرشه وقرن بين الامرين كما قال تعالى وذكر اية سورة الحديد. ثم قال فاخبر انه خلق السماوات والارض وانه على عرشه وانه مع خلقه يبصر اعمالهم من فوق عرشه. كما في حديث الاوعان والله فوق العرش يرى ما انتم عليه لا يناقض معيته. ومعيته لا تبطل علوه. بل كلاهما حق. انتهى كلامه رحمه الله هذا الوجه الاول الذي يدلك على ان الله تبارك وتعالى متصف بالامرين متصف بكونه عاليا على خلقه ومستويا على عرشه وايضا متصفا بكونه مع خلقه بالمعية العلمية التي تقتضي علمه تبارك وتعالى واحاطته وسمعه وبصره وتدبيره وسلطانه هذا الوجه وجه راجع الى الايمان بالله تبارك وتعالى والايمان بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم رسولا فان حقيقة الايمان تقتضي التسليم والقبول والانقياد فاذا كان الله تبارك وتعالى قد جمع بين الامرين فيجب ان تعتقد بمقتضى الايمان الذي معك انه لا يمكن ان يتناقض هذا وهذا مستحيل بما ان الله تبارك وتعالى قد اخبر انه استوى على العرش وعلى على خلقه واخبر انه مع خلقه فان هذا حق لا يمكن ان يتناقض وانت اذا تدبرت بعض التدبر بنصوص الكتاب والسنة لوجدت ان الجمع بينهما في الايمان امر ميسور ولله الحمد والمقصود ان على المسلم ان يعتقد اعتقادا جازما بان كتاب الله عز وجل وكذا سنة نبيه صلى الله عليه لا يمكن ان يحصل فيها تناقض افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا واذا اشكل عليك امر ما فاتهم عقلك وصن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من التناقض والتعارض عليك ان توقن بان كتاب الله عز وجل حق وان الخلل في فهمك ومن سلك هذا المسلك فليبشر بان الله تبارك وتعالى سيفتح عليه وسيبين له ما اشكل عليه اجعل هذه قاعدة عندك قال جل وعلا ان الذين لا يؤمنون بايات الله لا يهديهم الله ومفهوم المخالفة ان الذين يؤمنون بايات الله يهديهم الله اذا القاعدة امن تهتد امن تهتد ستهتدي قطعا لو انك امنت وسلمت واذعنت واتهمت عقلك ورجعت الى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالتأمل مع تواضع وخضوع لا مع استكبار واستنكاف فانك ستهتدي بتوفيق الله سبحانه وتعالى الى وجه الصواب اذا هذه طريقة اهل العلم ان يتدبروا كتاب الله وان يؤلفوا بين النصوص وان يجمعوا بينها وان يعتقدوا ان النصوص كنص واحد اهل السنة يعاملون الايات والاحاديث المتفرقة معاملة النص الواحد معاملة الاية الواحدة والحديث الواحد بحيث انهم يفهمون هذه جميعا على ان ذلك نص واحد يؤلف بينه ويضم بعضه الى بعض بخلاف طريقة اهل البدع على جميع اه طبقاتهم ومع كل اختلافهم فان السمة الجامعة بينهم هي انهم لا يجمعون بين النصوص ولا يؤلفون بينها وانما يأخذون ببعض ويتركون بعضا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض اما اهل السنة والجماعة فانهم يأخذون الدين كله ادخلوا في السلم كافة خذوا الدين كله و ربما يشكل على المسلم شيء ما في وقت معين حينها عليه بطريقة راسخين في العلم الذين اذا اشكل عليهم شيء فانهم يذعنون ويسلمون ويكلون الامر الى عالمه ويتربصون ويتأملون حتى يفتح الله سبحانه وتعالى عليهم ويهديهم الى وجه الصواب. نعم قال رحمه الله الوجه الثاني ان حقيقة معنى المعية لا يناقض العلو فالاجتماع بينهما ممكن في حق المخلوق فانه يقال ما زلنا نسير والقمر معنا ولا يعد ذلك تناقضا ولا يفهم منه احد ان القمر نزل في الارض. فاذا كان هذا ممكنا في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب اولى. وذلك لان حقيقة المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان. والى هذا اشار شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتوى الحموية حيث قال وذلك ان كلمة مع في اللغة اذا اطلقت فليس ظاهرها في اللغة الا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة او محاذاة عن يمين او شمال. فاذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى. فانه يقال ما زلنا نسير والقمر معنا اول نجم معنا. ويقال هذا المتاع لمجامعته لك وان كان فوق رأسك. فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه حقيقة. انتهى كلامه. وصدق رحمه الله تعالى فان من كان عالما بك مطلعا عليك مهيمنا عليك يسمع ما تقول ويرى ما تفعل ويدبر وجميع امورك فهو معك حقيقة وان كان فوق عرشه حقيقة. لان المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان هذا الوجه مضى الكلام فيه مفصلا في درس امس فقلت ان عقدة المسألة عند المخالفين لاهل السنة ترجع الى ظنهم ان المعية تستلزم ولابد المخالطة والمماسة تبين معنا مقتضى الشواهد اللغوية ومنها ما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى ان كلمة مع لا تقتضي شيئا من ذلك انما تقتضي مطلق المقارنة والمصاحبة ثم بعد ذلك يفهم كل سياق بحسبه ان اقتضى السياق اصول المماسة والحلول فنعم والا فان هذا ليس بلازم وبناء عليه فمعية الله عز وجل ما معية الله عز وجل لخلقه لا تقتضي ولا تستلزم البتة ان يكون سبحانه وتعالى حالا في خلقه او مخالطا لهم نعم قال رحمه الله الوجه الثالث انه لو فرض امتناع اجتماع المعية والعلو في حق في حق المخلوق لم يلزم ان يكون ذلك ممتنعا في حق الخالق الذي جمع لنفسه بينهما. لان الله تعالى لا يماثله شيء من مخلوقاته. كما قال تعالى ليس مثله شيء وهو السميع البصير والى هذا الوجه اشار شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية حيث قال وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعية لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته فانه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته وهو علي في دنوه قريب في علوه. انتهى كلامه رحمه الله هذا الوجه الثالث وهو اننا نقول للمخالفين سلمنا جدلا بان المعية تستلزم المخالطة وانه لا يمكن ان يكون الشيء عاليا على شيء ومعه في نفس الوقت سلمنا ان هذا لا يمكن في حق المخلوق لكن ما دليلكم على ان هذا ممتنع في حق الله تبارك وتعالى والله ليس كمثله شيء ولم يكن له كفوا احد فاذا امتنع هذا في حق المخلوق فلا ضرورة في ان نزعم ان هذا ممتنع في حق الله تبارك وتعالى وقد اخبر الله به اخبر في كتابه بل في اية واحدة انه استوى على العرش وانه مع خلقه فاي ضرورة تدعونا الى ان نرد هذا ونمتنع من الايمان به اذا هذا الجواب على سبيل التنزل في الجدال مع المخالفين نسلم لهم جدلا بان هذا الجمع بين المعية والعلو ممتنع في حق المخلوق لكنه في حق الله تبارك وتعالى ليس بممتنع. نعم قال رحمه الله تتمة انقسم الناس في معية الله تعالى لخلقه ثلاثة اقسام. القسم الاول يقولون ان معية الله تعالى لخلقه مقتضاه العلم والاحاطة في المعية العامة. ومع النصر والتأييد في المعية الخاصة. مع ثبوت علوه بذاته واستوائه على عرشه وهؤلاء هم السلف ومذهبهم هو الحق كما سبق تقريره انقسم الناس في هذه القضية بمسألة العلو والمعية الى الاقوال الثلاثة التي سيذكرها الشيخ رحمه الله الاول هو قول الرسل واتباعهم وما اطبق عليه السلف الصالح ومضى عليه اهل السنة والجماعة جميعا وهو انهم يعتقدون ان الله عال على خلقه ومستو على عرشه وانه سبحانه وتعالى مع خلقه جميعا بعلمه وقدرته واحاطته ومع من شاء من المؤمنين بنصره وتأييده والشأن في هذا كما قال الامام مالك رحمه الله فيما صح عنه الله فوق سماواته وعلمه لا يخلو منه مكان الله فوق سماواته وعلمه لا يخلو منه مكان وجاء عن الامام احمد رحمه الله كلمة قريبة منه تتعلق بهذه كلمة قريبة من كلمة الامام مالك تتعلق بهذا الموضوع اذا هذا الذي قال به الذين فازوا بالحق واصابوا الايمان من جميع اطراف النصوص امنوا بجميع النصوص والفوا بينها فاستحقوا ان يكونوا اهل الحق في هذه المسألة كما انهم اهل الحق في غيرها نعم قال رحمه الله القسم الثاني يقولون ان معية الله لخلقه مقتضاها ان يكون معهم في الارض مع نفي علوه واستوائه على عرشه وهؤلاء هم الحلولية من قدماء الجهمية وغيرهم. ومذهبهم باطل منكر اجمع السلف على بطلانه وانكاره به كما سبق هذا القول الثاني الذي ذكرناه ايضا بالامس وهو قول الحلولية الذين يعتقدون ان الله بذاته حال في خلقه وهؤلاء هم حلولية الجهمية وقد علمت ان الجهمية قسمان تهمية معطلة هم الذين يقولون ان الله ليس في مكان لا فوق ولا تحت ولا عن يمين ولا عن شمال ولا داخل العالم ولا خارج العالم ولا في الاعلى ولا في الاسفل الى غير ذلك وهو وهو ان تأملت وجدته تعريفا دقيقا للمعدوم والقول الثاني لهؤلاء الجهمية قول حلوليتهم حلوية الجهمية هم الذين يعتقدون ان الله بذاته في كل مكان ولا شك ان هذا القول كفر باتفاق المسلمين فان فيه تكذيب النصوص الدالة على مباينة الله لخلقه وعلوه عليهم وفيه ايضا من الانتقاص لجناب الرب تبارك وتعالى ما فيه فان هذا القول مقتضاه ان الله سبحانه وتعالى في الاماكن القذرة وفي بطون الحيوانات وما شاكل ذلك ولا شك ان هذا انتقاص عظيم ومسبة لله تبارك وتعالى اذا هذا القول هذا القول لا شك في بطلانه واصحابه اخذوا بما زعموا انه نص امنوا به وضربوا عرض الحائط ضربوا النصوص الاخرى عرض الحائط اخذوا بالنصوص التي دلت على المعية واخطأوا في فهمها حيث ظنوا انها دالة على المماسة والحلول واعرضوا تمام الاعراض على ادلة مباينة الله تبارك وتعالى لخلقه وعلوه عليهم فهؤلاء لا شك في ان قولهم قول باطل. نعم قال رحمه الله القسم الثالث يقولون ان معية الله لخلقه مقتضاها ان يكون معهم في الارض مع ثبوت علوه فوق عرشه ذكر هذا شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قال رحمه الله نعم هذا القول الثالث وهو قول متناقض ولكنه اخف شرا من سابقه وهم الذين يقولون ان الله بذاته فوق السماء وبذاته مع خلقه وزعموا انهم بهذا يكونون قد اخذوا بالنصوص جميعا وهذا القول قول طائفة من السالمية فرقة اظ ماحلت وتلاشت واقوالها مدونة في كتب في كتب الفرق والمقالات والموضع الذي اشار اليه الشيخ رحمه الله نبه فيه الشيخ على ان هذا قول له وعلى كل حال لا شك ان هؤلاء اوتوا من عدم فهمهم للنصوص فان ثبوت معية الله عز وجل لخلقه لا تقتضي ان يكون بذاته معهم. نعم. قال رحمه الله وقد زعم هؤلاء انهم اخذوا بظاهر النصوص في المعية والعلو. وكذبوا في ذلك فضلوا. فان نصوص المعية لا تقتضي ما ادعوه من الحلول لانه باطل لا يمكن ان يكون ظاهر كلام الله ورسوله باطلا تنبيه اعلم ان تفسير السلف لمعية الله تعالى لخلقه بانه معهم بعلمه لا يقتضي الاقتصار على العلم بل المعية تقتضي ايضا احاطته بهم سمعا وبصرا وقدرة وتدبيرا ونحو ذلك من معاني ربوبيته هذا تنبيه مهم من الشيخ وهو انه يخبرنا بان كلام السلف رحمهم الله ومن بعدهم في ان معية الله عز وجل لخلقه معية علمية ليس مراده ان الله عز وجل مع خلقه بالعلم لا غير وانما يذكرون هذا الوجه من باب دلالة التظمن والا فمعية الله تبارك وتعالى العامة تضم او تقتضي غير العلم ايضا من الاحاطة والسمع والبصر والقدرة والتدبير وما الى ذلك من معاني الربوبية وانما يذكرون العلم لانه اظهروا تلك المعاني التي تقتضيها هذه المعية. نعم قال رحمه الله تنبيه اخر. اشرت فيما سبق الى ان علو الله تعالى ثابت بالكتاب والسنة والعقل والفطرة والاجماع اما الكتاب فقد تنوعت دلالته على ذلك فتارة بلفظ العلو والفوقية والاستواء على العرش وكونه في السماء. كقوله تعالى وهو العلي العظيم. طيب الان ذكر الشيخ رحمه الله تنبيها فيه اشارة يسيرة الى ثبوت صفة العلو لله تبارك وتعالى صفة العلو من اظهر الصفات واكثرها ورودا في ادلة الكتاب والسنة وقد ذكر شيخ الاسلام رحمه الله في مواضع من كتبه الجواب الصحيح وفي مجموع الفتاوى وكذلك ابن القيم رحمه الله في الصواعق والذهبي في العلو وغيرهم كثير ان ادلة العلو تبلغ الف دليل بل ذكر ابن القيم رحمه الله ان ادلة العلو تبلغ الفي دليل كما في النونية يا قومنا والله ان لقولنا الفا يدل عليه بل الفان عقلا ونقلا مع صريح الفطرة الاولى وذوق حلاوة القرآن كل يدل بانه سبحانه فوق السماء مباين الاكوان بل ذكر في موضع من الصواعق ان ادلة مباينة الله عز وجل لخلقه تبلغ عشرة الاف دليل فهي ادلة كثيرة جدا في الكتاب وفي السنة اضافة الى دلالة العقل والفطرة ثم اجماع السلف قاطبة فهذا الموضوع من الموضوعات العظيمة التي ينبغي الاعتناء بها والتنبه الى شبهات المخالفين فيها فيا لله العجب كيف ينكر انسان علو الله تبارك وتعالى مع توافر هذه الادلة الكثيرة على هذا الامر فلا شك ان هذا القول في غاية البطلان بل قد اتفق السلف على انه كفر بالله عز وجل قال الامام ابن خزيمة امام الائمة رحمه الله من زعم ان الله عز وجل ليس فوق السماء فانه يستتاب فان تاب والا قتل ثم رمي في مزبلة حتى لا يتأذى من ريحه المسلمون وهذا قول اهل العلم قاطبة لانه تكذيب صريح لادلة الكتاب والسنة ومعارضة للفطرة التي فطر الله تبارك وتعالى الخلق عليها ومن كثرة هذه الادلة قسمها اهل العلم الى اقسام قسمها ابن القيم رحمه الله بكتابه اعلام الموقعين الى ثمانية عشر قسما تحت كل قسم ادلة لا تحصى الا بصعوبة بل جعلها في النونية واحدا وعشرين قسما وتحت كل قسم ان ادلة شتى فهذا يدلك على ان هذا الباب باب قطعي في الشريعة وليس المسألة فيه وليست هذه المسألة مما يقبل الاشتباه بوجه من الوجوه والشيخ رحمه الله ذكر طائفة من هذه الادلة في هذا الموضع. نعم قال رحمه الله اما الكتاب فقد تنوعت دلالته على ذلك. فتارة بلفظ العلو والفوقية والاستواء على العرش وكونه في السماء كقوله تعالى وهو العلي العظيم وقوله وهو القاهر فوق عباده. نعم اما اسماؤه تبارك وتعالى فمن اسمائه التي دلت عليها الادلة العلي والاعلى والمتعال وقد علمنا ان اسماء الله تبارك وتعالى اعلام واوصاف فكل اسم يدل على صفة. نعم وقوله وهو القاهر فوق عباده بل جاءت الفوقية مصدرة بمن التي هي نص في فوقية الذات. يخافون ربهم من فوقهم. نعم وقوله الرحمن على العرش استوى. الاستواء من ادلة علو الله تبارك وتعالى وذلك ان الاستواء علو خاص الاستواء علو خاص. الله عز وجل عال على كل شيء وله علو خاص على العرش والفرق بيننا العلو والاستواء من اوجه منها ان العلو صفة ذاتية واما الاستواء في صفة فصفة اختيارية وكذلك العلو صفة شرعية عقلية واما الاستواء وصفة شرعية فحسب يعني لو لم يأتي السمع في اثبات ان الله تبارك وتعالى استوى على العرش ما كان للعقل ان يهتدي الى ذلك نعم. وقوله اامنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض امنتم من في السماء ذكرنا فيما مضى ان هذه الاية لها وجهان عند اهل العلم كلاهما صحيح ولا ثالث لهما السماء بمعنى العلو وكل ما علاك يسمى سماء ولذلك الله عز وجل اخبر انه انزل من السماء ماء انزل من السماء ماء ومعلوم ان الماء انما ينزل من السحاب. اانتم انزلتموه من المزن يعني السحاب والسحاب ليس في السماء المبنية السماء العظيمة المحاطة بالشهب والتي لها ابواب والتي بناها الله تبارك وتعالى بدليل ان الله جل وعلا قال والسحابي المسخر بين السماء والارض اذا اطلق على السحاب سماء لانه ماذا عال لانه عال نعم هذا الوجه الاول. الوجه الثاني ان تكون في بقوله امنتم من في السماء بمعنى على وهذا سائغ وجار على سنن كلام العرب كثيرا كما في قوله جل وعلا ولاصلبنكم في جذوع النخل يعني على جذوع النخل وكذلك قوله فامشوا في مناكبها يعني على مناكبها ويكفي في الدلالة على هذا الوجه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ارحموا من في الارض ماذا نفهم من هذا الشطر من الحديث ان نرحم الذين في القبور في داخل الارض او نرحم الذين عليها ها عليها اذا كما فهمت الشطر الاول افهم الشطر الثاني ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء وعليه فيكون في السماء يعني على السماء يعني فوق السماء تبارك وتعالى. نعم قال رحمه الله وتارة بلفظ صعود الاشياء وعروجها ورفعها اليه كقوله اليه يصعد الكلم الطيب والصعود والعروج والرفع لا يكون الا الى جهة العلو. نعم. وقوله تعرج الملائكة والروح اليه وقوله اذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي قال رحمه الله وتارة بلفظ نزول الاشياء منه ونحو ذلك. كقوله تعالى قل نزله روح القدس من ربك وقول والنزول قصد الشيء من علو الى سفن فدل هذا على ان النزول يقتضي ماذا او يستلزم العلو النزول يستلزم العلو وكذلك ما اخبر الله عز وجل من التنزيل الله عز وجل اخبر ان القرآن تنزيل من الله عز وجل. ومن لابتداء الغاية فهو منزل من الله عز وجل. اذا يستفاد من هذا امران ان القرآن كلام الله لانه منه ويستفاد ايضا ثبوت صفة العلو له لانه نزله هو منزل نعم وقوله يدبر الامر من السماء الى الارض. نعم واما السنة فقد دلت عليه بانواعها القولية والفعلية والاقرارية في احاديث كثيرة تبلغ حد التواتر وعلى وجوب متنوعة كقوله صلى الله عليه وسلم في سجوده سبحان ربي الاعلى وقوله ان الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه ان رحمتي سبقت غضبي وقوله الا تأمنوني وانا امين من في السماء وثبت عنه انه صلى الله عليه وسلم رفع يديه وهو على المنبر يوم الجمعة يقول اللهم اغثنا وانه رفع يده الى السماء وهو يخطب الناس يوم عرفة. حين قالوا نشهد انك قد بلغت واديت ونصحت. فقال اللهم اشهد كان صلى الله عليه وسلم في ذاك الموقف العظيم يرفع اصبعه الى السماء ثم ينكتها عليه. اللهم فاشهد اللهم فاشهد وعند اهل البدع اي اصبع ترتفع الى السماء تشير الى الله فانه يجب قطعها هكذا قال بعضهم مع ان الذي رفع تصبعه الى السماء يشير الى الله تبارك وتعالى هو اعلم الخلق بالله واعظمهم له خشية فانظر الى مآلات اقوال اهل البدع والله المستعان نعم وانه صلى الله عليه وسلم قال للجارية اين الله؟ قالت في السماء. فاقرها وقال لسيدها اعتقها فانها مؤمنة حكم النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الجارية بالايمان لانها اقرت بامرين بان الله عز وجل في العلو يعني في السماء واقرت للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة والسؤال صريح والجواب صريح ولكن اهل البدع لا يفتئون يحرفون كلمة عن مواضعه لما جاءوا الى هذا الحديث واعجب لما قالوا قالوا ان معنى في السماء يعني ان الله عظيم يعني ان الله عظيم يا لله العجب ايسأل النبي صلى الله عليه وسلم بيئين فيكون الجواب بان الله موصوف بالعظمة اهذا جواب مطابق للسؤال يعني اقول لك اين فلان؟ فتقول لي فلان رجل طيب اثني عليك على حسن جوابك لا يمكن فاين لا يمكن ان يجاب عنها عن هذه الكلمة بان الله عز وجل عظيم بل اجابت هذه الجارية بالجواب المطابق للسؤال والسؤال كالمعاذ في الجواب عند اهل الفقه وبالتالي الله عز وجل في السماء عال على خلقه تبارك وتعالى فوق كل شيء كل مخلوق على هذا الاطلاق التام كل مخلوق فهو دون الله عز وجل وتحته. والله سبحانه عال على كل شيء نعم قال رحمه الله واما العقل فقد دل على وجوب صفة الكمال لله تعالى وتنزيهه عن النقص والعلو صفة كمال والسفل نقص فوجب لله تعالى صفة العلو وتنزيهه عن ضده بسط هذه الدلالة العقلية هو ان يقال اما ان تقروا يا معشر نفاة العلو بان الله عز وجل موجود او غير موجود. ان قلتم غير موجود ان قلتم غير موجود سقط الحديث معكم لانكم اصبحتم ملاحدة وللحديث معكم مجال اخر فان قلتم موجود فلا يخلو اما ان يكون الله عز وجل داخل العالم او خارجه اما ان يكون داخل العالم المخلوق او خارج او خارج العالم المخلوق. ولا يمكن ان يكون هناك جواب ثالث فان قلتم انه داخل العالم كان هذا مقتضيا اعظم النقص في حق الله تبارك وتعالى وباتفاق المسلمين الله منزه عن النقص فيلزمكم ان تقولوا ان الله خارج عن العالم واذا كان خارجا عن العالم فاما ان يكون فوقه واما ان يكون تحته والفطر والعقول مطبقة على ان العلو افضل من السفل وهذا مما لا يحتاج الى الاستدلال عليه باكثر مما فطر الناس عليه فالفطر مسلمة بان العلو افضل من السفن ومعلوم ان الله تبارك وتعالى انما يتصف بالكمال ولا يتصف بالنقص. فالله عز وجل له الكمال من كل وجه. فثبت ان الله تبارك وتعالى عال على خلقه عقلا نعم قال رحمه الله واما الفطرة فقد دلت على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية فما من داع او خائف فزع الى ربه تعالى الا وجد في قلبه ضرورة الاتجاه نحو العلو. لا يلتفت عن ذلك يمنة لا يسرى واسأل المصلين يقول الواحد منهم في سجوده سبحان ربي الاعلى اين تتجه قلوبهم حين ذاك هذا ايضا من الا وجه العظيمة التي لا حيلة للمعطلة معها وهي ان علو الله تبارك وتعالى قضية فطرية لا يمكن للانسان ان يدفعها عن نفسه فجميع البشر مفطورون على ان الله عز وجل عال على كل شيء بل حتى الحيوانات مفطورة على علو الله تبارك وتعالى واحيلك الى موضع لطيف بكتاب ابن القيم رحمه الله اه اجتماع الجيوش الاسلامية ذكر فيه في اواخر الكتاب بعض القصص والاثار بفطرة بعض الحيوانات على العلو. ذكر ما يتعلق الحمار الوحشي بل حتى النمل مفطور على ان الله عز وجل عال على خلقه اقول جميع الخلائق مفطورة على علو الله تبارك وتعالى. جميعها مسلمها وكافرها فهذا دليل على ان الامر قطعي جبلة من الله سبحانه وتعالى ومن القصص والشواهد اللطيفة في هذا الباب القصة المشهورة التي حصلت لابي جعفر الهمذاني رحمه الله مع ابي المعالي الجويني حيث كان جالسا في مجلسه واخذ ابو المعالي يقرر نفي علو الله تبارك وتعالى بسفسطة اه لا تثبت عند التحقيق فقال له ابو جعفر الهمذاني دعنا يا استاذ من هذا واخبرنا هل عندك للضرورات من حل فقال وماذا تعني بهذه الاشارة قال الضرورة التي نجدها في نفوسنا فما قال عارف قط يا الله الا وجد من نفسه ضرورة الى اعلى لا يلتفت يمنة ولا يسرة فهل عندك لهذه الضرورة من حل يقول واخذت ابكي وبكى معي اناس في المسجد فما كان من ابي المعالي الا ان ضرب بكمه على السرير وقال يا حبيبي الحيرة الحيرة والدهشة الدهشة تقول ابو جعفر ثم اخبرني تلاميذه انه قال بعد ذلك حيرني الهمذاني وصدق هو لابد ان يحتار لان هذه ضرورة لا يمكن دفعها البتة كل البشر مفطورون على هذه القضية وهي ان الله تبارك وتعالى عال على الخلق فكيف يمكن ان تدفع فطرة وحصلت قصة لطيفة مثلها لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ذكرها في اواخر الجزء السادس من درء التعارض. وذكرها في غيرها ايضا اشار اليها اشارة في بيان تلبيس الجهمية وفي غيره ايضا وهي انه جاءه هكذا يحكي رحمه الله يقول جاءني احد هؤلاء المعطلة النفات الذين ينفون علو الله تبارك تعالى جاءني في حاجة له يقول فتعمدت تأخيره وتشاغلت عنه فلما طال به الامر وضاق ذرعا رفع طرفه ورأسه الى السماء وقال يا الله ماذا فعل يقول رفع طرفه ورأسه الى السماء وقال يا الله رجل اطباق يقول فالتفت اليه وقلت انت عندي محقق فلماذا ترفع رأسك وطرفك الى السماء وليس فوق عندك شيء انت عقيدتك ما هي انه ليس في العلو شيء فلماذا ترفع رأسك الى فوق يقول فما كان منه الا ان قال استغفر الله ثم اخذت ابين له ان هذه العقيدة باطلة وذكرت الدلائل على ما عليه معتقد المسلمين فرجع عن قوله وهذا لو استطردنا في ذكر الشواهد عليه لطال المقام بل احدثك يا رعاك الله عن شيء رأيته بنفسي وسمعته باذني وهو اني لقيت مجموعة من الوثنيين في بعض البلاد النائية وثنيون ما سمعوا باسم كلمة الاسلام ولا قرأوا القواعد المثلى ولا غيرها من كتب السلف وثنيون ما سمعوا بالاسلام اصلا فقلت لهم اذا تأخر عليكم المطر هم يعيشون في صحراء ويعتمدون على الرعي قلت اذا تأخر المطر ماذا تصنعون والله يا اخواني فعلوا هكذا قالوا ندعو الرب الذي في السماء طبعا بيني وبينه مترجم فعلوا هكذا ندعوا الرب الذي في السماء فيا ترى من اين تعلموا هذه القضية وهي ان ربهم الذي يرزقهم المطر في السماء سبحانه وتعالى. اين تعلموا هذا ومن اين اخذوه الجواب ان هذا ولا شك فطرة فطر الله عز وجل الخلق عليها نعم قال رحمه الله واما الاجماع فقد اجمع الصحابة والتابعون والائمة على ان الله تعالى فوق سماواته مستو على عرشه وكلامهم مشهور في ذلك نصا وظاهرا. قال الاوزاعي رحمه الله كنا والتابعون متوافرون نقول ان الله تعالى فوق عرشه ونؤمن بما جاءت به السنة من الصفات وقد نقل الاجماع على ذلك غير واحد من اهل العلم. ومحال ان يقع في مثل ذلك خلاف. وقد تطابقت عليه هذه الادلة العظيمة التي لا يخالفها الا مكابر طمس على قلبه واجتالته الشياطين عن فطرته. نسأل الله تعالى السلامة والعافية. فعلو الله تعالى وصفاته من ابين الاشياء واظهرها دليلا واحق الاشياء واثبتها واقعا هذا دليل الاجماع بعد دليل الكتاب والسنة والعقل والفطرة دليل الاجماع فان السلف الصالح قاطبة مجمعون على ان الله تبارك وتعالى عال على خلقه هذا الاوزاعي عبدالرحمن ابن عمرو الاوزاعي شيخ اهل الشام المتوفى سنة سبع وخمسين ومئة فهو من طبقة اتباع التابعين رحمه الله يقول كنا نقول والتابعون متوافرون اذا هذا نقل للاجماع هذه كلمة مشهورة ذائعة بين التابعين وبين اتباع التابعين وما انكرها احد تفيد علو الله تبارك وتعالى على خلقه والاثار في هذا لا تكاد ان تحصى سئل ابن المبارك رحمه الله كيف نعرف ربنا قال بانه فوق سمائه مباين لخلقه قال شيخ الاسلام رحمه الله وهذا قد تلقاه عنه اهل العلم بالقبول والاثار في هذا كثيرة جدا جاءت عن الصحابة والتابعين واتباع التابعين وعن الائمة الاربعة ابي حنيفة ومالك والشافعي واحمد ثم عن من بعد هؤلاء ممن تلقوا عن اتباع التابعين وهلم جرا الى يوم الناس هذا اهل السنة مطبقون على علو الله تبارك وتعالى وان اردت ان تتطلع على طرف من هذه الاثار والاقوال فعليك بكتاب ثمين للذهبي رحمه الله اسمه العلو العلو للعلي الغفار هذا كتاب من احسن الكتب في تقرير هذا الامر وذكر الشواهد والاثار عليه فان رمت الفائدة فاوصيك بالرجوع الى هذا الكتاب. والله تعالى اعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله واصحابه واتباعه باحسان