الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال حديثنا موصولا باختيار بعض الموضوعات الاصولية بعدما انتهينا من رسالة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمة الله عليه ونحن ننتقي بعض الموضوعات من بعض الكتب كما مر بكم في المجالس السابقة ولانه قد بقي لنا لقاءان هذا احدهما قبل دخول شهر رمضان المبارك فرأيت انه من المناسب ان نختم بموضوعين يتعلقان بثمرات ونتائج وما يحصله طالب العلم من دراسته لعلم وصول الحديث الليلة في موضوع مهم يتعلق بشيء ما يشتغل به الدارس في علم الاصول لما كان العلم قائما على بحث الموضوعات والقواعد والمسائل التي تقود الفقيه والمجتهد الى الاستنباط من الادلة الشرعية كان هذا مدخلا مهما للحديث عن السبيل الذي سلكه فقهاء الامة رحمهم الله للخروج بتلك الاحكام والثروة الفقهية العظيمة المباركة التي سطرها ودونها الفقهاء في دواوين الاسلام هذا السبيل المستند الى قواعد الاصول ومسائله التي تدرس في هذا العلم المبارك. كانت كما قلت وراء هذه الفقهية هذا الاختلاف والتباين الفقهي المذهبي وغيره الذي كان مبنيا على تلك القواعد. كان ايضا احد ثمرات هذا العلم. ولهذا فان حديثنا الليلة سيكون عن اسباب الخلاف بين الفقهاء اسباب الاختلاف بين المجتهدين. هذه التي يتحدث عنها الاصوليون لبيان المحتملات التي كانت وراء ذلك الخلاف الفقهي. لما درس طالب العلم المسائل والقواعد ووقف فيها على طرف من الخلاف فانت قد وجدت مثلا ان من اهل العلم من يحتج بالقراءة الشاذة ومنهم من لا يحتج بها. ومنهم من يحتج بقول الصحابي اذا انفرد ولم يعلم له مخالف في المسائل التي لا نص فيها. ومنهم من لا يحتج به. وهكذا في جملة من القواعد حتى القواعد ذات التعلق بالدلالات. فمن كان يرى مثلا حجية الامر وحمله على دلالته حتى لو اختلف السياق واحتف بالقرائن ومنه من لا يرى ذلك وقس على ذلك سائر الابواب التي بنيت عليها قواعد هذا العلم اعني اصول الفقه. خلاف الاصوليين في تلك والمسائل كان احد الاسباب التي نتج عنها الخلاف الفقهي. وبما ان الفقه هو ثمرة هذا العلم. لان هذا العلم من اسمه اي هو اصل الفقه فالخلاف في الاصل سينشأ عنه خلاف في الثمرة والفرع ولابد. فالحديث ها هنا عن مسألة اعتنى اهل العلم كثيرا ببيانها وهو الحديث عن اسباب الاختلاف بين المجتهدين بين الائمة الفقهاء. عنايتهم بهذه المسألة اعني تنصيصهم على وتعدادهم على الاسباب التي كانت وراء الخلاف الفقهي هو باب من ابواب العلم تحسن العناية به وايضا يجب على طالب العلم ان يعتني بالالتفات الى هذا الباب اعني اسباب الاختلاف بين الفقهاء ومن ابرز من تكلم في هذا الباب وسطر فيه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته اللطيفة الموسومة برفع المال الام عن الائمة الاعلام فانه صنف الرسالة رحمه الله لبيان الاسباب التي كانت وراء خلاف الفقهاء. كانت لاثبات ان خلاف الفقهي لم يكن مبنيا على هوى ولا تشهن ولا اتباع لتخريصات الظنون بل هي مبنية على قواعد ومعطيات علمية معتبرة. فلما صنف رسالته كانت ولا زالت مرجعا للحديث عن اسباب الخلاف بين الفقهاء. اسباب التفاوت في الاحكام التي ينتهي اليها المجتهدون في تقرير المسائل. هذه الرسالة اللطيفة لشيخ الاسلام وهي مطبوعة مفردة ومطبوعة ايضا من ضمن مجموع فتاويه رحمه الله تبين قدرا كبيرا مع التمثيل والتأصيل وقد اطال فيها النفس رحمه الله معددا عشرة من الاسباب التي كانت وراء اختلاف الفقهاء هو لا يريد استحصاءها ولا استقصاءها لكنه ظرب بها المثال وبين من ورائها امثلة وختم ايضا بجملة من القواعد اللطيفة في رسالته الصغيرة تلك محاولة شيخ الاسلام لرصد هذا الاسباب والحديث عنها لم تكن هي الوحيدة في هذا الباب. لكن ربما كان الذي يميز رسالة شيخ الاسلام كما هو في مسماها رفع الملام. اذا ان شئت فقل هو التماس الاعذار. للخلاف الذي وقع بين العلماء ان شئت فقل هو التخلص من حط الاقدار الذي قد يصيب بعض من لا يعرف العلم وشأنه واهله قد يقع او في نفسه شيء من عدم الفهم فيزري باهل العلم فاراد رحمه الله برسالته العظيمة تلك ان يرفع المنام. يعني حتى لو رأيت فقيها قال بقول شاذ او استنتج حكما فقهيا تفرد به وخالف فيه فقهاء الاسلام. فلا ينبغي بحال ان يكون هذا سببا للازرار ولا للحق من اقدار اهل العلم لانها مبنية على اسباب علمية شريفة معتبرة. فهذا مما تميزت به رسالة كشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ولم تزل الوصية لطلبة العلم ان يكون لهم حرص بقراءة الرسالة والاطلاع عليها والافادة منها من الجهود في هذا الباب اعني رصد اسباب الخلاف هو ما سطره الامام ابو القاسم محمد ابن احمد ابن جزي الكلب في كتابه تقريب الوصول الى علم الاصول. وهو كتاب اصولي وابن جزي ما لك المذهب. وكتب ما يكتبه الاصوليون في مسائل هذا العلم وابوابه وفصوله لكنه رحمه الله ختم كتابه في اخر ابوابه ومباحثه بباب الباب العاشر في اسباب الخلاف بين المجتهدين. وهذا الصنيع من ابن جزير رحمه الله فريد من نوعه لانه لا لاحد من الاصوليين في كتب الاصول الحديث عن هذه المسألة بانفراد. يعني لم يسبق لاحد من الاصوليين ان كتب في فصل مستقل او مسألة مفردة تعداد اسباب الخلاف بين المجتهدين والفقهاء. لكنه رحمه الله لما خصص الباب الاخير والتقليد والمفتي والمستفتي جعل اخر الابواب الحديث عن اسباب الخلاف بين المجتهدين. فكانت اضافة فريدة لطيفة ايضا متميزة غير مسبوقة في كلام الاصوليين في هذا الباب اطلاقا. فكانت هذه المحاولة منه رحمه الله فتحا لهذا الباب. ابن جزيل الكلبي معاصر لشيخ الاسلام ابن تيمية لكن هذا مغربي وذاك مشرقي هذا اندلسي وذاك شامي مصري فالمحاولتان جاءتا في زمن واحد رصد اسباب الخلاف. كلام ابن جزير رحمه الله مقتضب مختصر موجز كما سأقرأه عليكم الان. وهو الذي اردت ان يكون محل حديثنا الليلة ابن جزيل الكلبي رحمه الله في رسالته عدد الاسباب. ونص في مقدمة هذه الاسباب انه لم يسبق بين الاصوليين في العناية بابراز هذه الاسباب والحديث عنها استقلالا كما ستسمع بعد قليل. ثم آآ اعتنى ايضا اهل العلم حتى المعاصرين منهم البحث في هذه المسألة والحديث عنها. اعني ابراز الاسباب التي كانت وراء الخلاف الفقهي. كل ذلك يجعلونه احد دروس طلبة العلم في مراحل الطلب والمنهجية العلمية التي تقتضي ان يعرف اسباب الخلاف. وهذا يوفر له قدرا كبيرا من الفوائد العلمية. ليس ليس اعظمها فقط هو الاحتفاظ بالاحترام لاهل العلم. وتقدير خلافهم لكنه ايضا الوقوف على ثمرة تلك المسائل والقواعد والخلاف الذي كان وراء خلاف الفقهاء رحمة الله عليهم. من ذلك مثلا رسالة الانصاف في اسباب الخلاف الامام الدهلوي رحمه الله وغيرها من الرسائل لكن كلها يميزها انها صغيرة الحجم لطيفة المأخذ غير الدراسات المعاصرة وبعض البحوث التي كتبها بعض الباحثين التي تصب في هذا الباب وهو ابراز اسباب الخلاف والتعرف عليها وضرب المثال لها. نقرأ ما اورده الامام ابن جزير رحمه الله في رسالته في هذه الاسباب مع تعليق يسير بما يستدعيه المقام ونحن نعدد الاسباب التي اوردها رحمه الله. قال رحمة الله عليهم. الباب العاشر في اسباب الخلاف بين المجتهدين. وهو كما قلت لكم اخر فصول وابواب ومسائل كتاب ابن جزير تقريب الوصول الى علم الاصول قال رحمه الله في اسباب الخلاف بين المجتهدين. وهي ستة عشر بالاستقراء ويصرح الان انه بعد الاستقراء والتتبع لا تخرج عن ستة عشر سببا. على ان هذا الباب انفردنا ذكره لعظم فائدته ولم يذكره اهل الاصول في كتبهم. وصدق في هذا رحمه الله ولم يكن مبالغا لا يعتني اهل الاصول بافراد هذا السبب. لكنه مطوي في اثناء حديثهم. وكل مسألة يريدونها ويذكرون فيها الخلاف هو بالتبع والتظمن يدل على خلاف فقهي مبني على هذا الخلاف. قال رحمه الله السبب الاول تعارض الادلة وهو اغلب اسباب الخلاف وقد تكلمنا عليه في بابه ايضا في درسنا في شرح رسالة الشيخ العثيمين رحمه الله. ونحن نتحدث عن التعارض بين الادلة والترجيح بينها واسباب دفع التعارض ذكرت ايضا مرارا مع ضرب الامثلة ان من اكبر اسباب الخلاف بين الفقهاء هو تجاذب الادلة للمسألة الواحدة. وهذا الذي يقصده رحمه الله بقوله تعارض الادلة ان المسألة الواحدة يتنازعها اكثر من دليل اما صراحة واما اشارة اما نصا واما ظاهرا او تنبيها او كل ذلك وارد فتنازع الدلالات والادلة للمسألة الواحدة معدود في اكبر اسباب الخلاف وهو ينص هنا رحمه الله فيقول تعارضوا الا وهو اغلب اسباب الخلاف خذ على سبيل المثال بدءا من الطهارة. وخلاف الفقهاء في جزئيات المسائل واحادها. هل المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء ام هو سنة مستحبة خلاف وسببه تجاذب الادلة هل غسل الرجلين واجب ام يجزئ المسح لما جاء؟ هذا ايضا جزء من الخلاف. نواقض الوضوء مس الذكر مثلا اكل لحم الابل وفي كل مسألة من هذه سبب الخلاف بين الفقهاء تجاذب الادلة. فمن يقول ينقض عنده دليل ومن قل لا ينقض عنده دليل بغض النظر عما ترجحه انت وما الاقوى عندك في النظر والدراسة والبحث لكن انا اتكلم عن سبب الخلاف بين الفقهاء لماذا انقسموا الى قولين او ثلاثة في هذه المسألة؟ الجواب هو تعارض الادلة الواردة في المسألة الواحدة. وهكذا الشأن في مسائل الصلاة مثلا القراءة في الصلاة وما يقال في الركوع وبعض الاوصاف وصفة السجود وصفة الرفع ورفع اليدين في التكبير سجود السهو واحكامه ومسائله كل سبب الخلاف بين الفقهاء هو تعارض الادلة. واذا كان هذا في العبادات الواضحات كالطهارة والصلاة. فلا ان هذا سببا احرى في كثير من الابواب الفقهية التي تقل الادلة فيها وضوحا وصراحة وكثرة عما هو في شأن العبادات الظاهرة الكبرى كالطهارة والصلاة وما الى ذلك. قال رحمه الله السبب الثاني الجهل بالدليل جهل من جهل المجتهد بالدليل وهل مجتهد ويجهل؟ ويوصف بالجهل؟ الجواب نعم وهو جهل نسبي وليس في هذا من للعالم ان يقال انه جهل المسألة او جهل الدليل. يقول رحمه الله السبب الثاني الجهل بالدليل. واكثر ما ايجيء في الاخبار ايش يقصد يعني يقول لان القرآن محصور. والفقهاء والعلماء يحفظون القرآن. فلا تقول انه جهل الاية. هذا لا يكاد يرد. لكن يقول اكثر ما يجيء في الاخبار لم لان السنة لا يحيط بها احد. نعم جمعت الامة سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. لكن تعال الى كبار حفاظ المحدثين في الامة ما فيهم احد يزعم انه جمع سنة النبي عليه الصلاة والسلام من اولها الى اخرها وما فاته ومنها شيء. فاذا قد يقع عنده فوات في الدليل عدم علم به. فيكون هذا سببا للخلاف. اسمع الى بقية كلامه رحمه الله. يقول السبب الثاني الجهل بالدليل واكثر ما يجيء في الاخبار. لان بعض المجتهدين يبلغه الحديث فيقضي به وبعضهم لا يبلغه فيقضي بخلافه. فينبغي للمجتهد ان يكثر من حفظ الحديث وروايته لتكون اقواله على مقتضى الاحاديث النبوية. ولذلك كثرت مخالفة ابي حنيفة رحمه الله حديث لم قال لقلة روايته له. فرجع الى القياس بخلاف احمد بن حنبلة فانه كان متسعا الرواية للحديث فاعتمد عليه وترك القياس. واما مالك والشافعي فانهما قذى بالطرفين وقد قال الشافعي اذا صح الحديث فهو مذهبي هذا سبب يطوي لك كثيرا من موارد الخلاف بين الفقهاء رحمهم الله وهم في هذا متفاوتون. ثم حتى الراوي للحديث المكثر له قد يفوته محل الدلالة من الدليل. فلا يقول به ولا ينتبه اليه ويقف عليه غيره من الفقهاء فيقول به. وفي الجملة فهذا من اسباب الخلاف بين الفقهاء. قال رحمه الله السبب الثالث الاختلاف في صحة نقل الحديث بعد بلوغه الى كل مجتهد. يعني نعم الخلاف في التصحيح والتضعيف. وهو سبب اقل من الذي قبله. الذي قبله ما بلغه الحديث اصلا. لكن هنا بلغه ولم يصح عنده فماذا كانت النتيجة انه لا يستنبط الحكم منه لم؟ لانه ضعيف عنده والضعيف لا تقوم به الحجة والاخر صح عنده الحديث فاستنبط منه الحكم. فكان هذا سببا من اسباب الخلاف. اذا السبب ها هنا ان الدليل ثبت عند الاول وما ثبت عند الثاني او صح عند الاول وما صح عند الاخر فمن صح عنده؟ قال به ومن لم يصح الحديث عنده لم يقل به قولوا رحمه الله الاختلاف في صحة نقل الحديث بعد بلوغه الى كل مجتهد الا ان منهم من صح عنده فعمل بمقتضاها ومنهم من لم يصح عنده اما لقدح في سنده او لتشديده في شروط الصحة كثيرا ما يجري ذلك لمالك رحمه الله فانه من اشد اهل العلم تحفظا في نقل الحديث. وقد علم كما يدرس منكم من درس الحديث والمصطلح ان عددا من ائمة الحديث الرواة والنقاد عرف عرف لكثرة التوقي وشدة الاشتراط في مسألة تصحيح الحديث. اما في شروط الرواة وتطبيق بعض امارات القبول على روايته واما للجمع والاكثار من الطرق فيكون مذهبه في قبول الحديث وتصحيحه اقوى من غيره ليس تعنتا لكنه مزيد توق واحتياط في رواية ونقل واثبات سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام والمحدثون الائمة في هذا الباب طرفان ووسط وهم معروفون حتى بين المحدثين. المتشدد منهم في القبول معروف المتساهل في الرواية والتصحيح معروف والمتوسط ايضا معروف وكل ذلك مما ثبت. فهذا ايضا من اسباب الخلاف ان بعضهم لا يصح عنده ومن اسباب عدم صحة الحديث عنده كما قال ان يكون مذهبه في الرواية والتصحيح اقوى واشد من غيره فيحول وذلك بينه وبين قبول الدليل. السبب الرابع الاختلاف في نوع الدليل من يشرح معنى هذا طمنوك من لك العبارة يتضح لك. يقول الاختلاف في نوع الدليل هل يحتج به ام لا مثل مثل قول الصحابي مثل الاجماع السكوت مثل القياس مثل ممتاز. يقول رحمه الله السبب الرابع الاختلاف في نوع دليلي هل يحتج به ام لا؟ فهذا السبب ايضا اوجب كثيرا من الخلاف. وذلك كعمل اهل المدينة وهو حجة عند مالك فعمل بمقتضاه. وليس حجة عند غيره فلم يعملوا به وكالقياس وهو حجة عند الجمهور فعملوا به. وليس حجة عند الظاهرية فلم يعملوا به وقد استوفينا الكلام على ذلك كله في فن الادلة ولو ظربنا امثلة اخرى سنقول الاحتجاج بالقراءة الشاذة منهم من يحتج ومنهم من لا يحتج الاحتجاج بخبر الواحد فيما تعم به البلوى يحتج به الجمهور ولا يحتج به الحنفية الاحتجاج بخبر واحد اذا خالف القياس او القواعد العامة يحتج به الجمهور وينسب عدم الاحتجاج الى مالك في احدى الروايتين عنه وقس على ذلك سائر الابواب المتعلقة بالدليل يعني هل هذا دليل او ليس دليلا؟ هل يحتج به؟ او ليس كذلك؟ وقد تقدم التمثيل ايضا بمذهب الصحابي او بقول الصحابي هل هو حجة ام لا