بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى. واشهد اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الحمد في الاخرة والاولى. واشهد ان سيدنا ونبينا وقرة عيوننا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى ال بيته وصحابته وسلم تسليما كثيرا. وانا لنرجو الله امنه شفاعة ومن حوضه الصافي عسانا نورد عليه صلاة الله ما نسنس الصبا وما قام قمري يغرد وما خلق الرحمن في الارض والسماء وما سبح الرحمن عبد موحد. فيا رب صل وسلم بارك عليه صلاة وسلاما تملأ الارض والسماء وما بينهما وفاء وحبا واداء لشيء من حق هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو القائل اكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة فان صلاتكم معروضة علي اما انكم ايها الكرام في شهر حرام في بلد الله الحرام وفي رحاب بيته الحرام وفي هذه الليلة الشريفة المباركة ليلة الجمعة فاغتنموا فضل الزمان والمكان بكثرة الصلاة والسلام على سيد الانام صلى الله عليه وسلم. واغنوا خيرات فوق خيرات وحسنات تلو حسنات وبركات تتبعها بركات. طالما ظل احدكم مشتغلا بالصلاة والسلام على امام الهدى وسيدي الورى صلوات الله وسلامه عليه. وهذا مجلسنا ايها المباركون مستمر بعون الله تعالى وتوفيقه ليلة كل جمعة نتدارس فيه صفحات من كتاب الشفا. بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للامام امام القاضي عياض ابن موسى الي رحمة الله عليه وقد وقف بنا الحديث في ثنايا القسم الثالث من الكتاب هو الحديث عن عصمة الانبياء عليهم السلام. والباب الاول معقود لعصمتهم عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام في بالامور في الامور المتعلقة بالدين والتشريع والوحي. وقد ساق المصنف رحمه الله في الفصل الذي وقف فيه حديثه ساق فيه ادلة القائلين بتجويز وقوع الانبياء عليهم السلام في الذنوب الصغائر. ومضى حديث المصنف الله في ذكر الاجابات والتأويلات عن تلك الادلة التي قال بها جمهرة من اهل العلم من المحققين سلفا وهو قول وجيه معتبر قال به ثلة من علماء الاسلام. لكن المصنف رحمه الله كما مر بكم مرارا ما الى القول الاخر ورجحه وهو القول بامتناع وقوع الذنوب على الانبياء عليهم السلام. وان ذلك داخل في معنى في معنى عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام من الوقوع في الذنوب كلها صغيرها وكبيرها. مر بنا في هذا الفصل جملة الادلة التي سيقت في هذا المقام قول الله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. وفيه تصريح اضافة الذنب الى المصطفى صلى الله عليه وسلم ومغفرة الله عز وجل له. وايضا قوله تعالى ووضعنا عنك وزرك الذي وظهرك وقوله سبحانه عفا الله عنك لما اذنت لهم على ان معنى العفو لا يأتي الا على معنى الخطأ او ذنب وما جاء ايضا من الادلة التي سيقت في هذا الفصل قول الله سبحانه وتعالى ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يسخن في الارض. تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة والله عزيز حكيم وما فيها من العتب الكريم على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في قضية اسارى بدر واستشارته اصحاب رضي الله عنهم فمنهم من اشار بالفداء والمن على الاسارى ومنهم من اشار بالقتل فاخذ النبي عليه الصلاة والسلام بمأخذ الرفق بهم وانتظار اسلامهم وترجي هدايتهم فكان قول الله لولا كتاب من الله سبق لمست فيما اخذتم عذاب عظيم. وجاء ايضا في الادلة التي سيقت في هذا الفصل فيما اراده المصنف رحمه الله اجابة عنه واختيارا لما مال اليه ورجحه عتب الله ايضا في قصة عبد الله ابن ام مكتوم عبس وتولى ان جاءه الاعمى ومنه ايضا في السياق قصة ادم عليه السلام وقد كانت مجلسنا ليلة الجمعة الماضية والتي قبلها في قول الله وعصى ادم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. ومضى الكلام ايضا في شأن هذا المعنى في عصيان ابينا ادم عليه السلام وكيف ان المصنف اورد من الاجابة والاقوال على ان معنى المعصيان هنا النسيان او الترك او المخالفة غير المقصودة او فهمه شيئا عن معنى نهي لشجرة بعينها لا عن جنسها ثم وقف بنا الحديث ايضا في هذا السياق ايتين احداهما في شأن يونس عليه السلام وهو قول الله عز وجل وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك كاني كنت من الظالمين وقصة داوود عليه السلام وظن داوود انما فتناه. فاستغفر ربه وخر راكعا واناب ونبدأ من قصة داود عليه السلام التي وقف عندها الحديث ليلة الجمعة الماضية لنصل ما في بقية هذا الفصل بكلام صنفي اوله رحم الله الجميع الحمد لله الذي جعل البيت العتيق مثابة امن لمن تذلل له وناجى واعظم الاجر لقاصديه عمارا وحجاجا. والظوا لبيك اللهم ربنا لبيك وحدا الوفد فجاجا والصلاة والسلام على خير من سلك للدعوة سهولا ومعراجا وعلى اله وصحبه هتفت قلوبهم للكعبة الغراء تأويبا وادلاجا. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين ما المزن غيثا فجاجا. قال المصنف رحمه الله تعالى فصل في الرد على من اجاز عليهم الصغائر والكلام ما احتجوا به في ذلك الى ان قال واما قصة داوود عليه السلام فلا يجب ان يلتفت الى ما سطره الى ما سطره فيها الاخباريون عن اهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا ونقله بعض المفسرين ولم ينص الله على شيء من ذلك ولا ورد في حديث صحيح والذي نص الله عليه قوله تعالى وظن داوود انما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب. فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى فوحسن مآب وقوله فيه انه اواب فمعنى فمعنى فتناه اي واواب قال قتادة مطيع وهذا التفسير اولى. وقال ابن عباس رضي الله عنه وابن مسعود ما زاد داوود على ان قال للرجل انزل لي عن امرأتك واكفلنيها. فعاتبه الله على ذلك ونبهه عليه وانكر عليه شغله بالدنيا. وهذا الذي ينبغي ان يعول عليه من امره عليه السلام وقد قيل خطبها على خطبته وقيل بل احب بقلبه ان يستشهد وحكى السمرقندي ان ذنبه الذي استغفر منه قوله لاحد الخصمين لقد ظلمك بسؤال نعجتك فظلمه بقول خصمه وقيل بل لما خشي على نفسه وظن من الفتنة بما بسط له من الملك والدنيا والى نفي ما اضيف في الاخبار الى داوود من ذلك. ذهب احمد بن نصر وابو تمام وغيرهم من المحققين وقال الداودي ليس في قصة داوود واوري خبر يثبت ولا يظن بنبي حبة قتل مسلم وقيل ان الخصمين الذين اختصما اليه رجلان في نتاج غنم على ظاهر الاية. قصة داوود عليه السلام وهي المذكورة في سورة صاد. عند قول الله سبحانه وتعالى اصبر على ما يقولون. واذكر عبدك انا داود ذا الايدي انه اواب. انا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق. والطير محشورة كل له اواب وشددنا ملكه واتيناه الحكمة وفصل الخطاب. هذا ثناء من الله جل جلاله على نبيه داوود عليه السلام بل وامر الله سبحانه للمصطفى صلى الله عليه وسلم ان يتأسى به. اصبر على ما يقولون يا محمد اذكر عبدنا داود فظرب له به المثل عليه السلام. والشأن في القصة المذكورة هنا في كلام المصنف ما جاء بعد ذلك في قوله وهل اتاك يا محمد نبأ الخصم اذ تسوروا المحراب يعني على داوود عليه السلام تسوروه يعني صعدوا لم يأتوا من الباب اذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف. خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشقط واهدنا الى سواء الصراط ثم عرضوا خصومتهم قال احدهم ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة. قيل على معنى النعاج حقيقة له تسع وتسعون نعجة شاة وقيل بل هنا نعج كناية عن الانثى. يعني له تسع وتسعون امرأة او زوجة. ذلك انه لم يكن حراما في شريعة نبي الله داود عليه السلام ان يكون للرجل من النساء هذا العدد ان هذا اخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة. فقال اكفلنيها يعني تنازل لي عنها وعزني في الخطاب يعني غلبني بالحجة فقال داود عليه السلام حاكما بينهما لقد ظلمك يكلم هذا الذي عرض خصومته واشتكى قال خصمك ظلمك في هذه الدعوة. كيف يطلب منك النعجة الوحيدة التي عنده وبيده تسع وتسعون نعجة؟ قال لقد ظلمك ولنعجتك الى نعاجه. وان كثيرا من يعني الشركاء. ليبغي بعضهم على بعض الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم يكثر بين الشركاء الظلم والتعدي وبغي بعضهم على بعض. ويعز الانصاف والعدل واداء الحقوق الا الذين امنوا وعملوا وقليل ما هم هذه قصة داود عليه السلام مع الخصمين الذين تسوروا المحراب عليه وهذه قصة حكمه عليه السلام. بعد ذلك مباشرة قال الله عز وجل وظن داوود انما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب فغفرنا له ذلك هذا الذي في سياق القرآن لا غير من غير ان تعرض الايات الكريمة ما الذي اصابه داوود عليه السلام؟ وما الظلم الذي او الفتنة التي رأى انه وقع فيها وظن داوود ان ما فتناه يعني اختبرناه. فكان موقف الخصمين ابتلاء لداود عليه السلام. قيل كانا ملكين بعثهما الله جل جلاله في صورة رجلين يحتكمان اليه. وقيل بل هما خصمان حقيقة على ما هو ظاهر الاية. وايا كان فلم تذكر الاية الخطأ الذي فطن داود انه وقع فيه وظن داوود يعني علم وايقن انما فتناه فادرك ها هنا الاستغفار فاستغفر ربه وخر راكعا ومعنى راكعا هنا السجود على قول عامة المفسرين وقيل الركع ثم سجد انحناء وتعظيما وخضوعا لله وتوبة واناب يعني رجع وعاد الى الله فانزل الله توبة فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى يعني مكانة قريبة ومنزلة رفيعة وحسن مآب يعني ما فله عند الله يوم القيامة من حسن مكانة ومنزلة كما هي مقامات الانبياء الكرام عليهم السلام ما الذي اصابه داوود عليه السلام؟ وما الفتنة التي ظن انه ابتلي بها؟ افاض المفسرون كثيرا هنا في تفسير هذا المعنى وذكروا فيه قصصا وروايات عامتها تروى عن الاسرائيليات. والمراد بالاسرائيليات الاخبار والقصص والحكايات التي تروى عن بني اسرائيل عن علماء اليهود والنصارى من الاحبار ممن اسلم فنقلوا ذلك الينا مما ورد في كتبهم وفيها التوراة المحرفة وفيها اخبارهم التي لا زمام لها ولا خطام. اما الموقف الشرعي لنا امة الاسلام من تلك الاخبار والقصص والحكايات الاسرائيلية فهو ما قال عليه الصلاة والسلام وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج يحكى عنهم ما تروى من الاخبار ولا حرج لكن متى صادم ذلك نصا او اصلا شرعيا او خالف قاعدة من قواعد الدين دين فانه يتحفظ عليه ويظهر بطلانه وما عدا ذلك فلا بأس بروايته. وكل قصة في كتاب الله الكريم عن من سبقنا من الامم او من اخبار الانبياء او من شأن من تقدم على امتنا معشر المسلمين فانها ترد على ما في القرآن اجمالا وتفصيلا. فاذا اردنا تفصيل ما اجمل وليس في ذلك اية اخرى تفسرها. ولا حديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام يبينه فان المفسرين عادة يبحثون عما يروى من القصص والحكايات لتفسير ذلك ومنه قصة داود عليه السلام فليس في السنة الصحيحة تفسير للقصة. وما وقع فيها وما حدث وافاض المفسرون في نقل ذلك على روايات متفاوتة يدور كثير منها على قصة بين داوود عليه السلام. واحد قواد جنده ورجال عشير يقال له اوري وله زوجة احب داوود عليه السلام ان يتزوجها. ويروى في ذلك قصص طويلة تروى لا سند لها ولا يستطاع اثباتها لكن فيها اثبات قدح ومنقصة في نبي الله داود عليه السلام. وهو انه ورغب في التخلص منه ليظفر بامرأته فقيل صنع به كذا وقيل اراد منه كذا يقول الامام ابن عطية في تفسيره رحمه الله وفي كتب بني اسرائيل في هذه القصة صورا لا صور لا تليق وقد حدث بها قصاص في صدر هذه الاية يعني بعض من يحكي القصص والاخبار فقال علي رضي الله عنه من حدث بما قال هؤلاء القصاص في امر داوود عليه السلام جلدته حدين لما ارتكب من حرمة من رفع الله محله. يعني نبي الله داود عليه السلام وقد سمعت قبل قول الامام ابن كثير رحمه الله في تفسيره للاية لما اتى اليها فقال رحمه الله قد ذكر المفسر هنا قصة اكثرها مأخوذ من الاسرائيليات. ولم يثبت فيها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم حديث يجب اتباعه. ولكن روى ابن ابي حاتم ها هنا حديثا لا يصح سنده لانه من رواية ليزيد الرقاشي عن انس ويزيد وان كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الائمة فالاولى ان يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة. وان يرد علمها الى الله عز وجل. فان القرآن حق وما تضمن فهو حق ايضا واكتفى رحمه الله في تفسيره لقصة داود عليه السلام في سورة صاد بهذا فقط. وتجاوزه لانك اما ان تطلب تفصيلا وتفسيرا لشيء لا دليل فيه فينشغل ذهنك بتطلب تلك التفاصيل. ولن تجدها الا في الاسرائيليين وفيها شيء لا يليق ان تنسبه الى رجل صالح او عالم او فاضل من بني قومك فكيف بنبي كريم من انبياء الله عليه السلام فالاولى الاعراض عن ذلك. وقد تقرر في قواعد تفسير القرآن العظيم. ان ما جاء في القرآن مجملا خصوصا في باب القصص والحكايات والاخبار. فالواجب فيه اخذه على اجماله والبحث عن تفصيل ما اجمل الله لو اراد الله بيانه لنا لبينه. لكن الله ما اراد فلماذا تطلب شيئا لم لك ان تقف على تفصيله يبسط الناس القول في قصة اصحاب الكهف وعن عددهم. قال الله سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم. ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب. ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي اعلم بعدتهم. ما يعلمهم الا قليل فلا تماري فيهم الا مراء ظاهرا ولا تستفتي فيهم منهم احدا. هذا شأن عام في قصص القرآن. فاجمل القرآن في قصة لداوود عليه السلام هذا الامر. لكن يكفي ان تقول وظن داوود انما فتناه. ايقن داوود عليه السلام ان ذلك كان قيل ان داوود عليه السلام لما كان له تسع وتسعون زوجة. ورغب في تلك المرأة التي اراد ان يتزوجها ساق الله اليه هذين الملكين ليعرضا خصومتهما في شكل هذه المسألة التي كانت في النعاج تنبيها لداوود عليه السلام على ما كان منه ففطن ان المراد الاشارة الى امره فاستغفر وخر راكعا واناب. وقيل بل المسألة على ظاهرها اختصموا اليه في شأن نعالي واحدهما طلب من صاحبه النعجة الوحيدة التي في يده. فقال داود عليه السلام لقد ظلمك وموضع الفتنة هنا ان داود عليه السلام وهو حكم لم يتثبت ولم يسمع من الخصم الاخر ولم يطلب بينة ولم يرى اقرارا فاكتفاؤه بسماع احد الخصمين كان تعجلا في الحكم مظنة الخطأ وعدم الاصابة في الحكم فلما فطن عليه السلام انه تعجل في الحكم قال وظن داوود انما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب قال الامام الطبري رحمه الله سأل داود ربه غفران ذنبه وخر راكعا واناب يعني رجع الى رضا ربه وتاب من خطيئته. فانت ترى شيخ المفسرين الامام الطبري رحمه الله ينص على ان قوله فاستغفر ربه سأل ربه غفران الذنب. وان معنى قوله وخر راكعا واناب رجع الى رضا ربه وتاب من خطيئته. اثنى الله على داوود عليه السلام فقال انه اواب. تدري ما معنى اواب كثير الاوبة الطائع الموقن الذي امتلأ صدره ايمانا بربه وطاعة واقبالا. هذا ثناء من الله على داوود عليه السلام فنحن امام هذه القصة المباركة ايها الكرام على احد طريقين ما سار اليه المصنف رحمه الله انه ليس في القصة ذنب ولا خطيئة لكنه التعجل في الحكم الذي اراد الله من نبيه الكريم ان يكون اعلى شأنا. ومن اثبت الذنب دون تفصيل ولا ذكر شيء ان من القصص والجزم بنسبتها الى داوود عليه السلام فحسبنا ان الله قال واستغفر ربه واناب قال فغفرنا له ذلك ودون ان يكون في ذلك اشتمال لا على قدح ولا منقصة كما مضى تكرار هذا مرارا وان من يجوز وقوع الذنوب ذنوب الصغائر من الانبياء عليهم السلام. لا يعني القدح فيهم بل هي شيء يسير يقع منهم فيتداركهم الله عز وجل برحمته وينزل عليهم توبته ويرفع به قدرهم ويكون لهم في انظار اممهم اسوة وقدوة في التوبة وصدق العودة الى الله عز وجل وما زادهم الله بذلك الا رفعة. قال المصنف رحمه الله فمعنى فتناه اي اختبرناه واواب قال قتادة مطيع. قال الطبري ابتليناه فيما حكاه عن قتادة والحسن. وقال ابن عباس فتناه يعني اختبرناه. قال القاضي عياض وقال ابن مسعود وقال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما ما زاد داوود على ان قال للرجل انزل لي عن امرأتك واكفلنيها هذا في بعض الروايات انه اتى الى اوري يا صاحب الزوجة التي اراد داود عليه السلام ان يتزوجها. وهذا نقله عدد من المفسرين عن ابن عباس وابن مسعود وسعيد ابن جبير وعدد من السلف ان الذي كان من داوود عليه السلام انه قال للرجل صاحبه واحد قادة جيشه اني اريد الزواج من امرأتك وطلب منه ان ينزل له عنها يعني ان يطلقها لتحل له فعلى هذا المعنى لن يجزي هذا ذنبا ولا خطيئة بل ان المهاجرين والانصار لما اجتمعوا في المدينة بعد الهجرة فان احدهم ربما قال لاخيه المهاجر انظر الى زوجتي واحبهما اليك فانزل لك عنها يعني اطلقها لاجلك. فاذا كان هذا سائغا والعرف لا يأباه فانه ليس شيء ها هنا لا على ذنب ولا معصية. وقد ورد هذا عن بعض السلف كما سمعت انه ما زاد داوود على ان قال للرجل انزل لي عن امرأتك واكفلنيها فعاتبه الله على ذلك. ما وجه العتب؟ قال انكر عليه شغله بالدنيا انه استزادة في امر النساء ليس حراما التوسع في المباح في شأن الكمل ومن رفع الله اقدارهم مما لا يليق بهم لان اشتغالهم بالعظائم والامور الكبار هي التي تملأ عليهم قلوبهم قال المصنف وهذا الذي ينبغي ان يعول عليه من امره عليه السلام. نص على ذلك ايضا الامام القرطبي رحمه الله عن ابي جعفر النحاس صاحب اعراب القرآن. قال ابو جعفر فعاتبه الله على ذلك ونبهه عليه وليس هذا بكبير من المعاصي. قال ومن تخطى الى غير هذا فانما ياتي بما لا يصح عن عالم ويلحقه فيه اثم عظيم يعني نسبة شيء سوى ذلك مما لا يليق بنبي الله داود عليه السلام. قال المصنف رحمه الله وقد قيل يعني في معنى الاية خطبها على خطبته وقيل بل احب بقلبه ان يستشهد. يعني ان يستشهد اري لتخلو له زوجته فيكون قادرا على الزواج بها. قال وحكى السمرقندي ان ذنبه الذي استغفر منه قوله لاحد الخصمين لقد ظلمك بسوء نعجتك فظلمه بقول خصمه ما معنى فظلمه؟ يعني حكم بظلم قول خصمه دون تثبت ولا بينة ولا اقرار. فيكون هذا من التعجل في الحكم الذي لا يجوز شرعا. وقيل بل لما خشي على نفسه وظن من الفتنة بما بسط له من الملك والدنيا. قال الله عن داوود وشددنا قال ان سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق والطير محشورة كل له اواب قيل ان داوود عليه السلام وقد اوتي المزمار والصوت الذي لم يعرف مثله في قراءته للزبور كلام الله كان اذا وقفت الطير في الهواء من جمال صوته وحسنه واضطربت الاشجار وكل شيء حوله من حيوان ونبات من حسن صوته الذي اتاه الله ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم لابي موسى الاشعري رضي الله عنه لما اعجبته تلاوته وحسن تحبيره بالقرآن لقد اوتيت مزمارا من مزامير ال داوود. فصار يضرب المثل وفي بعض الاثار الاسرائيلية ان الجن انما صنعت ادوات معازف من صوت داود عليه السلام. فكانت تصنع من ادوات المعازف ما يحكي جمال صوته وعذوبته وطربه الذي لم يعرف له مثل فاتى الله داود عليه السلام شيئا عظيما ووسع له في ملكه وسخر له ما سمعت الجبال والطير كل ذلك يستجيب لتسبيحه وذكره لربه وتلاوته الزبور هذا كله الذي اوتيه داود عليه السلام خشي ان يكون فتنة له وظن داوود ان ما فتناه على المعنى الذي اراده المصنف قولا لما خشي على نفسه وظن من الفتنة بما بسط له من الملك والدنيا قال رحمه الله والى نفي ما اضيف في الاخبار الى داوود من ذلك. ذهب احمد بن نصر وابو تمام وغيرهما من المحققين وقد سقت لك كلام الائمة بن عطية وابن كثير من المفسرين رحم الله الجميع في من يأبى نسبة ذلك المفسرين يورد تلك القصص على انها مما ذكر. وكثير منهم يعقب بعدم صحتها وعدم الركون اليها ولا المصير اليها. وربما قاد بعضنا الحرص على فهم القرآن ان يفتح بعض كتب التفسير فينتقل من كتاب الى كتاب او يقع في يده بعض الكتب. فاذا وقف على مثل تلك القصص ربما وقع في نفسه شيء من الريب والتردد كيف ينسب الى نبي كريم انه وقع بصره على امرأة لا تحل فهويها قلبه وفكر في الخلاص من زوجها ليظفر بها الى سائر ما ترويه تلك القصص وقد احسن المصنف رحمه الله بعدم ذكرها ولا عرضها. ولا ابن كثير رحمه الله وقد اضرب صفحا تماما عن ذكر شيء منها وقال رحمه الله عز وجل في نصه على هذا المعنى فالاولى ان يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وان يرد علمها الى الله. قال رحمه الله قال الداودي ليس في قصة داوود واوري خبر يثبت ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم ثم قال اخيرا وقيل ان الخصمين الذين اختصما اليه رجلان في نتاج غنم على ظاهر الاية يعني فيما كان بينهما من الخلاف والخصومة في نتاج غنم وما كان لها من الخراج الذي اختلفوا واختصموا في اخذه وهما شريكا ولهذا قال وان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليل ما والخلاصة ان الاية نسبت الى داوود عليه السلام وظن داوود ان ما فتناه واستغفاره فاستغفر ربه وخر راكعا واناب. ومغفرة الله عز وجل له فغفرنا له ذلك. فاما ان على بعض المعاني التي ذكرت او على خطأ وذنب لم تذكر الاية تفصيله فعلى كلا الامرين يأتي اهل العلم في اثبات الذنب الصغير الذي لا يستوجب قدحا بل ما ذكر في القرآن الا لرفع مقامهم وعلو قدرهم واثبات منزلتهم عليهم السلام. فاثباته لا يستوجب قدحا ولا نقصا. وهذا على ما تقرر في غيره من قصص عليهم السلام واما قصة يوسف واخوته فليس على يوسف منها تعقب. واما اخوته فلم تثبت نبوءة اتهم فلم تثبت نبوتهم فيلزم الكلام على افعالهم وذكر الاسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الانبياء ليس صريحا في كونهم من اهل ليس صريحا في كونهم من اهل الانبياء. هذا الموضع التاسع في هذا الفصل. قصة يوسف عليه السلام مع اخوته. المذكورة تفصيلا على التمام في سورة باكملها في القرآن بل ليس في القرآن قصة فيها تفصيل وايضاح وبيان باحداثها وتفاصيلها كما في قصة نبي الله يوسف عليه السلام. حتى استأثرت بسورة على طولها تبلغ نحو الحزب او اكثر من القرآن الكريم. لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين. والقصة صوتك ما يعلمها كل مسلم ممن قرأ السورة او سمعها او يحفظها ان اخوة يوسف اخذتهم الغيرة من شدة حبهم بابيهم يعقوب عليه السلام ليوسف من بينهم فكان لذلك في نفوسهم وقع عظيم فتمالؤوا عليه كما تقرر في صدر السورة ورأوا ان حب يعقوب عليه السلام ابيهم لاخيهم يوسف قد ذهب بحقهم من قلب ابيهم اذ قالوا ليوسف واخوه احب الى ابينا منا. ونحن عصبة ان ابانا لفي ضلال مبين. تشاوروا فانتهى بهم الرأي الى يوسف عليه السلام في البئر وادعاء ان الذئب اكله. فكان هذا الذي حصل منهم. قال المصنف واما قصة يوسف واخوته فليس على يوسف منها تعقب يعني لم يكن في يوسف عليه السلام وقصته معهم شيء يستدعي التعقب او ذكر بيان انما الذي يحتاج الى تعقب هو موقف اخوته منه في تآمرهم وتمالؤهم ما الذي نحتاج اليه؟ قالوا اخوة يوسف عليه السلام هم ابناء يعقوب وابناء يعقوب احد عشر ويوسف هو الثاني عشر كانوا كلهم انبياء وهم المذكورون في قول الله عز وجل والاسباط في سورة البقرة وال عمران وان الاسباط هم اولاد يعقوب الاثني عشر. فاذا كانوا انبياء وقد ذكروا قولوا امنا بالله وما انزل وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط فهم من جملة الانبياء الذين امر النبي عليه الصلاة والسلام بالايمان بما انزل اليهم. فان كانوا انبياء فيأتي الكلام كما كما كان في شأن الانبياء الاخرين فهل له انبياء؟ فان قلت نعم. فقد وقع منهم خطأ وذنب ومعصية. وهو رغبتهم في قتل اخيهم يوسف عليه السلام قال المصنف رحمه الله واما اخوته فلم تثبت نبوتهم فيلزم الكلام على افعالهم يقول هذا اول اجابة لا تثبتوا نبوتهم لنحتاج الى جواب فان لم يكونوا انبياء فهم بشر كسائر البشر يقع منهم الذنب والمعصية والخطيئة قال وذكر الاسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الانبياء ليس صريحا في كونهم من اهل الانبياء. نعم واما اخوته فلم تثبت نبوتهم فيلزم الكلام على افعالهم وذكر الاسباط وعدهم في القرآن عند الانبياء ليس صريحا في كونهم من اهل الانبياء. قال المفسرون يريد من نبأ من ابناء الاسباط. قال ابو العالية والربيع وقتادة الاسباط بنو يعقوب اثنا عشر رجلا وقال الزمخشري والرازي هم يعقوب ذراري ابنائه الاثني عشر فليسوا ابناء يعقوب بل ابناء ابنائه. وهم احفاده. وقال الامام البخاري الاسباط قبائل بني اسرائيل فاذا قلت هم قبائل بني اسرائيل فكيف يقول الله قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق والاسباط فكيف تكون القبائل وينزل عليها وحي؟ قال الحافظ ابن كثير وهذا يقتضي ان المراد بالاسباط ها هنا شعوب بني اسرائيل وما انزل الله من الوحي على الانبياء الموجودين منهم وقال القرطبي رحمه الله سموا الاسباط من السبطي وهو التتابع منهم جماعة متتابعين فهم جماعة متتابعون وقيل من السبط بالتحريك وهو الشجر الكثير المتقارب المتتابع فانت ترى قول كثير من اهل العلم ان الاسباط هما هنا هم احفاد يعقوب وقيل شعوب بني اسرائيل فاذا ليس في هذا دلالة ان اخوة يوسف عليه السلام كانوا انبياء. قال رحمه الله قال المفسرون الاسباط يريد من نبأ من ابناء ما هي الاسباب فلا يلزم من هذا ان يكونوا هم في ذواتهم انبياء عليهم السلام فان لم يكونوا انبياء فلا اشكال في وقوع الذنب والمعصية منهم وقد قيل انهم كانوا حين فعلوا بيوسف ما فعلوه صغار الاسنان. هذا جواب ثاني لنقل ان الاسباط المقصودين في الاية هم اخوة يوسف عليه السلام وانهم انبياء متى حصل منهم ما حصل مع يوسف عليه السلام لما كانوا صغارا وهم اذ ذاك لم ينبأوا بعد ولم يدخلوا في عداد الانبياء. نعم وقد قيل وقد قيل انهم كانوا حين فعلوا حين فعلوا بيوسف ما فعلوه صغار الاسنان. ولهذا لم يوسف حين اجتمعوا به. ولهذا قالوا ارسله معنا غدا نرتع ونلعب وان ثبتت لهم نبوة فبعد هذا. والله اعلم دخلوا على يوسف قال الله فعرفهم وهم له منكرون بطول العهد وبعد السنين وكانوا صغارا قال فهذا يدل على انهم حينئذ ما كانوا انبياء. قال وان ثبتت لهم نبوة فبعد هذا. وهم لما جاءوا يحتالون على ابيهم يعقوب عليه السلام وارادوا اخذ يوسف ماذا قالوا ارسله معنا غدا نرتع ونلعب وهل يطلب اللعب الا الصغار؟ فدل على كونهم صغارا لما طلبوا هذا من ابيهم عليه السلام. فان كانوا كذلك فهم ليسوا وانبياء في ذلك العمر ووقوع هذا منهم لا يحتاج الى جواب. نعم. واما قول الله تعالى فيه ولقد همت وهم بها لولا ان رأى برهان ربه فعلى مذهب كثير من الفقهاء والمحدثين ان هم النفس لا يؤاخذ به العبد وليس سيئة لقوله عليه السلام عن ربه اذا هم عبدي فلم يعملها كتبت له حسنة. فلا معصية حينئذ ليوصف في همه اذا واما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فان الهم اذا وطنت عليه النفس سيئة واما اما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه. هذا الموضع في قصة يوسف عليه السلام هو الذي يحتاج فيه الى جواب على طريقة المصنف رحمه الله في دفع ما ينسب الى الانبياء عليهم تنام من الوقوع في الذنوب الصغائر قال الله عز وجل وراودته التي هو في بيتها عن نفسه يعني امرأة العزيز وغلقت الابواب وقالت هيت لك. قال معاذ الله انه ربي احسن مثواي انه لا يفلح الظالمون ولقد همت به يعني هي امرأة العزيز وهم بها لولا ان رأى برهان ربه قالوا فهذا صريح الاية يثبت ان امرأة العزيز همت بالفاحشة ومراودة يوسف عن نفسه عليه السلام وقد وقع هذا صريحا وراودته التي هو في بيتها ونسبت الاية بعد ذلك وقوع هذا الهم ليوسف وهم بها لولا ان رأى برهان ربه فاثبتت الاية هم يوسف عليه السلام بامرأة العزيز صحيح انه مجرد هم ولهذا نحن نتكلم عن الصغائر الهم بالذنب ليس كفعله فعل الذنب اعظم لكن مجرد الهم وان قلت صغيرة من الصغائر فهذا هو الكلام. لان المصنف ومن يميل الى رأيه لا يجوز وقوع الصغائر وان كان هما في مثل هذا المقام فاحتاجت الاية الى جواب وهذا ايضا موضع في تفسير القرآن اكثر فيه المفسرون من ذكر هذا الهم وما هو؟ فذكروا فيه اقاويل وتناقلت كتب التفسير ايضا معنى الهم هنا على وجه لا يليق. فاذا كان لا يثبت به نص من القرآن ولا يصح به رواية من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا داعي لان نقول ان هم يوسف عليه السلام هو ما يفعل الرجل مع زوجته اذا خلا بها او ما يصنع من كذا وكذا وتذكر بعض الاوصاف والهيئات لا يصح في تفسير الهم ليوسف عليه السلام هنا شيء من القرآن. ولقد همت به وهم بها قال المصنف رحمه الله تعالى فعلى مذهب كثير من الفقهاء والمحدثين ان هم النفس لا يؤاخذ به العبد وليس يعني سنقول نعم هم يوسف عليه السلام لكن الهم هو حديث نفس لا يترتب عليه ذنب ولا خطيئة ولا يعد سيئة صغيرة ولا كبيرة. فماذا هو اذا هو عارض من عوارض النفس البشرية هو طبيعة للنفس اذا طاف بخاطرها شيء فهمت به وقد يهم احدنا بمباح او يهم بحرام او يخطر بباله شيء من الخواطر هم النفس معفو عنه ولا يسمى ذنبا لا صغيرة ولا كبيرة قال على مذهب كثير من الفقهاء والمحدثين ان هم النفس لا يؤاخذ به العبد وليس سيئة لقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه يعني في الحديث القدسي اذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة. والحديث في الصحيحين بالرواية ابن عباس رضي الله عنهما ان الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك. فمن هم بحسنة فلم عملها كتبها الله عنده حسنة كاملة. وان هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة وان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وان هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة المقصود هنا ان هم النفس ليس ذنبا بل من من استطاع ان يكظم هم نفسه مأجور ان هم بالمعصية ثم دافع ذلك الهم هو مثاب. قال وان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة قال فليست سيئة ولا معصية عندئذ. اذا فسرنا الهم بهذا. قال المصنف واما على مذهب من الفقهاء والمتكلمين. فان الهم اذا وطنت عليه النفس سيئة الهم درجتان في القلب هم خاطر يطرأ ويعرض ويزول وهم يستقر في النفس وتوطن عليه النفس. ما معنى توطن يعني تعتاده النفس وتألفه فيبقى الهم ملازما لها. قال اذا وطنته النفس فهو سيئة واما ما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه قال المصنف وهذا هو الحق. فان الذي كان من يوسف عليه السلام هم بمعنى ها خاطرة عرضت وعبرت هم قلب وقع لحظة لكنه لا لبث لم يلبث وهذا تفسير قوله عليه السلام وما ابرئ نفسي. اذا في ماذا يتهم نفسه عليه السلام في ماذا يتهمها ويقول وما ابرئ نفسي ليس من الفاحشة فما فعلها عليه السلام وليس من المراودة فما فعلها عليه السلام ولا من مقدمات المعصية فما فعلها عليه السلام فمن ماذا يقول وما ابرئ نفسي من الهم ولو كان هما توطنت عليه النفس لما فزع عليه السلام واستبق الباب حتى ادركته فقدت قميصه من دبر ما قال معاذ الله انه ربي احسن مثواي فهذا القدر اليسير من الهم الذي لا ينفك عنه البشر لانه بشر ووقع ليوسف عليه السلام اعترف به فقال وما ابرئ نفسي وهكذا هم العظماء والكمل يرون الامر الصغير اليسير في شأن حقهم عظيما. قال وما نفسي قال المصنف وهذا هو الحق. وعامة المفسرين في تفسير هذه الاية الكريمة يريدون هذا المعنى. ولقد همت به ما الذي همت به زليخة؟ او امرأة العزيز ما الذي همت به؟ همت بالمعصية بالفاحشة بل قال وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وقعت المراودة وقالت هيت لك كان منها صريح وليس مجرد الهم لكنه هم تجاوز الى خطوات. اما يوسف عليه السلام فكما قال الله وهم بها لولا ان رأى برهان ربه. ما برهان ربه الذي رآه اكثر المفسرون ايضا في ذكر هذا المعنى قيل تصورت له صورة ابيه يعقوب عليه السلام. فعصمه الله من الاسترسال مع الهم الذي وقع بقلبه فاحجم وقيل اسمعه الله صوت ابيه يعقوب عليه السلام. فكان هذا ايضا صارفا له فاستعصم وقيل الهمه الله صوابا وقيل انزل عليه سكينته ايا كان فليس في الاية ايضا ولا في الحديث الصحيح تفسير هذا البرهان ما هو؟ لكن الاية صريحة ان الله عصم نبيه عليه السلام من استرسال مع ذلك الهم ببرهان لولا ان رأى برهان ربه اسمع يقول الله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء عصمه الله بذلك البرهان الذي اراه اياه. والله اعلم بما هو ما البرهان الذي اراه الله نبيه يعقوب عليه السلام؟ لكنه كان عاصما فعصمه الله عز وجل قال كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين. هكذا يتولى الله من تولاه هكذا يعصم الله من اتقاه. هكذا في الله عبده اذا توكل عليه ولجأ اليه في رزق العبد هداية وسدادا وتوفيقا وحفظا وعصمة اذا كان اذا ما بينه وبين ربه فيعصمه الله ويحوطه فمهما اجلب الشيطان عليه واحاط به واراد استدراجه في خطوات حرام تدركه العصمة من الله قال الله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء. انه من عبادنا المخلصين وقال بعض المفسرين في الاية تقديم وتأخير ولقد همت به فيكون وقفا تاما وهم بها لولا ان رأى برهان ربه يقولون فيه تقديم وتأخير على معنى لولا ان رأى برهان ربه لهم بها اذا هم هو او لم يهم على هذا التقدير لم يقع منه حتى الهم فقوله وهم بها لولا ان رأى برهان ربه هو على معنى لولا ان رأى برهان ربه لهم بها. هكذا اورد بعض المفسرين قال ابو حاتم كنت اقرأ غريب القرآن على ابي عبيدة فلما اتيت على قوله ولقد همت به وهم قال ابو عبيدة هذا على التقديم والتأخير كانه اراد ولقد همت به ولولا ان رأى برهان به لهم بها. قال الامام الشنقيطي رحمه الله في اضواء البيان. الجواب عنه من وجهين. ما معنى هم بها الاول ان المراد بهم يوسف عليه السلام خاطر قلبي صرفه عنه وازع التقوى. هذا معنى الهم خاطرة جاءت في القلب. وقال بعضهم والكلام للشنقيطي رحمه الله وقال بعضهم هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى. وهذا لا معصية فيه. لانه امر جبلي لا يتعلق به التكليف. يعني انت هل تملك من نفسك اقبالها على شهوة فجأة انت لا تملكها والله لا يؤاخذك بما لا تملك ولا تكليف عليك فيه. كما في الحديث يقول الشنقيطي كما في الحديث انه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول اللهم هذا قسمي فيما املك فلا تلمني فيما لا املك يعني ميل القلب وهذا المعنى المذكور هنا في قوله فيما لا املك كما اخرج ابو داوود في السنن. يقول الشنقيطي الله ومثل هذا ميل الصائم الى الماء البارد والطعام وهو صائم مع ان تقواه تمنعه من الشرب والاكل وهو صائم. فمن اشتهت نفسه الماء البارد وهو عطش في الصيام او رأى طعاما عرظ امامه وهو صائم فشتهته نفسه. اليس هم نفس؟ هل يعد هذا معصية؟ هل يعد خطيئة؟ لا فكذلك لما غلقت الابواب وتزينت وتجملت وقالت هيت لك والنفس البشرية تتحرك وفيها من دواعي الغريزة ما لا يملك انسان دفعه. وهذا كلام علمي متين فان المقصود بالهم هنا خاطرة النفس التي هي من دوافع الانسانية والغريزة التي تكون في جنس البشر وهذا لا المعصية فيه وقد سمعت المثال. يقول رحمه الله وقال صلى الله عليه وسلم من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة كما اخرجه البخاري ومسلم. الجواب الثاني ما معنى وهم بها والكلام للعلامة الشنقيطي رحمه الله. يقول الجواب الثاني ان يوسف عليه السلام لم يقع منه الهم اصلا بل هو منفي عنه لوجود البرهان. يعني وهم لولا ان رأى. فلولا ان رأى لهم الى ان قال هذا الوجه الذي اختاره ابو وغيره هو اجرى على قواعد اللغة العربية هذا القول يا كرام الذي هو تقديم وتأخير لولا ان رأى برهان ربه لهم بها نقله عدد من المفسرين على ايراد معنى في الاية وان الهم على هذا المعنى لم يقع اصلا من يوسف عليه السلام يقول الامام البغوي وقاله القرطبي وذكره الشوكاني قال وزعم بعض المتأخرين ان هذا لا يليق بحال الانبياء السلام وقال تم الكلام عند قوله ولقد همت به ثم ابتدأ الخبر عن يوسف عليه السلام فقال وهم بها لولا ان رأى برهان ربه على التقديم والتأخير اي لولا ان رأى برهان ربه لهم بها ولكنه رأى البرهان فلم يهمه بها. قال وانكره النحات وقالوا ان العرب لا تؤخر لولا عن الفعل فلا تقولوا لقد قمت لولا زيد وانت تقصد لولا زيد لقمت وقيل همت بيوسف وهم بها يوسف اي تمنى ان تكون له زوجة. قال وهذا التأويل وامثاله غير قضية لمخالفتها اقاويل القدماء من العلماء الذين يؤخذ عنهم العلم. وعلى كل حال فهذا القدر في الاية الكريمة اوجزت المعنى الذي كان في ذلك الموقف بهذا اللفظ القرآني المجمل. ولقد همت به اما همها فقد تقدم وراودته وغلقت الابواب وقالت هيت لك واما هم يوسف عليه السلام فلم يرد تفصيله والبرهان الذي اراه الله اياه ايضا ما ورد له تفسير لكن الله نبيه يوسف عليه السلام. نعم واما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فان الهم اذا وطنت عليه النفس سيئة واما ما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه. وهذا هو الحق فيكون ان شاء الله تعالى هم يوسف من هذا. ويكون قوله تعالى وما ابرئ نفسي ان النفس امارة بالسوء الا ما رحم ربي. ان ربي غفور رحيم اي ما ابرئها من هذا الهم من هذا الهم الذي لم توطن عليه النفس بل كان خاطرة عابرة من دوافع البشرية كما تقدم في كلام الشنقيطي رحمه الله او يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف بمخالفة النفس لما زكي قبل وبرئ او يكون تواضعا فان الانسان حتى اذا لم يقترف شيئا يوجب ذنبا ومعصية يقول وما ابرئ نفسي على الاصل ان النفس البشرية لا زالت مجبولة على النقص والكمال لله جل جلاله فكيف وقد حكى ابو حاتم عن ابي عبيدة ان يوسف لم يهم وان الكلام فيه تقديم وتأخير اي ولقد همت به ولولا ان رأى برهان ربه لهم بها وتقدم تعقب بعض المفسرين على هذا القول وان بعض النحات يأباه لان الفعل لا يأتي متقدما على لولا بهذا التقدير وقد قال الله تبارك وتعالى عن المرأة ولقد راودته عن نفسه فاستعصم يقول ولقد راودته عن نفسه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم. وقال تعالى كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء فاستعصم يعني وجد عاصما يصرفه عن الاستجابة لمراودتها. والله تولاه فقال لنصرف عنه السوء والفحشاء وقال تعالى وغلقت الابواب وقالت هيت لك. قال معاذ الله اني قال معاذ الله انه ربي احسن مثواي. قيل في ربي الله تعالى وقيل الملك نعم انه ربي قيل اراد الله عز وجل وقيل بل اراد الملك احسن مثواي يعني رباني واكرمني فانا لا اخونه في اهل بيتي وقيل هم بها اي بزجرها ووعظها وقيل هم بها اي غم اي غمها امتناعه عنها. وقيل هم بها نظر اليها. وقيل اما بضربها ودفعها وقيل هذا كله كان قبل نبوته عليه السلام. هذه اقاويل في تفسير معنى هم بها والارجح والاقوى والاقرب الى سياق الاية ما تقدم ان الهم خاطرة النفس التي لا منقصة فيها ولا تستوجب ذنبا او قضية ومع ان المذكور هنا تأويل حسن هم بها يعني بزجرها ووعظها او هم نظر اليها او بضربها ودفعها لكن لا يساعد عليه السياق لولا ان رأى برهان ربه وقد ذكر بعضهم ما زال النساء يملن الى يوسف ميل شهوة حتى نبأه الله تعالى فالقى عليه هيب النبوة فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه عليه سلام الله وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام تم كلام المصنف عن اية قصة يوسف عليه السلام ولا يزال في الفصل بقية ناتي عليها تباعا ان شاء الله تعالى. ان الليلة المباركة ايها المباركون تزداد بركاتها وتغتنم خيراتها. باقتناص ما فيها باغتنام واقتناص ما فيها من الخيرات والحسنات واعظم ما تدخرونه وتحوزونه في مثل ليلتكم هذه ان تكثروا من الصلاة والسلام. على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. يا رب صل على النبي المجتبى ما غردت في الايك ساجعة الربا يا رب صل على النبي واله ما لاح برق في الاباطح او خبا يا رب صل على النبي واله ما قال ذو كرم لضيف مرحبا صلوا على المختار فهو شفيعكم في يوم يبعث فيه كل طفل اشيبا اللهم صلي وسلم وبارك عليه اوفى صلاة واتمها. وسلم عليه اكمل سلام وازكاه اله الحق يا سميع الدعاء. وارزقنا اله بالصلاة والسلام عليه رفيع المقامات وعلو الدرجات واتنا يا رب شفاعته واحشرنا في زمرته واوردنا حوضه اللهم احينا على سنته وامتنا على سنته واحشرنا في زمرته يا اكرم الاكرمين. واغفر لنا الهي ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات. اللهم اجعل لنا ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا. ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية يا ارحم الراحمين. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلي اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين