بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد احمد الله تعالى واشكره واستعينه واستغفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله امام الانبياء وخاتم المرسلين وحبيب رب العالمين وصفوة الله من خلقه اجمعين صل وسلم وبارك عليه وعلى ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وبعد فما زال مجلسنا هذا ايها المباركون نتدارس فيه كتاب الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للامام القاضي عياض ابن موسى الي رحمة الله عليه في هذه الليلة المباركة ليلة الجمعة نستكثر من هذا المجلس صلاة وسلاما على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فكلما ذكر اسمه ومرت سيرته وتعرضنا لشيء من خلقه الكريم وحقه العظيم انطلقنا نصلي ونسلم عليه صلى الله عليه وسلم. نجمع بين شرف هذا المجلس الذي نتذاكر فيه حقوق اشرف خلق الله عليه الصلاة والسلام يزداد فيه ايمانا لانه باب عظيم من عقائدنا معشر المسلمين. ونتقرب به حبا لرجل احبه الله امرنا بحبه واعلى شأنه سبحانه من فوق سبع سماوات فصلى الله ربي وسلم وبارك عليه. ثم نضيف الى ذلك كله شرف فهذا المكان والبقعة العظيمة الطاهرة ونحن ننتظر الصلاة الى الصلاة وملء الوقت هذا المجلس العظيم علما وايمانا وصلاة وسلاما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال مجلسنا في ذكر المعجزات والايات التي خصها المصنف رحمه الله تعالى بهذا الباب الرابع في ذكر الايات الباهية والمعجزات التي ايد الله بها نبينا عليه الصلاة والسلام شأنه شأن سائر الانبياء. ما بعث الله نبيا الا ايده بالمعجزات. لتكون له اية ولرسالته دلالة وله حجة على من كذب وعاند ثم هو تثبيت ومزيد ايمان لمن امن من الانبياء لمن امن من البشر بالانبياء عليهم السلام. الا ان نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام قد اتاه الله في هذا الباب فوق وما اتى سائر الرسل والانبياء عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام. لا من حيث كثرة عددها. ولا من حيث عظم جنسية ولا من حيث تتابع هذه الايات وبقاء بعضها الى اليوم والى قيام الساعة. كثيرة هي المعجزات وعديدة هي الايات ما زال المصنف رحمه الله ويعرضها تباعا في فصول متوالية. وكان اخر ذلك الفصل الذي ابتدأناه ليلة الجمعة الماضية فصل فيما اطلع عليه صلى الله عليه وسلم من علم الغيب. الذي اوحاه الله له فهذا من من اعظم المعجزات وابلغ الايات والدلالات على نبوة محمد بن عبدالله صلى الله ربي وسلم وبارك عليه ثم هي لا تزال شاهدة الى قيام الساعة. اتى المصنف هنا رحمه الله بعدد كبير من تلك الاخبار الوقائع الاحاديث التي اخبر فيها عليه الصلاة والسلام بشيء فوقع في حياته او وقع بعد مماته او وقع بعد قرون في امته ولا يزال بعضها منتظر الوقوع ونحن انه سيقع لانه اخبر به عليه الصلاة والسلام. فتلك النبوءات بعضها قد تحقق في حياته. وبعضها بعد موته زمن صحابته رضي الله عنهم فادركوه وتذكروا تماما ما كان قد اخبرهم به صلى الله عليه وسلم وبعضها ما زال موعودا للامة فهي بشارة وتفاؤل وبعضها علامات اتى بها للدلالة على قرب نهاية اية العالم وفناء الدنيا وقرب حلول موعد الاخرة. كل ذلك من علم الغيب. اخبر به صلى الله عليه وسلم في احاديث كثيرة. وهذا الباب الكبير افرد له العلماء ابوابا ومصنفات يجمعون فيها هذا الباب. يا اخوة هذا باب من الايمان نؤمن به هو باب من العلم نتعلمه. هو باب من عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم نقف عنده. فنملأ القلوب تعظيما له وايمانا به وحبا له عليه الصلاة والسلام. بوب البخاري رحمه الله تعالى في كتاب المناقب من صحيحه بابا باب علامات النبوة في الاسلام. وسرد فيه عشرات الاحاديث. الصحيحة الثابتة التي لا يتفرق وفي صحتها شك ولا ريب. وفيها جملة كبيرة مما اورده المصنف هنا في هذا الفصل وهي كثيرة عديدة بل لسنا مبالغين ان قلنا ان حياته صلى الله عليه وسلم وبعثته ورسالته ونبوته اجمع كانت صفحة من علم الغيب. فانه ما من شيء اخبر به الامة بشأن سابق او لاحق الا هو من علم الغيب القرآن الذي كان عليه الصلاة والسلام يقرأه على الامة فور ما ينزل عليه الوحي هو ايضا من علم الغيب. فما دام موصولا بالسماء بالوحي الذي يأتيه من الله عز وجل فانه من علم الغيب الذي امده الله تعالى به. اتى المصنف بداية في الفصل حديث حذيفة انه عليه الصلاة والسلام قام فيهم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك الى قيام الساعة الا حدثه يقول حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه اصحابي هؤلاء. ثم قال حذيفة كما مر بكم في المجلس السابق عندما تقع الحوادث التي اخبرهم صلى الله عليه وسلم بوقوعها. فيعاينونها بابصارهم. يقول وانه ليكون منه فاعرفه فاذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل اذا غاب عنه ثم اذا رآه عرفه يشير الى انهم كانوا يذكرون بمعاينة تلك الوقائع تمام الوصف الذي اخبر به عليه الصلاة والسلام فكأنه حلم تحقق ورؤيا قد عبرت برأي العين وهم في رظت الله في منام ثم ساق جملة من الاحاديث وقفنا عند قوله رحمه الله وقد خرج اهل الصحيح والائمة ما اعلم به اصحابه صلى الله عليه وسلم مما وعدهم به من الظهور على اعدائه وفتح مكة وبيت المقدس الى اخر ما اورده كل جملة تشير الى حديث صحيح ثابت عنه صلى الله عليه وسلم مما اطلعه الله عليه من الغيب. نعم الحمد لله الذي جعل دراسة السيرة النبوية شفاء للقلوب والارواح وسببا للسعادة والفلاح وعوضا عن كل ما فات وراح والصلاة والسلام على نبينا محمد ذي الشمائل الباطنة والظاهرة والفضائل الباهرة الزاهرة على اله واصحابه الاخيار والتابعين لهم باحسان الى يوم القرار غفر الله لشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين اما بعد فهذا هو مجلسنا التاسع والتسعون من المجالس العامرة في هذه البقعة الطاهرة الشريفة. وباسانيدكم المتصلة الى القاضي الامام العياض في كتاب الشفا قال رحمه الله تعالى فصل فيما اطلع عليه من في ما اطلع عليه من الغيوب. قال رحمه الله تعالى وقد خرج اهل الصحيح والائمة ما اعلم به اصحابه صلى الله وعليه وسلم مما وعدهم به من الظهور على اعدائه وفتح مكة وبيت المقدس قال ذكر اهل الصحيح يعني من اشترط الصحة من الائمة المحدثين في مصنفاتهم كالبخاري ومسلم وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم رحمهم الله جميعا والائمة ايضا سواهم ممن لم يشترط الصحة وجمع بالرواية ما اتصل به السند الى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم كل اولئك قد اخرجوا في مصنفاتهم عددا ليس باليسير من تلك الاحاديث التي فيها اخبار منه صلى الله عليه وسلم لصحابته رظي الله عنهم. ولمن بعدهم ولنا لي ولك ولكل مسلم. كان اخبارا مما وعد به من امور شتى من ذلك ما وعد به من الظهور على الاعداء وانتصار الدين وغلبة الاسلام وظهور امره من الله حقا ومن ذلك فتح مكة وذلك تقدم في مجلس ليلة الجمعة الماضية قال رحمه الله وبيت المقدس انه ايضا مما وعد به صلى الله عليه وسلم قبل ان يكون بيت المقدس في حيازة اهل الاسلام فانه مات عليه الصلاة والسلام ولم يخرج دينه ولا رسالته عن جزيرة العرب ولما انتشر الاسلام على يدي اصحابه رضي الله عنهم قادوا الاسلام وحملوا رايته الى البلاد في شرق الارض بها فبلغ الاسلام ما بلغ ومن ذلك دخول بيت المقدس الى الاسلام. قوله وبيت المقدس يعني ايضا فتح فكان دخوله وفي الاسلام نبوءة اخبر بها عليه الصلاة والسلام. في الحديث الذي اخرج البخاري في صحيحه من حديث عوف بن مالك قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من ادم يعني من جلد. فقال اعدد ستا بين يدي الساعة قال اعدد معي ست علامات قبل ظهور الساعة وقيام القيامة. قال اعدد ستا بين يدي الساعة موتي عليه الصلاة والسلام ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم. يعني موت ينتشر فيفني الناس فناء. قال ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مئة دينار فيظل ساخطا قال ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب الا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الاصفر. يعني الروم النصارى. فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين تحت كل غاية اثنا عشر الفا الحديث ذكر جملة من العلامات وقد قال في اوله عليه الصلاة والسلام اعدد ستا بين يدي الساعة بعضها تم وبعضها منتظر الوقوع والله المستعان. ففتح بيت المقدس كان زمن الخليفة الفاروق عمر رضي الله عنه وارضاه لو فتح بيت المقدس واوتي بالمفاتيح وانطلق رضي الله عنه يستلم المفاتيح بيديه فخرج من دار الخلافة في المدينة المنورة وقصد الشام حتى اتى بيت المقدس فاستلم ودخل البيت المقدس وقبة الصخرة رضي الله عنه وارضاه فكانت ولم تزل بلاد المقدس والشام عموما ديار اسلام وبلد هذه الملة التي ارادها الله مسرى نبيه عليه الصلاة والسلام فاسرى به ثم عرج به منها الى السماء السابعة فهذه ايضا نبوءة وهي كما تقدم بكم في المجلس الماضي يا كرام. كل ما يأتي في باب النبوءات واعلامه عليه الصلاة والسلام بالغيب فانه حق على كل مسلم ان يورثه علما علما لان هذا فالدين فالعلم به كعلمك باحكام طهارتك وصلاتك. غير انه علم عقيدة. تنتفع به في ان تشد عرى ايمان الوثيقة في قلبك عبد الله ثم هو يفيدك ايضا صدقا له عليه الصلاة والسلام ومزيد ايمان به. لتعلم انه نبي الله حقا. لا تقل انني لا اشك في ذلك مثقال ذرة. وكنت وما زلت اجزم بلبوءته مصدقا به عليه الصلاة والسلام. لانك مهما بلغت لن تكون اعظم ايمانا ولا ارفع درجة من الصحب الكرم رضي الله عنهم. وقد قيل لهم هذه الاحاديث فكانت مزيدا لتثبيت ايمانهم فانا وانت احرى بان تثبتنا مثل هذه النصوص وتزيدنا ايمانا. ثم هي ايضا كما اسلفنا هذه الاحاديث وغيرها هي مما يدفع الوهن والضعف الذي يحيط ببلاد الاسلام وبقلوب الاسلام وايضا هي مما تزيدنا تفاؤلا واستبشارا لاحظ كيف اخبر عليه الصلاة والسلام بفتح بيت المقدس وهو في غزوة تبوك عندما كان في اقرب نقطة بلغتها قدماه الشريفتان عليه الصلاة والسلام في غزواته قاطبة. هي غزوة تبوك. لما بلغ اقصى شمال جزيرة العرب حدث بهذا بشارة. فقال اعدد ستا بين يدي الساعة موتي ثم فتح بيت المقدس فبشر بفتح بيت المقدس في غزوة خرج لها الصحابة في اصعب ما يكون عليهم من الظروف التي احاطت بهم حتى سمي بجيش العسرة ونزلت فيه ايات حتى لا تكاد سورة التوبة باكملها تحكي واقع تلك الغزوة. وما احاط بهم وكيف تسلط عليهم اهل النفاق واجتمع عليهم حر الصيف وشدة المسير وقلة الزاد وضعف المؤونة ثم بعد ذلك غدر المنافقين وسوء واستهزاؤهم ثم صرف الله عنهم الاذى وعادوا في تلك المرحلة يبشر عليه الصلاة والسلام بفتح بيت المقدس لئلا يبقى في قلب مسلم معتز بدينه مستمسك بايمانه انه يائس من نصرة الله للاسلام. وانه محبط وانه قد كالبت الاعداء وتصاعدت الظروف واشتدت الامور. لن يكون شيء من ذلك حائلا بين ما وعد الله تعالى به من اظهار الدين على الدين كله. واتمام نوره ولو كره الكافرون. هذا ايضا مما يقف عليه المسلم في ذلك الباب من اخباره الصلاة والسلام نعم قال رحمه الله تعالى واليمني والشامي والعراقي. يعني ايظا هذه مما اخبر به عليه الصلاة والسلام. فتح اليمن حيث لم تكن قد فتحت في في عهده والشام والعراق كلها كذلك. وانما فتحت بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. نعم دخل الاسلام اليمن في حياته عليه الصلاة والسلام وبعث معاذ بن جبل رضي الله عنه وبعث ابا موسى الاشعري رضي الله عنه فكان هناك دعاة في اخر يأتي عليه الصلاة والسلام بل ان معاذا رضي الله عنه خرج سفيرا فكان خروجه اخر عهده برسول الله عليه الصلاة والسلام ولم يدركه مرة اخرى قبل الوفاة فكان دخول الاسلام في اليمن والشام والعراق امارات اخبر بها قبل ان تقع وبشر ببلوغ الاسلام هذه المناطق من الارض في اليمن جنوبا والشام شمالا والعراق كذلك شرقا وشمالا قبل ان يكون في الوقت الذي كان فيه اهل الاسلام في المدينة لا يزالون يتربص بهم الاعداء وتتخطفهم القبائل وتتجمع عليهم الاحزاب لقتال الاسلام. فيقول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث المتفق عليه عند الشيخين من رواية سفيان ابن ابي زهير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون باهاليهم ومن اطاعهم. يعني يخرجون بعوائلهم واسرهم ونسائهم بيانهم يبسون يسوقون الدواب ويرتحلون ويلتحقون بالقوافل طلبا للمسير. والانتقال. قال تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون باهليهم او يتحملون باهاليهم ومن اطاعهم يتحملون الى اليمن خروجا اليها من اين من المدينة يقول عليه الصلاة والسلام والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم يفتح الشاب فيأتي قوم يبسون فيتحملون باهاليهم ومن اطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. ثم تفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون باهاليهم ومن اطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. في الحديث الصحيح المتفق على صحته جملة من العلامات والايات. اولها تبشيره صلى الله عليه وسلم بفتح هذه البلاد قبل ان تفتح. وقد فتحت تباعا. فتحت اليمن والعراق والشام. ولم تتجاوز زمن الخلافة الراشدة حتى دخلت هذه الديار كلها بلاد الاسلام والعلامة الثانية ذكر الترتيب قال تفتح اليمن ثم قال ثم تفتح الشام. قال ثم تفتح العراق. ففتحت كذلك على ترتيب المذكور تباعا. فكان اول هذه البلاد المذكورة دخولا في الاسلام بلاد اليمن. ثم تبعتها الشام ثم تبعتها العراق وكل ذلك ايات عجيبة كانت على لسانه عليه الصلاة والسلام. واما الامارة الثالثة فاخباره ان قوما يبحثون عن فسحة الحياة وعن سعة العيش حيث كان الفقر والقلة هي الغالب على سكنى اهل المدينة في حياته عليه الصلاة والسلام قلة العيش وانقباض الحياة. فعاشوا فقراء رضي الله عنهم فاخبر عليه الصلاة والسلام انه لما تفتح هذه البلاد وهي زرع الى اليوم وبلاد خضرة الى اليوم واحوالها في الزراعة والمعيشة افضل من جزيرة العرب انذاك فيلتمس الباحثون عن سعة العيش سفرا وارتحالا اليها. فاخبر عليه الصلاة والسلام ان قوما سيخرجون من سكنى المدينة راغبين في سعي العيش وفسحة الحياة بالانتقال باهاليهم الى تلك المدن. ثم اشار الى خيرية المدينة وفضل سكناها بقوله والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون صلى الله ربي وسلم وبارك عليه. فهذه الاقاليم المذكورة اليمن والشام والعراق هي صلب بلاد الاسلام. ثم كانت ولم تزل عبر تاريخ الاسلام المديد ارض الحضارات وارض عواصم الخلافة الاسلامية على مر الزمان. ولكل من هذه البلاد مناقب. ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام واذ نعيش اليوم ما يحز في النفوس في هذه البلدان الثلاثة مما اصابها من الكرب والبلاء. فانا لنزداد مالا وتفاؤلا ان الله كما اراد لهذه البلاد في اول امر الاسلام اراد لها الخير بان تكون اول بلاد الدنيا التحاقا بالاسلام وانضماما الى جزيرة العرب في الشرف بحمل راية هذا الدين. فان البشارة ان تبقى هذه الاقاليم على وجه الارض من خير الاقاليم واعظمها ومهما اصابها من البلاء واحاط بها من الكرب وتكالب عليها الاعداء الا ان فرج الله قريب وان نصره موعود سبحانه وتعالى. وستبقى هذه البلدان حواضن للاسلام. وحاملة لراياته نسأل الله عز وجل ان عجل بالفرج والنصر في هذه البلاد واهلها والمسلمين عامة. امين قال رحمه الله تعالى وظهور الامن حتى تطعن المرأة من الحيرة الى مكة لا تخاف الا الله وظهور الامن مما اخبر به عليه الصلاة والسلام فشو الامن وتقلص الخوف حتى تطعن المرأة يعني حتى تركب المرأة مرتحلة على البعير من الحيرة الى مكة لا تخافوا الا الله والحيرة بلد قرب الكوفة واسم اخر لبلد عند نيسابور ذكر بعضهم انها اندرست ولم يعد لها اليوم بقاء ولا عمران لكنها في الجملة خارج جزيرة العرب او في اقصى شمالها الحيرة. قال حتى تطعن المرأة يعني حتى تخرج مرتحلة مسافرة. هذه المسافة البعيدة التي تبلغ بقطعها في السير على ظهور الدواب اياما متتابعات قال لا تخاف الا الله هذا في اي زمن في زمن فشو الخوف في الاسفار وان الارتحال هو قطعة من الخوف والعذاب. الحديث بطوله قد اخرجه البخاري في صحيحه و من حديث عدي بن رضي الله عنه ولفظه قال عدي بن حاتم بين انا عند النبي صلى الله عليه وسلم اذ اتاه رجل فشكى اليه الفاقة يعني الفقر ثم اتاه اخر فشكى اليه قطع السبيل يعني اللصوص وقطاع الطريق وما يحصل من ابن السبيل اذا انقطعت نفقته وقل زاده فانقطع به السبيل فلم يعد الى اهلي قال صلى الله عليه وسلم يا عدي هل رأيت الحيرة يسأله هل رأيت الحيرة قال عدي لم ارها وقد انبئت عنها فقال صلى الله عليه وسلم فان طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف احدا الا الله يقول عدي قلت فيما بيني وبين نفسي فاين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد؟ عجيب ابن حاتم الطائي من بلد طي في شمال الجزيرة يقول فلما قال عليه الصلاة والسلام سيأتي يوم يقتل ترتحل فيه المرأة وهي امرأة ضعيفة لا قبل لها بقتال ولا تصد لاعداء قال ترتحل حتى تأتي مكة فتطوف بالكعبة لا تخاف الا الله. يقول عدي فقلت في نفسي فاين دعاء رطي اين اللصوص قطاع الطريق ممن اعرف من قبيلتي في طيي الذين كانوا ولا يزالون يقتلون ويسرقون وينهبون. يقول قالها في نفسه متعجبا كيف يمكن لهذا ان يتحقق وهو يرى في حياته انذاك ان المرتحل في تلك المسافات في مظنة هلاك لانه ان نجا من الموت وقطع الطريق وسلب ما معه لم يسلم من انقطاع الزاد او الموت عطشا او جوعا في تلك المفاوز يقول فقلت في نفسي فاين دعاء الذين قد سعروا البلاد قال عليه الصلاة والسلام ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى. كسرى ابن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب او فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد احدا يقبله منه اشارة الى انتشار الثراء والغنى وانحسار الفقر يقول عليه الصلاة والسلام وليلقين الله احدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقولن الم ابعث اليك رسولا فيبلغك فيقول بلى فيقول الم اعطك مالا وافضل عليك؟ فيقول بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى الا جهنم. وينظر وعن يساره فلا يرى الا جهنم قال عدي. سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة قال علي رضي الله عنه ولا يزال الحديث في البخاري قال فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف الا الله. يقول ادركت صدق الذي اخبر به وعاينته. ثم يقول وكنت في من افتتح كنوز كسرى ابن هرمز يشير الى ان امرين مما سمعهما من النبي عليه الصلاة والسلام قد تحققت. ورآها في حياته اما احداهما فقد شارك فيها في فتح بلاد فارس وحيازة كنوز كسرى. قال رضي الله عنه ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي ابو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفه ذهبا او فضة فينفقها فلا يجد من يقبلها صلى الله عليه وسلم. هذه نبوءات والحديث بطوله اخبر عن ظهور الامن. فان قال قائل لكن الامن تبدل خوفا فهي احوال متعاقبة فيعود الامن ويستتب ثم يبدل خوفا ولا تزال الدنيا هكذا. لا يدوم امن ولا يرتفع الا وفق سنن الهية اخبر الله عنها. فطاعة الله والتزام شريعته. والوقوف عند حدوده اسباب امن ورخاء رغد يعيش وبظدها يتبدل الامن خوفا. ويعود ايضا الذعر والهلع ونقص الارزاق والانفس والثمرات كما اخبر الله الله عز وجل ابتلاء للعباد وامتحانا لهم واعادة لهم الى دين الله وصراطه المستقيم. هذه نبوءة اخرى ظهور الامن حتى اتطعن المرأة من الحيرة الى مكة لا تخاف الا الله فصلى الله ربي وسلم وبارك عليه. اللهم صلي وسلم قال رحمه الله تعالى وان المدينة ستغزى. وان المدينة ستغزى. يعني يدخلها الغزو وفيها قتال وقد يبدو هذا عجيبا فان المدينة لما استقر بها الاسلام قبل دخوله عليه الصلاة والسلام على اثر مبايعة الانصار رضي الله عنه لهم في العقبة الاولى والثانية. ثم ارسال مصعب بن عمير رضي الله عنه سفيرا ثم حلوله المبارك صلى الله عليه وسلم بالمدينة فطابت به طيبة وعم الاسلام وبقي هناك صلوات ربي وسلامه عليه حتى لحق بالرفيق الاعلى. فكانت المدينة مو الى الاسلام وعاصمة البلاد وهي مقره عليه الصلاة والسلام وفيها قبره الشريف صلى الله عليه وسلم. فقوله وان حين ستغزى هو ايضا نبوءة عجيبة. وانه ربما حل بها قتال. ليس هذا كفرا ولا ارتدادا للمدينة اهلها عن الاسلام فان الله ما اراد لها ذلك لكنه اخبار عما يصيبها في بعض الاوقات من الحرب والقتال والذعر الذي يعم. اخرج البخاري ايضا رضي الله رحمه الله في صحيحه في في في صحيحه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تتركون على خير ما كانت لا يغشاها الا العوافي. عوافي السباع والطير. يريد عوافي السباع والطير. واخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة. ينعقان بغنمهما فيجدانها وحوشا. حتى اذا بلغ ثنية الوداع وعلى وجوههما يعني تدركهما صعقة الموت فيبعث الله الارض ومن عليها. فاخبر بما يحل بها وانها ستغدو لا يغشاها الا العوافي خرابا يزول عنها الناس فتهجر ولا يعيش فيها الا الوحش والسباع والدواب قال عوافي السباع والطير يعني الوحوش الكاسرة التي لا يعيش معها انسان ولا يحل ذلك بها الا مع خراب الدنيا الزمان وزوالها وليس المقصود بها الحروب والاقتتال فان هذا قد وقع في بعض فترات خلافة الاسلام واصاب المدينة حروب قتال وربما امتد ذلك الى بعض طرقاتها فحصل فيها شيء من المآسي التي حلت في بعض فترات التاريخ لكن يقصد هنا في حديث ما يحل بها من الخراب الذي يكون هو ايذان بزوال الدنيا. فلذلك ايضا مما اخبر به صلوات ربي وسلامه عليه قال القاضي عياض رحمه الله تعالى وتفتح خيبر على يدي علي بن علي رضي الله عنه في غد يومه. هذه ايضا من نبوءات لما حاصر صلى الله عليه وسلم خيبر اتاها واليهود بها قد بلغوا به من الاذى والاساءة والكيد والتآمر والنكال بعد نقضهم للعهد بالمدينة واجلائهم منها قبحهم الله تجمعوا في خيبر فاصبحوا من هناك فساد وشر مستطير. ولما اصطلح صلوات الله وسلامه عليه مع قريش في الحديبية. وامن جانب اهل مكة من العدوان والاذى والقتال اتجه لليهود. فما انحلت مطلع سنة سبع للهجرة في محرم حتى اتى خيبر عليه الصلاة والسلام تريد حسم امر اليهود بها فحاصرهم. فكانت احدى مناقب امير المؤمنين علي رضي الله عنه وارضاه. بل هي من اجل مناقبه قاطبة. ولذلك صدر بها البخاري رحمه الله باب مناقب علي ابن ابي طالب القرشي الهاشمي ابي الحسن رضي الله عنه. فجعلها في مطلع الاحاديث التي رواها في الصحيح دلالة على منقبة امير المؤمنين ابي الحسن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه. الحديث من رواية بسهل بن سعد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو على حصار خيبر لاعطين الراية غدا رجلا الله على يديه فاخبر بامرين الاول انه سيعطي الراية رجل فيه منقبة يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. والامر الاخر ان ان الفتح متحقق. قال يفتح الله على يديه. فكانت هذه النبوءة. فلما تولى علي رضي الله عنه الراية نال الفتح قفل منقبة قال رضي الله عنه فبات الناس يدوقون ليلتهم ايهم يعطاها. باتوا بتطلع بشرف وبشوق ان يكون كل واحد منهم صاحب هذه المنقبة وان يفوز بهذه الخصلة الشريفة فبات الناس يدوقون ليلتهم ايهم يعطاها. فلما اصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. كلهم يرجون ان طه فقال اين علي بن ابي طالب فقالوا يشتكي عينيه يا رسول الله قال فارسلوا اليه فاتوني به. فلما جاء بصق في عينيه فدعا له فبرأ حتى فكأن لم يكن به وجع فاعطاه الراية. فقال علي يا رسول الله اقاتلهم حتى يكونوا مثلنا يعني هل ساظل على قتالهم حتى يدخلوا في الاسلام؟ فقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم. ثم ادعهم الى الاسلام واخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه. فوالله لان يهدي الله بك رجلا واحدا. خير لك من ان يكون لك حمر نعم صلوات الله وسلامه عليه وفيه ما اخبر المصنف به ان خيبر تفتح فكان ذلك بشارة واخبارا قبل فتحها وهي من امارتها نبوءته صلى الله عليه واله وسلم. قال القاضي رحمه الله تعالى وما يفتح الله على امته من الدنيا ويؤتون من زهرتها وقسمتهم كنوز كسرى وقيصر. نعم ما يفتح الله على الامة من الدنيا ويؤتون من زهرتها. يقول عليه الصلاة والسلام والله ما الفقر اخشى عليكم. ولكن اخشى ان عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها. فتهلككم كما اهلكتهم اخبر عليه الصلاة والسلام ان الثلاثة والعشرين سنة التي قظاها في دعوته الى رسالة الاسلام وتبليغ امانة الوحي قضاها عليه الصلاة والسلام وصفحاتها ليس لها عنوان الا الفقر والزهد في الحياة. وقلة العيش والبيات على جوع وعدم التوسع في والله عز وجل قد قال له ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواج جم منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه. رزق ربك خير وابقى. عاش على ذلك ومات عليه صلى الله عليه وسلم. عاش فقير ومات فقيرا صلى الله عليه وسلم. عاش اصحابه معه طيلة حياته حياة الفقر. وشاركوه في ذلك الزهد والورع بل تعلموا منه الزهد في الدنيا والتقلل منها والانكفاء عنها والانثناء عن التوسع في ملذاتها مباحاتها كما تعلموا منه توحيد الله والصلاة والدعاء وسائر الشرائع الاسلام. تعلموا ذلك منه عليه الصلاة والسلام ومع ذلك فقد اخبرهم ان الدنيا ستتسع وان زهرتها لهم ستنفتح وان الكنوز ستحل بين ايديهم وهكذا مكان لك ان تتخيل صحابة ادركوا معه في بعض الغزوات من الجوع ان يتقاسموا التمر فيمصه احدهم يمص التمر يبل بها ريقه يسد جوعته لك ان تدرك هذا الفقر الشديد ان يخرج ابو هريرة رضي الله عنه من الجوع فيتخبط فيسقط صريعا فيغشى عليه لك ان تتخيل من الفقر ان يخرج اشرف الامة واجلها ابو بكر وعمر رضي الله عنه وثالثهم سيد البشر صلى الله عليه وسلم والله ما اخرجهم من بيوتهم الا الجوع لك ان تتخيل ذلك ثم تحين عليهم ايام بعد الفتوحات وانتشار الاسلام. فيؤتى بالكنوز والاموال فتطرح بين الخلفاء في مسجده عليه الصلاة والسلام لقسمتها. فينظرون فاذا الكنوز واذا الاموال واذا الذهب الاصفر والاحمر والفظة والحلي واذا كنوز كسرى احد عظماء البشر ممن سطى وبغى وتسلط في تاريخ البشر يؤتى به بين يدي امير المؤمنين. فينظر اليه فاذا سواره وكنوزه بين يديه. يقول صلى الله عليه وسلم اذا قال لك كسرى فلا كسرى بعده. واذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله اي كنوز لكسرى وقيصر؟ والصحابة يبيت احدهم جائعا طاويا ما يجد عشاء هو واهل بيته. ويخبرهم عليه الصلاة والسلام منذ ذلك الزمن ان كنوز كسرى وقيصر ليس ستكون بايديهم فحسب بل سينفقونها في سبيل الله والله ادركوها ولما عمت فتوحات الاسلام يؤتى الخلفاء عمر فمن بعده رضي الله عنه بكنوز كسرى وقيصر تحل بين ايديهم فينفقونها في سبيل الله فتكون عتادا واعداد جيش وامدادا في الجهاد وتنفيلا للمجاهدين كل ذلك كان الزهرة التي اخبر بها عليه الصلاة والسلام من الدنيا ان ستفتح قد فتحت واتسعت الحياة وكان بابي وامي هو عليه الصلاة والسلام. رغم ما ذكر من اباحتها فيما يؤتاه المال فيما يؤتى المرء من الحلال يحذر من الانغماس فيها. ويرشد الى انها في اخف وطأتها واقل شؤمها على العبد ان التعلق بربه او تظعفه به. فضلا عن ان تكون فتنة فتصرفه عن واجب او حق لله عليه او بعض خلقه عليه فهذه من نبوءاته عليه الصلاة والسلام ان ذلك كائن وما يحصل في اتساع الدنيا وزهرتها وفي بما فتح الله تعالى عليهم بها كل ذلك عظيم كثير جاءت به النصوص الشرعية. وقد عليه الصلاة قدم بكم في ليلة الجمعة الماضية قوله صلى الله عليه وسلم ان الله زوالي الارظ فاريت مشارقها ومغاربها. وان امتي سيبلغ ملكها يبلغ ملكها ما زوي لي منها واعطيت الكنزين الاحمر والابيض. فاخبر بذلك وقد وقع كما اخبر عليه الصلاة والسلام وما زالت بلاد الاسلام بين اتساع وانحسار يصيبها الغنى الغنى والثراء ويصيبها اتساعهم في الحياة والمعايش والمطاعم والمشارب وبين انحسار فيدال عليهم فيكون عليهم من الفقر ايضا والقلة وهي ايام دول تدول للاسلام واهله تدل عليهم تارة وتارة قال رحمه الله تعالى وما يحدث بينهم من الفتون والاختلاف والاهواء وسلوك سبيل من قبلهم وافتراق البخاري في صحيحه من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر قال وجلسنا حوله فقال ان مما اخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها فقال رجل يا رسول الله او يأتي الخير بالشر يعني ما الذي يخشى ان كان خيرا ومالا وسعة؟ قال او يأتي الخير بالشر؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فقيل للرجل الذي سأل ما شأنك تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك يعني هل اغضبته؟ هل كان بينك وبينه شيء؟ فقاطعك وهجرك وتعجبوا من سؤاله له وعدم اجابته عليه الصلاة والسلام. والرجل انما سأل متعجبا مستفسرا. يخبر عليه الصلاة والسلام بانفتاح الدنيا وزينتها فقال رجل او يأتي الخير بالشر؟ فلما سكت عليه الصلاة والسلام قيل له ما شأنك تكلمه ولا يكلمه قال فرأينا انه ينزل عليه يعني الوحي. قال فمسح عنه الرحماء يعني العرق الذي يتحدر منه لشدة الوحي الذي يأتي فقال اين السائل؟ وكأنه حميده. يعني حمد سؤاله ولم يغضب فقال عليه الصلاة والسلام انه لا يأتي الخير بالشر وان مما ينبت الربيع يقتل او يلم الا اكلة الخضر. اكلت حتى اذا امتدت خاسرتاها استقبلت عين الشمس ففلطت وبالتعت وان هذا المال خضرة حلوة. فنعم صاحب المسلم ما اعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل او كما قال صلى الله عليه وسلم وانه من يأخذه بغير حقه الذي يأكل ولا يشبع ويكون شهيدا عليه يوم القيامة فهذه ليست مجرد وبوءة بل هو ميزان شرعي وباب في الشريعة يحكم به المسلم موقفه من الحياة والمال واتساعها في يديه. يقول عليه الصلاة والسلام ضاربا المثل بالربيع اذا اقبل المطر واخضرت الارض وعشوشبت واصاب الرعي شيء من الخضرة وطيب المرعى. قال فانه مما ينبت الربيع يقتل او يلم الا اكلة الخضر. يعني ربما كانت بعض الدواب والماشية لشدة جوعها اذا اقبلت على المرعى في الربيع يصيبها الشره والاكل الشديد مما يصيبها بداء فتموت بسببه وربما يهلك المرء ليس من سعة المال لكن لاقباله الشره على الدنيا فيأكل فلا يشبع فيكون في ذلك هلاكه والعياذ لا فهذا ايضا مما اخبر به عليه الصلاة والسلام. ومما اخبر به ايضا ما اشار اليه المصنف ما يحدث بينهم من الفتون والاختلاف ولهواء سلوك سبيل من قبلهم. يقول صلوات الله وسلامه عليه. لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن يعني ان لم يكونوا هم فمن سيكون فاخبر بما دل عليه كلام المصنف سلوك سبيل من قبلنا ما زالت امة الاسلام منذ مبعثه عليه الصلاة والسلام. ونزول قول ربنا من فوق سبع سماوات اليوم اكملت لكم دينكم انكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. منذ ذلك الزمان ما زالت امة الاسلام عزيزة رفيعة الجناب رافعة الرأس شامخة البنيان فقط اذا هي انتمت الى هذا الدين باعتزاز واذا شعرت بفخر في هذا الانتماء واستغنت بانتمائها الى هذا الدين عن كل شيء سواه نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فاذا ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله مقولة الفاروق عمر رضي الله عنه وارضاه تحصل العزة والاكتفاء اذا اعتز المسلم بدينه. فاذا تخلى ونزع هذا الشرف من فوق رأسه. واسقط تلك اداة نفيسة من حول عنقه تلبس لبوس الذل والهوان. لانه باختياره مشى في ذلك الطريق وركب ذلك المركب وهكذا هو حال الامة لما ابتعدت عن منهاج الشريعة استبدلت استبدلت الذي هو ادنى بالذي هو خير لتتبعن سنن من قبلكم. فلما قال من قبلكم تعجب الصحابة وتحيلوا قالوا اليهود والنصارى؟ قال فمن واليوم نرى بجلاء كيف تتبع امة الاسلام سنا من قبلها. غزانا الاعلام وتسلطت علينا ثقافات الغرب فاصبحنا نرى في اللباس والمطاعم والمشارب وفي الهيئات وفي كثير من انماط الحياة وصورها تشبها هذا يهون ان اقتصر الامر على لباس ومأكل ومشرب وهيئة لكن اسوأ ان يمتد ذلك الى المبادئ الى الافكار الى العقائد تلك السوءة التي لا تغتفر وهذا التراجع المشؤوم عن المراضع الاسلام وقواعده واصوله العظام التي لا يقبل من مسلم الاقدام عليها. فان تتراجع بعض فئات الاسلام وبعض الاسلام فيتبعون سننا من قبلنا من اليهود والنصارى. يشير صلى الله عليه وسلم الى كثرة ذلك وتتابعه بقوله شبرا ابر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه وقد عاينا ونرى كثيرا في وقائع بعظ حياة الناس شيئا عظيما من هذا الاقتداء من هذا اللهاث وراء حضارة وراء سلوكهم وانماطهم لسنا نتحدث عما يشترك فيه البشر في طلب العلم وسعت المعيشة والانتفاع بمباحاة الحياة فليس هذا هو التشبه الذميم. لكنا نتكلم عما ينطق بشخصية صاحبه واستقلاله فكرة لامة الاسلام شخصيتها التي عظمها الله وارتقى بشأنها بشريعة الاسلام ولها احكامها في اداب اللباس الطعام والشراب والتحية والكلام وسائر ما يحتاج اليه المسلم. فان يعيش عليه المسلم باعتزاز واقتدار وافتخار ينأى عن مثل ما اخبر به عليه الصلاة والسلام وعلى كل حال فهي نبوءة اخبر بها وقد قال عليه الصلاة والسلام لتتبعن سنن من قبلكم. كان ذلك سببا للفتن للاختلاف والاهواء ظهور تلك الفرق التي سيأتي كلام المصنف عنها واتساع الرقعة من الخلاف والفرقة والشتات التي حلت ببني الاسلام رحمه الله تعالى وافتراقهم على ثلاث وسبعين فرقة والناجية منها واحدة نعم قال وافتراقهم على ثلاث وسبعين فرقة في حديث السنن عند ابي داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم رحمهم الله قول النبي صلى الله عليه وسلم مخبرا الامة عما سيؤول اليه امرها اخر الزمان. يقول عليه الصلاة والسلام افترقت اليهود على احدى او اثنتين وسبعين فرقة فرقت النصارى على احدى او اثنتين وسبعين فرقة وتفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة. الحديث اسانيده وطرقه كثيرة وهو صحيح. صححه الحاكم وابن حبان والترمذي وغيرهم من ائمة الاسلام وعلماء الحديث. كل هذا واقع افتراق الامة ليس افتراق بلدان وثقافات وجنسيات واعراق لكنه افتراق داخل عقيدة الاسلام وافتراق داخل ما يصح به دين المرء وعقيدته في ربه ونبيه صلى الله عليه وسلم. وحصل هذا الافتراق. هذا الافتراق منشأه الاهواء منشأه اتباع سنن من قبلنا. قال وتفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة. لاهل العلم كلام طويل في هذا الحديث تحديدا هل العدد هنا مقصود؟ وان الثلاثة والسبعين هو عدد مراد لعينه ام هو كناية عن الكثرة والمبالغة فمن اهل العلم من ذهب الى ان العدد مقصود. فطفق بعضهم يشرع في عد تلك الفرق منذ الصدر الاول وتعدد هذه الفرق وظهورها واختصاصها بتسمية مستقلة تميزوا به عن سائر الامة وسوادها الاعظم. فعددوا من ذلك كاصنافا فالخوارج مذاهب شتى والمعتزلة ايضا فرق كثيرة وسائر الفرق التي ابتعدت عن دائرة الاسلام عن دائرة عقيدته الصافية فخالفوا في ابواب القدر واسماء الله وصفاته وحقوقه جل وعلا وسائر ما يتعلق بابواب العقائد فرق شتى كثيرة حلت في بلاد الاسلام نبوءة اخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم افتراقها ليس محمودا بل هو ذميم. لقوله عليه الصلاة والسلام كلها في النار الا واحدة. قيل من هم يا رسول الله؟ قال لهم من كان على ما اثل ما مثل ما انا عليه اليوم واصحابي. فاشار الى ان حبل النجاة والاعتصام بسنته صلى الله عليه وسلم وهدي سلفه القويم هو حبل النجاة وباب هذا الوصف المحمود في الفرقة التي وصفها العلماء بالفرقة الناجية او طائفتي المنصورة قال رحمه الله تعالى وانها ستكون لهم انماط. وانها ستكون لهم انماط ما الانماط الانماط جمع نمط وهو نوع من الفراش المخمل الرقيق الناعم الذي يفرش به الارض فسره ايضا الحافظ ابن حجر قال ضرب من البسط له خبل رقيق. كسائر ما يفرش اليوم في حجرات الناس ومساجدهم ثم يجلسون عليه من الفرش مخمل ناعم رقيق. هذا لم يكن انذاك وفسره النووي رحمه الله بانه ظهر الفراش قال ويطلق على بساط لطيف له خمل فهي نعومة في الفراش الذي تفرش به الارض وعامة البيوت انذاك لم يكن لها فراش. بل حتى المسجد انما كان فرشه الحصى واحدهم اذا اتخذ فراشا في بيته فللنوم عليه لا غير. واما الجلوس فعلى الارض. ولذلك يمهدون لقيعان الحجرات في الدور بالتربة الناعمة والحصباء الصغيرة لتعينهم على امكان الجلوس والوطء ونحو ذلك من استعمال البيت يقول وانها ستكون لهم انماط. في الحديث قصة اخرجها البخاري ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه يقول قال لي النبي صلى الله عليه وسلم هل لكم من انماط سؤال عجيب وفي رواية مسلم بين سبب هذا السؤال. يقول جابر لما تزوجت قال لي النبي صلى الله عليه سلم هل اتخذت انماطا؟ يعني هل كان في جهاز عروسك لما تزوجت ان اتخذت بساطا مخملا رقيقا قال جابر يا رسول الله وانى يكون لنا الانماط هذا شيء بعيد كيف نصل اليه؟ قال انى يكون لنا الانماط؟ قال عليه الصلاة والسلام اما وانها ستكون لكم الانماط يعني ان رأيته اليوم بعيدا فسيكون مألوفا ومعتادا وسيغدو قريبا. قال اما انها ستكون لكم الانماط. قال جابر فانا اقول لها يعني زوجته فانا اقول لها اخري عنا انماطك يعني عاش جابر فرأى هذا واتخذ نمطا فرش هو في بيته فكانت زوجته تفرشه يقول فانا اقول لها اخري عنا انماطك. فتقول الم يقل النبي صلى الله عليه وسلم انها ستكون لكم الانماط تحتج عليه تقول اما اخبرك انه سيقع فما الحرج فيه؟ قال جابر فادعها. يعني فاسكت واتركها وهو انما ان لانه فهم او ربما شعر من قوله عليه الصلاة والسلام اما انها ستكون لكم الانماط انه نوع من التوسع في الحياة فيه ذنب وفيه اشارة الى الرفاهية والترف الذي لا يأتي في نصوص الشريعة الا مقرونا بالذنب في الغالب. خشي من ذلك قال الحافظ بن حجر واما استدلال زوجته عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم الم يقل كذا؟ فليس له وجه لان ان اخباره لا يعني مطلق الاباحة بل قد يخبر صلى الله عليه وسلم بالشيء نبوءة بوقوعه وقد يكون مذموما وعلى كل ففي قصة اشار اليها المصنف بقوله وانها ستكون لهم انماط. كل هذا وما سبق كيف اخبر به عليه الصلاة والسلام الا وحيا من الله. نعم قال رحمه الله تعالى ويغدو احدهم في حلة ويروح في اخرى وتوضع بين يديه صحفة وترفع اخرى ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة. ثم قال صلى الله عليه وسلم اخر الحديث وانتم اليوم خير منكم يومئذ. حديث طويل اخرجه الامام الترمذي رحمه الله في وفيه جهالة راو فقال الترمذي حديث حسن غريب يشير الى ضعفه لعدم تسمية بعض رواته. والحديث فيه قصة ايضا قصة مصعب ابن عمير رضي الله عنه يقول علي بن ابي طالب رضي الله عنه انا لجبوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد اذ طلع مصعب بن عمير ما عليه الا له مرفوعة بفرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو اليوم فيه مصعب بن عمير شاب من انعم فتيان قريش عيشا في شبابه قبل الاسلام فلما اسلم هجرته امه يذكر عن مصعب انه بلغ به الترف والنعيم في شبابه بمكة قبل الاسلام واتساع ما هو عليه من الثياب والهيئة والطيب انه اذا استعمل طيبا فمشى في زقاق بمكة يبقى اثر الطيب بعده فيعرف مرور مصعب من ذلك المكان ببقاء اثر الريح. يدل على سعة وترف عظيم. فلما اسلم تبدل حاله وارتضى حياة الفقر والقلة لما اغناه الله بالاسلام فعاش هذا المشهد في ذكر في الحديث ان النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى تبدل حاله ادركته العبرة. ان مصعبا كيف كان وكيف اصبح وكيف تبدل حاله ولم يصبره على ذلك الا رضاه بالدين الذي اكرمه الله به. وانه ترك الدنيا بما فيها خلف اذا كانت ستأخذ به بعيدا عن دين تشرف بالانتساب اليه. وانه ان لم يكن الا الاسلام مصحوبا بالفقر وقلة العيش فحبا وكرامة. وان كانت الدنيا بسعتها ستقوده الى الشرك والكفر بالله والاعراض عن دينه فلا قرت عين ولا سعدت بها نفس. فاثر رضي الله عنه الفقر والقلة وما وجده في الحياة كما هو شأن كثير من بالكرام رضي الله عنهم. يقول فادرك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فبكى. ثم قال صلى الله عليه وسلم كيف بكم فجاءت النبوءة والاخبار بالغيب. كيف بكم اذا غدا احدكم في حلة وراح في حلة؟ غدا يعني خرج اول نهار وراحة مشى في اخره. يعني كيف بكم اذا بلغ بكم السعة والثراء ان احدكم يلبس ثوبين في اليوم واحدا في اوله وثانيا في اخره ولا يكون هذا الا بالسعى وان احدهم يملك من الثياب اصنافا والوانا ينزع ويلبس ويغسل ثوبا ليلبس غيره فيما عاش السلف وقلة لا يملك احدهم الا ما يستر عورته وان بعضهم اذا احتاج الى غسل ثوبه قعد في البيت لعدم وجود ما يلبسه اذا اراد غسل ثوبه فقال كيف بكم اذا غدا احدكم في حلة وراح في حلة ووضعت بين يديه صحفة ورفعت اخرى تعدد الاطباق في الطعام يوضع طبق ويرفع طبق ويؤتى بطعام ثم باخر بعده ثم بمقبلات وصلب الطعام ثم الحلوى ونحوها فترفع الاطباق اقوى تأتي هذا اشارة ايضا الى السعة في المطاعم والمآكل والمشارب فقال صلى الله عليه وسلم كيف بكم اذا غدا احدكم في حلة وراحة في حلة ووضعت بين يديه صحفة ورفعت اخرى اشارة الى اتساع العيش كما تقدم. قال وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة وهو ايضا اشارة الى انه سيتخذ على جدران البيوت ستور ترخى فتستر بها الجدران من داخلها. ولاهل العلم في هذا تفصيل بين الكراهة والتحريم في حاجة او لغيره لورود النهي به. واذا سترت بتمامها الجدران ومن داخل البيوت والحجرات. فهذا موضع النهي اما اذا دعت الحاجة لبرد او لسد ضوء ونحوه وحجب شمس فذلك مما لا يتناوله النهي. قال عليه الصلاة والسلام كيف اذا غدا احدكم في حلة وراح في حلة ووضعت بين يديه صحفة رفعت اخرى وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة. قالوا يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم يعني اذا اصبحنا في ذلك الزمان فنحن خير مما عليه نحن الان قالوا يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم لم قالوا نتفرغ للعبادة ونكفى المؤونة ان سعة العيش لن تشغلنا عن طاعة الله سنكفى ذلك ونتفرغ للعبادة. فقال صلى الله عليه وسلم لانتم اليوم خير منكم يومئذ فان قلة العيش خير من اتساعها والعبد انما يعان على طاعة الله بحمل القلب والنفس. والا فانه مهما وفرت الاسباب ما لم يكن للعبد سعي مسبوقا بفضل الله وتوفيقه فلن يهدى الى شيء من الدلالة على لزوم طاعة الله وعبادته. هذا الحديث مع ما سبق وما سيأتي في الفصل دلالات عظيمات وايات باهرات. فمن الذي اخبره عليه والسلام بان هذا حاصل ما ادرك زماننا ولا زمان ما قبلنا ليرى ان احدنا له بدل الثوب اثواب وان اطباق الطعام توضع على الموائد وترفع تباعا. من الذي اخبره؟ ما دله الا وحي اتاه من ربه عز وجل. فاذا له الوحي بصفحة من علم الغيب كانت معجزة واية صادقة على نبوته صلوات الله وسلامه عليه. فلذلك هو فصل عظيم من الايمان نملأ به قلوبنا حبا وايمانا بصدق رسالته ونبوته صلى الله عليه وسلم فاجعلوا هذا نصب اعينكم انتم تشغلون ليلتكم الجمعة وغدا بكثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وهو يقول اكثروا من الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة فان صلاتكم معروضة علي. وفيك تسيب المحابر شوقا وتهفو النفوس حنينا اليك. تطيب الحياة بذكرك دوما