الحمد لله الذي علمنا الاسلام وعلمنا الحكمة والقرآن. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والاكرام واشهد ان سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله صفوة الانام اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى ال بيته وصحبه الائمة الاعلام ومن تبعهم باحسان واقتفى اثرهم الى يوم الدين اما بعد. المرحلة التي تلي هذا يعني تلي جيل التابعين الى الان وصلنا الى ان العلم حملته الصحابة في صدورهم وتكونت عندهم اسسه الكافية التي اثبتوا مهارتهم واتقانهم امامته فيها زمن الخلافة الراشدة مع مختلف الحوادث التي مرت بهم والنوازل التي جدت في عصرهم فكانوا اقدر ما يكونون على ادارة في الحياة وتسييرها والنظر في الاحكام الشرعية التي تحتاجها الامة. المرحلة التي تلتها هي توريث هذا العلم من صدور الصحابة الى التابعين بالاخذ مارسوا الاستفتاء والنظر ثم تلت هذه المرحلة مرحلة تابعة لها تاريخيا وجغرافيا. جغرافيا استمرت بلاد الاسلام في الاتساع والفتوحات وتاريخيا امتد الزمان. وبدأت اجيال الصحابة تنقرض. وينتهي جيلهم بموت اخرهم واحدا بعد واحد. فلم يبقى امامك الا جيل التابعين الذين حملوا هذا الفقه عن الصحابة وتأثروا بمذاهبهم ومناهجهم وروايتهم وعلمهم. هذه المرحلة اصبحت على على امور جديدة ما كانت موجودة زمن الصحابة. يعني جيل التابعين واتباع التابعين الذين حملوا هذا العلم وورثوه عن الصحابة رضي الله عنهم اجمعين بدأوا يواجهون مستجدات ما كانت موجودة قبل. الى الان لا يزال العلم محمولا في الصدور. ولم تبرز سائله على شكل قواعد ولا مسائل نظرية ولم تعقد له الحلقات ولا يجتمع لها في الدروس ولم تصنف فيها الكتب ولا الرسائل ولا المؤلفات كل هذا كان مبحوثا بين الناس بينما الحديث كتب والفقه شيء منه ايضا قد دون لكن يأتي الزمن ولا يزال الناس بحاجة الى امور تجد عليهم الذي جد في جيل التابعين واتباعهم مما لم يكن موجودا زمن الصحابة امور عدة. اولها الفتوحات واتساع هذا هذه مسألة جغرافية بحتة. الدولة كانت جزيرة العرب. بعد قليل دخلت فيها الشام. دخلت فلسطين. دخلت مصر دخلت العراق دخلت بلاد ما وراء النهر ماذا يعني هذا؟ يعني هذا عدة مسائل متداخلة بعضها في بعض اتساع البلاد وانتشار الفتوحات يعني بالضرورة يعني بالضرورة امورا تؤثر في العلم الشرعي. منها ان البلاد التي تفتح وتتسع ويدخلها الاسلام ليس اهلها الذين اسلموا حديثا بدرجة اسلام المسلمين في بلاد الاسلام وهذا يعني انهم بحاجة الى جهد لتعليمهم وتفقيههم واقرائهم القرآن وترويتهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فانت لا تبحث عن توريث اصول العلوم وقواعدها انت تبحث عن ايصالهم لاصول الاسلام واركان الايمان. هذه مرحلة بين ان يكون العلم ايضا متوارثا بالصدور والرواية. لانك امام مرحلة تحتاج ان تعلم الناس اركان الاسلام. وصفة الصلاة وتحتاج الى من يحكم بينهم في المسائل الشرعية فاتسعت البلاد توالي الفتوحات زمن عمر رضي الله عنه ومن جاء بعده التوالي السريع الفتوحات المتتابعة اصبحت بحاجة الى استنفار جهود الصحابة وكبار التابعين الموجودين انذاك لنشرهم في تلك البلاد لتعليم الناس. هذا التعليم استغرق جهدا قابل في الوقت ذاته مجموعة من الاشكالات اهمها ان البلاد التي فتحت في غالبها ليست عربية. لما فتحت بلاد فارس وبلاد ما وراء النهر شيء من اطراف شمال الشام وجنوب تركيا حاليا قوم ليسوا بعرب. وهذه معضلة اخرى تحتاج الى تعليم اللغة واصبحت تبتعد مسافة اكثر عن التعامل المباشر مع النص. لان قلنا ان من اكبر العوامل التي اعانت جيل الصحابة رضي الله عنهم على التمكن في هذا العلم هو اللسان العربي الذي يمتلكون. فلما جاءت اجيال يفقدون اللسان العربي فانت تحتاج اولا ان تعلمهم اللغة العربية ثم تحتاج ان يتمكنوا فيه تمكن العرب. ثم تحتاج ان تكون لهم ممارسة واسعة في النصوص. يبلغوا مبلغ الجيل السابق في الفهم والاستنباط وقوة في التعامل مع الدليل. اذا هذه امور صعبت المسألة ودعنا نقول اضعفت اضعفت مسيرة العلم في انتقاله وفي عبر الاجيال اذا ليس من السهولة توريثه الان لان هناك عقبات قامت فقد اللسان العربي او ضعفه اتساع البلاد انتشار الصحابة وقلتهم موت كثير من الصحابة وبداية جيل التابعين واتباع التابعين انتشار الصحابة كان وراءه ايضا اشكال اخر غير منظور لما كانوا بالمدينة مجتمعين زمن ابي بكر رضي الله عنه كان اسهل ما يكون ان تنزل النازلة ويجتمع فيها الصحابة او يجمعها ابو بكر رضي الله عنهم اجمعين فيسألهم ويستشيرهم فيتناقشون ويتبادلون النظر ويخلصون الى رأيي اما رأيت كيف اختلفوا في الدفن كيف اختلفوا في مسألة الاستخلاف في جمع المصحف في قتال المرتدين لكن اسهل ما يكون ان ينفض الاجتماع على اتفاق. فلا يمكن ان تخشى ان يبقى رأي مخالف او شيء معارض المسألة تنهى بعد النقاش والاستدلال يميلون الى رأي هو اقوى وارجح ويعملون به. هذه الصورة انعدمت في الاجيال اللاحقة ساروا الصحابة الموجود بمصر والموجود باليمن والموجود بالشام والموجود بفلسطين والموجود بالبصرة وبالكوفة كيف تجمع كل هؤلاء لتقف على رأيهم في مسألة ما الامام والخليفة بحاجة الى اقرار حكم. والاستنباط مسألة والبت فيها. ففقد هذه المسألة اضعف مسيرة الفقه في بعض صوره كما قلت مما نشأ ايضا ان ان الصحابة لما بدأوا يقلون في البلاد التي فتحت اصبحت رواية الحديث تضعف تباعا لان حملة الحديث هم صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام. فاصبحت كل ما تبتعد عن جزيرة العرب عن بلاد الحجاز تحديدا اصبحت رواية اقل. فرواية الحديث مثلا في العراق وفي الشام وفي البصرة هي اقل مما منها في الحجاز عند اهل مكة والمدينة لوفرة الصحابة ورواية مثل اولادهم واولاد اولادهم فكان ينتشر ويتسع وتحمله الناس. فكلما ابتعدت اكثر وذهبت الى بلاد ما وراء انها في خراسان وجدت رواية الحديث هناك خلف اقل فاقل ماذا يعني هذا؟ يعني ان جزءا كبيرا من مصدر الشريعة وهو الحديث النبوي غير موجود عند الناس. الاجيال التي تأتي اجيال المسلمة هذا الجيل فتحت بلادهم دخلوا في الاسلام. اولادهم ولدوا مسلمين. لكن ماذا يوجد عندهم للاسلام؟ القرآن وشيء من الحديث كيف تظن بوضع الفقه فظلا عن اصوله؟ في جيل الثاني والثالث من البلاد التي فتحت في الاسلام كيف سيكونون في صلتهم بالدين سيكونون اضعف ولا شك هذا كله عوامل اضعفت مسيرة الفقه وانتشار اصوله في بلاد الاسلام التي فتحت زمن الخلفاء الراشدين. ينضاف الى هذا سبب ليس باليسير ومهم ذكره وهو بداية نشأة الفرق والمذاهب المخالفة للاسلام او المخالفة لطريق سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. ظهرت فرق ظهرت الشيعة ظهرت الخوارج ظهرت المعتزلة. ظهر الجهمية وظهرت فرق متعددة لها مقالات تخالف مقالات السلف. اما في ابواب الاسماء والصفات في العقيدة في الله عز عز وجل واما في القضاء والقدر واما بالنظر الى بعض مسائل تطبيق احكام الشريعة اقصد بالخلاف العقدي وليس الخلاف الفقهي. هذا الخلاف احد اكبر اسباب وعوامل التأثير في مسيرة العلوم الشرعية في بلاد الاسلام. لما؟ لان اصحاب الفرق وارباب المذاهب كانوا يستدلون بمذاهبهم بالادلة. يعني لما يقول المعتزلة مثلا ان صاحب الكبير مخلد في النار. ولما يقول يقولون ان الله لا يغفر لصاحب الكبيرة ويستدل بماذا؟ لابد ان يستدل. وسيأتي بنصوص شرعية تشهد على مذهبه. كما يقول الخوارج ايضا بكفر مرتكبي الكبيرة يستدلون بمثل حديث لا ايمان لمن لا امانة له. ليس منا مثلا فيقول هذه النصوص تدل على خروج صاحبها من الاسلام ليس منا او لا ايمان او لا اسلاما فلما ينفي الحديث ايمانا واسلاما ويقول ليس منا اذا هو حكما بكفره وبخروج من دائرة الاسلام اذا هو ماذا فعل؟ هو سيستدل بالنصوص. ولما تقول يستدل بالنصوص بل هو يتكئ على جملة من القواعد التي يفهم بها اذا انت امام مشكلة جديدة هي المشكلة هي طرق عقيمة في فهم النص. هذا شيء جديد ظهر في الامة. كان مرتبطا بظهور الفرق والمذاهب الى ما قبل ذلك كان الفهم سليم. والصحابة يفهمون وورثوا هذا الفهم السديد لمن جاء بعدهم. لكن نشأت الفرق وظهرت تلك المذاهب واصبحت تدلي في فهم النصوص الشرعية بطرق عقيمة وفاسدة وفهموم ليست صحيحة. فاثرت هذه كثيرا في مسيرة فهم النصوص والتعامل مع العلوم الشرعية. هنا ظهرت الحاجة جلية الى ان يكون هذا العلم محفوظا كي لا يضيع بين هذه المآخذ. ضعف ضعفت رواية الحديث في البلاد البعيدة عن الحجاز ضعف الاستنباط الصحيح والتعامل السليم مع الادلة من خلال قواعد المذاهب المنحرفة هذه كلها عوامل تخاف معها ان يندثر علم الاصول الذي ورثه الصحابة لمن جاء بعدهم. اصبحت الحاجة ماسة الان اذا الى ماذا؟ الى ابراز هذا العلم الى تقعيده الى حفظه الى تدوينه الى كتابته وهكذا كان في منتصف القرن الثاني الهجري تقريبا يعني بعد المئة وخمسين. ظهرت المحاولات لمحاولة جمع قواعد وهو الذي بدأه الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه الرسالة لما ارسل اليه الامام عبدالرحمن ابن مهدي المحدث شيخ احمد وشيخ ابن المبارك وشيخ اسحاق شيخ هؤلاء جميعا. كتب الى الشافعي رحمه الله يطلب فيها منه ان يجمع له بعض المسائل التي تعينه في فهم القرآن. ونص رسالته يقول اريد ان يضع له كتابا فيه معاني القرآن. ويجمع قبول اخباري فيه وحجة الاجماع وبيان الناسخ والمنسوخ. امام كعبدالرحمن ابن مهدي هو شيخ لائمة السلف. لما يذكر حاجته الى مثل هذه المسائل الا يدلك على ان المسألة اصبحت في في فراغ كبير في الامة والرجل امام. ويذكر انه اصبح بحاجة الى من يعينه الامام الشافعي ان يدون له هذه المسائل وان يستنير برأيه وان يتعلم منه قواعد ماذا؟ قواعد النسخ القواعد الاحتجاج بالاخبار احاديث معاني القرآن وكيف يفعل فيها؟ هذه الرسالة التي ارسلها عبدالرحمن بن مهدي حملت الامام الشافعي على ان يكتب له وريقات وصفحات كتب له فيها جملا جملا ذكر فيها شيئا من هذه المعاني وبعث بها اليه. قيل كان ذلك سنة مائة وثمانين للهجرة والشافعي موجود سنة مئة وخمسين. ولما بعث بها اليه وقعت عند الامام عبد الرحمن بن مهدي موقعا حسنا فرح بها وسر بها لانه رأى فيها علما غزيرا وعقلا واسعا واحكاما دقيقا بقواعد الشريعة في فهم والاستنباط منه وهذا شيء كما قلت لكم ما كان مكتوبا قبل. فلما رأى ذلك عبد الرحمن بن المهدي واستحسنه بدأت الرسالة هذه يتناقلها اصحابه وينظرون فيها وبدأ الطلب ملحا على الامام الشافعي من جديد ان ينظر في هذه الرسالة مرة اخرى ويعيد كتابتها على نحو افصل واشمل فشرع رحمه الله في مشروع كتاب الرسالة. فكتاب الرسالة الذي يعد اول تأليف اصولي بين اليوم هذه نواته رسالة صغيرة رسالة بريد يعني بعث بها الامام الشافعي الى عبدالرحمن بن مهدي بمكة وقيل ببغداد كتب له فيها هذه المسائل اصولها. ثم عاد الشافعي رحمه الله فكتبه على شكل كتاب قعد فيه وذكر الادلة وذكر الشواهد والامثلة والتطبيقات وادار حوارا بينه وبين اخر معه في الكتاب قلت له كذا وقال كذا فاجبته وسألني ثم صار الكتاب هذه الساعة التي خرج عليها كتاب الشافعي وسمي عند الناس فيما بعد بكتاب الرسالة. كتاب الرسالة هو نواة التأليف الاصولي في علم الاصول وقصته كما ذكرت لكم. مطلع درس من اللقاء المقبل ان شاء الله هو الحديث عن رسالة الشافعي. كيف نشأت؟ وكيف وما الدواعي اليها؟ وما الذي تغير بعد كتاب الرسالة في مسيرة علم الاصول في الامة؟ وكيف اتخذت مسالك اخرى نشطت بعدها التاليث في علم الاصول واصبح مصنفات ثم كيف تحول الى مدارس واتجاهات كل ذلك يأتينا تباعا ان شاء الله تعالى اسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه اجمعين