بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. واصلي واسلم على الهادي البشير والسراج المنير سيدنا ونبينا وحبيبنا وقرة عيوننا محمد بن عبدالله وعلى اله وصحابته والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. وبعد اخوة الاسلام في كل مكان. فمن رحاب بيت الله الحرام وفي هذه الليلة الشريفة المباركة ليلة الجمعة. ينعقد هذا المجلس المتتابع من هذا المكان المبارك في هذه الليلة المباركة نستكثر فيها من صلاتنا وسلامنا على امام الهدى وسيد الورى. نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر خصائصه الكريمة عليه الصلاة والسلام في مدارستنا لكتاب غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم للامام سراج الدين ابي حفص عمر الانصاري شافعي ابن الملقن رحمة الله عليه وقد وقف بنا الحديث في اخر اقسام الكتاب وهو القسم الثاني من النوع الرابع من انواع الخصائص الذي عقده المصنف رحمه الله تعالى للكرامات والمناقب والفضائل الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما انها قسمان كان اولهما في المسائل المتعلقة بالنكاح وقسمنا الاخير هذا في كراماته عليه الصلاة السلام في غير النكاح هذه اذا فضائل وكرامات تتناوله عليه الصلاة والسلام اصالة وتتناول امته تبعا هو موضوع بعضه في دلائل النبوة واعلامها وبعضه في خصائص الامة وكراماتها وكل ذلك في عداد خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم فاجعلوا مجلسكم هذا ايها المباركون عامرا بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ونحن بهذا نستكثر من خيرات وبركات. فمن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا. كما قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح وهذا اوان الشروع في اخر اقسام الكتاب نسأل الله عز وجل التوفيق والسداد والعلم النافع والعمل الصالح بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم اللهم اغفر لنا وللشيخنا وللحاضرين والمستمعين قال المصنف رحمه الله تعالى القسم الثاني كراماته في غير النكاح وفيه مسائل المسألة الاولى انه خاتم النبيين ولا يعارضه ما ورد من نزول عيسى صلى الله عليه وسلم اخر الزمان فانه لا يأتي بشريعة ناسخة بل مقررا لها عاملا بها انه خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم هذه اولى مسائل هذا القسم من اواخر الكتاب نعم فمن خصائصه عليه الصلاة والسلام ان الله ختم به النبوة وهذه المسألة من قواعد دين الاسلام ومن اصول عقائدنا امة الاسلام ومن واجبات اركان الايمان عندما نؤمن بالنبيين. فان من فروع هذا الاصل العظيم في في اركان الايمان ان نؤمن بختمه للنبوة عليه الصلاة والسلام. دل على ذلك جملة من النصوص. منها صريح قول ربنا سبحانه وتعالى في سورة الاحزاب ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين قرأ بالفتح عاصم وابن عامر خاتم النبيين وقرأ الجمهور بالكسر خاتم النبيين. قيل هما لغتان في خاتم مثل طابع وطابع ومثل دانق ودانق وقيل بل خاتم اسم فاعلين الذي ختم النبوة ببعثته صلى الله عليه واله وسلم. وقيل خاتم يأتي بمعنى انه جاء اخرهم على الاسم بفتح التاء كما في قراءة عاصم وابن فكما في قراءة عاصم وابن عامر رحم الله الجميع فهذا صريح قوله تعالى ولكن رسول الله وخاتم النبيين وفي السنة ايضا حديث ابي هريرة في الصحيحين رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال مثلي ومثل الانبياء قبلي كمثل رجل بنى بيدا بنى بنيانا فاحسنه واكمله. الا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هل لو وضعت هذه اللبنة؟ قال فانا اللبنة وانا خاتم النبيين وفي الصحيحين ايضا من حديث جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال مثلي ومثل الانبياء كمثل رجل ان بنى دارا فاتمها واكملها الا موضع لبنة. فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها زاد مسلم. ويقولون لولا موضع قال صلى الله عليه وسلم فانا موظع اللبنة جئت فختمت الانبياء فهذا صريح بهذا اللفظ في الصحيحين وفي صحيح مسلم ايضا من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام فضلت على الانبياء بست اعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب واحليت لي الغنائم وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا وارسلت الى الخلق كافة قال وختم بي النبيون. فهذه النصوص وامثالها جعلت هذه القضية اصلا في اصول وقاعدة من قواعد شريعتنا وفرعا من فروع ركن ايماننا بانبياء الله ورسله عليهم السلام يقول الامام ابن عطية الاندلسي رحمه الله هذه الالفاظ يعني في الروايات التي سمعتم قبل قليل في الصحيحين قال هذه الالفاظ عند جماعة علماء الامة خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام مقتضية ظن انه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم. اي لا يتنبأ احد بعده. انتهاك كلامه رحمه الله. قال المصنف رحمه الله ولا يعارضه ما ورد من نزول عيسى عليه السلام اخر الزمان واذ ينزل عيسى عليه السلام اخر الزمان كما دل على ذلك جملة ايضا من النصوص الشرعية حيث رفعه الله عز وجل اليه كما قال سبحانه وتعالى وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم قال بل رفعه الله اليه وكان الله عزيزا حكيما. فرفع عيسى عليه السلام الذي ثبت بالنصوص الشرعية ونزوله عليه السلام اخر الزمن ايضا بما دلت عليه النصوص الشرعية غير معارضة لختم النبوة. لئلا يقول قائل كيف سيكون خاتم النبيين ينزل عيسى عليه السلام اخر الزمان وهو نبي فيكون موته عليه السلام بعد موت نبينا عليه الصلاة والسلام فيكون بهذا ختمة النبيين وليس قبله قال في الجواب فانه لا يأتي بشريعة ناسخة بل مقررا لها وعاملا بها. يعني ان نزول عيسى عليه السلام الذي كان بعد رفع الله لحكمة الهية فانه اذا نزل لا يأتي بشريعة مستقلة ناسخة لشريعتنا شريعة الاسلام شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بل انما يحكم بشريعتنا ويعمل بها هكذا يذكر العلماء ونصوا عليه وادلة ذلك كثيرة جاءت متظافرة على هذا المعنى. في مثل قوله تعالى في سورة ال عمران واذا اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه والمراد بالرسول في الاية محمد صلى الله عليه واله وسلم قال ابن عباس ما بعث الله تعالى نبيا الا اخذ عليه الميثاق لان بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه والايمان والنصر يستلزم المتابعة. ولذلك اخرج الامام احمد في المسند من حديث جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا المعنى والذي نفسي بيده لو كان موسى حيا ما وسعه الا ان يتبعني. هذا في حال قبوتهم فكيف بمن رفع منهم الى السماء كعيسى عليه السلام. وينزل في اخر الزمان ويرى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم باقية مستمرة محكمة لكنها تقاصرت او تناقصت بموت علمائها فان بموت العلماء ينقص العلم ويظمحل فاذا جاء عيسى عليه السلام يعمل بها وينصرها ويؤيدها وفي المسند ايضا وسنن ابي داود بسند صحيح من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي عليه الصلاة والسلام قال ينزل عيسى عليه السلام عليه ثوبان ممصران دق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس الى الاسلام. قال ويهلك الله في زمانه الملل كلها الا الاسلام وتقع الامنة في الارض حتى ترتع الاسود مع الابل ويلعب الصبيان بالحيات وقال في اخره ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون فهذا ايضا نص صريح فيه عمل عيسى عليه السلام ودعوته الى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهذه من الادلة التي تظافرت في هذا السياق. فاذا ختم بنبينا عليه الصلاة والسلام النبوة والانبياء ونزول عيسى عليه السلام لا يعارض هذا الاصل لان نزوله انما يأتي تقريرا لهذا الاصل العظيم وعملا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح والذي نفسي بيده ليوشكن ان ينزل عيسى ابن مريم حكما عدلا الى اخر الحديث وفيه الدلالة وعلى هذه المسألة التي اشار اليها المصنف رحمه الله اختصارا. المسألة الثانية ان امته خير الامم معصومة لا تجتمع على ضلالة ها هنا جملتان في ثاني المسائل ان امته صلى الله عليه وسلم خير الامم والمسألة الثانية والجملة الثانية انها لا تجتمع انها معصومة لا تجتمع على ضلالة فان قال قائل هذه منقبة للامة او كرامة للامة او من خصائص الامة ونحن في سياق الحديث عن خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالجواب كما هو واضح لكل مسلم ان الامة ما ارتقت الى هذه الخصائص ولا نالت هذه الكرامات الا بنبيها عليه الصلاة والسلام فهي كرامة حصلت للامة تبعا لكرامة نبي الامة عند ربها عليه الصلاة والسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم لبلوغه المرتبة العلية والمقام الكريم والمنزلة الرفيعة شرف الله امته بتلك فهي خير الامم قال ربنا عز وجل كنتم خير امة اخرجت للناس هذا نص صريح للناس فمنذ ان خلق الله الخليقة. فامتنا خير امة. لسنا نقولها تمدحا ولا افتخار واستعلاء على الامم لكنها تحدث بنعمة اكرمنا الله تعالى بها امة الاسلام. فهذا اذا تشريف يقابله تكليف جليل عظيم وكل غنم بغرمه. والنبي عليه الصلاة والسلام المبعوث الى هذه الامة شرفت امته بهذه انقذت والكرامة الجليلة العظيمة كنتم خير امة اخرجت للناس هذا اللفظ في الماضي كنتم يحتمل تأويلين عند العلماء. اولهما ان ابقاء كان هنا على معناه في المضي في الزمن الماضي والمعنى كنتم في اللوح المحفوظ في الازل خير امة يعني كتبتم هكذا منذ الازل خير امة اخرجت للناس او قيل كنتم مذ امنتم خير امة اخرجت للناس وهذا يتسق مع النصوص التي دلت على تقدم البشارة بنبينا صلى الله عليه وسلم وبامته. فالمعنى كنتم عند من قدمكم من اهل الكتب من اهل الكتب خير امة والمعنى الثاني حمله كان هنا على معنى كان التامة كنتم اي خلقتم ووجدتم خير امة اخرجت للناس. وقيل في قول ثالث ان كان هنا زائدا. والمعنى انتم خير امة ومثل ذلك في النصوص الشرعية قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. وعيسى عليه السلام انذاك لا يزال بين يدي امه مريم فقيف يقال كان كيف نكلم من كان اي من وجد في المهد صبيا. ومنه قوله تعالى واذكروا اذ كنتم قليلا فكثركم وفي الآية الأخرى قال واذكروا اذ انتم قليل المستضعفون. فيكون كان هنا على معنى التمام او على معنى الزيادة غير المؤثرة في المعنى ولهذا قال في صحيح البخاري من حديث ابي هريرة كنتم خير امة اخرجت للناس؟ قال خير الناس للناس والمقصود ان هذا المعنى ثابت بالنصوص الشرعية كنتم خير امة اخرجت للناس وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء اعلى الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم اي خيارا عدولا. فهذا المعنى الاول ويدل له ايضا ايها الكرام جملة من الاحاديث النبوية الثابتة في شرف هذه الامة وكرامتها منها قول الحسن نحن اخر امة واكرمها على الله وقد روى الامام احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث حكيم بن معاوية بن حيدة عن ابيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انتم توفون يوم القيامة سبعين امة انتم خيرها هذا النص المتفق مع قوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس. مرة اخرى نحن لا ندعي هذا تعصبا ولا حمية ولا على الامم لكنه ادراك لشرف مؤثر وخير مقرر وخيرية سابقة منذ الامد ينبغي على الامة ان تستشعرها اي والله فلا يليق بامة جعلها الله بهذه المنزلة في الخيرية ان تهبط الى الحظيظ او تهوي الى القاع يقول صلى الله عليه وسلم واسمعوا امة الاسلام يقول انتم توفون يوم القيامة سبعين امة انتم خيرها وانتم اكرمها على الله عز وجل. الحديث حسنه الترمذي. وفي روايته قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس؟ قال انتم متمون سبعين امة انتم خيرها واكرمها على الله تعالى. وفي حديث علي ابن ابي طالب رضي الله عنه الذي اخرج الامام احمد قال عليه الصلاة والسلام اعطيت ما لم يعطى احد من الانبياء فقلنا يا رسول الله ما هو قال نصرت بالرعب واعطيت مفاتيح الارض وسميت احمد وجعل التراب لي طهورا وجعلت امتي خير الامم وهذا الاسناد حسن وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مما يدل ايضا على خيرية هذه الامة وكرامتها ومنزلتها يوم القيامة بين الامم قوله صلى الله عليه وسلم عرضت علي الامم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان ابي وليس معه احد اذ رفع الي سواد عظيم. فظننت انهم امتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن انظر الى الافق فنظرت فاذا سواد عظيم. فقيل لي انظر الى الافق الاخر فاذا سواد عظيم. فقيل لي هذه امتك ومعهم سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. فذكر الحديث هذه الكرامات التي تدل على خيرية امتنا امة الاسلام يا امة الاسلام تدعون الى استشعار هذه المفخرة والقيام بحقها ايليق بامة كتب لها هذا الشرف وهذا السؤدد ان تعبث في دنياها بالسفاسف وان تضيع الهدف الاجل الذي من اجله خلقت وعليه حييت نحن امة كريمة عند ربنا حقنا والله ان نرعى تلك الكرامة. وامتنا على مفهومها العام امة الدعوة التي بعث فيها نبينا صلى الله عليه وسلم داعيا واخص منها امة الاجابة الامة المسلمة التي اجابت وانقادت للحق فاسلمت واستسلمت لله وشهدت ودانت بالاسلام واتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فانها تقع عليها امانة تبليغ هذا الدين الى امة الاسلام الى امة البشرية امة الدعوة كلها. لتؤدي الامانة وتبرأ الذمة وتقوم بالواجب حق قيام فلا يا امة الاسلام ليس من شأننا ان نضيع في الطرقات او ان نتيه في الظلمات ونحن امة كريمة. لا يليق بنا ان نضيع هذه المفخرة. وان نهوي الى ان نعيش المحقرات فنحن امة كريمة. هذا اذ يقال في مثل هذا السياق نشعر بقدر من الافتخار الحامل على للقيام بواجبه ومتطلباته وما يلزم من ذلك من اداء الامانة على الوجه الاكمل ورعاية هذه الكرامة وهذا الشرف العظيم نسأل الله تعالى الكريم من واسع فضله قال في الجملة الاخرى في المسألة معصومة لا تجتمع على ضلالة. وهذا اصل اخر وهو ايضا معنى جليل ان الله جعل من كرامة هذه الامة اكراما لنبيها عليه الصلاة والسلام. ان تبقى امة محفوظة من الضلال بالعام الذي يضيع معه الحق والذي يفقد معه الصواب والذي تنقاد فيه الامة برمتها الى غواية وظلال وهاوية هذا لن يكون بان العصمة المعقودة للامة اقتضت هذا لا تجتمعوا امتي على ضلالة هذا اللفظ من الحديث النبوي الذي جعله علماء اصول الفقه في الشريعة اصلا يبنون عليه ثالث الادلة الشرعية وهو دليل هذا اللفظ النبوي جاء من طرق كثيرة في حديث مشهور لا يخلو احد منها مما قال مهما تعددت الطرق ولكنها على كثرتها يعضد بعضها بعضا. منها حديث ابي داوود في في سننه عن ابي مالك الاشعري رضي الله عنه ان النبي عليه الصلاة والسلام قال ان الله اجاركم من ثلاث خلال ومنها قال لا تجتمعوا على ضلالة. وفي اسناده انقطاع وعند الترمذي والحاكم لا تجتمع هذه الامة على ضلال ابدا يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله ويمكن الاستدلال بحديث معاوية رضي الله عنه فيما اخرج الشيخان لا يزال من امتي امتي قائمة بامر الله لا يظرهم من خذلهم ولا من خالفهم. وجه الاستدلال انه بوجود هذه الطائفة القائمة بالحق الى يوم القيامة لا يجعل الاجتماع على الضلالة وايضا مما اخرجه كثير من اصحاب السنن والمسانيد ما يدل على هذا المعنى العظيم منها حديث الترمذي ان الله لا ايجمع امتي او قال امة محمد على ضلالة ويد الله على الجماعة ومن شذ شذ الى النار. وفي حديث ابن عباس يد الله مع الجماعة وامثال هذا كثير في اجتماع امة الاسلام على الحق والصواب وعدم ضياع الحق منها وبقائها في الجملة. وان وقع فيها الخطأ او الخلل او الانحراف او علت موجة الباطل في فترة من الفترات او طغت زمرة الشيطان وحزبه في زمن من الازمان او ضعف الحق وخفت صوته الا انه سيبقى بقية باقية على الحق الى يوم الدين الى قيام الساعة يحفظون بامر الله دين الله ويرفعون بفضل الله راية الاسلام ويحفظون الشريعة ويقومون بها حق القيام ويمتثلون فيها بالواجب الذي امر الله جل جلاله. فكان هذا منقبة للامة انها مع خيريتها هي معصومة لا تجتمعوا على ضلالة يعني لا يمكن ان تجتمع في زمن من الازمان عن بكرة ابيها يطبقون كلهم على باطل فيضيع الحق من بينهم ولا يعرف الصواب على وجه الارض في فترة من الفترات مرة اخرى ساقول مهما ضعف الاسلام في زمن من الازمان وعلت موجة الباطل واشتد خصومه وتكالب اعداءه الا ان الله حافظ دينه. وناصر شريعته ومتم نوره جل جلاله ولعل مما يمكن ان يقال ان خيرية الامة مستفادة في بعض وجوهها من هذا المعنى. وهو بقاؤها على الحق واجتماعها عليه وعدم افظائها بالجملة الى الباطل فظلا من الله عز وجل وكرامة لهذه الامة وهي ايضا في الوقت ذا خصيصة من خصائص نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وسلم المسألة الثالثة ان اجماعها حجة على الصحيح واجماع غيرها من الامم ليست بحجة عند الاكثرين. خلافا للاستاذ ابي اسحاق واخرين واختار الامدي التوقف في ذلك هذه المسألة الثالثة فرع عن الجملة الثانية في المسألة الثانية لما قال هناك معصومة لا تجتمع على ضلالة ولو ان المصنف رحمه الله ضم تلك الجملة الى هذه المسألة لك انت اوفق لان معنى عصمتها من الاجماع او الاجتماع على ظلالة هذه العصمة يتفرع عنها حجية هذا الاجماع فاذا احجية اجماع الامة مبني على عصمتها من الضلالة. فلو قال قائل ما الدليل على حجية الاجماع؟ سيقال هو العصمة من الضلالة. فاذا هذا اصل لتلك او هذه فرع لتلك المسألة. ومعنى حجية الاجماع امة الاسلام ان الله عز وجل جعل في شريعتنا في ملتنا في احكام فقهنا امة الاسلام. ان يكون لنا من الادلة التي نحتكم اليها فنبني عليها احكاما الشريعة عندنا عندما لا يوجد الدليل الصريح من الكتاب او من السنة او يوجد في عرض به دليل الاجماع. ومعناها اتفاق الامة تين وعدم اختلافها على امر من الامور يعد اجماعا. ويكفي في قيام الحجة. ولا يلزم منه الاتيان بدليل دليل مأثور من كتاب او سنة صريحا منطوقا فيكفي الاجماع ولذلك شواهد جمة في احكام الاسلام لا يوجد فيه النص الصحيح الصريح بلفظه الدال على على حكم فيكتفى فيه بالاجماع. لان الاجماع في ذاته حجة وهو متظمن ولابد لشيء من الادلة الشرعية الحجة ببابها وما هو ما يسميه الاصوليون بمستند الاجماع؟ فقوله ان اجماع الامة حجة يقابله مقارنة هذا باجماع غيرها من الامم. قال رحمه الله واجماع غيرها من الامم ليس بحجة عند الاكثرين والنقاش وفي هذا مما لا طائل تحته بالنسبة الينا واذا عقدت المقارنات افتقرنا الى ادلة اثبات او دفي فيما يتعلق بشرائع الامم. وهذا مما لا سبيل الى الوصول اليه يعني لا سبيل الى الاستدلال بحجية اجماع الامم السابقة ولا سبيل الى الاستدلال على نقيضه بعدم الحجية ادلتنا في شريعتنا شاهدة لاحكام ملتنا. لا على ما كان في الشرائع السابقة من الاحكام. ولهذا قال اجماع غيرها من الامم ليس فبحجة عند الاكثرين يعني عند جمهور العلماء خلافا للاستاذ ابي اسحاق واخرين. واختار الامدي التوقف في ذلك وماخذ توقف الافتقار الى الدليل الصريح الذي تثبت بمثله المسائل والعلم عند الله تعالى. المسألة الرابعة ان شريعته مؤبدة وناسخة لجميع الشرائع رابع المسائل ان شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مؤبدة. ومعنى التأبيد بقاؤها الى الابد الى يوم القيامة وهذا في مقابل شرائع الامم السابقة والانبياء السابقين عليهم السلام فان شريعة كل نبي تنتهي ببعثة نبي بعده الا اذا عمل بشريعته. فلما جاءت شريعة الاسلام نسخت ما قبلها. فلما نسخت ما قبلها تفردت حكم بين البشر وبقيت ابدا الى قيام الساعة. فكونها ناسخة لما سبق جعل لها الهيمنة والسيادة وكون نبي خاتم النبيين ضمن لها البقاء الابدي. فاذ لا نبي بعده فلا شريعة اذا بعد شريعته صلى الله عليه وسلم واذا ختمت به الرسالات فرسالته خاتمها وكتابها خاتم الكتب ونبيها خاتم النبيين عليه وعلى الانبياء افضل الصلاة تم التسليم. يقول ربنا سبحانه وتعالى وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا هكذا على العموم فتبقى المسائل كلها مناطة بحكمه وامره ونهيه عليه الصلاة والسلام. فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او عذاب اليم الطبيع العمومي قوله تعالى هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. ولو كره المشركون قال سبحانه وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. فقوله سبحانه وتعالى ومهيمنا يدل على ان شريعتنا وكتابنا الذي اكرمنا الله تعالى به جعل الله تعالى له من البقاء والتأبيد ما نسخت به الشرائع السابقة وحكم ببقاء شريعتنا الى قيام الساعة كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس. انزل معهم الكتاب يعني الكتب اي او انزل مع كل واحد كتابه ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه. وما اختلف فيه الا الذين اوتوه اليهود والنصارى. من بعد ما جاءتهم بينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه. فهدى الله الذين امنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وهم هذه الامة الى ما اختلف فيه من قبلهم هداهم الى ما اختلفوا فيه من الحق. قال والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. هذا الصراط مستقيم والطريق القويم الذي لا يجوز العدول عنه ولا التمسك بغيره هو النسخ بعينه لشرائع من سبق والاستمساك به دلالة على بقاء شريعتنا مؤبدة ناسخة لما سبقها من الشرائع ومثله قوله تعالى وان هذا صراط مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون. في الحديث الصحيح الذي اخرج الامام مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمع بي احد من هذه الامة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي ارسلت به الا كان من اصحاب النار فهذا على ماذا يدل يقول الامام النووي رحمه الله في شرحه للحديث فيه دلالة على نسخ الملل كلها برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم لما قال وانما ذكر اليهود والنصارى قال لا يسمع بي يهودي ولا نصراني. قال وانما ذكر اليهود والنصارى تنبيها على من وذلك لان اليهود والنصارى لهم كتاب. والكلام للامام النووي رحمه الله. قال فاذا كان هذا شأنهم مع ان لهم كتابا فغيرهم ممن لا كتاب له اولى والله اعلم انتهى كلامه رحمه الله. ومن ذلك حديث قصة عمر رضي الله عنه لم ما رأى النبي عليه الصلاة والسلام في يده قطعة من التوراة فغضب وقال امتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية وامثلة هذا من النصوص الدالة على تأبيد شريعتنا ونسخها لما سبق من الشرائع وهي من خصائص نبينا صلى الله عليه واله وسلم المسألة الخامسة ان كتابه معجز بخلاف سائر كتب الانبياء محفوظ عن التحريف والتبديل واقيم بعده حجة على الناس ومعجزات سائر الانبياء انقرضت بانقراضهم هذه المسألة الخامسة المتعلقة بكتابنا كتاب نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن كلام الله جل جلاله الذي اكرمنا الله تعالى به. كم هي حظية امة الاسلام بدينها وبنبيها صلى الله عليه وسلم وبشريعتنا وبكتابنا كلام الله القرآن الذي جعله الله تعالى مهيمنا على سائر الكتب هذه المسألة المتعلقة باعجاز القرآن قال بخلاف سائر كتب الانبياء محفوظ عن التحريف والتبديل واقيم بعده حجة على الناس ومعجزات سائر الانبياء انقرضت بانقراضهم. هذه ثلاث جمل متعلقة بخصائص القرآن مقارنة بكتب الانبياء السابقين عليهم السلام الجملة الاولى تتعلق بالاعجاز والثانية بالحفظ من التحريف والتبديل والثالثة المتعلقة بالبقاء والديمومة دون انقراض والحق ان كل واحدة منها تستحق ان تكون خصيصة تتعلق بهذا الكتاب العظيم. والا فخصائص القرآن الكريم جما وفضائله عظيمة وما جعله الله تعالى في كتابه جل جلاله وكلامه العظيم تبارك وتعالى اعظم واجل من ان يحصى وفي مجلس كهذا بل ومجالس اضعافه. لان القرآن العظيم فيه من الكرامات والفضائل والمناقب ومن الخصائص شيء عظيم نطقت به النصوص الشرعية في الكتاب والسنة. وحسبنا ما اشار اليه المصنف رحمه الله اما كونه باقيا الى قيام الساعة فهذا من اوجه واوضح واجلى وجوه كون القرآن معجزة لنبينا عليه الصلاة والسلام لان المعجزات ايها الكرام ودلائل نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم على قسمين منها الحسي ومنها المعنوي والمقصود بالحسي ما وقع حسا فرآه او سمعه او عاينه وشهده من حضر المعجزة من امة الاسلام ان نداك وهذا مثل انشقاق القمر ونبع الماء من بين اصابعه وتكفير الطعام بين يديه وانقياد الشجر اليه وتسليم الحجر عليه. وامثلة هذا كثيرة جدا في معجزات التي خصت بمصنفات تسمى بدلائل النبوة هذه المعجزات الحسية انحصارها في اوانها فانه لا يدركها الا من شهدها ومن جاء بعدهم كمثلنا امة الاسلام انما نؤمن بها لثبوتها بمثل ما تثبت به الادلة الصحيحة التي تقوم وبها الحجة. قرآن ناطق او حديث صحيح ثابت. فنؤمن بها ونصدقها لكأننا كنا معهم فشاهدناها ورأيناها رأي عين اقتربت الساعة وانشق القمر رآها فئام ونحن وان لم نرها لكننا نؤمن بها كأننا رأيناها تكاثروا الطعام بين يديه. نبع الماء من بين اصابعه عليه الصلاة والسلام ما رأيناها. لكننا والله نؤمن بها كما لو رأيناها ايمانا بما ثبتت بمثله النصوص الصحيحة الدالة عليه. هذا القسم الاول من المعجزات الحسية القسم الاخر المعجزات المعنوية واعظمها واجلها كتاب الله جل جلاله. فان قال قائل هو محسوس بمعنى هو باق مقروء منظور مسموع نعم لكن المعنى في بقائه هو المعنى المعنوي الكبير الذي يدل على بقاء هذه المعجزة شاهدة. فالقرآن الذي تقرأونه اليوم امة الاسلام في الصلوات وتسمعونه من الائمة او قراء ويقرأه صغارنا قبل كبارنا هو الذي انزله الله على نبينا صلى الله عليه وسلم سورة سورى. والله اية اية وكلمة كلمة ما نقص منه حرف ولا تبدلت منه حركة ولا فقدنا منه اية ولا ضاعت منه سورة. اربعة عشر قرنا من الزمان قضتها الامة فقدت فيها كل تراثها السابق من حضارة وعمران وامجاد وتاريخ وبقي محفوظا في اخبار تروى. ويبقى القرآن غظا طريا كما انزل على محمد صلى الله عليه وسلم هذه معجزة عجيبة خالدة مستمرة باقية على مر الزمان. الجملة الاخرى كون القرآن محفوظا مصونا عن التحريف والتبديل وهذا ايضا بحفظ الله جل جلاله. القائل في كتابه مؤكدا جل جلاله هذا المعنى باقصى ما يمكن ان يؤكد مثله الكلام في لغة العرب انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. والذكر كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحاوية لشريعتنا باحكامها اصولا وفروعا اسمعوا مرة اخرى انا نحن والمتكلم رب العزة والجلال. يقول انا بان المؤكد المقترنة بناء الدالة على العظمة المتكلمين للجمع الدال على التفخيم والعظمة ثم يؤكد بضمير منفصل نحن انا نحن نزلنا الذكر هذا التأكيد في تنزيله. ثم قال وانا له لحافظون بالمؤكدات ذاته ان المقترنة ببناء الدالة على العظمة ثم يأتي الخبر مقترنا باللام المؤكدة التي يقول عنها بعض النحات لام القسم وانا له لحافظون. اي حفظ حفظ الله تعالى به الذكر الحكيم؟ القرآن الكريم سنة مطهرة قل ما شئت من اوصاف وعدد ما شئت لكنك سترى اقرب وصف ان ترى القرآن بين يديك اليوم غض طريا وان ترى السنة محفوظة فنيت اجيال في مشروع حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. حفظ صدور وحفظ سطور وحفظ معنى وحفظ فقه واقبال شيء عجيب شهدته امة الاسلام في تاريخها من اجل ان يتحقق وعد الله الكريم وانا له لحافظون كان من حفظ شريعته جل جلاله بوعد من عنده. هذه الاية التي نشعر فيها بعظيم منة الله علينا امة الاسلام في حفظ شعيرتنا وشريعتنا وديننا وكتابنا يأتي في مقابل لقوله تعالى انا انزلنا التوراة فيها هودى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه الشهداء ما تكفل الله بحفظه بل وكل الحفظ اليهم فكانت النتيجة في تلك الكتب الضياع والتحريف والتبديل والزيادة والنقصان اليوم نجد للتوراة عهدا قديما وجديدا ونسخا ولا يدرى ايها في الجمل كلام الله وايها ما دخله التحريف ونجد للانجيل ثلاث نسخ وكل نسخة تختلف عن الاخرى وفيها ما ليس في غيرها وجمل وعبارات فليت شعري كيف يصدق ان يقال هذا الانجيل الذي انزله الله على عيسى عليه السلام والقساوسة والاحبار والرهبان اول من يعترف بمثل هذا الذي نال كتابهم لا لشيء الا لان الله عز وجل خصنا في امتنا بحفظ كتابه الكريم فكانت هذه الاية الباقية. وهذا معنى قول المصنف رحمه الله محفوظ عن التحريف تبديل. واما الحديث عن كون القرآن معجزا بخلاف سائر كتب الانبياء فالمقصود بالاعجاز ان كان الحفظ فقد تقدم وان كان المقصود به التحدي الذي انزله الله تعالى على العرب فتحداه من ياتوا بمثله او بعشر سور مثله او باية من مثله فعجزوا فهذا معنى يحتاج فيه الى ان ينفى هذا المعنى عن غيره من الكتب كالتوراة والانجيل. ولهذا يقول العلامة الخيظري هذا يحتاج الى تحقيق في معرفة الكتب المذكورة كالتوراة والانجيل فان التوراة باللغة العبرانية والانجيل بالسريانية ولا يعرف قوة كلامهما وهل هو معجز ام لاء الا من عرف فصاحة تلك تلك اللغة وهو مستحيل علينا قال لكن يظهر ان يقال تحدى الله تعالى كل امة بما هو الغالب من احوالهم. فان ايام بعثة موسى عليه السلام كان قالب على اهله الاشتغال بالسحر والتخيلات حتى وصلوا الى ذلك حتى وصلوا من ذلك الى امور عظيمة لم يصل الى غيرهم ممن عانى ذلك ولم يكن من شأنهم فصاحة الكلام ولا بلاغة النظام فتحداهم الله بشيء من جنس ما هو اعظم امورهم. وهو قلب الاعيان وتصير العصا حية واليد بيضاء من غير سوء ما حيروا عقولهم ولم يقدروا على معارضته بمثله. فعند ذلك رجعوا الى الحق وعرفوا انهم على غير شيء وكذلك ايام عيسى عليه السلام كان الغالب عليهم الاشتغال بالحكمة والتفنن فيها. فجاءهم عيسى عليه السلام بخارق لا تصل حكمتهم اليه واحياء الموتى وابراء الاكمه والابرص ولم يكونوا معروفين بشيء من الفصاحة. واما زمان نبينا صلى الله عليه وسلم فلسانه عربي واجمع الفصحاء من كل لسان ان اللغة العربية افصح اللغات واقواها واجمعها للمعاني واوجزها. لا يشك في ذلك كاحد ولا شك ان قريشا كانت افصح العرب وقد خصوا من البلاغة بما لم يصل اليه غيرهم واوتوا من دراية ما لم يؤت انسان ومن فصل الخطاب ما يحير الالباب جعل الله لهم ذلك طبعا وفيهم غريزة. يأتون منه على البديهة بالعجب ويدلون به الى كل سبب. فيحيطون بديها في المقامات فيخطبون بديها في المقامات وشديد الخطب ويرتجزون به بين الطعن والضرب ويمدحون ويقدحون ويتوسلون ويتوصلون ويرفعون ويضعون فيأتون من ذلك بالسحر حلال فلهم في البلاغة الحجة البالغة والقوة الدامغة لا يشكون ان الكلام طوع مرادهم والبلاغة بذل قيام ملك قيادهم وهم افسح الناس في هذا الباب مجالا واشهرهم في الخطابة رجالا واكثر في والشعر ارتجالا واوسع في اللغة والغريب مقالا. ومع ذلك تحداهم الله العظيم بهذا القرآن الكريم ونزل بلغتهم التي بها يتحاورون ومنازعتهم التي عنها يتناولون صارخا بهم في كل حين ومفرغا ومقرعا لهم بضعا وعشرين عاما على رؤوس الملأ اجمعين ام يقولون افتراه. قل فاتوا بسورة مثله وقال وان كنتم في ريب ممن نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله. قال فان لم تفعلوا ولن تفعلوا. وقال قل لان اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن. لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. الى اخر ما ساق رحمه الله في هذا السياق الدال على ثبوت هذا المعنى في القرآن. فيمكن ان يقال هذا المعنى في التحدي الواقع في القرآن الكريم مع امة العرب التي نزل القرآن بلسانها لا يعرف مثله في التوراة والانجيل. فمن هنا يقال ان القرآن معجز بخلاف سائر كتب الانبياء السابقين عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة واتم التسليم ومن ذلك اتضح معنى كلامه ان القرآن معجز في اول الجمل محفوظ عن التحريف والتبديل في ثاني الجمل قال وفي الثالثة آآ اقيم حجة على الناس ومعجزات سائر الانبياء انقرضت من قيراطهم ومن لطائفي هذا ما حكى الامام القرطبي رحمه الله في تفسيره باسناده الى يحيى بن اكثم قال كان للمأمون وهو امير اذ ذاك مجلس نظر فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة. قال فتكلم فاحسن الكلام والعبارة قال فلما ان تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له اسرائيلي؟ قال نعم قال اسلم حتى افعل بك واصنع ووعده يعني باكرام فقال اليهودي ديني ودين ابائي وانصرف قال فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما قال فتكلم على الفقه فاحسن الكلام. فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال الست صاحبنا بالامس قال له بلى. قال فما كان سبب اسلامك؟ قال انصرفت من حضرتك فاحببت ان امتحن هذه الاديان وانت ترى حسن خطي. فعمدت الى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وادخلتها الكنيسة. قال فاشتريت مني وعمدت الى الانجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وادخلتها البيعة. فاشتريت مني وعمدت الى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت وادخلتها الوراقين. يعني الذين كانوا ينسخون الكتب ويبيعونها في المكتبات قبل المطابع. يسمون بالوراقين مساخين. قال فادخلتها الوراقين فتصفحوها. فلما وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها. فعلمت ان هذا هذا كتاب محفوظ فكان هذا سبب اسلامي قال يحيى بن اكثم فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر. فقال لي مصداق هذا في كتاب الله عز وجل قلت في اي موضع؟ قال في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والانجيل بما استحفظوا من كتاب الله فجعل حفظه اليهم فضاع وقال عز وجل انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. قال فحفظه الله عز وجل علينا فلم يظع اي والله امة الاسلام لم ينقل عن امة حفظ كتابها من اوله الى اخره كما تحفظه هذه الامة بل يحفظه الاعاجم قبل العرب والصغار والاطفال ومن يشغلهم الله و واللعب قبل الكبار والعقلاء وهذا كله من اعظم الايات. بل يحفظه الاميون الذين لا يحسنون كتابة ولا قراءة ويستظهرون كتاب الله باكمله عن ظهر قلب لا يسقطون منه حرفا ولا يخطئون في كلمة ومن شهد المسابقات القرآنية في مختلف الاقطار والبلدان على وجه الارض اليوم يشهد بمصداق ذلك. وهو الله لون عجيب عجيب للغاية يشهد فيه المسلم تحقيق وعد الله الكريم انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. والكلام في في هذا المقام طويل عريض مما يروى فيه من القصص ويحكى فيه من الحكايات عن الامم السابقة من علمائها واحبارها وبانها فضلا عن عامة الامة فيها. بما يتعلق بصون القرآن او تلك الكتب وحفظها. ليظهر الفارق البين الذي اشار اليه المصنف بقوله وان كتابه معجز بخلاف سائر كتب الانبياء محفوظ عن التحريف والتبديل. واقيم بعده حجة على الناس ومعجزات سائر الانبياء انقرضت بانقراضهم والحمدلله على فضله المسألة السادسة انه عليه الصلاة والسلام قال نصرت بالرعب مسيرة شهر كما ثبت في الصحيح وروينا من حديث السائب اه وروينا من حديث السائب ابن اخت بنمر فضلت على الانبياء بخمس فذكر منها نصرت بالرعب شهرا امامي وشهرا خلفي نعم هذه سادس المسائل نصره صلى الله عليه وسلم بالرعب مسيرة شهر روى البخاري ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطيت خمسا لم يعطهن احد من الانبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا فايما رجل من امتي ادركته الصلاة فليصلي واحلت لي الغنائم ولم تحل لي باحد قبلي واعطيت الشفاعة. وكان النبي يبعث الى قومه خاصة. وبعثت الى الناس عامة وروي ايضا نحو هذا من حديث ابن عباس وابي ذر وابي موسى رضي الله عنهم جميعا واخرج ذلك الامام احمد ومن حديث عبدالله بن عمرو بن العاص. ووقع في حديثه افادة تعيين الوقت الذي ذكر فيه النبي عليه الصلاة والسلام. هذا الحديث العظيم وهذه الخصائص الكريمة وهو في غزوة تبوك وروى الطبراني ايضا هذا الحديث من رواية ابي سعيد الخدري رضي الله عن الجميع الحديث فيه الخمس الخصائص والخصال المذكورة وشاهدها في مسألتنا قوله نصرت بالرعب مسيرة شهر فما معناه؟ معناه ان عدو الاسلام ومحارب النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتعد منه ولو كان على مسيرة شهر فمفهوم الحديث بقوله اعطيت خمسا لم يعطهن احد من الانبياء قبلي ان هذا لم يوجد لغيره صلى الله عليه وسلم في في هذه المدة ولا اكثر لكن هل يمكن ان يكون قد نصر بعض الانبياء بما دون الشهر دون ذلك لا رواية فيه او لا يفهم الحديث منهم لكن في رواية عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عند الامام احمد في المسند قال ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فالظاهر اختصاصه به مطلقا اختصاص النبي عليه الصلاة والسلام بهذه المسألة وهذه الكرامة. قال وانما جعل الغاية شهرا لانه لم كن بين بلده وبين احد من اعدائه اكثر منه. قال العلامة الخيضري وفي هذا نظر فان دعوته صلى الله عليه وسلم بلغت اطراف البلاد البعيدة مما مسيرته اكثر من شهر وكل من لم يجبه الى الاسلام فهو عدوه الا ان تحمل العداوة على من راسله واستمر على المخالفة والمنابذة. هذه الخصوصية حاصلة على الاطلاق حتى لو كان وحده صلى الله عليه وسلم بغير عسكر لكن هل هذا يحصل للامة من بعده عليه الصلاة والسلام ام هو خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم بذاته فيه احتمال ابداه بعض العلماء كما يقول الامام الحافظ ابن حجر رحمه الله وقع في بعظ الروايات مسيرة شهرين بلفظ التثنية. اخرج ذلك الطبراني في معجمه بسنده من حديث مجاهد قال نصر النبي صلى الله عليه وسلم بالرعب شهرين على عدوه. وآآ في هذا ما اخرجه البيهقي ايضا في سننه في ابواب الصلاة. من حديث ابي امامة رضي الله عنه قال فظلت باربع الى قال ونصرت عن من مسيرة شهرين بالرعب يسير بين يدي. اخرجه الترمذي وصححه وهذا الذي في البيهقي انما هو بلفظ شهر لا بلفظ شهرين. والترمذي لم يخرج هذا الحديث بلفظه من رواية ابي امامة كما قال الذهبي في مختصره السنن لكن المقصود ما سبق من الروايات التي سمعتم. والصحيح منها فضلت او نصرت بالرعب بمسيرة شهر الذي ثبت به الحديث في الصحيحين وغيرهما فالظاهر ان هذا الرعب الذي يقع في قلوب اعداء النبي عليه الصلاة والسلام كان كرامة من الله. والرعب جند من جنود الله. فكما نصر النبي عليه الصلاة والسلام بسائر وجوه النصر كان الرعب الذي يقذف في قلوب اعدائه ايضا من جنود الله التي ينصر بها نبيه. في غزوة الاحزاب امتن الله عز وجل ايضا بهذه المنة قال وقذف في قلوبهم الرعب. وفي غزوة ايضا بني قري بني النظير. قال وقذف في قلوبهم الرعب بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين. قال الله عز وجل في سورة الاحزاب وانزل جنودا لم تروها فكان منها الملائكة الكرام عليهم السلام. وكان منهم الريح التي قلبت قدورهم واكفأت انيتهم وخلعت وقلعت خيامهم. وكان منها ما قال الله عز وجل ايضا في نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم لما ذكر في ختام احداث غزوة الاحزاب قال ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين ان شاء او يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما. وانزل الذين ظاهروهم من اهل الكتاب صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا. فالرعب الذي قذفه الله عز وجل في قلوب الاعداء كان جندا من جند به جل جلاله وهو من نصر نبيه عليه الصلاة والسلام. وكونه مسيرة شهر. يعني ان كان سيسير الى عدوه لملاقاته في مرض ما فان الرعب يسبق النبي عليه الصلاة والسلام الى الاعداء. قال هنا فذكر في الحديث في الرواية التي ذكرها المصنف قال انا نصرت بالرعب شهرا امامي وشهرا خلفي. هذا الحديث الذي رواه المصنف هو المقصود بما سبق في حديث الطبراني مسيرة شهرين وفيه ظعف كما تقدم في كلام العلماء المحدثين في بيان الثابت منها مسيرة شهر لا شك شهرين كما ثبت في الصحيحين وغيرهما والله اعلم المسألة السابعة ان رسالته عامة الى الانس والجن وقل لنبي وكل نبي بعث الى قومه خاصة واما نوح عليه السلام فصارت رسالته عامة بعد الطوفان لانحصار الباقين فيما كان معه في السفينة واما قبله فاختلفوا في عمومها. فقيل كانت عامة لعموم العقم كانت عامة لعموم العقاب بالطوفان لمخالفته. وقيل كانت خاصة لقومه. نعم هذه المسألة السابعة عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم الى الانس والجن وهي المتقدمة في حديث جابر السابق في المسألة السابقة اعطيت خمسا لم يعطهن احد من الانبياء قبلي وذكر منها وبعثت الى الناس كافة. قال وكل نبي يبعث الى قومه خاصة. وبعثت الى الناس كافة. فعموم رسالته عليه الصلاة والسلام الى الانس والجن الى الثقلين ثم الى من شهده والى من جاء بعده الى يوم القيامة. بعث الى العرب والعجم وليس الى قريش وحدها. ولا الى عرب في الجزيرة وحدهم ويدل على هذه الخصيصة التي سيق لها هذه المسألة قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق اعطيت خمسا لم يعطهن احد من الانبياء قبلي كما تقدم وفي الاية الكريمة وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ومثله قوله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين. وقوله عز اسمه قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا. فهذا على عموم رسالته عليه الصلاة والسلام قيل فما شأن نوح عليه السلام لانه لما بعث كانت دعوته وبعثته الى كل اهل الارض انذاك حتى يقال رسالته ايضا كانت عامة. اجاب فقال انما كان عموم رسالته بعد الطوفان والمعنى انه لما اهلك الطوفان ومن على وجه الارض انحصر الباقون في من كان معه في السفينة فليس العموم الذي هو في عموم رسالة في نبينا عليه الصلاة والسلام. نعم. تنبيه عبر الرافعي بقوله وبعث الى الناس كافة وتبع في ذلك القرآن والحديث. يعني المصنف قال هنا رسالته عامة الى الانس والجن. وعبارة الرافعي بعث الى الناس كافة فقال اختلاف اللفظ هنا ليس خصوص الناس بمعنى الانسان دون الجن. قال انما هو لفظ القرآن والحديث. ارسلناك وما ارسلناك الا كافة للناس ومنه ايضا الحديث وبعثت الى الناس كافة. فقال هو اقتصر او تبع لفظ الحديث والقرآن وتقيد به. لكن انه ليس معناه اخراج الجن من ذكر الانس في في اللفظ خاصة. نعم وهو معنى قولي اولا الى الانس والجن فان الناس قد يكونوا من الجن ومن الانس واصله اناس مخفف نبه عليه الجوهري. والمعنى الاتفاق فيما ذكره وذكر غيره. ثمت هنا المسألة السابعة ولهذا النوع في القسم الاخير تتمة من المسائل نأتي عليها تباعا بعون الله تعالى في المجالس المقبلة ان شاء الله جل جلاله وبقي في ليلتكم بقية من بركاتها وخيراتها. وفي جمعتكم غدا ايضا من بركاتها وخيراتها. رطب لسانك ذاكرا رب الهدى ثني وصل على الحبيب المهتدى. الهاشمي محمد طه الذي روحي وروح المسلمين له فدى. فاللهم وسلم وبارك عليه كما تحب ان يصلى ويسلم عليه. وارزقنا الهي بالصلاة والسلام عليه مراتب الابرار ومنازل السعداء. فرج عنا بها الكربات واقض عنا بها الديون واكشف عنا بها كل غمة وكربة اله الحق يا سميع الدعاء واجعلنا الهي بالصلاة والسلام عليه. في سعة من امرنا ورحمة من عندك يا ارحم الراحمين. اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا كم الامة يا رب واكشف الغمة. اللهم ارحم البلاد والعباد من هذا الوباء واكشف الداء يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلي يا وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين