بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الحمد في الاخرة والاولى واشهد ان سيدنا ونبينا وقرة عيوننا محمدا عبد الله ورسوله. صلى الله عليه وعلى آل بيته وصحابته وسلم تسليما كثيرا. صلوا على خير خلق الله واغتنموا فضل الصلاة من الرحمن ذي المنن صلى الاله على المختار سيدنا ما امطر المزن في شام وفي يمني. اكثروا الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ايها المسلمون فانها ليلة كريمة مباركة ليلة الجمعة التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه واله وسلم اكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فان صلاتكم معروضة علي فاعرض عبد الله ما شئت من صلاة وسلام على ربك عز وجل من ربك عز وجل تعرض صلاتك على نبيك صلى الله عليه وسلم فلك الشرف وصل وسلم ما شئت على نبيك صلى الله عليه وسلم يصلي عليك ربك عشرة اضعاف ما صليت عليه صلى الله عليه وسلم فلك الاجر والشرف والفخر والذخر اما انها ليلة مباركة في مكان عظيم مبارك في رحاب بيت الله الحرام. وها نحن ذا في هذه الليلة المباركة يوم الثالث من شهر ربيع الاول سنة اربع واربعين. واربعمائة والف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. نستفتح كتابا جديدا في هذا المجلس نتدارس فيه سيرة وشمائل وشيئا ما يعرفنا بنبي الامة وهاديها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. مبتدئين بعون الله تعالى وتوفيقه مدارسة السفر المبارك كتاب زاد في هدي خير العباد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم. وهذا الاستمرار المبارك في هذا المكان المبارك وفي هذه الليلة المباركة رجاء ان يكون لنا اوفر الحظ والنصيب من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة. وان يكون لنا من جديد العمل وشريف القربة الى الله سبحانه وتعالى. ما نغتنم به فضل ولمكان ولمجلس المبارك امة الاسلام وزادوا المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه وسلم للامام ابن القيم رحمه الله يأتي في سياق ما نحن بصدده من مدارسة سيرتي وشمائل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. بعد ان يسر الله لنا فتمت لنا مدارسة الشمائل من كتابي المختصر لها ثم مدارسة حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب الشفا للقاضي عياض رحمه الله العالم وبين يدي مدارستنا لكتاب الزاد الذي سنشرع القراءة فيه بعون الله تعالى الاسبوع المقبل ان شاء الله تعالى فان يدي مدارستنا لهذا الكتاب في مجلس الليلة حديث عن الكتاب وعن مصنفه رحمه الله تعالى. اذ يحسن بكل من ادرس كتابا ويفيد منه علما ويرجو ان يكون قد احاط بمقاصده. ووقف على فوائده ونهل مما اودع صاحبه من العلم والفائدة ان يكون ملما بما يعينه على اكبر قدر من ذلك الفهم والادراك والتحصيل وما زال عند طلبة العلم العناية بالكتاب وبمؤلفه من المقاصد المعينة على فهمه وادراك مراميه. والحديث وفي هذا المجلس بعون الله تعالى منقسم الى قسمين. احدهما عن المؤلف والثاني عن الكتاب. اما اول هذين القسمين فتعريف بالامام العلم احد اعلام الامة الكرام. وعلمائها العظام الامام شمس الدين. ابو عبد لا محمد بن ابي بكر بن ايوب بن سعد بن حريز بن مكي. زين الدين الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي المشهور عند طلبة العلم وعامة اهل الاسلام بابن القيم او بابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى والامام محمد بن ابي بكر الدمشقي ابن القيم رحمه الله تعالى. احد ائمة الاسلام وعلمائها العظام الذين كانت لسيرتهم وحياتهم ارث عظيم واثر مبارك. فهو من اجلة الاعلام والعلماء الائمة الاعلام الذين نفع الله تعالى بعلمهم لدى التاريخ ذكرهم. اتفق من ترجم له على ان ولادته رحمه الله كانت كانت يوم السابع من شهر صفر سنة احدى وتسعين وستمائة من هجرة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم. ولد محمد بن ابي بكر شمس الدين ابن القيم رحمه الله ببلاد الشام. وعاش بها حياته. ودهو رحلات الى الحج والمجاورة بجوار بيت الله الحرام وانتقال ورحلة ذكرت له الى ارض مصر للقاء العلماء وطلب العلم وتحصيله. اشتهر رحمه الله بهذا اللقب ابن القيم او ابن قيم الجوزية. وسبب ذلك ان لقب قيم الجوزية هو لوالده الشيخ ابو بكر ابن ايوب الدمشقي رحمه الله. وابوه الشيخ ابو بكر كان قيما لمدرسة الجوزية فقيل له قيموا الجوزية والمراد بالقيم الناظر على المدرسة. والقائم عليها كالمسئول والمدير والقائم على رعايتها وترتيب ادارتها فكان يقال للقائم على المدارس انذاك يقال له قيم والمدرسة الجوزية هي التي بناها ابن ابن الجوزي رحمه الله كما سيأتي بعد قليل. فسميت بالمدرسة الجوزية ولما كان ابوه قيما عليها او ناظرا او وصيا قيل له قيم الجوزية فاشتهر ابوه رحمه الله بهذه الكنية ثم عرف ابناؤه من بعده بان يقال لاحدهم فلان ابن قيم الجوزية. واذا ارادوا الاختصار قالوا ابن القيم بالاختصار وحذف المضاف اليه. فصار مما اشتهرت به ذريته وحفدته من بعده ان يقال احدهم ابن قيم الجوزي. اما المدرسة المشار اليها فكانت من اعظم مدارس الحنابلة في دمشق الشام الى بانيها وواقفها ابن الجوزي. والمراد به محيي الدين يوسف ابن الامام الواعظ ذي التأليف الكثيرة والعلم المشهور بابي الفرج عبدالرحمن بن علي الحنبلي رحمه الله تعالى. الامام ابن الجوزي المشهور المحدث والفقيه والمفسر والمؤرخ واللغوي والمتفنن في العلوم الشهير بابن الجوزي يخلط الناس بينه كثيرا وبين صاحبنا ابن قيم الجوزية. وقد عرفت الفرق اما ابن الامام صاحب الكتب في الحديث والفقه والتفسير والتاريخ ونحوها. فقد كانت وفاته سنة خمسمائة وسبع وتسعين فبينه وبين ولادة ابن القيم قرابة قرن من الزمان. ولا هو من نسله ولا من ذريته. ذاك ابن الجوزي هذا ابن قيم المدرسة الجوزية فلما كان ابن الامام ابن الجوزي وهو محيي الدين يوسف من بنى المدرسة ووقفها قيل لها المدرسة الجوزية الى الجوز المعروف. فقد قيل انهم كانوا مشتهرين ببيعه او زراعته والعناية به. فقيل لهم الجوزي نسبة الى محلة بالبصرة يعني حي بها او منطقة بارض البصرة بالعراق يقال لها الجوزاء فينسب اليها الجوزي. فكانت هذه المدرسة الاسلامية مدرسة الجوزية الحنبلية بدمشق من اعظم اوقاف بها التي عمرت قرونا وعاشت مئات من السنين يتعاقب على نظاراتها وادارتها والقيام عليها علماء البلد وفقهاء المذهب انذاك وكان احدهم ممن تولى القيام عليها ابو بكر الشيخ ابو والد الامام ابن القيم صاحب الكتاب. فقيل له قيم الجوزية واليه نسب ذريته من بعده. اما ابن الجوزي الذي سبقت الاشارة اليه الامام الواعظ عبدالرحمن ابن علي القرشي فهو من علماء الحنابلة المشهورين والمكثرين من التأليف الذين عم نفعها وانتشر صيتها وذاع خبرها. هذه النسبة التي اشتهر بها الامام ابن القيم رحمه الله قالت كذلك الى بعض اهل بيته فربما كان له ابن بنت او احد ابنائه كذلك ايضا يقال له ابن القيم الشيخ ابن القيم الجوزي رحمه الله وقد سمعت ان والده كان شيخا من شيوخ الحنابلة في دمشق فالبيت بيت علم. والاسرة فاضلة. فنشأ ابن القيم رحمه الله في بيت علم وخير وصلاح وتقى. عرفت فيه النباهة من طفولته والذكاء فوجه الى طلب العلم فترقب فتنقل في رحاب العلم من بيت اسرته الى المدرسة الجوزية التي كان ابوه قيما عليها نهل من العلم والتقى بالشيوخ ولقي الاكابر واستفاد منهم ثم كانت له من الفضائل والاشادة ايضا بخلقه الجم فقد كان حسن الخلق لطيف المعاشرة طيب السريرة رحمه الله عالي الهمة اثنى عليه علماء عصره من شيوخه ومن تلامذته. فمن اجل تلاميذته الائمة الذين تخرجوا على يديه فان الائمة من العلماء يتخرجوا بهم ائمة من بعدهم وهكذا يتوارث العلماء الامامة في الدين. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. من كبار تلامذة الامام ابن القيم الامام المفسر الحافظ ابن كثير ابو الفداء اسماعيل صاحب اعظم او من اعظم تفاسير القرآن عند لمين تفسير ابن كثير او تفسير القرآن العظيم كان من اجل تلامذة ابن القيم فقد اثنى على شيخه كثيرا في بعض مواضع ترجمته وكان مما قال رحمه الله كان حسن القراءة والخلق كثير التودد لا يحسد احدا ولا يؤذيه ولا يستعيبه ولا يحقد على احد. وبالجملة كان قليل النظر في مجموعه واموره واحواله. والغالب وعليه الخير والاخلاق الفاضلة. وكان معتزا جدا بصحبته لشيخه ابن القيم فقال وكنت من اصحب الناس له واحب الناس اليه اما تلميذه الاخر الامام الحافظ ابن رجب الحنبلي الفقيه المحدث رحمه الله فانه ايضا من اجل تلامذة ابن القيم. قال عنه كان رحمه الله ذا عبادة وتهجد وطول صلاة الى الغاية القصوى وتأله ولهج بالذكر. يقصدون بالتأله كثرة العبادة والاشتغال بالذكر الذي يعيش فيه صاحبه مواطئة القلب مع ذكر اللسان قال وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والانابة والاستغفار والافتقار الى الله والانكسار والانطراح بين يديه على عتبة عبوديته. قال ابن رجب قال لم اشاهد مثله في ذلك ولا رأيت اوسع منه علما ولا اعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الايمان اعلم منه. وليس هو والمعصوم قال ولكني لم ارى في معناه مثله هذا الذي تواتر في زمانه عند طلابه ومن حوله كان نابعا من امرين عظيمين علم جم وعبادة عظيمة كانت هي هدي السلف بل هي خلق وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تسمد النفوس بعبادة عظيمة وعلم عميق تكون الامامة في الدين. اما عبادة ابن القيم رحمه الله فقد كان لديه من عمارة القلب باعمال القلوب يقينا بالله وتوكلا واستعانة ومحبة وخشية ما تراه تقطر به عباراته وانت تقرأ كتبه رحمه الله. فان لكلامه في اعمال القلوب. وصلتها بعلام الغيوب لكلامه رحمه الله اثر ونور وشيء عجيب يفعل فعله في القلوب. والله عز وجل يضع لبعض خلقه من القبول ولكلامهم من النفاذ الى القلب بحسب ما يكون لاحدهم من صلة به سبحانه وتعالى. وذلك علم غيب والله عز وجل وحده العالم به. فكان لكلام ابن القيم رحمه الله وما يجده القارئ له والمطلع عليه من شوقة يفوح عبيرها من شوق ومحبة وتضرع وانكسار يأخذ بمجامع قلبك وانت تقرأ كلامه. فكيف به هو رحيم الله تعالى. كان على طريق السلف الصالح في انابة القلوب وفي التذلل والخضوع والخشية والانكسار. لا على اهل الاهواء او الابتداع او اهل الغلو في تلك الابواب. بل كان على سنن السلف الصالح رحمهم الله تعالى. نعود الى كلام بعض تلامذته. يقول ابن رجب رحمه الله كان رحمه الله ذا عبادة وتهجد وطول صلاة الى الغاية القصوى. ومر بك طرف من كلامه ثم قال وقد امتحن واوذي مرات وحبس مع الشيخ تقي الدين يعني شيخه ابن تيمية وسيأتي ذكره بعد قليل. قال وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الاخيرة بالقلعة منفردا عنه ولم يفرج عنه الا بعد موت الشيخ وكان في مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكير ففتح عليه من ذلك خير كثير وحصل له جانب عظيم من الاذواق والمواجيد الصحيحة. وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم اهل المعارف والدخول في غوامضهم وتصانيفه ممتلئة بذلك. يعني كلامه فيما يدخل فيه غلاة المتصوفة الموغلين في الكلام على دقائق وخفايا احوال النفوس ومسالك القلوب. قال رحمه الله وحج مرات كثيرة وجاور بمكة وكان اهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف امرا يتعجب منه لم يكن من اهل مكة لكنه اذا جاء وحج وجاور بمكة اياما او شهورا كان يضرب به المثل فيتعجب اهل مكة منه قال تلميذه ابن كثير لا اعرف في هذا العالم زمان لا اعرف في هذا العالم في زماننا اكثر عبادة منه. وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جدا ويمد ركوعها وسجودها ويلومه كثير من اصحابه في بعض الاحيان فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك رحمه الله تعالى. ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله وليس هو من طلابه لكنه من طلاب طلابه او في طبقتهم. قال كان اذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله الا حتى يتعالى النهار ويقول هذه غدوتي لو لم اقعدها سقطت قواي. وهذه عبارة مأخوذة عن شيخه ايضا شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله يقول وكان يقول بالصبر والفقر تنال الامامة في الدين. وكان يقول لابد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه وها هنا ابيات نقلها بعض تلاميذه وهو عصريه العلامة الصفدي ذكر له قصيدة ميمية ابياتها رقيقة يتكلم فيها ابن القيم رحمه الله في ضراعة وتضرع وهضم لنفسه. يقول الصفدي انه انشدني اياها من لفظه لنفسه. يعني هو يخاطب نفسه نفسه بالابيات فيقول رحمه الله بني ابي بكر يقصد نفسه فانه محمد بن ابي بكر يقول بني ابي بكر كثير ذنوبه فليس على من نال من عرضه اثم بني ابي بكر جهول بنفسه. جهول بامر الله انى له العلم بني ابي بكر غدا متصدرا يعلم علما وهو ليس له علم بني ابي بكر غدا متمنيا وصال المعالي والذنوب له هم بني ابي بكر يرى العزم في الذي يزول ويفنى والذي تركه الغنم. بني ابي بكر لقد خاب سعيه اذا لم يكن في الصالحات له سهم. بني ابي بكر لما قال ربه هلوع كنود. وصفه الجهل والظلم بني ابي بكر وامثاله غدا بفتواهم هذه الخليقة تأتم وليس لهم في العلم باع ولا التقى ولا الزهد والدنيا لديهم هي الهم. فوالله لو ان الصحابة شاهدوا افاضلهم قالوا هم الصم والبكم وعلى مثل ذلك تراه رحمه الله تعالى يعيش في هضم للنفس واحتقار لها. واخذ لها بالعزائم وارتقاء لها في درب المكارم. اما علمه رحمه الله فكتبه شاهدة. وارثه العلمي خير دليل يوقفك على ما حبى الله تعالى به هذا الامام من امامة في الدين وعلم جليل يقول تلميذه ابن رجب رحمه الله تفقه في المذهب وبرع وافتى ولازم الشيخ تقي الدين ابن تيمية تفنن في علوم لا وكان عارفا في التفسير لا يجارى فيه. وباصول الدين واليه فيها المنتهى والحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط لا يلحق في ذلك. وبالفقه واصوله وبالعربية وله فيها اليد الطولى وعلم الكلام والنحو وغير ذلك قال وكان عالما بعلم السلوك وكلام اهل التصوف واشاراتهم ودقائقهم له في كل فن من هذه الفنون اليد ويقول تلميذه ابن كثير سمع الحديث واشتغل بالعلم وبرع في علوم متعددة لا سيما علم التفسير والحديث والاصلي يعني اصول الدين واصول الفقه. قال لما عاد شيخ الاسلام ابن تيمية من الديار المصرية سنة اثنتي عشرة وسبعمائة لازمه الى ان مات الشيخ. فاخذ عنه علما جما مع ما سلف له من الاشتغال فصار فريدا في بابه في فنون كثيرة مع كثرة الطلب ليلا ونهارا وكثرة الابتهال. يقول الذهبي وهو ايضا من تلاميذته رحمه الله. يقول عني بالحديث ومتونه ورجاله. وكان يشتغل بالفقه ويجيد تقريره وله في النحو وفي الاصلين دراية عظيمة قال الحافظ ابن حجر كان جريء الجنان واسع العلم عارفا بالخلاف ومذاهب السلف. وقال السيوطي صنف وناظر واجتهد وصار من الائمة الكبار في التفسير والحديث والفروع والاصلين والعربية هذه اشادات ومناقب تجدها عند علماء مختلف المذاهب حتى لا يقول قائل انما يبالغ فيه علماء مذهبه من الحنابلة كالذهبي وابن كثير وابن رجب او هم من تلامذته ويغلب على التلميذ حب شيخه وقد قالت العرب كل فتاة بابيها معجبة. لكن علماء المذاهب الاخرى وممن لم يدركه بل وقف على اثره وعظيم علمه كان ايضا يشهد له بذلك كلام الائمة كالحافظ بن حجر والامام السيوطي رحم الله الجميع ومن المتأخرين قال الشوكاني برع في شتى العلوم وفاق الاقران واشتهر في الافاق وتبحر في معرفة مذاهب السلف وقال الانوسي هو المفسر النحوي الاصولي المتكلم الى اخر ما اثنى به عليه العلماء رحمة الله عليهم جميعا. حج رحمه الله مرات في ايام رحلته وطلبه وارتحاله يذكر الحافظ ابن حرجب كما تقدم انه حج مرات كثيرة وجاور بمكة وابن القيم نفسه في عدد من كتبه يذكر مواقف حصلت له بمكة في مقامه بها وفي اتيانه اليها حجا او عمرة. من ذلك مثلا انه الف كتابه العظيم مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والارادة الفه مدة مقامه بمكة اذ قال في اخر مقدمة الكتاب وكان هذا من بعض النزول والتحف التي فتح الله بها علي حين انقطاعي اليه عند بيته والقاء نفسي ببابه مسكينا ذليلا. وتعرضي لنفحاته في بيته وحوله بكرة واصيلا. فما خاب من انزل به حوائجه. وعلق به اماله واصبح ببابه مقيما وبحماه نزيلا ومن ذلك ايضا ما ذكره رحمه الله في قصة استشفائه بماء زمزم وهو يحكي ذلك عن نفسه فقال اصابني ايام مقامي بمكة اسقام مختلفة ولا طبيب هناك ولا ادوية كما في غيرها من المدن. فكنت استشفي بالعسل وماء زمزم ورأيت فيها من الشفاء امرا عجيبا وقال ايضا رحمه الله في مدارج السالكين وهو يتكلم عن الرقية قال لقد جربت انا من ذلك في نفسي وفي غيري امورا عجيبة ولا سيما مدة المقام بمكة فانه كان يعرض لي الام مزعجة بحيث تكاد تنقطع الحركة مني ذلك في اثناء الطواف وغيره قال فابادر الى قراءة الفاتحة وامسح بها على محل الالم فكأنه حصاة تسقط. جربت ذلك مرات عديدة قال وكنت اخذ قدحا من ماء زمزم. فاقرأ فيه الفاتحة مرارا فاشربه. فاجد به من النفع والقوة ما لم اعهد مثله في الدواء والامر اعظم من ذلك. قال ولكن بحسب قوة الايمان وصحة اليقين والله المستعان وحصلت له قصة ايضا في احدى رحلاته في الحج فقد ابنه الصغير وعمره ثماني سنوات في زحمة الحجيج وفي اوساط الناس. قال في ايضا في كتابه مفتاح دار السعادة الذي الفه بمكة. قال واخبرك عن نفسي بقضية من ذلك. وهي اني اظللت بعض الاولاد يوم بمكة وكان طفلا فجهدت في طلبه والنداء عليه في سائر الركب الى وقت يوم الثامن فلم اقدر له على خبر فائست منه فقال لي انساه ان هذا عجز اركب وادخل الان الى مكة فتطلبه. قال فركبت فرسا فما هو الا ان استقبلت جماعة يتحدثون في سواد الليل في الطريق يقول ضاع لي شيء فلقيته فلا ادري انقضاء كلمته اسرع ام وجدان الطفل مع بعض اهل مكة في محملة عرفته بصوته وله مواقف ايضا يحكيها رحمه الله تعالى في رحلته بمكة ومجاورته لبيت الله الحرام. عاش رحمه الله مشتغلا بالتدريس التأليف والامامة والخطابة والوعظ والمناظرة وله في ذلك مواقف مشهودة ومكتبته التي تجاوزت كتبه اكثر من الى خمسين كتابا فيما عدده من ترجم له شاهدة بذلك المقام العظيم له رحمه الله مواقف وصولات وجولات. واذا عد ابن القيم رحمه الله وذكر من شأنه وعجيب ما حباه الله عز وجل به فانه يذكر ها هنا ما يتعلق برحلته والتقائه بالشيوخ ومعرفته رحمه الله تعالى بالعلماء وصلته بهم ومن ذلك انه رحمه الله كان متأثرا ومستفيدا اكثر من غيره من امام زمانه وعلامة عصره شيخ الاسلام تقي الدين احمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية رحمه الله. فانه اتصل به لما رجع شيخ الاسلام في في مرته الاخيرة من مصر الى الشام. وجاوره ولازمه نحوا من ست عشرة سنة. منذ ان عاد شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله الله تعالى من مصر سنة سبعمائة واثنتي عشرة الى ان مات شيخ الاسلام سنة سبعمائة وثمان وعشرين. فكانت ستة عشر عاما لازم فيها ابن القيم شيخه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمهما الله جميعا. وخلال هذه المدة الاتصاله بشيخه ابن تيمية تأثر كبير. اعاد فيها امورا كثيرة من اجتهاداته واختياراته تأثرا بشيخه لا تعصبا لكنه بحث عن الحق وترجيح بالدليل. ويذكر ابن القيم نفسه انه قبل تعرضه واتصاله بشيخ الاسلام ابن تيمية كان متأثرا ببعض المذاهب العقدية التي تخالف منهج السلف في باب الاسماء والصفات فكان يقول بالتأويل كما يقول بعض الطوائف. وكان ربما قال بالتعطيل وبعض ما في كتب نفاة الصفات من الطوام وما فيها من الاخطاء ومخالفة منهج السلف لكنه لما اتصل بشيخ الاسلام وجالسه وناقشه واستفاد من علمه اعاد رحمه الله وقد انشد في ذلك ابياتا في النونية يذكر فيها هذا الموقف المؤثر في حياته الذي يعد منعطفا رحمه الله بقوله يا قومي والله العظيم نصيحة من مشفق واخ لكم معواني. جربت هذا كله ووقعت في تلك الشباك وكنت ذا طيران. يعني كنت طائرا يحسن الطيران ومع ذلك وقعت في الشباك قال جربت هذا كله ووقعت في تلك الشباك وكنت ذات يراني حتى اتاح لي الاله بفضله. من ليس يدي ولساني فتى اتى من ارض حرانا. فيا اهلا بمن قد جاء من حران. يقصد ابن تيمية بانه حراني من ارض حراء. قال فالله يجزيه الذي هو اهله من جنة المأوى مع الرضوان. اخذت يداه يدي وسار فلم يرم حتى اراني مطلع الايمان ورأيت اعلام المدينة حولها نزل الهدى وعساكر القرآن ورأيت اثارا عظيما شأنها محجوبة عن زمرة العميان. ووردت كأس الماء ابيض صافيا حصباؤه التيجاني ورأيت اكوابا هناك كثيرة مثل النجوم لوارد ظمآن ورأيت حول الكوثر الصافي الذي لا زال لا يشخب فيه ميزابان ميزان سنته وقول الهه وهما مدى الايام لا ينيان والناس لا يريدون الا من الالاف فافراد ذوو ايماني وردوا عذابا من اهل اكرم بها ووردتموا انتم عذاب هون وذكر رحمه الله شيئا في ذلك وما تأثر به من صحبته لشيخه شيخ الاسلام وفي كتبه مواضع عدة اذكر فيها نصائح خصه بها شيخه. قائلا قال لي ذات مرة وكنت مع شيخ الاسلام فحدثني مرة او سألته فقال لي كذا فيما يكون بين الشيخ وتلميذه وذكر في كتبه شيئا من ذلك في مقام الاحتفاء بشيخه والعناية به وقد ابتلي رحمه الله كما تقدم بالسجن مع شيخه شيخ الاسلام ابن تيمية بما وقع له من الامتحان والابتلاء في مواقف محفوظة في كتب اهل العلم والتراجم. هذه اطلالة موجزة مختصرة جدا فيما يتعلق بابن القيم رحمه الله تعالى وقد تقدم ان هذه الاطلالة هي طرف يسير في سيرة الامام ابي عبدالله محمد ابن ابي بكر ابن ايوب ابن قيم الذي ولد سنة احدى وتسعين وستمائة من الهجرة وتوفي رحمه الله سنة احدى وخمسين وسبعمائة من هجرة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم. اما كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه واله وسلم. فانما نأخذ في التعريف به في مواضع. هذا الكتاب يا كرام من اشهر كتب الامام ابن القيم رحمه الله على الاطلاق وهذا الكتاب كان عند شيء عند صاحبه ومؤلفه ايضا ذا مكانة عظيمة لقي هذا الكتاب من القبول الانتشار ما لم يلقه كتاب اخر من مؤلفاته التي تجاوزت الخمسين. رحمه الله رحمة واسعة. ذكر ابن القيم في هذا الكتاب عددا من كتبه الاخرى واشار اليها كتهذيب السنن سنن ابي داوود وجلاء الافهام في فضل الصلاة والسلام على خير الانام صلى الله عليه وسلم وذكر مفتاح دار السعادة وغيرها ونقل فيه ايضا كعادته اقوال شيخه شيخ الاسلام ابن تيمية واختياراته رحمه الله ابن القيم رحمه الله لم يصرح باسم الكتاب في مقدمة الكتاب ولا ذكر اسمه صريحا بهذا الاسم المنتشر المتداول. لكن عامة من ترجم له كابن رجب والحافظ ابن حجر والصفدي وكثيرون ذكروا اسم الكتاب زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه واله وسلم. وربما اختصره بعضهم بقوله الزاد او يقولون الهدي او يقولون الهدي النبوي لابن القيم. فكل ذلك مقصود به هذا الكتاب زاد المعاد في هدي بخير لعباده صلى الله عليه واله وسلم اما تاريخ تأليفه فليس هناك تأريخ محدد لكن عادة اهل العلم بالنظر في الكتاب يقربون تأريخ تأليفه. وابن ابن القيم رحمه الله كما تقدم سمى بعض كتبه في هذا الكتاب كتهذيب سنن ابي داوود ومفتاح دار السعادة ومدارج السالكين واذا عرفت تاريخ احد هذه الكتب استطعت ان تقرب تاريخ هذا الكتاب وتهذيب سنن ابي داوود فرغ منه والفه سنة سبعمائة واثنين وثلاثين بمكة المكرمة كما ذكر هو في اخر الكتاب فاذا يقينا سيكون تأليف زاد المعاد بعد سنة سبعمائة واثنين وثلاثين وامر ايضا يزيد على ذلك. ذكر في زاد المعاد حادثة وقعت له ولاهل زمانه فاذا عرفت تاريخها عرفت ايضا تاريخ الكتاب. قال رحمه الله تعالى وبهذا القول افتينا ولي الامر كان يتكلم على حكم اهل الذمة اذا نقضوا العهد وكيف يفعل بهم؟ فذكر حادثة وقعت بارض الشام. قال وبهذا القول افتينا ولي الامر لما احرق النصارى اموال المسلمين بالشام ودورهم وراموا حرق جامعهم الاعظم حتى احرقوا منارته وكاد لولا دفاع الله ان يحترق كله وعلم بذلك من علم من النصارى وواطؤوه عليه واقروه ورضوا به ولم به ولي الامر فاستفتى فيهم ولي الامر من حضره من الفقهاء وافتيناه بانتقاض عهد من فعل ذلك. او اعان عليه بوجه من الوجوه او رضي به واقر عليه وان حده القتل حتما ولا يخير الامام فيه كالاسير بل صار القتل له حدا هذه الحادثة قد ذكر المترجمون والمؤرخون لمن ذكر الحادثة كما ذكره الذهبي وابن كثير انها وقعت سنة سبعمائة واربعين للهجرة فاذا سيكون تأليف الكتاب واقعا بعد هذه المدة. ومما يستعان به على تأريخ الكتاب ان ابن القيم رحمه الله في المقدمة قال في اخرها انه اخذ في تأليف الكتاب حال السفر ولم يشر اي سفر كان الذي ابتدأ فيه تأليف الكتاب ولعله كان في احدى رحلاته للحج او لغيره بعد سنة سبعمائة واربعين وقد حج مرات كثيرة كما ذكر تلميذه الحافظ ابن رجب رحمه الله واما الكتاب فانه الفه بعد هذا التاريخ واضاف اليه اضافات كثيرة واكمله في فترات مختلفة لما استقر وتوفرت له الكتب والمصادر كتابنا يا كرام الذي سنشرع في قراءته بعون الله تعالى بدءا من مجلس ليلة الجمعة المقبلة ان شاء الله يتناول موضوعات عدة كالتالي اولا مقدمة للكتاب اطال فيها ابن القيم رحمه الله في نحو من خمسين صفحة في الكتاب المطبوع مقدمة حافلة ذكر فيها فضائل ومناقب وخصائص يوم الجمعة وخصائص لما فضل الله عز وجل ما شاء من خلقه واحكاما يستطرد فيها بفوائد وادلة وشواهد. القسم الثاني من الكتاب بعد المقدمة مباشرة شرع في فصول في النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في اللباس والاكل والشرب ومعاشرة الازواج. هديه في النوم والجلوس والركوب والمشي. هديه في البيع والشراء والمعاملات هديه في قضاء الحاجة في الفطرة وتوابعها هديه في الكلام والسكوت والخطب. هديه صلى الله عليه وسلم في العبادات وفي العبادات يذكر ابواب العبادات الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج ثم قال هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد والمغازي والسرايا والبعوث ومكاتبته الى الملوك وغيرهم وها هنا ساق فصولا عديدة من الغزوات النبوية والاحداث التي يذكرها كتاب السيرة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله فيها تحرير ونقل لخلاف العلماء في تحديد التواريخ والحوادث واطالة نفس في ترجيح وتحقيق نفيس. ثم انتقل رحمه الله في النصف ثاني من الكتاب الى الحديث عن هديه صلى الله عليه وسلم في الطب. وهو مطبوع في مجلد من مجلدات الكتاب ثم افرد مطبوعا في كتاب يحسب او يحسبه بعض الناس انه كتاب مستقل. وهو الطب النبوي والطب النبوي الذي ينسب لابن القيم رحمه الله انما هو قسم من زاد المعاد. في هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام في الطب لكنه ولعظيم نفعه وكثرة حاجة الناس اليه طبع منفردا باسم الطب النبوي. اخيرا في هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام. قال هديه في اقضيته واحكامه؟ يعني القضاء والاحكام التي وقعت في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كتب ابن القيم مقدمة الكتاب قال في اخرها وهذه كلمات يسيرة الكتاب مطبوع في ستة اجزاء يقول وهذه كلمات يسيرة لا يستغني عن معرفتها بل له ادنى همة الى معرفة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته وهديه هذه الكلمات اليسيرة يقول اقتضاها الخاطر المكدود على عجره وبجره مع البضاعة المزجاة التي لا تفتح لها ابواب السدى. ولا يتنافس فيها المتنافسون مع تعليقها في حال السفر لا اقامة والقلب بكل واد منه شعبة. والهمة قد تفرقت شجر مذر. والكتاب مفقود. يعني ليس بين يدي كتب ومراجع اعود اليها قال والكتاب مفقود. ومن يفتح باب العلم مذاكرته غير موجود. يقول لا كتاب بين يديه ولا عالم او طالب عالم طالب علم علم اذكره فيفيدني من المسائل هذا الكتاب بعلمه الغزير وكلمات يسيرة كما يقول رحمه الله اتت بهذا العلم الجم الكتاب الذي اصبح هذا المعاد ولذلك كان يقول اهل العلم من لم يكن عنده كتاب الزاد فليس عنده زاد يعني هو جائع مسكين يحتاج الى زاد يتزود به في طريقه الى الله عز وجل لانه لا شيء يتزود به العبد في طريقه الى الله اعظم من سنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. اذا هي كلمات يسيرة صرح المؤلف انه كان يريده كتابا مختصرا. لا سيما وانه في سفر. والتشتت بال كما قال وبعد عن الكتب لكن الواقع ان المصنف اعاد ترتيب الكتاب بعد انتهاء سفره واضاف فيه وزاد وكبر الكتاب ولم يعد هو المختصر الذي اراد تأليفه حال السفر لا محالة. فلما كتب الفصول اولى وكان يعتمد على بعض المراجع ككتاب المختصر في السيرة لعز الدين ابن جماعة ورسالة لشيخ الاسلام فيها ذكر الملابس والسلاح والدواب ونحو ذلك. لكن لما حصلت له الكتب واجتمع واستقر ابى علمه وذهنه وخاطره المليء علما الا ان ويبسط الكتاب على منهجه المعتاد بنقل المذاهب ومناقشة الادلة وترجيح الاقوال ويتكلم على الاحاديث والاثار بناء الكتاب كليا واعاده رحمه الله عن خطته الاولى حتى امتد واستطال فبلغت اربعة اسفار كما يقول الصفدي في ترجمته واذا كان يقصد ما ثبت عنده من هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام اصبح الكتاب مطولا على هذا النحو غير خطته في الكتاب ومن ذلك قسم الطب النبوي الذي قال في اول الكتاب اصول الطب ثلاثة الحمية وحفظ الصحة استفراغ المادة المظرة جمعها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولامته في ثلاثة مواضع من كتابه ثم قال وهذه الثلاثة هي قواعد الطب واصوله. هذا الكلام موجود في اول اجزاء الكتاب. لكنك ستجده في الكتاب المطبوع في المجلد الرابع. واعاد سلام وبسطه فهذا مما يدل على انه اعاد الى البعض مواضع الكتاب تأليفا وتجميعا عاد به الى الاستكمال الذي اراده رحمه الله تعالى ويظهر ايضا انه اعاد تأليف الكتاب واستكماله في ازمنة متفاوتة وليس في وقت واحد وظهر لذلك من الاثر تكرار واختلاف في بعض الاحيان. من امثلة ذلك في المجلد الثاني عقد فصل في تفسير نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية العنب كرما ثم اعاد الكلام في المجلد الرابع ولم يشر الى السابق فكأنه نسيه او كتبه قبل ذلك. ومن امثلة الاختلاف قال في هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الركوب في المجلد الاول قال ان المعروف انه كان عنده بغلة واحدة مع انه قبل صفحات منه ذكر في فصل الدواب انه كان له اربع بغال. ومرد ذلك الى ان بعض المصادر التي يفيد منها تفاوتوا في عد ذلك فوقع له التفاوت وهذا دليل على ان التأليف وقع في ازمنة متفاوتة. اذ لو كان العهد قريبا لاستدرك وصحح او اثبت بعضه وحذف بعضه رحمه الله. ولعل طول الكتاب وتفاوت وقت العمل والتأليف فيه من المصنف جعله يعيد كتابة بعض الفصول التي لم يتمكن من الوفاء بها كما صنع في احكام السلم والاطعمة والاشربة وبيع العينة الى اخر الابواب التي ساقها رحمه الله تعالى الحديث عن كتاب زاد المعاد حديث ذو شجون لكنه الاجدى لنا ان نشرع في القراءة فيه للوقوف على ما اودعه في من علم لكن مواضع من الافادة يحسن الوقوف عليها في مجلس اليوم. صرح رحمه الله في اثناء الكتاب بغرضه المقصود من الكتاب واذا جئنا اليوم نتدارس كتابة فيحسن بنا الا يغيب عنا قصد المؤلف من هذا الكتاب. الكتاب خمسة اجزاء او ستة في بعض الطبعات يا من تقرأ زاد المعاد هل علمت ما الذي اراده ابن القيم من تأليفه زاد المعاد؟ اسمع يقول هو رحمه الله في اول الكتاب في المقدمة قال واذا كانت سعادة العبد في الدارين متعلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على كل من نصح نفسه واحب نجاتها وسعادتها ان يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به ويدخل به في عداد اتباعه وشيعته وحزبه. الى ان قال وهذه كلمات يسيرة لا يستغني عن معرفتها. من له ادنى همة الى معرفة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته وهديه. اذا عرفت لماذا الف المصنف الكتاب الكتاب من اجل ان يكون لك رصيد عظيم. وحظ وافر يا مسلم تتعلم به هدي نبيك الصلاة والسلام. ليكون لك قدوة كيف يكون لك اسوة وانت لا تعرف ماذا فعل كيف تتخذه صلى الله عليه وسلم اسوة تقتدي بها في لباسك وطعامك وشرابك ونكاحك وعشرتك لاهل بيتك وتربيتك لاولادك وفي بيعك وشرائك كيف تجعله اسوة وانت لا تعرف ما الذي فعله اسمع مرة اخرى الى قوله رحمه الله وهو يعيد بين الحين والحين التذكير بغرضه من الكتاب قال في بعض المواضع ان المقصود التنبيه على هديه واقتباس الاحكام من سيرته ومغازيه ووقائعه صلوات الله وسلامه عليه. قال في موضع ثالث في كلام مهم قال رحمه الله وليس مقصودنا الا ذكر هديه صلى الله عليه وسلم الذي كان يفعله هو فانه قبلة القصد. واليه التوجه في هذا الكتاب وعليه مدار التفتيش والطلب وهذا الشيء والجائز الذي لا ينكر فعله وتركه شيء اخر ايضاحا لهذا المعنى قال وليس لهذا وضع كتابنا هذا. ولا قصدنا به نصرة احد من العالمين. وانما قصدنا به مجرد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته واقضيته واحكامه. وما تضمن سوى ذلك فتبعوا لغيره فهب ان من لم يقض بالنقول تناقض فماذا يضر ذلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه كان يتكلم على موضع في القضاء والاحكام هذا المنهج اكده رحمه الله مرارا وفي موضع من المواضع المهمة قال بالحرف. قال نحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز ولما لا يجوز وانما مقصودنا فيه هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يختاره لنفسه فانه اكمل الهدي وافضله فاذا قلنا مثلا لم يكن من هديه المداومة على القنوت في الفجر ولا الجهر بالبسملة لم يدل ذلك على كراهية غيره ولا انه بدعة ولكن هديه صلى الله عليه وسلم اكمل الهدي وافضله. مواضع متعددة الحقيقة كان وفيها تقرير هذا المعنى الذي ينبغي ان يكون جليا واضحا عند كل من يجعل من زاد المعادي زادا له من هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام. كان ابن القيم رحمه الله ايها الكرام ذا مكتبة واسعة. بل عد رحمه الله في زمانه من اوسع الناس كتبا كانت له عناية تامة بتحصيل الكتب. يقول صاحبه وتلميذه ابن كثير رحمه الله اقتنى من الكتب ما لا يتهيأ غيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف جعل هذا عند ابن القيم مكتبة حافلة ومصادره في كتبه كانت عديدة ولذلك فانه ينقل الفوائد ويحرر ويضيف امورا عظيمة قد لا تتيسر لغيره. من كتبي التي ينقل منها كثيرا مسائل الامام احمد كتب الامام الشافعي الام واختلاف الحديث وغيرها. كتب الامام ابن المنذر الشافعي الاوسط والاشراف. كتب غلام الخلاد الحنبلي وزاد المسافر. كتاب الامام الخطاب معالم السنن. كتب الامام ابن حزم الاندلسي الظاهري المحلى وحجة الوداع وجوامع السيرة كتب الامام ابن عبدالبر المالكي رحمه الله التمهيد والاستذكار. كتب الامام البيهقي الشافعي رحمه الله معرفة السنن والاثار النبوة كتب ابن قدامة الحنبلي مثل المغني. فضلا عن كتب ورسائل شيخه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى رأيت فكتبه ومكتبته كانت فيها المذاهب مختلفة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة كتب الحديث والفقه والتفسير ومختلف الفنون. ولهذا كان كتابنا مرجعا يهتم به كل من جاء بعده ولو وقفت على النسخ الخطية ومخطوطات الكتاب لوجدتها شيئا عجيبا محفوظة ومتفرقة في عدد كبير من بلاد الاسلام. يعني ان كتابة كان محل عناية وحفاوة ينتقل بين الامصار وتسير به الركبان كل من الف من بعده كان لا يستغني عن العودة الى زاد المعاد. الفيروز ابادي المشهور اللغوي صاحب القاموس اختصر المعاد في كتاب سماه سفر السعادة الامام الحافظ القسطناني نصف كتابه المواهب اللدونية التي تكلم فيها عن الخصائص النبوية من زاد المعاد ونصفه الاخر من فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله. من الكتب التي نقلت عنه عند الحنابلة كتب كتاب الفروع لابن مفلح المبدع كذلك وتصحيح الفروع للمرداوي والانصاف. كتاب الاقناع للحجاوي وكتب البهوت شرح منتهى الايرادات. وكشاف القناع من شروح الحديث ايضا التثريب للحافظ العراقي فضل زين الدين وابنه ابي زرعة. اما الحافظ ابن حجر في كتابه العظيم فتح الباري بشرح صحيح البخاري فاستفاد منه كثيرا ويتعقبه احيانا ويذكر ما يحرره ابن القيم لعظيم ما ينقله عنه. وكذلك باقي شراح صحيح البخاري في عمدة القارئ والقسطلاني ايضا في ارشاد الساري. كذلك من شراح الحديث الملا علي قاري في مرقات المفاتيح. وفي شرحه للشمائل فضلا عن المناوي في فيض القدير والزرقاني في شرح الموطأ والصنعاني في سبل السلام والسفارين في كشف اللثام. والشوكاني ايضا في نيل اما كتب السيرة فكثيرة هي التي جعلت من زاد المعاد مرجعا لا يستغنى عنه. وعليه اعتمد الامام الحافظ ابن كثير وهو من تلامذته كما تقدم في كتابه الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نقل منه كثيرا بالفاظه واساليبه وكذلك الحافظ القسطناني كما تقدم في المواهب اللدونية. الصالح في كتابه سبل الهدى والرشاد جعل زاد المعاد من العظيمة. كتاب تاريخ الخميس في احوال انفس نفيس للديار بكري وفي شرح الشفا للملا علي قاري ونور الدين للحلبي في كتابه انسان العيون صلى الله عليه وسلم المعروف بالسيرة الحلبية الزرقاني ايضا في شرح المواهب اللدونية كل هؤلاء ومن كتب في السيرة بعد ابن القيم لابد ان يكون له من زاد المعاد مرجع وافادة لعظيم ما كفيه من الجمع والتحرير والترجيح الذي تقدم ذكره. اما الكتب التي اختصرت زاد المعاد او ترجمته الى بعض اللغات فقد تجاوزت اربعا وثلاثين كتابا. ترجم فيها الناس كتابه الى بعض اللغات. واختصر فيها الكتاب وانتقيت منه فوائد في صنيع يدل على عناية الائمة والعلماء من بعد ابن القيم بكتابه العظيم. فمن الكتب التي اختصرت كتاب زاد المعاني لابن القيم رحمه الله كتاب لشمس الدين ابن النقاش المتوفى سنة ثلاث وستين وسبعمائة سماه مختصر هدي النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك كتاب سفر السعادة لمجد الدين الفيروز ابادي المتوفى سنة ثمانمائة وسبعة عشر اختصر فيه كلام ابن القيم في زاد المعاد. كتاب مختصر الهدي النبوي للحسين بن احمد المعروف بزبارة الصنعاني المتوفى سنة الف ومائة واحدى واربعين. كتاب مختصر هدي الرسول صلى الله عليه وسلم. كتاب مختصر زاد المعاد للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله كتاب هدي الرسول صلى الله عليه وسلم مختصر من زاد المعاد اختصره احد علماء مصر محمد ابو زيد ونشر قبل اكثر من سبعين سنة وترجمه الى الاردية عبدالرزاق المليح بادي بعنوان اسوة حسنة نشر ايضا قبل حوالي مئة سنة من الان. ذخيرة العباد في سيرة سيد العباد من زاد المعاد صلى الله عليه وسلم لاحد نزلاء المدينة واسمه صالح بن احمد ونشر ايضا قديما قبل اكثر من خمسين سنة. وكتب جمة كثيرة كاختصار الشيخ محمد ابن رحمه الله تعالى لزاد المعاد فضلا عما افرد من زاد المعاد من بعض الفصول كحجة الوداع من كلام ابن القيم اخذت من هذا الكتاب ومنسك الامير الصنعاني اعتمد فيه كثيرا على ما ذكره ابن القيم في الزاد. الطب النبوي والذي افرد مطبوعا مستقلا هو احد فصول لكتاب زاد المعادي كما تقدم والترجمات متعددة ونظم ايضا بعضه ترجم الى اللغة الاردية ايضا قبل نحو من خمسين وترجم كاملا في خمس مجلدات في اكثر من ترجمة تدل على تعدد الجهود التي اعتنى بها اهل العلم بكتاب المعاد وهو الذي سنشرع بعون الله تعالى وتوفيقه في مطلع الدراسة والمدارسة للكتاب بدءا من ليلة الجمعة المقبلة ان شاء الله تعالى نجعل من كتاب الزاد لنا زادا. ومنه قوتا نقتات به في درب سيرنا الى التعرف دلالة على هدي حبيب القلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم لترتوي القلوب اولا من حبه ولتعرف الخطوات طريقها على درب السنة كيف تكون. ومن اجل ان تتشبع الارواح والعقول والافكار بعظمة سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليكون لقول الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا ليكون له في حياة الواحد منا هذه الاية الكريمة يقول لها اعظم الاثر. وابلغ الدلالة واعمق العمل. فنتأسى به عليه الصلاة والسلام تتبعين هديه ونحن نتقفى الاثر ونتلمس مواضع النور التي نضع عليها الخطى عسى خفا يقع على كخف كما يقول ابن عمر رضي الله عنهما. هذه مدخل هذه توطئة وتمهيد ومدخل اردناه ان يكون بين يدي مدارستنا للكتاب سائرين الله التوفيق والسداد وبعد ايها الكرام فما يزال في جمعتكم بقية باقية. ومتسع كريم جليل لمن احب ان يملأ صحيفته وسلاما على رسول الله صلى الله عليه وسلم. حبرت حرفي وامتطيت بياني وسكبت شوقي من عبير دينان وزرعت بستان القلوب محبة فزدها بذكر نبينا العدنان. يا من كواه الشوق مثلي هل لنا انس بغير جنائن الرضوان؟ ان الصلاة على النبي محمد زاد القلوب وسلوة فصلوا وسلموا ما شئتم ان يصلي عليكم من فوق سبع سماوات. فقد قال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا. فاللهم صل وسلم وبارك عليه عدد ما صلى عليه المصلون. وصل يا ربي وسلم وبارك عليه عدد ما غفل عن الصلاة عليه الغافلون. واجعلنا الهي بالصلاة والسلام عليه من اشد امته له حبا. ومن ترهم منه يوم القيامة قربى. اللهم احيينا على سنته وامتنا على سنته. واحشرنا في زمرته واكرمنا بشفاعته نحن ووالدينا وازواجنا وذرياتنا يا رب العالمين. اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل لذا ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلي اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين