بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين. شرع لعباده من اسباب الرحمة ما كتبها فضلا على عباده المؤمنين وشرع لنا من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ما يروي اشواق المحبين. واشهد ان نبينا محمدا عبد الله ورسوله امام الانبياء وخاتم المرسلين وصفوة الله من خلقه اجمعين صلى الله ربي وبارك عليه وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين اما بعد اخوتي الكرام فهذه الليلة الشريفة تزدان بما يقبل به المحبون من الصلاة والسلام على حبيب القلوب وانسها وبهجة الفؤاد وسعدها نبي الهدى والرحمة محمد صلى الله عليه واله وسلم. تزدان ليلتكم هذه بهذه البركة والخيرة والخيرات المجتباة بالصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة عليه الصلاة والسلام فما من عبد يصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم صلاة الا نال من ربه عشر صلوات تغمره برحمة وبركة وخير وهدى وهو عليه الصلاة والسلام قد حثنا معشر اهل الايمان فقال اكثروا من الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة فاللهم صل وسلم وبارك عليه كما تحب ان يصلى ويسلم عليه. ثم هذا المجلس في هذه الليلة الشريفة في هذا المكان المبارك في رحاب بيت الله الحرام ونحن نتدارس من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم. للامام القاضي رياض رحمة الله عليه هو من العمل الذي نكتسب به اجرا بانتظارنا صلاة الى صلاة. ومما نستكثر به حسنات بمكث نذكر الله ونصلي ونسلم على نبيه صلى الله عليه وسلم. ونزداد فيه علما بما يمر بنا من مسائل في فقه كتاب الله ومعرفة مقاصد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. بل ان شئت فقل هو مجلس يزيدنا علما وايمانا وحسنة بل وبركة ورحمة من ربنا الكبير المتعال. فاجعلوا مجلسكم هذا عامرا بصدق النية والاخلاص لله. ولا يمرن بكم عليه الصلاة والسلام الا حركتم السنتكم وافئدتكم بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه واله وسلم. ما زلنا في فصول الثالث من كتاب الشفا للامام القاضي عياض رحمه الله. وهو الفصل وهو الباب الذي جعله مخصصا لتلك الفصول التي المناقب الفضائل الكرامات الخصائص التي جعلها الله لنبينا صلى الله عليه واله وسلم. مرت بكم جملة من الفضائل مجلس الليلة فصل جعله المصنف رحمه الله لخصلة عظيمة لصفة شريفة كريمة اتاها الله لنبينا عليه الصلاة والسلام هي المحبة والخلة. اصطفاء الله تعالى له بمحبته اياه. عليه الصلاة والسلام وبجعله خليلا له جل في علاه. نعم بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال المصنف رحمه الله تعالى فصل في تفضيله المحبة والخلة جاءت بذلك الاخبار الصحيحة واختص صلى الله عليه وسلم على الالسنة على السنة المسلمين بحبيب الله. نعم هذا الفصل اذا اراده المصنف رحمه الله ان يورد فيه ما جعله الله من خصائص نبينا عليه الصلاة والسلام التي فضله بها على سائر الخلق اجمعين وعلى باقي الانبياء والمرسلين عليهم جميعا افضل الصلاة واتم التسليم. محبة الله اه لنبيه عليه الصلاة والسلام واتخاذه خليلا من بين خلقه وهذه مرتبة شريفة رفيعة المحبة والخلة فالذي يتصف بالمحبة حبيب والموصوف بالخلة خليل. وسيأتيكم كلام المصنف رحمه الله هل هما شيء واحد؟ ام ان احدهما اعلى رتبة في مقامات الحب من الاخر؟ سيأتي كلامه في ذلك رحمه الله هنا ان ان تقف على وجه من وجوه اصطفاء الله لنبينا عليه الصلاة والسلام وهو اصطفاؤه بالمحبة والخلة والسؤال هو هل المقصود حبه صلى الله عليه وسلم لربه ام حب الله تعالى له؟ الثاني لان الامر كما قال بعض السلف ليس الشأن ان تحب. انما الشأن ان تحب احب بوسعك ان تحب وهوى قلبك بيديك. لكن ان تكون محبوبا عند الله جل وعلا. فهذا هو المقام العظيم وهذا الذي يريد المصنف رحمه الله ايراده الان في هذا الفصل فقال جاءت بذلك الاخبار الصحيحة واختصت صلى الله عليه وسلم على السنة المسلمين بحبيب الله. يعني شاع وانتشر على السنة المسلمين وصفه صلى الله عليه بانه حبيب رب العالمين. وان الله عز وجل احبه ورفع ذكره واصطفاه. واعلى شأنه. وهذا يتداوله المسلمون ويقررونه وقد استقر في عقائدهم ان الله احبه واحد وجوه حبنا له عليه الصلاة والسلام حبنا لما احب لان الله احبه فنحمل انفسنا ونملأ قلوبنا حبا لهذا المحبوب العظيم صلوات الله وسلامه عليه. نعم. قال عياض اخبرنا ابو القاسم ابن ابراهيم الخطيب وغيره عن كريمة بنت محمد قال حدثنا ابو الهيثم حاء وحدث قال حدثنا حسين بن محمد الحافظ سماعا عليه قال حدثنا القاضي ابو الوليد قال حدثنا عبد بن احمد قال حدثنا ابو الهيثم قال حدثنا ابو عبد الله محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن اسماعيل وهذا امام البخاري رحمه الله محمد بن اسماعيل والمصنف يسوق الحديث بسنده اليه فالحديث من احاديث صحيح البخاري وقد اخرجه مسلم كذلك. قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا ابو عامر. قال حدثنا فليح. قال حدثنا ابو النظر عن بصر بن سعيد عن ابي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت ابا بكر وفي حديث اخر وان صاحبكم خليل الله ومن طريق ومن طريق عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا. يقول نبينا صلى الله عليه وسلم كما اخرج الشيخان البخاري ومسلم لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت ابا بكر هذه من مناقب الصديق ابي بكر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار. ثاني اثنين اذ هما في الغار وصديقه في الهجرة وصاحبه وحبيب قلبه وخليفته من بعده في امته صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن ابي بكر يقول عليه الصلاة والسلام لو كنت متخذا خليلا غير ربي يعني لو كنت متخذا احدا اخصه بمرتبة الخلة في اعلى درجات المحبة والصداقة لكان مخصوصا بابي بكر لكنني ما جعلت هذه الخلة واعلى درجات المحبة الا لربي سبحانه وتعالى. ولو كان احد من البشر يحوز في قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم اعلى درجات الحب في قلبه لكان الفائز به ابا بكر رضي الله عنه وارضاه بازاء هذا المعنى الجليل في منقبة الصديق ابي بكر رضي الله عنه. واحتلاله على عرش المحبة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يبلغه احد في الامة معه ولا بعده رضي الله عنه وارضاه. تقف على جلالة الصديق ومكانة العظمى في قلب النبي صلى الله عليه وسلم كيف قد فداه بنفسه وماله واهله وهو القائل عليه الصلاة والسلام ان من امن الناس علي في ماله ونفسه ابو بكر يقصد عليه الصلاة والسلام ان لا احد له من المقام واليد الحسنى والمواقف الجليلة الشريفة كمثل ما ابي ابي بكر رضي الله عنه وارضاه. ولهذا انعقدت قلوب اهل الاسلام على حب ابي بكر رضي الله عنه. واجلاله ومعرفة قدره بل وتقديمه على الصحابة اجمعين على جلالتهم وفضلهم جميعا رضي الله عنهم وارضاهم. فلا سعدت نفوس تنتقص من الصديق ابي بكر ولا ابقى الله ايمانا ولا سعادة ولا فرحا في قلب من يزعم انه مسلم ليتخذ من ابي بكر الصديق رضي الله عنه غرضا ومن قصة ومسبة رضي الله عنه وارضاه في المعنى في هذا الحديث ما يريده المصنف رحمه الله ان النبي صلى الله عليه وسلم قد افرغ هذه المرتبة في اعلى مقامات الحب في قلبه فلم يجعلها لبشر. بل جعلها لربه سبحانه وتعالى ولم يحجز احد في قلبه عليه الصلاة والسلام الحب الاكمل باعلى درجاته واثنى مقاماته لانه قد جعل هذا مخصوصا جل في علاه. السؤال الان هذا الحديث يصف حب النبي صلى الله عليه وسلم لابي بكر عفوا. يصف حب النبي صلى الله عليه وسلم لربه ام يصف حب الله لنبيه عليه الصلاة والسلام يصف حب النبي عليه الصلاة والسلام لربه يقول لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت ابا بكر. يتكلم عن حب قلبه هو عليه الصلاة والسلام. ولهذا قال المصنف وفي حديث اخر وان صاحبكم خليل الله اذا هو يحب ربه وربه يحبه صلى الله عليه وسلم. حبه لربه قد بلغ به اعلى المراتب. فلما بلغ في حبه لربه اعلى الدرجات نال من ربه الحب والاصطفاء والخلة قال ولكن صاحبكم خليل الله وهو ايضا في حديث ابن مسعود وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا هو مثل قوله تعالى في سورة النساء عن ابي الانبياء ابراهيم عليه السلام واتخذ الله ابراهيم خليلا السؤال ما معنى اتخاذ الله خليلا من خلقه ليس هذا كمثل ما يوصف به البشر لما تتخذ انت واتخذ انا صديقا وصاحبا وحميما وخليلا يؤانسك ويصادقك ويؤاخيك ويرافقك ويكون معك على الدوام فهذه صحبة وخلة مبنية على انتفاع متبادل. وعلى استئناس بل على احتياج احيانا والله عز وجل منزه عن هذا كله. لكن المقصود شرف المقام. ورفعة الدرجة العظيمة ان افخلق من خلق الله ان الله عز وجل قد احبه بل بلغ به اعلى درجات الحب التي يعرفها البشر في مراتبها وهي خل وسيأتي من المصنف رحمه الله مزيد بيان لمعنى اتخاذ الله عز وجل لاحد من خلقه خليلا كابراهيم عليه السلام وكنبينا صلى الله عليه واله وسلم. نعم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال جلس ناس من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرونه قال فخرج حتى اذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم عجبا ان الله اتخذ ابراهيم من خلقه خليلا وقال اخر ماذا باعجب من كلام موسى كلمه الله تكليما وقال اخر فعيسى كلمة الله وروحه وقال اخر وادم اصطفاه الله مما تعجب هؤلاء؟ وما وجه العجب جلسوا يتحدثون عن الانبياء عليهم السلام. وكيف رفع الله مقاماتهم واعلى درجاتهم؟ وجه العجب انهم جلسوا يتفكرون كيف لبشر كيف لبشر يبلغ من الكرامة عند الله مثل ما بلغه هؤلاء الانبياء عليهم السلام. قالوا عجبا ان الله اتخذ ابراهيم من خلقه خليلا ايبلغ انسان بشر في مرتبة الكرامة عند الله ان يصطفيه الله عز وجل للخلة وقال اخر ماذا باعجب من كلام موسى كلمه الله تكليما. وقال ثالث فعيسى كلمة الله وروحه وقال الرابع وادم اصطفاه الله هذا موقف يحدوك ان تقف على عظمة مقامات الانبياء عليهم السلام. وهو ايضا والله يا كرام يشعرنا بان الله عز وجل اذا اراد الكرامة بعبد من عباده فليست بسعة في مال ودنيا. وليست بمناصب يتبوأها يرفع بها رأسه بين الانام. الكرامة الحقيقية عند الله هو ذلك الاصطفاء تلك الحفاوة ذلك الاجتباء هذه الكرامات الالهية ومر بنا في فصل سابق كم يغمر فؤادك من شعور الفرح والابتهاج؟ وانت تسمع في وصف من الله عن بعض خلقه عليهم السلام مقامات المدح واوصاف الثناء والعبارات التي يتمنى احدنا لو اوتي واحدا منها ليشعر انه ذو حظوة عند ربه وان الله عز وجل يحبه ويريد له الخير. هؤلاء الانبياء فلما تدارس الصحابة وتذاكروا اثار عجبه مثل هذا الذي وقفوا عليه في نصوص الكتاب والسنة. فلما عددوا تلك المناقب للانبياء عليهم السلام. خرج عليهم صلى الله عليه وسلم وقد سمع ما يقولون وما يتعجبون منه من اوصاف الانبياء فكان الحديث الذي ستسمع الان. نعم فخرج عليهم فسلم وقال قد سمعت كلامكم وعجبكم ان الله تعالى اتخذ ابراهيم خليلا وهو كذلك موسى نجي الله وهو كذلك وعيسى رح الله وهو كذلك وادم اصطفاه الله وهو كذلك الا وانا حبيب حبيب الله ولا فخر. وانا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر. وانا اول شافع واول ولا فخر وانا اول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين لا فخر وانا اكرم الاولين والاخرين ولا فخر. نعم عليه الصلاة والسلام الحديث بجمله قد مر بنا تفصيلا في مجلس ليلة الجمعة الماضية في الحديث عن مقام الحمد ولواء الحمد وعن الحوض الذي اتاه الله نبينا عليه الصلاة والسلام. وان هذه الجمل في كونه اول شافع واول مشفع لواء الحمد يوم القيامة واول من يستفتح الجنان فيدخلها صلوات ربي وسلامه عليه. كل ذلك يا كرام تقدم بنا عنيفة. والحديث هذا مرت قطعة منه في ذلك الفصل. وان الامام الترمذي رحمه الله خرجها في سننه واشار الى ضعف الرواية لما قال هذا حديث غريب وقال ابن كثير ايضا في تفسيره غريب من هذا الوجه وضعفه بعض المحدثين كابن عدي الالباني رحم الله الجميع الحديث لم يصح من هذا الطريق وفيه غرابة. لكن الجمل الواردة فيه قد تقررت بعدد من الاحاديث الصحاح التي ثبتت اسانيدها وصحت طرقها والحمد لله. والشاهد في هذا الحديث ان النبي عليه الصلاة والسلام ذكر تلك المقامات التي تعجب منها الصحابة فيما اوتيها الانبياء عليهم السلام. فقال لهم اما اني اوتيت ذلك وزيادة فاذا كان قد وصف بعض الانبياء بالتكليم وبالخلة وبالاصطفاء ووصف بعضهم ايضا بانه ممن الله بتلك المناقب فالله عز وجل قد جعل لنبيه عليه الصلاة والسلام مثل ذلك وغيره بكثير وهذا كله مصداق قول الله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض. ونبينا عليه الصلاة والسلام ممن فضل الله بل انا نعتقد يا امة محمد صلى الله عليه وسلم ان له من الفضل ما فاق به اخوته من الانبياء عليهم السلام. ليس والله انتقاصا لمقام احد من السادات الانبياء صلى الله عليهم وسلم وليس غلوا ولا مبالغة في حق نبي امتنا الذي نشرف بالانتساب اليه ونجلس الليلة اكثروا من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم بل هو ما تقرر في النصوص الشرعية. وهو ما تفرح به نفوس اهل الايمان وحق لها ان تفرح وهي ترى نبي الامة عليه الصلاة والسلام يفوق الانبياء ويعلوهم قدرا ويرتفع عليهم تشريفا وتكريما من ربه سبحانه وتعالى. نفرح لما خص الله به نبينا عليه الصلاة والسلام. لما تقرر مرارا ان له كرامة لامته عليه الصلاة والسلام. وان الرفعة والعزة وان عظمة الشأن التي جعلها الله له عليه الصلاة والسلام هي ايضا مما ينال امته فنحن حظيون والله بما اكرم الله تعالى به نبينا عليه الصلاة والسلام. نعم وفي حديث ابي هريرة رضي الله عنه من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم اني اتخذتك خليلا فهو مكتوب في التوراة اسب حبيب الرحمن قال القاضي هذه الرواية التي ذكرها المصنف مما يذكر انه في التوراة وارد في وصفه عليه الصلاة والسلام اني اتخذتك خليلا فهو مكتوب في التوراة اسبو حبيب الرحمن وقد استغرب شراح الحديث كثيرا هذه اللفظة اسبو وهي هكذا كما تروى وهي هكذا في لفظها وكتابتها ومن ثم تناقشوا في معنى هذه الكلمة فاما ان تقول هي كما كتبت هكذا. والمراد بها انها كلمة سريانية لانها ذكرت انها مكتوبة في التوراة كذا ويراد بها في المعنى ما يقابل الضمير العربي انت. فقوله اسبح حبيب الرحمن بمعنى انت حبيب الرحمن وقيل هو بفتح الهمزة وسكون السين مع تاء انت. وليست اسبو على كل فمهما كان فهي كلمة هكذا وردت في سياق غاية هذا الحديث بالسين والباء وبعضهم يذكرها بالسين والتاء على انها كلمة فارسية وتستخدم للربط بين الجمل فعلى كل ليس لها في العربية الفصحى معنى يخصها بهذا اللفظ. لكن المراد بها من السياق يذكر ان المراد بها انت واثبات ذلك صفته بالمحبة عند الله في الكتب السابقة كما في التوراة. نعم قال القاضي ابو الفضل رضي الله عنه اختلف في تفسير الخلة واصل اشتقاقها فقيل الخليل المنقطع الى الله الذي ليس انقطاعه اليه ومحبته له اختلال وقيل الخليل المختص واختار هذا القول غير غير واحد. وقال بعضهم اصل الخلة الاصل اصل الخلة وقال بعضهم اصل الخلة الاصطفاء الاستصفاء. الاستصفاء وسمي ابراهيم خليل الله لانه يوالي فيه ويعادي فيه وخلة الله له وخلة وخلة الله له نصره وجعله اماما لمن بعده. نعم. ها هنا يشرع المصنف في بيان معنى اسم الخليل ووصف الخلة ماذا نفهم من قوله ولكن صاحبكم خليل الله؟ وما معنى واتخذ الله ابراهيم خليلا؟ وكيف تفهم حديث وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا ما الخلة التي بلغ الله بها نبينا عليه الصلاة والسلام قال القاضي عياض معنى الخلة على اختلافي في تفسيرها اللغوي قيل معنى الخليل المنقطع الى الله فاذ يقال خليل الله يعني العبد الذي انقطع عن الدنيا والخلق وسائر ما في هذا الكون وجعل تعلقه لله وحده هذا اذا فسرت ان العبد هو الذي جعل ربه خليلا ولم يتخذ احدا من البشر خليلا وجعل هذا خاصا بربه عز وجل. وقيل الخليل المختص وقيل بعضهم الخلة قودة من الاستصفاء. وسمي ابراهيم خليل الله لما ثبت عنه من صدق موالاته ومعاداته في الله. حتى فانه تبرأ من قومه بل ومن ابيه. واذ قال ابراهيم لابيه ازر اتتخذ اصناما الهة قال لابيه يا ابتي لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. يا ابتي اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني اهدك صراطا سويا يا ابتي لا تعبد الشيطان. ان الشيطان كان للرحمن عصيا. الى اخر ما جاء في خطابه لابيه عليه السلام. والمقصود ان ابراهيم كما حكت اية الممتحنة اذ قالوا لقومهم انا برءاء منكم ومما يعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده. فكان اضرب المثل عليه السلام ولهذا جعله الله قدوة في هذا المقام لنبينا عليه الصلاة والسلام. لما ذكر الله عز وجل عنه انه ما كان يحابي في دين الله موالاة ومعاداة احدا. ولو كانوا قومه ولو كان اباه وما كان استغفار ابراهيم لابيه. الا عن موعدة ان وعدها اياه فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه ان ابراهيم لاواه حليم. كل هذا يدلك على ان ابراهيم عليه السلام ما بلغ مرتبة التي من فراغ ولا من قليل. بل هو من مقام عظيم عليه الصلاة والسلام. فاذا فهمت ذلك ادركت ان معنى خل مأخوذ من الاستصفاء فانه قد اصفى ما في قلبه من تعلق وموالاة ومعاداة وحب فجعل كل ذلك قائما على حب الله عز وجل. فمن احب الله احبه. ومن والى الله والاه ومن الله عاداه ومن انقطع عن دين الله قطعه عليه السلام. فهذا معنى اخذ الخلة من وصف الاستصفاء وخلة الله له واذا ان الله خصه بالنصرة كما خص ربه بالحب. كما خص ربه بالموالاة خصه ربه سبحانه فجعله ما من للمتقين جعله امة قانتا لله حنيفا. وجعله في هذا المقام الى يوم القيامة عند اهل ان ابراهيم الحنيف عليه السلام امة قانت وانه عليه الصلاة والسلام بما بلغ اسوة لاهل الايمان قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه الى اخر الاية. نعم وقيل الخليل اصله الفقير المحتاج المنقطع. مأخوذ من الخلة وهي الحاجة. فسمي بها ابراهيم عليه السلام. لان انه قصر حاجته على ربه وانقطع اليه بهم وانقطع اليه بهمه ولم يجعله قبل غيره اذ جاءه جبريل عليه السلام وهو في المنجنيق ليرمى به في النار. قال الك حاجة؟ فقال اما اليك فلا. نعم هذا معنى اخر في وصف الخلة واسم الخليل انه مأخوذ من معنى الفقير المنقطع المحتاج. مأخوذ من الخلة وهي الحاجة فاذا وقعت بالعبد فهو خليل. واذا اشتدت حاجته وفقره وبؤسه فهو خليل. هذا على احد التفسيرات في معنى الخليل. فكيف يوصف ابراهيم الخليل عليه السلام بذلك اكان فقيرا بائسا محتاجا منقطعا؟ الجواب نعم ولكن الى ربه فحسب من قطع ولا افتقر ولا ذل ولا خضع ولا ابدى نفسه في مقام الذل والضعف والاستكانة الا لربه جل وعلا ولما القي في النار قال حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبت النار بردا وسلاما على ابراهيم. بصدق توكله على الله وشدة تعلقه بالله وحسن تفويض امره الى الله هذا ينبيك عبد الله ان العبد اذا انقطعت عنه اسباب الدنيا من حوله. وبقي متعلقا فيما داخل قلبه به بربه فانه والله يقوم ذلك مقام الدنيا كلها التي جعلها خلف ظهره. ها هو يلقى في النار وقد فقد كل اسباب الدنيا هذه نار محرقة وهذا القاء. وهذا نمرود وهذا من اشد اعداء الله عز وجل في الكفر والطغيان والتصدي لدين الله وايذاء الانبياء عليهم السلام. فلما القي في النار صدق في تفويضه امره الى الله. وصدق في اعتماده على الله وصدق في ثقته بالله وصدق في حسن ظنه بالله فما زاد على قوله حسبي الله ونعم الوكيل فكان هذا المقام الكبير العظيم الذي بوأه الله تعالى اياه هذا فقر شديد هذه حاجة هي خلة شدة الحاجة التي احاطت بابي الانبياء عليهم السلام. لكنه لما في تعلقه الى الله عز وجل وصدق في اتصاله بربه قال قصر حاجته الى ربه وانقطع اليه ولم يجعله قبل غيره اما الرواية التي اشار اليها المصنف اذ جاءه جبريل عليه السلام وهو في المنجنيق يعني في الالة التي يرمى بها في النار ليرمى به فقال الك حاجة؟ قال اما اليك فلا وزاد في بعض الروايات كما في بعض كتب التفسير قال حسبي من سؤالي علمه بحالي هذه الرواية لا تصح ابدا وليس لها اسناد ولا يصح نسبتها الى ابراهيم عليه السلام. ولهذا اشار البغوي في تفسيره الى ضعف الرواية. وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ليس لها اسناد معروف وهو رواية باطلة بل الثابت في الصحيح انه قال حسبي الله ونعم الوكيل. فليس الحديث مرفوعا بل هو من مقولات في بعض المفسرين وهي من الاسرائيليات التي ثبت عندنا بما يحكى عن الانبياء في قصص القرآن انهم افتقارا الى الله وانهم يبذلون الدعاء لعلمهم بحب الله للدعاء والسؤال. بل هم من علمنا كيف نطرق ابواب الدعاء بالافتقار هم من علمنا كيف نكون اشد حاجة برفع اليدين والسؤال يا رب. هم من علمنا كيف نجعل سجودنا مليئا دعوات نبذلها من ربنا الخالق الغني الكريم. هم من علمنا من يدعو من يتضرع في كل الاحوال شدة ورخاء بؤسا وغناء فقرا وغنا شدة كل الاحوال هم من علمنا هذا المقام فلا يتصور ان ابراهيم عليه السلام في ذلك كالمقام الشديد وهو يواجه المحنة انه ينأى عن دعاء ربه. وانه ينصرف عنه. بل ما تتقوله عليه السلام حسبي الله ونعم الوكيل. ففوض امره واتكاله الى ربه عز وجل فابدله الله عز وجل في ذلك المقام نجاة في الدنيا ورفعة شأن عظيم في الاخرة حتى خلد ذكره في القرآن عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام نعم وقال ابو بكر بن فورك الخلة صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل الاسرار وقال بعضهم اصل الخلة المحبة ومعناها الاسعاف والالطاف والترفيع والتشفيع ما زالت هذه عبارات للعلماء في بيان معنى الخلة والمحبة وهذه العبارات يا كرام لانها اوصاف قلبية عاطفية فانك لا يمكن ان تقف على عبارة فصيحة كاشفة مشاعر القلوب لا تعبر عنها العبارات وعواطف القلب لا يمكن ان تحيط بها الجمل. حاول ان تعرف معنى الحب والمحبة كل ما يمكن ان يفعله انسان في هذا الطريق ان يذكر اوصافا تدل على المعنى الذي يشعر به من عاش هذا المعنى ومن اختلط قلبه بتلك المشاعر عرف المراد واما العبارات فانها محاولات للتقريب. ولهذا فان ابن القيم رحمه الله لما جاء يورد تعريفات الحب والمحبة وما ذكر عن السلف من تعدد الالفاظ والعبارات انتهى رحمه الله الى ان حب القلب مما يعرف فلا يحتاج تعريفا. بل قال ربما زادتها العبارات غموظا فابعدتها عن المعنى المقصود. وهذا حق فعندما تصف المحبة والخلة فهي عبارات تقرب لك المقام. وتقربها لك بالاوصاف لا غير. قال بعضهم اصل الخلة ومعناها الاسعاف والالطاف. الاسعاف يعني انجاز الحاجة بلا مهلة على عجب والالطاف الاعانة على وجه اللطافة واليسر. الترفيع تعظيم والتشفيع قبول الشفاعة. يريد ان يقول اسمه الخلة مجتمع من هذه المعاني ان الله يحيط به بالطافه. وان الله عز وجل يؤتيه سؤله قبل ان يسأل وان الله يقبل شفاعته وان الله عز وجل يرفع ذكره وهذا حق. كل هذا ثابت لرسولنا عليه الصلاة والسلام فان قلت الخل هو ذلك المقام الذي بلغه بمجموع تلك الاوصاف فانك لا تعرف الخلة عندما تحاول الاقتراب منها باوصاف تقرب المعنى. عندنا ايها البشر عندما يحب محب محب حبيبه. فيبلغ به لدرجة الخلة فماذا عساه ان يفعل يقربه من قلبه يفضي اليه بسره يجعله انيسه وجليسه يذكره على كل حال وان غاب عن عينه لكن انه حاضر في فؤاده هكذا هو الحبيب مع من يحب وعندما نتكلم عن حب عبد من عباد الله لربه جل وعلا. فان هذا المعنى اغمض بكثير مما تحيط به تلك العبء عبارات المقصود من ذلك ان ندرك ما معنى ما معنى ان يتخذ الله محمدا صلى الله عليه وسلم خليلا ان يحوطه بتلك المعاني والاوصاف فقط لتبعد عن ذهنك معنى ما يكون بين الخليل وخليله من البشر. وان الله عز وجل منزه عن ذلك وستأتيك عبارة المصنف رحمه الله بمزيد بيان وتوضيح. نعم وقال بعضهم اصل الخلة المحبة ومعناها الاسعاف والالطاف والترفيع والتشفيع. وقد بين ذلك تعالى في كتابه قوله وقالت اليهود والنصارى نحن ابناء الله واحباؤه. قل فلم يعذبكم بذنوبكم؟ بل انتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. ولله ملك السماوات والارض وما بينهما واليه المصير اوجب للمحبوب الا يؤاخذ الا يؤاخذ بذنوبه. نعم لما قالوا نحن ابناء الله واحباؤه كانت الحجة عليهم فلم يعذبكم بذنوبكم ان كنتم بلغتم محبة عند الله فكان هذا يوجب ان يخصكم الله بعفو وعافية. فكان هذا مما يفهمك ان من معالي محبة عدم المؤاخذة والعفو وعدم الحساب على ما يكون من الخطأ والزلة. وهذا ايضا معنى واثر من اثار المحبة هو حقيقتها. نعم قال هذا والخلة اقوى من البنوة. لان البنوة قد يكون فيها العداوة كما قال تعالى ان من ازواجكم واولادكم كن عدوا لكم فاحذروهم وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم. هل يسلم هذا ان الخلة اقوى من البنوة يعني ان يمكن ان يكون خليل مع خليله اقرب واقوى في قلبه من ابنه الذي هو من صلبه قال رحمه الله الخلة اقوى من البلوة. ثم فسر فماذا قال؟ قال لان البنوة قد يكون فيها عداوة. اما قال الله يا ايها الذين امنوا ان من ازواجكم واولادكم عدوا لكم لكن الخل لا يمكن ان يكون الخليل خليلا ويحمل ذو ادنى ذرة من عداوة لمن يحب من هذا المعنى صحيح قد تكون الخلة اقوى من البنوة بهذا الاعتبار ومن هذه الجهة اعني المودة والموافقة والا فمن جهة الاتصال واللحمة فلا شيء اقرب من البنوة. لانه من صلبه وهو من يحمل لحمه وعظمه ودمه شيء لا يختلف عليه اثنان ولا اقرب الى الرجل من ابنه الذي خرج من صلبه. انما اراد هنا بقوله الخلة اقوى من البنوة بهذه الجهة المودة والمصافاة والتوافق. نعم ولا يصح ان تكون عداوة مع خلة فاذا تسمية ابراهيم ومحمد عليهما السلام بالخلة اما بانقطاعهما الى الله ووقف حوائجهما عليه والانقطاع عما دونه والاضطراب عن الاضراب والاضراب عن الوسائط والاسباب الذي هو معنى الفقر والحاجة بالله نعم او لزيادة الاختصاص منه تعالى لهما. وخفي الطافه عندهما وما خالل بواطنهما من اسرار الهيته ومكنون غيوبه ومعرفته او لاستصفاء له او لاستصفائه لهما او واستصفاء قلوبهما عما سواه. حتى لم يخاللهما حب لغيره. ولهذا قال بعضهم الخليل من لا يتسع قلبه لسواه. نعم. وهذا باللطيف كلام المصنف رحمه الله وقد اوقفنا على ان ندرك ما معنى ان ابراهيم الله وما معنى ان محمدا صلى الله عليه وسلم خليل الله بالمعاني التي اشار اليها اما انهما بشدة الانقطاع الى الله ووقف حوائجهما عليه والاضراب عن كل سبب او بمعنى اخر زيادة اختصاص الله تعالى لهما. وما حظيا به من والله من خفي الالطاف وما ملأ الله قلوبهما من شدة المعرفة به والتعلق به سبحانه. وكل هذا حق. قال او من معنى الاستصفاء وان الله عز وجل جعلهما اصفياء من بين خلقه له سبحانه وتعالى. نعم وهو عندهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا. لكن اخوة الاسلام واختلف العلماء وارباب القلوب ايها ارفع ايهما ارفع درجة؟ الخلة او درجة المحبة؟ فجعلهما بعضهم سواء فلا يكون الحبيب الا خليلا ولا الخليل الا حبيبا لكنه خص ابراهيم بالخلة ومحمدا بالمحبة صلى الله عليه وسلم وبعضهم قال درجة الخلة ارفع واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا غير ربي عز وجل فلم يتخذه وقد اطلق المحبة صلى الله عليه وسلم لفاطمة وابنيها واسامة وغيرهم واكثرهم جعل المحبة ارفع من الخلة. لان درجة الحبيب نبينا ارفع من درجة الخليل ابراهيم عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام. هذه ثلاثة مذاهب يا كرام. كما قال القاضي عياض عند العلماء وارباب القلوب. قصد بارباب القلوب اولئك الذين لهم كلام لطيف بديع فيما يتعلق باعمال القلوب بالمحبة بالخوف بالرجاء بمشاعر القلب بمكنونات الفؤاد فقال بعضهم الخلة والمحبة بدرجة سواء والحبيب هو الخليل وهما سيان لكن الله عز وجل وصف إبراهيم بالخلة ووصف محمدا صلى الله عليه وسلم بالمحبة والمذهب الثاني عند اصحابه يقولون ان الخلة ارفع وهذا ذهب اليه من يجعل حب القلب درجات. فيقول اعلى درجات الحب الخلة لانها تتخلل القلب. فما تذر فيه شعبة ولا زاوية ولا محلا الا دخلته. فهي اعلى درجات الحب. وبالتالي فيكون معنى الخلة اعلى. ولذلك يقول لو كنت متخذا خليلا غير ربي. فما اتخذ ابا بكر خليلا اذا كان يحبه او لا يحبه يحبه اذا ايهما اعلى درجة الخلة او المحبة الخلة فكأنه يقول اعلى درجات الحب الخلة جعلتها لربي. صلى الله عليه وسلم. قال والثالث من الاقوال اكثرهم جعل المحبة ارفع من الخلة بالعكس يعني وهؤلاء جعلوا النتيجة دليلا فقالوا اليس قد ثبت عندنا ان نبينا صلى الله عليه وسلم ارفع درجة من سوى سائر الانبياء عليهم السلام ستقول بلى. تقول اذا هو اعلى درجة من ابراهيم عليه السلام. تقول نعم. فيقول وهو موصوف بالحب وابراهيم وصوفهم بالخلة فاذا كان هو اعلى درجة اذا فالمحبة اعلى درجة من الخلة هي عبارات اراد بها المصنف رحمه الله ايقافك على اقوال اهل العلم في مراتب المحبة والخلة. وقد اطلق المحبة صلى الله عليه وسلم لفاطمة. وابنيها يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما واسامة وغيرهم مثل زيد بن حارثة والد اسامة. فاسامة كان حبه وابن حبه صلى الله عليه سلم واطلق الحب لابي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم اجمعين. لكنه ما وصفهم بالخلة ولا اتخذ ولا رضي ان يتخذ احدا منهم خليلا. فدل على ان الخلة في هذا القول اعلى درجة ثم لا يزال رحمه الله يسرد القول في بيان حقيقة الخلة التي يتعامل بها الناس ويشعر بها احدهم في قلبه درجة من درجات المحبة. نعم واصل المحبة الميل الى ما يوافق المحب ولكن هذا في حق من يصح الميل منه والانتفاع بالوثق. وهي درجة المخلوق. فاما الخالق جل جلاله فمنزه عن الاغراض فما حبته لعبده تمكينه من سعادته وعصمته وعصمته وتوفيقه وتهيؤته وتهيئة اسباب القرب وافاضة رحمته عليه وقصواها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه بقلبه. وينظر اليه ببصيرته فيكون كما قال في الحديث فاذا احببت فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه انه الذي ينطق به. نعم اراد المصنف رحمه الله انك عندما تفسر معنى ان الله جعل ابراهيم خليلا واتخذه خليلا فما المقصود وان الله احب محمدا صلى الله عليه وسلم او اتخذه خليلا؟ ما المقصود؟ ليس المقصود ما نفهمه من معنى الخلة والمحبة التي تكون بين انسان وانسان. وقد تقدم بكم قبل قليل هذا المعنى. محبتك لصديق لزميل لحبيب اذ لقريب لزوجة لوالد لولد هي محبة ميل. محبة انتفاع. احبة مصالح. محبة توافق في الطباع هو كل ذلك لا يمكن ان يوصف به حب الله جل جلاله لاحد من خلقه. فبماذا يفسر حب الله لعبد من عباده الولاية نعم العصمة والحفظ نعم الاختصاص باسباب السعادة. هل تعلم عبد الله ان الله اذا احبك حلت عليك السعادة من كل نواحيها. ان الله اذا احبك ملأ قلبك انسا وراحة وسعادة. ولو كنت افقر خلق الله حب الله لعبده سعادة ترفرف في حياته. حب الله لعبده اصطفاء. اجتباء. لكنه ليس بالمجان. هو سلوك طريق يبذل فيه العبد من الثمن والمهر ما ينال به حب الله تعالى له. وسيأتيكم بعد قليل. فيقول فاذا بلغ العبد هذه حل عليه من رضوان الله ما اتاه به اسباب السعادة فاذا بلغ اقصى درجات هذه الكرامات الالهية قال كشف الحجاب عن قلبه فيرى ربه بقلبه وينظر اليه ببصيرته. ثم فسر ذلك بما ثبت في الحديث القدسي فاذا احببته اذا احب الله عبده كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ورجله التي يمشي بها ويده التي يبطش بها. وان سألني لاعطي ولئن استعاذني لاعيذنه. هذه الكرامة التي ينالها الاولياء بحب الله لهم. فاذا اصطفاهم اتاهم هم من الاسباب بالعناية والحفظ والسعادة وتهيئة القلب ما لا يكون لغيرهم من الخلق. نعم ولا ينبغي ان يفهم من هذا سوى التجرد لله والانقطاع الى الله والاعراض عن غير الله وصفاء القلب لله واخلاص لله كما قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن برضاه يرضى وبسخطه يسخط. نعم. الجملة الاولى في قول عائشة هنا رضي الله عنها اخرجها مسلم في صحيحه. كان خلقه القرآن. اما الجملة الزائدة برضاه يرضى وبسخطه يسخط فقد اخرجها الطبراني في الاوسط وفيها ضعف. لكن قوله كان خلقه القرآن وانه جعل رضاه مناطا برضا الله. وجعل سخطه بسخط الله ولا يغضب الا اذا انتهكت حرمات الله. ما هذا؟ هذا قلب عبد تربع في عرشه حب الله. هذا قلب عبد اصطفاه الله فرضي الله عنه واحبه الله عز وجل. فكانت تلك المعاني تلوح في قلبه وجوارحه وحياته اجمع صلوات الله وسلامه عليه ومن هذا ومن هذا عبر بعضهم عن الخلة بقوله قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمي الخليل خليلا. فاذا ما نطقت كنت حديثي واذا ما سكت وكنت الغليل هكذا يصف العشاق من يعشقون. وانه يهيم احدهم بمعشوقه ومحبوبه فلا يزال حاضرا عنده ان صمت وان تكلم يقول فاذا ما نطقت كنت حديثي واذا ما سكتت كنت الغليل يعني ان كنت ساكن القلب والفؤاد فانت حال به في كل حال قال ومن احب الله عز وجل كان ربه قريبا منه يذكره في كل ان. كان قلبه حاضرا كان قلبه عامرا بذكر الله كان ربه حاضرا في فؤاده وهو يستشعر معية الله ومراقبة الله وسمع الله وبصر الله هكذا هو العبد اذا اقترب من الله عز وجل فاذا اقترب من الله اقترب الله منه. واتاه من اسباب الولاية والكرامة ما نقارب به معنى الخلة حبة التي ينالها فئام من عباد الله كرام صالحون اولياء بررة هم من حزب الله الذين اثنى الله في كتابه ووصفهم بالفلاح جعلنا الله واياكم منهم. اللهم امين نعم فاذا مزية الخلة وخصوصية المحبة حاصلة لنبينا صلى الله عليه وسلم بما دلت عليه الاثار الصحيحة المنتهية المتلقات بالقبول من الامة وكفى بقوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله يغفر لكم ذنوبكم. والله غفور رحيم. عجيبة هذه الاية. ذكرت حب الله للعبد وحب العبد لله قل ان كنتم تحبون الله ثم قال فاتبعوني يحببكم الله. فتكلمت الاية عن كيف يصل العبد الى حبه لله. وعن كيف يصل العبد الى ان يحبه الله ثم العجيب في الاية ان كلا الطريقين ان اردت ان تحب الله وان اردت ان يحبك الله كان هذا حصرا على طاعتك واتباعك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. عظيمة هذه فاتبعوني. انظر اين وقعت في الاية قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني. هذا شرط ان كنت تحب الله فما الجواب؟ فاتبعوني ثم جاءت الجملة الثانية فاتبعوني يحببكم الله. هذا فعل الشرط وهذا جوابه. ان اتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم احبك الله فجاءت فاتبعوني وسطا بين ان تحب الله وان يحبك الله. افتح عينيك ليس لهذا سوى طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. اتريد دليلا اعظم من هذا على ان هذا النبي الكريم قد احبه الله بل جعل طاعته طريقا لمن يريد ان يفوز بمحبة الله له هذا مقام كبير عظيم. ولهذا قال المصنف وكفى بقوله تعالى وذكر الاية. وصدق رحمه الله. يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره للاية فاتبعوني يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم اياه وهو محبته اياكم سبحانه وتعالى وهو اعظم من الاول كما قال بعض الحكماء العلماء ليس الشأن ان تحب انما الشأن ان تحب. قال ايضا رحمه الله هذه الاية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فانه كاذب في دعواه في نفس الامر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع اقواله واحواله. ليس لنا يا كرام طريق الى ان نفوز بمحبة الله الا من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس للاولياء والصالحين والبررة في الامة طريق الى ان يظفر احدهم بولاية الله له ومحبة الله له الا من طريق طاعة واتباع رسول الله الله عليه واله وسلم. نعم حكى اهل التفسير ان هذه الاية لما نزلت قال الكفار انما يريد محمد ان نتخذه حنانا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم. فانزل الله تعالى غيظا لهم ورغما على مقالتهم هذه الاية قل اطيعوا الله والرسول فزاده شرفا بامرهم بطاعته. وقرنها بطاعته ثم توعدهم على التولي عنه بقوله فان تولوا فان الله الا يحب الكافرين؟ نعم. هذا ذكره بعض المفسرين كالبغوي وغيره وبعضهم ذكرها عن المنافقين. لما نزلت قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني. قالوا هذا محمد صلى الله عليه وسلم. يريد ان يجعلنا في طاعتنا له واتباعنا له كما صنعت النصارى بعيسى ابن مريم ان نتخذه حنانا يعني معبودا والهة او نجعله شيئا معظما. فجاءت الاية اخراسا لتلك الافواه وارغاما لتلك العبارة قل اطيعوا الله والرسول فهذه جاءت عقب قوله قل ان كنتم تحبون الله تأكيدا على ان المراد هو سلوك طاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام نعم وقد نقل الامام ابو بكر بن فورك عن بعض المتكلمين كلاما في الفرق بين المحبة والخلة يطول. جملة اشاراته الى مقام المحبة على الخلة ونحن نذكر منه طرفا يهدي الى ما بعده فمن ذلك قولهم الخليل يصل بالواسطة من قوله تعالى وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون وليكون ولي وليكون من الموقنين. والحبيب يصل اليه من قوله فكان قاب قوسين او ادنى. وقيل الذي تكون مغفرته في حد الطمع من قوله والذي اطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين. والحبيب الذي مغفرته في حد اليقين من قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما. والخليل قال ولا تخزني يوم يبعثون. والحبيب قيل له يوم لا يخزي الله النبي فابتدأ بالبشارة قبل السؤال. والخليل قال في المحنة حسبي الله. والحبيب قيل له يا ايها النبي حسبك الله والخليل قال واجعل لي لسان صدق في الاخرين والحبيب قيل له ورفعنا لك ذكرك اعطي بلا سؤال. والخليل قال واجلبني وبني ان نعبد الاصنام. والحبيب قيل له انما يريد الله اذهب عنكم الرجس اهل البيت وفيما ذكرناه تنبيه على مقصد اصحاب هذا المقال من تفضيل المقامات والاحوال قال تعالى كل يعمل على شاكلته فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا ساق المصنف رحمه الله هذه المقارنة بين مقام المحبة والخلة باعتبار محمد صلى الله عليه وسلم حبيب الله وابراهيم الخليل عليه السلام خليل الله. قال الخليل يصل بالواسط والحبيب يصل بلا واسطة. قال في الحبيب انا قاب قوسين او ادنى ومر بك تفسير الاية. وقال في الخليل وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين فحصل اليقين عنده بالدلائل والايات وحصل عند الحبيب بالرؤية والاقتراب والدنو. في الخليل اذا طلب المغفرة حده الطمع والذي اطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين. وفي الحبيب بلغت المغفرة حد اليقين وايتاء الله له ان يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. في الخليل دعا سؤالا طالبا ولا تخزني يوم يبعثون. وفي الحبيب اعطي الى سؤال يوم لا يخزي الله النبي فابتدأ بالبشارة قبل السؤال في المحنة قال الخليل معتمدا على الله حسبي الله والله عز وجل اتاها لنبيه متكفلا به. يا ايها النبي حسبك الله في الخليل قال عليه السلام واجعل لي لسان صدق في الاخرين يطلب رفعة الذكر وعلو الشأن. والمصطفى عليه الصلاة والسلام الحبيب اوتيها فقال ورفعنا لك ذكرك بلا سؤال. الخليل سأل الطهارة من الشرك واجنبني وبني ان نعبد الاصنام. والنبي صلى الله عليه وسلم قيل له انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت. المقصود في المفاضلة هنا والمقارنة بيان ما بين المحبة والخلة ومن هنا قال من قال ان المحبة اعلى درجة من الخلة لما رأيت من اوصافها. في ختام المجلس الكرام هذا عبد ونبي احبه الله. والله لا يحب الا عظيما يستحق الحب. فهذا وجه من وجوه عظمته الله عليه وسلم ثم هذا حب الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام فماذا عني وعنك في حبنا له صلى الله عليه وسلم. هذا حب الله صلى الله هذا حب الله له صلى الله عليه وسلم مع غناه سبحانه عن خلقه اجمعين فكيف بي وبك من تعلقت بقلوبنا منن عظيمة جعلها الله على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذا الحب يا كرام لرسول الله عليه الصلاة والسلام اصل في الايمان. في الطاعة في الاقتداء بقدر ما تملأ قلبك حبا صادقا له عليه الصلاة والسلام يزداد قلبك ايمانا برسالته وتصديقا بسنته واتباعا لهديه. رزقنا الله واياكم اعلى درجات درجات الحب واليقين وبلغ بنا وبكم سبيل عباده الصالحين. نسألك اللهم علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. اعمر ليلتكم ويومكم غدا لكثرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فطوبى لمن ملأ صحيفته صلاة وذكرا لله يجد بها نورا وبركة في الحياة وبعد الممات. والله اعلم