بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. كما يحب ربنا ويرضى واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الحمد في الاخرة والاولى واشهد ان سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله. صلوات الله وسلامه عليه على ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وبعد اخوة الاسلام فها هي ذي ليلة الجمعة قد اقبلت. واقبل معها خير عظيم من رب كريم سبحانه وتعالى. خيرات وبركات وصلوات تتنزل من رب الارض والسماوات على هذه الامة المباركة بصلاتها وسلامها على نبيها المصطفى. صلى الله عليه وسلم. وهي تنتظر هذا الموعود الكريم من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا. وانكم لفي ليلة كريمة ايها الكرام. فاكثروا من بركاتها واغتنزوا ومن خيراتها بصلاتكم وسلامكم على نبي الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم. وعسى ان يكون مجلسنا هذا المنعقد في هذه الليلة المباركة في هذا المكان المبارك من رحاب بيت الله الحرام سببا لمزيد من الصلاة والسلام على سيد الانام وتطيب دقات القلوب بذكره فتفيض شوقا دافئا وعميما هو رحمة الرحمن. اشرق بالهدى عليه وسلموا تسليما. صلى الله عليه واله وسلم وما زال مجلسنا هذا في مدارسة كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للامام القاضي عياض رحمة الله عليه متابعين فيه ما انتهى اليه مجلسنا المنصرم في اسبوعنا الماضي. والحديث في سياق الكلام عن عصمة الانبياء عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام. وتقدم يا كرام ان الذي ذهب اليه المصنف القاضي عياض رحمه الله في قول طائفة من اهل العلم هو عدم جواز وقوع الذنب ولمعصية صغيرة ولا كبيرة من الانبياء عليهم السلام. وان مقام النبوة معصوم مطلقا. وهو قول وان كان مرجوحا الا ان اهل العلم في طائفة منهم يذهب اليه ويقول به كما يرجح المصنف رحمه الله تعالى. يقابل ذلك قول عليه ثلة كبيرة من الامة وخصوصا من سلفها المتقدم وعلمائها الاوائل ممن يقول ان العصمة انما تكون في الكبائر او الاصرار على الصغائر او مما يخل بمقام النبوة او تبليغ الرسالة واداء الوحي الذي يأتيهم من الله جل جلاله. واما والزلة والخطأ فليست العصمة تقتضيه. وبالتالي فما دلت عليه الايات والاحاديث من وقوع شيء من من بعض الانبياء والرسل عليهم السلام فانه لا يقدح في العصمة التي تقررت. الكلام وان كان في مقام الانبياء عموما السلام والمصنف رحمه الله يريد بكتابه الحديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وقد سمى كتابه الشفاء حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم. الا ان المسألة عامة. والقاعدة في هذا مشتركة بين الانبياء عليهم السلام ولهذا تناول الكلام كما مر بكم في الاسابيع الماضية الحديث عن مواقف تنسب الى عدد منهم عليهم السلام. كموسى وادم وسليمان وغيرهم عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام الفصل الذي انتهينا منه في الاسبوع الماضي كان المصنف رحمه الله قد استقصى فيه الايات التي استدل بها على وجود الذنب منسوبا الى الانبياء مثل قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر الم نشرح لك صدرك ووظعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك. وكذلك مثل قوله وظن داوود ان ما فتناه فاستغفر ربه وخرر واناب وقوله وعصى ادم ربه فغوى. وقوله سبحانه وتعالى كذلك في شأن نبينا صلى الله عليه وسلم عبس وتولى ان جاءه الاعمى وقوله ايضا ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض والله يريد الاخرة والله عزيز حكيم. وقد اتى على تلك المواضع اية اية يجيب فيها بما يقرره العلماء القائلون بان العصمة تتناول الكبائر والصغائر مطلقا فيقرر معه اجابات لتلك الايات ليستقيم هذا القول في الفصل الذي نتناوله الليلة بعون الله يأخذ اية كريمة هي قول ربنا سبحانه وعصى ادم ربه فغوى ادم عليه السلام ابو البشر وهو اول نبي بعثه الله جل جلاله وقد دلت الاية في سورة طه صريحة واضحة جلية. بنسبة العصيان وعصى بل والغواية فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى تاب عليه من معصيته وهدى من الغواية فغوى فهذا من اظهر الادلة التي يقول بها جل اهل العلم في وقوع الذنوب والخطايا والصغائر التي لا تزري بمقام النبوة ولا قدح فيها للانبياء عليهم السلام وانما هي اثبات لبشريتهم التي خلقوا عليها بل والتي جعل الله عز وجل فيها مقامهم. بعد ذلك الذنب او الخطأ اعظم وارفع قدرا مما كان فهو في كل حال يحفظ للنبوة مقامها الشريف. وللانبياء عليهم السلام مناصبهم الجليلة الرفيعة التي اصطفاهم بها رب البرية على سائر البشر فهذا فصل يقرر فيه القاضي عياض رحمه الله ما معنى وعصى ادم وما الغواية التي جاءت في الاية منسوبة اليه على المذهب الذي يرجحه رحمه الله انه لا ذنب ولا معصية فكيف فسر اهل العلم الاية وسنتناول في ثنايا ذلك ما قرره المفسرون حيال الاية الكريمة سائلين الله التوفيق والسداد بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسوله الامين وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه وللسامعين قال المصنف رحمه الله فصل في معنى قوله تعالى وعصى ادم ربه فغوى. وما تكرر في والحديث من اعتراف الانبياء بذنوبهم قال فان قلت فاذا نفيت عنهم قال فان قلت فاذا نفيت عنهم صلوات الله عليهم الذنوب والمعاصي. بما ذكرته من اختلاف المفسرين وتأويل المحققين فما معنى قوله تعالى؟ ما معنى قوله؟ فما معنى قوله تعالى وعصى ادم ربه فغوى. وما تكرر في والحديث الصحيح من اعتراف الانبياء بذنوبهم وتوبتهم واستغفارهم وبكائهم على ما سلف منهم واشفاقهم وهل يشفق ويتاب ويستغفر الا من شيء عظيم؟ هذا هو السؤال الكبير اذا قلنا ان الانبياء عليهم السلام معصومون. فكيف نفهم الايات التي فيها استغفارهم واعترافهم بذنوبهم وتوبتهم وبكاؤهم على ما سلف واشفاقهم. قال وهل يشفق ويستغفر الا من شيء عظيم فعلينا ان نفهم معنى تلك الايات. هل الذي وقع من الانبياء عليهم السلام ذنوب اخذوا بها وعاتبوا عليها الله تعالى منها ان كان الجواب نعم كما يقرره بعض اهل العلم فبالقيود التي مرت وتكررت كثيرا انها ليست كبائر وانها لا تخل بمقام النبوة وليس فيها ازراء ولا حط من مقاديرهم ومناصبهم عليهم السلام. وان لا اصرار فيها ولا لبس ولا يخشى ان تكون بابا يقتدى فيهم بها بتلك المواقف لان الله عز وجل قد عصمهم من ذلك وسدد اقوالهم وافعالهم بالوحي الذي ينزل مباشرة. فعندئذ هذا السؤال هل ذلك شيء عظيم صدر منهم عليهم السلام نعم واياك وعبر سلطانه وقوة البشر على الخوف منه جل جلاله من المؤاخذة بما لا يؤاخذ به وانه في تصرفهم طبعا تلك بسببها او حذروا من المؤاخذة بها واتوها على وجه التكوين او السهو او تزين او تزين الدولة المباحة خائفون وزينون الى علي منصبهم. وهي ذنوب بالاظافة الى علي منصبهم ومعاص بالنسبة الى كمال طاعتهم لا انها كذنوب غيرهم ومعاصيهم. هذا الجواب اجمالا كل ما نسب الى الانبياء عليهم السلام او ما وقع منهم فيما حكى القرآن في مثل الايات التي سمعتها في صدر المجلس فانما هي بمثابة العتب الالهي على الامر اليسير بالنسبة الى غيرهم لكنه عظيم بالنسبة الى اقدارهم بمعنى ان الرجل كلما علا قدره وارتفعت منزلته وسمت مكانته فانه يستقبح منه ويستعظم ما يكون بالنسبة الى غيره امرا معتادا ولك ان تضرب مثالا في هذا بكل المواقف التي نعيشها بمقاييسنا في دنيانا لو كان لك اولاد فهم يتفاوتون في برهم بك ولطفهم معك واحسانهم اليك او كان او كنت معلما ولك تلاميذ وطلاب. ويتفاوتون في جدهم واجتهادهم وتفوقهم وتميزهم واهتمامهم في تحصيلهم فانه مما لا شك فيه ان الاعلى منهم قدرا هو اقرب الى القلب ولانه اقرب الى القلب فانه يستقبح منه الامر اليسير الذي قد يكون من غيره امرا لا حرج فيه فانت تستعظم منه لا لان الامر الذي صدر منه عظيم. لكن لان مقامه عندك عظيم وانت لا ترجو منه مثل ذلك ولا تنتظر ان يصدر عنه مثل تلك المواقف لانه اجل قدرا في نظرك. وارفع مقاما في قلبك وهو عندك اسمى من ان يصدر عنه مثل ذلك. ارأيت هذه النظرة وهذا التفسير هو الذي يمكن ان ننظر ونفهم به تلك المواقف الصادرة عن الانبياء عليهم السلام. فانها كلها لو تقصيتها التي استعرضناها في مجلس الجمعة الماضية والتي قبلها لما قال عن موسى عليه السلام فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان. انه عدو مضل مبين. داود قال وظن داوود ان انما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب. سليمان عليه السلام ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم انام قال ربي اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. وقل ما شئت في مواقف الانبياء عليهم السلام. كلها لو نظرت فيها ليس ففيها موقف واحد فيها ذنب بمعنى قصد المعصية ومخالفة امر الله ليس فيها موقف واحد يصدر عن اولئك الكرام من صفوة البشر وسادة الناس لا يمكن ان يصدر عنهم وقد رفع الله اقدارهم ان يكون اقداما على معصية فيها خطيئة وفيها جناية وفيها وقوع في شهوة او شبهة ويعرفون انها ذنب ومعصية يتقحمون الوقوع فيها كما يصدر من سائر البشر عندما يغلبه الشيطان وهواه والنفس الامارة بالسوء فتزل قدمه ثم يتوب الى ربه ويرجع ويستغفر. هذا الفارق الكبير الذي صدر من الانبياء عليهم السلام ليس هكذا اطلاقا موسى عليه السلام لما ضرب ذلك الرجل فقتله قال فوكسه موسى فقضى عليه ما كان يقصد قتله ولا اراد قتله. قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين. فان سألت طيب ليش استغفر لماذا تاب واعترف؟ قال ربياني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له اقول لك هذا من كمال اقدارهم وهذا من عظيم ادبهم مع ربهم ومن سمو وجلالة ما بلغوا اليه من التقى والصلاح ان يعد احدهم ترك الامر الافضل الى الفاضل يعده لا يليق بمثله هو الجواب ذاته الذي سئل عنه نبينا صلى الله عليه وسلم لما كان يجتهد فيقوم الليل ويطيل القيام حتى قدماه فتقول له امنا رضي الله عنها يا رسول الله اليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فالذي كان يحمله على الاجتهاد في الطاعة وقيام الليل والمداومة على ذلك. ما كان بحثا عن تكفير ذنوب وسيئات تراكمت كمثلي ومثلك قال افلا اكون عبدا شكورا هؤلاء ينظرون بمنظار اخر في علاقتهم مع ربهم. لا لشيء الا لان الله اصطفاهم سبحانه واعلى منازلهم ولذلك فهم اسوة لاممهم هم قدوة لكل اقوامهم التي بعثوا اليها. لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة فنحن نقتدي به عليه الصلاة والسلام في ضحكه وبكائه وجده وهزله وفرحه وحزنه كل مواقفه لنا فيه اسوة عليه الصلاة والسلام وحتى تلك المواقف التي يستغفر فيها الله ويتوب فيها الى الله يعلمنا كيف نتأدب مع الله تعلمنا كيف يكون احدنا رقيق القلب مشرق الفؤاد عارفا بربه وكيف يستدرك الموقف سرعان ما يصدر منه هفوة او تقصير او زلل فهذا الاجابة اجمالا قال هي ذنوب بالاضافة الى علي منصبهم. ومعاص بالنسبة الى كمال طاعتهم لا انها كذنوب غيرهم ومعاصيهم. ابدا ليست ذنوبهم او ما صدر عنهم فيما سميناه خطأ او سهوا او معصية ابدا ليست هي بالمقياس كقياس ذنوب البشر غيرهم لما بينت لك من علو اقدارهم وتأويل المواقف التي صدرت قال اعلم ان درجة الانبياء في الرفعة والعلو والمعرفة بالله وسنته في عباده وعظم سلطانه وقوة بطشه فيما يحملهم على الخوف منه جل جلاله. والاشفاق من المؤاخذة بما لا يؤاخذ به غيرهم. وانه في تصرفهم بامور لم ينهوا عنها. ولا امروا بها ثم اوخذوا عليها. وعاتبوا بسببها او حذروا من المؤاخذة بها على وجه التأويل او السهو او تزيد من امور الدنيا المباحة خائفون وجيلون. هذا جواب اجمالي تفهم به كيف وهو الموقف من تلك الايات التي دلت على ما صدر من الانبياء والرسل عليهم السلام. نعم فان الذنب مأخوذ من الشيء الدني الرذل ومنه ومنه ذنب كل شيء اي اخره واذناب الناس رذالهم. يقول كلمة ذنب مأخوذة من معنى الشيء الدنيء المرذول يعني السافل الذي يكون في اخر الشيء ولا قيمة له. ومنه سمي ذنب ذنب كل شيء ذنب كل شيء اخره. ذنبوا الحيوانات مثلا وذنبوا الشيء اخره وطرفه الذي يتدلى في الارض قال واذناب الناس رذالهم او يقال ارذالهم. هذه كلمة تدل على انهم الفئة من المنحط السافل التي لا قيمة لها في المجتمع. فكلمة ذنب في اللغة مأخوذ من هذا المعنى وهو اه ادنى الشيء وارذله واسفله فكأن هذه ادنى افعالهم واسوأ ما يجري من احوالهم لتطهيرهم وتنزيههم وعمارة بواطنهم وظواهرهم بالعمل الصالح والكلم الطيب والذكر الظاهر والخفي والخشية لله واعظامه في السر العلانية وغيرهم يتلوث من الكبائر والقبائح والفواحش ما تكون بالاضافة اليه. ما تكون بالاضافة اليه هذه الهنات في حقه كالحسنات. كما قيل حسنات الابرار سيئات المقربين. اي يرونها بالاضافة الى علي الى علي احوالهم كالسيئات. اذا هذا بالنسبة الى مقام الانبياء عليهم السلام. فهذه ادنى افعالهم. فاقول هذا ذنبهم يعني هذا هو اقل احوالهم التي صدرت عنهم ولو نظرت فيها قال فاستغفر ربه وخر راكعا واناب. قال وظن داوود انما فتناه. قال ولقد فتنا سليمان هذه بالنسبة الى حياتهم التي عاشوها ومواقفهم التي صدرت عنهم حتى لقوا ربهم كانت هذه هي اقل احوالهم ومع ذلك فليس فيها كما قلنا تقحم معصية ولا ترك واجب ولا اعتداء على حدود الله. قال فهي كونوا بالاضافة اليهم هذه الهنات يعني تلك الهفوات والزلات الصادرة في حقه كالحسنات كما قيل لحسنات الابرار سيئات المقربين يعني يرونها بالاضافة الى علي احوالهم كالسيئات ما معنى العبارة؟ حسنات الابرار سيئات المقربين ايهم اعلى درجة الابرار ام المقربون المقربون اعلى درجة والابرار اسفل منهم والكل صالحون ومن اهل الجنة سمى الله المقربين في اهل الجنة وسمى الابرار في اهل الجنة ايضا اذا كلهم من اهل الجنة على خير وصلاح ومن عباد الله الصالحين. الا ان درجة المقربين ارفع واعلى. يقول حسنات الابرار يعني احسن ما عند الابرار هو بالنسبة الى المقربين سيئة هل الحسنة يمكن ان تكون عند شخص حسنة وعند غيره سيئة لا الحسنة حسنة والسيئة سيئة من كل احد وفي كل حال فما معنى العبارة يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في التعليق على هذه العبارة يقول هذا اللفظ ليس محفوظا عمن قوله حجة لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن احد من سلف الامة وائمتها. وانما هو كلام وله معنى صحيح وقد يحمل على معنى فاسد ثم بين المعنى الصحيح فقال اما معناه الصحيح فوجهان احدهما ان الابرار يقتصرون على اداء الواجبات وترك المحرمات. وهذا الاقتصار سيئة في طريق المقربين. المقربون ما يكتفون بعمل الواجبات وترك السيئات. بل يسابقون الى النوافل والاستكثار من الطاعات لهم مقام ارفع قال رحمه الله ومعنى كونه سيئة لا يقصد انه ذنب ومعصية وقبيح لا. قال ومعنى كونه سيئة ان يخرج صاحبه عن مقام المقربين في حرم درجاتهم وذلك مما يسوء من يريد ان يكون من المقربين فكل من احب شيئا وطلبه اذا فاته محبوبه ومطلوبه ساءه ذلك. فسمي سيء لا انها ذنب ومعصية. قال فالمقربون المقربون الاعلى درجة. يتوبون من الاقتصار على الواجب لا يتوبون من نفس الحسنات التي يعمل مثلها الابرار بل يتوبون من الاقتصار عليها لان مقامهم ارفع فاذا رأوا انفسهم قد اقتصروا فقط على فعل الواجبات عدوا ذلك تقصيرا وغيرهم يرى انه في غاية الكمال طالما صلى خمس الصلوات وادى الواجبات يرون ذلك انه في غاية ما يكون. والاعلى درجة يرى هذا تقصيرا ان اداء الواجبات والاقتصار عليه غير كاف. قال رحمه الله فالمقربون يتوبون من الاقتصار على الواجبات لا يتوبون من نفس الحسنات التي يعمل مثلها الابرار بل يتوبون من الاقتصار عليها. قال وفرق بين التوبة من فعل الحسن وبين التوبة من ترك الاحسن والاقتصار على الحسن ثم قال الوجه الثاني في المعنى ان العبد قد يؤمر بفعل يكون حسنا منه اما واجبا واما مستحبا لان ذلك مبلغ علمه وقدرته ومن يكون اعلم منه واقدر لا يؤمر بذلك بل يؤمر بما هو اعلى منه. فلو فعل هذا ما فعله الاول كان ذلك سيئا. مثال ذلك ان العامي يؤمر بمسألة العلماء المأمونين على الاسلام. والرجوع اليهم بحسب قوة ادراكه. وان كان في ذلك تقليد لهم اذ لا يؤمر العبد الا بما يقدر عليه. واما العلماء القادرون على معرفة الكتاب والسنة والاستدلال بهما. فلو تركوا ذلك واتوا بما يؤمر به العامي لكانوا مسيئين في ذلك والعلم والجهاد كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يدخل في ذلك هو واجب على الكفاية من المؤمنين. فمن قام به كان افضل ممن لم يقم به. فاذا ترك ذلك من تعين عليه كان مذنبا مسيئا فيكون ذلك سيئة له اذا تركه. وحسنة مفضلة له على غيره اذا فعله. فان كان القيام بالواجبات بدون ذلك من حسنات من لم يكن قادرا على ذلك فحسنات هؤلاء الابرار وهي الاقتصار على ذلك سيئات اولئك المقربين. قال كذلك السابقون الاولون من هذه الامة. فيما فعلوه من الجهاد والهجرة. يقصد الصحابة والسلف والاوائل لو تركوا ذلك واقتصروا على ما دونه كان ذلك من اعظم سيئاتهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا. فكان الاقتصار على مجرد ذلك من حسنات الابرار الذين ليسوا من اولئك السابقين. قال وكذلك المرسلون الانبياء لهم مأمورات لو تركوها كان ذلك سيئات. وان كان فعل ما دونها حسنات لغيرهم ممن لم يؤمر بذلك الى نظائر ذلك مما يؤمر فيه العبد بفعل لم يؤمر به من هو دونه. فيكون ترك ذلك سيئة في حقه وهو ومن المقربين اذا فعله ويكون فعل ما دون ذلك حسنات لمن دونه اما المعنى الفاسد للعبارة لما تقول حسنات الابرار سيئات المقربين. المعنى الفاسد قال ان يظن الظان ان الحسنات التي امر الله بها امرا عاما يدخل فيه الابرار فتكون سيئات للمقربين. مثل من يظن ان الصلوات الخمس ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والتوكل على الله واخلاص الدين لله ونحو ذلك انها سيئات في حق المقربين. هذا قول فاسد غلا فيه قوم من الزنادقة المنافقين المنتسبين الى العلماء والعباد فزعموا انهم يصلون الى مقام المقربين الذي لا يؤمرون فيه بما يؤمر به عموم المسلمين من الواجبات. ولا يحرم عليهم ما يحرم على عموم المسلمين من محرمات كالزنا والخمر والميسر فترى بعضهم يقول انه قد سقطت عنه الصلاة. ليش قال الصلاة هذه انتم تتقربون بها الى الله وانا قد وصلت الى الله ما احتاج اتقرب هذا الظن الفاسد لما تقول حسنات الابرار سيئات المقربين. هذا التفسير الباطل الذي ربما اتكأ عليه الدجاج الى ليشوشوا به على العامة فيستعملون تلك العبارات التي تحمل وجوها متعددة. قال رحمه الله وكذلك زعم قوم في وللقلوب التي يؤمر بها جميع المؤمنين ان المقربين لا تكون هذه حسنات في حقهم. قال وكلا هذين من ففي الاقوال وافسدها. انتهى كلامه رحمه الله. فالمقصود يا كرام في الاسلام الحسنة حسنة والسيئة سيئة لا تتفاوت ولكن قد يقع من بعض الكبار ما يعد سيئة باعتبار مقامه ولو وقع من غيره من الصغار لعد حسنة فيكون هذا الفعل حسنة باعتبار وسيئا باعتبار. ابراهيم خليل عليه السلام وقد قال تلك المقولات التي نصر بها دين الله وادى بها ما افترض الله سماها كذبات سماها كذبات التي من النوم كانت في سبيل الخير والصلاح قالوا من فعل هذا بالهتنا يا ابراهيم؟ قالوا اانت فعلت هذا؟ قال بل فعله كبيرهم هذا سماها كذبة عليه السلام وما كانت الا نصرة للدين ومع ذلك يوم القيامة يعتذر بسببها عن ان يكون اهلا لان اشفع في الناس هذا ليس ذنبا بمعنى الذنب الذي يتبرأ منه صاحبه يوم القيامة لكنها تعود الى الاصل الذي صدرنا به المجلس وهو علو اقدارهم عليهم السلام فيستقبحون الشيء الصغير اليسير الذي قد يكون عند غيرهم امرا معتادا للغاية. بل ربما عده غيرهم انه غاية ما يؤمر به ولا حرج عليه فيما فوق ذلك. قال اهل العلم سميت كذبات كلمات ابراهيم عليه السلام لما سأله الرجل الذي اراد ان يأخذ زوجه قال من هذه؟ قال اختي. يقصد اخته في الله لان لا يعتدي عليها. قال سميت تلك الكذبات كذبات ان كان الخليل عليه السلام اتى بها في صورة تعريض ليس كذبا صريحا. لكونها في صورة الكذب. قال والكامل يؤاخذ بما هو في حق غيره وهذا معنى قولهم حسنات الابرار سيئات المقربين والعلم عند الله. نعم الله اليكم وكذلك العصيان الترك والمخالفة. فعلى مقتضى اللفظة كيفما كانت من سهو او تأويل فهي وترك وقوله تعالى غوى اي جهل ان تلك الشجرة هي التي نهي عنها والغي الجهل وقيل اخطأ ما طلب من الخلود اذ اكلها وخابت امنيته الان نعود الى الاية وعصى ادم ربه فغوى. قال لعصيان الترك والمخالفة لانه ما الذي صدر من ابينا ادم عليه السلام صدر منه مخالفة امر الله قال ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين وقد عزم ابونا ادم عليه السلام على ذلك وامتثل امر الله لكن جاءه الشيطان فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما. وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكون ملكين او تكونا من الخالدين. وقاسمهما اني لك ما لمن الناصحين. فما زال يغويه قال فدلاهما بغرور فلما ذاق الشجرة بدت لهما سوءاتهما الاية وقع ما وقع هذا هو العصيان انه خالف امر الله وترك ما امره به ربه واتى ما نهي عنه ان يفعله هذا العصيان قال فعلى مقتضى اللفظة كيفما كانت من سهو او تأويل فهي مخالفة وترك يقصد اننا لا نقول عصا بمعنى اذنب وتعدى على حدود الله قال بمعنى ترك وخالف. فالترك والمخالفة سميت عصيان طيب ومعنى غوى قال اي جهل ان تلك الشجرة هي التي نهي عنها وانه اكلها يظن انها كسائر اشجار الجنة التي ابيح له الاكل منها فان الغي بمعنى الجهل وقيل غوى بمعنى اخطأ ما طلب من الخلود. لان الشيطان قال لهم ترى هذه الشجرة اذا اكلتم منها ستكونون من الخالدين يعني لا موت تكونا ملكين او تكونا من الخالدين فاكل يظن ان اكله من تلك الشجرة سيجعله من الخالدين. فمعنى غوى اخطأ ما طلب من قصده من الخلود باكل تلك الشجرة وخابت امنيته لانه اطاع الشيطان وقد كذب عليه في تلك الوسوسة. الى هذا ذهب جل اهل العلم المفسرين في تفسير الاية الكريمة. وعصى ادم ربه فغوى المقصود هنا نقل بعض ما ذكره اهل التفسير في الاية قال ان معنى وعصى ادم ربه فغوى قال عصى وغوى لانه اتى الفعل ووقع منه وفعل الشيء مرة لا يجعل صاحبه عاصيا ولا غاويا يقولون ان من خاط ثوبا مرة لا يقال له خياط ما لم تتكرر منه ذلك فمن فعل الشيء مرة لا ينسب اليه الوصف فمن وقعت منه المعصية مرة بزلل لا يقال هو عاص ولا يقال عن ابينا ادم عليه السلام انه كان غاويا ولا تقل لي بلى لان الله قال وعصى ادم ربه فغوى نسبة الفعل مرة لا توصف صاحبها بذلك وصفا دائما. ولهذا قالوا ان ما اضيف الى الانبياء عليهم السلام هو من هذا الباب ادم وحواء عليهم السلام اكلوا من تلك الشجرة قال فغوى يعني فعل ما لم يكن له فعله. كما يقول البغوي رحمه الله. وقيل اخطأ طريق الجنة وظل حيث طلب الخلد باكل ما نهي عن اكله فخاب ولم ينل مراده. قال ابن الاعرابي فغوى اي فسد عليه عيشه. وصار من العز الى الذل ومن الراحة الى التعب. ولهذا قال ابن قتيبة يجوز ان يقال عصا ادم ولا يجوز ان يقال كان ادم عاصيا لانه انما يقال عاص لمن اعتاد فعل المعصية كالرجل يخيط ثوبه يقال خاط ثوبه ولا يقاله خياط حتى يعاود ذلك ويعتاده ويسوق المفسرون في سياق معنى الاية الكريمة الحديث الذي اخرجه الشيخان البخاري ومسلم في محاجة ادم عليه السلام لموسى عليه السلام. والحديث الذي اخرجه الشيخان وله الفاظ عدة فيه ان حوارا كان بين ابينا ادم وموسى عليه السلام بشأن ما صدر من ابينا ادم عليه السلام. الحديث قال موسى عليه السلام لادم وهو آآ قال فحج ادم موسى قالها النبي صلى الله عليه وسلم لما دار بينهما الحوار الاتي وهما يتناقشان في قال موسى عليه السلام يا ادم انت ابونا اخرجتنا من الجنة خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته فاكلت من تلك الشجرة في معنى الحديث فقال ادم عليه السلام يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده افتلومني على امر قدره الله علي قبل ان يخلقني باربعين سنة قال النبي صلى الله عليه وسلم فحج ادم موسى يعني اقام عليه الحجة والمقصود هنا في الحديث ان ادم عليه السلام لم يجعل من حجة موسى عليه السلام ان يعاتبه في امر قد سبق به القدر وقد مضى وانقضى ولهذا قال اهل العلم الاحتجاج بالقدر ليس فسحة للعاصي بمعصيته والمذنب بذنبه فاذا مررت بعاص فنصح وذكر بالله لا يجوز له ان يقول هذا امر قدره الله علي هذا لا يسوء وليس من الادب مع الله اذا نصح العاصي والمذنب لا حق له في ان يقول يا اخي هذا امر قدره الله علي صحيح هو من قدر الله لكن الاقدار يتسلى بها في المصائب ولا يحتج بها في المعائب ما يحتج على عيبه ونقصه وذنبه بان الله قدره لكن القدر يتسلى به في المصيبة. فاذا ما حلت يقال اصبر هذا امر قدره الله قبل ان يخلقك ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها من هنا قال فحج ادم موسى يعني كيف تلومني؟ الامر قد وقع وهنا لا وجه ايضا لمعاتبة من وقع منهن الزلل او الخطأ او المعصية ثم تاب واقلع. الله قال ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فما وجه المعاتبة بعد توبة الله كشأن اي شخص يقع منه التقصير والذنب ثم يقلع ويحسن ويبدل من حاله لا يسوغ لك ان تأتي فتذكره بالماضي تقول لماذا فعلت كذا ولماذا صدر منك كذا وقبل كذا حصل منك كذا وكذا لا وجه لمعاتبة من تبدل حاله وصلح شأنه قال من اجل هذا قال فحج ادم موسى. اذا فغوى ضد الرشد هي العمل الفاسد. الذي يأتي به من ينسب الى التقصير او الخطأ قال ابن قتيبة اكل ادم من الشجرة التي نهي عنها باستذلال ابليس وخدائعه اياه والقسم له بانه من الناصحين حتى دلاه بغرور ولم يكن ذنبه عن اعتقاد متقدم ونية صحيحة. يقول ابن قتيبة نقول عصى ادم ربه فغوى يعني كما قال الله ولا نتجاوز ذلك. يقول ابن العربي اه والشوكاني يعلق على هذا الكلام. يقول ابن العربي لا يجوز لاحد ان يخبر اليوم بذلك عن ادم قال الشوكاني لا مانع من هذا بعد ان اخبرنا الله في كتابه فقال وعصى ادم ربه فغوى. لكن المقصود يا كرام ان الايات التي جاءت في القرآن عن شأن ادم وموسى وداوود وسليمان وسائر الانبياء عليهم السلام بالله عليكم هل حكاها القرآن من اجل ان يزرع في قلوب المسلمين انتقاصا لانبياء الامم؟ حاشا هل حكاها القرآن من اجل ان نقدح في مقامهم وان تكون النظرة اليهم ازدراء وانتقاصا؟ حاشا انما حكاها القرآن في سياق تعداد مناقبهم ومنزلتهم الرفيعة عند الله عز وجل. ولذلك فما من مسلم لا مسلم يقرأ الاية او يسمعها فيقع في قلبه حط من اقداره عليهم السلام انما هو الشأن الذي مضى وتقدم. بل هو كما يقول اهل العلم. عندما تمر بك تلك الايات فانها والله تسلية للمقصرين كمثلي ومثل كثير في الامة لانه يشعر انه ليس باوحد في هذا السبيل وان تقصيره وذنوبه ومعاصيه هي من سمات البشر فيتأسى بهم في علو الهمة العزيمة وتحسين المسير الى الله وصدق التوبة والاوبة والرجوع الى الله فهذا الذي يستفاد وهو الذي يكون ملهما للبشرية التي تقف على مواقف الانبياء والرسل عليهم السلام. نعم وهذا يوسف عليه السلام قد اخذ بقوله لاحد صاحبي السجن اذكرني عند ربك فانساه الشيطان ذكر ربه في السجن بضع سنين. يوسف عليه السلام لما اول الرؤيا لصاحبيه في السجن وعبرها لهم. قال اما احدكما فيسقي ربه خمرا واما الاخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه عبر الرؤيا واحد منهم سيخرج بل سيكون ساقي الملك في قصره فيسقي ربه خمرا يعني عزيز مصر واما الاخر فيصدم. يعني واحد نهايته خروج وافراج والثاني نهايته اعدام فسر لهما الرؤيا ثم قال يوسف عليه السلام وقال للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك اختلف المفسرون في الاية قالوا اذكرني عند ربك يعني اذكر شأني عند الملك لانك ستخرج وستكون احد العمال في قصره وفي مجلسه قال فانساه الشيطان ذكر ربه الشيطان انسى من يوسف عليه السلام او صاحبه قولان في الاية قيل ان الشيطان انسى يوسف عليه السلام ان يذكر الله وان يجعل اعتماده وتفويضه في امره في هذا الموقف والكربة في السجن ان يجعلها الى ربه وحده. وقيل بل الشيطان انسى صاحبه وقد وصاه يوسف عليه السلام اذكرني فنسي قال فلبث في السجن بضع سنين لما لبث يوسف عليه السلام بضع سنين يا قوم هذا ليس يوما ولا يومين ولا شهرا ولا شهرين. بضع سنين والبضع من ثلاث الى تسع هذا امر عظيم وقد وقع ليوسف عليه السلام وهو النبي الكريم هذا موقفنا الان هذا الان ماب الذنب العظيم الذي وقع من يوسف عليه السلام حتى عوقب بان يمكث في السجن سنين ما هو؟ سترى انه قضية بالنسبة الى غيره لا شيء. لا شيء ابدا قال اذكرني عند ربك تقول يا اخي هذا من الاخذ بالاسباب واي باب ستطرقه وطريق ستسلكه فانك تأخذ بالاسباب فتوصي صديقا لك وتطلب شفاعة من احد يقبل يقبل كلامه هذا كله شرعا لا حرج فيه لكنها ترجع الى الاصل الذي سبق مقامهم العظيم عليهم السلام يجعل لهم وعليهم ما ليس لغيرهم ولا على غيرهم فمن ثم كان هذا الموقف الذي قد يكون من غيرهم معتادا او مقبولا او طبيعيا بالنسبة اليهم يكون شيئا اعظم اترى هو مثل هذا الموقف شيء يسير لكنه في مقامهم يعد عظيما. نعم قيل انسي يوسف ذكر الله وقيل انسي صاحبه ان يذكره لسيده الملك قال النبي صلى الله عليه وسلم لولا كلمة يوسف ما لبث في السجن ما لبث والحديث الذي اخرجه المصنف هنا مروي عند الطبراني وفي رواته كما يقول الهيثمي ابراهيم ابن يزيد القرشي متروك ويروى ايضا بسند اخر من حديث ابي هريرة رضي الله عنه لكنه مرسل لا يصح. نعم قال ابن دينار لما قال ذلك يوسف قيل له اتخذت من دوني وكيلا لاطيلن حبسك. فقال يا ربي انسى انسى قلبي كثرة البلوى. هذه روايات من الاسرائيلية التي لا يعول عليها تصديقا او تكذيبا. قال عوتب اتخذت من دوني وكيلا لاطيلن حبسك فقال يا ربي انسى قلبي كثرة والبلوى يعني انساه الهم الذي هو فيه في السجن ان يذكر ربه وان يطلبه الفرج لما طلب من صاحبه ان يذكره عند عزيز مصر نعم قال ابن دينار وقال بعضهم يؤاخذ الانبياء بمثاقيل الذر لمكانتهم عنده. عند الله يعني عز وجل ويجاوز عن سائر الخلق لقلة مبالاته بهم في اضعاف ما اتوا به من سوء الادب وقد قال المحتج للفرقة الاولى على سياق ما قلناه اذا كان الانبياء يؤاخذون بهذا مما لا يؤاخذ به غيرهم من السهو والنسيان وما ذكرته وحالهم ارفع فحالهم اذا فحالهم فحالهم اذا في هذا اسوأ حالا من غيرهم. هذا السؤال يحتاج الى جواب. اذا قلنا ان مقام الانبياء عليهم السلام في الرفعة وعلو القدر وسمو المنصب مقام رفيع حساس وان ما يصدر عن غيرهم الذي قد يكون معتادا لا يقبل من مقامهم. سؤال هل معنى هذا ان رصيد اه سجل حسناتهم وسيئاتهم سيكون ايضا اسوأ من غيرهم يوم القيامة وانهم سيلقون الله بسيئات هي لغيرهم حسنات وانهم سيحصى عليهم يوم القيامة تلك المواقف والاعمال كما عوتبوا عليها في الدنيا سيكون عليهم حسابا عسيرا في الاخرة الجواب لا لسببين الاول انه تقرر في كل تلك الايات ان الله عز وجل تاب عليهم وان الله رفع قدرهم بعد تلك القضايا والمواقف مما دل على انها ليست سيئة محصية يحاسبون عليها. والثانية وهي الاهم التي تقررت منذ صدر هذا المجلس انها ليست سيئة بمعنى الذنب والخطيئة وتعمد معصية الله جل جلاله بل الامر ارفع من ذلك. فلهذا اورد السؤال اذا كان الانبياء يؤاخذون بهذا مما لا يؤاخذ به غيرهم من السهو والنسيان وحالهم ارفع اذا هم اسوأ حالا من غيرك نعم قال فاعلم فاعلم اكرمك الله ان لا نثبت لك المؤاخذة في هذا على حد مؤاخذة غيرهم. بل نقول ان يؤاخذون بذلك في الدنيا ليكون ذلك زيادة في درجاتهم. ويبتلون بذلك. ويبتلون ويبتلون بذلك ليكون استشعارهم لها ليكون استشعارهم له سببا لمنات رتبهم سببا لمن مات يعني وزيادة رتبهم سببا لمن مات رتبهم كما قال تعالى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. وقال لداوود فغفرنا له وذلك وان له عندنا لزلفى وحسن مآب وقال بعد قول موسى تبت اليك اني اصطفيتك على الناس. وقال بعد ذكر فتنة سليمان وانابته فسخرنا له الريح تجري بامره رخاء حيث اصاب والشياطين كل بناء وغواص واخرين مقرنين في الاصفاد ذا عطاؤنا فامن او امسك بغير حساب. وان له عندنا لزلفى وحسن مآب. يعني نبي يقول الله له بعد موقف العتب ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. واخر يقول الله له فغفرنا له ذلك. وان له عندنا لزلفى وحسن مآب يقول يا ربي تبت اليك فيقول اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي. ورابع يقول هذا عطاؤنا فامن او امسك بغير بحساب وان له عندنا لزلفى وحسن مئاب هذا الوعد الكريم من الله كيف يمكن ان يفهم معه احد ان حسابا ينتظرهم في الاخرة هذه توبة صريحة ليست توبة فقط بل عطاء واصطفاء اني اصطفيتك وان له عندنا لزلفى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. هذه بالعكس هذه دلالات على مزيد دفعة في اقدارهم عليهم السلام عما كانوا عليه قبل تلك المواقف فلا تفهم الا انها مواقف اراد الله لهم ان تكون سببا لرفعة قدرهم عما هم عليه. فازدادوا ذلك عند الله وعند خلقه علوا فوق علو واصطفاء وقال بعض المتكلمين زلات الانبياء زلات الانبياء في الظاهر زلات. وفي الحقيقة كرامات وزلف جار الى نحو مما قدمناه وايضا فلينبه غيرهم من البشر منهم وايضا فلينبه يعني اللام للتعليل وايضا فلينبه غيرهم من البشر منهم. او ممن ليس في درجتهم بمؤاخذتهم بذلك. فيستشعر حذر ويعتقد المحاسبة ليلتزموا الشكر على النعم. يعني هذه واحدة من اعظم الدروس والعبر من تلك المواقف التي حكاها القرآن الكريم عن الانبياء والمرسلين عليهم السلام وسألت سؤالا قبل قليل لماذا يحكي القرآن لامة الاسلام هذه المواقف عن انبياء مضوا ومرسلين كانوا في اممهم عليهم السلام فيما قد خلا من الازمان لماذا يحكي القرآن مواقف موسى وداوود وسليمان وايوب عليهم السلام؟ لماذا يحكيها القرآن؟ ما العبرة من ذلك؟ قال لينبه غيرهم من البشر ممن ليس في درجتهم بالمؤاخذة فيستشعر الحذر ويعتقد المحاسبة والله انه لدرس عظيم ما هو ان يكون الاعلى درجة مني ومنك عند الله لا صلة بينه وبين الله الا ميزان الحساب والمؤاخذة وطاعة الله جل جلاله تماما كما تقرأ في سير في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام يخرجون مضحين في سبيل الله يبذلون الغار والنفيس لدين الله ثم يأتون في غزوة احد وقد خرجوا نصرة لدين الله وفداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حصل ما حصل منهم من مخالفة واحدة جيش الرماة الذي نزل عن الجبل وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لا تبرحوا اماكنكم ولو رأيتم الطير تخطفونا اجتهدوا رضي الله عنهم ورأوا ان المعركة قد انتهت واصحابهم في ميدان المعركة قد بدأوا بتجميع الغنائم فهموا بالنزول ناداهم اميرهم وذكرهم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلوا ما فعلوا لم يتعمدوا مخالفة ومعصية ان اجتهدوا فظنوا ان المعركة انتهت. فنزلوا وحصل الذي حصل والتف خالد بن الوليد وكان انذاك مشركا رضي الله عنه بكتيبة معه فعلوا جبل الرماة فاصابوا جيشا المسلمين في ظهورهم وانقلب ميزان المعركة وقع القتل والظرب والاذى والهزيمة في ميدان المعركة نزلت الاية اولا ما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها قلتم ان هذا قل هو من عند انفسكم والله درس عظيم جيل كريم يصطفيه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم يحاسبهم ربهم جل جلاله وفيهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ويقع في الحفرة عليه الصلاة والسلام وتنكسر ثنيتاه وتدخل حلقتان من المغفر في وجنته ويسيل الدم على وجهه الشريف كل ذلك حصل اليس لنا فيه درس؟ بلى اعظم الدروس اننا ان اردنا ان ينزل علينا نصر الله فلنتمسك بدين الله وشريعته نصر الله ما يأتي بالمجان وليس بين احد وبين الله علاقة ولا نسب. والتمسك بدين الله الذي به يتنزل نصر الله. ارأيت هذه المواقف التي تحصل لمن هو اعلى قدرا وارفع منزلة واقرب الى الله فيها دروس لمن هو دونهم. وعبرة فكذلك الانبياء عليهم السلام حصل منهم الذي حصل لكنها عبرة لغيرهم ولهذا حكيت لنا في القرآن الكريم ان نعرف من اخبارهم وان نقف على سيرهم ونستلهم منها ما يزداد به المؤمن ايمانا ويتعرف العبد في طريقه الى ربه على صفات خالقه ومولاه جل في علاه. قال لينبه غيرهم من البشر او من من ليس في درجتهم بمؤاخذتهم بذلك فيستشعر الحذر ويعتقد المحاسبة ليلتزموا الشكر على النعم قال عدوا الصبر على المحن. نعم ويعد الصبر على المحن بملاحظة ما وقع باهل هذا النصاب الرفيع المعصوم. فكيف بمن سواهم؟ ولهذا قال صالح ذكر داود بسطة للتوابين. هذه هذه عبارة تعد في حكم اهل العلم. قال ذكر داوود بسطة للتواب ذكر داود عليه السلام يعني ان تتذكر قصة داوود لما حكم بين الخصمين قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه قال في حينها ظن داوود ان ما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب. جاء العتب يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فلا احكم بين الناس يعني امرها الله عز وجل بالا يحكم الا بالحق. وان يجتنب الهوى هل كان الذي صدر من داوود فعلا هو اتباع للهوى لا هو تشريع لسنة من سنن الله. فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب. هذا الكلام يقال لمن لداوود عليه السلام قال ذكر داود بسطة للتوابين يعني فيها راحة وانس واستشعار بان هذه سنة الله التي لم يحابا فيها نبي كريم مرسل مصطفى عند الله فما انا وانت لا شيء بازاء هؤلاء ثم يأتي الموقف ذلك وتعرف عظيم فضل الله فاستغفر ربه وخر راكعا واناب فغفرنا له ذلك. لا هذا وان له عندنا لزلفى وحسنى مآى فلما تتذكر هذه المواقف يكون عندك سعة في عظيم رحمة الله يكون عندك اتساع في تعويل وتفويض امرك الى الله اعلم عبد الله مهما كان ذنبك ومعصيتك وزللك وخطيئتك اعلم ان عفو الله اعظم من كل ذنوب البشر وان رحمته تسع الجميع وانه جل جلاله لعظيم مغفرته ورحمته وسعته التي سبقت غضبه يغفر ما كان من ذنوب العباد ولا يبالي قل يا ابن ادم انك لو اتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لاتيتك بقرابها مغفرة. هذا معنى قولهم ذكر داوود عليه السلام بسطة للتوابين قال ابن عطاء لم يكن ما نص الله تعالى عليه من قضية صاحب الحوت نقصا له. ولكن استزادة من نبينا صلى الله الله عليه وسلم قصة يونس عليه السلام الكلام ذاته يتكرر قوى عظة وعبرة استزادة لمقام نبينا صلى الله عليه وسلم وايضا فيقال لهم فانكم ومن وافقكم تقولون بغفران الصغائر باجتناب الكبائر. ولا خلاف في عصمة الانبياء من الكبائر فما جوزتم من وقوع الصغائر عليهم هي مغفورة على هذا. فما معنى المؤاخذة بها اذا عندكم وخوف الانبياء منها وهي مغفورة لو كانت فما اجابوا به فهو جوابنا عن المؤاخذة بافعال السهو والتأويل يعني ان قانون المغفرة للامة ما هو اجتنب الكبائر تغفر لك الصغائر الصلوات الخمس ورمضان الى رمضان والعمرة الى العمرة مكفرات ما بينهن اذا اجتنبت الكبائر. اقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات والذي وقع من الانبياء عليهم السلام ليس فيه كبيرة وهذا باتفاق الامة فالذي حصل هو سهو وصغائر. اذا هي مغفورة لهم بموجب عفو الله عز وجل ورحمته وقد قيل ان كثرة استغفار النبي صلى الله عليه وسلم وتوبته وغيره من الانبياء ان كثرة استغفار النبي صلى الله عليه وسلم وتوبته وقد قيل ان كثرة استغفار النبي صلى الله عليه وسلم وتوبته وغيره من الانبياء على وجه على وجه على وجه ملازمة في الخضوع الخضوع والعبودية والاعتراف بالتقصير. شكرا لله على نعمه. كما قال صلى الله عليه وسلم وقد امن من واخذت مما تقدم وتأخر. افلا اكون عبدا شكورا؟ وقال اني اخشاكم لله واعلمكم بما اتقي. هذا كما قدم في صدر المجلس كثرة استغفاره عليه الصلاة والسلام الله اكبر اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة لا حول ولا حي على الفلاح حي على الفلاح فان كثرة استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم انما كانت عن مقام عظيم لمعرفة حق ربه عز وجل عليه كما ما قال المصنف انما هي على وجه ملازمة الخضوع والعبودية والاعتراف بالتقصير. شكرا لله على النعم. ولهذا اجاب ام المؤمنين لما سألته عن قيام الليل افلا اكون عبدا شكورا؟ وقد صرح عليه الصلاة والسلام بقوله اني اخشاكم لله واعلمكم بما اتقي فكان ذلك منه في مقام الكمالات التي كان عليها الانبياء والرسل عليهم السلام وقال الحارث بن اسد خوف الملائكة والانبياء خوف اعظام وتعبد لله لانهم امنون وقيل فعلوا ذلك ليقتدى بهم وتستن بهم تستنى وتستن بهم اممهم خوف الملائكة والانبياء ليس خوف عقاب الامن الملائكة معصومون. فمما الخوف؟ قال خوف تعظيم واجلال لكن خوف البشر خوف وقوع المؤاخذة بالذنب والمعصية التي وقعت. نعم وقيل فعلوا ذلك ليقتدى بهم وتستن بهم اممهم كما قال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا كثيرا وايضا فان في التوبة والاستغفار معنى اخر لطيفا اشار اليه بعض العلماء وهو استدعاء محبة وهو استدعاء محبة الله قال الله تعالى ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين انهم بكثرة الاستغفار ليسوا يقصدون محو الذنوب بل يستجلبون محبة الله لان الله يحب التوابين فيجعلون من كثرة استغفارهم استجلابا لنيل تلك المرتبة الرفيعة ان يحبهم ربهم جل وعلا احداث الرسل احداث الرسل والانبياء الاستغفار والتوبة والانابة والاوبة في كل حين. استدعاء لمحبة الله الاستغفار في معنى التوبة وقد قال الله لنبيه بعد ان غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لقد تاب الله على والمهاجرين والانصار. وقال تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا. تم هذا الفصل من كلام المصنف رحمه الله وفيه فصول اخر تأتي تباعا استكمالا لما قرره رحمه الله في هذا الكتاب وقد تم المجلس وبقي في ليلتنا بقية لمن يستكثر فيها من صلاته وسلامه على نبيه صلى الله عليه وسلم مع ربه جل جلاله يا رب صل على الحبيب محمد ما هاج شوق في فؤاد محبه يا ربي هذا شوق بحنا به يا رب فابعثنا غدا في ركبه. صلى الله عليه واله وسلم. ونسألك يا رب علما نافعا ورزقا واسعا وعملا صالحا وشفاء من كل داء يا ذا الجلال والاكرام اللهم اغفر لنا وارحمنا. والمسلم دائما يعتز باسلامه وايمانك واتباعه للقرآن والسنة واعتزازه بسنة رسول الله صلى الله عليه قال مجاهد لا علموا العلم مستحيل ولا مستكبر. ان طلب العلم عمل صالح عظيم الاجر. كثير الثواب قال صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة