بسم الله الرحمن الرحيم. ايها الاحبة الكرام يطيب لاسرة تسجيلات الامام البخاري الاسلامية مكة المكرمة ان تقدم لكم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الكبير المتعال الكريم المنعم المتفضل ذي الجلال والاكرام. احمده تعالى حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي الى رضوانه. صلوات ربي وسلامه عليه وهو القائل اكثروا الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا. اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين. وصحابته الغر الميامين والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. اما بعد ايها الكرام فهذه ليلة الجمعة. وهذا بيت الله الحرام. وهذا سيرته وحقوقه وشمائله عليه الصلاة والسلام. يا كرام ما زال مجلسنا هذا في كتاب الشفاء عاطرا بكثرة الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. كلما ذكر اسمه او نص بشأنه او حق من حقوقه صلوات ربي وسلامه عليه. يحوطنا الشرف ويأسرنا الحب يسموا بنا الفخر بكثرة صلاتنا وسلامنا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في ليلة كهذه في مكان كهذا بيت الله الحرام في مجلس كهذا نقلب فيه الصفحات في حقوقه العظيمة. صلوات الله وسلامه عليه وما المراد والله الا عمران القلوب بمحبة صادقة لاعظم بشر وجبت له المحبة على صلى الله عليه واله وسلم لتكون صلاتنا وسلامنا عليه صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة فئة عن قلوب قد عمرت بالحب الصادق له عليه الصلاة والسلام. بعدما امتلأت بعظيم المعرفة بشأنه وعظيم قدره صلوات الله وسلامه عليه. فكلما عظم شأنه في القلوب زادت محبته صلى الله عليه وسلم. ولن يعظم وشأن المصطفى صلى الله عليه وسلم في قلب امرئ مسلم الا اذا عرفه حق المعرفة. فقدره حق قدره صلوات الله وسلامه عليم وهذه ايات الله في كتابه الكريم. واحاديث السنة الشريفة واخبار السيرة العطرة وما نقلته الروايات المحفوظة كلها ناطقة بعظيم قدر هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه. كم نحن بحاجة ان نغتر فمنها اغترافا كبيرا وان نعب منها حتى تمتلئ القلوب بهذه المعرفة فتعود تشتعل فيها قلوب الحب صلى الله عليه وسلم بعدما اخذت حقها من تعظيم قدره ومكانته اللائقة به صلى الله عليه وسلم وعند ستكون صلاتنا وسلامنا عليه صلاة وسلاما تنبغ حبا وتعترف له قدرا. وعندئذ ايضا يشعر اهل احدنا بعظيم الشرف والفخر كلما صلى وسلم عليه صلى الله عليه وسلم وهو يذكر الحديث الصحيح ما من مسلم اسلم علي الا رد الله علي روحي حتى ارد عليه السلام. فلن يسع احدنا الفخر ولا الشرف وهو يشعر انه كلما صلى وسلم على نبيه صلى الله عليه وسلم كان له من الشرف رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليه كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم. للامام القاضي عياض ابن موسى الياحوبي رحمة الله عليه ما زلنا نتصفح فصوله في الكتاب الاول وقف بنا الحديث عند الفصل الثامن الذي نشرع فيه الليلة. وربطا لما سبق بما ما سيلحق فان الباب الاول الذي ما زلنا في فصوله خصه المصنف رحمه الله لبيان عظيم قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريف مكانته عند ربه. فالتقط رحمه الله المواضع من الكتاب الكريم التقاطا. واحسن في بها ورصفها وتصنيفها وجمع بعضها الى بعض فجعلها في فصول. خص كل فصل بجانب من جوانب ايات القرآن قال التي تتحدث عن عظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيما نقرأ ونسمع ونحفظ ونردد من كتاب الله من اجل ان تكون لنا عناية بادراك هذه المعاني المضمنة في كتاب الله. وان يكون لنا التفات واسع الى هذا اذ هو اصل من اصول الايمان. وعروة من عرى العقيدة معشر الكرام هو معرفة حق رسول الله صلى الله عليه وسلم والانقياد الى عظيم ما جاء في كتاب الله الكريم من عظيم المنزلة لهذا النبي العظيم صلوات الله وسلامه عليه. اما ان ليلتكم هذه ليلة الجمعة التي يستحب لنا فيها الاكثار من الصلاة والسلام عليه. فان اكثر ما يعيننا في مقام كهذا استبق في الاستكثار ان يكون احدنا قد رزق توفيقا في مجلس كهذا يقف على عظيم شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم وعظيم مكانته وعظيم قدره وما بوأه الله تعالى من منازل الشرف والسيادة والفخر والكرم. فيقوم احدنا وقد انطبع في قلبه اثر لهذا المعنى العظيم من حقه العظيم صلى الله عليه وسلم. وعندئذ لن تكون الصلاة والسلام مجرد عبارات تحركوا بها اللسان بقدر ما هو استشعار لعظيم القدر وشريف المكانة. وان يشعر احدنا انه باستكثاره من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم انما يزداد من هذا المعنى العظيم الذي مضى ذكره في مجالس متعددة. هذا الفصل الثامن الذي فيه الليلة جعله المصنف رحمه الله للون اخر. من الوان شريف المكانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله كما جاء في القرآن وسيسرد لنا جملة من الايات في هذا الفصل الذي عنونه رحمه الله بقوله في اعلام الله تعالى خلقه بصلاته عليه وولايته له ورفعه العذاب بسببه صلى الله عليه واله وسلم. نعم بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال المصنف رحمه الله تعالى الفصل الثامن في اعلام الله تعالى خلقه بصلاته عليه وولايته له ورفعه العذاب بسببه. يقصد رحمه الله ستقف الان على بعض الايات التي اعلم الله فيها خلقه اي اخبرهم بصلاته سبحانه عليه يعني على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بعد قليل. واخبرنا الله ايضا بانه تولاه بولايته سبحانه له عليه الصلاة والسلام ورفعه العذاب بسببه فكان بابي وامي هو صلوات الله وسلامه عليه سببا يدرأ به العذاب عن الامة كما سيأتي في النصوص التالية. نعم قال الله تعالى وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم. اي ما كنت بمكة. فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وبقي فيها من بقي من المؤمنين نزل وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. وهذا مثل قوله لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما. وقوله تعالى ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطأوهم فتصيبك فتصيبكم منهم معرة بغير علم. ليدخل الله في رحمته من يشاء. فلما هاجر المؤمنون نزلت وما لهم الا يعذبهم. وما لهم الا يعذبهم الله. وهذا من ابين ما يظهر مكانته صلى الله عليه وسلم. صلوات الله وسلامه عليه بدأ المصنف رحمه الله بهذه الاية اية الانفال وفيها يقول ربكم عز اسمه وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم يعني يا محمد ما معنى وانت فيهم؟ يعني وانت معهم بمكة بين اظهرهم. وقد كفروا وكذبوا وصدوا عن سبيل الله. فما الذي بينهم وبين عذاب الله ما الذي منع عنهم عذاب الله وقد كفروا وكذبوا وصدوا وحاربوا واعرضوا وقد استوجبوا العذاب. فما الذي درأ عنهم عذاب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل ذاك الا دليل على عظيم قدره عند ربه ان تبلغ كرامته صلى الله عليه وسلم عند ربه ان يرحم الله فئة من عباده كفروا وكذبوا وصدوا لاجل بقاء رسول الله عليه الصلاة والسلام بينهم هذا معنى قوله وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم. عفوا هم لم يكفروا فقط ويكذبوا فحسب. ويصدوا ويعرضوا فقط لا بل هم سألوا العذاب وطلبوه. وفي الاية قبلها واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء. او ائتنا بعذاب اليم. فانظر كيف طرقوا ابواب العذاب. وسألوه ويدعون الله تعالى به عياذا بالله ومع انهم مستحقين للعذاب من كل وجه. لانهم كفرة وكذبة ومن صد عن سبيل الله واذى الله صلى الله عليه وسلم بل تجاوزوا فوق ذلك مرتبة وسألوا العذاب وطلبوه وتحدوا به. فانظر كيف استحقوا والعذاب من كل وجه ومع ذلك يقول الله وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم. اي شأن هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند الله عباد الله. اي مكانة هي واي عظيم قدر تبوأه رسولنا صلى الله عليه وسلم ان يحل هذه ثبت العظيمة قال الله وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم اي ما كنت بمكة يعني قبل الهجرة. فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم فما الذي منع عنهم العذاب؟ وقد خرج بعد ثلاث عشرة سنة ولم ينزل بمكة عذاب لكفار قريش ولا استأصلهم عن بكرة ابيهم ولا اتاهم شيء من عذاب الله الذي يزيلهم اذا كان السبب الذي منع الله به العذاب هو بقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد خرج فلما لم يحل بهم العذاب الجواب لانه بقي لهم الامان الثاني. قال الله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. فهذان امانان كما جاء عن ابن عباس سيأتي بعد قليل. هذان امانان احدهما وجود رسول الله عليه الصلاة والسلام بينهم. والاخر استغفاره استغفار من قال المصنف هنا رحمه الله فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وبقي فيها من بقي من المؤمنين وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. يعني رحم الله الفئة المؤمنة الباقية بمكة. المستضعفة التي ما جرت بعد ولم يزل بين كفار قريش وبين ظهرانيهم من المسلمين والمؤمنين من بقي حتى فتح مكة قيل كانوا سبعة وقيل كانوا تسعة لكن يوجد هناك من اهل الايمان من بقي بمكة فبهم درأ الله العذاب وحمى كفار قريش ان تحل بهم مصيبتهم او صاعقة من السماء او عذاب اليم رحمة بهؤلاء. قال وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. فاشار المصنفون رحمه الله الى ان الامانة الثاني هو الفئة المؤمنة الباقية بمكة قال الطبري شيخ المفسر رحمه الله اي وانت مقيم بين اظهرهم فلما استغفر قال وانت مقيم بهم بين اظهرهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. فاستغفر من بها من المسلمين فانزل الله حين استغفر بها وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. ثم خرجت البقية ممن كان بمكة فنزل قوله تعالى وما لهم الا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا اولياءه. في مسلم ان ابا جهل هو الذي قال اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك. وفيه نزلت الاية واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم. فنزلت الاية كما سمعت اذا هذان امانان. يقول ابن عباس رضي الله عنهما كان فيهم امانان نبي الله والاستغفار. فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار. ومثله ثبت ايضا عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قوله انه كان قبل امانان. اما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى واما الاستغفار فهو دائر فيكم الى يوم القيامة. ثم قال المصنف القاضي عياض وهذا مثل قوله تعالى لو تزينوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما. اتى باخر الاية ثم ساق اولها فقال ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطأوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم. ما علاقة الاية بما قبلها. اراد رحمه الله الاية التي جاءت في سورة الفتح هذه وهي تحكي كيف ان الله عز وجل جعل في قصة الحديبية سببا لانصراف النبي صلى الله عليه وسلم. ومن معه من المسلمين الا يدخلوا مكة كان هذا رحمة بمن فيها من الفئة المؤمنة. قال الله تعالى ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم. يعني من من اسر ايمانه بمكة من الرجال والنساء وهم قلة. قال ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطأوهم يعني ربما وقعت عليهم سيوفكم فقتلوا لانهم لا يعلم اسلامهم ولو اظهروه حينها لاتهموا بانهم يظهرون اسلام صيانة لانفسهم ودرءا للقتل. وما كانوا ليصدقوا لكن الله يعلم. فرحم وقدر سبحانه ان لا يكون جيش الاسلام دخول لمكة حفظا لهؤلاء. ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطأوهم. فتصيب منهم معرة يعني اثم ومغرم. لو حصل هذا فتصيبكم منهم معرة بغير علم. ليدخل الله في من يشاء ثم قال الله لو تزينوا لو تزيلوا يعني لو تميزوا وانفصلوا وانفصل اهل ايماني عن اهل الكفر في فئتين متقابلتين وصفين متقابلين وجيشين متقابلين. لسلم ذلك. فلو تزيلوا لو انفصل اهل الايمان وتميزوا وحازوا عن اهل الكفر لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما. فماذا فهمت اذا ان الله يدرأ العذاب عن كفار قريش انذاك بسبب من فيهم من اهل الايمان. والا فانهم لو تمايزوا عنهم لو تزينوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما. اراد المصنف رحمه الله ان يشهد للقول الاول وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ان الفئة الباقية المؤمنة ايضا امان من الله. يدرأ به العذاب واستشهد بقصة اية الفتح وانها كذلك تؤيد ان وجود اهل الايمان درء للعذاب العام رحمة من الله. قال المصنف رحمه الله فلما هاجر المؤمنون نزلت ما لهم الا يعذبهم الله وهذا من ابين ما يظهر مكانته صلى الله عليه وسلم. نعم. ودرأ به العذاب عن اهل مكة بسبب كونه. ثم كون اصحابه بعده بين اظهره بسبب كونه اي بسبب وجوده ثم كوني اصحابه ثم وجود اصحابه بعده. فلما خلت مكة منهم عذبهم الله بتسليط المؤمنين عليهم. وغلبتهم اياهم وحكم فيهم سيوفهم واورثهم ارضهم وديارهم واموالهم. وفي الاية ايضا تأويل اخر. هذه خلاصة ما ساقه المصنفون رحمه الله في تفسير هذا المعنى وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم فهذا مفهوم واضح لا اشكال فيه. وما الله معذبهم وهم يستغفرون. الظمير ها هنا عائد الى من الى الفئة المؤمنة التي بقيت بمكة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانوا ايضا امانا ثانيا لمكة ومن فيها من كفار قريش. فكانوا امانا اخر بهم درأ الله العذاب. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون هذا المعنى الذي ذكره الامام القاضي عياض ذكره وهو احد القولين لدى اهل التفسير وبقي قول اخر اشار اليه المصنف هنا بقوله وفي الاية ايضا تأويل اخر. ما التأويل الاخر؟ التأويل الاخر ان قوله سبحانه وتعالى وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ليس المراد به الفئة المؤمنة الباقية بمكة بل المراد به كفار قريش انفسهم. وهذا اقرب الى ظاهر السياق. لان الضمير يعود الى المعذب وهم كفار قريش تأمل معي يقول الله تعالى وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم من هم كفار قريش ما كان الله ليعذبهم وانت فيهم يا محمد وما كان الله معذبهم من هم؟ كفار قريش وهم يستغفرون من هم؟ فالاقرب في السياق وعود الضمائر ان يكون المقصود ايضا كفار قريش. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. لكن الذي يشكل ربما على هذا السياق هو ان كفار قريش هل كانوا يستغفرون حتى يقول الله عنهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ها هنا جوابان احدهما نعم استغفروا بعد ما كانت تلك الواقعة وتلك المقولة فانهم لما قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من لما بدرت منهم هذه المقولة ندموا على ذلك. فاصبحوا يقولون وهم يطوفون بالبيت غفرانك اللهم غفرانك ان سألوا العذاب ورأوا ان هذا من الجرأة على الله وان كانوا غير مؤمنين ولا موحدين ولا مصدقين برسول الله صلى الله عليه وسلم لكن لا شك ان ايمانهم بربوبية الله كانت قائمة. وكانوا يعترفون بخلق الله لهم. بل وخلقه سبحانه للارظ والسماء والشمس والقمر ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله. فهذا اصل الايمان كان عندهم ولذلك لما سألوا العذاب هابوا ما صنعوا ولذلك استغفروا فوردت الرواية انهم اصبحوا يطوفون بالبيت يقولون غفرانك اللهم غفرانك. فكان المقصود استغفارهم هذا فقال وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. وقيل في تأويل اخر ان معنى وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون اي يسلمون بمعنى ان الله سيدفع عنهم العذاب فيما لو اسلموا. فيكون اسلامهم اظفارهم بعد اسلامهم سببا لتمحى به كل سالف ايامهم واقوالهم وافعالهم. كما قال عليه الصلاة والسلام عمر بن العاص اما علمت ان الاسلام يهدم ما كان قبله؟ فالاسلام يجب ما قبله ويهدم ما قبله ومن تاب وامن وعمل صالحا غفر الله له ما كان منه قبل اسلامه. فهذا معنى اخر تجاوزه القاضي عياض واشار اليه اشارة بقوله وفي الاية ايضا تأويل اخر. لكن هذا التأويل الاخر الموجود في الاية. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. يعني كفار قريش هذا القول صار اليه عدد ليس بالقليل من اهل التفسير. بل ورجحه الامام الطبري رحمه الله لانه كما قلت لكم هو الاقرب الى ظاهر وعود الضمائر اليه يساعد عليه. لكن فيه معنى عجيب يا احبة. وتأمل معي. يقول الله عن كفار قريش وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. فما الذي رد عنهم عذاب الله وهم كفار الاستغفار فبالله عليك اذا كان هذا الاستغفار وهذا اثره على كافر بالله فكيف بمؤمن يقول اشهد ان لا لا اله الا الله كيف بمسلم يحب الله؟ كيف بمسلم يعبد الله ويوحده؟ كيف بعبد مؤمن مهما بل واخطأ مهما فجر مهما اذنب وعصى مهما وقع في مستنقع الاثام اذا قال استغفر الله اي شأن هو يا كرام للاستغفار في حياة العباد. اذا كان هذا شأنه مع الكفار على كفرهم بالله. فيقول الله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون لنفهم اذا ان الاستغفار مفتاح من مفاتيح الرحمة التي يدرأ بها عذاب الله ونقمة الله وسخط الله. عبد الله ليس مطلوبا منك ان تكون معصوما فلن تكون. ولست ملكا حتى تتنزل عن المعاصي والاثام لكن المطلوب ان تكون عبدا عاقلا يعرف طريق العودة الى الله. فاذا اذنب قال استغفر الله. وعند اذ يقول الله له علم عبدي ان له ربا يغفر الذنب غفرت لعبدي. فكلما عاد واستغفر عادت اليه مغفرة الله ورحمته. يا احبة هذا مقام لا يتسع البسط فيه للحديث عن مقام الاستغفار. وعظيم شأنه في حياة العباد لكن والله لنا رب عظيم عفو غفور. يفرح بتوبة عبده ويأمر بها. وكفاكم بمثل هذه الاية وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. فما على احدنا الا ان يقبل على ربه ويعرف ان هذا الباب ما زال مفتوحا. يطرقه كلما قصر وكلما اذنب وكلما وقع به الشيطان في زلة وخطيئة ومعصية فان له ربا يفتح الباب ويقول يا عبدي واقبل وعد والله عز وجل عفو غفور. نعم. حدثنا القاضي الشهيد ابو علي رحمه الله بقراءتي عليه قال حدثنا ابو الفضل بن خيرون وابو الحسين الصيرفي. قالا حدثنا ابو يعلى ابن زوج الحرة. قال حدثنا ابو علي السنجي. قال دفن محمد بن محمود المروزي قال حدثنا ابو عيسى الحافظ قال حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا ابن نمير عن اسماعيل عن عن اسماعيل ابن ابراهيم ابن مهاجر عن عباد ابن يوسف عن ابي بردة ابن ابي موسى عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل الله علي اماني انزل الله علي امانين لامتي وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. فاذا مضيت تركت فيهم الاستغفار. نعم ام هذا ايضا يشهد لما سبق من المعاني؟ وهو ان الله عز وجل قد جعل نبيه صلى الله عليه واله وسلم امانا ساق المصنفون رحمه الله تعالى الحديث كما هو في سنده من طريق الامام الترمذي في جامعه. وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لم انزل الله علي امانين لامتي. ما الامان الاول بقاؤه عليه الصلاة والسلام. وكان هذا امانا وقفلا يدرأ به العذاب طالما بقي فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واما الامان الاخر فهو الاستغفار. قال عليه الصلاة والسلام انزل الله علي امانيين لامتي. وما كان الله ليعذب وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون. قال فاذا مضيت يعني اذا قبض الله روح نبيه عليه الصلاة والسلام ومضى وفارق امته ولحق بالرفيق الاعلى فان الله من رحمته بالامة ان ابقى امانا اخر بين ايديهم. قال فاذا مضيت تركت فيهم الاستغفار. وهذا يدل كما مر بكم في تفسير الاية. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون سواء حملت الظمير على الفئة المؤمنة الباقية بمكة او على كفار قريش وهم يستغفرون فان المؤدى واحد ان الاستغفار باب وامان من الله عز وجل ان يحل العذاب. هذا الحديث الذي ساقه المصنف من طريق الامام الترمذي فيه ضعف ويشهد له احاديث اخر تدل على هذا المعنى اي معنى ان الاستغفار امان من الله سبحانه وتعالى الامام احمد والحاكم بسند صحيح قوله عليه الصلاة والسلام ان الشيطان قال وعزتك يا رب لا ابرح اغوي عبادك ما دامت ارواحهم في اجسادهم ان الشيطان قال وعزتك يا رب لا ابرح اغوي عبادك ما دامت ارواحهم في اجسادهم. فقال الرب وعزتي وجلالي لا ازال اغفر لهم ما استغفروني اخرجه الحاكم وصححه. وعند احمد ايضا بلفظ اخر قوله عليه الصلاة والسلام العبد امن من عذاب الله ما استغفر الله عز وجل استغفر الله استغفر الله. والله كم يرزق العبد توفيقا اذا اجرى على لسانه في كل حين استغفر الله يحكى ان بكر بن عبدالله المزني وقيل غيره من علماء السلف وفقهائهم. كان يمشي في غابة خلف حطاب رجل فقير من العامة صنعته قطع اشجار الغابة وصناعتها حطبا يبيعه فلما مضى معه في الطريق وطوال المسافة حتى وصلوا المدينة ولا يزال هذا الحطاب يقول كلما مشى خطوة الحمد لله استغفر الله ولم يتجاوز هاتين الكلمتين. فلما اشرفا على المدينة قبل الوصول سأله هذا الفقيه قائلا يا رجل الا تحسن غير هاتين الكلمتين يعني الذكر باب واسع. فما بالك لزمت هاتين الكلمتين لدون سواهما؟ فقال الحطاب ابدا لكني نظرت اذا بي في احد حالين اما انا في نعمة من الله فاحمده عليها او في ذنب وتقصير فاستغفر الله عليه قال الرجل كل انسان افقه من بكر يعني هذا الرجل افقه مني واعلم بالله لانه فطن ما الذي يمكن ان يملأ به وقته بل صحيفته الاستغفار ما ادمنه عبد الا جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا الاستغفار كما قال الله سبحانه وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يمتعكم متاعا حسنا. الى اجل مسمى ويؤتي كل ذي فضل فضله. وقال على السنة الانبياء فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا. وقال على لسان الاخر عليهم جميعا وعلى نبينا الصلاة والسلام. وان استغفروا ربكم ثم ثم توبوا اليه يرسل السماء عليكم ويزدكم قوة الى قوتكم. يا اخوة باب الاستغفار باب عظيم. ومقامه شريف العبد كلما اقترب من ربه اكثر من الاستغفار. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. اعظم البشر مكانة عند ربه. وانزههم عن ما عصيته وخطيئته. يقول والله اني لاستغفر الله واتوب اليه في اليوم الواحد اكثر من سبعين مرة. وفي رواية مائة مرة هذا التكرار انما هو لدلالة هذه القلوب النقية الطاهرة على شرف الاستغفار وفضله. فعندئذ يدرك احدنا ان عبادة كالاستغفار لا تكلفه طهارة ولا استقبال قبلة ولا شروطا تحف بها ما هو الا قائم وقاعد ومضطجع يحرك لسانه باستغفر الله. فكلما رزق العبد توفيقا وسدادا لزم الاستغفار وادمنه وجعله جاريا على لسانه وفقنا الله واياكم لنيل مغفرته ورضوانه نعم ونحو منه قوله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين. وقال عليه السلام انا لاصحابي قيل من البدع وقيل من الاختلاف والفتن. ونحو منه قوله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين. في الاية دلالة على انه صلى الله عليه وسلم امان للامة. امان للامة مؤمنها وكافرها. لان الله قال وما ارسلناك الا رحمة لمن قال للعالمين ما قال للمؤمنين؟ ما قال للمسلمين؟ لما قال للعالمين ويدخل فيهم المؤمن والكافر دلت الاية على ان الرحمة ببعثته صلى الله عليه وسلم وبرسالته تعم المؤمن والكافر على حد سواء. وقد تقدم هذا بكم مفصلا في اول فصل في الكتاب وان قوله وما ارسلناك الا رحمة للعالمين. تنال هذه الرحمة اهل الايمان بايمانهم كان قائدهم الى الجنة صلى الله عليه وسلم. ودلهم على طريقها وفتح لهم ابوابها. واما الكافر فرحمة رسالة الله عليه الصلاة والسلام تناله ايضا. وهو بتأخير العذاب عنه الى يوم القيامة. فكانت رسالته رحمة حتى على الكفرة والمشركين وهذا المعنى في العموم يشهد له ما مر في السياق وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم. غير ان هذه الاية اوسع من لان الاية الاولى وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم افادت الامان طيلة بقاء رسول الله عليه الصلاة والسلام وهذه الاية تدل على عموم الرحمة برسالته. وما ارسلناك الا رحمة للعالمين. ثم ساق المصنف القول في في حديث عليه الصلاة والسلام انا امان لاصحابي. قيل من البدع وقيل من الاختلاف والفتن. الحديث اورده المصنف مختصرا الامام مسلم في صحيحه رحمة الله عليه بالرواية ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء. يجلسون في المسجد ولا يعودون الى بيوتهم. قال فخرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما زلتم ها هنا قال فقلنا يا رسول الله انا صلينا معك المغرب فقلنا لو جلسنا حتى نصلي معك العشاء. قال فرفع فقال عليه الصلاة والسلام طبتم او قال احسنتم. اثنى عليهم صنيعهم ببقائهم في المسجد. قال ثم رفع عليه الصلاة والسلام رأسه الى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه الى السماء ثم قال النجوم امنة للسماء. فاذا ذهبت النجوم اتى السماء ما توعد وانا امانة لاصحابي. فاذا ذهبت اتى اصحابي ما يوعدون واصحابي امنة لامتي. فاذا ذهب اصحابي اتى امتي ما يوعدون فبين عليه الصلاة والسلام ان بقاءه امان لاصحابه. وان بقاء اصحابه في الامة امان امة فانظر كيف قرنها علامات يرتبط بعضها ببعض. وابتدأ بالنجوم. قال النجوم امنة للسماء. فاذا ذهبت النجوم اتى اما توعد متى تذهب النجوم اذا كان يوم القيامة واذا النجوم انكدرت تناثرت وتساقطت فاذا زالت النجوم تشققت السماء وانفطرت فكل علامة ترتبط ووجه الشبه يا كرام ان النجوم زينة السماء وان السماء اعظم خلقة لكنها علامة بزوالها على زوالها. فاذا النجوم كان ايذانا بزوال السماء وهو عليه الصلاة والسلام كالنجوم لامته فاذا ذهب عليه الصلاة والسلام انتظرت الامة ما توعد. وانما توعد الامة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام حلول الفتن والفرق والاختلافات وتسلط العذاب وتسلط الاعداء وكثيرا مما نشهده اليوم وشهدته الامة قبل وما ستشهده بعدنا. ولن يكون الا الفتن المتوانية التي يأخذ بعضها برقاب بعض. وحدث هذا. مات عليه الصلاة والسلام فحل في اصحابه شيء من الفرقة والاختلاف مما لم يكن بينهم حال حياته عليه الصلاة والسلام. ومما يجب علينا يا اهل السنة الكف عن الخوظ فيه. وعن الترضي عنهم جميعا. وعن توفير حبهم واحترامهم وتقديرهم عنهم جميعا رضي الله عنهم. فلما ذهب الصحابة وانقرض جيلهم زادت الفتن في الامة. وزادت الفرقة والاختلاف وعم البلاء كل ذلك مصداق ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام وانا امنة لاصحابي فاذا ذهبت اتى اصحابي ما يوعدون واصحابي لامتي فاذا ذهب اصحابي اتى امتي ما يوعدون. والشاهد مما اراده المصنف هنا قوله عليه الصلاة والسلام انا امنة او وانا امان لاصحابي. اذا هو امان. وبقاؤه عليه الصلاة والسلام حيا بين اظهرهم. كان امانا من الله بوابة من بوابات الرحمة الالهية التي يدرأ بها ليس العذاب فقط بل كل ما هو شر وفرقة واختلاف قال المصنف امان قيل من البدع وقيل من الاختلاف في الدين وحقا. فما وقعت البدعة في حياته عليه الصلاة والسلام. ولا اختلفت امته في حياته في شيء من دينهم فرقة توجب التشتت والاختلاف. حاشا فكان بقاؤه امانا عليه الصلاة والسلام. نعم قال بعضهم الرسول صلى الله عليه وسلم هو الامان الاعظم ما عاش. وما دامت سنته باقية فهو باق واذا اميتت سنته فانتظروا البلاء والفتن. هذا معنى بديع اخر. يشير الى ان بقاؤه عليه الصلاة والسلام نوعان بقاء حقيقي وبقاء حكمي. اما البقاء الحقيقي فبقاء الجسد الطاهر الشريف صلى الله عليه وسلم. طيلة حياته التي امتدت ثلاثا وستين سنة. هذا البقاء الحقيقي. هذا البقاء الحسي. الذي كان ببقائه عليه الصلاة والسلام امانا من الله لا شك ولا مرية ولا اختلاف. وهو الذي يتوجه اليه الاية وظاهرها ابتداء وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم. وهو ايضا يمثله حديث صحيح مسلم انا امنة لاصحابي. فقوله انا وقول الله وما كان الله ليعذبهم وانت في يراد به بقاؤه حقيقة عليه الصلاة والسلام وهو بقاء جسده الحسي. اما البقاء الاخر فهو البقاء المعنوي والبقاء الحكمي لو سألتكم الان هل رسول الله صلى الله عليه وسلم باق بيننا يا امة محمد عليه الصلاة والسلام ستشعر بشيء من الفرح والغبطة ان تقول اي والله انه بيننا بسنته. طالما ظلت راياتها مرفوعة في الامة لم يغب عليه الصلاة والسلام عن الامة. عندما تلتفت فتبصر تطبيق السنن يمينا وشمالا. اوساط الرجال والنساء والصغار كبار العرب والعجم الكل يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الكل يطبق سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام في المأكل في المشرب في الهيئة في المظهر في الممشى في المنام في الاستيقاظ في الصلاة في الدعاء في الطواف في الحج في الصيام كلما تفتى كل ما قمت وقعت وجدت السنة النبوية حية ظاهرة. والله ستقول ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ستقول والله هو حي بين ظهراني امته طالما بقيت سنته حية قائمة عليه الصلاة والسلام. هذا المعنى البديع يحيي فينا الامل ويبعث فينا الحرص الشديد على السنة والحب لها والسعي الى تطبيقها بل وبثها ونشرها بين الانام كلنا يحب ان يحيا حياة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاعمل رعاك الله على احياء ذكره بين امته باحياء سنته وسيرته. هذا المعنى هو الذي اشار اليه قال وما دامت سنته باقية فهو باق. فاذا اميت سنته فانتظروا البلاء والفتن. وصدق والله ما ماتت سنة في الامة الا واحيت مكانها بدعة. وكلما تقلص ظل السنة وامتد رواق البدع في الامة فما هو الا البلاء والهلاك. ليس وراءه الا الفرقة والاختلاف. لانه ان لم تكن سنة جامعة فهوى متفرق. وضلالات متشعبة. والله ما جمع الامة على اختلاف ثقافاتها وعقولها واجسادها واجناسها والسنتها ما جمعهم الا هذا الدين وليس الا وحيا من رب العالمين كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ولن يقوى شيء في الدنيا قط على ان تجتمع عليه البشر كما اجتمعت على دين الله وسنة فكلما ماتت سنة واحيت البدع كانت سببا لمزيد من التفرق والاختلاف. كلما رفعت راية هنا او هنا هناك شعوبية قومية حزبية فانها لا تزيد الامة الا فرقة واختلافا. بينما اجتمعت سابقا على السنة لانها سنة ويقبل المسلم عليها لان صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الوحيد الذي تذعن له القلوب والعقول والافعال بالامامة والسيادة وقبول ان يكون امامنا وقائدنا عليه الصلاة والسلام. بخلاف غيره كائنا من كان في الامة فانه لا يوجد في الامة انسان اجتمعت عليه الامة كما اجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولن تجد ابدا من تقبل وعليه النفوس والقلوب والعقول على قلب رجل واحد كما حصل مع رسول الله عليه الصلاة والسلام. فيبقى لكل طائفة امامها ولكل هوى قائده ولكل راية سائقها وستتفرق الامة خلف هؤلاء يمينا وشمالا. قال الله وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه. ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله هذا ان دل يا اخوة فانما يدل على شيء عظيم. الا وهو انه لا يجمع الامة جامع مثل سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فهي نداء والله لكل الدعاة والعلماء والمصلحين والحريصين والمحبين لامتهم والغيورين على اما حل بساحتها ان يقال لكل هؤلاء والله لا نجاة لا مناص لا مخلص لا مخرج لعز وشرف ولا التئام لجراح الامة النازفة الا ان تعود الى هذه الراية الجامعة التي يجدون فيها ظل المصطفى صلى الله عليه وسلم في راية سنته. فاذا اوت الامة الى هذه الراية استنشقت عبير السنة فكأن رسول الله عليه الصلاة والسلام بين اظهرهم سنته ناطقة سنته حية وتجدها مبثوثة في الاقوال في الاعمال في المظاهر والهيئات في البواطن في كل شيء ستجد نبض السنة متدفقا. هذا باب مهم. ونحن والله اليوم في ظرف كالذي تعيشه الامة اليوم احوج ما اتكون الى هذا النداء؟ الى هذا الصرح الى هذه الراية ان تفي الامة كلها اليها. والا يدعى الا الى راية السنة. والا التمس من الناس اجتماع على اختلاف الاهواء والمذاهب والهموم والغايات الا على راية السنة على صاحبها افضل الصلاة والسلام عاش صلى الله عليه وسلم بين ظهراني امته ثلاثا وعشرين سنة. ثلاث عشرة سنة بمكة. وعشر سنوات بالمدينة وواجه يهودا ونصارى ووثنيين ومنافقين فقبل كل هؤلاء الشهادة له بالنبوة والرسالة. اذعن له الكل اقبلت عليه القلوب. ان قادت له النفوس. وابى الله ان يكون شيء تجتمع عليه البشرية من سنن البشر الا سنة نبيه عليه الصلاة والسلام مات عليه الصلاة والسلام ولحق برفيقه الاعلى. فارقوا امته جسدا. لكن والله لم تزل سيرته حية. ولم تزل سنته مرفوعة الراية. انما ندعو الى الالتفاف حولها. والى المصير اليها. والى الاقتراب منها. فهي والله العز والشرف عز لاحدنا على مستواه الشخصي على الافراد كلما اقترب عبد من السنة والله تسنم من مقامات الشرف سيادة والرفعة عند الله وعند خلق الله بقدر اعزازه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما اعز عبد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الا اعزه الله ولا رفع عبد راية السنة الا رفع الله قدره. وما دعا عبد الى السنة الا وجدته موفقا مسددا مهديا ولا عاش انسان على السنة الا وجدته والله مشرق الوجه مضيء القلب ترك العمر انسانا ترفرف السعادة في حياته. كيف لا وهو يتفيأ ظلال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كيف لا وهو والله لا يحجبه عن الصحابة الكرام الا صحبة الجسد الشريف. اما صحبة السنة والحي والعيش عليها والحب لها فهو يعيشها بنبض قلبه وهو يعيشها بخفق فؤاده. السنة شعاره ودثاره. ان نام فعلى السنة وان استيقظ فعل سنة ان اكل فعل السنة وان شرب فعليها بل ان مات وعاش فعلى السنة لا غير. عندما تبلغ الامة هذا المبلغ يا قوم وتبحس وتضحي السنة هي الراية العظيمة والبوابة الكبرى التي يتجه الناس كلهم اليها. ويدعى الناس كلهم اليها فان اه والله ساعة الفرج القريب وساعة العز المنتظر ساعة الفرج التي ترتقبها الامة ولا طريق لها الا من بوابة السنة هذا باب كبير عندما نمر بمثل هذه المواضع وهذا الكلام الذي سطره ائمتنا الاسلاف منذ مئات السنين بل ما يربو على الف سنة في كلام القاضي عياض وهو يقول قال بعضهم الرسول صلى الله عليه وسلم هو الامان الاعظم عاش نعم وعليه دلة النصوص. قال وما دامت سنته باقية فهو باق. فاذا اميتت سنته فانتظروا البلاء والفتن فعودا حميدا رعاكم الله الى سنن رسول الله عليه الصلاة والسلام. وليبدأ كل منا بنفسه بذاته بخاصة امره انظر عبد الله الى موقعك ما الذي يفصل بينك وبين السنن في حياتك كلها؟ القي نظرة على لباسك على طعامك وشرابك على حياتك مع اهل بيتك زوجتك واولادك على علاقتك بارحامك وجيرانك. على مطعمك ومشربك على صدقك وامانتك على اخلاقك. وسائر ابصر فان بينك وبين السنة خطوات لابد من المسير فيها. عندما تقترب فلا تجد شيئا في الحياة الا وقد بعته حبا للسنة وتطبيقا لها يتأتى لك ما تأتى للسلف الاوائل الكبار ان يقول سفيان سفيان الثوري رحمه الله ان استطعت الا تحك رأسك الا باثر فافعل فاذا بلغت هذا المبلغ واتيت على السنن جميعها وما بقي لك الا حك رأسك فتطبقه وفق اثر تقف عليه وسنة تتبعه دعوها فهنيئا لك هذا المقام. وهنيئا لك هذا الشرف ومثل هؤلاء هم المباركون في الامة اينما كانوا. اولئك المضيئة وجوههم كما قلت اولئك المباركون في اقوالهم واعمالهم اسأل الله تعالى ان يسلك بنا وبكم سبيلهم نعم وقال تعالى ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. ابانا الله تعالى فضل نبيه صلى الله عليه وسلم بصلاته عليه ثم بصلات ملائكته وامر عباده بالصلاة والتسليم عليه. وقد حكى ابو بكر وقد حكى ابو بكر بن فورك ان بعض العلماء تأول قوله عليه السلام وجعلت وجعلت قرة عيني بالصلاة على هذا اي في اي في صلاة الله تعالى وملائكته وامره الامة بذلك الى يوم القيامة. والصلاة من الملائكة ومنا له دعاء ومن الله عز وجل رحمة وقيل يصلون يباركون يباركون. وقيل يصلون يباركون. وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم حين علم الصلاة حين علم الصلاة عليه بين لفظة الصلاة والبركة. وسنذكر حكم الصلاة عليه. نعم. اورد المصنف فرحمه الله هنا ثانيا هذه الاية وهو قد عنون للفصل بقوله في اعلام الله تعالى خلقه بصلاته عليه وولايته له ورفعه العذاب بسببه. فقد اورد ها هنا هذه الاية ان الله وملائكته يصلون على النبي. يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. وقد خص المصنف رحمه الله بهذه الاية للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ابا كاملا سيأتي معكم في الكتاب وهو الباب الرابع في القسم الثاني من الكتاب ما يجب على الانام من حقوقه عليه الصلاة والسلام ولها هناك تفصيل مشبع في ذكر فضيلة الصلاة عليه وصيغتها واوقاتها وما يمكن ان يتعلق بها من واحكام لكنه ما اراد ان يخلي هذا الفصل وقد عنون له بباب من ابواب الشرف المحمدي الذي جاء في كتاب الله اليس هذا شرفا عظيما؟ وقدرا رفيعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان يخبر الله انه صلى عليه؟ بلى والله هذي اعظم المناقب واشرفها ان يخبر الله سبحانه عن نفسه وعن ذاته العلية انه صلى على نبيه صلى الله عليه وسلم وكان ذلك تمهيدا قبل ان يقول لك يا عبدي صل على نبيي. قال لك قبلها انه سبحانه صلى عليه وانه سخر ملائكة السماء لتصلي عليه فيا عبدي صلي عليه والله لتشعر انك اصغر ما تكون بصلاتك امام صلاة الله وصلاة ملائكة الله. فماذا انت عبد الله؟ لكن والله لن يسعك الشرف والفخر ان تسلك طريقا يفتح لك فيقال لك هذه صلاة صلاها الله وصلتها ملائكة الله فاشتغل بها عبد الله مسكين والله ذلك العبد الذي ما زال حتى اليوم بخيلا على نفسه بالصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام. اما البخيل من ذكرت عنده لم يصلي علي. والله ما بخلنا عليه صلى الله عليه وسلم انما بخلنا على انفسنا اوما شعرت انه ليس بحاجة الى صلاتنا عليه فقد صلى ربه عليه. وصلت الملائكة عليه فوالله ما جعله الله بحاجة الى صلاتنا نحن عليه. فكفته صلاة الله وكفته صلاة ملائكة الله. لكن الشرف لي ولك اذا صلينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله الاجر والمثوبة والرحمة والمكانة وعز الدنيا وشرف الاخرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم انما هي لنا وليست له. لكن الله تعالى جعلها طريقا لذلك الشرف. مزيد في اكرام نبيه عليه الصلاة والسلام. ورفعة لمكانته وقدره درجة فوق درجة الى يوم يبعث الله الانام. ان الله وملائكته يصلون على النبي قد صلى الله عليه وصلت الملائكة عليه بقي انت عبد الله ماذا تنتظر؟ لماذا ما زلت مقصرا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم هذا الامر الالهي قطرك اذنك. يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صلي وسلم وبارك عليه. كلما فترت عن الصلاة عليه فتذكر قول ربك ان الله وملائكته يصلون على النبي والله يرفرف قلبك فرحا وتطير بكثرة الصلاة والسلام عليه شعورا بفخر وشرف تريد ان تلحقه تريد ان تدرك به واعلم انك صاحب الحاجة والشرف. وان الاجر لك والفخر لك والشرف لك. وفي المقابل ان قصرت وفي المقابل فان العبد كلما قصر وفرط في هذا الباب الكبير في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ليس نقصا فيما يناله عليه الصلاة والسلام من عظيم الاجر والثواب فقد صلى ربه عليه. فمن اكثر من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فالاجر والفخر والذخر له. ومن قصر وتكاسل واهمل وتوانى فالخيبة له والحرمان له ورسول الله صلى الله عليه وسلم غني عن صلاته بصلاة ربه عليه. وصلاة الملائكة الكرام عليه وصلاة المحبين من امته صلى الله عليه وسلم عليه. فاحجز لك مقعدا عبد الله في هذا الباب الكبير. بكثرة الصلاة والسلام عليه وانت تعلم انه ندبنا الى ذلك وحثنا عليه باكثر من طريق فقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة واحدة صلى الله وعليه بها عشرا جعل الله لك اغراء للاقبال بالصلاة والسلام على نبيه ان يرزقك الله بكل صلاة عشر صلوات ولكم قلنا مرارا والله لو كان الامر بالعكس لكانت الغنيمة الباردة وكان الشرف والفخر ومنجم الحسنات الذي لا منتهى له. لو قيل لك صل على نبيك عليه الصلاة والسلام عشر مرات فتنال صلاة واحدة من الله لكانت والله حرية بان تصرف لها الاوقات. وان ينتهز لها العبد هذه صلاة الله. من يتأخر عنها عبد الله. هذه صلاة الله رحمة الله رفعة الذكر الشرف الثناء. من يزهد فيه؟ فكيف والامر بالعكس؟ لك بكل صلاة واحدة على نبيك صلى الله عليه وسلم عشر صلوات من ربك. اغراء اعظم من هذا ثم لا تزال تبصر فينا تقصيرا وتكاسلا وتوانيا والله المستعان هذا باب جعل لنا اغراء للاكثار من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم. والباب الاخر صريح قوله عليه الصلاة والسلام اكثروا الصلاة علي. يوم الجمعة وليلة الجمعة. ما قال صلوا علي. قال اكثروا فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا. قال لك اكثر. فكم ستصلي عليه؟ ستقول مئة مئتين الفا مهما بلغت عددا تذكر قوله عليه الصلاة والسلام اكثروا واعلم انك مهما استكثرت فان امامك من صالح هذه الامة والمحبين الصادقين من سبقك بمراحل. فمهما استكثرت فهناك من هو اكثر منك. فشد العزم واستبق في هذا الطريق فليس وراءه الى الشرف والفخر واعلم تماما انك تسلك طريقا. يقودك فيه هذا المعنى العظيم. ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. فاكثروا من الصلاة والسلام عليه في هذه الليلة الشريفة المباركة. واجعلوا انشغالكم بها استكثارا من الحسنات وامتثالا للامر النبوي ورغبة في نيل هذا الشرف الكبير الذي جعله الله تعالى بين ايدينا بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه واله وسلم فاضيئوا بها جمعتكم وعطروا بها مجالسكم. يا منذري ومبشري ومعلمي يهتز عرش القلب من ذكراك. انت الحبيب وشوقنا لك ناصب. فعسى يتوج حبنا بلقاك. فاللهم صل وسلم وبارك عليه عدد ما صلى عليه المصلون. اصلي يا ربي وسلم وبارك عليه عدد ما غفل عن الصلاة عليه الغافلون. اللهم هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب واجعلنا يا رب من الصالحين المصلحين التوابين الاوابين المنيبين اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن لعبادتك اللهم اجعل لنا ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية ارحم يا رب امواتنا واشفي مرضانا واهد ضال لنا وارزقنا يا رب غاية المنى انت الجواد الكريم لا اله الا انت ولا رب سواك اللهم احفظ علينا امننا وايماننا وسلامتنا واسلامنا ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صلي وسلم وبارك على عبد لك ورسولك محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين