بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الحمد في الآخرة والاولى. واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله امام الهدى وسيد الورى صلوات الله وسلامه عليه وعلى ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. اما بعد اخوة الاسلام فمن ببيت الله الحرام ينعقد هذا المجلس الخامس من مجالس مدارستنا لكتاب زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله وعليه واله وسلم للامام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في هذا اليوم الخميس ليلة الجمعة الثاني من شهر ربيع في عين الاخر سنة اربع واربعين واربعمئة والف من هجرة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم. مستكثرين في هذه الليلة الشريفة المباركة من صلاتنا وسلامنا على امامنا ورسولنا وقدوتنا نبي الله محمد صلى الله عليه القائل اكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فان صلاتكم معروضة علي. القائل صلى الله عليه وسلم فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا فاللهم صل وسلم وبارك عليه عدد ما صلى عليه المصلون وصل يا ربي وسلم وبارك عليه. عدد ما غفل عن الصلاة عنه وابعدوا فقد وقف بنا الحديث في اثناء مقدمة المصنف رحمه الله تعالى في ذكر كلامه عن حكمة الله جل جلاله في الخلق والاختيار. وان الله اختار من الاماكن والبلاد خيرها واشرفها. ووقف بنا الحديث في اختيار الله جل جلاله لام القرى مكة بلد الله الحرام. وما خصها به من الفضائل والمناقب والاحكام مكة اختارها الله لبيته وجعلها مناسك لعبادته. واوجب عليهم الاتيان اليها من القرب والبعد من كل فج عميق مكة يدخلها اهل الاسلام في خضوع وتواضع وذل واحرام يتجردون فيه عن لباس اهل الدنيا جعل الله حرما امنا لا يسفك فيها دم ولا يعبد بها شجرة ولا ينفر فيها صيد ولا يختلى خلاها ولا يلتقط الا معرفها جعل الله قصد مكة مكفرا لما سلف من الذنوب ماحيا للاوزار. وجعل ثواب قاصدي بيته الحرام الجنة كما قال عليه الصلاة والسلام والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. اقسم الله بمكة في القرآن الكريم سبحانه وتعالى ثواب الصلاة فيها مضاعفة بمائة الف صلاة ساق المصنف رحمه الله حديث عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا افضل من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام. وصلاة في المسجد الحرام افضل من صلاة في مسجدي هذا بمئة صلاة واصلح منه في بيان هذه المضاعفة ما روى احمد وابن ماجة من حديث جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي افضل من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام. وصلاة في المسجد الحرام افضل من مائة الف فيما سواه. وهذا في صلة حديثنا بفضائل مكة وما قرر المصنف رحمه الله ان مكة قبلة لاهل الارض كلهم وهي من خواصها ما يحرم فيه الاستقبال والاستدبار. عند قضاء الحاجة واخر ما وقف بنا الحديث ان مكة اول مسجد بني في الله في الارض لله سبحانه وتعالى. وتقدم حديث ابي ذر رضي الله عنه لما قال سألت رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم عن اول مسجد وضع في الارض قال المسجد الحرام. قلت ثم اي قال المسجد الاقصى؟ قلت كم بينهما؟ قال اربعون عاما ولا يزال في مجلس الليلة من تتمة كلام المصنف رحمه الله عن فضائل هذا البلد الحرام. رزقنا الله واياكم فيه حسن الجوار والمقام بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف على اشرف الانبياء والمرسلين وحبيب رب العالمين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اجمعين اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولنا ولوالدينا وللمسلمين قال الامام ابن القيم رحمه الله ومما يدل على تفضيلها ان الله تعالى اخبر انها ام القرى فالقرى كلها تبع لها وفرع عليها. وهي اصل القرى فيجب الا يكون لها في القرى عديل. وهذا كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الفاتحة انها ام القرآن ولذلك لم يكن في الكتاب في الكتب الالهية لها عديل. الفاتحة ام القرآن. ام الكتاب ومعنى الام اعظم الشيء من جنسه. فاذا كانت الفاتحة اعظم سورة في القرآن فقد سميت بام الكتاب ولذلك فهي على قصر اياتها السبع المثاني لكنها عظمة الكتاب الكريم في تلك السورة العظيمة. فهي القرآن. فاذا فهمت ذلك فهمت معنى تسمية مكة بام القرى. قال الله عز وجل ولتنذر ام القرى من حولها فام القرى مكة فهي اذا ام للبلاد بالبقاع بمعنى انها اعظمها واجلها من جنسها وهي البلاد التي يعيش فيها البشر على وجه الارض. في القرى كلها تبع لها وفرع عليها. فهي اصل القرى ولهذا سميت بام القرى نعم احسن الله اليكم قال الامام ابن القيم رحمه الله ومن خصائصها انها لا يجوز دخولها لغير اصحاب الحوائج المتكررة الا باحرام وهذه خاصية لا يشاركها فيها شيء من البلاد وهذه المسألة تلقاها الناس عن ابن عباس وقد روي باسناد لا يحتج به عن ابن عباس مرفوعا لا يدخل احد مكة الا باحرام من اهلها او من غير اهلها ذكره احمد بن ابي ذكره ذكره ابو احمد ابن عدي ولكن الحجاج ابن ارطة ولكن الحجاج بن ارطاب الطريق واخر واخر قبله من الضعفاء. هذا الحديث الذي ذكره المصنف عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا ومعنى مرفوعا انه منسوب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لا يدخل احد مكة الا باحرام. من اهلها او من غير اهلها الحديث لو صح لكان حجة فيما ذكر المصنف ان مكة انفردت من بين سائر البلاد على الارض. لا يدخلها الداخل الا باحرام فلو قال قائل لكنني ما اريد العمرة فيبقى الحديث نصا قال المصنف رحمه الله روي باسناد لا يحتج به. اشار الى ضعف الحديث المرفوع وان الامام ابا احمد بن عدي ذكر الحديث في كتابه الكامل في الضعفاء. واشار المصنف الى علة الحديث التي من اجلها ظعف قال لكن الحجاج بن ارطات بالطريق واخر قبله من الضعفاء. يعني ان في طريق الحديث واسناده ضعيفان من الروى احدهما الحجاج ابن ارطاه الذي سماه المصنف رحمه الله تعالى. والثاني محمد بن خالد الواسطي الذي ذكره ابن وعدي في كتابه الكامل وذكر الحديث مثالا لما ضعف من روايته. فاجتمع في سند الحديث راوين ضعيفان. ولهذا فالحديث ضعيف قال ابن عدي لا اعرفه مسندا الا من هذا الطريق. لكن الحديث ذاته روي موقوفا على ابن عباس. رضي الله عنهما اي من قوله لا من رفعه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث الموقوف عن ابن عباس رضي الله عنهما روي من غير وجه اخرجها الطحاوي والبيهقي. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله واسناده جيد. يعني على ابن عباس فان قلت فهو اثر موقوف وليس حديثا مرفوعا فيقول الفقهاء ان مثل هذه الاحكام وان كان المتكلم بها احد الصحابة رضي الله عنهم ولم يرفعه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالغالب انها ان كانت مما لا مجال للاجتهاد فيه فيبقى لها حكم الرفع. فهل هذه المسألة من جنسها او لا؟ هي محل نظر واجتهاد. فقد يقال هو اجتهاد لابن عباس رضي الله عنهما. ذكره بناء على ما فهمه من النصوص فيبقى من قوله ولا يتعدى له حكم الرفع ويمكن ان يقال ان هذا من الاحكام المخصوصة بمكة التي لا تتلقى بالاجتهاد اخبر فيها ابن رضي الله عنهما وتكلم به على انه حديث مرفوع غير انه لم يصرح بنسبته الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاجل الخلاف في الحديث في تضعيف المرفوع والخلاف في الموقوف. ايأخذ حكم الرفع او لا؟ اختلف الفقهاء هل يجوز دخول مكة بلا احرام وهذا يشمل ثلاثة انواع من الداخلين الى مكة النوع الاول اهل مكة الذين يترددون دخولا وخروجا فماذا لو خرج المكي الى جدة او بالطائف او الى مكان خارج مكة ثم دخل؟ ايلزمه كلما خرج الا يدخل مكة الا محرما. والنوع الثاني القادمون الى مكة بقصد النسك حجاجا ومعتمرين. سواء كانوا من قرب المواقيت او من ورائها او من الافاقيين قادمين من كل فج عميق فهل يلزمهم اذا دخلوا مكة الا يدخلوها الا محرمين والنوع الثالث الذي يدخل مكة وليس من النوع الاول من اهلها بل من غير اهلها. لكنه يأتي مكة غير قاصد نسك حجا ولا عمرة. جاء لزيارة بعض اقربائه او لموعد يراجعه في جهة ما او جاء يريد الحرم للصلاة والطواف لا للحج ولا للعمرة فهل يجوز له دخول مكة بلا احرام اما النوع الاوسط وهو الحجاج والمعتمرون فلا يجوز لهم دخول مكة الا باحرام. بلا خلاف بين الفقهاء بصريح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حدد المواقيت المعلومة للحجاج والمعتمرين قال عليه الصلاة والسلام هن لهن ولمن اتى عليهن من غير اهلهن من من اراد الحج او العمرة فهذا لا خلاف فيه. واما اهل مكة الذين يكثروا تردادهم ودخولهم وخروجهم ربما كل يوم. واحيانا في اليوم اكثر مما مرات فهذا ايضا يكاد يكون الاتفاق عليه انه لا يلزمهم احرام وسيأتيك الان ان من القائلين باشتراط دخول مكة باحرام يستثنون اهل مكة. ومن في حكمهم؟ قالوا كالحطابين وسعاة البريد ونحوهم. الحطاب الذي يخرج لجمع الحطب فانه يخرج كل يوم ويرجع وساعي البريد الذي يحمل الرسائل والخطابات والكتب يتردد ايضا كل يوم فهو ايضا ممن لا يلزمه احرام. يبقى الخلاف في الفئة الثالثة وهم من قصد مكة من غير اهلها ممن لا يكثر ترداده ولا يشق عليه الاحرام لكنه ليس حاجا ولا معتمرا. فهل يجوز لهم دخول مكة بلا احرام؟ هذا الذي وقع فيه الخلاف. ولو صح حديث ابن عباس رضي الله عنهما لكان فيصلا في المسألة لانه يقول لا يدخل احد مكة الا باحرام من اهلها او من غير اهل بها لكن الحديث فيه ما سمعت من الخلاف في تصحيح المرفوع والخلاف في اعتبار الموقوف له حكم الرفع ان صح سنده. واشار المصنف الى الخلاف في المسألة احسن الله اليكم. قال رحمه الله وللفقهاء في المسألة ثلاثة اقوال. اي مسألة دخول مكة بلا احرام. نعم قال وللفقهاء في المسألة ثلاثة اقوال النفي والاثبات نفي ماذا لا يدخل مكة الا باحرام والاثبات جواز دخولها بلا احرام. نعم النفي والاثبات والفرق بين من هو داخل المواقيت ومن هو قبلها فمن قبلها لا يجاوزها الا باحرام. ومن هو داخلها حكمه حكم اهل مكة وهذا قول ابي حنيفة والقولان الاولان للشافعي واحمد قال القول الاول النفي والثاني الاثبات والثالث التفريق بين من كان داخل المواقيت ومن كان قبلها يعني مثلا المواقيت المحددة خارج مكة ميقات ذي الحليفة قرب المدينة وميقات الجحفة قرب رابغ وميقات يلملم في طريق اهل اليمن ميقات آآ ذات عرق ذات قرن وميقات اهل الشام كذلك. هذه المواقيت فمن كان وراءها يعني قادما من خلفها لا يجاوز المواقيت الا باحرام ومن كان يسكن دونها يعني بين مكة وبين المواقيت فبين مكة مثلا والجحفة من القرى والامصار والمدن كثير يعني اهل الجموم واهل عسفان وخليص هو الكامل وكثير من القرى والمدن الواقعة بين مكة بل اهل جدة اقربوه من ذلك كله فهم بين الميقات وبين مكة فاذا اراد احدهم ان يحرم كيف يصنع يحرم من موضعه بانه دون المواقيت. قال في مذهب ابي حنيفة من كان دون المواقيت فحكمه حكم اهل مكة. ومن كان وراء المواقيت فلا يجاوزها الا باحرام. هذه ثلاثة اقوال قال رحمه الله والقولان الاولان للشافعي واحمد. جملة الخلاف في المسألة يا كرام ان الجمهور من الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة يقولون يجب دخول مكة باحرام يجب على من دخل مكة ان يحرم واما مذهب الشافعي وهو رواية عند الامام احمد انه لا يجب بل يستحب وحديث ابن عباس رضي الله عنهما لا يدخل احد مكة الا باحرام فيه ما سمعت من عدم الاتفاق على صحته. ودل على عدم وجوب الاحرام جملة من الادلة اشهرها دليلان اولهما حديث انس رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح. قال دخلها وعلى رأسه المغفر. والمغفر ما يلبس فوق رأس مقاتلي فلم يدخل مكة محرما عليه الصلاة والسلام وهو ما دخلها لحج ولا لعمرة دخلها لاجل الفتح. فدل ذلك على جواز دخول مكة بلا احرام لمن لا يريد الحج للعمرة والحديث الاخر حديث المواقيت نفسه حديث المواقيت نفسه فان النبي عليه الصلاة والسلام لما حدد المواقيت قال هن لهن يعني لاصحاب تلك المواقيت. ولمن اتى عليهن من غير اهلهن ممن اراد الحج او العمرة. قالوا فهذا قيد في الحديث قال ممن اراد الحج او العمرة فيفهم منه ان من لم يرد الحج ولا العمرة لا يلزمه الاحرام من المواقيت وهذا من اظهر الادلة التي استدلوا بها عدم وجوب الاحرام لمن دخل مكة وهي محل خلاف كما اشار المصنف رحمه الله تعالى احسن الله اليكم. قال المصنف رحمه الله ومن خواصه انه يعاقب فيه على الهم بالسيئات وان لم يفعلها قال تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم وتأمل كيف عد فعل الارادة ها هنا بالباء ولا يقال اردت بكذا لما ضمنه معنى فعل لما ضمنه معنى فعليهم فانه يقال هممت بكذا فتوعد من هم بان يظلم فيه بان يذيقه العذاب الاليم. هذه من خصائص مكة والحديث فيها يتوقف على بيان بعض النقاط والامور. اولها الاصل في الشريعة ايها المسلمون ان الله سبحانه يحاسب على العبد على ما نواه او على ما فعله على ما فعل هل يحاسبك الله بنيتك يعني نويت الشيء ولم تفعله اتعاقب لانك نويت المعصية ولم تفعلها الجواب لا وهذا اصل عظيم ان من نوى شيئا من المعاصي والذنوب ولم يفعله فانه لا يعاقب على حديث النفس ولا على خواطر النفس وحديثها والا فكلنا يأتيه الشيطان بالخطرات والوساوس وما يعتريه من تفكير وربما زين له الشيطان المعصية فجعل يتفكر فيها لكنه ما فعل شيئا هذا من عفو الله سبحانه وتعالى دل على ذلك حديث الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما في الحديث القدسي قال ان الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك الى ان قال فمن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله حسنة كاملة حسنة على ايش حسنة على ايش؟ وما فعل طاعة لكنه صد نفسه عن المعصية او امسكها فهو مأجور على ذلك فمن هم بالمعصية فلم يفعلها فليس بمؤاخذ. اذا مجرد الهم لا ذنب فيه يحاسب عليه العبد فان قيل لك كيف تجيب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل ان يستحقوا النار لانه قتل قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لانه كان حريصا على قتل صاحبه هل قتله الجواب لا فلماذا دخل النار يعني حوسب بانه كان يريد ان يفعل قبل قليل قلنا القاعدة انه ان نوى الشيء ولم يفعله فلا ذنب عليه ولا يحاسب قال اهل العلم فرق بين من نوى الشيء وفكر فيه وعزم على فعله ثم انصرف عنه بصارف او صده عنه شيء او صرف نفسه عن التفكير فلم يفعل وبين من عزم على المعصية وسعى فيها واخذ باسبابها وقد كان يفعل لولا انه حال بينه وبين المعصية حائل. فهذا مأزور اثم ويتحمل تبعة ما نواه من المعصية وان لم يفعل قال لانه كان حريصا يعني لولا ان صاحبه قتله لكان هو القاتل فلذلك قال في النار ولو ان عبدا هم بمعصية يعني فتح الثلاجة فاخذ قارورة يظنها خمرا يريد ان يعصي الله وهو يعلم انها حرام ولما فتح وشرب وهو ينوي ان يعصي الله بشربه الخمر عياذا بالله. فلما شرب فاذا هو عصير توت او تفاح هل هو اثم الجواب نعم بانه قصد بفعله ذاك معصية وكون المعصية لم تقع لذاتها ليس بسببه او رفع الكأس الى فيه اجاركم الله فسقط من يده فانكسر وما تأتى له ان يشرب ما شرب ولا قطرة هو اثم فرق يا اخوة بين هذا وبين الذي خطرت له الخواطر بالمعاصي فالجم نفسه بالتقوى. قال معاذ الله ثم دعته نفسه الطائعة الى الكف عن المعصية او ذكر الله فادركته رحمة الله فانصرف. هذا الذي يصدق عليه الحديث وان هم بسيئة اتم فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة اذا فهمتم هاتين النقطتين نأتي الى مسألتنا ما خصائص مكة في هذه المسألة قال كل موضع في الارض يهم فيه العبد بالمعصية ولم يفعلها فلا فلا عقاب عليه الا مكة فان من هم فيها بالذنب والمعصية فانه مؤاخذ بنص الوعيد في الاية الكريمة في الحج ان الذين كفروا يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام. الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد. المسجد الحرام ومن يرد فيه في ماذا في المسجد الحرام يعني هذا المسجد الذي نحن فيه الان لا مكة كلها حرم مكة ومن يرد فيه بالحاد بظلم مذقه من عذاب اليم. ما معنى يرد يريد الشيء ينويه قال المصنف ومعنى يرد فيه يعني ان يهم بالشيء. ولذلك دخلت الباء. لانك انما تقول اردت كذا او قل اردت بكذا ان كان مجرد الارادة فانه فعل لا يتعدى بالباء. تقول اردت النجاح اردت السفر اردت النوم ولا تقول اردت بالسفر اردت بالنوم. فالفعل اراد لا يعدى بالباء. قال لانه ضمن معنى الهم عدي بالباب ولقد همت به تقول هممت بالسفر هممت بالنوم هممت بالقدوم الى اخره فلان معنى يرد فيه هم به عدي الفعل بالباء. طيب الاية دلت على ان من هم بالالحاد في المسجد الحرام بظلم ما الوعيد نذقه من عذاب اليم هذا وعيد شديد بنص الاية الكريمة. بقي ان نفهم ما معنى بالحاد بظلم الظلم معروف من الحاد تعددت اقوال اهل العلم في تفسير كلمة الالحاد في الاية الكريمة وقد نقل شيخ المفسرين الامام الطبري رحمه الله تعالى جملة من الاقوال في المسألة قال هو ان يميل في البيت الحرام بظلم. من يرد فيه بالحاد يعني بميل. فان اصل الالحاد الميل فاذا مال عن الحق الى الباطل ومال عن الاسلام الى الكفر فقد الحد. وما لا عن الحق الى الصواب عن الحق والصواب الى الضلال والباطل فيكون معنى الاية كما يقول ابن جرير رحمه الله ان يميل في البيت الحرام بظلم. اذا ميل العبد الى الظلم في البيت الحرام هو الذي وقع عليه الوعيد. ثم نقل الامام الطبري رحمه الله عن عدد من السلف في تفسير معنى الالحاد اقوالا باسناده اليهم. ذكر منها ان الالحاد يعني الشرك. وهذا احد الاقوال ومنها ايضا انه استحلال الحرام وركوبه بمكة. استحلال الحرام معناه ان يعتقد حله وركوبه يعني وقوعه في الحرام. ومنها مما فسر ايضا به الالحاد في الاية الكريمة عن السلف قال احتكار الطعام بمكة من الالحاد في الحرم والاحتكار ان يحبس التاجر السلعة للغلاء. يريد بها الانتفاع لذاته دفاع سعر البيع فيحبسها ليزداد طلب الناس عليها ويرتفع ثمنها فيضر بقوتهم وطعامهم الذي هم بحاجة اليه فهذه الاقوال التي نقلها الامام الطبري رحمه الله وغيره من المفسرين هي من باب التفسير بالمثال فاذا جمعتها قلت هي امثلة تكلم بها السلف. اذا الالحاد في الحرم بظلم يشمل الشرك وهو اسوأه والعياذ بالله واعظمه ويشمل احتكار الطعام بمكة ويشمل استحلال الحرام ويشمل ركوب الحرام فجملة ذلك ان المعاصي بدءا من شرك فما دونه داخلة في قوله تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم ولهذا قال الامام ابن كثير، رحمه الله في تفسير الاية لما نقل ما نقله المفسرون كالطبري وغيره، قال وهذه الاثار وان دلت على ان هذه الاشياء من الالحاد لكن هو اعم من ذلك. بل فيها تنبيه على ما هو اغلى منها. فالمقصود ان جملة المعاصي والذنوب في الحرم يتوجه عليها العقاب والوعيد نذقه من عذاب اليم يا اهل مكة ويا قاصدي مكة حجاجا ومعتمرين ويا كل وافد كريم على ربه جاء الى البيت الحرام. انتبهوا رعاكم الله. هذا بلد الله وفيه بيت الله فواجب العبد ان يتأدب في جوار بلد الله الحرام واكد ما يكون هذا لكل من اكرمه الله بسكنى مكة وجوار البيت العتيق فهو والله شرف واي شرف. لكن لان هذا غاية التشريف فانه يقابله مقام عظيم في التكليف شرفك الله فاسكنك بجوار بيته. فالله الله في الادب حق على كل من يكون في مكة ان يقول كل واحد لكل احد تأدب فانت في مكة عظم ربك هذه مكة وهذا الادب الذي يؤدب به الاسلام اهله وبنيه ومن اجل صور التعظيم لما عظم الله عز وجل عظم مكة سبحانه فاقسم بها ولا يقسم الله الا بما يدل على تعظيم الشيء والتنويه بشأنه وهذا البلد الامين لا اقسم بهذا البلد وان تحل بهذا البلد. وتقدم معكم في المجلس السابق صريح حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام عن حب الله سبحانه لمكة. والله انك لخير ارض الله واحب البلاد الى الله. وصريح قوله عليه الصلاة والسلام في بيان حبه هو لهذا البلد. والله ما اطيبك من بلد واحبك الي هذا الحب لمكة عند الله سبحانه. وعند نبيه صلى الله عليه وسلم. هذا الاصطفاء والاجلال. هذا البيت الحرام هذه الكعبة التي تهواها الافئدة. هذا البيت الذي جعله الله مثابة للناس. هذا البيت الذي امن الله كل من دخل هذا البيت الحرام بكل عظمته وخصائصه وفضائله يفرض علي وعليك تعظيمه. تعظيما لله ومن تعظيم الله كف النفس عن الانسياق وراء المعاصي. السؤال هل المطلوب ان نكون ملائكة في مكة معصومين؟ والا يسكن مكة ولا يدخلها ولا يبقى بها ولا يجاورها الا ملك كريم لا يعصي الله؟ لا ابدا لان هذا لا يمكن ان يكون لكن المقصود الا يكون الساكن بمكة والمجاور فيها والمقيم بها والقادم اليها والمعتمر والحاج ان لا بقاؤه فيها ومنامه وطعامه وشرابه وسائر احواله كما هو في غير هذا البلد يحمل نفسه على اعظم ما يمكن ان يكون عليه في مكة هذا واجب ينبغي ان نتأدب به. يعني لئن غلب الفساد مثلا وطغى الشر وانتشرت المعاصي وتفشت الاثام فينبغي ان يكون لاهل الاسلام في مكة شأن مختلف. وان يكون تعاهدهم لتعظيم البيت الحرام. وتنزيهه عما في الاية ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم. قال ابن مسعود رضي الله عنه لو ان رجلا هم فيه حاد وهو بعدم ابين يعني في اخر جزيرة العرب لكنه من هناك خطر في باله ان يهم بمعصية في البلد الحرام. قال لو ان رجلا هم فيه بالحاد وهو بعدم ابين لاذاقه الله عز وجل عذابا اليما يقول الامام ابن كثير رحمه الله قال بعض اهل العلم من هم ان يعمل سيئة في مكة اذاقه الله العذاب الاليم بسبب بهمه بذلك وان لم يفعلها. بخلاف غير الحرم المكي من البقاع فلا يعاقب فيه بالهم فالله الله يا اهل مكة الله الله يا ضيوف بيت الله الحرام ووافدي الحج والعمرة ممن اكرمهم الله فاوفدهم واتى بهم واكرمهم الادب في مكة ومجاهدة النفس في الا يسوقها الشيطان. ثم ماذا؟ ثم هي جولة من جولات الظفر والانتصار للنفس المؤمنة على الهوى. والشيطان والنفس الامارة بالسوء. اي والله. يراد ان يكون للمؤمن بمكة عزة بايمانه وانتصار على شيطانه واكتساب للطاعات وارتقاء في سماء الايمان والعمل الصالح بكل من دخل مكة ومكث بها اياما او ساعات او قضى فيها عمره حتى مات يراد له ان يكون من ازكى البشرية بصح ومن اتقاهم لله عز وجل ومن اعظمهم ايمانا. كما قلت ليس المطلوب العصمة وعدم الوقوع في الخطأ البتة ولن نكون كذلك ولن نبلغه لان الله خلقنا بشرا نصيب ونخطئ ونطيع ونعصي. لكن المراد ان يفشوا بين اهل هل الاسلام تعظيم البلد الحرام؟ واجلال مكة وان يكون هذا شعارا فلكل من يدخل مكة ان يعيش هذا المعنى العظيم تعظيما للبلد الحرام. عندئذ سيكون لهذا البيت الحرام من العظمة والاجلال ما يتحقق فيه معنى قول الله عز وجل ان اول وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين. فيجد كل داخل الى مكة من هذه الهداية التي جعلها الله عز وجل للعالمين جميعا. فهذا من خصائص البلد الحرام انه يعاقب في من هم فيه بالحاد قال المصنف فتوعد من هم بان يظلم فيه بان يذيقه العذاب الاليم. ولان التعبير الظلم فالظلم نوعان الظلم الاكبر الشرك بالله على ما قال لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم. وكما في اية الانعام الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم ظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون. والظلم فيما يلي ذلك الظلم الاعظم ظلم كله حرام بل ظلمات يوم القيامة يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. الظلم بشع وظلمات وصاحبه متوعد ظلم العباد في اعراضهم بالتطاول عليها ظلم العباد في اموالهم باكلها بغير وجه حق. ظن العباد في انفسهم بالتعدي عليهم قتلا او جرحا او اذية او ضربا او سبا او شتمة. الظلم بكل صوره حرام. وعليه الوعيد والعقاب الاليم. لكنه في مكة اشد واعظم واكد لانه وقع في بيت الكبير المتعال الذي قال يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلت بينكم محرما لا تظالموا فاشأم ما يكون الظلم في بيت الملك العلام سبحانه الذي قال لعباده فلا تظالموا فيأتي العبد فيقع فيما نهى الله عنه بقوله فلا تظالموا في ظلموا العباد بمكة فيأكل مال هذا ويعتدي على عرض هذا ويتطاول اغترارا بقوته او استظعافا لاخوته كل ذلك والله من ابشع صور الظلم. وقد كانت مكة في الجاهلية واهلها كفار مشركون بالله عز وجل لكنهم يتواصون ببعض بقايا معنى التعظيم لمكة وتعظيم حرم الله عز وجل حتى قالت مرة احدى نساء مكة تنصح ابنها تقول ابني لا تظلم بمكة لا الصغير ولا الكبير ابني قد جربتها فوجدت ظالمها يبور. لا يجوز لاحد الظلم حرام في كل مكان. لكنه في مكة اشد والله وابشع واثم وكل ذلك داخل في عداد قول الله سبحانه وتعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب بن اليم اجارنا الله واياكم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه لا كمياتها فان السيئة جزاؤها سيئة لكن سيئة كبيرة جزاؤها مثلها وصغيرها جزاؤها مثلها. فالسيئة في حرم الله وبلده على بساطه اكبر واعظم منها في طرف من اطراف بالارض ولهذا ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه. فهذا فصل في تضعيف السيئات فيه والله اعلم. هذا من جميل كلام ابن القيم رحمه الله. والذي ينقله عنه كثير ممن جاء بعده في مسألة هل تضاعف الحسنة والسيئة بمكة وهذا كلام ربما يأتي له بعض طرف في كلام المصنف رحمه الله اما الحسنات فان النص الذي تقدم معكم ليلة الجمعة الماضية خاص بالصلاة. انها تضاعف بمائة الف صلاة فهل تشمل مضاعفة الحسنات باقي الطاعات فمن صلى او قرأ القرآن او ذكر الله او صام او تصدق كل ذلك يضاعف بمئة الف الجواب لا دل الحديث على الصلاة خاصة انها تضاعف بمائة الف صلاة. اما باقي الحسنات فانها عظيمة عظيمة في قدرها لا في عددها. كيف يعني يعني ان تصوم تطوعا يوما بمكة خير وافضل من صيام ذات اليوم في غير مكة. وان تتصدق بمال في مكة خير وافضل من الصدقة بمثله في غير مكة. ليست افضلية مقدار بل افضلية كيفية. ما معنى هذا الكلام يعني ان الطاعة والحسنة يعظم فظلها لعظم موقعها او زمانها فان لخصوصية بركة المكان والزمان فضيلة. يعني مثلا اليست العبادات في الازمان الفاضلة افضل من غيرها كعشر ذي الحجة وايام رمضان وليالي العشر الاواخر منه ما سبب فضيلة الاعمال في تلك الايام هو بركة الايام وفضيلتها فكذلك المكان بركته وفضيلته يجعل للعبادة فيه مزية وفضيلة. لكن ليست فضيلة مقدار بل فضيلة كيفية كما قال المصلي اذا كان هذا في الحسنات فالكلام في السيئات من باب اكد بمعنى ان الله عز وجل لا يحب من عبده المعصية ولا الذنب ويحث العباد على التوبة ويأمرهم بالطاعة سبحانه وتعالى. لكن العبد اذا غلبته نفسه وزلت به القدم فوقع في العصيان فان المعصية في ميزان الشريعة يحاسب عليها العبد بعدل الله. ولطفه ورحمته الميزان من جاء بالحسنة ها فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها ما هذا؟ هذا كرم الله ان اطعته بحسنة اعطاك عشرا وان عصيته بسيئة فلا يجزيك الا مثلها. قال في الاية الاخرى ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات الا اكانوا يعملون هذا من عظيم لطف الله ولهذا ايضا جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم انفا من هم بحسنة فلم يعملها فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وان هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة وان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة. وان هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة هذا الميزان عدل من الله سبحانه بل كرم ولطف ورحمة فما ارحم ربنا وما اكرمه سبحانه وتعالى لا نحصي ثناء عليه هو كما اثنى على نفسه ومن هنا الحديث ايضا عن السيئة بمكة هل هي مضاعفة فمن عصى الله بمعصية اتضاعف عليه بمئة الف؟ قال رحمه الله اختلف اهل العلم في هذه المسألة قال لكن فصل النزاع فيها ما ذكره انه تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها تضاعف يضاعف مقدار السيئة. السيئة واحدة لكن فرق بين سيئة واحدة صغيرة واخرى كبيرة في الاخير هي كم سيئة واحدة لكن فرق بين سيئة يعتبر ذنبا صغيرا واخر يعتبر ذنبا عظيما. هو واحد في الاخير. فهل مقصود ان السيئة اذا وقعت في مكة فلن تكون سيئة صغيرة لن تكون صغيرة. لم لانها في مكة. قال ومن هذا تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها. فان السيئة جزاؤها سيئة. لكن سيئة كبيرة جزاؤها مثلها. وصغيرها جزاؤها مثلها. طيب والسيئة في حرم الله؟ صغيرة او كبيرة قال فالسيئة في حرم الله وبلده على بساطه اكبر واعظم منها في طرف من اطراف الارض يعني يريد ان يعطيك مثالا فقال ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه يعني ارأيتم لو ان شخصا جاور امير البلد في الحي الذي يسكنه فصارت داره بجوار داره ما يعني هذا يعني شرفا وفخرا انه يجاور امير البلاد او ملكها او رئيسها او شيخ القبيلة فانه يجاوره فينال هو من شرف الجوار بعظمة من جاوره وعندئذ حتى مراعاة الادب في هذا الجوار تكون مطلبا فانه لا يسمح لصبيانه واولاده الصغار ان يمارسوا من الاذى والازعاج والتشويش ما لا يليق بجاره لكن جاره لو لم يكن هذا المسؤول والوجيه ومن عظماء البلد لاستسهل الامر. فنفس الكلام لتتضح لك الصورة قال ليس من عصى الملك على بساط ملكه شخص عصى امر الملك داخل قصره امره فرد الامر وخالف امره فتعدى على سلطانه داخل قصره. وعلى بساط ملكه ليس كمن عصاه في الموضع البعيد من داره فان العصيان داخل بيت الملك وعلى بساط ملكه فيه من اعلان عدم الادب والدعوة وقلة التعظيم ما هو واضح جليل لكل احد. هذا تقريب للصورة فمن يسكن مكة ومن يقيم بها ومن يجاور هو في جوار من وبيت من؟ وبلد من؟ هذا بلد الله وهذا بيت الله وهذا المكان الذي عظم الله قال رحمه الله فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات فيه والله اعلم احسن الله اليكم. قال المصنف رحمه الله وقد ظهر سر هذا التفضيل والاختصاص في انجذاب الافئدة وهوى القلوب وانعطافها ومحبتها لهذا البلد الامين فجذبه للقلوب اعظم من جذب المغناطيس للحديد. فهو اولى بقول القائل محاسنه هيولى كل حسن محاسنه هيولى كل حسن ومغناط ومغناطيس افئدة الرجال. هيولة كلمة اعجمية هو مصطلح فلسفي. يستعمله الفلاسفة والمراد به مادة الشيء الذي يصنع منه كمادة الخشب للكرسي المصنوع من الخشب. ومادة الحديد للمسمار المصنوع من الحديد. فالحديد مادة والخشب مادة ففي مصطلح الفلسفة يسمون هذا هيولا فهو مصطلح فلسفي ومعناه كذلك ايضا في الفلسفة التخطيط المبدئي للصورة او للتمثال المخطط المبدئي اي يسمى ايضا هيولى يقول مستشهدا بقول القائل وهو ابن سنان يقول محاسنه هيولى كل حسن ومغناطيس افئدة الرجال. يعني اراد ان يصف شيئا ما والجمال فقال محاسنه مادة كل حسن كما تقول الخشب مادة الكرسي والحديد مادة المسمار الذي يصنع منه. فكانوا يقول المادة الخام للحسن موجودة في من يصفه ويتغزل في حسنه. يقول محاسنه هيولى كل حسن ومغناطيس افئدة الرجال. ماذا يصنع المغناطيس يجذب جذبا قويا لا يمتلك الحديد معه الاختيار في المفارقة والابتعاد. بل ينجذب حتى يلتصق يقول انه من حسنه يجعل القلوب تلتصق به جذبا لشدة حسنه. قال فهو يعني هذا البلد الحرام اولى بقول القائل والان نزل هذا البيت على مكة على البلد الحرام محاسنه محاسن البلد الحرام حاسينه هيولى كل حسن ومغناطيس افئدة الرجال. ليش يقول ان البلد الحرام اولى بقول القائل في هذا البيت بان الله عز وجل ذكر من دعوة الخليل ابراهيم عليه السلام صراحة لما قال كما في سورة ابراهيم فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم. وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون. يقول ابن القيم رحمه الله ظهر سر هذا والاختصاص في انجذاب الافئدة وهوى القلوب وانعطافها ومحبتها لهذا البلد الامين من اين جاء هذا؟ من دعوة الخليل ابراهيم عليه السلام لما جاء فترك هنا هاجر وابنها اسماعيل عليه السلام رضيعا في يدها وليس بهذا المكان لا انس ولا شيء قبل ان تبدأ الحياة كان هذا خلاء خاليا وبقعة ليس فيها شيء قط تركهما وانصرف فسألته هاجر يا ابراهيم اين تتركنا بهذا المكان؟ الذي ليس فيه انس ولا شيء وابراهيم عليه السلام لا يجيبها فتركهما وانصرف وخطى خطوات فاعادت السؤال ثانية فلم يجب. ثالثة فلم يجب مستمرا في مشيه اي عليه السلام. وقد اعطاه ما فلما ايست من الجواب انتقلت الى اخر ما يمكن ان تحصل على شيء يستقر بها قلبها القلق الوجل في هذا المصير المجهول قالت يا ابراهيم االله امرك بهذا وهذا من فقهها رحمة الله عليها. فان كان امرا الهيا فليس لها الا التسليم. الله امرك بهذا؟ قال نعم قالت اذا لا يضيعنا خلاص انتهى كل شيء لا يضيعنا وفي قصة بحثها عن الماء لاسماعيل عليه السلام وسعيها بين الصفا والمروة تنشد من ينجدها اما نفذ ما في جراب التمر وما في سقاء الماء جعلت تسعى بين الصفا والمروة تتلفت تبحث فلما كانت في الشوط السابع على سمعت صوتا فقالت تصمت نفسها صه ثم قالت اسمعت ان كان عندك غواث فاذا هي بالملك عند اسماعيل عليه السلام عند الكعبة وهو يحفر بعقب به وفي رواية بجناحه ففار ماء زمزم ونبع من تحت الارض فاتت اليه فيقول لها الملك ان بيت الله في هذا المكان يا ابني هذا الغلام وابوه. وان الله لن يضيعكم على ما قالت في سؤالها لابراهيم عليه السلام الله امرك بهذا؟ قال نعم. قالت اذا لا يضيعنا فجاءها الملك بالجواب وحيا من الله. قال وان الله لن يضيعكم فمنذ ذلك الوقت لما انصرف ابراهيم عليه السلام تاركا فلذة كبده اسماعيل عليه السلام وزوجه هاجر انصرف عليه السلام فدعا بتلك الدعوات قال ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم واليوم انا وانت والالوف المؤلفة من المسلمين. جئنا وقلوبنا تهوي هذا المكان. قال فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ذكر غير واحد من السلف كابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد ابن جبير في معنى الاية الكريمة وجها لطيفا قالوا قال الله عز وجل فاجعل افئدة من الناس في دعوة ابراهيم عليه السلام. لو قال افجعل افئدة الناس تهوي اليهم قال لازدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم لكن قال فاجعل افئدة من الناس فاختص به المسلمون فانت اليوم من الناس الذي جعل الله في قلبك حبا لهذا البلد حب يحبه من اتى مكة معتمرا ولو مكث اياما معدودات ثم اذا انصرف يغالب دموعه ما تدري على اي شيء يبكي مغادر مكة لكن يبكي على حب استقر في قلبه لهذا البلد الحرام وهي من الخصائص التي جعلها الله عز وجل لهذه البقعة الطاهرة. ما يحب احد الا بلده الذي ولد فيه. ونشأ عليه وترعرع فوق فله فيه من الذكريات والايام وكثير مما قضاه على ثرى البلد الذي عاش فيه حبا تفطر عليه القلوب كان مكة يحبها من هو من اهلها. ومن قصدها ومن مكث فيها ومن زارها ومن حج او اعتمر. فانه يجد ان الاية الكريمة واذ جعلنا البيت مثابة للناس كما سيأتي في كلام المصنف اي لا يشبعون منه ولا يقضون منه وترا كل كلما جاءوا مكة تشتاق اليها وكلما غادروها عاودهم الحنين للعودة الى مكة. اما تأملتم في هذا السر العجيب الذي جعله الله عز وجل في مكة فجعل حبها كالمغناطيس لافئدة الناس هذا فقط لاهل الاسلام. فاحمدوا الله انكم من اهل بهذا الدين واجعلوا حب مكة عبادة تتقربون بها الى الله. فانها من القرب فالقلب يحب والعبادة حب القلب ما دام فاحب ما احب الله فانه احب مكة واحب ما احب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه احب مكة فاحبوا مكة يا اهل الاسلام حبا يحملكم على تعظيم هذا البلد فلا يرضى مسلم لبلد احبه الله واحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان يكون من ازكى البلاد على وجه الارض قط ومن اطهرها ومن اشرفها يتواصى فيها اهل الاسلام على كل ما يزيد مكة تعظيما واجلالا ولهذا قال المصنف رحمه الله ظهر سر هذا التفظيل والاختصاص في هذا الانجذاب للافئدة وهو القلوب ومحبة لهذا البلد الامين. نعم احسن الله اليكم. قال المصنف رحمه الله ولهذا اخبر سبحانه انه مثابة للناس اي يثوبون اليه على تعاقب الاعوام من جميع الاقطار. ولا يقضون منه وطرا. بل كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له واشتياقا لا يرجع الطرف عنها حين يبصرها حتى يعود اليها الطرف مشتاقا. هذا والله ما زلنا نشهد شواهده في وفود اخوتنا المسلمين من الحجاج والمعتمرين. ما يأتي احد منهم مكة. فيمكث بها اياما في رحلة حجه او عمرته الا تعلق قلبه بها وكأنه عاش فيها سنين عددا. فاذا ما حان وقت الوداع رأيت الدموع على الوجنات. رأيت الشوق والحنين هذا شيء عجيب جعلها الله عز وجل من خصائص هذا البلد الحرام احسن الله اليكم قال رحمه الله فلله كم لها من قتيل وسليب وجريح؟ وكم انفق في حبها من الاموال ورظي المحب بمفارقة فلذ الاكباد والاهل والاحباب والاوطان. مقدما بين يديه انواع المخاوف متالف والمعاطب والمشاق. وهو يستلذ ذلك كله ويستطيبه. ويراه لو ظهر سلطان المحبة في قلبه اطيب من نعيم المتخلفين وترفههم ولذاتهم. يعني المتخلفين عن القدوم الى مكة والمستبطئين في الوصول اليها يرى ما استلذ به من تحمل المتاعب والمصاعب والمشاق. كل يوم عامة اخوتنا المسلمين القادمين للحج والعمرة. يجب من المصاعب والمشاق والعناء ما الله به عليم. فما الذي يجعل هذه الالوف المؤلفة الملايين كل عام؟ ما الذي يجعلها تتحمل كل ذلك وهي لو بقيت في بلدانها وحافظت على اموالها لكان اهدأ لها واهنأ لقلوبها لكن يجدون من معنى الحب واشتياق النفوس ما هو اعظم من ذلك كله. وهذا من جميل كلام ابن القيم قال فلله كم لها من قتيل وسليب وجريح على المعنى المجازي. وكم انفق في حبها من الاموال وقال يستلذون ذلك ويستطيبونه وهو اطيب من نعيم المتخلفين فظلا عن دموع دموع البكاء كما قلنا عند الوداع والارتحال الذي يظهر به عظيم ما قام في قلوبهم احسن الله اليكم قال وليس محبا من يعد شقاءه عذابا اذا ما كان يرضي حبيبه. وهذا كله سر اضافته اليه سبحانه وبقوله وطهر بيتي فاقتضت هذه الاظافة الخاصة من هذا الاجلال والتعظيم والمحبة ما اقتضته ثم اقتضت اضافته لعبده ورسوله كما اقتضت اضافته لعبده ورسوله الى نفسه ما اقتضته من ذلك الخلق كله خلق الله. لكن الله اذا اضاف شيئا من خلقه الى ذاته العلية كانت اضافة تشريف ولهذا فانه لما قال وطهر بيتي هو بيت الله فدلت هذه الاضافة على مزيد من التشريف والاجلال والتعظيم فاضفت على القلوب المؤمنة مزيدا من التعظيم والمحبة والاجلال لهذه الاظافة الكريمة المشرفة للمضاف الى ما اضاف الله عز وجل الى ذاته. وكذلك تقول اضافته لعبده ورسوله سبحان الذي اسرى بعبده. هذه اضافة تشريف محمد رسول الله هذه اضافة تشريف صلى الله عليه وسلم. فكل ما اضافه الله لنفسه كان تشريفا للمضاف وانا وانت لنا حظ من هذا التشريف. فنحن عباد لمن لله وهو القائد يا عبادي الذين امنوا اشرف شيء تجده في حياتك انك عبد لله ان الله عز وجل اظاف عبوديتك الى ذاته العلية. ولهذا يقول القائل ومما زادني شرفا وتيها. وكدت باخمصي اطأ الثري يا دخولي تحت قولك يا عبادي وان صيرت احمد لي نبيا صلى الله عليه وسلم وكذلك اضافته عباده المؤمنين اليه كستهم من المحبة والجلالة والوقار ما كستهم فكل ما اظافه الرب تعالى الى نفسه فله من المزية والاختصاص على غيره ما اوجب له الاصطفاء والاختيار ثم يكسوه بهذه الاظافة تفضيلا اخر وتخصيصا وجلالة زائدا على ما له قبل الايظاف. نعم. اذا الاظافة ذاتها تشريف بيت الله بلد الله هذا تشريف عظيم الاظافة ذاتها تشريف واجلال وتعظيم. ثم كيف اذا كان مع ذلك فضائل وخصائص يخص بها بيت الله مضاعفة صلاة وقطعة من الجنة في الحجر وفي المقام وترغيب للناس بالقدوم ووعد بالجنان ومضاعفة للحسنات كل ذلك يزيد هذا البلد الحرام تشريفا وتعظيما. اذا منطلق هذا التشريع مثل هذا البيت الاضافة الجليلة بيت الله وبلد الله هذا منطلق التشريف. فيقول المصنف ثم فكل ما اضافه الرب الى نفسه فله من المزية والاختصاص على غيره ما اوجب له الاصطفاء والاختيار ثم يكسوه بهذه الاضافة تفضيلا اخر. وتخصيصا وجلالة زائدا على ما له قبل الاضافة بما يخصه به من الفضائل والمناقب والاحكام فيكون فضلا على فضل واصطفاء على اصطفاء وجلالا فوق جلال ولا لا يزال ايضا في الحديث بقية باقية فيما يتصل بتفضيل هذا البلد الحرام وما خصه الله عز وجل به وسيأتي ايضا في استطراد لكلام المصنف رحمه الله في الرد على من لم يجعل للبيت الحرام مزية من حيث الذات والبقعة والبلد على غيره في مجلس ليلة الجمعة القادمة ان شاء الله تعالى. وما زالت ليلتكم عامرة بالخيرات والبركات ما دمتم من ذكر الله والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم. كالغيث ذكرك يا حبيبي لم يزل يسقي القلوب محبة ونعيما. يا سيد الثقلين حزن مكانة ومقام عز في النفوس عظيم ما يا من سلكتم نهجه وسبيله صلوا عليه وسلموا تسليما. اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا وامامنا وقدوتنا محمد افضل صلاة وازكى سلام يا ذا الجلال والاكرام اللهم اجعلنا بالصلاة والسلام عليه من اصدق امته له حبا ومن اشدهم منه يوم القيامة قربى. اللهم احيينا على سنته وامتنا على سنته واحشرنا في زمرته يا ذا الجلال والاكرام. واكرمنا يوم القيامة بشفاعته نحن ووالدينا وازواج وذرياتنا يا رب العالمين. اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا وعافي مبتلانا يا حي يا قيوم واجعل لنا ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية يا رحمن يا رحيم. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين