كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شئت ربنا من شيء اهل الثناء والمجد احق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولا رب سواه. رب العالمين واله الاولين والاخرين وديان يوم الدين سبحانه وبحمده لا نحصي ثناء عليه هو كما اثنى على واشهد ان سيدنا ونبينا وحبيبنا وامامنا وقرة عيوننا محمدا عبد الله ورسوله امام الانبياء وخاتم المرسلين. وحبيب رب العالمين وصفوة الله من خلقه اجمعين. اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين والتابعين لهم ومن تبع باحسان الى يوم الدين اما بعد معشر المؤمنين. فهذه ليلة الجمعة التي ما زالت سماؤها مضيئة بكثرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. تنبعث بها قلوب المحبين قبل افواههم شوقا وحبا وايمانا لنبي ملأ حبه القلوب صلوات ربي وسلامه عليه. وهو الذي ندب امته المحبة لما قال اكثروا من الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة. فاللهم صل وسلم وبارك عليه. عدد ما صلى عليه المصلون وصل اللهم وسلم وبارك عليه عدد ما غفل عن الصلاة عليه الغافلون. الا فاعلموا ان المصلين في امته سواك كثير صلى الله عليه وسلم. والمحبون له من امته ايضا سوانا كثير صلى الله عليه وسلم واسبقنا في هذا الحب واصدقنا في هذا الايمان والوفاء هو اقربنا من هديه وسنته العطرة العظيمة صلى الله ربي وسلم وبارك عليه. وما زال مثل هذا المجلس يقودنا حبا وشوقا. وصلاة وسلاما وايمانا واتباعا وطاعة واقتداء لنبي اعلى الله شأنه ورفع قدره وعظم منزلته صلوات ربي وسلامه عليه. يقودنا مجلس كهذا ونحن في رحاب بيت الله الحرام. وعلى مقربة من كعبته المعظمة نتدارس شأنه العظيم صلى الله عليه وسلم. ونقلب صفحات من حقه الكبير صلى الله عليه وسلم نملأ القلوب حبا فوق حبها ونزيدها ايمانا فوق ايمانها فان هذا من الايمان الذي يتعلم والعلم الذي يدرس وهكذا ينبغي ان يكون شأن اهل الاسلام مع نبي الاسلام صلى الله عليه وسلم. يتوارثون حبه ويتعلمون هديه ويرفعون رايته ويتناقلون شأنه وسننه وسيرته صلى الله عليه وسلم. حري امة الاسلام ان يكون شأن نبيه عليه الصلاة والسلام على كل لسان. وحري ايضا بامة الاسلام ان يكون هدي نبي صلى الله عليه وسلم منتشرا بين الانام. وحري بامة الاسلام ان يكون علمها بنبيها صلى الله عليه وسلم بسيرته وشمائله وحقوقه وواجباته امر متقرر في النفوس عند الصغير والكبير على بحد سواء والرجال والنساء على حد سواء والمتعلمين والعوام على حد سواء فهذا دين. وهذا علم وهذا الايمان ينبغي ان يكون في الامة من الحرص والعناية والهمة ما يجعل هذا الباب العظيم من الايمان والعلم ذائعا منتشرا ونحن بهذا نخط طريقا عظيما نرجو به منزلة رفيعة عند ربنا سبحانه وتعالى ونسلك سبيل الهداية وطريقها القويم باتباع هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. ومن ذلكم الباب ايها ايران ما نحن فيه في هذا المجلس في كل ليلة من ليالي الجمعة. نقلب صفحات من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه عليه وسلم للامام القاضي عياض رحمه الله تعالى من اجل ان تتقدم هذه القضايا في النفوس وتزداد وان النفوس المؤمنة عظيم قدر النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام. معجزاته والايات التي ايده الله بها باب عظيم يدل على عظيم قدره عند ربه سبحانه وتعالى. تلك الايات التي ما زلنا نقلب فيها الصفحات منذ مجالس في ايام واسابيع وشهور متتابعات. حتى كان الفصل الذي خصه المصنف رحمه الله بما هو من علم الذي اقنعه الله عز وجل عليه. وحياته كلها من الوحي وهو من الايمان بالغيب. ونبوته والهدي الذي بعث به والقرآن الذي انزل عليه كل ذلك من علم الغيب الذي خص الله به نبينا صلى الله عليه وسلم. فدل الامة على ما اوحى الله اليه وهداها على الطريق الذي دله الله عز وجل اليه. كثيرة هي الاحاديث التي ساقها المصنف وقضينا فيها ليلتين سابقتين حتى وصلنا عند قول المصنف في النبوءات التي اخبر بها عليه الصلاة والسلام وما كان من شأن الامة وما سيكون منها في اخر الزمان وانها ستكون لهم انماط ويغدو احدهم في حلة ويروح في اخرى توضع بين يديه صحفة وترفع اخرى ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة حتى قال في اخر الحديث وانتم اليوم خير انكم يومئذ وما زال في الفصل بقية نمضي عليها الحديث ادراكا والحاقا للاحق بالسابق بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله المنفرد بالجلال والكمال. المنزه عن الاكفاء النظراء والامثال والصلاة والسلام الاتمان الاكملان على نبينا المصطفى من الارسال. وعلى اله وصحبه في خير صحب وخير اب. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ما قنت مصل وقال. قال المصنف رحمه الله تعالى فصل فيما اطلع عليه من الغيوب صلى الله عليه وسلم. الى ان قال وانهم اذا المطيطاء وخدمتهم بنات فارس والروم. رد الله بأسهم بينهم. وسلط شرارهم على خيارهم هذا هذا الكلام من من حديث المصنف رحمه الله تعالى معطوف على قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم اعلم اصحابه ما وعدهم به من الظهور على الاعداء وفتح مكة وبيت المقدس واليمن والشام الى ان قال عليه الصلاة والسلام وما يحدث بينهم يعني بين امته من الفتون والاختلاف والاهواء وسلوك سبيل من قبلهم وافتراقهم الى ان وانهم يعني امته وهم نحن ومن يكون قبلنا ومن سيأتي بعدنا وانهم اذا مشوا غطاء وخدمتهم بنات فارس والروم رد الله بأسهم بينهم. وسلط شرارهم على ولفظ الحديث كما اخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وقال الهيثمي اسناده حسن وصححه الالباني رحم الله الجميع قول النبي عليه الصلاة والسلام اذا مشت امتي المطيقاء والمقصود بالمطيطاء مشية والتبختر والتكبر والعجب. فيمشي احدهم وقد رفع صدره وامتدت يداه زهوا. وتفاعل وتكبرا وتبخترا وترفعا. قال اذا مشت امتي المطيطاء وخدمها ابناء الملوك ابناء فارس والروم. وهذا القدر من الوصف كما ترون يشير الى حياة فيها العظيم من التوسع والترفه والغنى والثراء. اذا مشت امتي المطيطاء وخدمها ابناء الملوك ابناء فارس والروم سلط الله شرارها على خيارها. والمقصود انها كونوا عودة اخرى الى شيء من الفتن التي يسلط فيها شرار الامة على خيارها. وهذه عاقبة الترف هي سنة الله في الامم اذا اتسعت الحياة فبلغت ترفا مذموما وتوسعا سيعود في الغالب على قدر من نسيان حق الله وستنشأ فئات في المجتمع تعيش الطغيان في الحياة وتعيش الترف وتعيش حساب على حساب الاخرة فتحل الفتن. قال سلط الله شرارها على خيارها. وهذا طرف مما اشار اليه المصنف مما مضى معنا في ليلة الجمعة الماضية وما يفتح الله على امته من الدنيا. ويؤتون من زهرتها وما يحدث بينهم من الفتون والاختلاف والاهواء فهذا طرف من ذاك. بل ما ختمنا به مجلس ليلة الجمعة الماضية. لما قال النبي صلى الله عليه وسلم جابر هل لكم من انماط؟ وكان جابر رضي الله عنه قد اعرس فقال لما تزوجت قال لي اتخذت انماطا والنمط كما مر بكم لون من الفرش والبسط له مخمل رقيق ناعم. فقال وانا يكون لنا الانماط؟ قال ما انها ستكون لكم الانماط. ثم قال ايضا فكيف انتم اذا غدا احدكم في حلة وراحة اخرى؟ ووضعت بين يديه صحفة وترفع اخرى ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة. والحديث في قصة مصعب كما مر بكم. هذا التوسع في الحياة يشير الى امر مرتبط دوما بالمجتمعات في بلاد الاسلام وفي غيرها. وهو ان التوسع في الحياة يورث نعيما زائدا ترهلا وتراخيا ثم ينشأ عنه في الغالب الا من رحم الله قدر كبير من التقصير في حقوق الله لانشغال النفوس بالدنيا واتساعها بين ايديهم. فاذا اتسعت الهت. واذا الهت حملت المرء على الطغيان في الغالب فاذا كان ذلك سمتا في المجتمع وغلب على حياة الناس فيهم ستنشأ مظاهر الترف. وقد قال الله عز وجل اذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها. فينشأ الفسوق في اول من الطبقات المترفة التي ادخلت بهذا التوسع في الحياة. قال الله عز وجل ففسقوا فيها فحق عليها القول فدبرناها تدمير فالحديث يشير الى شيء فيه معنى زوال الفقر وقلة العيش التي بدأت به الامة في اول الاسلام في عليه الصلاة والسلام ثم ينشأ ما سيصحب ذلك من بعض العلامات منها ما اشار اليه الحديث وغيره ايضا من احاديث الباب وقتالهم الترك والخسر والروم وذهاب كسرى وفارس حتى لا كسرى ولا فارس بعده قتالهم التركى والخزر والروم وفي بعض الفاظ الحديث وخوزة والروم. قال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الذي اخرج البخاري لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا التركى. وسماهم عليه السلام بالترك. وخطأ يظن بعض معاصرين انها المقصود بها اهل البلاد المسماة بهذا الاسم حديثا. انما جاء في الحديث ما يبين وصف الجنس من البشر قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الاعين حمر الوجوه الالوف كان وجوههم المجان المطرقة. ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر اخرجه البخاري. فالترك الموصوفون في الحديث كما ذهب عامة من شرح الحديث هم اهل بلادي اسيا الوسطى والشرقية كذلك. في اقاصي شرق اسيا. الذين يوصفون كما قال عليه الصلاة والسلام بصغار الاعين حمر الوجوه بل في الانوف. والمقصود بدلف الانوف كما قال الامام النووي رحمه الله صغار الانوف قصرها مع انبطاحها. والمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم كان وجوههم المجان المطرقة جمع ميجن وهو الترس الذي يستخدمه المقاتل في الجهاد يتقي به. فيمسكه وهو عبارة عن مصفحة مستديرة من حديد يحملها باحدى يديه ويقاتل بالاخرى. ويتقي بها صدره وضربات العدو. فالترس يكون مستديرا فشبه الوجوه بالاستدارة كأن وجوههم المجان. وقوله المطرقة فالترس في بعض صناعاته متقنة يكون اذا صفح يلبس قطعة من جلد حتى تكون له بطانة تكون اقوى في قاء فشبه عليه الصلاة والسلام امتلاء الوجوه وغلظها وكثرة لحمها مع الاستدارة فيها بقوله كان لها المجام المطرقة فذلك اشارة الى التروس التي كسيت بالجلد حتى اصبحت آآ فيها قدر من الانتفاع فشبه الوجوه في هؤلاء القوم الذين سماهم بالترك كذلك قال كأن وجوههم المجال المطرقة ولا الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر. وقد كان. وامتدت فتوحات الاسلام من زمن الخلافة الراشدة زمن امير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه. ثم خلافة عثمان رضي الله عنه. ثم خلافة علي رضي الله عنه ما زالت فتوحات الاسلام بعده تباعا في خلافة بني امية وبني العباس. وامتدت فتوحات الاسلام ووصلت وكتائب المجاهدين وفيهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ادرك ذلك. وقاتلوا اهل تلك البلاد ووصل الاسلام الى بلاد الصين شرقا. وامتدت فتوحاته ودخل الناس في تلك الاقاليم. وصدق عليه الصلاة والسلام حتى تقاتلوا الترك صغار الاعين حمر الوجوه دلف الانوف كان وجوههم المجان المطرقة. هذا في قوله عليه الصلاة والسلام قتالهم التركى والخزر كذلك والروم وجاء في بعض الالفاظ وخوزا وكرمان والروم وكلها يشار بها الى بلاد تقع ما وراء النهر في بلاد خراسان وحولها ونواحيها وما يكون بعدها وقد وقع كل ذلك كما اخبر عليه الصلاة والسلام فقاتل الصحابة وامتدت فتوحات الاسلام حتى وصلوا الى تلك البقاع وكان من تلك البلاد التي وصف النبي صلى الله عليه وسلم اهلها بما جاء في مثل هذا الحديث يقول ايضا لا تقوم الساعة كما في صحيح البخاري حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الاعاجم. حمر الوجوه فطس الانوف غار الاعين كان وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر. فهذه الاحاديث يفسر بعضها بعضا. وقوله الترك في الحديث الاول وقوله خوذة وكرمان من الاعاجم في الثاني يحمل على تفسير الالفاظ بعضها لبعض وقد اجتمعت كل في وصف الوجه كما قال عليه الصلاة والسلام في حمر الوجوه وفطس الانوف وصغار الاعين. والمقصود ان هذه النبوءة التي تكلم بها عليه الصلاة والسلام في وقت ما كان الاسلام يتجاوز فيه انحاء من جزيرة العرب. فامتدت الى ابعد ما يمكن يمكن ان يخطر على بال انسان في ذلك الوقت. ولك ان تتخيل ان الصحابة وهم برفقته عليه الصلاة والسلام بالمدينة وهم يغزون ويغار عليهم وهم يرسلون الكتائب والسرايا لتثبيت الاسلام ودرء العداء عنه يقول لهم عليه الصلاة والسلام ستبلغون منطقة بعيدة من الارض. وستدخلون بالاسلام الى تلك النواحي. لو كنت صحابيا تلك المرحلة فيقول لك النبي عليه الصلاة والسلام انه سيكون ذلك يوما ما. فيفتح في نفسك قدرا كبيرا من ثقة بوعد الله والاستبشار بما هيأ الله لدينه. وقدر كبير من الفرح انك مهما عشت في ظرف فيه من الاساءة او العداء للاسلام واهله الا ان ذلك من سنن الله عز وجل في هذه الدار والا فالاسلام باق ومنتشر والاسلام متسع ومحفوظ بحفظ الله جل جلاله. فادرك الصحابة ذلك وقاتلوا اقواما ما كانت لاعينهم ان تبصرها قبل وصف النبي عليه الصلاة والسلام. وما كانوا يدركون وجوها من البشر على هذا النحو من الوصف لكنه قد كان ما اخبر به عليه الصلاة والسلام اية ونبوءة ومعجزة. كان علم غيب اوحاه الله اليه فاخبر به الامة فكان هذا في عداد المعجزات التي تثبت صدقه عليه الصلاة والسلام وترفع في امته عظيم القدر عندهم وعند ربه سبحانه وتعالى. وذهاب كسرى وفارس كسرى ولا فارس بعده وذهاب قيصر حتى لا قيصر بعده. قال عليه الصلاة والسلام والحديث في الصحيحين اذا هلكت كسرى فلا كسرى بعده. واذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله هلك كسرى وهلك قيصر ولم يكن ذلك يحتاج الى قرون بعيدة بعده عليه الصلاة والسلام بل بسنوات معدودات في خلافة امير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه وتهدمت عروش كسرى وقيصر وسالت دولتهما ودخل الناس في الاسلام وتهدمت على ايدي الصحابة وسيوفهم اعظم ممالك الارض البشرية انذاك فكان العز للاسلام وكان النصر لاهله. وكان الانتشار لهذا الدين مما وعد به النبي عليه الصلاة والسلام. فكانت نبوءات متحققة تأتي تباعا وهو القائل وللذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله. فانفقت تلك الكنوز وجيء بها غنائم وزعت بين الصحابة وقسمت بين المجاهدين وعاد منها الكثير الكثير الى بيت المال. فاصبح عتادا لمزيد من الجيوش والجنود التي تقود الفتح وادخال الناس في دين الله. واصبحت هذه ايضا مددا ينقل بها المجاهدون ويمد بها جيوش الاسلام حتى تنقل نور الاسلام وهداية الاسلام ورحمة هذا الدين للبشرية جمعاء في سنوات معدودات ما تجاوزت القرن من الزمان بل ولا نصفه بل ولا ربعه. في اقل من ذلك ما تجاوزت خلافة الخلفاء الراشدين الاربعة رضي الله عنهم ثلاثين سنة. في ظرف كهذا ووقت قصير بالاسلام رظي الله عنهم وارظاهم اقصى شرق الارض واقصى غربها. فدخل الاسلام افريقيا. وامتد الاسلام الى شمال تتطاول حتى تجاوز بلاد الروم وما وراءها. ووصل الى اقاصي بلاد اسيا فتجاوز السند والهند والصين تجاوز كذلك شرقا وغربا. فكانت هذه النبوءات مبشرة. وكان فيها قدر عظيم من دفع تلك النفوس المؤمنة ان ذاك الى الثبات على الاسلام لما يخرج صحابي مثل انس رضي الله عنه فتبلغ به خطاه مشاركا في الجيوش الفاتحة الى ارض سجستان في بلاد ما وراء النهر. ويقف رجل من اصحاب محمد عليه الصلاة والسلام. وسط الجموع الفاتحة التي تنقل اسلام ولا يزال في وعيه واذنه وما وقر في قلبه ان النبي عليه الصلاة والسلام بشر بتلك الفتوحات. ويقودون الفتوح تلو الفتوح والمدائن تلو المدائن بابا بعد باب ترهق الانفس وتزهق الارواح وتقدم الدماء رخيصة ولما كانوا يخرجون في هذه الجهاد وهذه الفتوحات ما خرج احدهم يبحث عن حظ نفسه ولا دنيا يصيبها خرجوا وليس لهم مطمع ولا رغبة سوى خدمة دين الله عز وجل. ونصرته وتبليغ هدى دينه العظيم الى العالمين فرأوها امانة رضي الله عنهم. فعم الاسلام وانتشر وها هي لي جموع المسلمين تأتي اليوم من العرب ومن كل قطر وهم يأمون البيت الحرام ومسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام حجاجا وعمارا وزوارا وقد حملوا هذا الاسلام في قلوبهم وشهدوا الشهادتين واقبلوا موقنين بهذا الدين. وهم يلحقون بركبه ويورثونه للاجيال من بعد فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من الغيب الذي اوحى الله عز وجل اليه. وذكر ان وما ذات قرون الى اخر الدهر. وبيقول عليه الصلاة والسلام فارس نطحة او نطحتان ثم لا فارس فبعد هذا ابدا. والروم ذات القرون كلما هلك قرن خلفه قرن. اهل صبر واهله لاخر الدهر هم اصحابكم ما دام في العيش خير. الحديث فيه ضعف وضعفه عدد من المحدثين لكنه يشير الى سمت كانت عليه تلك الممالك انذاك. فقوله فارس نطحة او نطحتان. يعني انما تكون الصولة والجولة مع مملكة فارس جولات معدودة جولة او اثنتان ثم تزول فارس وينتهي ملكها. وقوله ثم لا فارس بعد هذا ابدا. والروم ذات القرون. يعني ان مملكة النصارى الرومية انما تكون لهم الصولات جولات على ممر السنين وهكذا كان. فما زالت الحملات الصليبية التي عاشت معها امة الاسلام مراحل وحروبا كما قال والروم ذات القرون كلما هلك قرن خلفه قرن. فكان هذا ايضا اشارة الى ما اخبر به صلوات وسلامه عليه. وبذهاب الامثل فالامثل من الناس. وبذهاب الامثل فالامثل من الناس يقول نبيكم صلوات الله وسلامه عليه كما اخرج البخاري في صحيحه. من حديث مرداس الاسلمي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يذهب الصالحون الاول فالاول. ويبقى حثالة كحفاة الشعير او التمر لا يباريهم الله باله. قال ابو عبدالله يعني البخاري يقال حفالة كثالة بمعنى واحد يعني يقول يذهب الصالحون الاول فالاول والمقصود بالذهاب هنا الموت وصعود الارواح يذهب الصالحون. قال يذهب الامثل فالامثل. يعني انما يقبض الله عز وجل الصالحين واولياءه من عباده المؤمنين قبل غيرهم. ويتفاوت الناس في هذا. والمقصود ان اهل الجيل واهل الزمان وفيهم الصالح والطالح وفيهم الولي التقي العابد وفيهم الفاجر الشقي الا بعد هكذا يكون في كل زمان وانما تعجل ارواح الصالحين قال بذهاب الامثل فالامثل من الناس وتقارب الزمان وقبض العلم وظهور الفتن والهرج. هذه اربع من اشراط الساعة وعلاماتها ثبتت ايضا في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه وارضاه. يقول نبيكم صلى الله عليه وسلم ومثل هذه الاحاديث وهي نبوءات ينبغي ان تنفتح لها القلوب قبل الاذان. لانها اخبار عن صفحة من علم الغيب. وانا وانت لا نعلم الا ممن اوحى الله عز وجل اليه هذا الغيب. ثم هي وصف لمرحلة من الزمان قد تدركنا وقد ندركها. فالعلم بها ينبئ المؤمن عن واجبه بايمانه انذاك ما الذي ينبغي عليه ان يكون؟ يقول نبيكم صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج. هذه خمس علامات. يقبض العلم. وقد اشار عليه الصلاة والسلام في حديث اخر صحيح ان الله الا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العباد. ليس محوا من العلم من صدور اهل العلم. قال ولكن يقبض العلم بقبض العلماء. فاذا قبض العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالا فافتوا بغير علم فظلوا واضلوا يا قوم لا يزال في الامة خير ما بقي فيها اهل العلم. وما دام العلم منتشرا ظله ممتدا بساطه فهي امارة خير. وبعد عن الساعة وفتنها واشراطها. فاذا تلاحق العلماء وامتدت بهم الوفيات ثم خلت الساحة من علم متين راسخ ومن علماء رب يرفعون رايته وينشرون هديه فتلك والله امارة ونذارة. يقول حتى يقبض العلم ولتكثر الزلازل ويتقارب الزمان. والمقصود بتقارب الزمان كما ذكر اهل العلم سرعة انقضائه فيكون الشهر فتكون السنة كالشهر. ويكون الشهر كالاسبوع ويكون الاسبوع كاليوم ويكون اليوم الساعة وما زال كثير منا يلحظ مثل هذا. تتعاقب السنوات وتتوالى ثم تتصرم الايام يفجأ احدنا الشيب وقد حل به. والعمر وقد تقدم به وكثيرة هي مراحل العمر. تقارب الزمان من الساعة واشراطها. يقول عليه الصلاة والسلام وتظهر الفتن ويكثر الهرج. الهرج قال وهو والقتل القتل. ففسر الهرج بكثرة القتل. واظن انا في زمن بلغ به كثرة القتل حتى اصبحت تسمعها في نشرات الاخبار صبح مساء. فلا تدري كم تقطف من رؤوس بني الاسلام هنا وهناك ويموتوا في حادثة واحدة واعتداء وقتل وعدوان واحد الاحاد والعشرات والمئات ولهاذا تباعا وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. يكثر الهرج ويكثر القتل وهو المقصود قال حتى يكثر فيكم المال فيفيض. هذه علامات صادقة اخبر بها عليه الصلاة والسلام ونحن نراها اليوم رأيا يا عين فلما قال لا تقوم الساعة حتى يحصل كذا وكذا. فاذا حصل فانا ننتظر وقوع ما اخبر به عليه الصلاة والسلام. فالساعة اذا اتية لا محالة. وكلما كثرت علاماتها دل على مزيد قربها. نسأل الله الحفظ والعافية والسلام. وقال صلى الله عليه وسلم ويل للعرب من شر قد اقترب حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها وارضاها. فيما اخرج البخاري ومسلم في حديث فيه ايضا نبوءة من علامات الساعة واشراطها. تقول رضي الله عنها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا اه محمرا وجهه وهو يقول لا اله الا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من رب يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق باصبعه الابهام والتي تليها حلق بالابهام والتي تليها. قال فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه باصبعه الابهام والحديث تليها. قالت زينب ام المؤمنين رضي الله عنها فقلت يا رسول الله انهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم. اذا كثر الخبث. فقوله ويل للعرب من شر قد اقترب واشار الى ان الشر الذي اقترب هو قرب خروج يأجوج ومأجوج. وقد قال كما سمعت والحديث في الصحيحين انه اخبر عن انفتاح ردم يأجوج ومأجوج الذي بناه عليهم وسده ذو القرنين كما اخبر الله في سورة الكهف انه قد انفتح منه وانفرج مثل هذه. وانت تتكلم اليوم على بعد الف واربع مئة وثلاثين سنة واكثر من مثل هذه المقالة. فيا ترى كم عساه قد اتسع مثل هذا الانفتاح في ردم يأجوج ومأجوج على مدى اربعة من الزمان واكثر. اتظن انه لا يزال في العمر في الدنيا وفي قرونها الناس على وجه الارض حتى يخرج يأجوج ومأجوج اكثر من الذي مضى منذ ان قال عليه الصلاة والسلام ويل للعرب من شر قد يا رب لا والله ثم تأمل وصف ام المؤمنين رضي الله عنها خرج عليه الصلاة والسلام فزعا محمرا وجهه اذا هو شيء يستحق ان يخاف منه. وان يمتلئ قلب المؤمن منه فزعا. وخوفا واخذا باسباب النجاة يا قوم ان كان قد قرب خروج يأجوج ومأجوج اتظن بالله ان احدنا لا يزال على مأمن كبير وضمان لسلامة نفسه ودينه من الفتن التي ستعصف بالناس اخر الزمان وخروج يأجوج المأجوج انما هو في اشراط الساعة الكبرى. وعلاماتها التي ليس بينها وبين النفخ في الصور وطلوع الشمس من مغربها الا اخر انفاس الدنيا على وجه الارض. وهو يقول عليه الصلاة والسلام منذ ذلك الوقت ويل للعرب من شر قد اقترب فهل يقول قائل امثل هذا الحديث سائغ ان يحدث به الناس وان يذاع عليهم في مجالس والجوامع وفي الخطب وفي المجالس ام هو نوع من بث الفزع والخوف والهلع في نفوس الناس ومثل هذا لا ينبغي بلى لان الذي حذر به واخبر به وانبأ به هو رسول الله عليه الصلاة والسلام ولما فزعا قائلا للامة ويل للعرب. من شر قد اقترب. وليس المقصود بهذا الخطاب العرب خاصة. لكن لانهم معنيون بالامر قبل غيرهم. ولانهم صلب الاسلام ولانهم عموده. ولانهم عصبته التي قام على اكتافهم هذا الدين فمثلهم ينبغي ان يكون اول المعتنين به واول الحذرين على مستقبل الاسلام وشأنه وان الفتن التي تعصف بسفينة الاسلام والتي ستهز جباله الرواسي وطوده الشامخ فانما ينبغي ان يكون في الحراس والاعين الساهرة من العرب قبل غيرهم من يحرص على هذا الامر العظيم وينتبه له والا فالشأن شأن امة الاسلام جميعها عربا وعجما وهم كلهم اولو امانة وكل مسلم له حظه من هذا الدين امانة وعناية وواجبا في القيام بحقه وفي الجملة فهذا الحديث من اعظم النبوءات التي اخبر بها عليه الصلاة والسلام بشأن هذا الشر واما الساعة المنتظرة التي قد قال عنها انها اقتربت وهي اشبه ما يكون بقول ربنا عز اسمه اقتربت الساعة. قبل اكثر من اربعة عشر قرنا من الزمان. وبعد مرور هذه المئات بعد الف سنة وزيادة. اتظن ان القريب الذي قال الله عنه قبل الف واربع مئة عام قال الله عنه انه قريب. فما عساك ان تقول عنه اليوم؟ هو اقرب من القريب ولا شك ينبغي ان يكون المؤمن على علم فهذا من الدين وصفحة من الغيب التي لا تدرك الا بالوحي في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. وانه زويت له الارض فاري مشارقها ومغاربها. وسيبلغ ملك ما زوي له منها. هذا الحديث قد تقدم بكم سابقا فيما اخرج مسلم في صحيحه من حديث ثوبان رضي الله عنه لما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله زوى لي الارض فاريت مشارقها ومغاربها ان امتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها. قال واعطيت الكنزين الاحمر والابيض. واني سألت ربي لامتي الا هلكها بسنة بعامة ولا يسلط عليهم عدوا من سوى انفسهم فيستبيح بيضتهم. وان ربي قال اني اذا قضيت قضاء فانه لا يرد واني اعطيتك لامتك الا اهلكها بسنة بعامة ولا اسلط عليهم عدو من سوى انفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين اقطارها حتى يكون يهلك بعضهم بعض اعضاء وفي الحديث تتمة. فقوله زويت لي الارض ان الله اراه منذ ذلك الزمان اين سيبلغ الاسلام وان ملك الامة يعني حكمها وملكها في الارض وامتلاك خيراتها واتساع رقعتها قال سيبلغ ما زوي لي منها فاري الشرق والغرب عليه الصلاة والسلام ومثل هذا من الغيب الذي لا تدرك كيفيته لكنه حق حتما طالما نطقت به كفتاه صلى الله عليه وسلم وصح عندنا ثبوت نسبته اليه. نعم. وانه زويت له الارض فاري مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك امته مازوي له منها. فكذلك كان امتدت بالمشارق والمغارب ما بين ارض الهند اقصى المشرق الى بحر طنجة. حيث لا عمارة وراءه. وذلك ما لم تملكه امة من الامم ولم تمتد في الجنوب ولا في الشمال مثل ذلك. وقوله صلى الله قوله وانه زوي لي الارض فاري مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك امته ما زوي له منها يقول القاضي عياض رحمه الله في كلام لطيف معلقا على مثل هذا الحديث. قال فكذلك كان. القاضي عياض من اهل القرن السادس الهجري وبيننا وبينه نحو من ثمانية الى تسعة قرون. يقول فكذلك كان يخبر عن زمانه رحمه الله امتدت في المشارق والمغارب ما بين ارض الهند اقصى المشرق الى بحر طنجة وطنجة هي البلدة المغربية المعروفة اليوم باسمها يقول من اقصى الهند الى بحر طنجة وقصد به محيط الاطلسي وما كانت تسميه العرب بحر الظلمات. او ما يلي طنجة من البحر الابيض المتوسط. وهو الذي بينه وبين بلاد اوروبا يقول حيث لا عمارة وراءه عندما كان يظن ان لا شيء وراء ذلك البحر. وانه اقصى ما يبلغ به حد وانتهاؤه يقول رحمه الله وذلك ما لم تملكه امة من الامم ولم تد في الجنوب ولا في الشمال مثل ذلك ولو ادرك القاضي عياض رحمه الله دنيانا اليوم وعرف اتساعها وبلوغ الاسلام فيها ودخولها فيما وراء تلك المناطق التي ظن رحمه الله ان لا عمارة وراءها. وعلم ان ورائها من الاقطار والاقاليم والبلدان والقارات. ما عاش فيه الناس وسعت فيه البشرية. ودخله الاسلام واضاء بنوره تلك الاقاليم لازداد يقينه رحمه الله وتعجبه من مثل ذلك الحديث. وان الاسلام ما يزال وفي امتداد وانتشار فسيح. لان الله عز وجل قد وعد بنصر دينه. واتمام نوره واظهاره على الدين كله وهذا الامر وغيره كثير ما زالت تتحدث عنه اليوم التقارير العالمية والاحصاءات الاممية التي تذكر ان الاسلام قد بلغ من مداه وانتشاره حتى في عقر ديار اعدائه. ما اصبح يبعث على الخوف واجس القلق والذعر وانهم يجدون اليوم في سطوة الاسلام وانتشاره واقبال اهل الاديان الاخرى عليه حتى حل هذا الدين العظيم بالمرتبة الاولى بين اديان البشر. وانه لا يزال في انظارهم مخيفا مرعبا في سرعة تفشيه وانتشاره. وان الاسلام عجيب. كلما حورب اشتد. وكلما حوصر امتد وكل كلما اجلبوا عليهم بخيلهم ورجلهم اذا به يزداد متانة وقوة وثباتا. وانهم كلما ازدادوا امعانا في العداء للاسلام واهله وانهم يمارسون عليه من الظلم والاضطهاد والعدوان اذا به لا يزيد بني الاسلام الا ثباتا وقوة ورسوخا ولا يزيد شوكتهم الا صمودا وثباتا امام تلك العوادي. فعجبا والله ليس بعجيب لان الدين دين الله سبحانه. ولهذا قال بعض الفضلاء لا تخف على دين الله بل خف على تدينك وقديما لما اوى اصحاب الكهف الى الكهف فرارا بدينهم هربا وخوفا عندما لم يكن في في بلدانهم ولا حولهم من يشاركهم ايمانهم. فقال الله فرأوا الى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته. ويهيئ لكم من امركم مرفقا اجرى الله عليهم من سنن الدنيا وقوانينها ما لم يكن كالعادة. ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا خرجوا بعد ذلك واذا بالحال قد تبدلت واذا بالدين قد انتشر واذا بهذا الدين الحق ادعم كان الخوف على وليس على دين الله. دين الله لا يخاف عليه. لان الله عز وجل متكفل به. لكن الخوف الحقيقي هو خوف على نفسه الا يحافظ على دين الله في قلبه. والا يستقيم على دين الله في حياته. والا يقوم بواجب هذا دين واعباءه في نفسه واهل بيته كما ينبغي. هذا الذي ينبغي ان تحمل همه عبد الله. وان الله عز وجل اذا كتب باسلامي نصرا وعزا وتمكينا. فان الله قادر في كل لحظة وال. وان الله سيصطفي من عباده من يكتب على ايديهم نصر هذا الدين ورفع رايته. اما انه حاصل لا محالة. فان كتب الله ذلك على يدي ويديك وبالحاضرين فلنا الشرف والفخر والعز ان يكون احدنا جندا من جند الله استخدمه لحماية دينه وحراسة ورفع رايته. واذا استبدل الله بنا غيرنا. ورآنا لسنا اهلا لهذا الباب العظيم من الشرف والكرم. وجاء غيرنا كانوا احق منا بهذا الامر فهو والله منتهى الخسران والغبن والحرمان نسأل الله العافية. ليعلم كل مسلم ان دين الله منصور وان وعد الله متحقق لا محالة. فطيبوا نفسا بدينكم معشر المسلمين. وقروا عينا بل لهذا الدين واعلموا انه مهما عصفت بامة الاسلام العواصف وارتطمت بمركبها الامواج وساءها من الاحوال في الشرق والغرب ما يندى له الجبين وتتفطر له الاكباد وتبكي له العيون دما بدل الدمع فلا والله ما هي الا وجولة ومرحلة فيها ابتلاء وسيصطفي الله لدينه وابتلاء تمحيص وتثبيت يزداد به اهل الايمان رسوخا ويمحص به الصف المؤمن فلا يبقى الا الصادقون الراسخون. ثم يكون للاسلام بقية ما زالت الى اخر الزمان. في احاديث سيسوقها المصنف بعضها عما قريب لنعلم كما قلت ان موسى عليه السلام وهو نبي مع الخضر وموسى عليه السلام مع فرعون انذاك كان له في مثل ذلك المقام شأن عجيب ولو ابصر احد تلك المرحلة من دين الله الحق الذي يبعث به الرسل ويمدهم به بالمعجزات لظن انه لا دين بعد ذلك. ولا حق يمكن ان تبقى له جذوة مشتعلة في نفوس البشر بلغ من فرعون في تماديه وطغيانه ان يدعي الربوبية. وبلغ بفرعون من طغيانه وعدوانه واعتلائه الفساد الذي لا يضرب به المثل الى اليوم انه خاف مما اخبرت به النبوءات في خروج من يكون منازعا له وفي ملكه فيصدر قراره الجائر بقتل ذكور بني اسرائيل. واخذ يتتبعهم في البيوت ويسحبهم من من من حجر امهاتهم ليقتلهم. وما علم ان موسى عليه السلام الذي سيكون نبيا وسيكون على لديه زوال ملك هذا الطاغية انه يتربى في بيته وفي جوف قصره. هذا دين الله يا كرام. وسيكتب الله له من اسباب ما لم يخطر على بال ولا اظن ان في البشرية من بلغ في الطغيان والتمرد والاعتلاء على عرش فرعون ومع ذلك فما كان نهاية امره الا على يدي نبي كان غلاما تربى في قصره وتمعن في داخل حجرات بيته وكان ذلك امرا من الله عز وجل. وهو قد قال منذ ان حملت به امه واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه. فاذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني. انا رادوه اليك من المرسلين فهذا امر عظيم يا كرام. اذ نمر عليه في النصوص الشرعية المنبئة بما سيكون اخر الزمان فان ما تحملنا بتفاؤل عظيم واشراق كبير اننا على الحق ثابتون. واحدنا لا يزال يعي هذا ويبثه في نفسه وفي اهل بيته والناس من حوله ان يثبتوا اهل الاسلام على مواقعكم. واقيموا على عقائدكم ومبادئكم وان هذا انما هو من الابتلاء الذي تمر به الامة والله عز وجل ناصر دينه. ومتم نوره فالدين دينه عز وجل والعباد انما يسلكون امره ويبتغون مرضاته عز في علاه وهي نبوءة اخبر بها المصطفى صلى الله عليه واله سلمه وقوله صلى الله عليه وسلم لا يزال اهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ذهب ابن المدين الى انهم العرب لانهم المختصون بالسقي بالغرب وهي الدلو وغيره يذهب الى انهم اهل المغرب وقد ورد المغرب كذا في الحديث بمعناه. يقول صلى الله عليه وسلم لا يزال اهل الغرب ظاهرين ان على الحق حتى تقوم الساعة. الحديث اخرجه الامام مسلم وتفرد به عن البخاري بهذا اللفظ. لا يزال اهل الغرب والحديث له الفاظ عدة وعبارات متفاوتة منها قوله صلى الله عليه وسلم في رواية ثوبان لا تزال طائفة من امتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم. وفي حديث رواه المغيرة رضي الله عنه لا يزال قوم من امتي ولفظ ذوات جابر ومعاوية وابي سفيان وعقبة ابن عامر لا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق اختلفت الالفاظ لكنها دلت على امر مشترك بينها جميعا الا وهو ان الله عز وجل من بني الاسلام طائفة تكون ثابتة مهما ضعف الاسلام. وانكسرت شوكته وطغى موج استبداد الظالم من الكفر واهله على الاسلام وديار الاسلام وبني الاسلام فلا تخف. فالله سيحفظ دينه ببقية باقية من اهل دينه. لا تزال طائفة. لا تزال عصابة. لا يزال قوم من امتي. الطائفة والعصابة والقوم والفئة المجتمعة من اهل الايمان هي طائفة منصورة بنصر الله. ينصر الله بها دينه ومثل هذا كم يبعث في النفس من الطمأنينة والانشراح؟ ولقد مر بالامة فترات ومراحل فيها من الظلم والاستبداد فيها من الضعف نحو الهوان ربما كان مثل الذي نعيشه اليوم واسوأ. وقد مر بالامة في غزو التتر وفي هجوم المغول وفي حملات بالصليب ما يندى له الجبين وما حفظت روايات التاريخ فيه الاعاجيب. حتى يظن الناس انه لن تقوم للاسلام قائمة لكنه دين الله وهو حافظه عز وجل. فيقول عليه الصلاة والسلام لا تزال طائفة لا تزال عصابة لا يزال قوم من الالفاظ مختلفة والروايات كلها في صحيح مسلم. وقد اخرجها عن جملة من الصحابة. اراد النبي عليه الصلاة والسلام ان يبعث الطمأنينة في قلبي وقلبك عبد الله وقلوب بني الاسلام الى يوم القيامة. الا نخشى على دين الله انما نخشى على انفسنا والله وان نحافظ على الدين في حياتنا واهلنا وبيوتنا ومجتمعاتنا تلك الامانة التي سيسألنا الله عنها. لا تزال هذه قائمة على الحق الحق هو الدين كله. اصوله وفروعه واجباته واركانه والوقوف عند حدوده يقول عليه الصلاة والسلام حتى تقوم الساعة. اما الرواية التي اتى بها المصنف هنا وهي اخر روايات الباب عند الامام مسلم في فقوله لا يزال اهل الغرب. وقال المصنف ذهب ابن المدين الى انهم العرب لانهم المختصون بالسقي بالغرب وهي الدلو العظيمة. يقال لها الغرب قال وغيره يعني غير ابن مدين يذهب الى انهم اهل المغرب. وقد ورد المغرب كذا في الحديث بمعناه. اشار الى قولين في تفسير باهل العلم بقوله عليه الصلاة والسلام لا يزال اهل الغرب من اهل الغرب؟ هل هي غرب الارض انذاك وهي اشارة الى جهة الغرب حقيقة؟ ام هم العرب كما نقل الامام علي بن المدين وغيره؟ وان العرب يوصفون بانهم اهل الغرب والغرب هي الدلو. فيقال اهل الغرب يعني اهل الدلو العظيمة. وهم العرب يستخدمونها في سقي الماء من الابار للرعاة والسقاة ونحوهم فوصفوا بما استعملوه وعرفوا به دون غيرهم. هذه اقاويل اربعة ذكرها العلماء في تفسير اهل الغرب. والحديث من طريق داوود ابن ابي هند عن ابي عثمان النهدي عن سعد ابن ابي وقاص رضي الله عنه وقد اخرج الامام مسلم في صحيحه هذا الحديث واختلف الرواة على داوود ابن ابي هند الذي يروى هذا الحديث من طريقه فروي عنه بلفظ اهل الغرب كما اخرجه مسلم في صحيحه ونقله القاضي عياض هنا وروي بلفظ اهل المغرب كما اشار اليه القاضي عياض وهو في لفظه عند ابي عوينة في المستخرج وعند ابي نعيم ايضا اما رواية اهل المغرب فقد جزم بعض المحدثين بانها خطأ من بعض الرواة. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله وقع في بعض طرق الحديث لا يزال اهل المغرب بفتح الميم وسكون المعجمة. وهذا يرد تأويل الغرب بالعرب. من قال ان التفسير اهل الغرب يعني العرب لا يساعد عليه لفظ المغرب. يقول الحافظ ابن حجر لكن اكتمل ان يكون بعض رواته نقله بالمعنى الذي فهمه ان المراد الاقليم لا صفة بعض اهله. انتهى كلامه رحمه الله. واعلم على كل حال انه حتى لو صحت الرواية بلفظ اهل المغرب فليس المقصود به المغرب العربي التي نسميها اليوم لانه لم يكن تسمية تلك البلاد انذاك بالمغرب. وانما المغرب انذاك هو مغرب المدينة فما غربها؟ ها هنا اقوال اربعة يا كرام في تفسير اهل العلم لشرح الحديث لا يزال اهل الغرب يا ظاهري والذي حمل اهل العلم على العناية ان فيها منقبة وشرف. من هم اهل الغرب هؤلاء؟ الذين جعلهم الله حماة للدين ورافعين لرايته وقائمين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة. القول الاول كما سمعت انهم العرب وهذا تأويل حمل فيه الغرب على معنى الدلو الكبير فاهل الغرب يعني العرب. القول الثاني انهم المجاهدون ايا كانت وجهتهم. فاهل الجهاد في سبيل الله. واهل الغرب على هذا التأويل معناه اهل الشدة والجلد والمجاهدون كذلك فيكون الغرب هنا بمعنى الحدة. يقول القاضي ابن العربي رحمه الله قال قوم هم بالجهاد المثابرون عليه. الذين لا يضعون اسلحتهم فهم ابدا في غرب وهي الحدة ذلك مسلم قال وهذا يكون بجوب القفار وخوض البحار تحقيقا للوعد الحق المذكور حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ناس من امتي عرضوا علي يركبون ثبات هذا البحر الاخضر غزاة في سبيل الله. قال وهذا يدل على طلب تحقيق الموعد من وراء البحار وقد علم صلى الله عليه وسلم بلوغ الدين هناك انتهى قوله فهذا ثاني الاقوال في المسألة وانهم المجاهدون في سبيل الله ايا كان موقع كتائبهم و آآ اه جهادهم في سبيل الله وان معنى قوله اهل الغرب هنا اهل الحدة والشدة والجلل. يقول العلامة المعلم رحمه الله الله واقرب الاقوال ان المراد بالغرب في الحديث الحدة والشوكة في الجهاد. واستدل رحمه الله ببعض روايات الحديث التي تصف هذه الطائفة. قال ففي حديث جابر ابن سمرة رضي الله عنه لا يزال هذا الدين قائما تقاتل عليه في عصابة الى اخر الحديث. وفي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما لا تزال طائفة من امتي يقاتلون قال ونحوه في حديث معاوية وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنهما. يقصد رحمه الله ان هذه الطائفة وصفت في عدد من من طرق الحديث ورواياته بالقتال في سبيل الله. وبالجهاد في سبيل الله فهذا يقوي القول ان المراد به المجاهدون ايا كانت وجهتهم وموضعهم فهم المقصودون باهل الغرب. ومعنى الغرب هنا الحدة والشدة والجلب. وانهم قائمون بدين الله عز عز وجل لا تثني عزائمهم اي شيء مما يمكن من التآمر والتواطؤ والعدوان فهم ثابتون على حقي راسخون عليه. وفي الحديث ايضا في تفسيره وتأويله كما اسلفت قولان اخران نرجئها الى الجمعة القادمة ان شاء الله لطول في بعضها واستدلال يستحق بالمؤمن ان يقف عنده وهو يسمع كلاما من علم الغيب في مستقبل الايام يخبر به النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم نأتي عليه مع اعادة لما سبق في هذا المجلس ان شاء الله تعالى ايها المباركون هذه الليلة العظيمة ليلة الجمعة لا ينبغي ان تمر بنا كسائر الليالي. لانها عند الله ليست كذلك هي ليلة عظيمة عظم الله شأنها. فالمؤمن العاقل الفطن يقضي ليلته في اقبال عظيم على الله. والتماس حثيث لفضل الله واعلم رعاك الله ان من اجل ما تلتمس به فضل الله في مثل هذه الليلة وفي مثل يوم الجمعة ان تكون مشغولا بالصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم. كيف وقد قال عليه الصلاة والسلام لابي ابن كعب لما قال اذا اجعل لك صلاتي كلها؟ قال اذا تكفى همك. ويغفر ذنبك. فمن اراد ان يكون في ليلته عبدا قريبا من الله مشتغلا بعظيم فضل من الله فليكثر الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستشعرا بالصلوات التي تتردد على لسانه وتتلجلج في صدره انه يصلي على نبي عظيم عند الله القدر عند الله صلى الله عليه وسلم. وان له من الفضائل والمناقب ما تستحق ان تكون صلاتنا وسلامنا عليه عمى بهذا الاجلال والتقدير. ولو قلت لك القي سلاما على شخص عابر في الطريق تبتغي الاجر لالقيت السلام وحده فاذا قيل لك هذا الانسان هو كذا وكذا من العظماء في المجتمع والوجهاء لكان لسلامك من والاجلال والتقدير بقدر من تلقي عليه السلام. فكيف بصلاتك وسلامك على سيد الانام صلى الله عليه وسلم؟ حقنا والله ان تكون صلواتنا وسلامنا عليه مفعمة بحب تقطر اجلالا وتقديرا ومعرفة لقدر هذا النبي العظيم صلى الله عليه واله وسلم فصل يا ربي وسلم وبارك عليه صلاة وسلاما دائمين ابدا. وارزقنا يا رب صلاة وسلاما تبلغ بنا لاعلى الدرجات واسنى المقامات. لك الاشواق تسعى لا تكل وفيك الشعر يشدو لا يمل. عليك صلاة ربي يا ضياء اتانا بالهدى فعليه صلوا. اللهم صلي وسلم وبارك عليه كما تحب ان يصلى عليه. اللهم انا نسألك علما نافعة ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. اللهم اتي نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها اللهم هيء لامة الاسلام من امرها رشادا. واجعل لنا ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا ومن كل مخرجا ومن كل بلاء عافية يا ارحم الراحمين. اللهم احفظ علينا امننا وايماننا وسلامتنا واسلامنا اللهم امنا في الاوطان والدور واصلح وارشد وسدد الائمة وولاة الامور يا حي يا قيوم. اللهم انا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك يا ارحم الراحمين. اللهم اغفر لنا وارحمنا ولوالدينا ولجميع المسلمين اللهم ارحم موتانا واشفي مرضانا وتقبل دعانا واهدنا الى الصراط المستقيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلم