بسم الله الرحمن الرحيم. ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان نبينا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين ان السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته. سلام يبذله كل مسلم في كل صلاة مرة او مرتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فانت لن تستجلس صلاة فانت لست تصلي صلاة فرضا كانت او نفلا الا قلت فيها مرة او مرتين السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته فانظر كيف ربطنا الله عز وجل في هذه الامة من اولها الى اخرها بهذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه. لنلقى قي السلام عليه كلما وقفنا بين يدي ربنا نصلي وندعوا ونذكر الله فانا نبذل السلام لرسول الله صلى الله عليه واله هذا السلام المتتابع من افواه الاتباع من امته له عليه الصلاة والسلام هو ارتباط وثيق وولاء عميق يجعل الامة عن اخرها مرتبطة بالايمان والحب الصادق والاتباع لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومهما تتابعت الصلوات ومهما تتابع السلام من افواه المؤمنين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان لها في ليلة جمعتي ويوم الجمعة شأنا اخر. هذه الليلة الغراء وهذا اليوم العظيم المبارك. لنا فيه ارتباط اوثق برسولنا صلى الله عليه وسلم جاء هذا في حثه هو عليه الصلاة والسلام بان نكون اكثر اقترابا منه بكثرة الصلاة والسلام عليه. فقال بابي وامي هو صلى الله عليه وسلم ان من افضل ايامكم يوم الجمعة فاكثروا من الصلاة علي فيه. وقال ايضا اكثروا من الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة فان صلاتكم معروضة علي. ليس شرف يجده احدنا بحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر من هذا الارتباط بكثرة الصلاة والسلام عليه. فانه ما سلم سلاما على نبيه عليه الصلاة والسلام. الا وجد الشريف المبارك يقول عليه الصلاة والسلام ما من مسلم يسلم علي الا رد الله علي روحي حتى ارد عليه السلام. واما صلاتك فينقلها ملك كريم ان لله ملائكة سياحين يبلغوني عن امتي السلام. فاكثر ان شئت او اقلل. من صلاتك وسلامك رسول الله صلى الله عليه وسلم فالشرف والله لك. والفخر لك وعظيم الاجر انما تناله بكثرة الاقبال على هذه للعبادة العظيمة الجليلة لا سيما في هذه الليلة الشريفة المباركة وهذا اليوم الذي نعيش ليلته يوم الجمعة سيد الايام واعظمها وعيدها لنا معشر المسلمين. ايها الكرام ما زالت مجالسنا تتتابع في كل ليلة من ليالي الجمعة فيها صفحات نقف فيها على حقوق النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم علينا. حقوقه وما اعظمها على امته مكانته التي شرفها الله تعالى بها وعظيم منزلته. كل ذلك ما زلنا نحث فيه الخطى ونقلب فيه الصفحات ونحن قفوا على معالم في هذا الطريق العظيم المبارك ما لرسول الله عليه الصلاة والسلام على امته علي وعليك ما له علينا من الحق من الحب من الايمان من الوفاء من صدق الطاعة والاتباع من واجب الاقتداء من شرف الانتساب الى امته وحمل راية سنته والدعوة اليها في العالمين ونشرها في الخافقين. كل هذا شرف يناط برقبة كل اكرمه الله فجعله في عداد هذه الامة المحمدية المباركة. انما هذا الشرف العظيم والفخر الكبير لا ينال الا بحقه لمن وضع الخطى على الطريق الصحيح وسلم له الصواب في هذا الاتباع وكان احظى الناس بهذا الشرف عندما يتبوأه بصدق اخذا بحق هذا الانتساب. وقائما بحق هذا الشرف الكريم في انتسابه الى النبي الكريم صلى الله عليه واله هذه المجالس تعزز في نفوس المؤمنين هذه المعالم الكبرى. وتزرع وتزرع فيها هذا المعنى الكبير الذي نحتاج ان نكون اولى الناس به واكثرهم حرصا عليه لاننا في امة جعلها الله تعالى حظية بكتابها المنزل وبنبيها المرسل وبدينها الذي جعله الله عز وجل خاتم الاديان ومختتم الرسالات الذي لا يقبل الله من عبد دينا سواه ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين. ايها الكرام وقف بنا الحديث في ليلة الجمعة الماضية ونحن في الفصل الثاني من فصول الكتاب الاول الذي جعله المصنف القاضي عياض رحمه والله في مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه. وما جاء من الايات القرآنية في كتاب الله التي تبين عظيم منزلته وماله عند ربه من المكانة ورفيع الدرجات. هذا الباب بفصوله المتتابعة انما يوقفنا على فهم قدر ليس باليسير من ايات القرآن. تلك التي جاءت تبين منزلة سيد الانام عليه الصلاة والسلام. والفصل الثاني الذي وقفنا عند اواخره بوصف الله تعالى لنبيه بالشهادة عليه الصلاة والسلام. وما يتعلق بها من الثناء والكرامة. وتقدم ان الشهادة التي اثبتها الله لنبيه في مثل قوله انا ارسلناك شاهدا. ومبشرا ونذيرا. فالشهادة المثبتة له عليه الصلاة والسلام هي الشهادة لنفسه. على امته انه قد بلغها دين الله وانه قد اسمعها الله وانه قد ادى الامانة التي امره الله تعالى بها. وهذا من المزية بمكان فانه ليس يشهد احد لنفسه في شريعة الاسلام وليس في دين الله حق يمكن ان يثبته الانسان بالشهادة على نفسه لكن الله جعل ذلك لنبيه عليه الصلاة والسلام واما الشهادة الاخرى التي دلت عليها نصوص الايات فهي شهادته لامته الشهادة لامته يعني تزكيته اياها يعني ثناؤه عليها وهذا شرف ان الله عز وجل جعل شهادة نبيه عليه الصلاة والسلام لامته شهادة تزكية تعديل وثناء لم من اجل ان تقبل شهادة امته عند ربه يوم القيامة. فان الحكم والقاضي لا يقبل الا شهادة العدول الثقات الاثبات فاذا جيء بيوم القيامة واجتمعت الخلائق فان امة محمد عليه الصلاة والسلام هي اشرف الامم في ذلك المجمع الكبير واكرمها وخيرها عند الله وتتحلى هذه المكانة بشهادة نبيها لها بين يدي الله فيشهد لهم ويزكيهم فتقبل شهادتهم عند ربهم على ما يستشهدون به في ذلك الموقف العظيم. وقف بنا الحديث عند كلام القاضي عياض المصنف فرحمه الله في قوله تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا نعم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى اله واصحابه اجمعين. قال القاضي عياض رحمه الله تعالى. وقال تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس. ويكون الرسول عليكم شهيدا. قال ابو الحسن القابسي رحمه الله تعالى ابانا الله تعالى فضل نبينا صلى الله عليه وسلم. وفضل امته بهذه الآية. وفي قوله في الاية الاخرى وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس. وكذلك قوله تعالى فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. وقوله تعالى الاوسط اي عدلا خيارا. هذه ايات ثلاث ساقها المصنف رحمه الله على التوالي تباعا فقال وكذلك جعلناكم امة وسطا والوسط هو العدل الخيار كما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم. امة وسطا لتكونوا شهداء على والمقصود شهداء على الامم السابقة. ويكون الرسول عليكم شهيدا. فانظروا كيف توالت الشهادات تشهد الامة على الامم السابقة ويشهد نبي الامة صلى الله عليه وسلم لامته قال ابو الحسن القامسي ابانا الله تعالى فضل نبينا صلى الله عليه وسلم وفضل امته. نعم. في الاية فضلان احدهما لنا جميعا معشر الامة والاخر الفضل الخاص برسولنا صلى الله عليه وسلم وكلا الفضلين مرتبط باثبات الشهادة. وهل في الشهادة ذاتها شرف الجواب نعم لانها بين يدي الله وان يقبل الله شهادتك فتلك منزلة رفيعة عباد الله. ان يجعلك الله شهيدا يقبل حكمك وشهادتك في موقف عظيم تصاب فيه الامم بفزع فيجعلها تجثو على الركب فتأتي شاهدا انت في عداد الامة هذا شرف عظيم ومنزلة كريمة. انتم توفون سبعين امة انتم خيرها واكرمها على الله اه صحيح جئنا في تاريخ الزمان اخرا لكننا يوم القيامة نسبق فنكون اولا نحن السابقون نحن الآخرون السابقون يوم القيامة. كما قال بابي وامي عليه الصلاة والسلام. هذا الشرف يجعلك تنظر الى هذا المعنى الكبير في الاية هنا شيئان عظيمان. احدهما ما هو مقصود المصنف رحمه الله في هذا الباب اثبات شرف الشهادة لرسول الله عليه الصلاة والسلام. فلان كان شرف الامة ان تكون شاهدة على كل الامم السابقة ان هذا لن يقبل الا بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لامته. فعاد محمل الشهادة في ذلك اليوم العظيم الى شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم وتلك منزلة فيها من الكرامة وعلو المنزلة والدرجة ما هو غني عن البيان واما المعنى الاخر في ان يجعلنا الله عز وجل شهداء على الامم فنشهد لهم كما سيأتي في الحديث بعد قليل. نشهد للانبياء السابقين انهم قد بلغوا. فنشهد لنوح عليه السلام ولسائر انبياء انهم قد ادوا ما عليهم وبلغوا رسالات ربهم فيقبل الله شهادتنا في الوقت الذي تكذب فيه اممهم رسالة انبيائهم عليهم السلام فتأتي امتنا شاهدة في ذلك الموقف العظيم. هيئ نفسك لذلك اليوم فتكون شاهدا بين يدي الله واحسن في حياتك عملا صالحا تشرف به في مقام الشهادة تزكية وثناء يحلو لك به المقام في ذلك الموقف ويكون نبيك عليه الصلاة والسلام مزكيا لتقبل شهادتنا في ذلك الموقف هذا المعنى اشتملت عليه الايات. وكذلك جعلناكم امة وسطا. لتكونوا شهداء على الناس. من علم انه يأتي عليه يوم يستشهده فيه ربه ويقبل شهادته يستحي والله ان يعيش حياته في تقصير عظيم في جنب الله وهو يعلم علم اليقين ان له موقفا يرفعه الله به بين الامم. ويجعله شاهدا عليها. في امر ما شهدناه حضورا نشهد على الامم ونحن عشنا زمنها ولا ادركنا انبيائها لكننا شهدنا ايمانا بما اخبرنا الله تعالى به في كتابه الكريم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فقام صدق الايمان في قلوبنا مقام الشهادة بالعين واللسان والانف والاذن ما تشهده الجوارح. فانظر كيف كان الايمان في هذا الموقف هو الذي اوصلنا الى تلك الدرجات العلى. الامم التي عاشت مع انبيائها وقد ابصرت وسمعت وعاشت ولمست تكذب يوم القيامة. فتنكر ان تكون انبياؤها قد بلغت. فتأتي امتنا فتشهد فانظر كيف انكر من شهد وسمع واحس ورأى وعاش وكيف يثبت من لم يعش شيئا من ذلك لكنه الايمان قام مقام ذلك فكان عوضا عنه واكثر. فتقبل الشهادة العظمى. هذه شهادة سيأتي يوم لها ونقف لها وننتصب لادائها بين يدي الله. فاعد لتلك الشهادة عدتها. من ان تكون على احسن ما تكون في حياتك حالا قربا من الله وصلاحا واستقامة على امره ودينه سبحانه وتعالى قال ابو الحسن القابسي ابانا الله فضل نبينا صلى الله عليه وسلم وفضل امته بهذه الاية وفي قوله في الاية الاخرى في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس. والمعنى واحد وكذلك قوله تعالى فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. وقوله تعالى وسطا اي عدلا خيارا وهذا تفسير ثابت عنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح انه فسر قوله جعلناكم امة وسطا. الوسط بمعنى العدل والخيانة فاوسط الشيء اعدله وخياره. نعم. قال رحمه الله ومعنى هذه الاية وكما هديناك كن فكذلك خصصناكم وفضلناكم بان جعلناكم امة خيارا عدولا. لتشهدوا للانبياء عليهم السلام على اممهم ويشهد لكم الرسول بالصدق. وقيل ان الله جل جلاله اذا سأل الانبياء هل بلغتم فيقولون نعم. فتقول اممهم ما جاءنا من بشير ولا نذير. فتشهد امة محمد صلى الله عليه وسلم الانبياء ويزكيهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل معنى هذه الاية انكم حجة الله على كل من والرسول صلى الله عليه وسلم حجة عليكم حكاه السمرقندي. اما قوله ان الله جل جلاله اذا الانبياء هل بلغتم فيقولون نعم؟ فتقول اممهم ما جاءنا من بشير ولا نذير ستشهد امة محمد صلى الله عليه وسلم للانبياء ويزكيهم النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا معنى شهادة الامة على الانبياء وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم للامة. جاء ذلك في صحيح البخاري من رواية ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لامته هل بلغكم؟ فيقولون ما اتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وامته صلى الله عليه وسلم فيشهدون انه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيدا. فذلك قوله جل ذكره وكذلك جعلناكم امة وسطا. لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. والوسط العدل. انتهى قوله صلى الله عليه واله وسلم ففي هذا بيان واف لما دلت عليه الايات من اداء الشهادة في الموقف العظيم الذي تجتمع فيه الانبياء باممهم بين يدي الله يوم القيامة ولا يخفاك ما في هذا من الشرف ان امتنا قد تعدت شهادتها الى الامم السابقة اولا والى قبول الشهادة بتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا ثانيا. وفي كون الشهادة التي نشهدها يوم القيامة على ان ما ادركناه بالحواس لكن بما هو اعظم من الحس بالايمان. الذي وجدناه في شريعتنا في كتاب ربنا وفي سنة لنبينا صلى الله عليه واله وسلم كل ذلك دلت عليه الايات في اثبات الشهادة ومقصود المصنف رحمه الله هنا هو شهادة رسولنا صلى الله عليه وسلم التي بوأه الله تعالى اياها في ذلك اليوم العظيم قال رحمه الله وقال الله تعالى وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم قال قتادة والحسن وزيد بن اسلم رحمهم الله قدم صدق هو محمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم. وعن الحسن ايضا قال هي مصيبتهم بنبيهم. وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال هي شفاعة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم هو شفيع صدق عند ربهم. وقال سهل بن سهل بن عبدالله الدستوري رحمه الله هي سابقة رحم رحمة اودعها الله في محمد صلى الله عليه وسلم. وقال محمد بن علي الترمذي رحمه الله هو امام الصادقين والصديقين الشفيع المطاع والسائل المجاب. محمد صلى الله عليه وسلم حكاه عنه السلمي. صلى الله عليه واله وسلم ختم المصنف رحمه الله باب الشهادة او فصل الشهادة له عليه الصلاة والسلام بهذه الاية. يقول الله تعالى اكان للناس جبل ان اوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم. يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام ان يبشر المؤمنين من امته ان لهم قدم صدق عند ربهم ما قدم الصدق يا قوم الذي بشرنا الله به على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام. هذه بشارة وحقنا ونحن نستبشر بالبشارة ان نفرح بها. فهل فرحنا لن نفرح الا اذا عرفنا معنى البشارة البشارة انما يؤتى بها لتدخل الفرحة على القلوب والسرور والانس على النفوس. وهذا ما ينبغي ان نشعر به كلما قرأنا الاية او سمعناها من امام او قارئ. ونحن نشعر ان الله يريد ان نفرح ببشارة تأتي منه جل جلاله على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام. فهل فرحت عبد الله؟ حقا هل سررت؟ هل استبشرت ببشارة الله؟ ما قدم الصدق عند ربنا لنا؟ الذي بشرنا الله تعالى به اورد الامام الطبري رحمه الله شيخ المفسرين في تفسير الاية اقوالا عدة الذي رجحه منها وقدمه ان قدم صدق معناه ان لهم اجرا حسنا بما قدموا من صالح العمل فهذه بشارة ان لنا عند الله يوم نلقاه اجرا على عمل صالح بذلناه في الحياة. هذا القول مأثور عن ابن عباس والضحاك ومجاهد وغيرهم من السلف وله في ذلك مأخذ في لغة العرب فان العرب تكني عن الثناء والعطاء باليد. فيقال لفلان عندي يد او لي يد على فلان يعني احسانا وعطاء وثناء كما تكني العرب كما تكني العرب عن الثناء في القول باللسان واجعل لي لسان صدق في الاخرين وتكني العرب ايضا عن السعي بالقدم لهم قدم صدق اي سعي صدق عند ربهم. هذا القول الذي رجحه الامام الطبري رحمه الله ثم اورد قولا ثانيا ان المراد بقوله ان لهم قدم صدق اي ان لهم سابق صدق في اللوح المحفوظ من السعادة واورد ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. وثالث الاقوال ان لهم قدم صدق هو محمد صلى الله عليه وسلم. فالسؤال قال كيف يكون رسولنا صلى الله عليه وسلم قدم صدق لنا عند ربنا وكيف تكون البشارة به لنا عندما نعلم انه المقصود في احد معاني الاية المذكورة ان له عليه الصلاة والسلام بشارة تفرح بها امته انه عدم صدق لنا عند ربنا. هذا الذي ساقه المصنف رحمه الله في عبارات جاءت على السنة بعض السلف من قتادة والحسن ابي سعيد الخدري وغيرهم قال قتادة والحسن وزيد بن اسلم قدم صدق هو محمد صلى الله عليه وسلم. اي يشفع لهم فجعل معنى قدم صدق شفاعة رسولنا صلى الله عليه وسلم وبالتالي فاذا عشت في هذه الحياة ثلاثين سنة او اربعين او خمسين وانا منتظر لقاء الله والاجل الذي تختم به الحياة لارتحل عن هذه الدار الى الدار الاخرة معولا بعد رحمة الله على ضعفي وعجزي وقلة عملي وخطيئتي وخلطي بين عمل صالح واخر سيء وانا ابحث عن مواسم الخيرات والطاعات فاستبق الانفاس واحث الخطى ابحث عن رضا الله هنا وهنا الا ان لي مع ذلك كله معولا عظيما وبشارة احملها في صدري حتى القى الله انني لا اعول على شيء من ذلك بعد فضل الله مما ادخره يوم القى الله وهي شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه البشارة هي المقصودة هنا بهذا المعنى. وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم. قدم عملك الصالح وقدم ايمانك وقدم كل ما تتقرب به الى ربك في سر العمل وعلانيته في جوف الليل واثناء النهار لكنك مهما عملت قدم ذلك ولك ايضا مقدم يسبقك هي شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تواترت بها الادلة في شفاعته لامته صلى الله عليه واله وسلم ومعنى قدم صدق ها هنا انه شفيع قبلهم. يتقدمهم في ذلك الموقف العظيم. وعن الحسن ايضا قال في تفسير قدم صدق برسول الله عليه الصلاة والسلام جاء عن الحسن في محمل اخر فقال وعن الحسن ايضا قال هي مصيبتهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم. السؤال ما هو مصابنا بنبينا عليه الصلاة والسلام اي مصيبة موته وفقده عليه الصلاة والسلام. وهو اعظم مصاب في الامة على الاطلاق لن تبتلى الامة في حياتها حتى تلقى الله بمصيبة اعظم من موت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيكون هذا قدم صدق. كيف؟ لان المبتلى اذا اصيب بمصيبة كان صبره عليها واحتسابه الاجر وانتظاره العوظ الكريم من اكرم الاكرمين هو خير ما يقدمه يوم يلقى الله فيكون هذا قدم صدق له عند ربه وهذا وهذا حظ يشترك فيه مؤمنون كلهم على السواء ان لهم في فقد نبيهم عليه الصلاة والسلام مصيبة يحتملون فيها ويحتسبون اجرا عظيما مقصود الحسن رحمه الله شفاعة اه عفوا قدم صدق هي مصيبتهم بنبيهم اي بموته لان الصبر على المصيبة كلما كان اعظم كان جزاؤه عند الله اوفر وكلما كانت المصيبة اعظم كان الصبر الواقع عليها اكبر. فانما نحتسب اعظم الصبر الذي يمكن ان نحمله في حياتنا ليس على فقد زوجة او زوج او ولد او ام او اب او مال او متاع الحياة انما المصاب الاكبر فقدنا لرسول لا صلى الله عليه وسلم. وهذا يجعلك اذا ابصرت في حياتك قدرا عظيما من النعم قد احاطت بك. وكلما سألت الله اعطاك وكل كل ما تمنيت اتاك فشعرت انه ما نقصك في الحياة شيء وان الله وسع عليك متاع الحياة من كل الابواب. الا ان حرقة في القلب تبقى ان سعادة الحياة ونعيمها ولذة متاعها لم يكتمل لان العين ما اكتحلت برؤية رسول الله عليه الصلاة والسلام. والنفس لم تسعد لانها لم تشرف بصحبته عليه الصلاة والسلام فيبقى نعيم الحياة مهما تعدد ناقصا ويبقى سرورها مهما اكتمل ايضا زائفا. وانما السعادة الحقة ان تعيش القلوب رفرفة الايمان واشراقها وصفاءها الذي وجده الجيل الاول بصحبته لرسول الله عليه الصلاة والسلام. وعلى هذا فتبقى المصيبة بفقده مصيبة كبرى. ويكون عليها ايضا عملا صالحا مدخرا. ويكون قدم صدق لنا عند ربنا. واما ثالث الاقوال فاورده القاضي عياض هنا عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قدم صدق هي شفاعة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم هو شفيع صدق عند ربه بهم وهذا كالذي سبق في قول قتادة والحسن وزيد وشاهد ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام انا فرطكم على الحوض يعني انا سابقكم وانا مقدمكم وامامكم هناك. وكما كان لامته في هذه الدنيا دليلا وهاديا واما وقائدا فانه يوم القيامة كذلك يكون لنا معشر الاتباع من امته اماما ودليلا وهاديا. يدلنا على طريق الجنة فنمشي خلفه ويطرق لنا باب الجنة فندخل بعده. ويكون لنا سابقا على الحوض فنأتي لنرد على حوضه فنشرب بلغنا الله واياكم هذا الشرف العظيم قولوا امين وقال سهل ابن عبد الله تستري رحمه الله ان لهم قدم صدق قال هي سابقة رحمة اودعها الله في محمد صلى الله عليه وسلم. فالرحمة التي امتلأ بها صدره وكان حياته ودعوته ونبوته نابعة من هذا المعين من رحمته صلى الله عليه وسلم هي قدم الصدق الذي يتنعم المؤمنون من امته بتفيؤ ظلالها. وقال محمد بن علي الترمذي وليس هو الامام الترمذي صاحب السنن لكنه الحكيم الترمذي صاحب نوادر الاصول قال الترمذي هو امام الصادقين والصديقين الشفيع المطاع والسائل المجاب محمد صلى الله عليه واله وسلم اتم المصنف رحمه الله هذا الفصل بما اورده من نصوص الايات واقوال السلف في وصف الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم بالشهادة وقد علمت ما فيها من عظيم المنزلة ورفيع الدرجة عند الله ان يجعل الله نبيه عليه الصلاة والسلام لنفسه وشاهدا على امته ويكون في هذا قدر متحقق من اثبات المقصود بعظيم المنزلة ورفيع الدرجات له عند الله نعم قال القاضي رحمه الله تعالى الفصل الثالث فيما ورد في خطابه اياه مورد الملاطفة والمبرة فيما ورد يعني في كتاب الله ولا تزال الفصول متتابعة ينتزع فيها القاضي عياض بكل براعة وكل روعة وكل دقة في اللطف والاستنباط في التفسير ينتزع من القرآن ايات متناثرة في كتاب الله هنا وهناك. ثم يجعلها في فصول. فهو الان اتيك بفصل يورد فيه في القرآن ما ورد في خطاب الله لنبيه عليه الصلاة والسلام مما جاء على سبيل الملاطفة والمبرة الملاطفة في الخطاب الذي جاء في القرآن موجها الى رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهذا كثير ما انزلنا عليك القرآن لتشقى. وانك لعلى خلق عظيم. انك لمن المرسلين على صراط مستقيم. لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليهما عنتم. وامثال هذا كثير. لكن الفصل القادم الذي نقرأه الان هو في الايات التي فيها ملاطفة الهية بديعة كانت موجهة الى رسولنا صلى الله عليه وسلم في مقام في مقام العتب في مقام المواقف التي كانت في سيرته عليه الصلاة والسلام وله فيها مواقف جاءت بصددها ايات فيها اب لطيف من ربه سبحانه وتعالى. فبين المصنف رحمه الله انه حتى في مقام العتب ليس له من ربه الا الملاطفة في القول والا الاحسان في الذكر وهذا ان دل فانما يدل على منزلة عظيمة لان المعاتبة لا تبلغ اية اللطف الا من المحب لمن يحب والمحب هو الذي اذا عاتب تلطف غاية اللطف. تدري لم؟ لانه لا يريد اساءة الى من يحب. حتى في مقام العتب ولا يريد ان يخدش المشاعر ولا ان يجرحها ولو بالاشارة هذا هو صنيع المحب. فان دلت الايات على شيء فان انما تدل على عظيم محبة الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءت الملاطفة على النحو الذي ستسمع في الايات وكلام اهل العلم عنها قال تعالى من ذلك قوله تعالى عفا الله عنك لما اذنت لهم. قال ابو محمد مكي قيل هذا افتتاحك امن بمنزلة اصلحك الله واعزك الله. وقال عون ابن عبد الله اخبره بالعفو قبل ان ان يخبره بالذنب عفا الله عنك لما اذنت لهم. الاية في سورة التوبة وسياق الحديث عن اهل النفاق في المجتمع النبوي انذاك والحديث تحديدا في غزوة تبوك وما صحبها من لغط المنافقين وشغبهم بل وصريح كفرهم واستهزائهم بايات الله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم به المؤمنين السابقين. جاءت سورة التوبة فاضحة كاشفة هاتكة لستر النفاق والمنافقين في المدينة. فلما تعين الخروج في غزوة تبوك وكان الوقت صيفا. والقيظ شديد والحر على اشده واهل المدينة ينتظرون قطف الثمار وجني الحصاد في موسم الصيف اذن بالخروج لغزوة تبوك. على حين اعسار وشدة وفقر وقلة مال. فاجتمعت امور عدة. كان اخرها بعد السفر وشدة المسير مع عدم وجود الظهر المركوب ولا المال المنفق. فلما اجتمعت اثقل ذلك على كثير من اهل الايمان. اما المنافقون قد وقع في قلوبهم الا يخرجوا في الغزوة والا يساهموا فيها بشيء مع ان مقتضى النفاق ان يظهروا الموافقة والاتباع لكن لما اجتمعت كل تلك المشاق ناءت بها ظهورهم فعجزوا عن اظهار نفاقهم. فجاؤوا يستأذنون يستأذنون في عدم الخروج فاصبحوا يبذلون اعذارا اوهى من بيت العنكبوت. فهذا يعتذر بزرع وهذا يعتذر بزوجة وثالث بمرض ورابع وخامس وعاشر. وما كان من رسولنا صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم بامته الا ان يقبل عذر كل من اتاه ولو توسم فيه عدم الصدق لكنه يكله الى نفسه. وما اراد الاشقاق على امته عليه الصلاة والسلام. فاصبح يقبل الاعذار فيعذره وكلما جاء منافق يبذل عذرا كاذبا عذره ورخص له في عدم الخروج في الغزوة والتخلف عن المشاركة في الجهاد وكثروا حتى تتابعوا. جاء العتاب لان هذا لا يستحق اذنا. ولا ينبغي ان يؤذن له. لانه ان كان صادقا ما كان حقه ان يستأذن في وقت الدين بحاجة الى نصرته والوقوف في صفه والجهاد في الذب عنه. وارساء عائمه ورفع رايته. هذا ان كان صادقا. فلإن كان كاذبا فمن باب اولى الا يعذر ولا يقبل استئذان. لكنه عليه الصلاة والسلام مع ما جبل عليه مما تعلمون من الرأفة والرحمة ولين الجانب اصبح يبذل العذر عليه الصلاة والسلام. لما جاء العتب الالهي صدر بقوله عفا الله عنك لما اذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين. يعني لو تأنيت ولم تعذر احدا لظهر لك صدق الصادق بخروجه للجهاد ونفاق المنافق بقعوده عن الخروج. فالمسألة انت ستنكشف من غير اعذار. فجاء العتب لما اذنت لهم انما اللطيف في السياق ان الله قدم العفو قبل العتب فقال عفا الله عنك لما اذنت لهم والمقام مقام عتب فقدم العفو. وفي هذا من الملاطفة ما لا يخفى. وفي هذا ايضا من لطيف العبارة وحسن في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل ايضا على عظيم الحفاوة والمنزلة له عند ربه. يا احبة لطالما جاءت مثل هذه مواطن فكان منزع الشاهد الذي نقف عنده كثيرا ان نقول ان كان هذا قدره عند ربه وان كانت هذه منزلته عند رب العالمين. وان كانت هذه مكانته عند اله الاولين والاخرين. فالسؤال الكبير الان اي منزلة له في قلبي وقلبك عبد الله صدقا والله. اي منزلة رفيعة وحب عظيم بوأناه اياها في القلوب الضعيفة التي تسكن خلف الصدور ان لم يكن عليه الصلاة والسلام في المحل الاسمى والمكانة الاشرف والحب الاكمل في القلوب فاننا والله ما زلنا لم نصل الى الطريق صواب ونحن نقرأ ونسمع في كتاب الله في عظيم المنزلة له عند الله. هذا ما له عند الله فما الذي له عندي وعندك عبدالله ما الذي ينبغي ان يكون له عندي وعندك؟ ان لم يكن هو اعظم الايمان واعظم الحب واعظم الطاعة اعظم الوفاء اعظم الجهاد في سبيل سبيل سنته ونصر دينه ان لم يكن له هذا عندي وعندك. فما الذي سيكون؟ اترظى بعد كل الذي تسمع وتقرأ ويمر بك ما له من المكانة الحظية والدرجة الرفيعة عند الله ان يكون بعد ذلك لا يزال في القلوب مواضع فيها فراغ ما امتلأ جاءت بالحب الصادق ولا جعلت له عليه الصلاة والسلام في علو المنزلة ورفيع المكانة كل هذا مما ينبغي ان يعالج في ضوء نصوص الكتاب والسنة ونحن نمر بمثل هذه المعاني العظيمة الكبار. من ذلك قوله تعالى عفا الله عنك لما اذنت لهم. قال ابو محمد مكي قيل هذا افتتاح كلام بمنزلتي اصلحك الله واعزك الله. لما تخاطب ذا مكانة ان عظيمة ومنزلة رفيعة فانك قبل ان تدخل في مباشرة الكلام تصدر القول بجملة فيها دعاء تشعر بالاحترام وعظيم اهابه فتقول لكبير المنزلة من حاكم او سلطان او قائد او اب او معلم تقول اصلحكم الله وفقكم الله اسعدكم الله اطال الله في عمرك ادام الله بقاءك ثم تشرع في الكلام. فيكون افتتاحا بمنزلة التمهيد على سبيل التعظيم والاحترام والمهابة والتوقير. فان كان هذا هو المعنى المقصود في الاية ففيه ما فيه. من عظيم المنزلة ان يكون الله جل جل جلاله يستفتح عتابه لنبيه عليه الصلاة والسلام بمثل هذا الاسلوب عفا الله عنك لما اذنت لهم. والله ان كان هذا الكلام يصدر على لسان بشر ففيه عظيم الاحترام والتقدير. فيه عظيم الاجلال. فيه عظيم المحبة والهيبة في مثل هذا السياق بمثل هذه الالفاظ فكيف اذا كان الكلام كلام رب العالمين؟ كيف اذا كان هذا الخطاب في كتاب الله الذي تقرأه الامة الى يوم القيامة؟ قيل هذا بمنزلة اصلحك الله واعزك الله وقال عون ابن عبد الله اخبره بالعفو قبل ان يخبره بالذنب. نعم. قال رحمه الله وحكى السمرقندي عن بعضهم ان معناه عافاك الله يا سليم القلب لما اذنت لهم؟ قال ولو بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لما اذنت لهم؟ لخيف عليه ان ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام؟ يعني لو صدرت الاية ابتداء مباشرة لما اذنت لهم لكان عتبا صريحا مبتدأ وكان فيه من خوف المشقة في وقعه على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لان القلب كلما اقترب من ربه وعلت منزلته كان اكثر رقة وكان اكثر حسا وارهافا في تعامله مع ربه. فتكفيه الاشارات عن عبارات وتكفيه الالماحات عن التصريحات. وهكذا القلوب كلما كانت اقرب الى محبوبها. فلو كان العتاب صريحا مباشرا كان فيه وقع عظيم على فؤاد المصطفى صلى الله عليه وسلم. نعم. لكن الله تعالى برحمته اخبره بالعفو حتى سكن قلبه ثم قال له لما اذنت لهم بالتخلف حتى يتبين لك الصادق في عذره من الكاذب وفي هذا من عظيم منزلته عند الله ما لا يخفى على ذي لب ومن اكرامه اياه وبره بهما ينقطع دون معرفة غايته نياط القلب. قال نفطويه رحمه الله ذهب ناس الى ان النبي صلى الله عليه وسلم معاتب بهذه الاية وحاشاه من ذلك. بل كان مخيرا فلما اذن لهم اعلمه الله تعالى انه لو لم انه لو لم يأذن لهم لقعدوا لنفاقهم وانه لا حرج عليهم في الاذن لهم. هذا منحى اخر في تفسير الاية وفهمها فالمحمل الاول ان الاية تتضمن عتابا لكنه مغلف بعظيم اللطف والتودد بتصدير العفو في قوله عفا الله عنك لما اذنت لهم. والمحمل الاخر ان الاية لا عتب فيها اطلاقا انما هو الكلام عن انك يا رسول الله اذنت لاهل النفاق لما جاءوا يستأذنونك في الخروج الى غزوة تبوك فلو انك صبرت ولم تأذن لاحد لانكشف لك كذبهم بقعودهم. فكأن المعنى انك سواء اذنت تلهم او لم تأذن لكان القاعد سيقعد ولا ينتظر منك اذنا والمعنى اذا لا حرج عليك فيما صنعت. الا انك لو لم تأذن لقعد القاعد الذي لا يريد الخروج. فكان تحصيل حاصل وكان اذنه عليه الصلاة والسلام هو بمثابة الغطاء الذي يتغطى به اهل المنافقون لئلا تنكشف سوءاتهم. ويفتضح نفاقهم كفرهم بالله. فعلى هذا المحمل فلا عتب في الاية. انما هو التلطف من غير عتب عفا الله عنك. لما اذنت لهم والمعنى لو لم تأذن لتبين لك الذين صدقوا وعلمت الكاذبين من خلال القعود والتخلف عن الخروج في الغزو. نعم قال قال القاضي ابو الفضل رحمه الله يجب على المسلم المجاهد نفسه الرائد بزمام الشريعة خلقه ان يتأدب بادب القرآن في قوله وفعله ومعاطاته ومحاورته فهو عنصر المعارف الحقيقية وروضة الاداب الدينية والدنيوية. وليتأمل هذه الملاطفة العجيبة في السؤال من رب الارض المنعم على الكل المستغني عن الجميع. ويستثير ما فيها من الفوائد. وكيف وكيف ابتدأ بالاكرام قبل العتب وانس بالعفو قبل ذكر الذنب ان كان ثم ذنب. هذا من لطيف قول المصنف القاضي عياض رحمه الله ان يكون لنا في هذه الاية ادب نتأدب به في تعاملاتنا معشر الخلق ان كان هذا اسلوب وجدناه في كتاب الله فهو ادب عظيم. وكان من ربنا الكريم مع نبيه عليه الصلاة والسلام بمثابة الدرس نتعلمه فاذا عاتب الرجل منا زوجته او عاتبت المرأة زوجها او عاتب الاب ولده او المعلم تلميذه او الجار جاره والاخ اخاه اخاه والصديق صديقه فان الادب في ذلك ككله الذي يحافظ على متانة العلاقة وسمو الصلة وشرف الاخلاق هذا التلطف في العتاب. لان العتاب كلما غلظ واشتد كان جارحا. وكلما جرح كان يحمل الاساءة قصدنا او لم نقصد انما النفوس البشرية هكذا فالعتاب عليها شديد الوقع. ولو عاتبنا عتابا شديدا كل من نحب لخسرنا من نحب. انما التلطف في العتاب يجمع بين ايصال العتب والحفاظ على درجة المحبة باللطف في العتاب. هذا ادب كما يقول القاضي عياض رحمه الله نجعله في ملاطفاتنا في العتب بيننا للحفاظ على الصلات والعلاقات التي تجمع بين المسلمين مهما اختلفت تلك الصلات. نعم قال رحمه الله تعالى وقال تعالى ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا اية اخرى بعد ما انتهى من قوله عفا الله عنك لما اذنت لهم اورد المصنف رحمه الله الاية الثانية ولولا ان ثبتناك اي يا محمد صلى الله عليه وسلم لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا يعني الى اهل مكة وكفار قريش لولا ثبتناك فامتن الله عز وجل على نبيه عليه الصلاة والسلام بتثبيته اياه ولولا ذلك لركن اليهم وركن اليهم معنى استمال اليهم واقترب منهم وتأثر بهم او تنازل لهم عن شيء مما امر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالثبات ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا. وفي الاية فائدة اخرى غاية في اللطف والجلال هذا امتنان الله على نبيه. عليه الصلاة والسلام. وهو النبي الموحى اليه المعصوم صلى الله عليه وسلم. المصطفى من البشر المختار للنبوة الموحى اليه من فوق سبع سماوات المسرى به الى بيت المقدس المعرج به الى السماء الذي بلغ سدرة المنتهى الذي اتاه الله من الايات والكرامات والمعجزات ما لا يؤتاه احد من البشر ومع ذلك يقول له ربه ولولا ان ثبتناك علمت مدى حاجة العباد وعجزهم وفقرهم الى عون الله وتثبيت الله فماذا عساي ان اقول انا وانت؟ مهما ظننا ان بلغنا في الصلاح والايمان والعمل الصالح ابدا والله لا معول على شأن العبد وحيلته لانه عاجز ضعيف فقير ذليل انما التعويل كله والتفويض كله الى فضل الله وكرم الله ورحمة الله. فلولا ان ثبت الله نبيه لقد كان يركن اليهم ولولا ان ثبتنا الله فماذا عسانا ان نكون لولا ان هدانا الله ماذا عسانا ان نكون؟ لولا ان يسر الله لنا سبيل الخير والايمان والصالحات واعمال الطاعات ماذا يمكن ان نكون فاياك ان تنظر الى نفسك نظرة الاعجاب ولو لحظة من الحياة. واياك ان تدل بعملك على الله. واياك ان تظن انك تقدمت شيئا يستحق ان تفخر به وترفع به رأسا فالفضل كله لله والخير كله من الله والاحسان كله بيد الله انما انا وانت عباد ضعفاء فقراء غاية امرنا ان نقول في كل شأن من شؤوننا ربي اني لما انزلت الي من خير فقير غاية احدنا اذا اجتهد وبذل ثم ساق الله على يديه خيرا ان يقول اللهم لك الحمد. الخير منك العبد عبدك والفضل فضلك امرك فيعترف بعجزه وينسب الفضل الى الله. هذا صريح في قوله ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا. نعم قال رحمه الله قال بعض المتكلمين عاتب الله تعالى الانبياء عليهم السلام بعد بعد الزلات وعاتب نبينا عليه السلام قبل وقوعه ليكون بذلك اشد انتهاء ومحافظة لشرائط المحبة. وهذه غاية العناية ثم انظر كيف بدأ بثباته وسلامته قبل ذكر ما عتب ما عتبه عليه وخيف ان يركن اليه. ففي اثناء عتبه وفي طي وفي طي تخويفه تأمينه وكرامته. يقصد ان العتبة ها هنا ما بلغ انما هو بامتنان فجعل عدم الركون قبل ان يقع الركون هو بمثابة الامتنان والعصمة له عليه الصلاة والسلام قال ان يكون بذلك اشد انتهاء ومحافظة لشرائط المحبة. اما قوله ان الله جعل عتابه لنبيه عليه الصلاة والسلام قبل وقوعه ما يستحق العتب فليس هذا على اطلاقه. ان كان هذا متسقا مع الاية ففي غيرها من الايات ما اثبت وقوع العتب بعد وقوع المواقف في مثل قوله عبس وتولى ان جاءه الاعمى وفي مثل قوله تعالى ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يدخل في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة والله عزيز حكيم نعم ومثله قوله تعالى قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك. ولكن بايات الله يجحدون قال علي رضي الله عنه قال ابو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به انزل الله تعالى فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم لما كذبه قومه حزن. فجاءه جبريل عليه السلام فقال ما يحزنك؟ قال قال كذبني قومي فقال انهم يعلمون انك صادق. فانزل الله تعالى الاية. الرواية الاخيرة ليس لها اسناد تثبت به لكن معنى الاية قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون. اي كفار قريش. فما الذي كانوا يقولون ما الذي كانوا يقولون؟ ساحر وكذاب وشاعر ومجنون. قال الله قد نعلم انه ليحسنك الذي يقولون انهم لا يكذبونك يعني يا محمد ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. بالله عليك اي وقع لمثل هذه الاية في فؤاد رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ يحوط به الحزن على تكذيب قومه فيقول له ربه ثق تماما انهم لا يكذبونك وانك لا زلت صادقا في قلوبهم وفي افئدتهم وفي نفوسهم ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. ما هو الا العناد. اما انت فلا تزال الصادق الثقة امين عندهم رغم تكذيب الرسالة ورغم العناد والجحود. الشاهد ها هنا انظر الى عظيم وقع مثل هذه الايات من الوحي في قلب رسول الله عليه الصلاة والسلام. وفي هذا ولا شك من عظيم المنزلة انه مع تكذيب البشر له. الا ان ذلك لم يخدش في مكانته لشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم. اما هو فمع تكذيبهم وعنادهم لا يزال الصادق لا يزال الامين. لا يزال رفيع المنزلة لا يزال اجل من ان يكذب. فلما كذبوا؟ قال ولكن الظالمين بايات الله يجحدون فالمعنى ها هنا انه عليه الصلاة والسلام قد تربع على عرش الامانة والصدق والوفاء ورغم تكذيب الاعداء الا انه كان كذلك في اعينهم في ابصارهم في قلوبهم وافئدتهم ويأتي الوحي مصدقا لهذا المعنى الذي هو غيب فلا يعلم ما في القلوب الا الغيوب سبحانه وتعالى نعم قال رحمه الله ففي هذه الاية منزع لطيف المأخذ من تسليته تعالى له عليه السلام والطافه به في القول بان قرر بان قرر عنده انه صادق عندهم وانهم غير مكذبين له معترفون بصدقه قولا واعتقادا وقد كانوا يسمونه قبل النبوة الامين. فدفع بهذا التقرير ارتماض نفسه بسمة الكذب ثم جعل الذم لهم بتسميتهم جاحدين ظالمين فقال تعالى ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. فدفع بهذا تقرير ارتماض نفسه بسمة الكذب. ارتماض نفسه يعني الا يقع هذا الكلام في نفسه يعني تكذيبهم ووصمهم هم بتلك الالقاب والعبارات من التكذيب والوصف بالسحر والشعر والجنون. الا يقع هذا في قلبه موقعا يحزنه عليه الصلاة والسلام والا يشتد عليه فيزعجه او يكون مؤثرا في قلبه. فقال ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. نعم فحاشاه من الوصم وطوقهم بالمعاندة بتكذيب الايات حقيقة الظلم اذ الجحد انما يكون ممن علم الشيء ثم انكره كقوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلموا وعلوه ثم عزاه وانسه بما ذكره عمن قبله. ووعده ووعده النصر بقوله تعالى. ولقد كذبت رسل من قبل قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى اتاهم نصرنا. ولا مبدل لكلمات الله. ولقد جاءك ان نبأ المرسلين. نعم. في قوله رحمه الله تعالى فحاشاه من الوصم حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم من العيب العيب الذي تلفظت به الفاظ كفار قريش لما وصفوه بالسحر والشعر والكذب والجنون ووصموه ايضا بما عنه كرام القوم لكن والله ما حملهم على ذلك الا تكذيبهم بالنبوة والا فهو في شخصه ما زال عزيزا في بهم ولو كذبوه ما زال امينا في ابصارهم ولو خالفوه ما زال وفيا ثقة عظيما ولو عاندوه عليه الصلاة والسلام. يا قوم هذه الصفحة من علم الغيب يكشفها الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام. تدري تدل على اي شيء تدل على انه عليه الصلاة والسلام قد جعل الله له في قلوب الخلق موافقين او مخالفين اتباعا او كفارا مكذبين جعل الله تعالى له منزلة راسخة لا تتزعزع تختلف المواقف ايمانا وكفرا تصديقا وتكذيبا لكنهم يشتركون في امر واحد على السواء انهم له عندهم من الاحترام والاجلال والمهابة بل والتصديق وجعله محل الثقة والامانة على الاطلاق مهما اختلفت المواقف هذا شيء عظيم يا قوم ان يكون له هذا الامر الفطري المغروز في قلوب العباد وقد تبوأ صلى الله عليه وسلم تلك المنزلة ليس فقط قذفا من ربنا سبحانه وتعالى في قلوب الخلق له بل ومع ذلك ما كان يصدر عن من اقوال وافعال ما حفظت قريش عنه قبل النبوة ولا بعدها. ما يمكن ان يخل بصدقه او امانته او فايه فاجبرهم على ان يفرضوا له كامل الاحترام والتقدير. كم نحتاج في مقام القدوات؟ ان نكون على حد سواء لا يرى الناس منا الا صدق القول والعمل. صدق الخلق وكريم الطبع. اذا اردنا اذا رمنا اذا ما حرصنا على ان يكون لنا مكانة حظية يكون لها قبول وتأثير واتباع حسن فيما ننشده من اصلاح من حولنا من اولادنا اهل بيوتنا جيراننا الناس من حولنا والامة كلها عندما يحمل حب الخير صاحبه على ان يقود الناس نحو دلالة بالخير والهدى فانه ينبغي ان ينظر مليا الى هذا المعنى الكبير. ما جعل الله في قلب احد من البشر على نبيه عليه الصلاة والسلام من ولا مذمة منزلة العظيمة والمكانة الرفيعة له في قلوب البشر صلى الله عليه وسلم انما تبوأها بكرم الله اولا ثم بما حباه الله تعالى به من كريم الخلق ورفيع التعامل الذي وجده الناس منه قبل النبوة وبعدها صلى الله عليه واله وسلم نقف هنا لنستأنف ليلة الجمعة المقبلة ان شاء الله تعالى في تتمة هذا الفصل هذه اخت سائلة تقول زوجي يمنعني من لباس القفازين والجوارب ويرى ذلك من التشدد فما توجيهكم التوجيه في هذا وغيره رعاكم الله ان معيار التشدد او التساهل ينبغي ان يوزن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ثبت فيه فهو الوسط وهو العدل الذي لا يجوز خلافه ولا الابتعاد عنه قربا او بعدا او يوصف غيره بانه اولى منه اطلاقا قوله عليه الصلاة والسلام في شأن المرأة اذا احرمت لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين دليل على انها في غير احرامها مأمورة بالستر في كامل جسدها. وان لبس القفازين مما يعينها على ستر كفيها وان القدمين كذلك انما تستر سواء باللباس الساتر الطويل الذي لا تنكشف معه القدم حال المشي. وتتابع الخطوات او بلبس الجوارب. والمرأة في جملة النصوص الشرعية مصونة مأمورة بالستر والاحتشام. فمعيار التشدد او الترخص والتساهل ما ثبت في نصوص الشريعة. فان ثبت ذلك فلا يليق بمؤمن الا ان يحمل نفسه رضا وتسليما وانقيادا في الاقبال والقبول لما ثبتت به نصوص الكتاب والسنة وحمله النفس عليه ان تطيب الخواطر به اولا. ثم حمل اهل البيت والنفس عليه تطبيقا وعملا. ثم حمل الامة من حولنا عليه نصح وارشادا وتوجيها وهذا اخ يقول ماذا افعل ان سمعت انسانا يشتم النبي صلى الله عليه وسلم خاصة في هذا الزمن هذا ينقسم الى انواع رعاك الله فان كان الشاة مخارجا من الملة كافرا معاديا فلا يحمله ذلك الا جهل او حسد ومثل ذلك الاولى بنا ان نقول فيه ما الذي نفعله؟ حتى يكون البشري حتى تكون البشرية على علم كامل بحق رسول الله عليه الصلاة والسلام على الامة بمنزلته بكريم اخلاقه بعظيم شمائله. هذا القصور الذي اصاب القوم هو جزء من تفريطنا نحن يا امة الاسلام. ان لم نحسن اظهار