بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. له الحمد في الاخرة والاولى واشهد ان سيدنا ونبينا وامامنا وقدوتنا محمدا عبد الله ورسوله امام الهدى وسيد الورى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. وبعد ايها الاخوة الكرام فمن رحاب بيت الله الحرام ينعقد هذا المجلس المتتابع بفضل الله تعالى ومنته وتوفيقه من مجالس شرح كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه واله وسلم للامام القاضي عياض ابن موسى الي رحمة الله تعالى عليه بهذه الليلة الشريفة المباركة ليلة الجمعة مستكثرين فيها من صلاتنا وسلامنا على امامنا وقدوتنا ونبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه واله وسلم فاستكثروا من خيرات هذه البركة واجرها وفضلها ورحمة ربنا عز وجل فيها بكثرة صلاتنا وسلام نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم ونحن نتصفح صفحات من سيرته العطرة وحقوقه الكريمة عليه الصلاة والسلام صلوا على خير مبعوث الى الامم وسيد الناس من عرب ومن عجمي صلوا عليه صلاة تبلغون بها جنات عدن وما فيها من النعم وقد وقف بنا الحديث ليلة الجمعة الماضية الباب الثاني من القسم الثالث من الكتاب وهو الحديث عن العصمة. عصمة نبينا صلى الله عليه وسلم واذا كان الباب الاول قد انقضى فيه الكلام في عصمته في الامور الدينية فهذا الباب الثاني فيما يخص العصمة في امور الدنيوية وما يطرأ من العوارض البشرية. وتقدم في صدر هذا الباب ليلة الجمعة الماضية. ما يتعلق لان الامراض والاسقام والادواء هي من عوارض الدنيا التي لا تقتضي العصمة من عصابة الانبياء الكرام عليهم والسلام بذلك ومنه السحر فانه داء من الادواء. ومرض من الامراض. وساق فيه الحديث الذي او الاحاديث التي تتعلق بسحر المصطفى صلى الله عليه وسلم وما اصابه واجاب عن ذلك بمقتضى الروايات انه لم يبلغ اثر السحر به صلى الله عليه وسلم ان يغفل عن امر الوحي او يخلط في تبليغ رسالة ربه عز وجل. فهذا المجلس اتمام لما سبق من الحديث عن عصمته عليه الصلاة والسلام في احواله في امور دنياه ويأتي الحديث تباعا عن القضايا المتصلة بهذا الباب وهو العصمة في الامور الدنيوية عموما. نعم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الامين وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه وللسامعين قال المصنف رحمه الله فصل في احواله صلى الله عليه وسلم في امور الدنيا هذه حاله في جسمه فاما احواله في امور الدنيا فنحن نصبرها على اسلوبها المتقدم ان شاء الله بالعقد والقول والفعل يعني فيما يتعلق بامور دنياه فنحن نصبرها يعني نوردها واحدة واحدة على اتباع واثبات ما يتعلق بها على التحقيق. سواء ما تعلق في امور اعتقاده عليه الصلاة والسلام. او قوله او فعله وهذا ما قصده بقوله نصبرها على اسلوبها المتقدم ان شاء الله بالعقد والقول والفعل. يعني فيما يتعلق قاده وقوله وفعله صلى الله عليه وسلم في الامور الدينية. فكيف كانت العصمة الالهية له لا مع ما قد يقع في ذلك من الامور الدنيوية من نقص او خطأ او سهو اما العقد منها فقد يعتقد في امور الدنيا الشيء على وجه ويظهر خلافه. هل يجوز ان يعتقد نبينا صلى الله عليه وسلم في شيء من امور الدنيا وليست من الدين. ان يعتقد شيئا ثم يظهر الامر في حقيقته بخلافه. يعني ان يعتقد افما هو الواقع في الامور الدينية في الامور الدنيوية؟ الجواب نعم والعصمة الالهية لا علاقة لها بذلك عصم الله الانبياء عليهم السلام من الذنوب الكبائر ومن الفواحش ومن الخطأ في تبليغ الوحي ومن الخلط في تبليغ الدين والحلال والحرام لكن الامور الدنيوية ان يعتقد شيئا يظنه على امر ما في ظهر بها حقيقته بخلاف ذلك فهذا لا اشكال فيه سيرد لك الامثلة او يكون منه على شك او ظن بخلاف امور الشرع. كما حدثنا ابو بكر كما حدثنا ابو بحر. قال كما حدثنا ابو بحر سفيان بن العاصي وغير واحد سماعا وقراءة قالوا حدثنا ابو العباس احمد بن عمر قال حدثنا ابو العباس الرازي قال حدثنا ابو احمد ابن عمرويه قال حدثنا ابن سفيان قال حدثنا مسلم مسلم هذا هو الامام صاحب الصحيح والحديث في صحيح مسلم والمصنف يروي الحديث بسنده اليه رحم الله الجميع قال حدثنا مسلم قال حدثنا عبد الله بن النظر بن محمد قال حدثنا حدثنا عبد الله بن الرومي وعباس بالعنبري قال حدثنا عبد الله بن الرومي وعباس العنبري واحمد المعقري قالوا حدثنا النظر قال قالوا حدثنا النظر ابن محمد قال حدثنا عكرمة قال حدثنا ابو النجاشي قال حدثنا رافع بن خديج قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل فقال ما تصنعون؟ قالوا كنا نصنعه. قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا. فتركوه فنقصت فذكروا ذلك له فقال انما انا بشر اذا امرتكم بشيء من دينكم فخذوا به واذا امرتكم بشيء من رأي فانما انا بشر وفي رواية انس انتم اعلم بامر دنياكم وفي حديث اخر انما ظننت ظنا فلا تؤاخذونني فلا تؤاخذوني بالظن. هذا اول الشواهد على انه يجوز ان يقع من النبي صلى الله عليه وسلم في امور الدنيا اعتقاد يظهر والواقع بخلافه يعني ان يعتقد امرا خطأ في امر من امور الدنيا وهذا المثال فيما يتعلق بتأبير النخل اي تلقيحه واهل الزرع يفعلون هذا دعاية لزرعهم وحرصا على مصالحهم وحصدا لخمارهم. فلا بد من تلقيح الزروع حتى تنتج الثمار. قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأمرون النخل. يعني اهل المدينة من صار وهم اهل زرع يقومون بذلك بشأنهم المعتاد فقال لهم ما تصنعون؟ قالوا كنا نصنعه. يعني نحن نفعل ذلك دوما. قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا لم يكن هذا وحي كان هذا اجتهادا منه صلى الله عليه وسلم ثم لاحظ كيف قال لعلكم ولم يلزمه قال لعلكم تفعلون كان خيرا فتركوه يعني التأبين فنقصت يعني لم تنتج الثمار او نقصت ذلك العام بعدم التأبير والتلقيح. فذكروا ذلك لهم. فقال ان انما انا بشر اذا امرتكم بشيء من دينكم فخذوا به. واذا امرتكم بشيء من رأي فانما انا بشر دل الحديث وهو في صحيح مسلم على ان اجتهاد النبي عليه الصلاة والسلام في امر من الامور الدنيوية ليس وحيا من الله بل هو اجتهاده وقد يصيبه قد يخطئ. فصوابه توفيق من الله. وخطؤه صلى الله عليه وسلم اجتهاد البشرية يقول محفوظ بحفظ الله. لا من قصة فيه ولا حط من قدره ولا اساءة لمقام النبوة ولا شيء يضر بذلك مما يعارض العصمة فهذا حديث صحيح. ولم يستشكل الصحابة ولم يقل احد منهم كيف تخطئ يا رسول الله؟ وما قال احد فكيف امرتنا بشيء فعاد علينا بالنقص في دنيانا؟ الحديث الذي رواه رافع ابن خديج جاء من حديث انس رضي الله عن الجميع قال انتم اعلم بامر دنياكم. والحديث من رواية طلحة قال انما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن دل على مقصود ما اراد المصنف رحمه الله ان ظن او اعتقاد النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من امور الدنيا قد يقع فيه الخطأ ولا غضابة ويقع فيه الاجتهاد فلا يجيب فلا يصيب الصواب ولا من قصة لذلك في حقه صلى الله الله عليه وسلم وفي حديث ابن عباس في قصة الخرس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما انا بشر مثلكم. فما حدثتكم به عن الله فهو حق. وما قلت فيه من قبل نفسي فانما انا بشر اخطئ واصيب. وهذا ايضا شبيه بالذي سبق في قصة الخرص خرص النخل اي تقدير ما فوقه من التمر على وجه التقدير والتقريب لا على التعيين. تقديم المقدار الذي يكون على رؤوس النخل من التمر. فقال العبارة ذاتها صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم به عن الله فهو حق وما قلت فيه من قبل نفسي فانما انا بشر اخطئ واصيب. نعم وهذا على ما قررناه فيما قاله من قبل نفسه في امور الدنيا وظنه وظنه من احوالها. لا ما قاله من من قبل نفسه واجتهاده في شرع شرعه او سنة سنها. فهذا التفريق بين مقام الامور الدينية والامور الدنيوية وكما حكى ابن اسحاق انه صلى الله عليه وسلم لما نزل بادنى مياه بدر قال له الحباب ابن المنذر اهذا منزل سلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ام هو الرأي والحرب والمكيدة؟ والمكيدة. ام هو ام هو الرأي والحرب والمكيدة قال لا بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال فانه ليس بمنزل انهض حتى نأتي انهض انهض حتى نأتي ادنى ماء من القوم فننزله ثم نعور ما وراءه من القلب فنشرب ولا يشربون فقال اشرت بالرأي وفعل ما قاله. وقد قال له الله تعالى وشاورهم في الامر هذا مثال اخر يرويه اصحاب السير كما حكاه ابن اسحاق ان النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وقع له مشاورة الصحابة في المنزل الذي نزل فيه بالجيش فانه صلى الله عليه وسلم قد سبق قريشا الى موضع بدر. فنزل بمكان في ارض بدر. فلما نزل قال له ابن المنذر رضي الله عنه ابن المنذر رضي الله عنه اهذا منزل انزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ام هو الرأي الحرب والمكيدة يعني باختصار هذا وحي يا رسول الله فنسلم ونقول سمعنا واطعنا ام هو اجتهاد بشري يخضع للرأي والمشاورة والخبرة في امور الحرب والكيد الذي يحتاجه المقاتل في حربه مع عدوه انظر كيف كان الصحابة رضي الله عنهم ايضا يفرقون بينما كان وحيا ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس لهم الا ان يقولوا سمعنا واطعنا. وبينما يكون قابلا للاجتهاد والمشاورة فهم على استعداد. هذه واحدة. والثانية ادب الصحابة رضي الله عنهم فان الحبابة ابن المنذر بدا له رأي بشأن الموضع الذي يعسكر فيه الجيش لكنه ما بادر ولا تكلم ولا تجرأ بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام ان يظهر رأيه لكنه تلطف وقدم بين يدي ابداء رأيه هذا السؤال المؤدب في غاية التعظيم لرسول الله عليه الصلاة والسلام. وتوقير الوحي الذي اتاه من الله وعملا بقول الله يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله فقدم بهذا السؤال يا رسول اهذا منزل انزلكه الله؟ ليس لنا ان نتقدمه ام هو الوجه الاخر؟ الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل هو الرأي والحرب والمكيدة. معنى هذا انه ليس وحيا يلزمنا التسليم به فلا نتقدم. وكأنه قال له هات ما عندك من الرأي. فقال له رضي الله عنه فانه ليس بمنزل يا رسول الله. انهض يعني تأمر جيشك ان نتحرك حتى نتقدم فنأتي ادنى ماء من من القوم فننزله ثم نعور ما وراءه من القلوب. كانت ارض بدر عبارة عن مجموعة ابار وقلوب والقلم جمع وقليل وهي البئر التي لم يطوى حافتها بل تركت حفرة. قال بل نتقدم فنحوس الماء دون قريش قبل ان الى الارض او تتقدم الى الميدان. فاذا حزن الماء كان عندنا وما كان من الابار غير المطوية حوافها القلوب فيمكن لنا ان نردمها فنعورها. نعور ما وراءه من القلوب فنصيب رماه. واما القلوب الاخرى فندفنها ونردمها فنشرب ولا يشربون. هذا حرب وهذه مكيدة وهذا رأي يحتاجه المقاتل في ارض المعركة. قال النبي صلى الله الله عليه وسلم اشرت بالرأي. الحديث اخرجه بعض اصحاب السير كابن اسحاق واخرجه البيهقي كذلك. فقال اشرت بالرأي نزل النبي صلى الله عليه وسلم على رأي الحبام ابن المنذر رضي الله عنه. فكان عملا بالرأي. وبعض اهل السير ايضا يروي موقفا للحباب بن المنذر في غزوة خيبر شبيهة بما حصل في بدر انه اشار على النبي صلى الله عليه في حصاره لليهود في غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة. والله عز وجل قد قال في سورة ال عمران بشأن غزوة احد قال للنبي صلى الله عليه وسلم وشاورهم في الامر. فاذا عزمت فتوكل على الله. فاذا كان رأيه كله وحيا من الله فلما المشاورة لكن لما امر بالمشاورة دل على ان شيئا ما يحتاجه في امر دنياه صلى الله عليه وسلم يشرع لنا فيه ابتداء به عليه الصلاة والسلام النبض من رأي من ذويه وان نستشير اهل الخبرة والحزق فالرجل بعقله ليس كمثل عقول تجتمع معه في الرأي والمشورة واراد مصالحة بعض عدوه على ثلث على ثلث ثمر المدينة. فاستشار الانصار فلما اخبروه برأيهم رجع عنه هذا ايضا يذكر في شأن قصته عليه الصلاة والسلام مع يهودي غطفان قبيل غزوة الخندق فان الاحزاب تحزبت واجتمعت واقبلت وكان عليه الصلاة والسلام يخشى على الناس من اشتداد البلاء. يعني تحزب الاحزان واعداء من خارج المدينة واعداء من داخله فاراد عليه الصلاة والسلام ان يكسب صف اليهود داخل المدينة. وان يكونوا معه والا يتمالؤوا مع احزاب خارج المدينة فبدله عليه الصلاة والسلام ان يعقد معهم صلحا يضمن به موقفه معه وكان هذا بادئ الامر فارسل الى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر والى الحارث بن عوف بن ابي حارثة وهما قائدا غطفان فاعطاهما ثلث ثمار المدينة على ان يرجع بمن معهما عنه وعن اصحابه. ولا يلحقوا باهل الخندق في الاحزاب. فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب لم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح الا المراوضة في ذلك. فلما اراد صلى الله عليه وسلم ان يفعل يعني ان يوقع الصلح ويعتمد هذا الاتفاق بعث الى سعد ابن معاذ وسعد ابن عبادة. السعدان سيد الاوس والخزرج رضي الله عنهما. واستشار السعدين خاصة لانهم اهل الاوس والخزرج وهم جيران اليهود بالمدينة. ولان الزرع والثمر والنخيل بالمدينة تزرعهم فاراد ان يستشيرهم فاستشار السعدين فذكر ذلك لهما واستشارهما فيه فقالا له يا رسول الله امر تحبه فنصنعه ام شيء امرك الله به؟ لابد لنا من العمل به. ام شيء تصنعه لنا؟ يعني هو رغبة لك يا رسول الله؟ ام وحي من الله او مصلحة تريدها لنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل شيء اصنعه لكم والله ما اصنع ذلك الا لانني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فاردت ان اكسر عنكم من شوكتهم الى امر ما. فقال سعد بن معاذ يا رسول الله ان كنا نحن وهؤلاء على الشرك بالله عز وجل وعبادة الاوثان. لا نعبد الله ولا نعرفه. وهم لا يطمعون ان يأكلوا منها التمر الا قرن او بيعا. قال لما كنا في الجاهلية ونحن واياهم على الشرك سواء. ما يحلم احدهم ولا يطمع بتمرة من ثمار من تمرنا الا اذا كان قرا او بيعة ضيافة نطعمه او بيعا يشتريه بتمر منا. افرحين اكرمنا الله بالاسلام وهدانا له واعزنا بك وبه نعطيهم اموالنا. والله ما لهم بهذا من حاجة. والله لا نعطيهم الا السيف حتى الله بيننا وبينهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فانت وذاك يعني اراد ان ينزل عند رأيه فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحى ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهد علينا ليتقوى على قتالنا فنحن واياهم على حد الحرب والسيف وسينصر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ومن معه. اذا هذا موقف مصالحة غطفان في غزوة الخندق. وموقف خرس التمر وموقف غزوة بدر وموقف تأبيد النخل. كلها كما ترون اما حرب او زرع او آآ يتعلق بشيء من امور الدنيا في كل المواقف الثلاثة والاربعة. والنبي عليه الصلاة سلام كان يبدي فيه الرأي او يعتقد الاعتقاد ثم يعدل عنه ويتراجع ويشاور اصحابه فينزل على رأيهم ويترك ما كان قد اعتقده او رآه. لان ذلك كله من باب الامور الدنيوية. ويجوز عليه فيها الخطأ والنقص والاجتهاد الذي لا يصيب الصواب احيانا وليس في هذا قدح ولا منقصة لمقام النبوة صلى الله عليه وسلم فمثل هذا واشباهه من امور الدنيا التي لا مدخل فيها لعلم ديانة ولا اعتقادها. ولا تعليمها. يجوز عليه فيه ما ذكرناه اذ ليس في هذا كله نقيصة ولا محطة. وانما هي امور اعتيادية يعرفها من جربها وجعل همه وشغل نفسه بها. والنبي صلى الله عليه وسلم مشحون القلب بمعرفة الربوبية. ملآن بالعلوم الشرعية مقيد البال بمصالح الامة الدينية والدنيوية. ولكن هذا انما يكون في بعض امور ويجوز في النادر فيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها. لا في الكثير المؤذن بالبله والغفلة وقد تواتر بالنقل عنه صلى الله عليه وسلم من المعرفة بامور الدنيا ودقائق مصالحها وسياسة فرق اهلها ما هو معجز في البشر مما قد نبهنا عليه في باب معجزاته من هذا الكتاب. ختم نصنف هذا الفصل بكلام ان مهم. قال لما دلت تلك الادلة وتلك الوقائع على جواز وقوع الخطأ والسهو والغرق في الامور الدنيوية فانتبه الى امور الثلاثة. اولها ان هذه الامور الدنيوية مبنية على ماذا على التجربة والخبرة والمعرفة وكثرة الممارسة. والنبي صلى الله عليه وسلم ليس له في ذلك اشتغال به لم؟ قال لانه قد شغل بما هو اعظم بتبليغ الرسالة وقلبه مشحون بمعرفة الربوبية ملئان جوانح بالعلوم الشرعية مقيد البال بمصالح الامة الدينية والدنيوية. هذه واحدة والثانية التي نبه عليها ان هذا لا يستدعي من قسى وليس فيه شيء يستلزم الحط من قدر النبوة منه صلى الله عليه وسلم والثالثة في كلام المصنف ان هذا حيث جوزناه في الامور الدنيوية فاعلم انه ليس باستمرار وليس في كل امور الدنيا كان نبينا غافلا صلى الله عليه وسلم عنها لا قال يقع في النادر وفيما سبيله التدقيق في حراسة الدنيا واستثمارها لا في الكثير المؤذن بالبله والغفلة. يعني لا يبلغ الامر ان يكون الموصوف بذلك مغفلا او ابله لا يدري عن امور دنياه وكأنه لا يعيش في العالم مع الناس ليس كذلك. هذا موقف واثنان وثلاثة. طيب حصل هذا الرأي في غزوة بدر ورجع عن رأيه الى رأي الحباب ابن المنذر وحصل هذا في قصة غطفان يهودي غطفان مع سعد ابن عبادة وسعد ابن معاذ. طيب المريض فيدله على العلاج صلى الله عليه وسلم ويأتي المهموم فيدله على طريقة ازالة همه ويدل البائع في سوقه كيف يربح في تجارته. والخامس والسادس والعاشر كل ذلك مما هي من المعرفة بامور الدنيا ودقائق مصالحها فصلى الله عليه واله وسلم. فصل فيما يعتقد في امور احكام البشر الجارية على يديه صلى الله عليه وسلم وقضاياهم. انتقل الى موقف القضاء والحكم بين بشر اكان النبي صلى الله عليه وسلم يجوز عليه ان يخطئ في القضاء والحكم بين الصحابة اذا اختلفوا بين يديه اي يجوز ان يخفى عليه حقيقة الامر بين المتخاصمين. فيأتي هذا فيقول كلاما ويأتي الثاني فيخفي او يدس شيء من الحقيقة فيقضي صلى الله عليه وسلم على خلاف الصواب بناء على ما ظهر له اكان يقع مثل ذلك؟ هذا فصل يسوقه المصنف رحمه الله تتمة لكلامه في الباب نفسه نعم واما ما يعتقد في امور احكام البشر الجارية على يديه وقضاياهم ومعرفة المحق من المبطل وعلم من المفسد فبهذه السبيل يعني هو ايضا على هذا النمط بهذه السبيل. ايش معناه يعني الذي يجوز فيه عليه الخطأ والسهو. نعم لقوله صلى الله عليه وسلم انما انا بشر وانكم تختصمون الي ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو مما اسمع. فمن قضيت له من حق اخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئا. فانما اقطع له قطعة من النار هذا صريح يقول عليه الصلاة والسلام انما انا بشر وانكم تختصمون الي ولعل بعظكم ان يكون الحن بحجته من بعض. الحن يعني اشد فصاحة واظهارا لحقه وموقفه في القظية وانتم تعرفون ان الدعاوى في القظاء بين طرفين متخاصمين يغلب فيها غالبا في مجالس القضاء الفصيح المتكلم العارف كيف يدلي بحجته وكيف يفحم قصمه وكيف يقنع حاكم الجلسة وقاضيها بما يريده من حق او يريد الوصول اليه في قضيته. قال ولعل ان يكون الحن بحجته. يعني اشد فطنة ودهاء ومعرفة بمداخل القضايا ومخارجها قال فلعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو مما اسمع. اذا كان يبني حكمه على الظاهر عليه الصلاة والسلام واما الباطن فعلمه الى الله. قال فمن قضيت له من حق اخيه بشيء. فلا يأخذ منه شيئا. لا يفرح انه ادلى بحجة وانه استطاع التمويه في كلامه حتى قضى له النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجعلن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم متكئا له يقول هذا حكم لي به رسول الله عليه الصلاة والسلام. يقول لا تفرح فمن قضيت له من حق اخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئا. لم؟ لانه ما اخذه بوجه حق. ما اخذه بوجه حق طيب وقضاء النبي عليه الصلاة والسلام اليس حقا؟ بلى هو حق بناء على الظاهر. لكنه في الباطن قد يكون بخلاف ذلك فرد الامر صلى الله عليه وسلم الى كل انسان وديانته بينه وبين ربه هذا قضائي انا في الظاهر يقول له لكن الحق انتم ادرى به. فمن قضيت له من حق اخيه ويعرف ان الحق ليس له فلا يأخذ منه شيئا فانما اقطع له قطعة من النار. فحذرهم صلى الله عليه وسلم ودل الحديث على ما اراد المصلى رحمه الله اثباته ان قضاء النبي صلى الله عليه وسلم وحكمه بين المتخاصمين قد يقع على خلاف الصواب اجتهادا لم يتعمد الخطأ بدل ما بوسعه عليه الصلاة والسلام. وادى الذي عليه وحكم بين الناس بمقتضى ما قام عنده من والادلة والحقائق. وهكذا قضاة المسلمين الى يوم القيامة. فانهم ليسوا يعلمون الغيب ولا يطلعون عليه انما يقضي القاضي على حسب ما يظهر له بين الخصمين من الاثباتات والشواهد والادلة الحقائق التي يبنى عليها الحكم فقد يكون صوابا توفيقا من الله. وقد يكون خطأ اجتهادا منه بعد ان بذل ما بوسعه. هذا اذا تحرى القاضي الحق واراد اصابة الصواب فقد يصيب وقد يخطئ. واما من تعمد الحيف والجور والظلم عياذا بالله في حكمه وقضائه فهذا امر اخر يتبع فيه الحاكم هواه. والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك كتاب ربنا الكريم ايضا حذر من ذلك في قصة داوود عليه السلام احسن الله اليكم. قال حدثنا الفقيه ابو الوليد رحمه الله قال حدثنا الحسين ابن محمد الحافظ قال حدثنا ابو عمر قال حدثنا ابو محمد قال حدثنا ابو بكر قال حدثنا ابو داوود قال حدثنا محمد ابن كثير قال حدثنا سفيان عن هشام ابن عروة عن ابيه عن زينب بنت ام سلمة. قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت ام سلمة عن ام سلمة عن زينب بنت ام سلمة عن ام سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث هذا الحديث الذي ساقه المصنف هو من طريق الامام ابي داود في سننه وقد جرى ذكره في السند. قال حدثنا ابو بكر قال حدثنا ابو داوود هو سليمان ابن الاشعث السجستاني صاحب السنن رحمه الله وفي رواية الزهري عن عروة فلعل بعظكم ان يكون ابلغ من بعظ. فاحسب فاحسبوا انه صادق فاقظي له هذا لفظ البخاري ومسلم من رواية الزهري عن عروة قال فلعل بعظكم ان يكون ابلغ من بعظ يعني من البلاغة ومن القوة على اظهار الحجة فاحسبوا انه صادق. اذا دل على ان قضاؤه عليه الصلاة والسلام لم يكن عدولا عن الحق ولا حيفا ولا وحاشاه صلى الله عليه وسلم انما هو على حسب ما ظهر له وظن به صدق صاحبه في دعواه. نعم وتجري احكامه صلى الله عليه وسلم على الظاهر وموجب غلبات الظن شهادة شهادة وشهادة الشاهد بشهادة الشاهد ويمين الحالف ومراعاة الاشبه ومعرفة العفاص يعني ان قضاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن وحيا من الله. وانما هو قضاء القضاة المبني على الا على ادوات الاثبات. والبينات التي يقوم عليها القضاء. شهادة الشاهد. فان لم يوجد شاهد فيمين الحالف فهي ايضا من البينات. ومراعاة الاشبه يعني ان يرعى الحاكم او القاضي ان ينظر في الاشبال ما الذي يشبه الصدق في قول احدهما عند التخاصم؟ قال ومعرفة العفاص والوكاء وهذا مأخوذ من قوله صلى الله الله عليه وسلم في اللقطة فليعرف عفاصها ووكاءها. العفاص الوعاء او القماش من الجلد الذي توضع فيه النقود من جلد او خرقة ونحوها. والوكاء الخيط والحبل الذي يشد به الكيس او الصرة التي يربط فيها ما بداخلها ان يعرف القرائن التي تدل على موضع الاصابة في الحكم. اذا هي ادوات في الحكم والقضاء يعتمد عليها قضاء القضاة في الاسلام فهكذا كان قضاء النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت احكامه مبنية على غلبات بالشهادة واليمين ومعرفة القرائن والادلة وتجري احكامه عليه الصلاة والسلام على الظاهر وموجب غلبات الظن بشهادة الشاهد ويمين الحالف. ومراعاة الاشبه ومعرفة العفاص والوكاء مع لو قال قائل الوحي ينزل عليه من الله فما حاجته صلى الله عليه وسلم في القضاء والحكم بين المتخاصمين ما حاجته الى ان يستنطق هذا ويسأل هذا ويطلب الشهادة ويطلب اليمين ما حاجته ليس ياتيه جبريل عليه السلام بالوحي فيخبره ان هذا صادق وهذا كاذب. وان الحق لهذا وليس لذاك ويحكم ونضمن ان قضاءه صلى الله عليه وسلم كله سيكون صوابا اليس كذلك؟ فلما لا يأتيه الوحي في تلك المواضع؟ وترك اجتهاده الذي قد يكون على الصواب وقد يكون الحق على خلاف ما قضى به ليس عمدا ولكن بحسب ما ظهر له. فلماذا اغلق باب الوحي في ذلك هذا الجواب الذي سيذكره المصنف فانه تعالى فانه تعالى لو شاء لاطلعه على سرائر عباده ومخبئات ضمائره امته. فتولى الحكم بينهم بمجرد يقينه وعلمه دون حاجة الى اعتراف او بينة او يمين او شبهة ولكن لما امر الله امته باتباعه والاقتداء به في احواله وافعاله واقواله وقضاياه وسيره وكان هذا لو كان مما يختص به بعلمه ويؤثره الله به لم يكن للامة سبيل الى الاقتداء به في شيء من ذلك وكان هذا وحيا لما استطاعت الامة الاقتداء به في باب القضاء والحكم بين المتخاصمين يعني تخيل معي لو ان قضاءه صلى الله عليه وسلم طيلة حياته كان وحيا من الله. السؤال ماذا ستصنع الامة بعد مماته عليه الصلاة والسلام لا لن ينزل وحي وليس فينا نبي اذن سيقع في الامة فوضى عارمة في القضاء والاحكام وخصومات المتخاصمين ولم يستقر حق به فاراد الله عز وجل لحكمة بالغة ان تشرع للامة احكام القضاء على يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام علمهم بفعله كيف يقضي القاضي ودلهم بسيرته كيف يتبع البينات والشهود والدعاوى والاثباتات والقرائن فمن هنا كانت طرائق الحكم مبينة بهديه العملي. وبسيرته صلى الله عليه وسلم. فهذه حكمة من الله لاجلها جعل الله عز وجل قضاء نبيه صلى الله عليه وسلم وحكمه اجتهادا بشريا. ولما نقول اجتهاد بشري يعني هو خاضع للخطأ والصواب لانه اجتهاد. فقد يصيب وقد يخطئ. ولئن لا يكون ذلك ذريعة للامة من بعده ان اننا ما نعرف الحكم او يجتهدون فيتبعون الهوى وصولا الى اغراضهم ومآربهم ومعارفهم ومصالحهم فاغلق هذا الباب بان يتبعوا ما اراد الله عز وجل. نعم وكان هذا لو كان مما يختص بعلمه ويؤثره الله به لم يكن للامة سبيل الى الاقتداء به في شيء من ذلك. ولا قام حجة بقضية من قضاياه لاحد في شريعته. لانا لا نعلم ما اطلع عليه هو في تلك القضية لحكمه هو اذا في ذلك بالمكنون من اعلام الله له بما اطلعه عليه من سرائرهم. وهذا ما لا تعلمه الامة. فاجرى الله على احكامه على ظواهرهم التي يستوي فيها هو وغيره من البشر. ليتم اقتداء ليتم اقتداء امته يتم اقتداء امته به. ليتم اقتداء امته به في تعيين قضاياه وتنزيل احكامه ويأتون ما اتى ويأتون ما ما اتوا من ذلك على علم ويقين من سنته. اذ البيان بالفعل او وقت اذ اذ البيان بالفعل اوقع منه بالقول وارفع لاحتمال اللفظ وتأويل المتأول. اذا كان بيانه صلى الله عليه وسلم لصفة القضاء والحكم بين المتخاصمين بيانا بالفعل ولم يحتج ان يقول للامة تعليما عند القضاء افعلوا كذا وكذا. واطلبوا الشاهد فان لم يكن من عروة من عصمته. اذا هذا فصل ثان فيما لا يتعلق بالعصمة ولا يدخل فيها هو القضاء والفصل بين المتخاصمين وهو جواز الخطأ والسهو منه صلى الله عليه وسلم في القضاء والحكم بين من يتحاكمون اليه ذلك مما لا يقدح في العصمة لانها من الامور الدينية وليست الدنيوية. فاذا هذا الباب من القضاء والحكم في احكام البشر الجارية على يديه صلى الله عليه وسلم هي ايضا من باب ما كان يقع في امور دنياهم مثل تأبير النخل وامور الحرب والمكيدة والرأي التي كان يقوم فيها رأي النبي صلى الله عليه وسلم على اجتهاده البشري لا على الوحيد الهي. فاذا كان اجتهادا بشريا جاز فيه الخطأ دون منقصة في حقه صلى الله عليه وسلم. وليكون ذلك ايضا من الله جل جلاله تعليما للامة من بعده. وتشريعا لاحكام القضاء وما الذي يلزمهم في الفصل بين الخصومات الى يوم القيامة نعم فصل في اقواله صلى الله عليه وسلم الدنيوية من اخباره عن احواله واحوال غيره وما فعله او يفعله واما اقواله الدنيوية من اخباره عن احواله واحوال غيره وما يفعله او فعله فقد قدمنا ان الخلفة فيها ممتنع عليه في كل حال. وعلى اي وجه كان من عمد او سهو او صحة او مرض او رضا او غضب وانه معصوم منه صلى الله عليه وسلم. طيب هو في بداية هذا القسم ماذا قال؟ قال نحن سنبين لك في الامور جوية ما موقفنا من اعتقاده صلى الله عليه وسلم وافعاله واقواله. اما اعتقاده فهو ما ظنه صوابا ويكون الصواب بخلافه كمثل مسألة ما تقدم الرأي والحرب والمكيدة وخرص الثمر وتقدير الصلح مع يهود غطفان وامثال هذا. وتقرر انه قد يقع منه الاعتقاد على خلاف الصواب. في الامور الدنيوية واما الافعال فتقدم ايضا في فصل القضاء والحكم وهو فعل من افعاله عليه الصلاة والسلام في الامور الدنيوية انه يجوز ايضا على فيه السهو والخطأ ولا من قصد في حقه بل هو تشريع للامة في سبيل القضاء وكيفية الفصل بين المتخاصمين في مجال رئيس الحكم بقي ماذا؟ بقيت الاقوال. طيب هل يجوز ان تقول في الامور الدنيوية ايضا يجوز ان يخطئ في قوله عليه الصلاة والسلام يعني يخبر عن نفسه بشيء خلاف ما عليه الحقيقة او يخبر عن غيره بامر فيتضح خلافه او يخبر عن شيء وقع او سيقع في الامور الدنيوية. يقول لي الصحابة مثلا فلان تزوج البارحة فيصبحون الصباح ويرون الخبر غير الصحيح لا اما القول قال فلا يجوز الخلف فيه. ولو كان في الامور الدنيوية. ايش يعني لا يجوز الخلف فيه؟ يعني لا يجوز ان يقع قوله مخالفا للواقع في الحقيقة قال واما اقواله الدنيوية وان كانت دنيوية لكن القول من شفتيه صلى الله عليه وسلم حق كل كله جدا ومزاحا حربا وسلما. نائما ويقظان هذا لا يختلف فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الصواب والصدق والحق لان الله قال وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. قال واما اقواله الدنيوية مثل ماذا؟ قال من اخباره عن احواله واحوال غيره وما يفعله او فعله فقد قدمنا ان الخلف فيها ممتنع عليه في كل حال. الخلف ان يكون كلامه وقوله مخالفا للحقيقة. وعلى اي وجه كان من عمد او سهو او صحة او مرض او رضا او غضب وانه معصوم منه صلى الله عليه وسلم. نعم هذا فيما طريقه الخبر المحض مما يدخله الصدق والكذب. فاما المعاريظ الموهم ظاهرها خلاف باطنها فجائز ورودها منه في الامور الدنيوية لا سيما لقصد المصلحة. المعاريظ جمع معراظ وهو التعريض. وهو الاخبار بالعبارة ظاهرها يوهم معنى غير المقصود لكن المعنى مطابق لللفظ. فيقول كلاما بخاري يعني يفهم السامع منه غير مقصود المتكلم. فاذا هو ليس كذبا. بل هو اخبار بعبارة يراد ايهام السامع بخلاف المعنى المقصود للمتكلم. وفي المعاريض مندوحة عن الكذب. يتكلم الرجل بصدق ولا يكون في كلامه الا صدق فيفهم سامع خلاف ذلك واغراضه شتى. قد يقصد المتكلم عمدا الابهام على السامع الا يفهم وقد يريد به الغازا وقد يريد به تورية عن امر لا يريد التصريح به لموقف او لظرف لاي سبب كان ويأتيك المثال هذا فيما طريقه الخبر المحظوظ يعني لا يجوز فيه الا الصدق ولا يقع فيه الخلف. فاما المعاريظ الموهبة مظاهرها خلاف باطنها فجائز ورودها منه في الامور الدنيوية لا سيما لقصد المصلحة. اذا التعريض ليس كذبا هو صدق لكن يفهم السامع منه خلاف قصد المتكلم. نعم. كتوريته عن وجه مغازيه لئلا يأخذ العدو حذره ان يوري بالحقيقة يعني في ظهر خلافها ولا يصرح بالحقيقة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قل ما يريد غزوة الا وراء بغيرها. فاذا اراد التحرك من المدينة لا يخبر اصحابه بالوجهة ولا يخبرهم الى اين هو سائر ولم يحصل هذا منه صلى الله عليه وسلم الا في غزوة تبوك لشدة الامر وبعد المسير وصعوبة الظروف انذاك. فاخبرهم بالحقيقة وما عدا ذلك فكلما خرج غزوة في غزوة والرى بغيرها اظهر لاصحابه كلاما عاما لا يفهمون منه حقيقة الوجهة التي يريد. هذه مصلحة الحرب. لانه لو اخبر اصحابه لم يضمن انتشار الخبر فاذا تفشى الخبر بلغ العدو فاذا بلغ العدو الخبر فانهم يحتاطون ويكيدون ويقع الامر على خلاف ما يريد صلى الله عليه وسلم. اذا التورية في وجه المغازي في وجهته في غزواته كانت منهجا نبويا يعمد النبي صلى الله عليه وسلم قال لان لا يأخذ العدو حذره وكما روي من ممازحته ودعابته لبسط امته وتطييب قلوب المؤمنين من صحابته وتأكيدا في تحبيبهم ومسرة نفوسهم كقوله عليه السلام لاحملنك على ابن الناقة. لما جاء الرجل يطلب منه ان ان يحمله النبي صلى الله عليه وسلم فقال انا حاملوك او قال لاحملنك على ابن الناقة فحزن الرجل لان ابن الناقة صغير لا يحتمل الركوع وظن ان هذا من النبي عليه الصلاة والسلام عدم رغبة في اعانته فلما رأى فيه الحزن قال وهل تجد الابل الا النور؟ يعني انت ماذا تريد؟ تريد ان تركب ناقة وابن الناقة ناقة مثلها. فما اراد عليه الصلاة والسلام صغر السن. لكن اراد ممازحته فهذا مثال للتعريض الذي قد يفهم منه السامع معنى ينصرف اليه ذهنوا ولا يقصده المتكلم الا لغرض مثل التورية في الغزوات ومثل الممازحة والانبساط مع اصحابه عليه الصلاة والسلام تقدم من ذلك طرف واسع ايضا في صدر الكتاب. ولما طلبت منه المرأة العجوز الدعاء لها بان تدخل الجنة. قال لها ان الجنة لا يدخلها عجوز. فولت حزينة. كانها فهمت انها محرومة من دخول الجنة. واراد صلى الله عليه وسلم معنى اخر انها وان دخلت الجنة لن تكون على هذا الوجه من تقدم السن والكبر والشيخوخة فهمت شيئا اخر فكان ذلك ملاطفة لاصحابه عليه الصلاة والسلام وتوسعة على امته وتطييبا لقلوبهم وتأكيدا في تحببهم صحبتهم فصلوات الله وسلامه عليه وقوله للمرأة التي سألته عن زوجها اهو الذي بعينه بياض وهذا كله صدق. ايضا فهمت ان الذي بعينه بياض انه مطموس سواد العين. وهو ما قصد هذا. قصد البياض الذي في عيني كل انسان بجوار لكنها فهمت الذي في عينه بياض يعني مطموس السواد في بؤبؤ العين هذا الظاهر من اللفظ وهو نوع من التعريض الذي قلنا انه يفهم من ظاهره خلاف مقصد متكلمه. وهذا كله صدق. لان كل جمل ابن ناقة وكل انسان بعينه بياض. وقد قال عليه السلام اني لامزح ولا اقول الا حقا. صلى الله عليه وسلم. فتعلمنا بهذا الحديث النبوي الذي اخرجه الترمذي واحمد وغيرهم تعلمنا اشياء اهمها امران الاول ان النبي عليه الصلاة والسلام على عظمة مقداره وجلالة مكانته ورفعة منزلته عند ربه وعند الخلق. فانه كان فانه كان الين العريكة عليه الصلاة والسلام حبيب القلب محببا الى اصحابه يمزح معه يمزح انا لو قلت لك ان عظيما من العظماء ووجيها من وجهاء البلد والمقدمين فيهم مكانة ومنزلة ورتبة وجاه اذا جالسهم مازحه وتلطف معهم رأيت ذلك شيئا عجيبا. لان مقام العظمة ومناصب العظماء عادة ما تفرض عليهم هيبة تحول بينهم وبين الناس في تبسط في التعامل والمزاح والاخذ والعطاء. فكيف برسول الله عليه الصلاة والسلام الذي يأتيه الوحي وصعد به الى السماء وعرج به الى سماء سابعة وتلقى الوحي ويجالس الملائكة ويقابل جبريل عليه السلام وهو المفضل عند ربه اي وتنزل الايات ببيان مكانته وقدره. فكان عليه الصلاة والسلام لطيفا محببا الى اصحابه وكان يمازحهم. هذه واحدة واحدة والثانية ان مزاحه عليه الصلاة والسلام قل او كثر كان على جادة الصواب فلا يقول الا حقا بحيث جعل هذا ضابطا لامته ان يكون مزاحها وجدها كله على الصدق. فنحن امة لا تعرف الكذب لا في جد ولا في نجح ولا في آآ كلام ولا فعل ولا قول ولا امتراء. امة لا تستسيغ الكذب في شأنها كله. رأى النبي عليه الصلاة والسلام امرأة من اصحابه تقول لصغيره تعال اعطك فقال لها ما كنت لتعطيه؟ قال تعطيه تمرة. قال اما انك لو لم تعطه لكتبت عليك كذبا فاراد ان يلفت نظرها والامة من ورائها انتبهوا نحن امة صدق لا نجوز الكذب ولا نتعامل معه. قال اني لامزح لا اقول الا حقا فاذا كان مزاحه عليه الصلاة والسلام قائما على الحق فكيف تريد ان تتصور او تفترض ان كلامه في الجد يمكن ان يجانب الحق او ان نفترض صورة او اثنتين نقول قال هذا القول ولم يكن على وجه الصواب ومما يجوز عليه في السهو والغلط. ابدا فهذا على ما قرره المصنف ان ما كان من باب الخبر فلا يجوز فيه الخلف بل الصدق في كل احواله صلى الله عليه وسلم هذا كله فيما بابه الخبر فاما ما بابه غير الخبر فيما صورته صورة الامر والنهي في الامور الدنيوية فلا يصح منه ايضا. ولا يجوز عليه ان يأمر احدا بشيء او ينهى عن احدا عن شيء وهو يبطن خلافه وقد قال عليه السلام ما كان لنبي ان تكون له خائنة الاعين. فكيف ان تكون له خيانة قلب؟ وهذا اخرجه اصحاب السنن كابي داوود وصححه الحاكم ما كان لنبي ان تكون له خائنة الاعين. بمعنى ان يضمر في نفسه شيئا ثم يشير بعينه الى احد او يغمز او يلمز بخلاف ما يبطنه. فان يكون احد بحضرته فيعطيه الامان من القتل او الاسر ثم يشير الى احد اصحابه بعينه ان يقتله او يفعل به كذا. قال ما تنبغي لنبي ان تكون له خائنة الاعين وقد قال هذا صلى الله عليه وسلم في موقف حصل يوم فتح مكة قال ما منعكم اذ رأيتموني كففت عن مبايعاته الا يقوم احدكم فيقتله فقال بعض اصحابي الا اشرت الينا يا رسول الله؟ فقال لا ما ينبغي لمبينا ان تكون له خائنة الاعين فكان هديه عليه الصلاة والسلام على الحق الصريح الذي لا يداري فيه ولا يماري عليه الصلاة والسلام فان قلت فما معنى اذا قوله تعالى في قصة زيد؟ واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه امسك عليك زوجك اتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه. هذا السؤال في سياق ما نحن فيه لا يجوز لنبينا ان تكون له خائنة اعين. فاذا كانت خائنة العين وهي اشارة لا تجوز لنبي فكيف بخيانة القلب وهي اشد واعظم واكد؟ خيانة القلب اعظم فهذا من باب اولى الا يكون. فيرد هنا سؤال طيب الله عز وجل قال في سورة الاحزاب وتخفي في نفسك ما الله مبديه. وتخشى الناس والله احق ان تخشاه فمن لم يفهم الاية ولا سبب نزولها ولا سياق ورودها واخذ اللفظ بظاهره عن غير معرفة بمعناه اوقع الشيطان فيه وهما يحمل فيه اساءة ظن برسول الله صلى الله عليه وسلم. وكل ذلك لا يجوز. فما الحل ان تفهم الاية ومعناها وسبب نزولها وقصة ورودها فيستريب في دفع عنك ما يأتيك بالريب ويستزل المؤمن وبذلك ايضا كل داع من دواعي وسوسة الشيطان. الاية في زيد بن حارثة في قصة تبنيه. وقد كان يدعى بمكة زيد ابن محمد حتى نزل قوله تعالى في تفنيد ما تبنته قريش في مكة من تبني الابناء و رعايتهم ونسبتهم الى من يتمناهم. نزلت الاية في تفنيد ذلك العمل الجاهلي ادعوهم لابائهم هو ابسط عند الله فان لم تعلموا اباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم زوج النبي صلى الله عليه وسلم زيد ابن حارثة من زينب. ثم اراد الله عز وجل الا يستديم نكاحها طلقها فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعده الله اكبر الله اكبر اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على حي على الفلاح الله اكبر اكبر لا اله الا الله قد اراد الله سبحانه وتعالى لحكمة ارادها الا يستديم زيد النكاح زينب فطلقها ليتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم من بعده. وتكون تشريعا في عدم تحريم زوجات الابناء بالتبني. على مثل ما جاء في اية النساء في ذكر المحرمات في النكاح قال وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم. وهذا قيد ليخرج الابناء بالتبني. فان زوجة الابن بالتبني ليست حراما على من تبناه وانما تحرم زوجة الابن من صلب الاب خاصة. فهذا نوع من تشريع الاحكام الذي اراده الاسلام. فكل ما في سورة الاحزاب في هذا السياق هو لتقرير هذه المسألة وتفنيد دعوى الجاهلية في مسألة التبني. فاوحى الله عز وجل الى واعلمه ان زينب ستكون زوجه فلما جاء زيد يشتكي امره النبي صلى الله عليه وسلم ان يمسكها. واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه هل كان يضمر شيئا سوى ذلك؟ الوحي الذي اوحى الله به اليه ان زينب ستكون زوجا له لكنه اراد الصلح وان يقضي على ما يقتضيه الحاكم في امره ونهيه واصلاحه بين الزوجين. قال امسك عليك زوجك واتق الله قال وتخفي في نفسك ما الله مبديه ما الله اعلمه انه سيكون زوجا لزينب. وتخشى الناس والله احق ان تخشاه مما يخشى من كلام العرب وقد كانت تستقبح ذلك فهو كمثل ما لو تزوج الاب زوجة ابنه من صلبه. يكون مستقبحا فاراد الله تشريع وليس في معنى الاية ولا في باطنها او ظاهرها ما يدل على شيء مسيء الى مقام النبوة وانه عليه الصلاة والسلام اضمر وفي قلبه رغبته في زواجه من زينب ثم اوعز الى زيد ان يطلقها لتكون زوجا له فلا السياق يدل عليه ولا الرواية تثبته. نعم فاعلم اكرمك الله ولا تستلب في تنزيه النبي عليه السلام عن هذا الظاهر. وان يأمر زيدا بامساكها وهو يحب تطليقها اياها كما كما ذكر عن جماعة من المفسرين واصح ما في هذا القول ما حكاه اهل التفسير عن علي بن الحسين رضي الله عنهما ان الله تعالى كان اعلم نبيه ان ستكون من ازواجه فلما شكاها اليه زيد قال له امسك عليك زوجك واتق الله. الاية واخفى في نفسه ما اعلمه الله به من انه تزوجها مما مما مما الله مبديه ومظهره بتمام التزويج وطلاق زيد لها وروى نحوه عن عمرو بن فائد عن الزهري قال نزل جبريل على نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه ان يزوجه زينب بنت جحش فذلك الذي اخفى في نفسه ويصحح هذا قول ويصحح هذا قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا وكان امر الله مفعولا اي لابد لك ان تتزوجها ويوضح هذا ان الله لم يبد من امره معها غير زواجه اياها. فدل انه الذي اخفاه عليه السلام مما كان اعلمه الله تعالى به ولا يزال في كلام المصنف رحمه الله تتمة في ذكر معنى قصة زيد ابن حارثة مع زينب بنت جحش رضي الله عنهما نأتي عليه تباعا ليلة الجمعة المقبلة ان شاء الله تعالى. وما يزال ايضا في ليلتنا متسع للمزيد من ذكر ربنا سبحانه والاستكثار من بركات ذكره وانارة القلب والحياة بالقرب من ربنا ذكرا وتسبيحا وثناء وتمجيدا. وبالصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم فانه من جنس الذكر الذي احبه الله. وهو القائل سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. فليستزد كل منا من هذه الخيرات والبركات باقباله على هذا الباب العظيم من ذكر رب الارض والسماوات نسألك يا رب علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا واهدي ضالنا وتقبل منا انك انت السميع العليم. وتب علينا انك انت التواب الرحيم. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمنا. من طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة