بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وامام الهداة والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعلى ال بيته الطاهرين وصحابته غر الميامين. ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وبعد ايها الاخوة الكرام. فما يزال العامر هذا في بيت الله الحرام منعقدا ليلة كل جمعة على مدار العام نتدارس فيه امرا يتعلق بمقام النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لتزداد القلوب به ايمانا ولمعرفة حقه العظيم تقديرا. ونحن فوق ذلك نجمع مع اجر الصلاة والمكث في هذا البيت الحرام ومضاعفة الصلوات فيه نجمع اليه بركة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة شريفة مباركة ندبنا فيها الى هذا الباب الكبير من الخير والاجر والرحمة ومضاعفة البركات. اكثروا من الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة. فان صلاتكم معروضة علي فليجعل احدكم من مجلسه هذا في مدارسته وسماعه وقراءته لما يتعلق بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم انما مزيدا من الصلاة والسلام عليه تضاعف به الحسنات وتتنزل به صلاة رب البريات جل في علاه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. وما زلنا الكرام في مدارسة كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للامام القاضي عياض ابن موسى الي الله عليه وما زلنا كذلك في القسم الثالث من الكتاب في بابه الاول المتعلقة بعصمة الانبياء عليهم السلام جملة وعصمة نبينا صلى الله عليه واله وسلم خاصة. والفصل الذي وقف بنا الحديث في منتهاه ليلة الجمعة الماضية هو عصمة الانبياء من الصغائر والكبائر. وتقدم تحرير المصنف رحمه الله تعالى لمحل النزاع. وان الاجماع منعقد على الانبياء من الفواحش والكبائر والموبقات. ومعصومون كذلك من كتمان الرسالة والتقصير في التبليغ. لان ذلك مناقض للمعجزة التي ايدهم الله بها. وهم ايضا مجمعون على عصمة الانبياء عن مواقعة المكروه قصدا وعمدا وكذلك عن مواقعة الصغائر التي يستلزم الوقوع فيها خسة او دناءة او حقار. وكذا تكرارها او الاصرار عليها كل ذلك قد نزه عنه الانبياء وعصمهم الله تعالى منه. بقيت مسألة الفصل منحصرة في جواز قوع الانبياء عليهم السلام في الذنوب الصغائر. لا عن عمد وتكرار واصرار وليس ايظا من الصغائر المخلة بالمروءة والشرف الموجبة للدناءة والحقارة. لكنه الخطأ والذنب الذي يقع. وها هنا مذاهب مر ذكرها ليلة الجمعة الماضية وان السلف فيها على قولين رئيسين تجويز ذلك من غير استلزام لقدح في مقام الانبياء عليهم والسلام وتجويزه يعني فطرة البشرية التي جبلوا عليها. والمقام الذي حباهم الله تعالى به بمغفرة ذنوبه وتكفير سيئاتهم ورفعة درجاتهم فامتازوا بذلك عن سائر البشر. ولان العبد بوصف العبودية فما كان بعد الذنب والتوبة اعلى مقاما واقرب عند الله سبحانه مما كان قبل. لما تنزل به التوبة من تكفير سيئات ورفعة للدرجات وتقريب للعبد وقطع للمسافات في طريقه نحو العبودية لله رب العالمين. وهذا يقابله قول اخر عند ائمة السلف وهو امتناع ذلك. وان العصمة تمتد الى عصمة الانبياء من الوقوع في الذنوب بالصغائر القول الذي نسبه المصنف رحمه الله الى طائفة من المحققين من الفقهاء والمتكلمين لان ذلك تعالي حفظ مقامهم وهيبتهم ووقارهم وثقة الامم فيهم. وان لا يزالوا في مقام القدوة والائتسام. وتقدم بيان ذلك والاجابة عما يستوجبه من اشكال وقف بنا الحديث في اخر الفصل ان من نفى وقوع والذنوب من الانبياء عليهم السلام. استدل فيما استدل به ان فعل الانبياء كان محمولا عند الامة على الاقتداء وما رأت الامة شيئا من نبيها الا فعلته. وان الذنب لو كان يجوز وقوعه لكان هذا ايضا محمولا محملا القدوة والاتباع من امته واتباعه فيما وقع فيه وانه قفلا لهذا الباب ينبغي ان يقال بعدم تجويز وقوف الذنوب الصغائر من الانبياء عليهم السلام. وساق المصنف رحمه الله فيما وقفنا عنده بعض الشواهد على اما رأيت ان الصحابة رضي الله عنهم نبذوا خواتيمهم حين نبذ خاتمه عليه الصلاة والسلام. ومضى الحديث في ذلك وهو انه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب وكان يلبسه فجعل فصه في باطن كفه فصنع الناس خواتيم ثم انه جلس على المنبر عليه الصلاة والسلام فنزعه فقال اني كنت البس هذا الخاتم واجعل فصه من داخل ثم رمى به وقال والله لا البسه ثم نبذ الناس خواتيمهم تبعا له صلوات الله وسلامه عليه. وخلعوا نعاله حين خلع نعاله عليه الصلاة والسلام لما كان في الصلاة واتاه جبريل عليه السلام فاخبره ان في نعله عليه الصلاة سلام قذرا او نجاسة فنحاهما في الصلاة فاتبع الصحابة فعلهم بفعله عليه الصلاة والسلام. ولما سألهم بعد ما انقضت الصلاة عن فعلهم قالوا رأيناك خلعت فخلعنا نعالنا. هذا الاتباع الذي كان موقفا لا يحتاج منهم الى تأمل بل كان على مظنة المبادرة والاتباع بداهة كان دليلا عند من قال بعدم تجويز وقوع الذنوب واحتجاجهم برؤية ابن عمر رضي الله عنهما جالسا لقضاء حاجته مستقبلا بيت المقدس وابن عمر انما فعل ذلك اكتفاء برؤيته عليه الصلاة والسلام وهو القائل رقيت يوما على بيتي حفصة رضي الله عنها فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة. قال واحتج غير واحد منهم في غير شيء مما العبادة او العادة بقوله رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله. ومضى الحديث ايضا في ذكر شاهد هذا من امر ابن عمر رضي الله عنهما في الامور الاربعة التي سئل عنها فلم يكن له جواب في كل واحدة منها الا انه رأى النبي عليه الصلاة فلم يفعلوا ذلك ففعل. سواء كان متعلقا بعبادة كاستلام الركنين من البيت الحرام في الكعبة. او الاهلال بالحج او كان في العادات كلبس النعال السبتية وكذا الامر في الصبغ في الصبغ بالصفرة التي سئل عنها رضي الله عنه وارضاه وقال هلا خبرتيها اني اقبل وانا صائم وقال اني لاخشاكم لله واعلمكم بحدوده لما سأل السائل عن امره عليه الصلاة والسلام مع اهله فاخبر فرأى ان مقام النبوة ارفع من ان يكون دليلا وحجة فكان هذا جوابه عليه الصلاة والسلام هذه وغيرها قطرة من بحر. كان الصحابة فيها يجعلون النبي عليه الصلاة والسلام امام حياته حقيقة امام قول وفعل امام هدى نصبوه في حياتهم صلى الله عليه وسلم. احيث ما قال بالشيء ابتدروه او نهى عن الشيء كفوا عنه. بل قد تجاوزوا ذلك الى انه لو بدا لهم من امره عليه الصلاة والسلام فعل يفعله فانهم لا يحتاجون الى السؤال ما وجه فعله؟ ولماذا فعلت؟ وهل سنفعل او هذا امر يخصك يكتفون برؤيته عليه الصلاة والسلام يفعل. بل تجاوزوا ذلك الى حرصهم على معرفة رغبته عليه الصلاة والسلام وميله وهواه للشيء فيبتدرونه ايضا. ومن ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما لما يقول مولاه نافع سمع ابن عمر رضي الله عنهما النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشير الى باب في مؤخرة مسجده النبوي قائلا لو تركنا هذا الباب للنساء ما كان يعجبه صلى الله عليه وسلم ازدحام الرجال والنساء من صحابته على باب واحد يكثرون في الدخول والخروج على الاجتماع عنده وما يحصل عادة من الالتقاء على الابواب من تكدس او وقوف. قال لو تركنا اهذا الباب للنساء؟ ولم يأمر عليه الصلاة والسلام؟ لكنها كانت رغبة وهو الباب المسمى في المسجد النبوي الى اليوم بباب النساء الواقع خلف باب جبريل بعد باب البقيع. لما سمع ابن عمر رضي الله عنهما قوله عليه الصلاة والسلام لو جعلنا هذا الباب للنساء يقول ابن يقول مولاه نافع فما دخل منه ابن عمر حتى مات. هذا الهم الكبير في لشيء يعلمونه من امر رسول الله عليه الصلاة والسلام والله انه لدرس ينبغي ان تتعلمه الاجيال المسلمة اليوم كيف نعلي من قدر السنة وصاحب السنة عليه الصلاة والسلام ولا على قدر السنة في حياتهم الا لعلو قدر صاحبها صلى الله عليه وسلم في قلوبهم. ونحن بوسعنا كذلك امة الاسلام اليوم وغدا والى قيام الساعة بوسعنا والله ان نعلي راية السنن وان نشهرها وان نفخر بها وكلما عظم قدر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في قلوب امته عزت سنته وارتفعت رايتها واقبلت الامة عليها بل ودعت الامم الى هدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام قائلة لهم هذا هدي خير البشر. هذه سيرة خاتم النبيين. هذه طريقة امام المرسلين صلى الله عليه وسلم. والمقصود من هذا المثال والشواهد السابقة ايضا هذا البيان لهذا الاصل ان هذا المعنى الكبير مانع عند من يقول بعدم تجويز وقوع الذنوب الصغائر على النبيين عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام نكمل حيث وقف بنا الحديث لنصل اللاحق بالسابق ان شاء الله تعالى. الحمد لله الذي جعل دراسة السيرة النبوية شفاء للقلوب والارواح وسببا للسعادة والفلاح وعوضا عن كل ما فات وراح الصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالشمائل الباطنة والظاهرة والفضائل الباهرة الزاهرة على اله واصحابه الاخيار والتابعين لهم باحسان الى يوم القرار. اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولمشايخه للحاضرين ولجميع المسلمين اما بعد. فهذا هو مجلسنا الثمانون بعد المئة من المجالس العامرة في هذه البقعة الطاهرة وباسانيدكم المتصلة كنسيم الرياض الى كتاب الشفا للقاضي عياض رحمه الله تعالى قال فصل في عصمة الانبياء من الصغائر والكبائر. قال رحمه الله تعالى والاثار في هذا اعظم من ان نحيط عليه لكنه يعلم من مجموعها على القطع اتباعهم افعاله اتباعهم اتباعهم افعاله واقتداؤهم بها ولو جوزنا عليه المخالفة ولو جوزوا عليه المخالفة في شيء منها لما اتسق هذا ولنقل عنهم وظهر بحثهم عن ذلك. ولما انكر عليه السلام على الاخر قول له واعتذاره بما ذكرناه. يقصد بالرواية التي وقف بها الحديث ليلة الجمعة الماضية ان الرجل الذي بعث زوجته تسأل ام المؤمنين ام سلمة رضي الله عنها جاءت تسأله عن القبلة للصائم قبلة الرجل لزوجته وهو صائم. فاجابته امه ام سلمة رضي الله عنها بان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك. فرجعت فاخبرت زوجها فانكر. وقال لسنا كرسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى ان المفارقة بين مقام النبوة ومقام غيره من البشر في امته لا يليق ان يلتحق به في وغضب لذلك فبعث امرأته ثانية فاتت الى ام سلمة رضي الله عنها والنبي صلى الله عليه وسلم عندها فلما زاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله الله يحل لرسوله ما شاء. يعني لسنا كهيئته ولا ينبغي ان يحكى لنا امره ليكون دليلا لنا فيما يتعلق بافعالنا. فقال عليه الصلاة والسلام لام سلمة ما لهذا هذه المرأة اخبرته خبره وان جاءت تسأل عن قبلة الصائم فقال الا اخبرتيها اني افعل ذلك؟ قالت ام سلمة قد اخبرتها فذهبت الى زوجها فاخبرته فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم الله لرسوله ما شاء فغضب صلى الله عليه وسلم. وقالوا والله اني لاتقاكم لله واعلمكم بحدوده. نعم قام النبوة رفعه فوقنا تقوى ومعرفة بالله ووقوفا عند حدوده لكن ذلك لم يخرجه عن مقام البشرية فلذلك كان بشرا رسولا صلى الله عليه وسلم. فهذا معنى قول المصنف لما انكر صلى الله عليه وسلم الاخر قوله واعتذاره بما ذكرنا يعني قوله لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يحل لرسوله ما شاء قال المصنف الاثار في هذا اعظم من ان نحيط بها. وصدق رحمه الله. لان حياة الصحابة رضي الله عنهم كلهم حياتهم كلهم رظي الله عنهم كانت مثالا وشاهد صدق على هذا المعنى العظيم في حياتهم. فرادى وجماعات تجد لكل احد منهم في حياته مع هدي النبي عليه الصلاة والسلام حكاية وقصة. وتجد في مجموع اخبارهم وذلك الجيل الطاهر المبارك تجد ايضا لهدي النبي عليه الصلاة والسلام شأنا عظيما. كانت السنة والهدي النبوي وفعل المصطفى عليه الصلاة والسلام كان الميزان الذي يزنون به كل شيء في الحياة. اي شيء يتعلق بالطعام والشراب واللباس والنكاح وعشرة وتربية الاولاد وطلب الرزق كل شيء في الحياة. اذا ارادوا النظر فيه او الاقدام عليه ما كان امامهم الا ان ينصبوا هدي النبي عليه الصلاة والسلام مرآة يبصرون فيها. فان رأوا ذلك مسموحا وسائغا وجائزا اقدموا الا فلا هذا شيء عظيم تواتر عنهم رضي الله عنهم وارضاهم جميعا. هذا ختام قول المصنف هنا في سياق المسألة عند تجويز عند عدم تجويز وقوع الصغائر لمن يقول به. وللتأكيد على ما سبق في مجالس اخرى مضت فان فهذا ليس حجة قاطعة كما تقدم. اذ المأثور عن كافة الائمة المتقدمين من السلف صحابة وتابعيهم عدم القول بذلك. وتجويز وقوع الصغائر لامرين مهمين احدهما دلالة الادلة ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك فسماه ذنبا ونسبه اليه عليه الصلاة والسلام. فلو لم يكن ذنب ما ذكر في القرآن فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات. وكذلك شأن موسى عليه السلام فوكزه موسى فقضى عليه. قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين. قال ربياني ظلمت نفسي فاغفر لي. فغفر له انه هو الغفور الرحيم. وامور ايضا في سياق قصص الانبياء البقية عليهم السلام. واما الاحتجاج بافعالهم فنعم. كانت ولا زالت افعال الانبياء وفعل نبينا عليه الصلاة والسلام قدوة واسوة ولكن فيما لم يستدركه الشرع ولم يأت من الوحي تعقيب كما في قصة اسارة بدر وقصته مع ابن ام مكتوم في صورة عبس. ويا ايها النبي لما تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة والله غفور رحيم. قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم. والله مولاكم وهو العليم الحكيم. وامثلة هذا فهنا يزول الاشكال لن يخشى من ان تكون الخطأ او او الذنب او الصغيرة التي تصدر عن الانبياء لن يخشى ان تكون شريعة لسبب واحد انهم لا يقرون عليها. والله عز وجل يتولاهم بحفظه ويأتي وحيوا صراعا فيستدرك عليهم تلك المواقف ويتبين الحكم فلن يلتبس على الامة هذا الموقف بما ثبت من الشريعة تماما كالاحكام المنسوخة. اليس في الشريعة احكام جاء الوحي بها؟ وبعضها عمل بها ثم يأتي وحي لاحق ينسخ ما مضى فهل يقولن قائل اننا لو اثبتنا النسخ لافضى ذلك الى خلط الاحكام في الشريعة والفعل والعمل بامر قد نسخ وتستمر الامة على ظن ان الامر ذلك لا يزال باقيا؟ الجواب لا. الشريعة باقية محفوظة والحلال والحرام مبين كما قال عليه الصلاة والسلام وكل ذلك من هذا الباب. فكما ان في الشريعة احكاما منسوخة مع كونها واقعة انها طويت صفحتها فكذلك ما يتعلق بما يصدر عن الانبياء من مواقف يأتي الوحي تعقيبا عليها فانها مما تطوى صفحتها ولا يخشى ان يكون لامتهم فيها اتباع واقتداء وبهذا يزول الاشكال في حجة التي اوردها المصنف لمن قال بعدم تجويز وقوع الذنوب الصغائر عن الانبياء جملة ونبينا صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص لرحمه الله تعالى واما المباحات فجائز وقوعها منهم. اذ ليس فيها قدح بل هي مأذون فيها انتقل رحمه الله وفي ختام الفصل في تحرير محل النزاع الى هذه المسألة فيما يتعلق بافعال الانبياء. اذا تقدم انهم لا يفعلون الكبائر ولا الموبقات والفواحش. وانهم ايضا لا يقعون فيما يخل بمقام النبوة وبلاغ الرسالة وادائها وانهم كذلك لا يصدر عنهم من الذنوب الصغائر الموجبة للخسة والحقارة والوضاعة. وانهم ايضا لا يكون منهم اصرار على الذنب وبقاء على المعصية دون ما توبة واستدراك من الوحي. قال اما المباحات فجائز وقوعها منه فلو قال قائل اليس في المباحات امور تأباها الانفة والشهامة والمروءة فلو جوزنا وقوع المباحات هل يلزم من هذا ايضا ان يفعل الانبياء من المباحات ما تنحط به الرتب وتختلف نظرة الناس في امتهم اليهم؟ الجواب لا مع تجويز وقوع المباحات فانهم لم يكتب الله لهم من تعاطي المباحات الا اعلاها واشرفها واكرمها مع انها مباحات لكنهم ما كانوا يفعلون من المباحات ما يوجب الخسة عياذا بالله او الدناءة او انحطاط رتبة او الاتصاف بشيء مما يخل بالكمالات التي جعلها الله عز وجل لمقام الانبياء عليهم السلام. نعم واما المباحات قال رحمه الله واما المباحات فجائز وقوعها منهم. اذ ليس فيها قدح بل هي مأذون فيها وايديهم كايدي غيرهم مسلطة عليها. الا انهم بما خصوا به من رفيع المنزلة وشرحت له صدورهم من انوار المعرفة واصطفوا به من تعلق الهمم بالله والدار الاخرة لا يأخذون من المباحات الا الضرورات مما يتقوون به على سلوك طريقهم. وصلاح دينهم وضرورة دنياهم وما اخذ على هذه السبيل التحق بطاعة وصار قربة كما بينا من اول الكتاب طرفا في خصال نبينا عليه السلام. فبان لك عظيم فضل الله على نبينا عليه السلام وعلى سائر انبيائه عليهم السلام بان جعل افعالهم قربات وطاعات بعيدة عن وجه المخاط الفتي ورسم المعصية. نعم وهذا مصداق قول الله سبحانه وتعالى لنبينا عليه الصلاة والسلام وكان فضل الله عليك عظيما اما ما يتعلق اضطراد القول في عدم تجويز وقوع الذنوب جملة صغيرها وكبيرها فقد تقدم التفصيل في ذلك. تم للمصنف هذا الفصل لينتقل الى مسألة اخرى تتعلق بعصمة الانبياء قبل النبوة وهل الامر كذلك على ما سبق في عصمتهم؟ وحفظ الله لهم من مواقعة شيء يخل بالطاعة ومقام العبودية لله ولرحمه الله تعالى فصل في عصمة الانبياء من المعاصي قبل النبوة وقد اختلف في عصمتهم من المعاصي قبل النبوة فمنعها قوم وجوزها اخرون. والصحيح ان ان شاء الله تنزيههم من كل عيب وعصمتهم من كل ما يوجب الريب. فكيف والمسألة كالممتنع فان المعاصي والنواهي انما تكون بعد تقرر الشرع. هنا سؤال لو قيل لك هل يجوز على الانبياء الوقوع في الذنوب والصغائر قبل النبوة؟ يعني قبل ان يكونوا انبياء قبل نزول الوحي عليهم؟ الجواب عن هذا السؤال ان يقال ان السؤال هذا غلط. لماذا غلط متى تعرف المعصية معصية والطاعة طاعة؟ الا بعد نزول الوحي. وبعد وجود النبوة فان تفترض امة من البشر ليس عندهم نبي ويعيشون حياتهم حتى يأتيهم نور الرسالة. وتشرق عندهم شمس الوحي ويبعث الله فيهم نبيا. فما كانوا يفعلونه من افعال حتى تأتي النبوة فيقال هذا حلال وهذا حرام. تتميز الطاعات عن المعاصي. فكيف نفترض وجود امر يقع فيه نبي كان قبل النبوة فردا منهم. ثم يقال هل كان يقع منه ذنب ومعصية؟ هي لم شريعة قبل نبوته يقال هل من طاعة او من معصية؟ اللهم الا ان يقال فيما يتعلق بالتوحيد وعبودية غير الله. هذان الامران وهما رأس الطاعات ورأس المعاصي. توحيد الله اوجب الواجبات. واعظم افضل الاعمال والشرك والكفر بالله جل جلاله اكبر الكبائر واقبح القبائح واعظم المحرمات فهذا قد تقدم القول فيه ان الله ما بعث نبيا من انبيائه الا وهو معصوم قبل النبوة ان يكون غارقا في اوحال الشرك وعبودية غير الله. وهذا من معنى العصمة وهو من الارهاصات التي يصطفى لها الانبياء قبل نزول الوحي عليهم. كما كان لنبينا عليه الصلاة والسلام وهو الذي نشأ في بيئة جاهلية ملؤها الشرك وعبادة الاصنام والتقرب الى الاوثان لكنه ما عبد صنما قط وكان يذهب فيخرج الى غار حراء. فيخلو به ويتحنث الليالي ذوات العدد كما تقول عائشة رضي الله عنها انها حتى جاءه الحق من ربه واتاه الوحي. فاما ما قبل النبوة مما سوى ذلك مما يوصف بالذنوب المعاصي فانه كما قال المصنف المسألة تصورها كالممتنع فان المعاصي والنواهي انما تكون تقرر الشرع قال رحمه الله تعالى وقد اختلف الناس في حال نبينا عليه السلام قبل ان يوحى اليه. هل كان امتبعا لشرع قبله ام لا؟ فقال جماعة لم يكن متبعا لشيء وهذا قول الجمهور معاصي على هذا القول غير موجودة ولا معتبرة في حقه حينئذ. اذ الاحكام الشرعية انما تتعلق بالاوامر والنواهي وتقرر الشريعة. جوابا عن السؤال السابق قبل قليل هل يقع من الانبياء قبل النبوة ذنوب او يقعون في المعاصي وكان الجواب انه لا يصح ان تقول ذنب ومعصية وطاعة وقربة الا بعد وجود شريعة ان تقولوا للناس هذا حلال وهذا حرام اذا فهمت هذا انتقلنا الى السؤال التالي. فهمنا انه لا توصف الاشياء بطاعة ولا معصية الا بعد الشريعة. فماذا لو ان النبي اي نبي عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام. ان النبي في امته حتى قبل نزول الوحي عليه كان مرتبطا بشريعة النبي الذي سبقه. فما كان فيها حلالا فهو حلال. وما كان فيها حراما فهو حرام ويقاس عليه فان كان يقع في شيء مما يخالف ما كان في شريعة من قبله من الانبياء كان فنعود بالسؤال الى ما يتعلق بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. هل كان قبل النبوة قبل بلوغه سن الاربعين عليه الصلاة والسلام. قبل ان ينزل عليه جبريل عليه السلام باقرأ باسم ربك الذي خلق. اربعين سنة من حياته قبل النبوة صلى الله عليه وسلم. هل كان متعبدا بشريعة نبي سبق من الانبياء هذان مذهبان كبيران لائمة العلم في الاسلام. فقهاء واصوليين ومفسرين. هنا قولان كبيران انقسم لهما اهل العلم فمنهم من قال نعم لانه لا يخلو زمان من الازمنة من قيام حجة الله على خلقه. وحتى زمان الفترة كانت الفطرة التي تستدل على داعي التوحيد ودلائل الكون التي تنهض شاهدة على توحيد الله ما هي الا امتداد لدعوة الانبياء والرسل حتى لو طمست انوارها ومحيت اثارها. ومنهم من قال لا لم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم متعبدا نبي قبله حتى جاءه الوحي. فبدأ المصنف رحمه الله تعالى بالقول الاول قال فقال جماعة لم يكن متبعا اي لشيء؟ جوابا عن سؤال هل كان قبل ان يوحى اليه متبعا لشرع قبله ام لا؟ هذا القول الاول انه لم يكن متبعا شرع سبق قال وهذا قول الجمهور. فعندئذ على هذا القول المعاصي غير موجودة. لماذا؟ لاننا لا نعتبر بيعة حاكمة لذلك الزمان. فليست شريعة موسى ولا عيسى ولا ابراهيم ولا نوح عليهم وعلى نبينا. افضل الصلاة والسلام ليست شريعة واحد منهم شريعة له. وقد قلنا قبل قليل طالما لم يكن هناك شريعة فليس حلال ولا حرام ولن يوصف شيء بطاعة ولا معصية. قال فالمعاصي على هذا القول غير موجودة ولا معتبرة في حقه حينئذ. اذ الاحكام والشرعية انما تتعلق بالاوامر والنواهي وتقرر الشريعة. ما الدليل على هذا سيذكر المصنف طريقة اهل العلم في الاستدلال على هذا القول قال رحمه الله تعالى ثم اختلفت حجج القائلين بهذه المقالة عليها فذهب سيف السنة ومقتدى فرق الامة القاضي ابو بكر الى ان طريق العلم بذلك النقل وموارد الخبر من طريق السمع. وحجته انه لو كان ذلك ولما امكن كتمه وستره في العادة. وستره وستره في العادة. اذ كان من مهم امره ما اهتبل به من سيرته ولفخر به اهل تلك الشريعة ولاحتجوا به عليه. ولم يؤثر شيء من ذلك جملة وذهبت طائفة الى امتناع ذلك عقلا قالوا لانه يبعد ان يكون متبوعا من عرف تابعا وبنوا هذا على التحسين والتقبيح. وهي طريقة غير سديدة واستناد ذلك. الى عقلك ما تقدم للقاضي ابي بكر اولى واظهر. طريقتان لاهل العلم في الاستدلال على عدم كون نبينا صلى الله عليه وسلم متعبدا بشرع من قبلنا. اولى الطريقتين النقل والثانية العقل. المقصود بالنقل الاستناد الى الادلة من كتاب او سنة وحجة في ذلك. والدليل عدم وجود دليل لو كان نبينا عليه الصلاة والسلام متعبدا او مأمورا او كان يعبد الله على شريعة نبي سبقه لوردت رواية ثنتان ثلاثة خمسة ان يعيش اربعين سنة من حياته عليه الصلاة والسلام ثم يأتيه الوحي فيصطفى نبيا رسولا صلى الله عليه وسلم ويكون قبل ذلك على شريعة نبي سبقه فينتقل عنها الى شريعة جديدة بعثه الله بها ثم لا تجد رواية واحدة دليلا واحدا قصة واحدة حكاية في السيرة واحدة تحكي انه كان يصلي او يصوم او يدعو او ينذر او يتقرب بناء على شريعة نبي سبق فيقول لو كان ذلك لنقل لانه مما لا يمكن كتمه وستره في وهو من مهمات امره واولى ما يمكن ان ينقل من سيرته. ثم لو كان كذلك وكان على شريعة موسى لطارت به اليهود ولافتخروا به ولو كان على شريعة عيسى عليه السلام لطارت النصارى بذلك فرحا وان الله يبعث نبيا كان على النصرانية قبل ان يوحى اليه لكن ذلك لم يكن منه شيء ابدا. قال ولم يؤثر شيء من ذلك جملة. هذه الطريقة هي طريقة الامام القاضي ابي بكر الباقي اللاني رحمه الله في جعل الدليل على المنع من ذلك دليل النقل. وانه لو كان موجودا وثابتا لورد لكننا لم نجد دل ذلك على عدم ثبوته. الطريقة الثانية الاستدلال بالعقل. امتناع ذلك عقدا هي الطريقة التي ظعفها المصنف القاظي عياظ قال هي طريقة غير سديدة. والسبب انها تستند الى دليل عقلي وطريقة تسمى اما بالتحسين والتقبيح العقليين وسبب استبعاد المصنف لها انها اصل من اصول المعتزلة. وهي فرقة خالفت جمهور اهل الاسلام في جملة من مسائل العقائد واصول الدين وبعض طرائقهم التي تفردوا بتقريرها كمثل مسألة التحسين والتقبيح وموجزها انهم يجعلون العقل حاكما مستقلا بادراك الحسن والقبح في صفات الاشياء وبترتيب الثواب والعقاب عليها اخرويا فيقولون يثبت قبح الشيء والعقاب عليه حتى لو لم تأتي به شريعة. ويثبت حسن الشيء عليه ولو لم تأتي به ايضا شريعة قالوا في الدليل العقلي لانه يبعد ان يكون متبوعا من عرف تابعا. يعني كيف كن فردا في امة نبي سبق ثم يكون اماما نبيا لامة يقودها فمنعوا ذلك عقلا وكانت هذه حجتهم والمصنف قد رجح الطريقة الاولى في عدم تجويز ذلك. هذا القول الاول انه لم يكن متعبدا بشرع سبق والدليل على ذلك اما دليل عقل او دليل نقل كما تقدمت الاشارة. قال رحمه الله تعالى وقالت فرقة اقرب الوقف في امره عليه السلام. وترك قطع الحكم عليه بشيء في ذلك. اذ لم يحل احد الوجهين منها العقد لم يحل احد الوجهين اذ لم يحل احد الوجهين منها العقل. يعني لم يجعله مستحيلا اذ لم يحل احد الوجهين منها العقل ولاستبان عندنا في احدهما طريق النقل وهو مذهب ابي المعالي هذا القول الثاني في المسألة جوابا عن سؤال هل كان نبينا صلى الله عليه وسلم متعبدا بشريعة نبي من الانبياء؟ الجواب في القول الاول لا ليس متعبدا. ونسبه المصنف الى الجمهور. ولك فيه دليلان عقلي ونقي ليه؟ المذهب الثاني وهو اختيار الامام ابي المعالي امام الحرمين الجويني رحمه الله التوقف في المسألة وعدم القول بنعم او بلا لن يقول نعم كان متعبدا بشرع نبي سبقه ولا يقول لا ليس متعبدا وسبب ذلك كما قال لا يحيل العقل احد الوجهين ولا يثبت النقل احد الطريقين يعني ليس هناك عقلا شيء يمنع من هذا او ذاك وليس عندنا في دليل النقل والرواية ما يثبت هذا او ذاك. فاذا فكيف نبني قولا بنعم او بلا من غير دليل فاذا لم نجد دليلا في المسألة فالمذهب التوقف وهي طريقة الامام ابي المعالي الجويني رحمه الله قال رحمه الله وقالت فرقة ثالثة انه كان عاملا بشرع من قبله ثم اختلفوا. هل تعينوا ذلك الشرع ام لا فوقف بعضهم عن تعيينه واحجم وجسر بعضهم على التعيين وصمم. هذا ثالث الاقوال في المسألة وهو الاثبات نعم كان نبينا صلى الله عليه وسلم قبل سن الاربعين قبل نزوله اقرأ في غار حراء كان يعبد الله على شريعة احد الانبياء رياء السابقين. اذا من هو منهم من قال هو على طريقة نبي منهم من غير تعيين. ومنهم من قال هو على ما اجتمعت عليه النبوات السابقة وليس على طريقة نبي بعينه. ومنهم من قال بلى هو احدهم. فمن هو؟ ستأتيك الاقوال. منهم من قال هو نوح ومن قال ومن قال موسى ومن قال عيسى ومن قال ابراهيم وكل يلتمس دليلا فمن قال ادم قال هو ابو البشر وابو الانبياء. ومن قال ابراهيم قال لان الله امره بان يتبع ملة ابراهيم حنيفا. ومنهم من قال موسى بانه كليم الله وشريعته اعظم ومنهم من قال عيسى لانه اخر نبي مبعوث برسالة قبله فهو اقربهم اليه. هذا ثالث الاقوال انه كان عاملا من قبله فوقف بعضهم عن تعيينه واحجم وجسر بعضهم على التعيين وصمم يعني في تسمية النبي الذي قالوا انه كان نبينا عليه الصلاة والسلام يتعبد لله على شريعته. قال رحمه الله ثم اختلفت المعينة فيمن كان يتبع فقيل نوح وقيل ابراهيم وقيل موسى وقيل عيسى صلوات الله عليهم. فهذه جملة المذاهب في هذه المسألة وجملتها اذا ثلاثة اقوال. القول الاول لم يكن نبينا عليه الصلاة والسلام متعبدا بشرع من قبله قط واستدل لذلك نقلا وعقلا. والقول الثاني التوقف. والقول الثالث اثبات انه كان يعبد الله على شريعة نبيه سبق على خلاف هل يعين احد منهم؟ ثم من هو بالتحديد او لا يعين احد من الانبياء وانه كان على شريعة ما تقرر في جملة شرائع النبيين جميعا قال رحمه الله تعالى والاظهر فيما ذهب اليه القاضي ابو بكر وما الذي ذهب اليه القاضي ابو بكر انه لم يكن متعبدا بشرع سبق واستدلالا بدليل النقل لو كان ثابتا لورد. هذا يقول اظهر المذاهب وهذا ترجيح القاضي عياض. قال رحمه الله والاظهر فيها ما ذهب اليه القاضي ابو بكر. وابعدها مذاهب المعينين. اذا عين القول الاقوى والقول الاضعف قال الاظهر قول القاضي ابي بكر والابعد مذاهب المعينين يعني الذين يقولون كان على شريعة نبي سبق ثم يحددون واحدا فيقولون نوح او موسى او عيسى او ابراهيم عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام اذ لو كان شيء من ذلك لنقل كما قدمنا. ولم يخفى جملة. ولا حجة لهم في ان عيسى اخر الانبياء فلزمت شريعته من جاء بعدها اذ لم يثبت عموم عموم دعوته دعوة عيسى عليه السلام بل الصحيح انه لم يكن لنبي دعوة عامة الا لنبينا صلى الله عليه وسلم. هذا رد من يقول انه كان متعبدا بشريعة نبي سبق ثم حدد عيسى عليه السلام خاصة فلماذا حددوا عيسى عليه السلام؟ قالوا لانه اخر الانبياء وهو اقربنا وهو اقربهم الينا. فقال هذا ليس فيه حجة وان طبيعته ليست على العموم بل ليس احد من الانبياء. بعث الى الناس كافة الا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ولهذا ثبت في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام اعطيت خمسا لم يعطهن احد من الانبياء قبلي. قال فيها وبعثت الى اسي كافة وكل نبي كان يبعث الى قومه خاصة. فهذه خصوصية اذا فلا يصح ان تقول انه كان على شريعة عيسى عليه السلام لانه كان اخر نبي في الزمان قبله فعمت بعثته او رسالته لانه لا يقال بعموم بعثة دعوة احد سوى نبينا صلى الله عليه وسلم. قال رحمه الله ولا حجة ايضا للاخرين في قوله تعالى ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا. اوجز المصنف الجواب يعني من يقول انه كان على ملة ابراهيم احتج بمثل هذه الاية. ثم اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا لان الجواب بكل سهولة المأمور هو اتباعه في الحنيفية ومعنى الحنيفية توحيد الله ومجافاة الشرك وهذا ليس خاصا باحد بل كل الانبياء على ذلك. لكن لماذا خص ابراهيم عليه السلام؟ لانه جده اولا صلى الله عليه وسلم. ولانه ابو ولانه خليل الرحمن ولانه باني الكعبة التي منها بعث نبينا عليه الصلاة والسلام فبينه وبين امام الحنفاء ابراهيم عليه السلام صلة وثيقة وعروة فجعلت هذه المناسبة في اختصاص ابراهيم عليه السلام والا فليس المقصود اتباعه في تفصيل الشرائع بل في اصل الملة وهو التوحيد والحنيفية. قال رحمه الله ولا للاخرين في قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى. قالوا الا ترى ان الاية نص ان شريعتهم شريعته. كيف؟ قال شرع من الدين ما وصى به نوحا. والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى. اذا كل شرائع هؤلاء شريعة لنا فكان الجواب اكمل الاية ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه. فالمأمور باتباعهم فيه او المذكور لنا فيما كان شرعة له هو هذه الاصول العظام التوحيد. الاعتصام بالكتاب وبالوحي والتزام ما جاء من الله عز عز وجل ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وليس المقصود تفاصيل الشرائع ووجوه التعبد قال رحمه الله فتحمل هذه الاية على اتباعهم في التوحيد كقوله تعالى اولئك الذين اهدى الله فبهداه مقتده وقد سمى الله تعالى فيهم من لم يبعث ولم يكن له شريعة تخصه. كيوسف ابن يعقوب على قول من يقول انه ليس برسول. اية سورة الانعام اولئك الذين هدى الله فبهداه مقتده. جاءت بعد ايات ثلاثة ذكر فيها سرد لاسماء جملة من الانبياء ثم يقول بعدها اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدوا من اولئك هم المذكورون سابقا في قوله سبحانه وتعالى وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء. ان ربك حكيم عليم. ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا. ثم سم جملة من الانبياء فاذا كان الله يقول بعدها فبهداه مقتدي. هل المأمور ان يتبع شريعته مع اختلافهم؟ بل في من لم يبعث بشريعة كيوسف عليه السلام. صحيح كان نبيا لكنه لم يرسل بشريعة تخصه. انما كان يدعو الى ما بعث به ابوه وجده عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام. فكيف تقال ان يوسف هو المذكور فيهم ايضا نبينا عليه الصلاة والسلام كان مأمورا باتباعه وليس له شريعة تخصه في في قومه قال رحمه الله وقد سمى الله تعالى جماعة منهم في هذه الاية شرائعهم مختلفة لا يمكن الجمع بينها فدل ان المراد ما ما اجتمعوا عليه من التوحيد وعبادة الله تعالى. نعم يقصد جملة من من الانبياء قبل قوله تعالى اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدي. ومن ذريته داوود وسليمان وايوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين واسماعيل واليسع ويونس ولوطا كيف تقول ان المقصود اتباع كل هؤلاء المذكورين؟ قال وشرائعهم مختلفة. لا يمكن الجمع بينها فكيف افهم الاية اولئك الذين هدى الله فبهداهم يعني بشرائعهم المختلفة؟ لا. بل فيما اتفقت عليه وما الذي اتفقت عليه الشرائع؟ هو توحيد الله عز وجل ما اتفقت عليه وهو توحيده وعبادته سبحانه وتعالى قال رحمه الله وبعد هذا فهل يلزم من قال بمنع الاتباع هذا القول في سائر الانبياء غير لنبينا صلى الله عليه وسلم او يخالفون بينهم او يخالفون او يخالفون بينهم. اما من منع اتباع عقلا فيضطرد اصله في كل رسول بلا مرية. واما من مال الى النقل فاينما تصور له وتقررت تبعه ومن قال بالوقف فعلى اصله ومن قال بوجوب الاتباع لمن قبله يلتزمه بمساق حجته في كل نبي هذا الذي تقرر فيما سبق في الفصل وذكرنا فيه ثلاثة اقوال. كان جوابا عن سؤال هل كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم متعبدا بشرع نبي قبله من الانبياء عليهم السلام لاهل العلم في ذلك ثلاثة اقوال اولها الذي رجحه المصنف ونسبه الى الجمهور القول بلا. لم يكن متعبدا بشرع من سبق واستدلوا على ذلك نقلا وعقلا. القول الثاني التوقف لعدم وجود دليل واضح صريح عقلا ولا نقلا الثالث الجواب بنعم ثم اختلف هؤلاء فاي نبي كان مأمورا باتباعه؟ قيل ليس واحدا بعينه وقيل بل احدهم عينه ثم تعددت الاقوال لما تبين لك الخلاف في هذه المسألة وموقف اهل العلم منها قال المصنف هل يسري هذا الخلاف مع كل نبي ان يقال في موسى مثلا عليه السلام وعيسى عليه السلام وداوود وسليمان وسائر النبيين عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام هل يقال عن كل واحد انه قبل ان يأتيه الوحي ويصطفى للرسالة؟ هل كان متعبدا بشرع من قبله هل يسري الخلاف ام الخلاف خاص بامر نبينا صلى الله عليه وسلم؟ قال اما من يمنع الاتباع عقلا اصله في كل رسول بلا مرية. من منع عقلا وهي الطريقة التي استبعدها المصنف. ونسبها الى التحسين والتقبيح العقلي قال من يمنع عقلا فالقاعدة العقلية واحدة. بمعنى انه لا يصلح ان ان يكون اليوم تابعا ثم يصبح غدا متبوعا فهذا يستوي فيه الانبياء فيطرد بلا مرية. ومن مال الى النقل كطريقة القاضي ابي بكر وانه نحتاج الى دليل فاذا هو متوقف على الدليل فاينما تصور له وتقرر اتبعه. فاذا ما وجد دليلا منع طيب وماذا يقول من يذهب الى التوقف؟ قال هو ايضا على اصله. وهي طريقة الجوين ابي المعالي. ومن يقول بانه كان يتبع شريعة من قبله فكذلك يقول ايضا في كل نبي. فالمقصود ان الخلاف ليس مختصا بامر نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه واله وسلم بل يسري الخلاف هذا الى الانبياء كافة في اصل هذه المسألة. ويبقى هنا سؤال مهم وقد تم كلام المصنف في هذا الفصل رحمه الله تعالى لماذا يبحث العلماء هذه المسألة ولماذا يحرصون على تقرير قول فيها؟ هل كان متعبدا بشرع من قبلنا ام لم يكن؟ اعلم اولا رعاك الله ان نبيك عليه الصلاة والسلام كما ثبت في سيرته. وفي الصحيح من روايات السنة انه كان يعبد الله قبل ان يوحى اليه. بل الم يأته وهو في غار حراء ماذا كان يفعل كان يتعبد لله السؤال كيف كان يعبد دون وحي على اي شيء كان يعبد الله؟ هل هي صلوات بركوع وسجود؟ هل هو ذكر باوراد مخصوصة؟ هو ما اتاه الوحي الجواب ان العبودية حتى زمن الشرك والجاهلية لم تنطمس اثارها. اما كانت العرب تحج البيت الحرام وتأتي الكعبة كل عام نعم كانت اصنام وكانت جاهلية وشرك ووثنية لكن معنى العبودية لله لم ينطمس. ونبينا عليه الصلاة والسلام عصمه الله عن التلطخ باوحال الشرك. فبقي على ماذا؟ بقي على الفطرة النقية السليمة. يرفع رأسه الى السماء ويذكر الله ويدعوه ويناجيه. ليس على عبادة بعينها بصلوات او طقوس او رسوم او اوراد. لكنها عبادة فهذا لا خلاف فيه لكن الخلاف الجزئي فعلى اي ملة وشريعة نبي ممن سبق كان يتبع عليه الصلاة والسلام هذا الخلاف الذي تقدم معك في المسألة. السؤال هنا لماذا يبحث العلماء هذه المسألة؟ وما اثرها؟ وما فائدتها اهل الفقه والاصول لما يطرقون هذه المسألة يبنون عليها مسألة اخرى ما لم نجد له حكما في شريعتنا هل يصلح ان نستدل به او فيه بشيء مما ثبت في القرآن او السنة من شرائع النبيين قبلنا يعني موسى عليه السلام لما اخطبه شعيب احدى ابنتيه قال على ان تأجرني ثماني حجج. هذه مسألة فيها ان المهر لا يلزم ان يكون مالا نقدا. بل يجوز ان يكون منفعة يبذلها الزوج فيكون مهرا لنكاح الزوجة فهل يصلح ان نقول انه يجوز ان يكون المهر منفعة؟ والدليل على ذلك قصة موسى عليه السلام او يقول قائل لا شأن لنا تلك شريعة ولنا شريعتنا فيبني الفقهاء والاصوليون طرفا من الخلاف في المسألة على هذه المسألة في الاستدلال بشريعة من سبق من الانبياء هل هي شريعة لنا امة الاسلام؟ وهل نأخذ منها الاحكام؟ وهل يجوز ان نستدل به؟ يوسف عليه السلام لما اصبح عزيز مصر وجعل الحيلة مع اخيه بنيامين واخفى المكتلة في متاعه. قال ولمن جاء به حل بعير تدل على مسألة في الفقه وهو جعل الجعالة وتفرظ الهدية والهبة لمن ينفذ عملا ويأتي به ويستدل بها الفقهاء فهل يقال هذا خاص بيوسف عليه السلام في شريعته ولنا شريعتنا التي لا تصلح للاستدلال بها وقس على ذلك جملة من المسائل اذا علمتم هذا رعاكم الله وبيان اثر المسألة المتعلقة بالاستدلال بشريعة من سبق انا عندما لا يكون لها في شريعتنا حكم يخصها فهذه مسألة يبحثها الفقهاء والاصوليون. ليس على معنى شريعة من كان قبل النبوة يتعبد بها عليه الصلاة والسلام بل هي كالتتمة لها وتلحق بها ايضا. ولهذا فان من وقف كأب المعالي الجويني في المسألة كما تقدم بكم ووافقه على ذلك بعض كبار الائمة المحققين كالغزالي والآمد ونحوهم نظروا الى ان المسألة لا يحكمها دليل ولا يصح القطع فيها بقول من الاقوال. والشوكاني رحمه الله تعالى لما حكى تلك وان قال اقربها قول من قال انه ان كان متعبدا بشريعة احد فانما هي شريعة ابراهيم عليه السلام انه صلى الله عليه وسلم كان كثير البحث عنها عاملا بما بلغه اليه منها كما يعرف ذلك من كتب السير وكما دلت تعليه جملة من الايات القرآنية فانه يشعر بمزيد خصوصية لها فلو قدرنا انه كان على شريعة قبل البعثة تأتي لم يكن الا عليها. وامام الحرمين وهو المتوقف في المسألة كما تقدم بكم. قال رحمه الله هذه المسألة لا تظهر لها فائدة بل تجدي مجرى التواريخ المنقولة ووافقه على ذلك المازري والماوردي وغيرهما. قال الشوكاني وهذا صحيح فانه لا يتعلق بذلك فائدة باعتبار هذه الامة ولكنه يعرف به في الجملة شرف تلك الملة التي تعبد بها وفضلها على غيرها من الملل المتقدمة على ملته انما اوردها القاضي عياض رحمه الله في سياق ذكره هل وقع من الانبياء قبل النبوة معصية او لا فساقه الحديث الى الحديث عن كون المسألة قبل النبوة هل توصف بانها طاعة او معصية؟ او تتوقف على وجود شريعة قوة قبلها تم الفصل وانقضى المجلس لكن ليلة الجمعة باقية بشرفها وخيراتها وبركاته. بقي في ليلة الجمعة ايها المباركون ساعات ودقائق ملؤها كثير والله من الخيرات والحسنات انما يقطف جناها بكثرة الصلاة سلام على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة ويوم غد يوم الجمعة فانه سيد الايام. ونبينا صلى الله عليه وسلم سيد الانام. فكان للصلاة عليه في هذا اليوم وليلته خاصة من الفضل والاجر ما ليس لغير من سائر الليالي والايام. ونحن بذلك انما نلتمس خيرا وبركة ومضاعفة من صلاة ربنا علينا بصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم صلى عليك الله يا من ذكره شرح الصدور وطيب الافاق ان لم نكن من من رآك فاننا توقا اليك نعانق الاشواق. استديموا الصلاة والسلام عليه واجعلوا صلاتكم وسلامكم عليه صلى الله عليه وسلم حبا في القلوب يتجدد. وذكرا في اللسان يتردد وعطرا في الافواه يتضوع. اجعلوا صلاتكم وسلامكم عليه صلى الله عليه وسلم سلما ترتقون به الى اعالي سنته والتمسك بمحبته وبثها بين اهل بيوتكم ابنائكم ومن حولكم فانه هدي عظيم وباب كريم. نسأل الله جلت قدرته ان يلحقنا واياكم بكثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في ركاب المحبين من امته. الفائزين بشفاعته. اللهم اوردنا حوضه وارزقنا شفاعته. واحيينا لسنته وامتنا على سنته يا ذا الجلال والاكرام. اللهم احينا مسلمين وتوفنا مسلمين. والحقنا اللهم بالصالحين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين. اللهم انا نسألك من كل خير سألك منه نبيك صلى الله عليه وسلم ونعوذ بك من كل شر استعاذك منه نبيك صلى الله عليه وسلم. واجعل لنا الهي ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية يا ارحم الراحمين. اللهم فرج هم المهمومين من مسلمين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين اللهم كن لعبادك المسلمين فوق كل ارض وتحت كل سماء. اللهم تولى بعنايتك امرهم. وارحم ضعفهم واجبر كسرهم. اللهم اللهم كن لنا ولا تكن علينا وعافنا واعف عنا. نسألك من كل خير خزائنه بيدك. ونعوذ بك من شر كل ذي شر انت اخذ بناصيته لا اله الا انت ولا رب لنا سواك. اللهم ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلي يا ربي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى والرسول المجتبى نبينا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين