بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم لك الحمد كما ما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملئ ما شئت من شيء بعد. اهل الثناء والمجد احق ما قال العبد وكلنا لك عبد. لا مانع بما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك تعددت الائه وتتابعت نعماؤه سبحانه وبحمده لا نحصي ثناء عليه هو كما اثنى على نفسه واشهد ان سيدنا ونبينا وقرة عيوننا محمدا عبد الله ورسوله. امام الهدى سيد الورى من ملأ قلوب امته حبا وسن لهم طريقا الى الجنة وجعل راية سنته منهاجا لكل متبع له من امته عليه الصلاة والسلام نادى بحبك في الفؤاد منادي به بين الخلائق شادي صلى عليك الحرف في محرابه ما ابتل في ذكراك قلب صاد. فاللهم وسلم وبارك على الرسول المصطفى والنبي المجتبى. سيدنا ونبينا وامامنا وقدوتنا محمد بن عبدالله صلاة وسلاما دائمين ما تعاقب الليل والنهار. وعلى ال بيته الطيبين الاطهار. وصحابته الغر من المهاجرين والانصار ومن تبعهم باحسان واقتفى اثرهم الى يوم الدين وبعد امة الاسلام فان الليلة المباركة ليلة الجمعة. وفيها يكتسب المسلم من بركات هذه الليلة و خيرها وشرفها وعظمتها. ما جاءت به النصوص الشرعية وحدت به الارواح المحبة لكثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وهو القائل اكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فان صلاتكم معروضة علي فاكثروا من الصلاة والسلام عليه صلوات ربي وسلامه عليه واجعلوا مجلسكم هذا عامرا بكثرة الصلاة والسلام عليه ونحن نتدارس فصولا من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للامام القاضي عياض ابن موسى الي رحمة الله عليه. وقف بنا الحديث ليلة الجمعة الماضية. في فصول القسم اولا في فصول الباب الاول من ثالث اقسام الكتاب. في حكم السهو والنسيان عليه صلى الله عليه وسلم فيما علقوا بالوظائف الشرعية والامور الدينية بعدما تم حديث المصنف رحمه الله تعالى في فصول مضت وانقضت في الحديث عما يتعلق بهذا الباب من معاني العصمة من الصغائر والكبائر حتى صار به الحديث الى هذا الفصل بعدما انقضى ايضا في عصمة الانبياء قبل النبوة. فصل الليلة بعون الله تعالى. يتناول حديثا فيما فيه الانبياء عن غير قصد من افعال تؤول الى السهو والنسيان في امر يتعلق بالعبادات والوظائف الشرعية وسيعرض فيه المصنف رحمه الله تعالى موقف اهل العلم وبيان ذلك بما دلت عليه الادلة بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال المصنف رحمه الله تعالى فصل في حكم السهو والنسيان في الوظائف الشرعية. هذا حكم ما هذا حكم ما تكون المخالفة فيه من ما لي عن قصد وهو ما يسمى معصية ويدخل تحت التكليف. قوله هذا يشير الى من قضى في الفصل السابق عندما تحدث رحمه الله تعالى عن عصمة الانبياء من المعاصي قبل النبوة وذكر منعها وجوازها وصحح ما تقدم حديثه قال هذا حكم ما تكون المخالفة فيه من الاعمال عن قصد ليبين الفارق بينما مضى وبينما سيأتي في لحديثه رحمه الله من ذكر متعلق هذه المسائل وارتباط بعضها ببعض. يعني ما سبق فيه الكلام كان مقصوده الحديث ما يقع من المخالفة في الاعمال عن قصد واما الواقع عن غير قصد وهو السهو والغلط والنسيان فهذا الذي سيأتي حديث عنه في هذا الفصل واما ما يكون بغير قصد وتعمد كالسهو والنسيان في الوظائف الشرعية مما تقرر الشرع بعدم تعلق الخطاب به وترك المؤاخذة عليه. فاحوال الانبياء عليهم والسلام في ترك المؤاخذة به وكونه ليس بمعصية لهم مع اممهم سواء وكونه ليس بمعصية له وكونه ليس بمعصية لهم مع اممهم سواء ثم ذلك على نوعين يقول اما ما يقع من الانبياء بغير قصد وتعمد كالسهو والنسيان في الوظائف الشرعية. يقصد بالوظائف الشرعية ما كان من الاعمال على هيئة تعبد وتقرب جاءت به الشريعة. كالصلاة مثلا والامامة والاذان والصيام وقراءة القرآن ونحوه فانها وظائف شرعية يعني اعمال وعبادات يتقرب بها على نحو ما جاءت به الشريعة في بيان احكامها. قال رحمه الله واما ما يقع بغير قصد وتعمد كالسهو والنسيان في الوظائف الشرعية فاحوال الانبياء مع اممهم سواء في هذا الباب يعني كما يجوز على الامم وقوع الخطأ والسهو منهم في العبادات والوظائف الشرعية. فاحوال الانبياء في هذا الباب معهم سواء في اي امر قال في ترك المؤاخذة به وكونه ليس بمعصية لهم. فما وقع من الانبياء سهوا في شيء من العبادات هو وارد وان وقع فلن يكون معصية. وسيقع على العفو وعدم المؤاخذة وهم في في هذا الباب مع اممهم سواء. لان الباب باب كرم الهي وعفو ورحم. ثم هو ايظا منزل على ما جبل عليه البشر وفطروا عليه من النقص والعجز والسهو والغلط. فهم في هذا الباب مع اممهم سواء وسيفصل النوع من الاعمال على نوع على قسمين ما كان طريقه البلاغ وتقرير الشرع وما جاء به الوحي والاخر ما كان يتعلق احدهم في نفسه يعني فرق بين ان يقع السهو والغلط من احد الانبياء في عبادة هو امام امته كأن يؤمهم في الحج او في الصلاة. وبين ان يقع في عبادته لنفسه مع ربه فيقع الخطأ والسهو. والفرق بين الصورتين ان الاولى تكون بين مجمع من امته فهم يتأسون به ويقتدون. واما الاخرى فمخصوصة به وبشأنه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام. ثم ذلك على نوعين ما طريقه البلاغ وتقرير الشرع تعلق الاحكام وتعليم الامة بالفعل واخذهم باتباعه فيه. وما هو خارج عن هذا مما يختص اما الاول اما الاول قصدهما طريقه البلاغ يعني ما يقع عن غير قصد سهوا ونسيان في الوظائف الشرعية والعبادات فيما طريقه البلاغ وتعلق الاحكام وتعليم الامة بالفعل. فهل يجوز على الانبياء وقوع ذلك منه سهوا وخطأ ونسيانا. قال اما الاول اما الاول فحكمه عند جماعة من العلماء حكم السهو في القول في هذا الباب. وقد ذكرنا الاتفاق على امتناع ذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم وعصمته من جوازه عليه قصدا او سهوا. تقدم معنا في فصل سابق انه لا يمكن ان يجوز على الانبياء ان يقع منهم الخطأ في القول فيما يتعلق بالشريعة. يعني لانه بلاغ فلا يتصور ان يخطئ في تبليغ الوحي الذي جاء. ولو قلت سهوا هذا لا يمكن ان يكون. ان تنزل عليه سورة بخمس ايات يتلوها على امته اربعا او ستا فيسهو ويسقط اية مثلا او يبدل كلمة بكلمة. هذا لا يكون. فقول الانبياء وتبليغهم ما يأتيهم من الوحي من السماء هذا لا لا يتطرق اليه خطأ كما تقدم لا سهوا ولا عمدا والسبب في ذلك ان هذا هو صلب الرسالة وهذا هو مقصود الوحي فلو افترظت جدلا انه يمكن ان يقع من الانبياء سهو في هذا الباب اقبل اليك الملاحدة والزنادقة والمشككون في في الرسالة والبعثة والدين وقالوا فما الذي يضمن لك ان القرآن الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام يمليه على اصحابه فور نزول الوحي ان يكون سالما امنا موثوقا ان كنت تجوز عليه الخطأ في ذلك او الغلط او السهو فقد تقدم ان ما يبلغون به الدين قولا وينقلونه من الوحي الذي يأتيهم من الله هم فيه معصومون. السؤال الان وقد تقدم عصمتهم في الاقوال هل الافعال في هذا المقام بمنزلة الاقوال اذا قام يصلي بهم اماما او خرج يقودهم في ركب الحج ايمكن ان يقع منه خطأ في فعل من تلك الافعال في العبادات سهوا قال هنا ذهبت فرقة وطائفة من اهل العلم الى امتناع ذلك كما امتنع عليهم الخطأ في القول والسبب انهم سواء عنهم قول او فعل في تبليغ الدين وتعليم الوحي فان الامة تأخذ عنهم اخذ التدين والتعبد. فكما لا يجوز عليهم الخطأ في القول سهوا ولا عمدا لا يجوز عليهم الخطأ في الفعل ايضا سهوا ولا عمدا فاغلقوا هذا الباب قال عند جماعة من العلماء حكم هذا حكم السهو في القول. وقد تقدم هناك الاتفاق على امتناعه في حق النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك قالوا وكذلك قالوا الافعال في هذا الباب لا يجوز طرو المخالفة فيها لا عمدا ولا سهوا لانها بمعنى القول من جهة التبليغ والاداء وطرو هذه العوارض وطرو هذه العوارض عليها يوجب يوجب التشكيك ويسبب المطاعم يعني طروء هذه العوارض يعني حصولها على جهة وامر طارئ عارض ربما تسبب في وقوع الشك في الدين وان الامة لا تعود تدري ما الصواب من الخطأ وما هو الحق من الباطل ويسبب المطاعم يفتح بابا كما اسلفنا للطعن والاذى والتسلط بالتشكيك والتعرض للدين بشيء قد يثير شبهات لا يقوى عليها بعض ضعاف الدين واعتبروا عن احاديث السهو بتوجيهات نذكرها بعد هذا والى هذا مال ابو اسحاق الاسبرايني. سيأتي بعد قليل ان النبي عليه الصلاة والسلام سهى في صلاته او لم يقع هذا؟ بلى. ليس مرة ولا مرتين بل اكثر من هذا فاذا كان قد وقع السهو في الصلاة وهو نوع من الافعال المتعلقة بالتشريع والعبادات فما الجواب عن ذلك؟ تكلفوا هناك اجوبة من اجل ان يبقى قولهم هذا مطردا انه لا يمكن ان يقع خطأ من الانبياء فاذا قلت له طيب وحديث ذي اليدين في السهو في الصلاة وحديث عبد الله بن بحينة وحديث ابي هريرة وبسعيد الخدري رضي الله عنهم جميعا. وكلها حكت انه مر زاد ركعة خامسة. ومرة سلم من ركعتين وبقيت له ركعتان فما الجواب عن ذلك؟ سيقولون هناك لا هو لم يخطئ هو تعمد السهو من اجل ان يعلم امته كيف يفعلون اذا حصل لهم مثل ذلك. وهذا جواب سيأتيك بعد قليل لانه ليس بالقوي المعتمد انما هو طريقة لبعض اهل العلم ومذهب لهم. قال واعتذروا عن احاديث السهو بتوجيهات نذكرها بعد هذا. والى هذا القول مال ابو اسحاق والاسراييني رحمه الله وذهب الاكثر من الفقهاء والمتكلمين الى ان المخالفة في الافعال البلاغية والاحكام الشرعية سهوا وعن غير بقصد منه جائز عليه جائزة جائزة عليه هذا مذهب الاكثر من اهل العلم. عدم امتناع هذا هل يجوز ان يقع السهو من الانبياء عموما ومن نبينا صلى الله عليه وسلم خصوصا؟ هل يجوز وقوع السهو منه في فعل يتعلق بالبلاغ وحكم شرعي كالصلوات مثلا الجمهور نعم على الجواز. وهذا السهو في الفعل لانه سهو ترتب عليه احكام هذا السهو ليس منقصة في مقام النبوة ولا قادح في العصمة. بل هو بيان لتشريع يأتي في تقريره الحكمة من ذلك وفوائده. قال جائزة عليه والمخالفة الواقعة هنا ستكون سهوا عفوا لا فيها ولا مؤاخذة فهي في مقام العفو لكنها في المقابل تأتي تشريعا لبيان الاحكام المترتبة عليها كما تقرر من احاديث السهو في الصلاة وفرقوا بين ذلك وبين الاقوال البلاغية لقيام المعجزة على الصدق في القول ومخالفة ذلك يناقضها واما السهو في الافعال فغير مناقض لها. ولا قادح في النبوة. بل غلطات الفعل وغفلات القلب من سمات البشر كما قال عليه السلام انما انا بشر انسى كما تنسون فاذا نسيت فذكروني صلى الله عليه وسلم. يقول انما انا بشر فاذا نسيت فذكروني تبين انه يقع منه النسيان عليه الصلاة والسلام يقول انسى كما تنسون. فاذا اثبت لنفسه عليه الصلاة والسلام وقوعا النسيان فمن التكلف نفي ذلك ومن المبالغة في اثبات العصمة زعم انه لا يمكن ان يقع وهو عليه الصلاة والسلام يقرره. ويقول اني انساك اما تنسون فتقرير هذا واقع لا اشكال فيه. يقول وهذا ليس قادحا في النبوة وليس ايظا مؤثرا في العصمة بل هي من غفلات القلب وغلطات الفعل التي لا يسلم منها بشر. وهذا من سمات الانسانية التي جعلها الله عز وجل في الانبياء عليهم الصلاة والسلام. نعم بل حالة النسيان والسهو هنا في حقه عليه السلام سبب افادة علم وتقرير شرع كما قال عليه السلام اني لانسى او انسى لاسن بل قد روي لست انسى ولكن انسى لاسن. وهذه الحالة زيادة له في التبريغ. وتمام عليه في نعمة بعيدة عن سمات النقص واعتراض الطعن. فان القائلين بتجويز ذلك يشترطون ان الرسل لا اقروا على السهو والغلط بل ينبهون عليه ويعرفون حكمه بالفور على قول بعضهم وهو الصحيح وقبل اعتراضهم على قول الاخرين. اما حديث لست انسى او اني لانسى او انسى لاسن فقد تقدم فيما سبق ان الحديث المروي هنا هو من بلاغات الامام مالك رحمه الله تعالى في الموطأ والمقصود بالبلاغات ما يرويه بلاغ بانه بلغه عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال ذلك. ومعلوم عند اهل العلم عند المحدثين لا يقبل من الرواية عن المصطفى صلى الله عليه وسلم الا ما كان مسندا. تعرف رواته ويعرف احوال رجاله. فما كان من البلاغات فليس على طريقة المحدثين في اثبات الرواية. ولهذا قال الامام الحافظ بن عبدالبر رحمه الله لا اعلم هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا ولا مقطوعا من غير هذا الوجه. وهو احد الاحاديث الاربعة التي في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة. ومعناه صحيح في الاصول وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله لا اصل له فانه من بلاغات ما لك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد المقصود ان هذا النوع من السهو في فعل الانبياء في الافعال التي تكون في مقام التشريع والتعبد من اهل العلم منعها والصحيح الذي عليه الاكثر جوازه وانه ليس مناقضا للعصمة ولا قادحا في النبوة بل فيه افادة علم وبيان شرعة وبيان ما تحتاجه الامة في مثل هذه الاحوال مع ان القول بجواز ذلك مشترط بان الانبياء لا يقرون على السهو. اليست عبادة؟ فلو قلت انه يمكن ان يقع السهو. فلا تظن انه سهو ثم يستمر ويتكرر او يقع ولا يأتي من الوحي ولا من التشريع ما يبين الصواب فيه. بل يستدركهم الوحي وينبهون ويعرفون حكمه بالفور وهذا الصحيح الذي وقعت به الافعال التي كان مثلها من سهو النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة الاتي ذكرها بعد قليل. واما ما ليس طريقه البلاغة ولا بيان الاحكام من افعاله عليه السلام وما يختص به من امور دينه واذكار قلبه مما لم يفعله ليتبع فيه. يقول واما ما ليس طريقه البلاغ وهل يفعل النبي عليه الصلاة والسلام فعلا لا يتعلق بالبلاغ؟ الجواب نعم. هناك افعاله الشخصية اموره التي يفعلها عليه الصلاة والسلام لنفسه. حتى لو كانت عبادة يصلي في جوف بيته عليه الصلاة والسلام او يذكر الله اه او يكون له حال مخصوص فلا يكون في ذلك المقام مقصودا به التبليغ ولا بيان الحكم للامة. ما ليس طريقه البلاغ ولا بيان الاحكام من افعاله عليه الصلاة والسلام. وما يختص به من امور دينه واذكار قلبه مما لم يفعله ليتبع فيه. فهل يجوز في هذا وقوع السهو والغلط والنسيان؟ الجواب ان الاكثر من اهل العلم يقولون بالجواز لانه لا شيء يحذر منه. ولا يترتب عليه ما يخاف. بانه يمكن ان يقتدى به في ذلك الخطأ او ان انسانا يأتي فيراه عليه الصلاة والسلام قد صلى ركعتين في الظهر فيظن الظهر ركعتين وينصرف او رآه يصلي الظهر خمسا فيظنها قد زادت ركعة. فتثبت عنده على انها خمس ركعات وينصرف. لا يمكن هذا ان يكون لانه في شيء يخص عليه الصلاة والسلام ولم يكن في مقام الفعل الذي يتبع فيه او ينظر فيه ليقتدى به صلى الله عليه وسلم اللهم صلي وسلم فالاكثر من طبقات علماء الامة على جواز السهو والغلط عليه فيها. ولحوق الفترات والغفلات بقلبه وذلك بما كلفه من مقاسات الخلق وسياسات الامة ومعاناة الاهل وملاحظة الاعداء. ولكن ليس على سبيل التكرار ولا الاتصال بل على سبيل الندور. كما قال عليه السلام انه ليغان على قلبي فاستغفر الله يقع ولا حرج في ذلك. والسهو في الفعل الذي يقع في شيء يخصه عليه الصلاة والسلام وفي عبادة ينفرد بها مع ربه عليه الصلاة والسلام. وقوع السهو فيها والغلط ليس منقصة. بل انه القائل الصلاة والسلام انه ليغان على قلبي فاستغفر الله. وقد تقدم هذا الحديث سابقا. بينا فيه ان بمعنى الشيء الذي يغشى القلب. فالغين الذي يمكن ان يكون في اصل ما يتغشى القلب ويغطيه لان الغين والغيمة بمعنى واحد. فكما يغطي الغيم السماء ويحجب الشمس فان الغين الذي قد يغشى القلب يغطيه فتعتريه حالة سهو. هذا هو عليه الصلاة والسلام. يقول انه ليغان على قلبي ليس المقصود بالغين هنا شيئا من المعاصي والذنوب التي تتراكم كما يحصل لاحدنا معشر البشر من امته صلى الله عليه وسلم لكن المقصود هنا بالغين الذي ذكره اهل العلم ما يقع فيه من غفلات وفترات النفس او تهو عن مداومة الذكر ومشاهدة الحق ومرجع ذلك الى ما كان يقاسيه صلى الله عليه وسلم من امور الدعوة والبلاغ ومسايسة الامة فظلا عن معاناة الاهل والاسرة والزوج والمعاش ومقاومة الولي والعدو ومراعاة مصالح النفس وما كلف به من اعباء الرسالة وحمل الامانة وهو مع كل ذلك في طاعة الله وعبادة ربه لكنه لما كان عليه الصلاة والسلام اعظم الخلق مكانة وارفعهم درجة فانه كان يرى تلك اللحظات التي يوغان فيها على قلبه موجبة للاستغفار. فيعود الى ربه مستغفرا تائبا لانه يرقى الى الكمالات صلى الله عليه وسلم وينشد المقام الذي رفعه الله عز وجل اليه فهو يغان على قلبه. الغين هنا الذي يأتي بمعنى التغطية التي تصيب القلب فتكون على نحو من الذهول او الغفلة او السهو ثابت بنص الحديث ولانه بمقتضى البشرية فاننا معشر البشر نعيش مثل هذه الاحوال. الا ترى هما اذا شغل فكرك وامرا عظيما اقلقك وقضية ظللت تفكر فيها ساعات بل وليالي ربما اذهبت عنك النوم وشغلتك عن قضية هي اهم عندك. وربما ذهلت عن الشيء امامك. لانك من شدة الهم والتفكير قد تغفل عن الشيء وهو امام عينيك وهو بين يديك فهذا حاصل. والنبي عليه الصلاة والسلام انما كان يعيش اعظم الهم واعلى درجات انشغال الخاطر والفكر والقلب والفؤاد عليه الصلاة والسلام. الهم الذي كان يحمله هو هم امته معاه انا وانت واباؤنا واجدادنا وابناؤنا واحفادنا كان يحمل هم هذا الدين عليه الصلاة والسلام وما السبيل الى النجاة بامة عريضة طويلة يخرجها من ظلمات الشرك والجهل والبدعة والخرافة الى نور الاسلام والطاعة بداية يخرجها من النار الى الجنة. هذا الهم الكبير كان يغشاه عليه الصلاة والسلام. فما الذي يمتنع وهو القائل؟ انه ليغان على قلبي كما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام. هنا يقول المصنف وليس في هذا شيء يحط من رتبته او يناقض معجزته صلى الله عليه وسلم. وليس في هذا شيء يحط من رتبته ويناقض معجزته وذهبت طائفة الى منع السهو والنسيان والغفلات والفترات في حقه عليه السلام جملة وهو مذهب جماعة المتصوفة واصحاب علم القلوب. والمقامات واصحاب علم القلوب والمقامات. ولهم في هذه الاحاديث مذاهب نذكرها ان شاء الله تعالى بعد. يقول وهنا من من اهل الاسلام من ذهب الى منع ذلك وانه لا يقع السهو في الافعال التعبدية ولو كانت افعالا خاصة. ليست في مقام التبليغ يقول لا يقع هذا وقوع الغفلات والفترات وبالغوا في اثبات العصمة النبوية وانها دائما على اكمل الاحوال. ولا يمكن وان ينسب اليه شيء صلى الله عليه وسلم من السهو او الخطأ او الغفلة ولا شك ان هذا غلو في اثبات في هذا المعنى يعارضه صريح الادلة السابقة في مثل قوله صلى الله عليه وسلم اني انسى كما تنسون فاذا فذكروني ويقول انه ليغان على قلبي. والاحاديث في مثل هذا الباب صحيحة. ووقوع السهو مثلا في العبادات والاعمال مال قد ثبتت فتكلف منع ذلك مبالغة في اثبات العصمة. قال المصنف وهو مذهب جماعة المتصوفة اصحاب علم القلوب والمقامات ويتكلفون ولا شك عندئذ الاجوبة عن مثل الاحاديث والوقائع التي ثبت فيها سهوه صلى الله عليه وسلم تقرر اذا في خلاصة هذا الفصل ان السهو في الافعال الصادرة عن النبي عليه الصلاة والسلام تنقسم الى نوعين. نوع يتعلق من الافعال التي تكون في مقام التبليغ امام امته وبين صحابته والراجح في هذا النوع جواز وقوع السهو فيها ولا تناقض العصم ولا تقدح في النبوة والوحي يستدركها ويأتي البيان فيكون من فائدة ذلك تعليم الامة حكم الشريعة في مثل تلك الاحوال والنوع الثاني السهو في الافعال التي تختص به عليه الصلاة والسلام في عبادته لربه وذكره اياه فان كان نوع الاول يرجح فيه جواز الوقوع فمن باب اولى ان يقع في الثاني لانتفاء المحذور وعدم ترتب شيء يخشى او يخاف فانه عليه الصلاة والسلام وحده والامر يتعلق بخاصة نفسه. فالراجح ايضا وهو الذي عليه اكثر علماء الاسلام جواز مثل لذلك اذا تقرر هذا وقد تقدم بيانه في الفصل ينتقل المصنف رحمه الله تعالى الى ذكر احاديث السهو التي ثبتت في الرواية فيوردها اولا ثم يذكر كلام اهل العلم المتعلق بها ثانيا على ضوء ما تقرر في تنزيل الخلاف ومذاهب اهل العلماء في هذه المسألة فصل في الكلام على الاحاديث المذكور فيها السهو منه عليه السلام قد قدمنا في الفصول قبل هذا ما يجوز فيه عليه السهو عليه السلام. وما يمتنع واحلناه في الاخبار جملة في الاقوال الدينية قطعا واجزنا وقوعه في الافعال الدينية على الوجه الذي رتبناه. واشرنا الى ما ورد في ذلك ونحن نبسط القول فيه ها هنا ان شاء الله تعالى. ونقول الصحيح من الاحاديث الواردة في سهوه عليه السلام في الصلاة ثلاثة احاديث اولها حديث ذي اليدين في السلام من اثنتين الثاني حديث ابن بحينة في القيام من اثنتين. الثالث حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا هذه الاحاديث الثلاثة كلها مخرجة في الصحيحين البخاري ومسلم وهي في غيرهما ايضا من دواوين السنة بكثرة حصل المصنف رحمه الله احاديث سهو النبي عليه الصلاة والسلام في ثلاثة مواضع او ثلاثة وقائع كان فيها سهوه عليه الصلاة والسلام. قال اولها حديث ذي اليدين في السلام من اثنتين. يعني في سلامه من ركعتين وكانت صلاة العصر كما ما صحت الرواية به؟ فسلم من ركعتين ثم قام بعدما تحدث مع اصحابه واتى بالركعتين الباقيتين قال الحديث الثاني حديث ابن بحينة رضي الله عنه في القيام من اثنتين يعني انه ترك التشهد الاول وكان في الركعة الثانية قام مباشرة الى الثالثة فلم يجلس للتشهد وهذا ايضا سهو سجد له عليه الصلاة والسلام في اخر صلاته قال الثالث حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا هذه ثلاثة احاديث وهي على التفصيل يمكن ان تبلغ خمسة او ستة من الاحاديث بيانها كالتالي اما سجوده عليه الصلاة والسلام من ركعتين فهي ثابتة في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه وتقدمت فيما سبق في حديث ذي اليدين كيف كان منه مع النبي عليه الصلاة والسلام حوار في شأن سهوه عليه الصلاة والسلام وموجز ذلك انه صلى احدى صلاتي العشي يعني اما الظهر واما العصر فصلى ركعتين ثم سلم فقام الى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان. وخرجت السرعان من ابواب المسجد. فقام ذو اليدين فتكلم مع النبي عليه الصلاة والسلام فقال قصرت الصلاة وفي القوم ابو بكر وعمر فهابى ان يكلماه. فقام ذو اليدين فقال انسيت ام قصرت الصلاة؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام لم انس ولم تقصى. فقال ذو اليدين؟ بلى فعاد عليه الصلاة والسلام فسأل اكما يقول ذو اليدين؟ قالوا نعم. فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم. ثم كبر وجد مثل سجوده او اطول ثم رفع رأسه وكبر ثم كبر وسجد سجدة ثانية يعني مثل سجوده او اطول ثم رفع وكبر ثم سلم هذا حديث صلاته عليه الصلاة والسلام لما سلم من ركعتين. اما سجوده صلى الله عليه وسلم حين سلم من ثلاث ركعات فلم يذكرها المصنف هنا. والحديث ايضا في صحيح مسلم من رواية عمران بن الحصين رضي الله عنه ولفظه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في اثر ركعات ثم دخل منزله وفي لفظ فدخل الحجرة فقام اليه رجل يقال له الخرباق في يده طول فقال يا رسول الله فذكر له صنيعه فخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى الى الناس فقال اصدق هذا؟ قالوا نعم. فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم اختلف العلماء هل حديث عمران ابن حصين هذا الذي فيه انه سلم من ثلاث ركعات مع حديث ابي هريرة انه سلم من ركعتين هل هما قصتان ام قصة واحدة وسبب الاختلاف ان المتحدث مع النبي عليه الصلاة والسلام في الحديثين هو ذو اليدين الخرباق رضي الله عنه فوقع الخلاف بين اهل العلم اهما قصتان ام قصة؟ فمن قال انها قصة واحدة؟ قال هو اضطراب في الرواية عند بعض الرواة وليس انه سلم مرة في ركعتين ومرة ثلاثا بل هي رواية واحدة. ومن العلماء من قال بل هما قصتان فتكون قد وقعت مرتين يقول الامام الشوكاني رحمه الله هل حديث عمران بن حصين هذا وحديث ابي هريرة المتقدم لقصة واحدة او لقصتين مختلفتين قال والظاهر ما قاله ابن خزيمة ومن تبعه من التعدد. فدعوى الاتحاد تحتاج الى تأويلات متعسفة فهذان اذا حديثان. واما الثالث فسجوده عليه الصلاة والسلام حين زاد ركعة خامسة نسيانا. وهو المذكور هنا في كلام المصنف من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ولفظه ان النبي عليه الصلاة والسلام صلى الظهر خمسا فقيل له يا رسول الله ازيد في الصلاة؟ فقال وما ذلك؟ قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم صلى الله عليه وسلم. واما سجوده عليه الصلاة والسلام لترك التشهد وهو المذكور هنا ثانيا في حديث عبد الله ابن بحينة فهو ايضا ما رواه الشيخان عن عبدالله بن بحينة رضي الله عنه انه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم فدل الحديث ايضا على انه سجد للسهو من اجل ترك الجلوس للتشهد الاول الذي كان في الركعة الثانية. هذا الحديث ايضا رواه ابو داوود عن زياد ابن علاقة قال صلى بنا غيرة بن شعبة رضي الله عنه فنهض في الركعتين قلنا سبحان الله قال سبحان الله ومضى يعني لم يرجع ولم يجلس. فلما اتم صلاته وسلم سجد سجدتي السهو فلما انصرف قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت. والحديث قد صححه الترمذي فان كان صحيحا فهي واقعة اخرى فيها سجوده عليه الصلاة والسلام لترك التشهد الاول بعد السلام. وهذا الحديث ايضا يحتمل ان يكون رواية اخرى. فاذا هذه ثلاثة وقائع. واذا اعتبرنا حديث ذي اليدين واقعتين صارت اربعا واما سجوده عليه الصلاة والسلام من اجل الشك في الصلاة فقد يستدل له بما رواه ابراهيم ابن علقمة عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابراهيم زاد او نقص فلما سلم قيل يا رسول الله حدث في الصلاة شيء؟ قال لا وما ذاك؟ قالوا صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم اقبل علينا والحديث ظاهره انه محمول على ما سبق من الجزم في صلاته حين زاد خامسة صلى الله عليه واله وسلم فهذا مجموع الروايات الواقع في سجوده للسهو عليه الصلاة والسلام. والمصنف رحمه الله اجملها في ثلاثة وهي عند النظر عند من لا يرجح قصة ذي اليدين انها ثنتان ستكون ثلاثة احاديث لا غير. هذه الثلاثة سيسوق المصنف الله الحديث عنها وكلام اهل العلم في موقفهم من تلك الوقائع التي فيها اثبات السهو بعدما ذكر فيما قدم مذاهبهم في تجويز وقوع السهو من عدمه في الافعال المحمولة على التبليغ اولها حديث ذي اليدين في السلام من اثنتين. الثاني حديث ابن بحينة في القيام من اثنتين. الثالث حديث ابن مسعود ان رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا وهذه الاحاديث مبنية على السهو في الفعل الذي قررناه. وحكمة الله فيه ليستن به. اذ البلاغ بالفعل لاجلى منه بالقول وارفع للاحتمال. وشرطه الا يقر على السهو. بل يشعر به ليرتفع الالتباس وتظهر فائدة الحكمة فيه كما قدمناه. وان النسيان والسهو في الفعل في حقه عليه السلام غير مضاد معجزتي ولا قادح في التصديق وقد قال صلى الله عليه وسلم انما انا بشر مثلكم. انسى كما تنسون. فاذا نسيت فذكروني. وقال صلى الله عليه وسلم رحم الله فلانا. لقد اذكرني كذا وكذا اية كنت اسقطتهن ويروى انسيتهن. نعم. هذا قيد مهم ذكره المصنف رحمه الله نعم وقع السهو في صلاته صلى الله عليه وسلم اكثر من مرة. زاد ركعة خامسة وترك التشهد الاول وسلم من ركعتين او من ثلاث في صلاة العصر وقع هذا القول هو الذي يدل على جواز السهو في الافعال اي افعال افعال العبادة التي تحمل على التشريع. بل وفي مقام التبليغ كل تلك الاحاديث كان عليه والسلام يصلي بهم اماما وهم يأتمون خلفه. فما يفعله في صلاته يفعلونه معه عليه الصلاة والسلام فهذا دليل الجواز لكنك تلاحظ ان في الروايات الثلاثة او الاربعة او الخمسة ان الامر لم يقف عند هذا. هل رأيت في احدى الروايات وقد سمعتها انهم صلوا وانصرفوا وبعضهم عاد الى قريته او الى قبيلته وقد صلى الظهر خمسا فوقع عنده وهم ان التشريع قد اختلف وان الصلاة قد تغير او ظن احدهم ان الصلاة في اربع ركعات لا يوجد فيها جلوس في التشهد الاول لانه قام ولم يجلس ابدا. كل تلك الروايات على اختلافها وتعددها كان يقع الاستدراك والنقاش وتصويب الفعل في حينه فهذا يقوم ويتكلم والاخر يسأل فيقول عليه الصلاة والسلام وما ذاك؟ يعني لماذا تسألون؟ فيخبرونه بما وقع ندرك فورا يسجد للسهو ويعلم الناس الاحكام. فاذا وقوع السهو لا يخاف ولا يحذر منه ان يقع شيء من التشويش في البلاغ او الغلط او شيء من الارباك يقع عند احد من الامة هذا قول المصنف قال وحكمة الله فيه ليستن به اذ البلاغ بالفعل اجلى منه بالقول تخيلوا لو انه جلس يشرح عليه الصلاة والسلام احكام السهو في الصلاة لامته قولا يقوم على خطبة في منبر الجمعة فيقول له اذا اخطأتم ونسيتم فتركتم التشهد الاول في الصلاة فاسجدوا قبل السلام. عندما تفرغون من التشهد سجدتين ثم ترفعون ثم تسلمون. واذا كان السهو زيادة بتسليم او بركعة فسلموا في اخر الصلاة. ثم عودوا مرة اخرى سجدتين وتسلمون ثانية لن يكون ضبطه وفهمه واستيعابه كما حصل بالفعل لما حصل السهو بالفعل وسجد وجمع العلماء احاديث السهو وكان البيان بالفعل اوضح واجلى. وهذه من حكمة الله جل جلاله. فقد بعث نبيه عليه الصلاة والسلام يشرع قولا وفعلا هذه الصلاة مثلا اركانها واجباتها هيئتها ركوعها سجودها قيامها. لم يأتي في حديث انه عليه الصلاة والسلام طرح صفة الصلاة قولا كبروا وقولوا كذا واركعوا وقولوا كذا واذا فعلتم فاصنعوا كذا واذا قمت في الركعة الثانية فاصنع كذا. وغاية ما ورد فيه حديث صلاته وقد اقتصر فيه صلى الله عليه وسلم على بيان اركان الصلاة لا غير لكن اين وقع بيان الصلاة؟ وقع فعلا صعد المنبر عليه الصلاة والسلام فصلى وهو قائم على المنبر يقرأ ويركع ويرفع واذا جاء وقت السجود تراجع ونزل القهقرة من درجات المنبر فجاء في اصل المنبر فسجد ثم يقوم للركعة الثانية ويصنع كما صنع في الاولى ويصعد المنبر. ولما ينتهي يقول عليه الصلاة والسلام انما فعلت ذلك اهتموا بي ويتعلموا صلاتي وقال صلوا كما رأيتموني اصلي. صلى الله عليه وسلم في الحج جاء الامر الالهي ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا لم يشرح عليه الصلاة والسلام ولا في حديث واحد صفة الحج ان احرموا من الميقات فاذا وصلتم مكة فابدأوا بالطواف واصنعوا كذا. واذا فرغتم فصلوا ركعتين ثم تنصرفون الى المسعى وابدأوا بالصفا وتسعون سبعة اشواط انتهاؤها بالمروة ثم تحلقون او تقصرون ومن كان متمتعا فليفعل كذا او مفردا او قارنا ما صنع اشياء من ذلك؟ كيف علمنا صفة الحج عليه الصلاة والسلام علمنا بفعله حج مرة واحدة وهو يقول عليه الصلاة والسلام لتأخذوا عني مناسككم فنقل الصحابة فعله فكان البيان بالقول اجلى واوضح وهذا واقع في جل العبادات العظيمة التي تستدعي معرفة وبيانا باهميتها وتفاصيلها. اذا هذا معنى قوله رحمه الله والبيان بالفعل او البلاغ بالفعل اجلى منه بالقول وارفع للاحتمال. ثم نبه على القيد المهم فقال وشرطه الا يقر على السهو لانه لو بقي على السهو وانصرف الناس هنا سيقع الخلل في الفهم. وهنا سيقع كثير من الاضطراب فيظن ان الظهر قد اصبحت خمس ركعات او انها تصلى ركعتين ويسلم في العصر وانها اصبحت كذلك لكنه قال يشعر به ليرتفع لالتباس وتظهر فائدة الحكمة فيه كما تقدم. واما النسيان والسهو في الفعل علم فليس مناقضا للمعجزة ولا قادحا في مقام النبوة انما يؤتى به لحكمة ارادها الله وقد حصل ومن هنا تجد فقهاء الاسلام يعقدون في ابواب الصلاة بابا او فصلا في سجود السهو ويفصلون الحالات ويذكرون الاحكام ولا يستقونها رحمة الله عليهم الا من احاديث سهوه عليه الصلاة والسلام. فيبينون لنا كيف يفعل وكيف نفرق بين الزيادة او النقص او الشك وكلها اسباب السهو في الصلاة. وما العمل عندما يكون شيء من ذلك ثم متى نسجد للسهو؟ اقبل السلام ام بعده؟ كل ذلك قد تفصل وجاء بيانه مستقى كما اسلفت من هذه الاحاديث التي ثبت فيها سهوه عليه الصلاة والسلام. ولله في ذلك كحكمة بالغة ووقوعه في فعله صلى الله عليه وسلم كان تشريعا عظيما وبيانا جليا. اذا ليس شيء من ذلك يخشى ان يقع فيه اخلال بالبلاغ او اضطراب في التشريع او خطأ في الفهم او التباس يقع عند بعض امته لان الاستدراك حاصل والبيان تم عقب ذلك الفعل مباشرة فتم غير من غير اشكال يخشى منه وجوازه هو الذي ذهب اليه جماهير اهل العلم وقال صلى الله عليه وسلم اني لانسى او انسى لاسن قيل هذا اللفظ شك من الراوي وقد روي اني لا انسى ولكن انسى لاسن وذهب ابن نافع وعيسى ابن دينار انه ليس بشك وان معناه التقسيم. اي انسى انا او ينسيني الا هو وتقدم ذكر الحديث وانه لا يصح مرفوعا وانما معناه صحيح. لكن اللفظ وهو من بلاغات الامام ما لك لكن في الموطأ رحمه الله تعالى قال قال القاضي ابو الوليد الباجي يحتمل ما قالاه ان يريد اني انسى في اليقظة وانسى في النوم وانسى وانسى في النوم او على سبيل عادة البشر من الذهول عن الشيء والسهو او انسى مع اقبالي عليه وتفرغي له. فاضاف احدا نسيانين الى نفسه. اذ كان له اذ كان له بعض السبب فيه. ونفى الاخر عن نفسه اذ هو فيه كالمضطر. كل هذا تخريج على هذه الرواية التي اشار اليها بلفظة او اني لا انسى ولكن انسى لاسن. والرواية الاخرى اني لانسى او انسى. فذكر تأويلات اهل العلم بماذا ذكر النسيان مرتين؟ وذكرها او انسى او ونسى انسى يعني ينسب الفعل الى نفسه بالنسيان وانسى يعني ينسيه الله سبحانه وتعالى وذهبت طائفة من اصحاب المعاني والكلام على الحديث الى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسهو في الصلاة ولا ينسى لان النسيان ذهول وغفلة وافة. قال والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عنها والسهو شغل فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسهو في صلاته ويشغله عن حركات الصلاة ما في ذاتي شغلا بها لا غفلة عنها واحتج بقوله في الرواية الاخرى اني لا انسى وتقدم ايضا في ذكر حديث ذي اليدين فيما سبق من فصل مضى ان اورد المصنف رحمه الله هذا المعنى لكنه ليس ما يقويه في مأخذ اللغة. هذا الجواب يفرق بين مصطلح ومصطلح السهو فيقول اما النسيان فنقص ذهول وغفلة وافة واما السهو فلا حرج فيه فالذي ينسب الى النبي عليه الصلاة والسلام سهو كما في الصلاة. لكن لا ينسب اليه نسيان. يقول النسيان يعني غياب العقل عن علمي بالشيء وهذا نقص ولهذا قال اني لا انسى واما السهو فواقع هذا الجواب يحتاج الى مع التكلف الذي فيه يحتاج الى اثبات صحة الرواية التي تقدم انها لا تصح مرفوعة الى النبي عليه الصلاة والسلام في قوله اني لا انسى ولكن انسى لاسن وذهبت طائفة الى منع هذا كله عنه صلى الله عليه وسلم. وقالوا ان سهوه عليه السلام كان قصدا ليسن وهذا قول مرغوب عنه متناقض المقاصد لا يحلى منه بطائل يعني لا يمكن ان يخرج من هذا القول بفائدة بانه كلام متناقض يقول ابدا ليس شيء في حياته عليه الصلاة والسلام وقع سهوا طيب تقول لهم وهذه احاديث السهو ما هي؟ قالوا لا هو قصدها وتعمدها تعمد السهو وقصد السهو من اجل ان يعلم امته. قال هذا قول مرغوب عنه متناقض المقاصد لانه كيف يكون متعمدا ساهيا في حال؟ يعني كيف تقول انه تعمد ان ينسى كيف قصد النسيان؟ هذان متناقضان ولا يجتمعان في حال واحدة. ولا حجة لهم في قولهم انه امر بتعمد انه امر بتعمد سورة النسيان ليسن. لقوله صلى الله عليه وسلم اني لانسى او انسى وقد اثبت احد الوصفين وقد اثبت احد الوصفين ونفى مناقضة التعمد والقصد وقال صلى الله عليه وسلم انما انا بشر انما انا بشر مثلكم. انسى كما تنسون. فاذا نسيت فذكروني نعم وهذا الصحيح الذي تقدم فيما اخرجه الشيخان. هذا الحديث الصحيح الصريح يدفع تلك التأويلات المتكلمة ان تقول لا هو ما كان يسهو. بل يتعمد. النبي عليه الصلاة والسلام يقول انما انا بشر مثلكم انسى كما تنسون. فاذا فذكروني اذا كان يتعمد السهو لماذا يقول فذكروني ومر عليه الصلاة والسلام برجل من اصحابه وهو يصلي فاستمع لقراءته فقال رحم الله فلانا لقد اذكرني كذا وكذا اية كنت اسقطتهن او انسيتهن فنص على انه بسماعه لتلاوة بعض صحابته رضي الله عنهم تذكر اية من تلك السورة كان قد انسي عليه الصلاة والسلام هذه الاحاديث الصحاح دافعة لتلك الاقوال المتكلفة التي تحمل على تأويلات متعسفة وقد مال الى هذا عظيم من المحققين من ائمتنا وهو ابو المظفر الاسبراييني يقصد القول بانه انما يتعمد النسيان يقول مع انه قول ضعيف متكلف لكنه قال به بعض العلماء الاجلة وهو ابو المظفر الاسفراني ولم يرتظه غيره منهم ولا ارتضيه. ولا حجة لهاتين الطائفتين في قوله صلى الله عليه وسلم اني لا انسى ولكن انسى. اذ ليس فيه نفي اذ ليس فيه نفي وحكم النسيان بالجملة وانما فيه نفي لفظه وانما فيه نفي لفظه وكراهة لقبه كقوله صلى الله عليه وسلم بئس ما لاحدكم ان يقول نسيت نسيت اية كذا ولكنه نسي او او نفي الغفلة وقلة الاهتمام بامر الصلاة عن قلبه. لكن شغل بها عنها نسي بعضها ببعضها نعم يقول هذا القول مع ضعفه لا يساعد عليه الرواية اني لا انسى ولكن انسى وقد تقدم غير مرة ان الحديث لا يصح. ولكن على فرض صحته ايضا ليس فيه ما يساعد على القول بانه كان النسيان عليه الصلاة والسلام. او يقولون انه لا ينسى ولكن يسهو. بالتفريق بين السهو والنسيان وهو تكلف ايضا. يقول هذا الحديث ليس فيه حكم النسيان نفيا بالجملة. لكنه كان ينفي ان يلفظ به ويتعمد. تماما كما جاء في عليه الصلاة والسلام بئس ما لاحدكم ان يقول نسيت اية كذا وكذا ولكنه نسي. هو لا ينفي وقوع النسيان ولكنه في مقام التأديب كان عليه الصلاة والسلام يعلم امته ان لا يعبر احدنا عن شيء يقع ومنه نسيان في القرآن بان يخبر بما يشعر التعمد فلا يقول نسيت كذا. يقول بئس ما لاحدكم ان يقول نسيت اية كذا وكذا ولكنه نسي. قال واستذكروا القرآن فانه اشد تفصيا من صدور الرجال من النعم الذم ان ما في قولي نسيت من الاشعار بعدم الاعتناء بالقرآن. لان النسيان لا يقع الا بترك التعاهد وكثرة الغفلة. فكان قائل يشهد على نفسه بالتفريط وهذا لا يليق ادبا مع كلام الله جل جلاله. لكنه نسي يعني عوقب النسيان لتفريطه في معاهدته واستذكاره. وهكذا كان عليه الصلاة والسلام يؤدب امته. اذا فليس في الحديث ما يشعر بما اشار اليه المصنف رحمه الله من استشهاد من قال بانه كان يتعمد النسيان لان قوله ذلك انما هو محمول على فرض صحة الحديث. انه انما يقع ذلك من الله عز وجل لما يترتب عليه من التي تقدم ذكرها. ولا يزال في الفصل بقية يسوق فيه المصنف رحمه الله تعالى بيان ما لاهل العلم من اجابة حول سهوه عليه الصلاة والسلام في السجود في الصلاة في الوقائع التي تقدم ذكرها بعدما اجمل القول الجواز عن جملة اهل العلم وان من تكلف الجواب بعدم تجويزه اما نفى النسيان واثبت السهو او نفى النسيان وانه يتعمد عليه الصلاة والسلام ذلك فيكون تعمد ان ينسى لما يترتب عليه من تشريع الاحكام ويبقى في الفصل بقية نأتي عليها ان شاء الله تعالى. مع التنويه الى ايقاف الدرس الاسبوعين القادمين ان شاء الله. ويستأنف مع الفصل الدراسي ان احيانا الله واياكم بفضله ومنته وكرمه. ايها الكرام انقضى درس الليلة وانقضى المجلس ولم تنقضي بركات هذه الليلة وساعاتها وهي مملوءة لمن اغتنم فيها كثرة الصلاة والسلام على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيا كل من يشكو من الهم الذي يؤرقه ويرجو مغفرة الذنب الذي يخاف عاقبته اكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال لابي رضي الله عنه لما قال اذا اجعل لك صلاتي كلها؟ قال اذا تكفى همك ويغفر ذنبك فاكثروا من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وتطيب دقات القلوب بذكره فتفيض شوقا دافئا وعميما. هو رحمة الرحمن. اشرق بالهدى صلوا عليه وسلموا تسليما. فيا رب صلي وسلم وبارك على حبيب القلوب وانسها. وبهجة الارواح وسعدها. نبيك الذي ارسلته بالهدى ودين الحق. فبعثته لنا اماما وبشيرا وسراجا منيرا. صل يا ربي وسلم وبارك عليه. صلاة وسلاما دائمين متعاقبين ما تعاقب الليل والنهار واجعلنا الهي بالصلاة والسلام عليه حائزين اعلى الدرجات واشرف المقامات واجعلنا يا ربي بالصلاة والسلام عليه والاستكثار منها تفرج عنا بها الكربات وتدفع عنا بها الملمات وتغفر بها الذنوب والخطايا والزلات. الله اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين. اللهم انا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والسلامة من كل اثم والغنيمة من كل بر. والفوز بالجنة والنجاة من النار. اللهم اجعل لنا ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية يا ارحم الراحمين. اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا واهد ضال لنا نعوذ بك ربنا من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك يا ارحم الراحمين اللهم احفظ علينا امننا وايماننا وسلامتنا واسلامنا وجنبنا الهي كل ما نخاف ونخشى انت خير حافظا وانت ارحم الراحمين. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين