بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي هدانا للاسلام وعلمنا الحكمة والقرآن. احمد الله تعالى واشكره تعينه واستغفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آل بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. وبعد ايها الاخوة الكرام فمن رحاب بيت الله الحرام في هذه الليلة الشريفة المباركة ليلة الجمعة. هذا اليوم السابع عشر من شهر ربيع الاول سنة اربع واربعين واربع مئة والف من هجرة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم. ينعقد هذا المجلس الثالث من مجالس مدارستنا كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه واله وسلم للامام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى مغتنمين من بركة الزمان والمكان وشرف هذه الليلة ما يزيدنا اجرا وقربة عند ربنا الكبير المتعال. بذكرنا سبحانه في رحاب بيته العتيق. وبصلاتنا وسلامنا على نبيه المصطفى الصادق المصدوق الامين صلى الله عليه واله في ليلة كريمة تضاعف فيها الحسنات وتزداد فيها الاجور والبركات. وقد قال رسول الله صلى الله عليه اكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فان صلاتكم معروضة علي. اذا ما الجمعة الغراء لا احد اثار هواك انفاسا شذية عليك صلاة ربي ما تغنت بذكرك احرف الشوق الندية. فيا رب صلي وسلم وبارك عليه ازكى صلاة واتم صلاة واتم سلام يا ذا الجلال والاكرام. وقد وقف بنا الحديث في اثناء خطبة صنف رحمه الله تعالى بكتابه العظيم زاد المعاد. وهو الوقوف عند كلامه رحمة الله عليه في مقدمة ذكر وفيها شهادته بالوحدانية لله وبالرسالة لنبيه صلى الله عليه وسلم وقد قرر في اثناء ذلك ان العزة والنجاة وايضا الكرامة في الامة انما تكون باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم. واستدل ذلك بحديث واية حديث ابن عمر رضي الله عنهما وجعل الذلة والصغار على من خالف امري. والاية الكريمة يا ايها ايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين سائلين الله العلم النافع والعمل الصالح والهدى والسداد والتوفيق والرشاد استكثروا في مجلسكم المبارك هذا من كثرة صلاتكم وسلامكم على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الامين اشرف الخلق اجمعين محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولنا ولوالدينا وللسامعين قال الامام ابن القيم رحمه الله وبعد فان الله سبحانه هو المنفرد بالخلق والاختيار من المخلوقات. قول المصنف رحمه الله وبعد يعني بعد المقدمة التي ابتدأها فان الصفحات العشرة تقريبا السابقة من صدر الكتاب التي امضيناها في مجلس ليلة الجمعة الماضية ما كانت الا مقدمة الكتاب حمدا لله وثناء عليه سبحانه وشهادة له بالوحدانية وشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة وما كان بين ذلك فهو مما تقدم ذكره في ذاك المجلس من منهج ابن القيم رحمه الله تبعا لشيخه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في الاستطراد في ذكر الفوائد والاظافات العلمية والدقائق النفيسة ثم لما فرغ من الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال وبعد فهو لا يزال بعد ما دخل في مقصود مضمون خطبة الكتاب خطبة الكتاب التي نشرع فيها في مجلس الليلة. ولذلك فان قول الكاتب والخطيب والعالم والمؤلف وبعد او اما بعد المقصود بها الشروع في صلب الكلام ومقصوده ومضمونه الاساس وتأتي عادة بعد المقدمة اما ان تكون بسملة او حمدلة وثناء مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ثم صارت من الاساليب التي لا يستغني عنها الكاتب اذا كتب. والخطيب اذا خطب. فان كلمة اما بعد او وبعد اصبحت من اشهر اساليب العرب التي يفصلون بها بين مقدمة الكلام والشروع في صلبه ومضمونه. واما بعد او وبعد قيل ان اول من قالها من العرب سحبان وائل وهو اخطب العرب ولهذا يقولون في المثل اخطب من سحبان وهو سحبان ابن زفر الوائلي النبي صلى الله عليه وسلم واسلم لكنه لم يجتمع به فما كتب له شرف الصحبة لرسول الله عليه الصلاة والسلام ومات سنة اربع وخمسين للهجرة. ومن شأن سحبان انه كان خطيبا لا تعوزه الكلمة ولا الفصاحة ولا الاسترسال او البلاغة. ولا استعصي على لسانه الحرف. قيل انه كان اذا خطب تصبب عرقا ولم يتوقف ولم يقعد حتى يتم خطبته. وقيل انه قدم على معاوية ابن ابي سفيان رضي الله عنه وهو خليفة للمسلمين وامير المؤمنين. فطلب منه طلب منه معاوية رضي الله وعلمه ان يتكلم فقالوا انظروا لي عصا تقوم من اوادي. يعني تقيم صلبي اذا وقفت فقالوا له وما تصنع بها وانت بحضرة امير المؤمنين يعني انت بحضرة الخليفة وتطلب عصا يعني كأن هذا ليس من مظهر الاحترام والتوقير وهو بحضرة الخليفة وامير المؤمنين فقال ما كان يصنع بها موسى عليه السلام وهو يخاطب ربه وعصاه في يده. فضحك معاوية رضي الله عنه وقال هاتوا عصاه فاخذ عصاه فوقف وتكلم من صلاة الظهر حتى قامت صلاة العصر. فمات نحنح ولا سعل ولا وقف ولا ابتدأ في معنا قد خرج منه او بقي عليه منه شيء ما استطاع استيفاءه فما زال حاله ذلك حتى اشار اليه معاوية بيده يريد ان يكف عن الكلام ويكتفي بما قال. فاشار اليه سحبان الا تقطع علي كلامي فقال معاوية رضي الله عنه وهو في هذه الحال الصلاة يعني انما نريد ان نتوقف لنشهد الصلاة صلاة العصر. فقال هي امامك ونحن في صلاة وتحميد ووعد ووعيد. فقال معاوية رضي الله عنه ان انت اخطب العرب قال سحبان والعجم والانس والجن. يريد اثبات صدارته بالخطابة والفصاحة وسوق الكلام الذي كان يتولى زمامه. هذا ما يقال في اما بعد ان اول من قالها من العرب سحبان وائل. وقيل اول من قالها كعب بن لؤي في الجاهلية وقيل قس ابن ساعدة الايادي وقيل اول من قالها داوود نبي الله عليه السلام وفسر في بعض كلام المفسرين قول الله سبحانه وتعالى واتيناه الحكمة وفصل الخطاب في بعض تفسير اهل العلم ان فصل الخطاب هي قولة واما بعد يفصل بها الكلام عن المقدمة الى صلبه نقل ذلك الامام الطبري عن بعض اهل العلم ولم يرجح فيه شيئا ومن هنا فقول المصنف رحمه الله وبعد يعني بعد المقدمة التي مضى ذكرها. نعم. احسن الله اليكم. قال الامام ابن القيم رحمه الله وبعد فان الله سبحانه هو المنفرد بالخلق والاختيار من المخلوقات. قال تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار. اعلم رعاك الله ان الكتاب اراد به ابن القيم رحمه الله ان يكون شرحا لهدي النبي المصطفى رسول الله عليه الصلاة والسلام فانظر كيف اختار رحمه الله مقدمة بديعة يريد ان يقول لنا فيها انه عندما يريد ان يقدم كتابا فيه السنن. والهدي النبوي فان ذلك مبني على ماذا؟ على من جعله الله لنا اسوة وقدوة على من فضله الله بالنبوة والرسالة على من امرنا الله باتباعه والتزام هديه على من الا غنى لنا عن اتباع سنته عليه الصلاة والسلام. فكان المدخل المناسب لهذه القضية العلمية الجليلة قضية واثبات الاختيار الالهي. والاصطفاء ولذلك قال وبعد فان الله سبحانه هو المنفرد بالخلق والاختيار. يريد ان يصل الى ماذا ان الله اختار من خلقه رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم. فلما اختاره وسيأتيك وجوه الاختيار الجليل الالهي الرباني لهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام فانك ينبغي ان تبني اتباعك وايمانك جاءك برسول الله عليه الصلاة والسلام ان تبنيه على حكم الهي جليل هو الاختيار الرباني. فانت تبنيه على عظيمة ولا يصنع مثل هذا الا ائمة الاسلام والعلماء في تقرير المعاني وتقعيد القواعد وبناء المسائل على اصولها الشرعية العظيمة نعم وبعد وبعد فان الله سبحانه هو المنفرد بالخلق والاختيار من المخلوقات. قال تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار وليس المراد بالاختيار ها هنا الارادة التي يشير اليها المتكلمون بانه الفاعل المختار. وهو سبحانه كذلك لكن ليس المراد بالاختيار ها هنا هذا المعنى. وهذا الاختيار داخل في قوله يخلق فانه لا يخلق الا باختياره وداخل في قوله ما يشاء فان المشيئة هي الاختيار. وانما المراد بالاختيار ها هنا الاجتباء والاصطفاء فهو اختيار بعد الخلق والاختيار العام اختيار قبل الخلق. فهو اعم واسبق. وهذا اخص وهو متأخر فهو اختيار من الخلق والاول اختيار للخلق. الاية نسبت فعلين لله سبحانه وتعالى. وربك يخلق ويختار يخلق ويختار يخلق ما يشاء فالاية اثبتت الخلق والاختيار اما الخلق فمعلوم واما الاختيار فاراد المصنف رحمه الله ان يحرر فيه المعنى على المنهاج الشرعي لان الاختيار عند المتكلمين وهم الذين تعاطوا علم المنطق من علماء الاسلام وارباب مذاهبه المنسوبة اليه المعتزلة ومن وافقهم على الاصول الكلامية الكبرى في باب العقائد يفسرون الاختيار بانه الفعل باختيار فيقولون الفاعل المختار يفسرون الارادة بانها الفعل باختيار. فقال وربك يخلق ما يشاء ويختار يعني ما يريد والارادة عندهم الفعل باختيار. قال المصنف رحمه الله ليس المراد بالاختيار هنا الارادة. التي يقصدها المتكلمون وان معناها الفاعل المختار ليش؟ قال لان قوله يخلق يشمل معنى الفعل باختيار مخلوق ما يشاء. فلا معنى ان تقول ويختار انه يفعل باختياره وهو معنى قد تضمنه قوله يخلق ما يشاء فيكون تكرارا لا معنى له ولهذا قال الاختيار الذي يقصدونه الذي هو الفعل باختيار او بمعنى الارادة داخل في قوله يخلق. فانه لا يخلق خلقه الا باختياره سبحانه وارادته. ودخل في قوله يخلق ما يشاء. لان المشيئة هي الاختيار. اذا ما المعنى الصحيح لقوله اختار يعني يجتبي ويصطفي سبحانه وتعالى. الله يصطفي من الملائكة رسلا. ومن الناس فان الاختيار اصطفاء واجتباء وهذا الاصطفاء والاجتباء فعل غير فعل الخلق فانه يخلق ويختار. ولهذا قال رحمه الله الاختيار العام بمعنى الارادة قبل الخلق. فانه يريد الشيء سبحانه ثم يقول له كن فيكون. اما الاختيار الخاص بمعنى الاجتباء والاصطفاء من اكثر من شيء فانه يكون بعد الخلق. اذا اختياران اختيار عام بمعنى الارادة وتلك قبل الخلق والاختيار الخاص بمعنى الاجتباء والاصطفاء ويكون بعد الخلق قال الاختيار الاول اختيار للخلق الارادة ان يخلق سبحانه ان يريد الخلق سبحانه وتعالى. هذا اختيار قبل الخلق. والمقصود منه اختيار خلق اما بعد ان يخلو فالاختيار بمعنى الاصطفاء والاجتباء سيكون اختيار من الخل وهذا من دقيق الكلام. الاختيار اختيار اختيار للخلق وهو العام واختيار من الخلق وهو الاختيار الخاص بمعنى الاصطفاء والاجتباء. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله واصح القولين ان الوقف التام على قوله ويختار ويكون ما كان لهم الخيرة نفيا. اي ليس هذا الاختيار اليه بل هو الى الخالق وحده فكما انه المنفرد بالخلق فهو المنفرد بالاختيار منه. وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخير ما موصولة وقد تأتي بمعنى النفي وقد تأتي بمعنى الشرط فما متعددة المعاني والمحامل. فلو قرأ قارئ وربك يخلق ما يشاء شاءوا ويختاروا ما كان لهم الخيرة فهمت ان ما هنا بمعنى الموصولة. يعني ربك يخلق ما يشاء ويختار الذي كان لهم الخيار ونصنف يقول لا ليس هذا المعنى يقول ما هنا نافية وليست موصولة فاذا كانت نافية كان الوقف قبلها تاما. وربك يخلق ما يشاء ويختار. وقف تاء تم المعنى ما كان لهم الخير. فما هنا نافية. ليست الخيرة الى الخلق بل هي ان الخالق سبحانه وتعالى. فكم منفرد بالخلق فلا يخلق سواه انفرد سبحانه بالاختيار والاصطفاء فلا يختار سواه جل جلاله وهذا ايضا نموذج اخر من الاستطراد العلمي للمصنف رحمه الله سنمضي ثلاث اربع صفحات في الاية. وليست هي مقصوده من الكلام. هو يريد ان يبني هي قضية ان الخلق والاختيار الالهي يبنى عليه ان الله فضل بعض خلقه على بعض وصولا الى تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنها الفوائد الجمة العلمية المتنوعة التي تأتيكم في الطريق تباعا فرحم الله المصنف وسائر علماء المسلمين احسن الله اليكم. قال رحمه الله واصح القولين ان الوقفة التام على قوله ويختار ويكون ما كان لهم الخيرة نفيا. اي ليس اي ليس هذا الاختيار اليهم. بل هو الى الخالق وحده. فكما انه منفرد بالخلق فهو المنفرد بالاختيار منه. المتفرد فكما انه المتفرد بالخلق وفي نسخة قال المنفرد. نعم. فكما انه فردوا بالخلق فهو المتفرد بالاختيار منه فليس لاحد ان يخلق ولا يختار سواه فانه سبحانه اعلم بمواقع اختياره ومحال رضاه. وما يصلح وما يصلح للاختيار مما لا يصلح له. وغير لا يشاركه في ذلك بوجه وذهب بعض من لا تحقيق عنده ولا تحصيل الى ان ما في قوله ما كان لهم الخيرة موصولة وهي مفعول ويختار اي ويختار الذي لهم الخيرة. هذا القول ضعفه المصنف رحمه الله اذا فسرت ما بانها موصولة سيكون المعنى ويختار ما كان لهم الخير. يعني كل شيء فيه خير لك الذي اختاره لك هو الله وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخير. يختار الذي فيه الخير لعباده سبحانه وتعالى قال المصنف ذهب بعض من لا تحقيق عنده ولا تحصيلا. الى انما موصولة. فيكون اعرابها مفعول لقوله اختاروا يعني يختار الذي له بالخيارة. قال وهذا باطل من وجوه وسيسوق لك الان ستة اوجه في ابطال حملي ما هنا على معنى الموصولة مع ان هذا القول الذي ضعفه المصنف هو الذي اختاره شيخ المفسرين الامام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره ووصف القول الاول الذي اختاره المصنف بان ما هنا نافية بانه ضعيف. وهذا من شأن اهل العلم في اختيار بعض الاقوال وترجيحها وتضعيف ما سواها. فلا تظن ان هذا من طعن اهل العلم بعضهم في بعض. حاشاهم رحمة الله عليهم لكنها الامانة العلمية التي تذهب باحدهم الى امانة العلم والترجيح بعلم والاختيار بعلم وتقرير المسألة بعلم. فاذا ضعف قولا فقال هذا قول ضعيف. او قول لا يخفى ضعفه او باطل او لا يخفى فساده. فانه من حجة احدهم في بيان العلم. ولا تظن ان هذا قدح في في شخص بعينه. او ان ابن القيم يطعن في الامام الطبري او وان الطبري يطعن في غيره من العلماء ممن اختار القول الذي نصره ابن القيم حاشاهم جميعا رحمة الله عليهم. الامام الطبري لما ضعف القول الذي نصره ابن القيم هنا قال هذا قول لا يخفى فساده على ذي الحجة من وجوه. فالمقصود ان الذي اختاره ابن القيم رحمه الله مرجح عند اهل العلم وكذلك الامام الطبري رجحه للوجوه التي سيأتي ذكرها بعد قليل. نعم قال وهذا باطل من وجوه احدها ان الصلة حينئذ تخلو من العائد لان الخيرة لان الخيرة مرفوع بانه اسم كان بانه اسم كان والخبر لهم فيصير المعنى ويختار الذي كان ويختار الذي كان الخيارة لهم وهذا التركيب محال من القول فان قيل يمكن تصحيحه بان يكون العائد محذوفا ويكون التقدير. ويختار الذي كان لهم الخيارة فيه. اي ويختار الامر الذي الذي كان لهم الخيرات الخيارة في اختياره. هذا احد الوجوه اذا قلت انما موصولة سيكون الكلام ناقصا ويحتاج الى صلة الموصول وهو عادة يكون حرف جر مع ضمير يعود الى ما ذكرت فيه الصلة. ويختار الذي لهم الخيرة فيه وليس في الاية فيه ويختار ما كان لهم الخير فيكون الكلام ناقصا ويصير المعنى ويختار الذي كان الخيرة لهم. قال هذا التركيب محال من القول يعني لا يصح في اللغة. فلو قال قائل لكن يمكن تصحيحه باعتبار الصلة او العائد محذوفا ما كان لهم الخيرة فيه. فحذف بناء على علمه من سياق الكلام. قال ابن القيم حتى هذا التقدير ايضا لا يصح. نعم قال قيل هذا يفسد من وجه اخر. وهو ان هذا ليس من المواضع التي يجوز فيها حذف العائد فانه انما يحذف مجرورا اذا جر بحرف جر الموصول بمثله مع اتحاد المعنى. نحو قوله تعالى يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون. ونظائره اي ويشرب مما تشربون منه. فهذا موضع جاز فيه حذف الصلة لوجود قبله في سياق الكلام ما يدل عليه. وليس مثله في الاية التي نحن فيها. نعم قال ولا يجوز ان يقال جاءني الذي مررت ورأيت الذي رغبت ونحوه. لما تقول جاءني الذي مررت لا يستقيم لك الاختفاء حتى تقول جاءني الذي مررت به فلابد من ذكر العائد او تقول رأيت الذي رغبت فيه فلا يصح الكلام بالاكتفاء فكيف قيل ويشرب مما تشربون ولم يقل منه الجواب لانه قد جر قبله الموصول بمثله. يأكل مما تأكلون منه. فاكتفى بذكر الاول الاسلام. نعم الوجه الثاني انه لو اريد هذا المعنى لنصب الخيارة وشغل وشغل فعل الصلة بضمير يعود على الموصول. فكان يقول ويختار ما كان لهم الخيرة اي الذي الذي كان هو عين الخيرة لهم. وهذا لم يقرأ به احد البتة. مع انه كان وجه الكلام على هذا التقدير. لو جعل فعلت ما موصولة يلزم منها ان تنصب كلمة الخيار لكن القراءة باجماع القراء ما كان لهم الخيرة. واذا اردت ما موصولة ينبغي ان تكون ويختاروا ما كان لهم الخير قيارتا على انها تكون منصوبة. قال وهذا لم يقرأ به احد. نعم الوجه الثالث ان الله سبحانه يحكي عن الكفار اقتراحهم في الاختيار. وارادتهم ان تكون الخيارة لهم. ثم ينفي هذا سبحانه عنهم ويبين تفرده بالاختيار. اذا الوجه الثالث ان الاية جاءت في سياق الرد على اهل الشرك والرد عليهم في اقتراحهم وزعمهم ودعواهم ان يكون لهم حق الاختيار وارادة الاختيار. فيكون الرد عندئذ نفيا ما كان لهم الخيرة. فهذا المناسب للمعنى وسياق الكلام الذي جاءت فيه الاية الكريمة الثالث ان الله سبحانه يحكي عن الكفار اقتراحهم في الاختيار وارادتهم ان تكون الخيارة لهم. ثم ينفي هذا سبحانه عنهم بينوا تفرده بالاختيار. كما قال تعالى وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. اهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم اعظم سخرية ورحمة ربك خير مما يجمعون فانكر عليهم سبحانه تخيرهم عليه. واخبر ان ذلك ليس اليهم بل الى الذي قسم بينهم معايشهم المتضمنة لارزاق ومدد اجالهم فكذلك هو الذي يقسم فضله بين اهل الفضل على حسب على حسب علمه بمواقع الاختيار ومن يصلح له مما من لا يصلح فهو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات وقسم بينهم معايشهم ودرجات التفظيل وهو القاسم ذلك وحده غيره وهكذا هذه الاية بين فيها انفراده بالخلق والاختيار. وانه سبحانه اعلم بمواقع اختياره. كما قال تعالى واذا جاءتهم اية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله. الله اعلم حيث يجعل رسالته اي الله اعلم بالمحل الذي يصلح لاصطفائه وكرامته وتخصيصه بالرسالة والنبوة دون غيره قرر رحمه الله ان القرآن ذكر في غير ما موضع تبجح الكفار في اعتراضهم ومزاحمتهم لله سبحانه وتعالى في حق الاختيار وذكر منها الاية هنا واذا جاءتهم اية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثلما اوتي رسل الله في غاية التبجح يريدون ان يكون لهم حق. وان يبلغوا درجة النبوة وان يؤتوا ما يؤتاه الانبياء والرسل. فجاء الجواب الله اعلم حيث يجعل رسالته وهذا حق لله سبحانه والله اعلم حيث يجعل رسالته اثبات لحق الاختيار. الله اعلم من يختار ليكون رسولا. الله اعلم حيث يجعل رسالته سبحانه هو كمثل اية الزخرف وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. اي قريتين مكة والطائف ارادوا الاعتراض على اختيار رسول الله عليه الصلاة والسلام بالنبوة والوحي والرسالة. وهذا نوع من التبجح ان يتعدى البشر منزلته القاصرة والمحدودة والتي لا ينبغي له التطاول عليها الى ما وراءها مما اختص الله تعالى به. لكن هذا شأنهم. فاذا ثبت انهم في غير ما موضع من القرآن كان لهم التطاول ومنازعة حق عز وجل في الاختيار فهمت ان قوله في اية القصص ما كان لهم الخيار تقرير لاصل تقرر وتكرر في غير موضع من القرآن ما كان لهم الخيرة مثل رده عليهم الله اعلم حيث يجعل رسالته. مثل رده عليهم اهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا. فالذي قسم الارزاق هو الذي يقسم الفضل. هو الذي يختار سبحانه وتعالى وهذا حق لا ينازع فيه فدل على ان الاية الكريمة التي نحن فيها وربك يخلق ما يشاء ويختار. هي من معنى جنسي وسياقي الايات الكريمات الاخر في الرد على المشركين في منازعتهم لله سبحانه حق الاختيار والاصطفاء ولذلك قال ما كان لهم الخيرة على معنى النفي لا على معنى الصلة احسن الله اليكم الوجه الرابع انه نزه نفسه سبحانه عما اقتضاه شركهم من اقتراحهم واختيارهم. فقال ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون ولم يكن شركهم مقتضيا لاثبات خالق سواه حتى ينزه نفسه عنه. فتأمله فانه في غاية اللطف. وحقا هو معنى اللطيف دقيق وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ثم قال منزها سبحانه وتعالى ذاته العلية سبحان الله وتعالى عما يشركون اي شرك قال ليس شركهم في هذا السياق الا شرك الاقتراح والاختيار فهم بذلك ينازعون حقا تفرد الله عز وجل به فلما نزعوه في ذلك اثبت لذاته العلي التوحيد. قال وربك يخلق ما يشاء ويختار. ثم قال مؤكدا لذلك بالنفي ما كان لهم الخيرة. قال ولم يكن شركهم مقتضيا لاثبات خالق سواه حتى ينزه نفسه عنه. وانما كان مقتضيا المنازعة في الاختيار والاصطفاء قال فتأمل ذلك ليؤكد لك ان ما هنا نافية في اثبات حق الله في التفرد سبحانه وتعالى بالاصطفاء والاجتباء احسن الله اليكم قال رحمه الله الخامس ان هذا نظير ان هذا نظير قوله في الحج ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه. ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره. ان الله لقوي عزيز ارأيته الاية في حق الخلق. ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا. الاية في تفرد الله بالخلق لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له. ليس هذا فقط قال وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه لصغر وضآلة وحقارة ما يسلبه الذباب من البشر فانه لا يمكن استرداده واسترجاعه واستنقاذه. ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره. الاية في تقرير اي صفة لله الخلق وربك يخلق قال لن يخلقوا ذبابا لكن انظر كيف يربط القرآن بين الخلق والاختيار كما قال هنا في اية القصد وربك يخلق ما يشاء ويختار. فهناك في سورة الحج لما ذكر الخلق وتفرده سبحانه به اعقب ذلك مباشرة بالاصطفاء والاختيار. نعم ثم قال سبحانه الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ان الله سميع بصير. يعلم ما بين ايديهم وما اخلفهم والى الله ترجع الامور. بين يدي ذكر اصطفائه سبحانه لما شاء من خلقه واختياره لما تفرد بالاختيار فيه بين يدي تقرير هذه الصفة العظيمة والحق العظيم لله يتقدم ذكر الخلق. تدري لم لانه يلزمك كما امنت به متفردا بالخلق وحده سبحانه يلزمك ان تؤمن بتفرده. بالاصطفاء والاختيار وحده سبحانه فتسلم امرك لله كما سلمت له في الخلق. فهذا الاقتران بين الخلق والاصطفاء جاء في ذاك الموضع وجاء هنا ايضا. وهذا ايضا من من منهاج اهل العلم في ربط بعض القرآن ببعض وتفسير بعضه ببعض لترى ان سياق القرآن ومنهجية اثبات العقائد تقوم على نظام بديع من يتأمله من كلام اهل العلم يجد فيه حكما واسرارا بليغة الله اليكم. قال رحمه الله وهذا نظير قوله في القصص وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ونظير قوله في الانعام الله اعلم حيث يجعل رسالته. فاخبر في ذلك كله عن علمه المتظمن لتخصيصه محال اختياره بما خصصها به لعلمه بانها تصلح له دون غيرها. فتدبر السياق في هذه الايات تجده منتظما لهذا المعنى دائرا عليه. ومع خلق يأتي ايضا وصف العلم في سورة القصص وربك يخلق ما يشاء ويختار. الخلق والاختيار. ما كان لهم الخيار. سبحان الله وتعالى عما يشركون. وربك يعلم فاذا اقترن الخلق والعلم كان ذلك التفرد الذي لا يكون الا لله سبحانه. وهذا في معنى ارتباط الخلق والعلم والارادة تكرر في كثير من ايات القرآن. وحتى اية سورة الانعام لما قال وقالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله. فجاء الجواب الله اعلم حيث يجعل رسالته فوكل ذلك الى صفة العلم وهنا كذلك ايضا وربك يخلق ما يشاء ويختار. وفي سورة الحج لن يخلقوا ذبابا ثم ذكر الاصطفاء الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ان الله سميع بصير اعقبها بالعلم يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم. فيقول هذا كله من نظائر القرآن في تقرير المعنى واقترنت الثلاثة ايضا في ختام سورة الطلاق الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن. لتعلموا ان الله على كل شيء قدير. وان الله احاط بكل شيء علما فصدر بالخلق وجعله من لوازم ارادته سبحانه وتعالى وعلمه المحيط لكل شيء جل في علاه احسن الله اليكم. قال رحمه الله السادس ان هذه الاية مذكورة عقب قوله ويوم يناديهم فيقول ماذا اجبت المرسلين فعميت عليهم الانباء يومئذ فهم لا يتساءلون. فاما من تاب وامن وعمل صالحا فعسى ان يكون من المفلحين وربك يخلق ما يشاء ويختار فكما خلقهم وحده سبحانه اختار منهم من تاب وامن وعمل صالحا. فكانوا صفوته من عباده وخيرته من وكان هذا الاختيار راجعا الى حكمته وعلمه سبحانه وعلمه سبحانه بمن هو اهل له لا لا لا الى اختيار هؤلاء المشركين واقتراحهم. فسبحان الله وتعالى عما يشركون انه لا يزال في قوله وبعد ما تجاوزها ان الله عز وجل تفرد بالخلق والاختيار واتى بالاية ثم استطرد فيما مضى من نسينا هذا لتقرير معنى الاية الكريمة وان ما في قوله ما كان لهم الخير نافية لا موصولة واتى بالوجوه الستة التي سمعت فقوله فصل يعني يفصل الكلام الذي استرسل فيه ليعود الى ما هو بصدد الحديث عنه نعم فصل قال رحمه الله واذا تأملت احوال الخلق رأيت هذا الاختيار والتخصيص فيه دالا على ربوبيته تعالى ووحدانيته رأيت رأيت هذا الاختيار والتخصيص فيه دالا على ربوبيته تعالى ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته. وانه الله الذي لا اله الا هو فلا شريك له يخلق كخلقه ويختارك اختياره ويدبرك كتدبيره. تأملوا رعاكم الله. تقول الاية الكريمة وربك يخلق ما يشاء ويختار صدر الاية بربوبيته سبحانه فما يذكر بعدها سيكون من دلائل الربوبية ولوازمها. وربك يخلو فلو لم يخلق ما كان ربا سبحانه فهذا من دلائل الربوبية ولوازمها من لوازم الايمان به سبحانه وتعالى ربا. الايمان بانه الخالق. فان توحيد الربوبية هو توحيد الله بافعال سبحانه الخلق التدبير الرزق الاحياء الاماتة الاختيار والاصطفاء والاجتباء. هو ايضا من افعال عن الخالق الذي تفرد به سبحانه قال وربك يخلق ما يشاء ويختار. فكما ان الخلق من دلائل الربوبية فان الاختيار ايضا من دلائل اي للربوبية والعكس اذا كان من لوازم الربوبية الايمان به خالقا فان من لوازم الربوبية ايضا الايمان به سبحانه مختارا وحده سبحانه يصطفي ما يشاء ويختار ما يشاء جل في علاه هذه واحدة والثانية اذا دل الدليل على ان الله اختار شيئا من خلقه كاختياره مثلا كما سيأتي في كلام المصنف اختياره الفردوس من بين جنان الجنة وفضلها فجعل سقفها عرشه سبحانه وتعالى. واختياره الملائكة واختياره جبريل وميكائيل مثلا من الملائكة عليهم السلام واختياره الانبياء والرسل عليهم السلام من البشر. واختياره مكة والمدينة من المدن. واختياره رمضان او ليلة القدر او عشر ذي الحجة من ايام العام. هذا الاختيار كله دوما تنصرف الانظار فيه الى احد معنييه دون الاخر تنصرف الانظار الى معنى يتعلق بشرف المختار الذي وقع عليه الاختيار والتخصيص وينصرف الذهن يعني ينصرف الذهن الى شرف وفضيلة ومنقبة الذي وقع عليه الاختيار. لكن ينصرف الذهن عن المعنى الاجل ان الاختيار اية من ايات ربوبية الذي اختار سبحانه. فلانه خلق هو الذي اختار. يعني اما سألت نفسك ما الذي جعل ليلة القدر خيرا من الف شهر؟ ما الذي جعل عشرة ذي الحجة العمل فيها احب الى الله من كل ايام العام؟ ما الذي جعل مكة والمدينة خير بقاع الدنيا على وجه الارض ما الذي فضل جبريل وميكائيل عليهما السلام؟ ما الذي فضل الانبياء والرسل؟ فاقول دوما ما تنصرف الاذهان الى شرف وفضيلة ومنقبة من يختار ويختص وينصرف الذهن على دلالة ربوبية من اختار واختص سبحانه وتعالى تلك الامور المختارة يقول المصنف رحمه الله اذا تأملت احوال الخلق رأيت هذا الاختيار والتخصيص فيه دالا ونبهك على المعنى الذي يغيب عن الاذهان ما قال رأيت الاختيار والتخصيص دالا على شرف المخصص وفضله ومكانته هذا حق لكن المعنى الاعظم ما هو؟ قال ارأيت الاختيار والتخصيص دالا على ربوبيته تعالى. ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته. اي والله ما يخلق الا لحكمة ولا يختار الا لحكمة ما خلق سبحانه الا بعلم ولا يختار الا بعلم. ما خلق الا بقدرة ولا اختار الا بقدرة ما خلق الا بعلم وحدانية وربوبية فكذلك الاختيار. قال وانه الله الذي لا اله الا هو فلا شريك له يخلق كخلقه ويختار خياره ويدبر كتدبيره سبحانه وتعالى احسن الله اليكم. قال الامام ابن القيم رحمه الله فهذا الاختيار والتخصيص المشهود اثره في هذا العالم من اعظم ايات واكبر شواهد وحدانيته وصفات كماله وصدق رسله. فانت عبد الله عندما تعظم شيئا في الشريعة مما عظمه الله فان ذلك من تعظيمك لله بمعنى اخر ارأيت من يفوت فضيلة اغتنام العشر الاواخر من رمضان مثلا او يلهو ويلعب في اشرف الزمان كليلة القدر وعشر ذي الحجة ويعيش في لهو وغفلة واعراب اذا نظرت اليه بعين ابصرت كم هو فيه من الغبن والضياع لنفسه والحرمان والخسارة والشقاء الذي ما افلح لينال من معاني الخير والفضل في ذاك الموضع او تلك الازمنة. لكن حقيقة بالمعنى الاخر ان نظرت اليه بعين اخرى ابصرت فيها ابصرت فيها قيحة وقلة تعظيم لجناب الله لانه ما عظم ما عظم الله فانت اذا امتلأ قلبك تعظيما للملائكة والانبياء والرسل والقرآن ورمضان وعشر ذي الحجة وكل ما اختار الله واصطفى من الزمان من الملائكة من البشر من الاماكن فانك تعظم ربك بذلك التعظيم فكل من يعظم ويجل ويوقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان كان هذا دلالة على حب وايمان صادق في قلبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانه بالمقام الاول دلالة على امتلاء القلب تعظيما لله لان الله هو الذي عظم ذاك المقام فعظم او العبد المعظم لله. ومن اقبل على رمضان فاغتنم فضله وامسك نفسه واخذ بالعزم والحزم ليكون من المشتغلين بمعالي الامور والمكارم والمسابقة الى الخيرات فان كان من جهة هو طمع في رحمة الله وحيازة للاجر فانها ايضا بالمعنى الاخر هو وقوف على تعظيم لامر عظمه الله فيدور العبد في تلك المعاني مع العظمة التي كان منشأها الاختيار الالهي والاصطفاء الرباني فيدور الامر مع تعظيم الله ونعم العبد عندئذ ان تقوده قدماه في خطوات التعظيم بعدما عرف ان ذلك من تعظيمه ربه سبحانه وتعالى احسن الله اليكم قال فهذا الاختيار والتخصيص المشهود اثره في هذا العالم من اعظم ايات ربوبيته. واكبر شواهد وحدانيته وصفاته كما اله وصدق رسله فنشير فيه الى شيء يسير يكون منبها على ما وراءه دالا على ما سواه فخلق الله السماوات سبعا فاختار العليا منها هذي امثلة الان لبعض الامور التي فضل الله فيها بعض خلقه واختاره واصطفاه على ما هو من جنسه. نعم. فخلق الله فخلق الله السماوات سبعا. فاختار العليا منها فجعلها مستقرا المقربين من ملائكته واختصها بالقرب من كرسيه ومن عرشه واسكنها من شاء من خلقه فلها مزية على سائر السماوات ولو لم يكن الا قربها منه تبارك وتعالى. وهذا التفضيل والتخصيص مع تساوي السماوات من من ابين الادلة على كمال قدرته تعالى وحكمته وانه يخلق ما يشاء ويختار ومن هذا تفضيله جنة الفردوس على سائر الجنان. وتخصيصها بان جعل عرشه سقفها. وفي بعض الاثار ان الله سبحانه غرسها بيده واختارها لخيرته من خلقه. نعم يشهد لذلك حديث مسلم ان موسى عليه السلام سأل ربه عن اعلى اهل الجنة منزلة فقال اولئك الذين اردت غرست كرامتهم بيدي. يشير الى ان الله خص اتى الفردوس بهذه الكرامة التي غرسها بيده واختارها لخيرته من خلقه جعلنا الله واياكم ووالدينا من والي في سكناه ومن هذا اختياره من الملائكة المصطفين منهم على سائرهم كجبريل وميكائيل واسرافيل. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السماوات والارض ورب جبريل وميكائيل واسرافيل وفي عليهم السلام هو رب الملائكة اجمعين. فلماذا لم يقل اللهم رب الملائكة تخصيص هؤلاء بالذكر تنويهم بشرفهم وفضلهم واصطفاء الله لهم على سائر الملائكة وهذا ايضا معلوم من ادلة اخر وان الله اوكل اليهم ايضا من المهام ما لا يكون الى غيرهم من الملائكة عليهم السلام نعم اللهم رب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم رب جبرائيل اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة ان ستحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلف فيهم من الحق باذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم فذكر هؤلاء الثلاثة من الملائكة لكمال اختصاصهم واصطفائهم وقربهم من الله وكم من ملك غيرهم في السماوات فلم وكم من ملك غيرهم في السماوات فلم يسم الا هؤلاء الثلاثة فجبريل صاحب الوحي الذي به حياة القلوب والارواح. وميكائيل صاحب القط الذي به حياة الارض والحيوان والنبات واسراف صاحب السور الذي اذا نفخ فيه الذي اذا نفخ فيه احيت نفخته باذن الله الاموات. واخرجتهم من قبورهم الى هذا الوصف من ابن القيم رحمه الله فجعل الملائكة الثلاثة في معنى الاختصاص بالحياة قال جبريل عليه السلام صاحب الوحي الذي به حياة القلوب والارواح. ميكائيل صاحب القطر الذي به حياة الارض والحيوان والنبات حتى اسرافيل الذي ينفخ في الصور فتكون نفخة الصعقة والموت لكن فيها نفخة البعث. قال الذي اذا نفخ في الصور احيت نفخته باذن الله واخرجتهم من قبورهم عليهم السلام احسن الله اليكم قال رحمه الله وكذلك اختياره سبحانه الانبياء من ولد ادم وهم مائة الف واربعة وعشرون الفا واختياره الرسل منهم وهم ثلاث مئة واختياره الرسل منهم وهم ثلاثمئة وثلاثة عشر على ما في حديث ابي ذر الذي رواه احمد وابن حبان في صحيحه دياره اولي العزم منهم وهم الخمسة المذكورون في سورتي الاحزاب والشورى في قوله تعالى واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وقال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه واختار منهم الخليلين ابراهيم ومحمدا صلى الله عليهما وسلم ومن هذا اختياره سبحانه اختياره سبحانه وتعالى الانبياء من ولد ادم الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس. فهذا اصطفاء. النبوة اختيار. ولهذا يقول اهل العلم ان النبوة ليست كسب من يكتسب ولا وراثة تورث لكنه اجتباء واختيار واصطفاء الهي قال رحمه الله ان الله اصطفى من البشر من ولد ادم هؤلاء القلة. قال وهم مائة الف واربعة وعشرون الفا هؤلاء الانبياء والنبوة اعم من الرسالة. فان الرسل اقل. قال واختياره الرسل منهم وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر. من اين هذا التحديد؟ قال رحمه الله تعالى على ما في حديث ابي ذر الذي رواه احمد وابن حبان في صحيحه. والاسناد ضعيف لبعض من في رواته ممن اتهم بالكذب وقال الذهبي متروك. وحديث ابي ذر رضي الله عنه قال يا رسول الله كم الانبياء؟ قال مائة الف واربعة وعشرون الفا قال ابو ذر قلت كم الرسل من ذلك؟ قال ثلاثمئة وثلاثة عشر جم غفير قلت كثير طيب من كان اولهم؟ قال ادم قلت انبي مرسل؟ قال نعم خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وسواه قبل. ثم قال يا ابا ذر اربعة الى اخر ما في الحديث وهو فيه تفصيل لي الانبياء والرسل قال ابن كثير غريب جدا واسناده عن ابي ذر لا يصح آآ رضي الله عن ابي ذر. فقال المصنف على ما في حديث ابي ذر الذي رواه احمد وابن حبان. وعلى كل حال فسواء صح هذا العدد او لم يصح الا انه في الجملة بلا خلاف ان عدد الانبياء والرسل قطرة في بحر من عدد من خلق الله من البشر لانه في كل امة رسول. نبي وفي كل قرن او في كل قوم ورهط يبعث الله الواحد او الاحاد لكنه في النهاية قطرة في بحر البشرية. فالسؤال هؤلاء القلة من البشر هو اصطفاء واجتباء فمرده الى اي شيء الى القضية التي نحن فيها اصطفاء الهي وهذا اختيار من الله سبحانه وتعالى وذكر ايتي الاحزاب والشورى واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم. هؤلاء اولو العزم الخمسة من الرسل عليهم السلام والمذكورون ايضا في سورة الشورى وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى قال قبلها ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليه وهم خمسة نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم اجمعين الله اليكم قال رحمه الله ومن هذا اختياره سبحانه ولد اسماعيل من اجناس بني ادم ثم اختار منهم بني كنانة بن زي ما ثم اختار من ولد كنانة قريشا ثم اختار من قريش بني هاشم ثم اختار من بني هاشم سيد ولد ادم محمدا صلى الله عليه وسلم. اللهم صلي وسلم وبارك عليه. ايضا يشير المصنف رحمه الله الى حديث واثلة بن الاصقع الذي اخرجه الامام مسلم. ان الله اصطفى كنانة من ولدي اسماعيل. واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم. واصطفاني من بني هاشم صلى الله عليه واله وسلم. هذا اصطفاء واختيار واجتباء ونسب النبي صلى الله عليه وسلم فيه عناية الهية شرف حباه الله تعالى به لما اختاره للنبوة وختم الرسالة صلى الله عليه وسلم قال رحمه الله وكذلك اختار اصحابه من جملة العالمين. واختار منهم السابقين الاولين. واختار منهم اهل بدر واهل بيعة الرضوان واختار لهم من الدين اكمله. ومن الشرائع افضلها ومن الاخلاق ازكاها واطهرها. خير الامة قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال فلا ادري اذكر بعده قرنين او ثلاثا صلى الله وعليه وسلم. وهكذا هي مناقب الصحابة الكرام رضي الله عنهم. فكما قلنا في الانبياء والرسل عليهم السلام. هم في الجملة صفوة البشر لكنهم فيما بينهم فضل الله بعضهم على بعض. قال سبحانه تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات فكذلك الصحابة رضي الله عنهم هم في الامة خيرها وصفوتها. من جعلهم الله اصحاب نبيه عليه الصلاة والسلام. وهم فيما بينهم ايضا يتفاضلون والذي فضلهم واختار بعضهم على بعض هو الذي خلقهم سبحانه وتعالى. فخلق واختار ما يشاء سبحانه وتعالى. ففضل من سمعت منه السابقين الاولين واهل بدر وبيعة الرضوان وكل اولئك مخصوصون بالفضل مسلمة الفتح يوم مكة خير منهم من اسلم قبلهم. ومن شهد بيعة الرضوان وكانوا الفا واربعمائة او الفا وخمس هم خير ممن لم يشهد بيعة الرضوان ممن امن واسلم بعدها ومن شهد بدرا من الصحابة خير ممن لم يشهدها والعشرة المبشرون خير من غيرهم والاربعة الخلفاء الراشدون من العشرة هم اعلاهم درجة. وترتيبهم في الفضل على ترتيبهم في الخلافة كما هي عقيدة اهل السنة والجماعة فرضي الله عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم اجمعين فان فيهم يتحقق معنى قوله سبحانه وربك يخلق ما يشاء ويختار. فخلقهم سبحانه واختارهم على سائر الامة التي هي في الجملة صفوة الامم وخيرتها عند الخالق بسبحانك احسن الله اليكم قال رحمه الله واختار امته صلى الله عليه وسلم على سائر الامم كما في مسند الامام احمد وغيره من حديث بهز ابن حكيم ابن معاوية ابن حيدة عن ابيه عن جده انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتم توفون سبعين امة انتم خيرها واكرمها على الله. قال علي ابن المديني واحمد حديث بهز ابن حكيم عن ابيه عن جده صحيح وظهر اثر هذا الاختيار في اعمالهم واخلاقهم وتوحيدهم ومنازلهم في الجنة. ومقامهم في الموقف. فانهم اعلى من الناس على فوقهم يشرفون عليهم. وفي الترمذي من حديث بريدة بن بريدة بن الحصيب الاسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل الجنة عشرون ومئة صف ثمانون منها من هذه الامة واربعون من سائر الامم. يعني كم النسبة الثلثان ثمانون من مئة وعشرين من صفوف الجنة من هذه الامة كرامة من الله وايضا مما اختارها الله عز وجل واصطفاها فالحمد لله على هذا اتساق في كلام المصنف رحمه الله تعالى في بيان هذا الاختيار الالهي وضرب امثلته وسوق شواهده لا يزال في الحديث بقية ولعل مجلس الجمعة القادمة ان شاء الله فيها الحديث ايضا عن تفضيل واختيار البيت الحرام ومكة ومناقبها وما جعل الله عز وجل في ثناياها خصائص وكرامات في جملة ما اختار الله سبحانه من خلقه جل وتعالى قدس متفردا بالحق كما تفرد بالخلق سبحانه وتعالى وبعد فالليلة ليلة الجمعة وغدا يوم الجمعة. وهذه الاوقات المباركة حرية بان تغتنم خيراتها وان والتنازة حسناتها بالاستباق فيما جعل فيه السباق بين اهل الاسلام يقودهم الى عظيم من الخيرات والكنوز والحسنات ان النبي محمدا خير الورى وشفيعنا واجل من وطأ الثرى. صلوا عليه وسلموا ما شئتم. صلوا وعلى المبعوث من ام القرى فصلاتكم تقضى بها حاجاتكم وتكون اربح كسبكم مما يرى. فيا رب صلي وسلم وبارك عليه عدد ما صلى عليه المصلون. وصلي وسلم وبارك عليه عدد ما غفل عن الصلاة عليه الغافلون. واجعلنا الهي بالصلاة والسلام عليه من اشد امته له حبا. ومن اكثرهم منه يوم القيامة قربى. اللهم احينا على سنته وامتنا على سنته واحشرنا في زمرته واكرمنا يوم القيامة بشفاعته نحن ووالدينا وازواجنا وذرياتنا يا رب العالمين ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلي اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين