بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملئ ما شاء ربنا من شيء بعد. احمدوا الله تعالى واشكره واستعينه واستغفره. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى ال بيته وصحابته وسلم تسليما كثيرا وبعد اخوة الايمان فاننا في ليلة الجمعة نندب انفسنا الى ما ندبنا باليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله اكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فان صلاتكم معروضة علي. فليكن لاحد احدنا من هذا الباب العظيم من الاجر والخير الوفير والرحمة المسبغة فليكن لنا منه نصيب وافر وحظ طيب مبارك كلما جلس احدنا فوجد في ليلته هذه وجمعته غدا متسعا للاستكثار من الصلاة والسلام على حبيبي المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولا يزال مجلسنا هذا عامرا بفضل الله تعالى ومنته وكرمه ورحمته ونحن في رحاب بيته الحرام بمدارسة كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم. للامام القاضي عياض بن موسى اليحصوبي رحمة الله عليه. وقد وقف بنا الحديث في ثنايا القسم الثالث من الكتاب في عصمة الانبياء. وما زلنا ايضا في بابه الاول المتعلق بالعصمة في الامور الدينية. فصل الليلة الذي نشرع فيه ان شاء الله. يسوق فيه المصنف رحمة الله عليه مذاهب العلماء التي تقدم ايرادها سابقا في تجويز وقوع الذنوب الصغائر على الانبياء عليهم السلام وتقدم في اكثر من فصل مضى في هذا الباب من هذا القسم ان القاضي يا عياض رحمة الله عليه يميل الى ما ذهب اليه هي طائفة من اهل العلم وهي عصمة الانبياء من الذنوب صغيرها وكبيرها. وليجدد العهد بما سبق في هذه المسألة فان الاتفاق منعقد والاجماع قائم بين اهل العلم في امة الاسلام انه لا يجوز في في حياة الانبياء جملة عليه السلام لا يجوز عليهم الوقوع في كبيرة من الكبائر. والله قد عصمهم منها فلا الشرك ولا الكفر ولا الزنا ولا الخمر ولا السحر ولا تلك الكبائر التي عصمهم الله منها لا يقع لاحد منها منهم شيء في تلك الكبائر. وانعقد الاتفاق وايضا على ان من تمام عصمة الله لانبيائه عليهم السلام صيانتهم وعصمتهم وحفظهم من الوقوع في قطع وخلل في تبليغ الوحي الذي ارسلهم الله به. فلا يبلغون الا ما نزل من الوحي ولا يقرأون من كتاب الله الذي الا ما جاءهم من الله سبحانه وتعالى. واتفقوا ايضا على ان صغائر الذنوب المستوجبة للتحقير والخسة فهم ايضا منها معصومون. كل هذا صيانة لمقام الانبياء عليهم السلام. وحفظا لاقدارهم وتحقيقا التي من اجلها بعثهم الله عز وجل. اوما سمعتم ربنا سبحانه يقول انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله هذا مقصد تحقيق الايمان قال وتعزروه وتوقروه والتعزير هو الاحترام والتوقير حفظ الجلال والمكانة والهيبة. هذا مقصد ان تحفظ للانبياء اقدارهم وان يكون لهم توقيرهم واحترام هذا مطلوب ومن اجل ذلك صانهم الله عز وجل في مقامات حياتهم من الوقوع فيما تقدم الاتفاق عليه وبقي الخلاف بين اهل العلم. الخلاف غير المؤثر. بقي الخلاف هل يجوز وقوع الذنوب الصغائر من الانبياء عليهم السلام فاهل العلم سلفا وخلفا على قولين فمنهم من يقول لا يجوز ذلك والله قد عصمهم منها كما اعصمهم من الكبائر لانهم قدوات ولانهم في مقام الاسوة لاممهم. فلو جاز وقوع الذنوب منهم لاقتدوا اتت بهم الامم ولاصبحت الذنوب والمعاصي سننا تتبع من بعدهم. والله عز وجل ما اراد من بعثتهم الا ان يبلغوا دينه وشرعته وطاعته. والمعصية وان كانت صغيرة ليست مطلوبة. ويرون ذلك في تمام عصمة الله سبحانه انه لي انبيائه عليهم السلام. والطائفة الاخرى من اهل العلم ترى جواز وقوع الصغائر. وانه لا يقدح هذا في مقام النبوة ولا في العصمة ولا يستلزم قدحا ولا انتقاصا ولا سوءا في مقام الانبياء عليهم السلام. لم؟ لسببين قل ان الله عز وجل يستدركهم برحمته. فان وقع ما وقع من بعضهم من الذنوب الصغائر. فان الله يتداركهم بلطفه عنايته ورحمته. اذا فلا يخشى من تتابع واتباع اممهم لهم في تلك القضايا والوقائع والاحداث. لانه ينزل العتب الالهي والرحمة والاستدراك فيتبين الحق في تلك المواقف وينجلي الامر ولا يخشى من ان يوهم ذلك لامتهم ان يكون لهم في ذلك اسوة. والامر الثاني ان الله عز وجل من تمام حفظه لانبيائه يبدلهم بتلك رحمة ومغفرة ورفعة قدر. فيكون هذا من تمام علو مكانة الانبياء. واثبات بشريتهم وانهم كالبشر فيكون هذا ادعى لاممهم في قبولهم وانقيادهم لاتباعهم. لئلا يقول انسان يحيط به الشيطان من كل ما لي وللانبياء وكيف تطلب مني الاقتداء بهم؟ وهم فيما بلغوا في ما بلغوه من المنازل كان عصمة من الله فلا تطلب مني الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام لانه معصوم. وانا لست مثله ولن ابلغ مبلغه. فيحيط الشيطان يقولون فمن اجل ذلك كان وقوع بعض القضايا والحوادث التي دلت عليها النصوص وهي لا تقدح في النبوة كما تقدم ويستشهد هؤلاء وهذا موطن الحديث في فصل الليلة. القائلون بجواز وقوع الذنوب الصغائر على عليهم السلام يتفقون مع المانعين على حفظ مقام الانبياء وقدرهم عليهم السلام. وان القول بالتجويز انما هو دلت عليه الادلة. والله قد اخبر في عدد من مواضع ايات القرآن عن وقوع بعض الاخطاء والمعاصي والمخالفة دعنا نقول ومخالفة امر الله من عدد من الانبياء عليهم السلام ووقوع استغفارهم من الذنب فدل هذا على وقوع الذنوب في مثل قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر ذنبك وللمؤمنين والمؤمنات فذكر الله الذنب ونسبه الى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي مثل قوله سبحانه وتعالى الله عنك لما اذنت لهم وعتبه سبحانه وتعالى عبس وتولى ان جاءه الاعمى وما يدريك لعله يزكى كعتبه سبحانه وتعالى في قصة اساره بدر ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يسخن في الارض. تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة والله عزيز حكيم. لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم. ومثله ايضا في حق بقية الانبياء قال في شأن موسى عليه السلام فوكزه موسى فقضى عليه. قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين قال ربياني ظلمت نفسي فاغفر لي. فغفر له انه هو الغفور الرحيم. وقال في شأن داوود عليه السلام وقد حكم بين الرجلين الخصمين قال سبحانه وتعالى على لسان داوود. قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه. وان كثيرا من الخلطاء لا يبغي بعضهم على بعض الا الذين امنوا وعملوا الصالحات. وقليل ما هم. وظن داوود انما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب. في عدد من تلك الايات. والذي تقدم ايضا ايراده ان مثل هذه الادلة كانت دليلا لمن يقول بجواز وقوع الذنوب الصغائر من الانبياء عليهم السلام سنجلس في قراءته في فصل الليلة هو ما ذهب اليه القاضي عياض المؤلف رحمه الله فاورد تلك الادلة للقائل بالجواز ثم جعل يجيب عنها بما يؤكد به ما ذهب اليه. من عدم وقوع الذنوب الصغائر. ثم يورد ثبت عن تلك الادلة دليلا دليلا. وكيف انها تحتمل من المعاني ما لا يلزم منه القول بوقوع الذنب ولا الصغيرة وهذا لتأكيد ما ذهب اليه رحمه الله فيما قرره سابقا ويتمه في هذا الفصل ببيان عدم وقوع الذنوب الصغائر من الانبياء عليهم السلام بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتموا التسليم. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال المصنف رحمه الله تعالى فصل في الرد على من اجاز عليهم الصغائر والكلام على ما احتجوا به في ذلك. اعلم ان المجوزين الصغائر على الانبياء من الفقهاء والمحدثين ومن شايعهم على ذلك من المتكلمين احتجوا على ذلك بظواهر كثيرة من القرآن والحديث ان التزموا ظواهرها افضت بهم الى تجويز الكبائر وخرق الاجماع. وما لا يقول به مسلم فكيف وكل ما احتجوا به مما اختلف المفسرون في معناه وتقابلت الاحتمالات في مقتضاه وجاءت اقاويل فيها السلف بخلاف ما التزموه من ذلك. فاذا لم يكن مذهبهم اجماعا وكان الخلاف فيما احتجوا به من ذلك قديما وقامت الحجة والدلالة على خطأ قولهم وصحة غيره وجب تركه. والمصير الى ما صح في هذه المقدمة من كلام المصنف رحمه الله جمل تحتاج الى الوقوف عندها. فقوله رحمه الله في مذهب من يقول الصغائر على الانبياء يقول احتجوا بظواهر كثيرة من القرآن والحديث ثم علق فقال رحمه الله ان التزموا ظواهرها افضت بهم الى تجويز الكبائر وخرق الاجماع وما لا يقول به مسلم. وهذا غير مسلم للمصنف رحمة الله عليه. لان من يقول بتجويز الصغائر هو يجعل من قيد هذا القول وحدوده وضوابطه ما لا يفضي الى ما يراه المصنف الزاما فكيف يقول ان هذا المذهب يفضي بهم الى تجويز الكبائر؟ هم لا يقولون بذلك ولا يجوزه احد. والقول الصغائر لا يستلزم وقوع الكبائر. بل انهم جعلوا من قيد ذلك ان وقوع الذنب او الخطأ والمخالفة امر الله. في احد الانبياء عليهم السلام انما يقع من غير قصد اولا. ومن غير تكرار ثانيا ولا اصرار ثالثا ثم متابعة كل ذلك بسرعة التوبة والاوبة والرجوع الى الله والانابة اليه سبحانه. وقبول الله عز وجل ذلك والاشادة بهم وجعل ذلك من مناقبهم. فكيف مع هذا كله يقال ان القول بتجويز الصغائر يفضي الى القول بتجويز وقوع الكبائر وخرق الاجماع وما لا يقول به مسلم. فالزام المصنف رحمه الله ليس في محله. ولهذا ينبه على مثل هذا في الاستدلال لما يريد المصنف بيانه رحمه الله. ثم قال فكيف وكل ما احتجوا به مما اختلف المفسرون في معناه وتقابلت الاحتمالات في مقتضاه. وجاءت اقاويل السلف بخلاف ما التزموه من ذلك. سيتبين ما يقصده بهذا رحمه الله. نعم. ومع تعدد الاقوال في تفسير النصوص. ايات واحاديث الا انه ليس فكل اختلاف في تفسير اية او حديث يجعل القول فيها ضعيفا او ساقطا لمجرد الاختلاف. بل كثير من الاقاويل والاختلاف يكون ما يراه المصنف مرجوحا هو ارجح مما يذهب اليه بسياق الاية كما يتبين معنا. وايضا فان كل من يذهب من المتقدمين من الصحابة والتابعين الى قول ولو كان اجمالا في تفسير اية او حديث سيكون ارجح في الميزان العلمي من قول من جاء بعدهم وان صار المتأخرون او ترجحوا في قول ما على خلاف ما تقدم عند فيكون لي هذا اعتبارات ايضا في الترجيح وليس باطلاق كما قال المصنف انه مما اختلف فيه المفسرون وتقابلت في مقتضاه احتمالات فيكون قول السلف خلافا لما التزموه من ذلك ثم ختم فقال فإذا لم يكن مذهبهم اجماعا وكان الخلاف فيما احتجوا به قديما وقامت الحجة والدلالة على خطأ قولهم وصحة غيره وجب تركه والمصير الى ما صح. نعم هذا يجب اذا تبين الخطأ وكان خطأ لا يقبل الاجتهاد ولا يسوغ فيه القول الاخر لكن ان كان خلافا معتبرا وكان الخلاف سائغا وكان القول وجيها وكانت الادلة محتملة فما وجه والجزم بانه باطل ويجب المصير الى غيره. نعم في القضايا العلمية كلها في الشريعة على المسلم فضلا عن ان يكون طالب علم فضلا عن ان يكون عالما يجب ان يختار قولا من المذاهب والاقوال في المسألة ويرجح فيها ما يراه راجحا باجتهاده والنظر في الدليل وامعان المناقشة الى المصير الى الترجيح. والقول الراجح عند عالم وامام هو راجح بالنسبة اليه. هو الحق بالنسبة اليه. لكنه قد يكون مرجوحا عند غيره. اما الجزم بعدم ذلك اطلاقا فهذا لا يستقيم لان مصادرة الحق في المسألة المختلف فيها انما يعتمد على حجم الاختلاف القائلين في كل مسألة من المسائل. وها هنا انبه الى ما سبقت الاشارة اليه. من نقل عن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله الله اشار فيه وهو يتطرق الى قضية عصمة الانبياء ان القول الذي تتابع عليه جل علماء الاسلام مفقهي فقهاء ومحدثين ومفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم وهو قول الاغلب وجمهور علماء الامة القول بوقوع الصغائر وتجويزها على الانبياء عليهم السلام. وانه انما نشأ القول بالعصمة مطلقا من الصغائر والكبائر السهو والعمد وعدم تجويز اي خطأ او نقص او زلل في حق الانبياء انما هو علو نشأ في ساحة اهل العلم وسرى اليهم من قول بعض الرافضة في ائمتهم انهم معصومون مطلقا يقول فلا يعرف قبل الرافضة في الاسلام من يقول بالعصمة مطلقا. ثم تتابع على ذلك بعض اهل العلم واصبح منتشرا ورأى بعضهم ان هذا اعظم في احترام الانبياء. واجلالهم وتوقيرهم وان القول بالعصمة هو الاليق بهم وهذا مما يحتاج الى نظر واتزان فاما يترجح هذا القول او ذاك فان الكل متفق على ان ذلك لا يفضي الى قدح في النبوة ولا انتقاص في الانبياء عليهم السلام وانهم لا يزالون على رفيع الاقدار في خصهم الله تعالى بها وعلو المنازل التي بوأهم الله تعالى اياها. فسيشرع المصنف رحمه الله في ذكر للقائلين بتجويز وقوع الصغائر يسردها اولا ثم يقف معها تفصيلا دليلا دليلا ليشير فيها الى اقوال اهل هل العلم فمن ذلك قوله تعالى وها نحن وها نحن نأخذ في النظر فيها ان شاء الله تعالى فمن ذلك قوله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر والشاهد في هذا عند من يقول بتجويز وقوع الذنب يقول قال الله ليغفر لك الله يعني يا محمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبك وما تأخر. اذا كان له ذنب عليه الصلاة والسلام. وكان له متقدم ومتأخر فجاء المغفرة فان لم يكن له ذنب فما معنى مغفرة الله في الاية؟ هذا وجه القائلين بالجواز وسيجيب المصنف عن هذا بعد قليل وقوله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وهي كالاية السابقة الله يأمره بالاستغفار فان لم يكن له ذنب فلماذا يؤمر بالاستغفار؟ ليس هذا المقام الان مقام مناقشة وجوه الاقوال في الاية لكن بيان لمن يرى تجويز وقوع الصغائر. واستغفر لذنبك اذا له ذنب نسب اليه صلى الله عليه وسلم. وامر بالاستغفار فان لم يكن له ذنب فانه لا ينسب اليه ولا يؤمر بالاستغفار منه عليه الصلاة والسلام. وقوله ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك. نعم. وقوله عفا الله عنك لما اذنت لهم ووجه الدلالة هنا العتب. عفا الله عنك فالاية تعاتبه على ما كان منه صلى الله عليه وسلم من الاذن للمنافقين بالتخلف في غزوة فانهم جاؤوا يبدون اعذارا كاذبة يريدون التخلف عن الخروج الى الغزوة. فاخذ النبي عليه الصلاة والسلام بظاهر الامر وما ابدو اليه من اعذار واذن لهم. فنزلت الاية عتابا عفا الله عنك لما اذنت لهم وجه القول بالجواز وسيأتي ايضا كلام المصنف عليه. وقوله لولا كتاب من الله سبق لمستكم فيما اخذتم عذاب عظيم وتقدم ان الاية اشارة الى العتب الالهي فيما حصل بشأن اسارى غزوة بدر وتقدم في اسم سابق الحديث الصحيح الذي استشار فيه النبي عليه الصلاة والسلام اصحابه. فاشار عمر بقتلهم رضي الله عنه ابو بكر رضي الله عنه بقبول الفداء والمن عليهم بما كان في تلك القصة ثم نزل العتب عفا لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم. وقوله تعالى عبس وتولى ان جاءه الاعمى في قصة الصحابي الجليل عبدالله بن ام مكتوم رضي الله عنه لما كان في الدعوة بمكة والنبي عليه الصلاة والسلام يتشوف الى كبراء قريش ورؤسائها ليس طمعا في اشخاصهم. لكن بمزيد قوة في قبول الدعوة اذا ما اقبل عليها اولئك الكبراء فكان عليه الصلاة والسلام يحمل الهم والحرص والغيرة على دين الله ان يقبل اليها الكبراء فيكون ادعى لاستجابة الاتباع والضعفاء ومن يتبعهم فيكون هذا انفع لدين الله ودعوة الناس اليه. وما قص عليه من قصص غيره من انبيائك قوله وعصى ادم ربه فغوى. انتقل الى ذكر الايات والنصوص التي تشير الى وقوع بعض لتلك الذنوب او العصيان والمخالفات في حق بقية الانبياء عليهم السلام. وعصى ادم ربه فغوى. وظاهر الاية في صريحها يثبت العصيان الى ابينا نبي الله ادم عليه السلام. نعم. وقوله فلما اتاهم صالحا جعل له شركاء فيما اتاهما. فتعالى الله عما يشركون. والاية في شأن ابوينا ادم وحواء في شأن ما جاء في سورة الاعراف لما اتاهم الله الولد جعلا له شركاء فيما اتاهما والمقصود هنا ادم عليه السلام باعتباره نبيا معصوما. وقوله عنه ربنا ظلمنا انفسنا وان لم ان تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. عنه اي عن ابينا ادم عليه السلام. فان الله الهمه تلك الكلمات التي بها عليه وهي قوله ربنا ظلمنا انفسنا والاعتراف بالظلم هو وقوعه في المخالفة وان لم تغفر لنا وترحمنا لنا كونن من الخاسرين. وقوله عن يونس سبحانك اني كنت من الظالمين. في دعوته عليه السلام لما التقمه الحوت فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين. فينسب عليه السلام الظلم الى نفسه وهذا صريح في نص الاية الكريمة التي لا تحتاج الى تأويل فينضم الى ما سبق من الشواهد في اثبات وقوع الصلاة غائر من الانبياء عليهم السلام. وما ذكر من قصته وقصة داود وقوله وظن داوود ان فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب. فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى وحسن مآب وقوله عن يوسف ولقد همت به وهم بها وما قص من من قصته مع اخوته وقوله عن موسى فوكزه موسى فقضى عليه. قال هذا من عمل الشيطان قال نعم فهذه جملة ايات. غير التي كانت بشأن النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام. فانا في شأن عدد من الانبياء عليهم السلام مثل ادم ويونس وداوود ويوسف وموسى عليهم وعلى نبيهم افضل الصلاة واتم السلام. وكل تلك الظواهر ينضم بعضها الى بعض. ليثبت مجموعها انما يقوله المتقدمون من اهل العلم في امة الاسلام. من السلف والخلف بتجويز وقوع الصغائر ليس رغبة في الطعن في الانبياء عليهم السلام حاشا. فهذا لا يقول به مسلم فضلا عن ان يكون عالم. لكنه مصير الى ادلت عليه الادلة والتزام بما اشارت اليه النصوص الشرعية في مثل ما سمعت من الايات الكريمة. وان كان لها تأويل وتفسيرات واقاويل اخر فستأتي الاشارة اليها دليلا دليلا. هذه الايات وسيشير المصنف رحمه الله هنا الان الى بعض الاحاديث التي تحمل ايضا نوع تلك الادلة الظاهرة في معناها على هذا الحكم. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت ونحوه من ادعيته عليه السلام. الحديث صحيح عند الامام مسلم يقول الا ترى ان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو فيسأل الله المغفرة ثم يجعل من طلبه للمغفرة ما تقدم وما تأخر وما اسر وما اعلن عليه الصلاة والسلام وليس هذا الا على ما يسمى ذنبا. وان كان شيئا يسيرا او نادرا لكنه يدل على وقوعه. ولهذا جاء الاستغفار منه لا لسانه صلوات الله وسلامه عليه. اللهم صلي وسلم. وذكر الانبياء في الموقف ذنوبهم. في حديث الشفاعة. نعم فيما قدم من حديث ابي هريرة وحديث انس رضي الله عنهما في حديث الشفاعة الطويل لما تأتي الخليقة الى ابينا ادم عليه السلام فيعتذر عن شفاعة فيأتون ادم فيأتون ابراهيم فموسى فعيسى عليهم السلام ثم يأتون الى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم نبينا وشفيعنا في المحشر عليه الصلاة والسلام. فينطلق قائلا انا لها انا لها الحديث. فاعتذار الانبياء عليهم السلام يوم الحشر عن الشفاعة وفي سياق اعتذارهم يذكر كل منهم شيئا وقع له يخشى ان يكون غيرا نافع له في ذلك الموقف العظيم فيقول نفسي نفسي على ما تقدم بيانه وشرحه وكلام المصنف عليه ايضا انفا رحمة الله عليه وقوله صلى الله عليه وسلم انه ليغان على قلبي فاستغفر الله. نعم. وتقدم هذا الحديث ايضا الغين بالنون كالغين بالميم. في معنى ما يكون حاجزا كالغيم يحجب الشمس فان الغين بالنون الذي يكون على القلب كالغطاء والغشاء الذي يحيط به. فيكون في حالة من الغفلة او الذهول او السهو يقول انه ليغان على قلبي. فاستغفر الله صلى الله عليه وسلم. يستغفر الله مما يغان على قلبه. وتقدم ايضا فيما سبق كلام المصنف وان المراد بالغين ليس شيئا مما يتبادر الى الذهن من الذنوب والاسراف في المعاصي وحاشاه وعليه الصلاة والسلام لكنه عدم بلوغ المقامات الكاملة التي هي شأن الانبياء عليهم السلام. فان نقص عن الكمالات النبوية كانوا يرونه عليهم السلام شيئا عظيما لا يرغبون في شيء يحجبهم عن صلتهم ان بربهم جل جلاله ومعرفتهم العظيمة التي كانت تضيء قلوبهم بنور المعرفة والقرب والبصيرة من الله عز وجل وتقدم كل ذلك لكن المصنف الان يشير الى جمع من الادلة التي كانت دليلا لمن يرى القول بتجويز وقوع الصغائر وفي حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم اني لاستغفر الله واتوب اليه في اليوم اكثر من سبعين مرة صلى الله عليه وسلم. نعم. وقوله تعالى عن نوح والا فاغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين. وقد كان الله عز وجل قال له ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون. هذا عتاب ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون لما امر عليه السلام بصنع السفينة فلما ركب البحر وعم الطوفان وغرق ابنه وجعل نوح عليه السلام يناديه ان يركب معنا فجاء الامر الالهي وغرق الابن العاصي الذي ما اراد الله عز وجل له النجاة وكان الله قد وعد نوحا عليه السلام بان يحمل على ظهر السفينة من امن والله عز وجل وعده بالنجاة واهله. فقال نوح عليه السلام ربي ان ابني من اهلي وان وعدك فجاءه الجواب الالهي قال يا نوح انه ليس من اهلك. انه عمل غير صالح. يعني فعل ابنه فلا تسألني ما ليس لك به علم اني اعظك ان تكون من الجاهلين. فاعتذر نوح عليه السلام قال ربياني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم. فكان العتب في هذا السياق هو الداعي الى قوله عليه السلام والا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين. وقال عن عليه السلام والذي اطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين. هذا صريح بخطيئة الخليل ابراهيم عليه السلام الى نفسه يقول خطيئتي. نعم. وقوله عن موسى عليه السلام تبت اليك. نعم هذا في قصة اتيانه عليه السلام لما اختار سبعين رجلا لميقات ربه قال تبت اليك. فاعلان التوبة هنا منه عليه السلام انما كونوا من ذنب او خطأ ومعصية. نعم. وقوله ولقد فتنا سليمان الاية. الى ما اشبه هذه اذا هذه جملة من الادلة ايات واحاديث سردها المصنف الامام القاظي عياظ رحمة الله عليه دليلا لمن استدل بها على تجويز وقوع الصغائر على الانبياء عليهم السلام. ثم ها هوذا يشرع فيها دليلا دليلا عنها وليبين فيها ما نقل من اقوال اهل العلم في تفسيرها على معنى لا يلزم منه وقوع الذنب. ولا فيها الالتزام بشيء من الصغائر والمعاصي. واذا تحقق هذا لن يبقى دليلا للقول بتجويزها يعني الصغائر ويريد بها اثبات ما رجحه رحمه الله من عصمة الانبياء من الصغائر والكبائر مطلقا. نعم. قال القاضي رحمه الله فاما احتجاجهم بقوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فهذا قد اختلف فيه المفسرون. فقيل المراد ما كان قبل النبوة وبعدها. وقيل المراد ما وقع لك من ذنب وما لم يقع. اعلمه انه مغفور قل له وقيل المتقدم ما كان قبل النبوة والمتأخر عصمتك بعدها. حكاه احمد بن ناصر وقيل المراد بذلك امته عليه السلام. وقيل المراد ما كان عن سهو وغفلة وتأويل. حكاه الطبري رحمه الله واختاره القشري. قشيري. وقيل ما تقدم لابيك ادم وما تأخر من ذنوب امتك حكاه السمرقندي والسلمي عن ابن عطاء. وبمثله والذي قبله يتأول قوله واستغفر لي واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات. قال مكي مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم هنا هي مخاطبة لامته. وقيل ان النبي صلى الله عليه وسلم لما امر ان يقول ما ادري ما يفعل بي ولا بكم سر بذلك الكفار لعنهم الله فانزل الله تعالى عليه ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. وبنآل المؤمنين في الاية الاخرى بعدها. قاله ابن عباس فمقصد الاية انك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب تذنب بذنب تذنب ان لو كان قال بعضهم المغفرة ها هنا تبرئته من العيوب. تبرئة. قال بعضهم المغفرة ها هو هنا تبرئة من العيوب. هذه اول الايات يا كرام. اية سورة الفتح. وسورة الفتح كما تعلمون نزلت في شأن لصلح الحديبية لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام من المدينة الى مكة قاصدا العمرة سنة ست من الهجرة. فمنعته قريش ونزل بالحديبية على اطراف حد الحرم. ثم كان ما كان من شأن الصلح والشروط الجائرة التي ارادتها قريش شيئا من كبريائها وغطرستها وزعامتها بحكم جوارها لبيت الله الحرام. وقبل النبي عليه الصلاة والسلام الصلح ورآه فتحا ونصرا وعزا للاسلام فرجع. وشق ذلك على قلوب الصحابة. نزلت الاية انا فتحنا لك فتحا مبينا سمى الله الصلح فتحا مع انه كان في ظاهره جور وظلم وضيم. وقد كان من شروطه ان لا يقبل النبي عليه الصلاة والسلام من اتاه من قريش مسلما مهاجرا. وان يجب عليه رده اليهم. في الوقت الذي لا يلزم قريشا ان ترد اليه من جاء مرتدا بل تقبله ويبقى عندهم. وكما امروا جورا وظلما بعودته عليه الصلاة والسلام ذاك العام وعدم دخوله مكة ولا اتمام عمرته هو واصحابه. وقد كانوا الفا واربع مئة انسان. وان يعود من العام القادم تعنتا واصرارا. فرجع الصحابة بعدما نحروا هدي الاحصاء ورجعوا قافلين طريقهم الى المدينة. الى غير ذلك من شروط وقد شق ذلك على الصحابة لكن الاية نزلت لاثبات هذا الامر الالهي الذي يكون في باطنه خيرا عظيما. وقد كان فسماه الله فتحا. في سياق هذه المنة انا فتحنا لك فتحا مبينا. قال ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. وللمفسرين اقاويل في هذه اللام اهي لام تعليل ام لام قسم والراجح الاول لكن المعنى ان الله اراد اكمال النعمة على نبيه عليه الصلاة والسلام بالفتح مع المغفرة والشاهد عندنا الان هنا قوله ليغفر لك الله والخطاب لمن؟ لنبينا عليه الصلاة والسلام. الله يقول له ليغفر لك الله ماذا يغفر؟ قال ما تقدم من ذنبك وما تأخر. اذا ها هنا ذنب منسوب اليه صلى الله عليه وسلم من ذنبك ثم هو ذنب متقدم ومتأخر. فاي ذنب هو المقصود؟ وما المراد بالمتقدم والمتأخر ساق المصنف ما سمعت هنا من الاجابات قال هذا قد اختلف فيه المفسرون فقيل المراد ما كان قبل النبوة وبعدها. طيب اذا قلنا قبل النبوة ما الذنب قبل النبوة وهب قبل النبوة والاسلام شيء يسمى ذنبا؟ اليس الذنب هو مخالفة امر الله؟ اليس هو معصية الله طيب قبل ان يكون دين ووحي واسلام قبل ان ينزل الدين قبل ان يظهر الاسلام وتشرق شمسه. هل يسمى شيء من الافعال ذنبا لم يكن دين ولا حلال ولا حرام. فما المقصود بقوله الذنب الذي قبل النبوة؟ هذه واحدة. والثانية قال وبعدها اذا بعد النبوة هناك ذنب هذا عند من يقول ما تقدم قبل النبوة وما تأخر ما كان بعد النبوة الى نزول الاية في صلح الحديبية سنة ست من الهجرة. قال قال القاضي وقيل في قول ثان المراد ما وقع من ذنب وما لم يقع كما تقول في سبيل المبالغة فلان اخذ المال فجعل يعطي من رأى ومن لم يرى طيب هو الذي ما رآه فعلا اعطاه؟ لا يقال هذا في المبالغة والتأكيد. فلان يستقبل ويرحب او يسلم على من عرف من لم يعرف المراد به التأكيد في في معنى المشار اليه ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر على معنى ما وقع وما لم يقع فاعلمه انه مغفور له عليه الصلاة والسلام. وقيل ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك يعني ما كان قبل النبوة وما تأخر هي مغفرة بمعنى العصمة. فجعل العصمة معنى من معاني المغفرة. ان الله لما عصمه بعد النبوة عن الوقوع في الذنوب والصغائر والكبائر كان هذا بمعنى المغفرة لان المغفرة نوع من العفو والتجاوز كان معنى مجازيا ان الله حجب عنه المعصية فلا يحتاج فيها الى ذنب يواقعه فكأنه قد غفر له بهذا المعنى قال المتقدم ما كان قبل النبوة والمتأخر عصمتك بعدها. حكاه احمد بن نصر. وقيل المراد امته صلى الله عليه وسلم. كيف امته؟ قالوا نعم. الخطاب له ليغفر لك ليغفر لك الله. والمراد امته عليه الصلاة السلام على ما تقدم في جنس ذلك من الايات وقد تقدم في فصول سابقة. وقيل المراد ما كان عن سهو وغفلة ليغفر لك الله الذنب ما تقدم وما تأخر يعني السهو والغفلة وما وقع تأويلا وليس ذنبا مقصودا يقع منه عليه الصلاة والسلام قال حكاه الطبري واختاره القشيري. وقيل ما تقدم يعني من ابيك ادم وما تأخر من امتك فيكون المعنى كالتالي ليغفر لك الله يا محمد يعني يغفر اكراما لك ما تقدم من ذنبك يعني ذنب ابيك ادم. وما تأخر يعني من ذنوب امتك فيكون هذا منقبة له عليه الصلاة سلام على هذا التأويل قال حكاه السمرقندي والسودمي عن ابن عطاء. وبمثله والذي قبله يتأول قوله تعالى فاغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات في سورة محمد صلى الله عليه وسلم يعني استغفر بما تقدم من ذنوب الامم ولامتك وليس المقصود شخصه عليه الصلاة والسلام او تقول المراد فيه ما كان من الذنوب عن سهو وغفلة وعدم قصد بتأويل قال مكي مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم هنا مخاطبة لامته وقيل ان النبي صلى الله عليه وسلم لما امر ان يقول وما ادري ما يفعل بي ولا بكم ان اتبع الا ما يوحى اليك كما في سورة الاحقاف قال ما ادري ما يفعل بي ولا بكم. يقول عليه الصلاة والسلام في الرد على آآ كفار قريش في بعض طواقي في عنادهم والاحتجاج عليهم. قل ما كنت بدعا من الرسل. وما ادري ما يفعل بي ولا بكم ان اتبع الا ما يوحى الي قال المصنف قيل ان الكفار سروا بتلك الجملة. فانزل الله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك. اشار الى تظعيف المعنى والرواية بقوله قيل لان الراجح ان الاية انما نزلت كما تقدم في شأن صلح الحديبية ليغفر لك الله وبمآل مؤمنين في الاية بعدها فان في الصحيح ايضا ان الصحابة لما نزلت الاية ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر سروا بهذه البشارة والمغفرة من الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمغتبطوا بذلك ورأوا هذا معنى وكرامة له عليه الصلاة والسلام سألوا عما ينالهم هم ايضا بصحبتهم وايمانهم فنزلت الاية بعدها ليدخلوا قيل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار. خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم. وكان ذلك عند الله فوزا عظيما يقول قاله ابن عباس فمقصد الاية انك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب تذنب ان لو كان فمعنى المغفرة عصمته. وانه ان وقع افتراظا فهو مغفور لان الله قد اخبر بذنب شيء من ذلك واقع مستقبلا. قال بعضهم المغفرة هنا تبرئة من العيوب. هو كما سمعت جملة من اقاويل ساقها المصنف رحمه الله للوصول الى جواب عن معنى الاية ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر بعضها محتمل وبعضها قريب وبعضها بعيد في التأويل واراد ان العلماء ليسوا على قول واحد احد في تفسير الذنب في الاية بانه الذنب. بمعنى الخطيئة والمعصية او مخالفة امر الله. يقول فاذا كانت الاية محتملة فلماذا نقول المراد بالذنب هو الخطيئة والمعصية؟ وقد قال العلماء فيها اقاويل عدة هذا يا اخوة هو من باب اختلاف اهل العلم في تفسير بعض المواضع في كتاب الله لكن ليس كل اختلاف يجعل النظر في بعض الاقوال غير راجح لكنه من باب ما يرجح ويرجح ويوازن به بين الاقوال. ومن اجل ذلك فان ما ذهب اليه مجاهد وسفيان الثوري والامام ابن جرير والواحدي رحم الله الجميع ان المعنى ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة وما تأخر بعدها يعني بعد النبوة وهو الذي صدر به المصنف رحمه الله اول الاقوال في تفسير الاية. هذا قول عليه كبيرة وثلة من اهل العلم ممن سمعت اسماءهم فهم يرون ان الذنب ما كان قبل النبوة وبعدها وقال عطاء او او ابن عطاء كما نسبه هنا المصنف اليه ما تقدم من ذنبك يعني ذنب ابويك ادم وحواء وما تأخر من ذنوب امتك يقول الامام الشوكاني رحمه الله وما ابعد هذا عن معنى القرآن. هذا تأويل بعيد وتكلف لا عليه سياق الاية ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك فتقول يعني ذنب ابيك ادم. وما تأخرت فتقول ذنوب امتك فهذا تأويل متكلف قال الشوكاني رحمه الله وما ابعد هذا عن معنى القرآن. وقيل ما تقدم من ذنب ابيك ابيك ابراهيم وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده. قال الشوكاني وهذا كالذي قبله يعني ما ابعده. وقيل ما تقدم من من ذنب يوم بدر وما تأخر من ذنب يوم حنين. قال الشوكاني وهذا كالقولين الاولين في البعد وقيل لو كان ذنب قديم او حديث لغفرناه لك وقيل غير ذلك مما لا وجه له. فالمراد بالقول الذنب قبل النبوة ما المقصود به؟ المقصود به ما كان عليه الصلاة والسلام عليه مشاركا امر اهل مكة وقريش في الجاهلية من غير الشرك بالله وعبادة الاصنام. من حضوره مجامعهم وغشيانه مجالسهم باعتباره فردا في مجتمعهم انذاك. وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يعجبه ما يرى من مظاهر الشرك والوثنية والطواغيت المنصورة حول الكعبة فكان يأبى ذلك عليه الصلاة والسلام فغفر الله له كل ذلك. فيكون هذا المقصود بالمغفرة قبل الرسالة او قبل النبوة على هذا المعنى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. وقيل ما تأخر كما سبق في كلام القاضي عياض ليست الذنوب بمعنى المعاصي. بل ما كان تركه خلاف الاولى. وما فعله عليه الصلاة والسلام خلاف الاولى ويسمى ذنبا مجازا. باعتبار ان الاولى والاكمل في حقه عليه الصلاة والسلام كان خلاف ذلك ليس الذنب بمعنى المعصية والخطيئة على هذا الوجه الصريح. وحكى الطبري رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال هو راجع الى قوله سبحانه اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره. انه كان توابا. والمقصود فتح مكة فلماذا امره الله بالاستغفار؟ يقول الطبري القول في الاية هنا كالقول في الاية هناك. هناك المنة بفتح مكة وهنا صلح الحديبية سماه الله عز وجل فتحا. يقول الطبري رحمه الله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة وما تأخر الى وقت نزول هذه الاية وهذا كما ترى على طريقة من يجوز وقوع الصغائر من عليهم السلام. هذا يا احبة في تفسير الاية الكريمة ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر كل ذلك في سياق ما اراد المصنف بيانه. وقد قال الائمة المفسرون هذا من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه. ما هو؟ مغفرة الله ما تقدم وما تأخر يقول الحافظ ابن كثير هذا من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه. التي لا يشاركه فيها غيره صلى الله عليه وسلم قال وليس صحيح في ثواب الاعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ابدا ليس شيء في اعمال الاسلام لي ولك ولسائر المسلمين ليس فيها ثواب عمل تقول فيه من فعله غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. نعم عندنا من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه من غير وما تأخر. من قام رمظان ايمانا واحتسابا من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا. كل ثواب الاعمال لنا ايها المسلمون في امة الاسلام اقصى ما يمكن من الثواب والمغفرة ما تقدم من ذنبه. لكننا نبينا عليه الصلاة والسلام خصه الله بهذا. فاذا شيء من خصائصه عليه الصلاة والسلام ان جمع الله له في المغفرة بين اما تقدم وما تأخر؟ يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله وصلى الله عليه وسلم في جميع اموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سوى لا من الاولين ولا من الاخرين. وهو اكمل البشر على الاطلاق وسيدهم في الدنيا والاخرة صلى الله عليه وسلم. ولما كان اطوع خلق الله لله. واكثرهم تعظيما لاوامره ونواهيه قال حين بركت به الناقة حبسها حابس الفيل. يعني في صلح الحديبية ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله الا اجبتهم اليها. فلما اطاع الله في ذلك واجاب الى الصلح قال الله له انا فتحنا لك فتحا مبينا. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك اي في الدنيا والاخرة. ويهديك صراطا مستقيما. اي بما يشرعه لك من الشرع والدين القويم وينصرك الله نصرا عزيزا. اي بسبب خضوعك لامر الله يرفعك الله وينصرك على الى اخر ما قال الامام الحافظ ابن كثير في تفسيره للاية رحمه الله. فالاية كما ترون رعاكم الله من قبل عظيمة وشرف كريم لسيدنا ونبينا وشفيعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم صلي والاية على تعدد المعاني ليس فيها ما يغلق الباب على من يقول بتجويز وقوع الذنب. فانك ان حملت على ما ذهب اليه كبار من المفسرين ما تقدم قبل النبوة وما تأخر ما كان بعدها ففيه اثبات الوقوع لكن الله عز وجل اتاه من الكرامة والعزة والمغفرة ما تقدم ذكره هنا في هذه الاية الكريمة كرامة من الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ولهذا فان مما اورده الامام القرطبي رحمه الله في التفسير على ايراد خلاف العلماء في مسألة وقوع الصغائر قال واختلف العلماء في هذا الباب. هل وقع من الانبياء صلوات الله عليهم اجمعين صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها ام لا؟ انتبه قال بعد فاقهم على انهم معصومون من الكبائر. ومن كل رذيلة فيها شين ونقص اجماعا. عند القاضي ابي بكر وعند الاستاذ ابي اسحاق ان ذلك مقتضى دليل المعجزة. وعند المعتزلة ان ذلك مقتضى دليل العقل على اصولهم. فقال الطبري وغيره من الفقهاء والمتكلمين والمحدثين تقع الصغائر منهم هذا نقل الامام القرطبي رحمه الله. قال خلافا للرافضة حيث قالوا انهم معصومون من جميع ذلك. قال رحمه الله تعالى واحتجوا بما وقع من ذلك في التنزيل وثبت من تنصلهم من ذلك في الحديث. يعني من اعتذار الانبياء مما وقع منهم في بعض المواضع قال وهذا ظاهر لا خفاء فيه. ثم قال وقال جمهور من الفقهاء من اصحاب مالك وابي حنيفة والشافعي انهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر اجمعها. لاننا امرنا باتباعهم في افعالهم واثارهم وسيرهم امرا مطلقا من غير التزام قرينة. فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يكن لم يمكن الاقتداء بهم اذ ليس كل فعل من افعاله يتميز مقصده من القربة والاباحة او الحظر او المعصية. ولا يصح ان يؤمر المرء بامتثال امر لعله يكون معصية الى ان قال رحمة الله عليه في بيان هذه المذاهب والاقوال والادلة قال بعض المتأخرين ممن ذهب الى القول الاول الذي ينبغي ان يقال ان الله تعالى قد اخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها اليهم وعاتبهم عليها. واخبروهم بها عن انفسهم وتنصلوا منها. واشفقوا وتابوا كل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها. وان قبل ذلك احادها. يعني ربما يسعفك التأويل في دليل وثاني وثالث لكن جملتها تقود الى مقالة كلية تجمع تلك الادلة. قال رحمه الله وكل وذلك مما لا يزري بمناصبهم. وانما تلك الامور التي وقعت منهم على جهة الندور وعلى جهة والنسيان او تأويل دعا الى ذلك فهي بالنسبة الى غيرهم فهي بالنسبة الى غيرهم حسنات وفي حقهم سيئات بالنسبة الى مناصبهم وعلو اقدارهم. اذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس فقوا من ذلك في موقف القيامة مع علمهم بالامن والامان والسلامة. قال وهذا هو الحق. وان كان قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم فلم يخل ذلك بمناصبهم ولا قدح في رتبهم بل قد تلافاهم واجتباهم وهداهم ومدحهم وزكاهم واختارهم واصطفاهم صلوات الله عليهم وسلامه. هذا موجز كلام الامام القرطبي رحمة الله عليه الذي قد لا نحتاج الى تكراره في سياق كلام المصنف هنا في هذا الفصل في الاجابة عن الايات التي استدل بها القائلون بتجويز وقوع وقوع الصغائر على الانبياء عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة واتم السلام. ما يزال في الفصل بقية في سياق حديث القاضي عياض رحمه الله عن بقية الايات وسنشرع ليلة الجمعة المقبلة ان شاء الله في قوله تعالى ووظعنا عنك وزرك الذي انقظ ظهرك. ما المراد ما الوزر؟ وهل يلزم منه وقوع الذنب او لا؟ على ما يورده من الاقوال والنقاش. ايها المباركون صح عند الامام ابي داود في سننه من قول حبيبكم عليه الصلاة والسلام ان من افضل ايامكم يوم الجمعة فيه خلق ادم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه صعقة فاكثروا علي من الصلاة فيه. فان صلاتكم معروضة علي. اخبرك بامر عظيم وهو اقامة يوم القيامة. ودعاك الى اما يكون نجاة لك فدلك على الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. ثم اغراك ورغبك فقال فان صلاتكم معروضة علي. فاذا احببت ان ان تعرض صلاتك زاهية كثيرة وافية فاستكثر منها في جمعتك رعاك الله هي الصلاة على الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام يصلي عليك الفؤاد الذي يغني بحبك يشتاق لك. بك الله اكمل دين الهدى فجلى عن العالمين الحلك وبانت تفاصيل درب يرى صباح تباشيره من سلك. عليك الصلاة من الله من هداك. ومن بالهدى ارسلك. فاللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاما دائمين ابدا. واجعلنا الهي بالصلاة والسلام عليه اكثر حبا له واستمساكا بسنته ودعوة الى هديه وحبا له واحشرنا يا ربي في زمرته وارزقنا ووالدينا وازواجنا وذريته يوم القيامة شفاعته انك على ما تشاء قدير وبالاجابة جدير. اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا واهد ضال لنا وتقبل منا يا حي يا قيوم اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارا عظم يا رب في الجنات درجاتهم وكفر سيئاتهم وارزقهم برهم في الحياة وبعد الممات اله الحق يا سميع الدعاء. اللهم اجعل لنا ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا. ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية يا ارحم الراحمين. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار وصل يا ربي وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا محمد ابن عبد الله وعلى اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين