الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على اشرف وخاتم المرسلين سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى اله وصحابته والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين اما بعد فهذا هو المجلس الاول بعون الله تعالى وتوفيقه من مجالس التعليق على كتاب التبيان باداب حملة القرآن للامام النووي رحمة الله عليه المنعقد في عصر هذا اليوم السبت السادس من شهر صفر لهذا العام سنة احدى واربعين واربعمائة والف من هجرة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم وهذا المجلس يأتي في سلسلة مدارستنا لكتب اداب طلبة العلم عموما واهل القرآن وحفاظه ومعلميه ومتعلميه خصوصا بعد ان يسر الله لنا في مجلس سابق مدارسة كتاب اخلاق حملة القرآن للامام الاجري رحمة الله عليه هذه السلسلة المباركة التي يقوم بتنفيذها وترتيبها مشكورا مكتب الدعوة والارشاد والتوعية والجاليات بجنوب مكة بالتعاون مع هذا الجامع المبارك جامع البلد الامين وبين يدي شروعنا في القراءة في هذا السفر المبارك التعليق عليه ها هنا نقاط ثلاثة على اختصار وايجاز شديد استئثار بالوقت اولها ما يتعلق بالموضوع والثاني بالكتاب والثالث بالمصنف رحمه الله تعالى اما الموظوع فهو الادب وما يتحلى به طالب العلم قبل طلبه للعلم. واحسبوا انه قد مر بكم في غير ما موظع التنبيه على مثل هذا الاصل الكبير الذي يعده علماء الاسلام مدخلا مهما لطلاب العلم قبل طلبهم للعلم ويجعلون هذا خطوة اولى يخطوها طالب العلم منذ ان يوفقه الله ويهديه ويرشده ويسدده ويدله على طريق طلب العلم ان يكون لباس الادب اول شيء يفعله وان يكون تعلم خطوات معرفة حق هذا الطريق والقيام به ايضا مسلكا اساس ومدخلا مهما ومن هنا فانك تجد في كتب سلفنا الاوائل في مثل ما كتبه الحافظ بن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله مثلا او ما كتبه الامام الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله ايضا في كتابه اما الجامع مثلا في اخلاق الراوي واداب السامع او الفقيه والمتفقه وما كتبه من جاء قبل ومن جاء بعد في التنصيص على هذه الاداب وان طلبة العلم واهله اولى الناس بالعناية باداب الشريعة واخلاقها بل هم مخاطبون بالدرجات العلى من هذه الاداب وبالذروة من هذا السنام سنام الادب واخلاق الشريعة التي جاءت بها. ومن هنا تكاثرت عبارات السلف في التنبيه على هذا الباب في ما اخرجه الائمة الكبار يقول الامام الحسن البصري رحمه الله تعالى ادركت الناس والناسك اذا نسك لم لم يعرف من قبل منطقه ولكن يعرف من قبل عمله. فذاك العلم النافع ويقولون ايضا كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم. يقصد بالهدي الخلق والادب يعني تماما كما يتعلمون مسائل الطهارة والصلاة واحكام البيع والنكاح والطلاق كما يتعلمونها مسائل يثنون لها الركب ويمليها عليهم الشيوخ ويدونون من ورائهم فكذلك كانوا يتعلمون الادب حتى لا تتصور ان المقصود بالادب هو التربية والسلوك الذي ينشئه الوالدان عليه الاولاد وان الادب عندهم هو ما يفعله الشيخ مع طلابه في الحلقة او الاستاذ مع طلابه في الفصل ان يقول لهم عند معالجة المواقف وتصحيح الاخطاء افعل ولا تفعل. لا بل هو درس يجلسون له وعلم يتلقونه وتربية ايضا يأخذونها عن افواه المشايخ. ويذكرون لهم فيه الاحاديث والاثار والايات القرآنية التي تدل على هذا الباب من طلب العلم وتحصيله كانوا يوبخون من يتعلم العلم اذا وجدوا عنده شيئا من تجاوز حد الادب او اقتراف شيء من سوء الخلق ويعتبرونه قد تجاوز هذا الخط ولم يحسن الدخول من الباب. عن الحجاج ابن ارطاطة قال ان احدكم الى ادب حسن احوج منه الى خمسين حديثا وهذا لفت للنظر انه قبل طلب العلم ينبغي العناية بالتحلي بهذا الادب. واخرج الخطيب ايضا عن الليث ابن سعد وقد اشرف على اصحاب الحديث فرأى منهم شيئا فقال ما هذا انتم الى يسير من الادب احوج منكم الى كثير من العلم وقال مخلد بن الحسين نحن الى قليل من الادب احوج منا الى كثير من الحديث هكذا تأتي عباراتهم متتابعة في التأكيد على هذا النمط وقد مر التنبيه على شيء من ذلك في مطلع التعليق ايضا على كتاب حملة القرآن للامام الاجري رحمة الله عليه. والادب باصطلاحه العام استعمال الخلق الجميل هو ايظا ما يحلو به الانسان هو ستره زينته تاجه الذي يتحلى به في المجالس والمجامع وامام الناس. الادب ثلاثة انواع كما يقول ابن القيم رحمه الله ادب مع الله سبحانه وادب مع رسوله صلى الله عليه وسلم وشرعه ادب مع خلقه ثم بين ان الادب مع الله ثلاثة انواع صيانة معاملته ان يشوبها بنقيصة صيانة قلبه ان الى غيره صيانة ارادته ان تتعلق بما يمقتك عليه سبحانه. واما الادب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرأس كمال التسليم له والانقياد لامره وتلقي خبره بالقبول والتصديق. الى اخر ما اورد رحمه الله ثم قال واما الادب مع فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم. فلكل مرتبة ادب وللمراتب فيها ادب خاص فمع ادب خاص وللاب منهما ادب هو اخص به ومع العالم ادب اخر ومع السلطان ادب يليق به وله مع الاقران ادب يليق بهم ومع الاجانب ادب غير ادبه مع اصحابه وذوي انسه ومع الضيف ادب غير ادبهما مع اهل بيته ولكل حال ادب الى ان قال وادب المرء عنوان سعادته وفلاحه وقلة ادبه عنوان شقاوته وبواريه ثم يقول رحمه الله واسمعوا يا طلبة العلم. وبالاخص يا اهل القرآن ويا معشر طلاب الحلقات واساتذتها يقول فما استجلب خير الدنيا والاخرة بمثل الادب ولست جلب حرمانهما بمثل قلة الادب انتهى كلامه رحمه الله وقد اورد هذه الجمل النفيسة في مدارج السالكين رحمة الله عليهم هذا ما يتعلق بموضوع مجلسنا الذي سندرس فيه ونتدارس ونعلق على كتاب التبيان فهو كتاب اعم من مجرد الحديث عن اداب اهل القرآن او قراءة القرآن او تعليم القرآن وهو ينفع الطالب وينفع المعلم وينفع المسلم عموما وينفع امة الاسلام كلها لانها امة القرآن. وهذا كتابها ولا مسلم ومسلمة من تعاملهم مع كتاب الله قراءة او استماعا او استشفاء او تبركا او توسلا به او دعاء قال ونحو ذلك فهم لا ينقطعون عن تعاملهم مع كتاب الله فهم بحاجة الى مثل ما اورد الامام النووي رحمه الله في رسالته اللطيفة هذه التبيان واما الامام النووي والحديث عنه وخاتمة هذه المقدمة الموجزة فهو امام من اجل ائمة السلف وعلمائنا البررة الكرام رحمة الله عليهم اجمعين الامام النووي المولود سنة ستمائة واحدة وثلاثين والمتوفى سنة ستمائة وستة وسبعين قضى رحمة الله عليه في هذا القرن السابع الهجري قضى خمسا واربعين سنة كانت هي مدة حياته حتى توفاه الله. رحمه الله. الامام النووي الملقب بمحيي الدين المكنى ابي زكريا يحيى بن شرف ابن مري ابن حسن ابن حسين النووي الحراني الدمشقي الشافعي رحمة الله عليه. فالنووي نسبة الى نوى وهي وسط قاعدة الجولان الواقعة في جنوب سوريا اليوم. وهو منسوب اليها رحمه الله باعتبار بها واما الدمشقي فباعتبار نسبته الى سكناها ودراسته وطلبه للعلم بدمشق عاصمة الشام وقد قضى في دمشق نحوا من ثمان وعشرين سنة فكان جل حياته بها رحمة الله عليه. ويلقب بمحيي الدين على طريقة الامة في ذلك الوقت في التلقيب بمحي الدين وتقي الدين وشرف الدين الطريقة التي انتشرت وعمت بين اهل العلم وطلبته. وان كان يذكر عن الامام النووي رحمه الله كراهيته ان يلقب بمحيي الدين فيقول ما انا بمحيي الدين ينظر الى المعنى يقول لست انا الذي يحيي الدين انما الدين دين الله. فكان يكره هذا اللقب رحمة الله تعالى عليه وكنيته بابي زكريا ليس لان له ولد. فهو قد كان من العلماء العزاب رحمة الله عليه فما تزوج ولا كان له ولد ليس عزوفا وانصرافا عن هذه السنة النبوية لكنه انشغال بما قيض الله له عز وجل في حياته من اشتغاله بطلب العلم وتحصيله ثم خدمته والتأليف فيه. فقد كان في زمن طلبه للعلم وتحصيله. كما يذكر اخص طلاب واقربهم اليه كابن العطار انه كان يحضر في اليوم اثني عشر درسا من بعد الفجر حتى المساء وهو في كل درس يعلق ويكتب ويدون ويفرغ ويشرح فانظر الى الهمة التي قضاها رحمه الله ثم كتب الله تعالى له الاشتغال بتدريس العلم والافتاء والتأليف حتى غدت مصنفاته من اشهر كتب علماء الاسلام في كل فن غلب عليه العناية بالحديث والفقه واللغة ففتح له فيها فتح عظيم ومصنف فاته يعرفها صغار طلبة العلم قبل كبارهم الاربعون النووية التي لا يتخطى طالب العلم في الكتاتيب والمدارس والمعاهد مرتبة مبتدئة في طلب العلم الا وقد في ظهر واوساط طلاب العلم يحفظونها ويتداولون شرحها والعناية بها بما جمعت هذه الاربعون النووية من جوامع الكلم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم موزعة على اركان واسس ومعظم اصول الدين وشعائره وفروعه ومعالمه الكبار كتابه رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. الذي ايضا لا يكاد يخلو منه مجلس ولا مسجد ولا بيت من بيوت الله في بلاد المسلمين عربا وعجما في شرق الارض وغربها انتشر انتشارا عظيما وكتب الله له الديوع والصيت والقبول وليس فيه الا احاديث مبوبة على عدة ابواب في العقائد والاخلاق والاداب وما يحتاج اليه المسلم في شأنه وحياته. لكنه ايضا من توفيق الله للامام النووي رحمة رحمة الله عليه كتبه في الفقه جملة هي من خيرة ما وجده علماء الشافعية في مذهبهم. فانه قد الف كتاب المجموع وظعه شرحا على مهذب الامام ابي اسحاق الشيرازي واراد به جمع خلاف الفقهاء وادلتهم وذكر ما يتعلق بكل مسألة بلغ فيه الى كتاب الربا ولم يتمه رحمه الله لو تم لكان من اعظم كتب الفقه ليس للشافعية خاصة بل للمذاهب كلها. كما وضع شرحه الجليل على صحيح الامام في كتابه الذي اسماه المنهاج لشرح صحيح الامام مسلم ابن الحجاج. وكانت ترجمته لابواب صحيح مسلم هي التي وانتشرت ذلكم ان الامام مسلما كما تعلمون لم يترجم لاحاديث الصحيح رحمة الله عليه. فاجتهد الائمة في وضع التراجم والعناوين لابواب الكتاب وفصوله. فكان التراجم الامام النووي رحمه الله هي التي ذاعت وانتشرت. واصبح اهل العلم عزوا حديثا لصحيح الامام مسلم فقيل في كتاب كذا وباب كذا فالمقصود ما ترجم به الامام النووي رحمه الله خاصة. كذلك الشعب في روضة الطالبين والشأن في باقي كتبه التي غدت معلما وصارت نبراسا واليها يعتني طلبة العلم وفقهاء الاسلام كتب كبيرة ضخمة ومجلدات عدة آآ سودها وبيضها الامام النووي رحمه الله على قصر في عمره الذي لم يتجاوز نصف العقد الخامس من عمره. فقد مات وعمره خمس واربعون سنة. رحمة الله عليه ومنهم من يقول اقل لمن ذلك المقصود ايها الاحبة الاشارة الى جلالة قدر هذا الامام الذي نحسب والله حسيبه وعلم النيات والخفايا عند الله انه رزق اخلاصا وسدادا كتب له في مصنفاته القبول وفي علمه الانتشار وفيما دونه تداول اهل العلم فما زالت الامة الى اليوم تنقل علمه وعلم الائمة الاعلام الكبار وتترحم عليه وتترضى عنه وتسأل له الرحمة والمغفرة ثم جرى له هذا من العلم الذي لا ينقطع نفعه ومن الحسنات الجارية التي تلحق به بعد مماته رحمه الله ورحم سائر علماء الاسلام وسلك بنا سبيلهم ورقى بنا الى درجاتهم وحشرنا جميعا في زمرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه عليه واله وسلم. وبعد هذه المقدمات يمكننا الشروع في مدارسة هذا الكتاب على نحو من التعليق الذي نجمع فيه قدر المستطاع بين التعليق الموجز وبيان المقصد والمغزى وعدم الاطالة والاطناب فليس المقصود شرح الكتاب عبارة او جملة جملة بقدر ما هو التعليق على مواطن تحتاج الى بيان او الى شيء من التفصيل مع استيفاء مقاصد الكتاب فيما اراد المصنف رحمه الله تعالى سنبدأ جلستنا الاولى ان شاء الله تعالى من الان حتى قبيل المغرب بنحو ربع ساعة سنتوقف من اجل ان تكون راحة وشيئا من الضيافة اعده الاخوة القائمون على هذا البرنامج جزاهم الله خيرا. ويدخل فيه ايضا لصلاة المغرب لمن اراد تجديد الطهارة او الحاجة الى شيء من ذلك. وفي مستهل المجلس فانا نسأل الله ضالعين ان يجعله مجلسا مباركا محفوفا بالخير والرحمة ومجالسة الملائكة الكرام عليهم السلام. وقد اقبلنا نجتمع في بيت من بيوت الله سبحانه نتدارس ونتعلم ونتذاكر اداب الاشتغال بكتابه الكريم. سائلين الله سبحانه ان يمن علينا وعليكم بالفهم والتوفيق والسداد والصواب والعلم النافع والعمل الصالح. وان يجعله من مجالس الخيرات والبركات التي تحفنا فيها الملائكة. وتغشانا فيها الرحمة وتتنزل فيها علينا السكينة وان ننصرف وقد ازددنا علما وايمانا وقد جمعنا بين علم ندرسه وعمل صالح وان يجعل الله عز وجل هذا لنا ذخرا في دنيانا واجرا في اخرانا وسلما الى مزيد من العلم النافع والعمل الصالح رحم الله المصنف وجزاه عنا خيرا وسائر علمائنا البررة الكرام سبحانه وبحمده جل جلاله لا نحصي ثناء عليه هو كما اثنى على نفسه وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. نستعين بك يا رب ونسألك التوفيق والسداد نعم