بسم الله الرحمن الرحيم. ايها الاحبة الكرام يطيب لاسرة تسجيلات الامام البخاري الاسلامية مكة المكرمة ان تقدم لكم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الحمد في الاخرة والاولى واشهد ان سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله. امام الهدى وسيد الورى صلوات صلاة ربي وسلامه عليه تترا الى يوم النشر واللقاء. اما بعد ايها الاخوة الكرام فهذه ليلة كيف تنهي ليلة الجمعة؟ نجلس فيها مجلسا نتذاكر فيها حقوق النبي المصطفى صلى الله عليه واله وسلم. نجمع بين فضيلة المكان في رحاب بيت الله الحرام. وعلى مقربة من كعبته المعظمة. ونجمع فيها ايضا بين شرف الزمان في هذه الليلة المباركة ليلة الجمعة. وبين شرف المجلس الذي نتذاكر فيه حقوق اعظم نبي وسيد الرسل صلوات الله وسلامه عليه. النبي الكريم العظيم الذي بعثه الله تعالى رحمة وهدى للعالمين وجعله سبحانه وتعالى هاديا ونذيرا ومبشرا وسراجا منيرا. وجعله سبحانه نبيا لهذه الامة به ترحم وبه تهتدي. وبه ايضا تنقاد الى جنة عرضها السماوات والارض صلوات وسلامه عليه. فما زلنا نحتسب مجلسنا هذا من جليل العمل الصالح الذي يقربنا الى ربنا اكرم الاكرمين ونحن في رحاب بيته وفي انتظار الصلاة الى الصلاة. ونتذاكر حقوق المصطفى عليه الصلاة والسلام. نتعلم علما زادوا ايمانا ونرتوي حبا وشوقا ووفاء لهذا النبي الكريم. صلوات الله وسلامه عليه. ونحن بهذا عندما نستجلب كثرة الصلاة والسلام عليه في هذا المجلس. وفي هذه الليلة نرجو ان نصيب حظا وافرا من ندبه لنا الصلاة والسلام وهو القائل اكثروا الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة. فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ونحن بذاك ايضا انما نقترب خطوات متتابعة. نتعرف فيها الحق الواجب الذي يتعلق برقابنا يا امة الاسلام تجاه النبي الذي اكرمنا الله تعالى به. وهدانا برسالته وانقذنا به من الظلمات الى النور فما زالت حقوقه العظيمة صلى الله عليه وسلم تتتابع وتتكاثر حتى اضحت واجبا ينبغي ان نتعلمه معشر الامة ونربي عليه الاجيال وفيك تسيل المحابر شوقا وتهفو النفوس حنينا اليك تطيب الحياة بذكرك دوما ويشرح قلب يصلي عليك. اللهم صل وسلم وبارك عليه. ايها الكرام في كتاب الشفاء لتعريف حقوق المصطفى الله عليه وسلم للامام القاضي عياض رحمة الله عليه وقف بنا الحديث عند تاسع فصول الباب الاول هذا الباب الذي انهينا فيه فصولا ثمانية ذكر فيها المصنف رحمه الله كلما يدل من كتاب الله الكريم على مكانة النبي العظيم صلى الله عليه وسلم عند رب العالمين. وقد ابدع واحسن رحمه الله في بيان تلك الايات المتناثرة في سور القرآن والتي تدل كما تقدم في الفصول الماضية على عظيم شأن المصطفى صلى الله عليه وسلم. وجليل قدره عند ربه ورفيع مكانته عليه الصلاة والسلام وتلك خطوة تقودنا الى ان نعظم ما عظم الله. وقد عظم الله نبيه عليه الصلاة والسلام واعلى منزلته ورفع مكانته وجعل ذلك في ايات تتلى الى يوم القيامة. فنحن بذاك انما نعظم امرا عظمه الله ثم نحن ننال بذلك ايضا كرامة بكرامة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. فان الشرف له شرف والرفعة له رفعة لامته. والكرامة له كرامة لامته. فما زلنا والله يا كرام امة حظية بنبيه عليه الصلاة والسلام. وبدينها الاسلام وبكتابها القرآن. امة كريمة عظيمة الشأن والمقدار الا فانما نتعلم هذا الباب من العلم والايمان. لنزداد بذلك رسوخا في صلب عقيدتنا معشر المسلمين فقيام ديننا على شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. تعلمنا لهذه الحقوق النبوية للمصطفى عليه الصلاة والسلام انما هو عقيدة نغرسها في القلوب. وايمان نزداد فيه وخطى ينبغي ان ان نسير عليها يا كرام ونربي عليها الاجيال. ونحن ايضا بهذا الباب اذ نتعلم كرم النبي عليه الصلاة والسلام عند ربه وجلالة قدره فانما نتعرف ايضا على مواضع شرف الامة المحمدية. فالكرامة والشرف والسؤدد والعز لنا الاسلام انما هي في جوانب حري بنا ان نقف عندها وان نستكشفها لنعلم ان شرفنا في مواضع لا يسوغ لنا ان نتنازل عنه لنبحث عن مواضع الشرف الزائف التي يتهافت عليها الناس في دنياهم اليوم. ولتعلم الامة ايضا اعلم الامة ان شرفها وكرامتها انما هو مناط بمواضع ابانه الاسلام. وبينه الوحي قرآنا وسنة. فاذا كما رمنا شرفا وعزا وفخرا فانما يلتمس من مواضع الشرف التي جاءت لنا امة الاسلام واحد معاقل الشرف سؤدد لنا يا امة الاسلام هي شرف رسول الله عليه الصلاة والسلام. وكرامته عند ربه ورفعة منزلته بابي وامي هو الصلاة والسلام. الفصل التاسع الذي نشرع فيه الليلة بامر الله. خصه المصنف رحمه الله باكمله لما في سورة الفتح وكان فيما سبق من فصول ينوع في الفصل الواحد بين ايات من هذه السورة وايات من تلك فيما يصلح ان يجتمع تحت عنوان الفصل الواحد. لكنه لما جاء الى سورة الفتح رأى انها تستحق الافراد بفصل وحدها ايات سورة الفتح عقد منتظم من ايات الشرف والفخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وان شئت فقل من الشرف والفخر لامته ايضا عليه الصلاة والسلام. ايات افرحت قلب المصطفى عليه الصلاة والسلام بنزولها. فما اخفى فرحته ولا كتم سعادته وهو يستمع هذه الايات ينزل بها جبريل عليه السلام. ايات الفتح جاءت في احداث صلح الحديبية كما سيأتي ذكرها بعد قليل. لما نزلت الايات في منصرف رسول الله عليه الصلاة والسلام من الحديبية راجعا الى المدينة نزلت عليه السورة ففرح بها وسر في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان النبي عليه الصلاة والسلام كان يسير في بعض اسفاره ومعه عمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر رضي الله عنه عن شيء فلم يجبه ثم سأله عمر رضي الله عنه فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم. يعني في المرة الثانية قال ثم سأله فلم يجبه ثلاث مرات على التوالي. قال عمر بن الخطاب ثقلت ام عمر نزرت الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لم يجبك. فوجد في نفسه انه ربما اساء من حيث لم يشعر واخطأ من حيث لم يقصد. هذا ايمان الفاروق رضي الله عنه. هذا حبه هذا ادبه هذا تعامله مع رسول الله عليه الصلاة السلام فلما ثقل الامر عليه خشي ان يكون قد اتى امرا عظيما. يقول رضي الله عنه فحركت بعيري ثم تقدمت امام الناس وخشيت ان ينزل في قرآن. فما نشبت ان سمعت صارخا يصرخ بي. فقلت لقد خشيت ان يكون نزل في قرآن فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال لقد انزلت علي الليلة لهي احب الي مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا. الايات في مطلع سورة الفتح. هذه رواية الصحيحين وقد جاء عند مسلم ايضا رضي الله عنه ورحمه من حديث انس بن مالك رضي الله عنه وارضاه انه حدثهم كما يروي قتادة. قال لما نزلت انا فتحنا لك حمو بينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما الى قوله تعالى فوزا عظيما. قال نزلت مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحر الهم بالحديبية فقال عليه الصلاة والسلام لقد انزلت علي اية هي احب الي من الدنيا جميعا. اي اية يقصد عليه الصلاة والسلام. هي قوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما. عبد الله ايها المحب لرسول الله عليه الصلاة والسلام. لقد فرح النبي عليه الصلاة والصلاة بايات سورة الفتح. فهل تفرح بها انت؟ هل تفرح لشيء افرح رسول الله عليه الصلاة الصلاة والسلام يا احبة ان لم يكن حبنا له عليه الصلاة والسلام كافيا لان نحب ما احب وان يفرحنا ما افرحه فلعله مما يساعد على فرحنا بمطلع سورة الفتح هذه التي سمعت النبي عليه الصلاة والسلام بنزول اياتها عليه وسروره الذي ما اخفاه عن صحابته فدونك سببا اخر يدعوك صاحب مطلع سورة الفتح فعند احمد واخرج ايضا الشيخان في رواية اخرى عن انس قال لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر مرجعه من الحديبية قال لقد انزلت علي اية هي احب الي من طلعت عليه الشمس او قال مما على الارض ثم قرأها عليهم فقالوا هنيئا مريئا لك يا نبي الله. لقد قد بين الله عز وجل ماذا يفعل بك. فماذا يفعل بنا؟ قال فنزلت عليه ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما. اخبرني بالله الن تفرح وانت تستمع وتقرأ سورة الفتح كلما مررت بها او سمعتها لقد افرحت قلب المصطفى عليه الصلاة والسلام وسرت فؤاده ايما سرور. وكانت في نزولها بهجة وفرحا وانسا وسرورا. كل ذلك لما تضمنته الايات العظيمات من سورة الفتح من معاني فيها الرفعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام. فيها الشرف فيها عظيم العطاء والكرم والمن من رب الارض والسماء. لقد اعلاه ربه واعلى منزلته وشرف قدره ورفع مكانه بين العالمين. فكان في ذلك سرورا وفرحا وسعادة. اضافة الى ما كانت عليه سورة الفتح في اعقاب صلح الحديبية. وما كان من شعور وجد الصحابة رضوان الله عليهم بها اسا عظيما كما سيأتي بعد قليل. نقرأ ما ساقه المصنف رحمه الله في هذا الفصل. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال القاضي ابو الفضل عياض ابن موسى ليحصد رحمهم الله تعالى الفصل التاسع فيما تضمنته سورة الفتح من كراماته صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى انا فتحنا لك فتحا مبينا. ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك. ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين. انزل السكينة في قلوب المؤمنين يزداد ايمانا مع ايمانهم. ولله جنود السماوات والارض كان الله عليما حكيما. ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من من تحتها الانهار خالدين فيها. ويكفر عنهم سيئاتهم. وكان فذلك عند الله فوزا عظيما. ويعذب المنافقين والمشركين والمشركات بالله ظن السوء عليهم السوء وغضب الله عليهم ولعنهم اعد لهم جهنم وساءت مصيرا. ولله جنود السماوات والارض وكان الله عزيزا حكيما ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. لتؤمنوا ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله. يد الله فوق ايديهم. هذه الايات التي سيتحدث عنها المصنف رحمه الله تعالى في هذا الفصل. وهي كما سمعتم مطلع سورة الفتح. هذه الايات نزلت في اعقاب صلح الحديبية الذي وقع في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة. وذلك بايجاز انه عليه الصلاة والسلام قصد مكة ذلك العام سنة ست من الهجرة هجرة يريد العمرة فساق معه الهدي. واحرم بذلك من الميقات. فلما اقترب من مكة وبلغ حديبية قامت قريش فحالت بينه عليه الصلاة والسلام وبين الدخول. وكانت اذ ذاك ما زالت الحرب سجالا بينه وبين قريش نبينا عليه الصلاة والسلام. ولم تزل الاحداث متوترة والحرب ساخنة. وصفيح الاحداث لم يزل ملتهي فلما قدم عليه الصلاة والسلام مكة يريد العمرة اظهر صدق عزمه على العمرة دون القتال عليه الصلاة والسلام فجاء محرما كاشفا رأسه يسوق الهدي امامه. والعرب كلها قاطبة. تعرف ان سوق الهدي في القدوم الى بيت الله حرام. رمز تعظيم وامان. ولا يدل من قريب ولا من بعيد على اذى ولا قتال ولا رغبة في حرب ولا لقاء. ومع ذلك اخذت قريشا حمية الجاهلية. وعزتها بالاثم. فاصرت على المنع من دخولها لرسول الله عليه الصلاة والسلام. وكان ما تعلمون في احداث السيرة من المفاوضات التي اخذت احداثها تتتابع حتى تم الصلح على يد موفدهم المفوض في الصلح سهيل بن عمرو. فلما تم الصلح وكتبت بنوده اقر النبي عليه الصلاة والسلام بالصلح وكان من مقتضاه عوده عليه الصلاة والسلام من من احرامه ذلك العام. والا يأتي الا من العام القادم وان تضع الحرب اوزارها بينه وبين قريش عشرة اعوام. والا يكون فيها قتال والا يعين حليف فيها حليفا على وان يلتزم الطرفان بهذا الصلح وان ينكف الطرفان عن المواجهة والحرب واللقاء وان يكون عوض هذا القدوم قدوما اخر للعمرة من العام القادم. وكان في بنود الصلح ما اشعر الصحابة بالضيم والخزي والنقصان. ذلك ان الصلح تضمن ان يرجع النبي عليه الصلاة والسلام ورأوا في هذا محض تسلط وعناد ومصادرة وليس لهم في ذلك غرض الا اثبات سيادتهم على مكة والحرم والكعبة. وانهم يمنعون من شاءوا ويأذنون لمن شاءوا فقبل عليه الصلاة والسلام وكان من بنود الصلح التي شعر الصحابة ايضا فيها بالضيم والجور انهم خلال مدة الصلح يأبون اشد الاباء ان يسلم رجل من قريش فيأتي المدينة الى رسول الله عليه الصلاة والسلام وبموجب هذا يلزمه عليه الصلاة والسلام ان يعيد اليهم من جاء مسلما ولحق به بالمدينة مهاجرا. وتضمن الصلح وايضا الا تفعل قريش ذلك بمعنى ان من ارتد عن دينه وفر ولحق بقريش فانها لا تلتزم باعادة الى رسول الله عليه الصلاة والسلام. بنود كما ترى لا تقوم على موازنة ولا عدل ولا مساواة. شعر الصحابة بالضيم وشعروا بالجور ومع ذلك وافق عليه الصلاة والسلام. وسمى الله ذلك فتحا كما سيأتي. وافق صلى الله عليه وسلم فكان في هذا الصلح كل خير وبركة. نحر الهدي في مقامه بالحديبية امتثالا لامر الله عز وجل فان احصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله يعني حتى يبلغ الكعبة ويوزع على فقراء الحرم وفعل ذلك لكن من شدة ما اصاب الصحابة من صدمة ما كانوا يتوقعونها وضين ما كانوا على استعداد ان يتقبلوه فانهم تباطؤوا في الامتثال لامره عليه الصلاة والسلام لما امرهم ان يحلقوا رؤوسهم وان يتحللوا من احرامهم. فتثاقلوا في امتثال فشق ذلك على قلب المصطفى عليه الصلاة والسلام. لانه ما عهد منهم الا المبادرة والسرعة في الامتثال والفورية في اجابة فلما دخل على امنا ام سلمة رضي الله عنها اشارت اليه بان يبتدأ هو فيحلق رأسه ويخرج اليهم وكان فذلك فان الصحابة ما اطاقوا ان ينتظروا وقد ابصروا رسول الله عليه الصلاة والسلام قد حلق رأسه واحل احرامه ونحر هديه فتبادروا بلطفق بعضهم يحلق بعض رأس بعض وطفقوا يتسابقون. والرواية في الصحيحين حتى يقتل بعضهم بعضا من شدة المسارعة في الامتثال. ثم نادى فيهم بالرحيل والعود الى المدينة. وفي المنصرف نزلت سورة الفتح انا فتحنا لك فتحا مبينا. اي فتح؟ ما فتحت مكة. بل ما دخلوها ولا حتى معتمرين. ولا اتموا احرامهم الذي جاءوا به من هناك. وكل ما في الصلح كما ترى ليس فيه الا ضيم وجور فرضت فيه قريش رغباتها وشروطها على المصطفى عليه الصلاة والسلام. ومع ذلك يقول الله لنبيه انا فتحنا لك ويسميه الله فتحا مبينا. ثم يقول وينصرك الله نصرا عزيزا للوهلة الاولى يصيبك الذهول اي عز اي نصر اي فتح تجده في احداث صلح الحديبية. لكن الذي يتتبع ذات السيرة يعلم تماما انه عليه الصلاة والسلام لما جاء في صلح الحديبية كان معه اصحابه وقد خرجوا من المدينة وهم لا يتجاوزون يتجاوزون الفا واربعمائة. وفي رواية في الصحيح الف وخمسمائة على جبر الكسر الذي يكون بين الاعداد. فانت تتحدث عن الف واربع مئة والف وخمس مئة هم كل من كان في المدينة من الصحابة انذاك. قدموا معه عليه الصلاة والسلام عمى الحديبية ورجعوا من غير ان يدخلوا مكة ويكملوا احرامهم بالعمرة. هذا الف واربع مئة عقد الصلح سنة ست من الهجرة. ثم نقضت قريش بحليفها هذا الصلح فقدم عليه الصلاة والسلام فاتحا مكة سنة كم؟ سنة ثمان من الهجرة. كم قدم مع النبي عليه الصلاة والسلام سنة ثمان في فتح مكة عشرة الاف رجب عشرة الاف صحابي. هل ادركت الان ان التي كانت سنة ست من الهجرة. وسبقها قبل ذلك ثلاث عشرة سنة بمكة. صار المجموع كم؟ تسع عشرة سنة وكان مجموع ما خرج من الدعوة والجهاد والوحي والبلاغ قرابة الف واربعمائة. وفي سنتين بعد صلح يتضاعف العدد الى اكثر من خمسمئة في المئة ومن ست مئة في المئة فيقدم عشرة الاف تدري ما الذي حصل؟ الذي حصل فتح للاسلام بعد الحديبية. فتح للدين. امن الناس وصار يبلغ الاسلام وتدخل القبائل في دين الله افواجا وتأتي الناس مسلمة وظن النبي عليه الصلاة والسلام بالحديبية الى اغلاق جبهة الحرب مع قريش وكانت هي التي تشغله طيلة سنوات الهجرة الاولى الى المدينة. السنة الاولى الثانية الثالثة الرابعة الخامسة الى السادسة. شهدت بدرا واحد والخندق ومجموعات من الغزوات التي ما وقفت فيها طوال الخمس السنوات الماضية. فلما كان صلح الحديبية توقف الحراك فتفرغ عليه الصلاة والسلام لليهودي الحاقدين وقد اجلاهم الى خيبر. فمضى اليهم في خيبر وحاصرهم حتى فتحها. ثم مر بعضهم على الصلح فيها فاخذ ثمار خيبر اخذ شطر ثمار خيبر اجبارا لليهود وصلحا واجلى بعضهم الى ما وراء خيبر. كل ذلك حصل في فترة التوقف خلال سنتين اغلق النبي عليه الصلاة والسلام جبهة الحرب مع قريش. خلال سنتين عم الاسلام جزيرة عرب ودخلت القبائل والوفود والمناطق خلال سنتين اغلق النبي عليه الصلاة والسلام ملف اليهود خلال سنتين جهز النبي عليه الصلاة والسلام لجبهات الروم والقتال في شمال الجزيرة. كل ذلك لما اغلق ملف المواجهة مع قريش. اليس كل ذلك فتحا مبينا، ثم ان شروط الصلح التي كان في ظاهرها الجور والاذى والضيم على الصحابة كلها ما عادت عليهم بشيء من السوء قليل ولا كثير. تعال الى الشرط الذي زعمت فيه قريش ان من اتى الى النبي عليه الصلاة والسلام مسلما وجب عليه رده اليهم وكذلك فعل والتزم عليه الصلاة والسلام. فماذا كان؟ خرجت تلك الكتيبة ابو دجانة وابو بصير كتيبة تعرضت لقوافل قريش في تجارتها بين مكة والشام. واقاموا بسيف البحر على بعض المواني وفي طريق القوافل فتأذت منها قريش وابلغت النبي عليه الصلاة والسلام انها متنازلة عن الشرط وله ان يؤوي اليه من شاء ممن امن به وما اخلف وعدا عليه الصلاة والسلام. واما الشرط الذي تأبى فيه قريش ان تعيد الى النبي عليه الصلاة والسلام من يلحق بهم كافرا فمثل ذلك قد ظمن عليه الصلاة والسلام انه لن يقع من احد من اصحابه. انه يعود الى الكفر بعد ان ذاق حلاوة الايمان ثم هب هب انه سيحصل هذا. وان حصل فما حاجته عليه الصلاة والسلام الى رجل او امرأة رغب عن دينه وترك واراد الخروج عنه لا اعاده الله. فاذا اراد اللحاق بقريش فليدركه. فلم يكن في هذا ابدا شيء من النقص او الجو او الظيم الذي رآه الصحابة بادئ الامر رضي الله عنهم وارضاهم. فتبين يا كرام لمن يطالع احداث السيرة النبوية ان الحديبية بصلحها وبنودها وما وقع من المصطفى عليه الصلاة والسلام انما كان الاية الكاملة على كمال عقد رسول الله عليه الصلاة والسلام. وعلى جلالة حظه من النظر والسياسة والكياسة وتدبير الامر صلوات الله وسلامه عليه وانه قد اوتي مما افاء الله عليه من وافر العقل وتمام النظر وعمق القرار ما يتعلمه الناس في سنوات وسنوات وقرون واجيال من سياسة الدول وتدبير الحروب ولقاء الاعداء وما الى ذلك كل ذلك جانب من جوانب الكمال البشري في رسول الله صلى الله عليه وسلم. وايضا هي احد جوانب العظمة التي تربع على فيها رسولنا صلى الله عليه واله وسلم. نزلت هذه الايات يقول الله فيها ان فتحنا لك فتحا والمفسرون في تفسير الفتح في الاية هنا على اقوال. جمهورهم واكثرهم على ما سمعت قبل قليل. ان الفتح المقصود ها هنا هو صلح الحديبية. اخرج البخاري في صحيحه عن انس رضي الله عنه قال انا فتحنا لك فتحا مبينا. قال الحديبية وقال جابر رضي الله عنه ما كنا نعد فتح مكة الا يوم الحديبية. وقال البراء تعدون انتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة عظيما ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان. ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ذلك جاء عن ابن مسعود وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. يقول الضحاك من ائمة السلف في التفسير فتحا مبينا قتال وكان الصلح يوم الحديبية هو الفتح. ويقول مجاهد هو منحره بالحديبية وحلقه رأسه عليه الصلاة والسلام. يقول الامام الشعبي رضي الله عنه هو فتح الحديبية. لقد اصاب بها صلى الله عليه وسلم ما لم يصب في غزوة كيف؟ قال غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وبويع بيعة الرضوان واطعموا نخل لما حصر يهود وفتحها وبلغ الهدي محله وظهرت الروم على فارس ففرح المؤمنون بظهور اهل كتابي على المجوس. ويقول الامام الزهري رحمه الله لقد كانت الحديبية اعظم الفتوح. وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج اليها في الف واربعمائة. فلما وقع الصلح مشى الناس بعضهم في بعض. وعلموا وسمعوا عن الله فما اراد احد الاسلام الا تمكن منه. فما مضت تلك السنتان الا والمسلمون قد جاءوا الى مكة في عشرة الاف. هذا قول عامة علماء الاسلام سلفا وخلفا. وقال مجاهد والعوفي ان الفتح المقصود في الايات هو فتح خيبر ايضا عن بعضهم ان المقصود به فتح مكة. كيف يكون فتح مكة والاية نزلت سنة ست ومكة وما فتحت الا سنة ثمان فيكون تأويل الاية انا فتحنا لك فتحا مبينا. اي قضينا لك فتحا مبينا. فيكون هذا بمثابة الوعد بفتح كمكة وانه حاصل كرامة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم. وعلى كل ايها الكرام فقد تضمنت الايات ما ستسمعون بعد قليل من عظيم الشرف وجليل الكرامة ورفيع المنزلة لرسولنا صلى الله عليه وسلم. وحيث ما تكرر هذا في مجالسنا ولم يزل من الحديث عن رفعة القدر وشرف المكانة وجليل المنزلة لرسولنا عليه الصلاة والسلام فاننا امام امرين احدهما ان نعلم انه شرف لنا نتعلم طريقه وانه فخر لنا نترسم هداه وانه باب ينبغي ان ان نعتز به ونشرف. شرفنا بشرف نبينا عليه الصلاة والسلام. كرامة امتنا بكرامة نبينا عليه الصلاة والسلام. واما الاخر فان نعلم مواضع الشرف والكرم والفخر لرسولنا عليه الصلاة والسلام ليقع في قلوبنا موقع التعظيم كما اراد الله وان يكون له عليه الصلاة والسلام ما اراد له ربه من التقدير والاحترام وجليل الايمان وصدق الطاعة وعظيم الوفاء مما يندرج في سلك الحقوق التي نتعلمها. ونحن مسلمون. التي نورثها اجيالنا ونحن مسلمون. التي نعممها ونسير على خطاها ونترسم دربها ونحن مسلمون. هذا العلم ايمان كما قلت. وينبغي ان نتوارد عليه. كل ذلك وغيره جاء في هذه الايات العظيمة في سورة الفتح. نعم. قال رحمه الله تعالى تضمنت هذه الايات من فظله والثناء عليه وكريم منزلته عند الله تعالى ونعمته لديه. ما يقصر الوصف عن الانتهاء اليه فابتدأ جل جلاله باعلامه بما قضاه له من القضاء البين بظهوره. وغلبته على عدوه وعلو كلمته وشريعته وانه مغفور له. غير مؤاخذ بما كان وما يكون. قال بعضهم اراد غفران ما وقع وما لم يقع اي انك مغفور لك. وقال مكي رحمه الله جعل الله قل منة سببا للمغفرة وكل من عنده لا اله غيره منة بعد منة وفضلا بعد فضل هذا معنى قوله سبحانه وتعالى في الايتين الاوليين انا فتحنا لك فتحا مبينا. وهذه الاية فيها من الاسلوب وبالذي يشعر ايضا بالتعظيم والتكريم والتبجيل. الله جل جلاله يخبر عن نفسه انه رزق نبيه الفتحة فقال انا ولاحظ معي اسلوب التوكيد الذي تزف فيه هذه البشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على موقع عظيم من الحفاوة والاكرام. انا فتحنا وجاءت بناء الدالة على العظمة المنسوبة الى الذات الالهية. انا فتحنا لك فتحا مبينا. ولاحظ هذا الاسلوب الذي يخاطب فيه النبي عليه الصلاة والاية تقول له لك. لك يا محمد. فالفتح له عليه الصلاة والسلام. لا تدري اهو كرامة له ام بشارة له عليه الصلاة والسلام؟ ام اختصاص له دون غيره؟ وايا كان فوالله ان فيها من السرور والفرح لقلب رسول الله عليه الصلاة والسلام ما لم يكتمه عن امته وقد سمعت ما اخبر به انس ما اخبر به عمر وغير من الصحابة رضي الله عنهم فرح بها فتكلم. اسعدته الاية فتحدث بها. صلى الله عليه وسلم وحق له يقول انا فتحنا لك فتحا مبينا. والاية التي بعدها اعجب. يقول الله ليغفر لك الله وما تقدم من ذنبك وما تأخر. لست اقصد غفران الذنب فهذا مرتب عظيم ومنزلة كبيرة. لكن للتعليم يفتح الله له الفتح المبين. سواء قلت هي الحديبية او مكة او خيبر يفتح الله له الفتح المبين فيكون اية عظيمة ونصرا الاهيا كبيرا ليكون ذلك سببا لكرامة اخرى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. ليس هذا فقط. لا ويتم نعمته. اي وليتم نعمتك عليك ليس هذا فقط ويهديك صراطا مستقيما. ليس هذا فحسب وينصرك الله نصرا حدثني عن فؤاد الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام وهذه الايات ترفرف فرحا وسعادة بهجة على فؤاده عليه الصلاة والسلام. وربه يقول له من فوق سبع سماوات وهو منصرف للتو من الحديبية ما بلغ المدينة بعد تزفه الايات تبشره تسعده تفرحه انا فتحنا لك ليغفر الله لك ويتم نعمتك نعمته عليك ويهديك وينصرك. الا ترى الان ان في هذا من التعظيم والاجلال الالهي والتكريم الرباني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما تعجز عنه العبارة؟ بلى والله كما قال القاضي عياض. ويقصر الوصف اي والله ماذا ستتحدث عن كرم الهي يخاطب فيه الرب جل جلاله من فوق سبع سماوات وهو اله الاولين والاخرين يخاطب نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام بهذه الايات. والله ما ادخلت الايات هذه انسان الا علم ان من ورائها شيئا لا يوصف من الحفاوة والكرامة والاجلال والمهابة. وما زالت الايات في هذا السياق تتحدث عن كرم الهي يحظى به رسول الله عليه الصلاة والسلام. هذا اذا كان له فان الذي يتعلق وبك ان تعلم هذه المرتبة الرفيعة وان تثقل لها وان تنتبه اليها فان له والله عند ربه من ليل القدر وشريف المقدار وعظيم المنزلة ما جعلت الايات هذه تتنزل عليه. ما كان له عليه الصلاة والسلام من شرف وكرامة ينبغي ان نقف عليه يا كرام. كم مرة سمعت عبد الله هذه الايات؟ كم مرة قرأتها؟ كم مرة رددتها وانت تحفظها هذه الايات فوق انها تخبر عن حدث في التاريخ النبوي. وعن غزوة وعن صلح وقعت احداثه تعلمناه درسناه سمعناه قرأناه. الذي ينبغي ان تتعلمه من وراء ذلك هذه المنزلة الشريفة العظيمة وهذا ما قصده المصنف رحمه الله لما اتى بالايات في هذا الفصل نحن نتعلم يا قوم هذا كتاب ربنا وهذه ايات تتلى وتسمع وتقرأ وتحفظ من ورائها علم يجب ان يتعلم. وايمان ينبغي ان نأخذه زاد نتقوى به على الطريق. اين المحبون لرسول الله عليه الصلاة والسلام؟ هاكم والله جرعة من زاد الحب في هذا الطريق قوتا تتقوتون به لتزدادوا في هذا الباب تعظيما يزيدكم حبا لرسول الله. عليه الصلاة والسلام. اجلالا يحملكم على مزيد من التمسك بسنة هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام. والله متى امتلأت القلوب تعظيما بعد معرفة وافية بحقه العظيم. ومنزلته الشريفة والله لن تزهد النفوس في سنة من سننه. ولن تتوانى القلوب في شيء من محابه عليه الصلاة والسلام. ولن تتأخر عن ترسم هداه وسلوك طريقه. بابي وامي هو عليه الصلاة والسلام ما زالت هذه العبارات هذه الايات هذه الفصول وهذه الابواب ما زالت بلغة يتقوى بها السالكون في طريق الحب لرسول الله عليه الصلاة والسلام يزدادون بها تمسكا تشبثا تعلما اهتداء واستنانا هذا مقصد كبير ما جعلت هذه المصنفات على ايدي ائمة الاسلام الا وصولا لتلك المراتب العظام. يا قوم نحن بحاجة ان هي المحبة الدفينة في قلوبنا لرسول الله. عليه الصلاة والسلام. ولن اقول ان نوجد المحبة لاني لا اشك ان مسلما على وجه الارض يفقد شيئا من الحب لرسوله عليه الصلاة والسلام. لكن الحب يقوى تارة ويضعف تارة. يشتد تارة ويخبو تارة يظهر تارة ويختفي تارة. فما احوجنا والله الى اذكاء شعلة المحبة في قلوبنا لرسول الله عليه الصلاة والسلام الى ان تكون نارها مشتعلة الى ان تكون جذوتها ايضا مضيئة وان تكون قدسا نسلك به طريق السنة مثل هذا هو خير زاد في الطريق. ومثل هذا وقود يحمل العبد الصادق في محبته. والمؤمن الوفي لنبيه عليه الصلاة والسلام ان يحث نفسه ويأخذها بحزم وعزم فتكون اكثر صدقا في سلوك طريق السنة في درب هذا الهدي قوي في ان تكون تجمع مع حبها خطوات تسلك به في هذا الطريق العظيم. قال رحمه الله تضمنت هذه الايات من فضله والثناء عليه الى اخر ما قال. قال بعضهم اراد غفران ما وقع وما لم يقع. ما معنى ليغفر لك الله ما قدم من ذنبك وما تأخر. معنى الاية انه لا ذنب عليه صلى الله عليه وسلم. ولا خطيئة ولا معصية سيلقى بها الله عجبا فبماذا سيفسر اذا شدة اجتهاده في العبادة لربه؟ طول صلاته كثرة قيامه تتابع صيامه بكاؤه خشوعه دعاؤه تضرعه حجه وعمراته كل ذلك على ماذا يحمل ان لم يكن له ذنب وان لم تكن عليه خطيئة. فما معنى اجتهاده في الطاعة والعبادة؟ ابدا لم يكن بحثا عن سيئة تمحى ولا عن ذنب يغفر وقد قال الله له ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر لكنه الذي افصح به لامنا رضي الله عنها لما سألته عن اجتهاده في قيام الليل عن طول تهجده فقال قال افلا اكون عبدا شكورا ان العبد كلما ارتقى في علاقته بربه واشتدت صلته به علم انه محتاج الى القرب من ربه وان انسه في صلته بالله لها لذة تفوق لذة المذنب الباحث عن محو خطيئته. وان الاستغفار من اولئك الابرار الاصفياء لها عندهم وقع اعظم من فرحة المذنب والمخطئ والمقصر الذي اكتوى بلوعة في الاثم وحرقة الذنب والمعصية. يا احبة هذا معنى لم يقوى على ادراكه ولا التمتع بلذيذ العيش فيه الا ان ارتقى في تلك المراقي العالية. ونقرأ في عبارات السلف واخبار السادة من الامة ما يضيء مثل هذه الجوانب. ولقد كان لنبينا عليه الصلاة والسلام الحظ الاعظم في هذا الباب. والسهم الاوفر بل كان امام الاتقياء عليه الصلاة والسلام. سيد اصفياء عظيم الاولياء وكل من جاء في الامة انما هو تبع له. لقد كان عبادته لقد كانت عبادته وقربته وصلته بربه بكاؤه وخشوعه ليس كالذي يحدث مني ومنك. ليس كمثلي الذي يصدر عني وعنك احدنا اذا بكى خشية او ذرف دمعة انابة فانما لحرقة وقعت له بسبب ذنب الم به وخطيئة وقع فيها ومعصية استحوذ فيها عليه الشيطان. وهذه نعمة وفرح ولا شك. دمعة التوبة وبكاء الندم طاعة بها العبد الى ربه ودموع التائبين في سجداتهم وفي المحاريب وفي دعواتهم والله قربات ولها ثقلها في الميزان وعين بكت من خشية الله لا تمسها النار. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. واحد من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. لكن كل هذا في كفة وبكاؤه وخشوعه وعبادته عليه الصلاة والسلام حيث لا ذنب ولا خطيئة ولا وزر ولا معصية تأتي في كفة اخرى. ان الصالحين على صلاحهم والاتقياء على تقاهم والاولياء على عظيم ما حظوا به من الولاية يجدون في متعة الطاعة ولذة الاستغفار وشدة الاقبال على العبادة ما يجعلهم اشد حرصا من اولئك المقصرين والمذنبين والمتأخرين. يقول الله له ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر هل تظن ان هذه القلوب الموصولة بالله ستركن الى مثل هذا الوعد الالهي فتتكاسل وتفتر وتركا عن العمل ابدا والله. هاكم صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام. وقد بشروا بالجنان. هل وجدت منهم احدا ركن الى البشارة النبوية وهو يعلم صدق وعده وخبره عليه الصلاة والسلام. يقول في الحديث ابو بكر في الجنة. وعمر بن الخطاب طاب في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة ويعدد العشرة. هل تظن ان واحدا من العشرة وقد علم ان اسمه مسجل في عداد المبشرين على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام. هل تظن انه ركن الى ذلك واستراح ووقف عن العمل وقال نمت الجنة على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام. كلا والله ما زادهم الا اجتهادا. ما زادهم الا اقترابا ما زادهم الا حرصا. هذه القلوب الطاهرة النقية الصافية هي التي اكتسبت من قربها بالله جل جلاله نعيما في عبادتها ليست تحسب فيه حساب الذل والاستغفار والخطايا هي تعيش لحظة الاستمتاع بعبوديتها لله. هي تتقلب في نعيم التلذذ بالقرب من الله معنى نحسن ان نتكلم عنه حديثا لكن والله لا يحسن العيش فيه الا من خالطه. ولا يحسن التلذذ بنعيمه الا من استمتع وتقلب في عظيم كرم الله وفضل الله. هذا معنى تلمحه في قول الله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فهذا جاء في سياق التعليم. قال في العلة الثانية ويتم نعمته عليك. فتمام النعمة عليه صلى الله عليه وسلم جاء ايضا في سياق هذا الكلام الذي ما زال ينزل على فؤاده عليه الصلاة والسلام بقدر عظيم من السلوان والفرح والاسعاد والبشارة وتثبيت الفؤاد وتطمين القلب المحمدي عليه الصلاة والسلام. اي قلب بشر هذا ينزل به الوحي من فوق سبع سماوات ليكسوه سعادة وفرحا واجلالا. والله انه لقلب عظيم عند الرب العظيم سبحانه ينزل الوحي تطييبا لخاطره. ينزل الوحي بشارة له. ينزل الوحي اسعادا له عليه الصلاة والسلام فعظموا ما عظم الله هذا نبي الله صلى الله عليه واله وسلم. نعم. قال رحمه الله تعالى ثم قال ويتم نعمته عليك. قيل بخضوع من تكبر عليك. وقيل بفتح مكة والطائف وقيل يرفع ذكرك في الدنيا وينصرك ويغفر لك. فاعلمه بتمام نعمته عليه بخضوع متكبر عدوه نعم فسر رحمه الله ويتم نعمته عليك. اي نعمة اي نعمة وعد النبي عليه الصلاة والسلام في سورة باتمامها عليه ها هو قد اتسع دينه وكثر انصاره واتسعت دولة الاسلام واقام شريعة الله يعود في منصرفه من صلح الحديبية ولم يدخل مكة ولم يعتمر يقول الله له فتحنا لك ويعلل ذلك بجمل منها ويتم نعمته عليه. يعني كان هذا الفتح يا محمد لك ليتم الله نعمته عليك. اذا ما سيعقب الحديبية من احداث سماها الله فتحا ما سيعقبها من احداث ثق تماما انها انما تأتي لتتم نعمة الله عليك. ولذلك فسرت المتكبرين المعاندين من قريش نعم فانها قد كفت عن القتال بعد صلح الحديبية. ولم يكن بينها وبين فتح مكة الا هذا الحدث واول ما كان بعد صلح الحديبية انما هو فتح مكة. وفتح لم يحمل فيه عليه الصلاة والسلام سيفا على رقبة احد دخل الناس وقد امن كل من كان بمكة من اغلق بابه دونه فهو امن. ومن دخل المسجد الحرام فهو امن ومن دخل دار ابي سفيان فهو امن. فكان فتحا عظيما هي من تمام النعمة. من تمام النعمة انتشار الدين بعد صلح الحديبية قال القاضي رحمه الله ويتم نعمته علي قيل بخضوع من تكبر عليك. وقيل بفتح مكة والطائف وقيل يرفع ذكرك في الدنيا وينصرك ويغفر لك كل ذلك كان من تمام النعمة من الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان في صلح الحديدة وحقا كان ذلك كله. فلقد خضع المتكبرون وفتحت مكة والطائف. ودخل الناس في دين الله افواجا وكان له من الذكر وعلو المكانة ورفعة الشام. ما زلنا نتحدث عنه الى اليوم والى قيام الساعة من تمام نعمة الله على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. فاعلمه. قال رحمه الله تعالى وقيل يرفع ذكرك في الدنيا وينصرك ويغفر لك. فاعلمه بتمام نعمته عليه بخضوع متكبر عدوه له وفتح اهم البلاد عليه واحبها له. ورفع ذكره وهدايته الصراط المستقيم مبلغة الجنة والسعادة ونصره النصر العزيز. ومنته على امته المؤمنين بالسكينة والطمأنينة التي جعلها في قلوبهم وبشارتهم بما لهم بعد وفوزهم العظيم. والعفو عنهم والستر لذنوبهم وهلاك عدوه في الدنيا والاخرة ولعنهم وبعدهم من رحمته وسوء منقلبهم. كل ذلك اوجز فيه المصنف رحمه الله الايات. قال ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما. فقال برفع ذكره وهدايته الصراط المستقيم. ثم قال ونصره النصر العزيز اذ قال وينصرك الله نصرا عزيزا وهدايته الصراط المستقيم ومنته على امته المؤمنين بالسكينة قوله سبحانه هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم. قال وبشارتهم لما لهم بعد ويكفر عنهم قال وفوزهم العظيم والعفو عنهم والستر لذنوبهم الى ان قال ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات قال وهلاك عدوه في الدنيا والاخرة ولعنهم وبعدهم من رحمته وسوء قلبهم. هذا الحشد العظيم مما جاء في سياق المنن الالهية والكرامات الربانية. لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والله لو كانت واحدة منها جاءت بعد صلح الحديبية بشارة وكرامة ومنة لكانت شيئا عظيما. فكيف وقد جمعت في سياق واحد فكيف وقد جاءت في موضع واحد وفي ايات تتابع بعد صلح الحديبية ليكون في ذلك اية لكل مسلم يتلوها الى يوم القيامة ان الله عز وجل ما قدر لنبيه عليه الصلاة والسلام تقديرا ولا قضى له قضاء اي قيام بعثته ونبوته ورسالته الا كانت كرامة له. وكانت اية في اعزازه ونصرته ولو كانت في الامر وظاهره خلاف ذلك. هذا صلح الحديبية ولا يعرف الصحابة في احداث السيرة. ان حدثا فيه من ظاهر الامر ما كان على خلافه فيما بدا لهم بعد كما كان في الحديبية. ومع ذلك يأتي هذا الحشد الكبير من الكرامات والبشارات في مطلع سورة الفتح دلالة على عظيم مال رسول الله صلى الله عليه وسلم. من الكرامة والمنزلة الرفيعة عند ربه. نعم قال رحمه الله تعالى ثم قال انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا. فعد احاسنه وخصائصه من شهادته على امته لنفسه. بتبليغه الرسالة لهم. وقيل شاهدا هم بالتوحيد ومبشرا لامته بالثواب. وقيل بالمغفرة ومنذرا عدوه بالعذاب. وقيل اذرا من الضلالات ليؤمن بالله ثم به صلى الله عليه وسلم من سبقت له من الله الحسنى. نعم قال بعد ذلك سبحانه انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله تعزروه وتوقروه. انا ارسلناك يخبر الله جل جلاله بانه ارسل نبيه صلى الله عليه وسلم ثم عدد اوصاف بعثته بالرسالة فقال شاهدا ومبشرا ونذيرا. ومضى مثل هذه الاية في سورة الاحزاب وتقدمت معكم في فصلنا الاول من هذا الباب. لما قال الله له في تلك الايات يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا. وتبين هناك في ذلك الموضع بما يغني عن اعادته ها هنا ان الله ثم قال له يا محمد وارسلناك شاهدا. فشاهدا لمن وباي شيء يشهد؟ قال شاهدا لنفسه فقول الله سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام انا ارسلناك شاهدا. المقصود به ان يكون عليه الصلاة والسلام شاهدا لنفسه على امته. يشهد لنفسه انه قد بلغ الرسالة وادى الامانة. انه قد بلغهم وحي وانه اقام عليهم الحجة واقامهم على المحجة البيضاء. وهذه غاية الكرامة. لان القاعدة تقتضي الا يشهد احد لنفسه بشيء ما ولا يمكن ان يثبت حق لاحد بان يشهد لنفسه بل متى ادعى شخص لنفسه امرا هي دعوة ويطلب لها البرهان وتقام عليها الشهادات. ويطلب لها الاثباتات. فان يختص الله محمدا صلى الله وعليه وسلم من بين الخلائق ان يثبت لنفسه على نفسه شهادة ثم باي امر باعظم الامور تبليغ رسالة الله للعالمين. وباقامة الحجة عليهم انسا وجنا. انا ارسلناك شاهدا. والمعنى الاخر ان انه يشهد عليهم يوم القيامة ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس. ولذلك قال المصنف رحمه الله فعد محاسنه وخصائصه من شهادته صلى الله عليه وسلم على امته لنفسه بتبليغه الرسالة رسالة لهم وقيل شاهدا لهم بالتوحيد. فيشهد لامته يوم القيامة انها على التوحيد. واجابت دعوة واستقامت على شريعة الله فتكون شهادة عظيمة يوم نلقى الله فاطلبوا يا قوم تلك الشهادة من فم رسول الله عليه الصلاة والسلام واظفروا بها يوم تلقون الله فانها اعز شهادة والله تفخرون بها. ولا يظن احدا ولا يظن احد انه يمكن ان يحظى في حياته او بعد مماته في الدنيا او في الاخرة بشهادة يرتقي بها مرتبة اعظم من هذه الشهادة المحمدية التي توذل بين يدي الله عز وجل اننا امة اجابت داعي الله واستقامت على دينه ولبت الداعي واقبلت يوم القيامة ترجو رحمة الله وتنقاد خلف رسول الله عليه الصلاة والسلام. تفتح لها ابواب الجنان. قال ومبشرا لامته بالثواب هذه البشارة بعث عليه الصلاة والسلام مبشرا ونذيرا. يبشر المحسنين بالثواب المؤمنين بالطاعة اهل الايمان بالجنة ونذيرا يعني يتوعد المخالف من الكفرة والطغاة وصادين عن سبيل الله بعظيم العقاب وما اعد الله للطغاة قال ومنذرا عدوه بالعذاب. قيل ومحذرا من الضلالات. كل ذلك جاء معللا تؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه. انما بعث مبشرا ونذيرا وكان عليه الصلاة والسلام ايضا شاهدا من اجل اقامة هذا الامر العظيم الايمان بالله. والايمان برسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مقصد عظيم من مقاصد بعثة الرسل يا قوم. تحقيق الايمان بالله والايمان برسول الله عليه الصلاة والسلام على ذلك قوله سبحانه وتعزروه وتوقروه. لهذا بعث عليه الصلاة والسلام. ولهذا جلسنا مجلسنا هذا لنعزره ونوقره ما تعذيره؟ تعذيره تعظيمه ونصرته ما توقيره؟ احترامه واجلاله ومهابته؟ هذا مقصد من مقاصد البعثة بعث الله محمدا عليه الصلاة والسلام قبل اكثر من الف واربع مئة وستة واربعين سنة من اجل ان يكون معظما. من اجل ان يكون موقرا محترما مهابا. هذه مقصد من مقاصد البعثة تماما كالايمان به. لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ليس الايمان به فقط عليه الصلاة والسلام. بل حتى التعزير والتوقير الذي هو الاحترام والنصرة والتأييد والمهابة القلوب بهذه المعاني من اجلها جلسنا مثل هذا المجلس لتعلموا اننا على باب عظيم من ابواب العقيدة وباب جليل من ابواب الايمان ومقاصد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام. هي ليلة شريفة فاملؤوها بكثرة الصلاة والسلام. على الهادي البشير والسراج المنير الذي بعثه الله تعالى شاهدا ومبشرا ونذيرا. فراجا منيرا. اكثروا الصلاة السلام عليه في ليلة كهذه ويوم كيوم الجمعة صلى عليك الله يا علم الهدى واستبشرت بقدومك الايام هتفت لك الارواح ومن اشواقها وازينت بحديثك الاقلام. فاللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاما. دائمين ابدا تبلغنا بها اعلى الدرجات وترفعنا بها في اسنى المقامات