بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي اكرمنا بالاسلام وعلمنا الحكمة والقرآن. احمد الله تعالى واشكر واستعينه واستغفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلوات صلوات ربي وسلامه عليه وعلى ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. اما بعد ايها الاخوة المباركون امة اسلام هذه الليلة الشريفة المباركة ليلة الجمعة. ليلة خصها ربكم جل وعلا بفضل وخير واجر وبركة ليس كمثلها في سائر الليالي. وبركتها من بركة يومها يوم الجمعة. عيدنا امة الاسلام هو اليوم المبارك الذي جعله الله ذخرا واجرا وبركة لنا ايها المسلمون. فاقبلوا واستقبلوا هذه الليلة بما تزداد به حياتكم بركة ورحمة وفخرا وذخرا واجرا. وانما تستقبلون ذلك كله بالاستكثار من الصلاة والسلام للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو القائل اكثروا من الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة فان صلاتكم معروضة علي حثنا على الاكثار ورغبنا صلى الله عليه وسلم بعرض الصلاة عليه لنكون عند الاستكثار من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم يحدون هذا الشوق الكبير نحو عرض صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم فلا يملك المحب المشتاق الذي امتلأ حبا لنبيه عليه الصلاة والسلام الا ان يستعرض صلاة وافرة وسلاما عظيمين على النبي المصطفى صلى الله عليه عليه وسلم. وما يزال مجلسنا هذا ايها المباركون. في هذا البيت الحرام والبقعة الطاهرة والمسجد الحرام. من اجل ان يكون لنا ايضا عونا ومنطلقا للاستكثار من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم. ونحن نتدارس كتاب الشفا بتعريف حقوق صلى الله عليه واله وسلم للامام القاضي عياض ابن موسى اليحصوبي رحمة الله عليه. ما زال بنا الحديث يا كرام في القسم الثاني من اقسام الكتاب الاربعة. وما زلنا ايضا في بابه الثالث في ذكر حقوقه صلى الله عليه وسلم. وهو حق تعظيم واجلاله وتوقيره صلوات ربي وسلامه عليه. مضت فصول عرض فيها المصنف رحمه الله التعظيم والتوقير والاحترام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان ذلك يأتي على وجوه متعددة. فتعظيم اهل بيته وازواجه وذريته واحترامهم هو جزء من توقيره واجلاله صلى الله عليه وسلم. وكذلك الشأن في توقير صحابته الكرام رضي الله عنهم. وبرهم والاحسان اليهم وبهم وحبهم واجلالهم هو ايضا جزء من توقير العبد المؤمن لنبيه صلى الله عليه وسلم. فمن احب رسول الله صلى الله عليه وسلم احب صحابته واهل بيته وازواجه وذريته. ومن عظم واحترم ووقر رسول الله صلى الله عليه وسلم عظم واحترم ووقر ازواجه واهل بيته وذريته وصحابته رضي الله عنهم اجمعين هذا فصل اخير في هذا الباب جعل فيه المصنف معنى اخر من معاني التعظيم والتوقير والاحترام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرر فيه انه يتقرر بالوجه الاخير في اعظام اسبابه واكرام مشاهده وامكنته من مكة والمدينة وما لمسه صلى الله عليه وسلم وما عرف به. جعل هذا خاتمة للباب ليأتي على وجوه التوقير والاحترام والتعظيم والاجلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم والتسليم اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين قال المصنف رحمه الله تعالى فصل ومن اعظامه واكباره اعظام جميع اسبابه واكرام مشاهده وامكنته من مكة والمدينة ومعاهده وما لمسه عليه السلام او عرف به نعم هذا عنوان الفصل من اعظامه صلى الله عليه وسلم. ومن اكباره صلى الله عليه وسلم يعني من وجوه اجلاله واحترامه وتعظيمه اعظام جميع اسبابه. كل ما كان منه بسبب صلى الله عليه وسلم. واكرام مشاهده وامكنته من مكة والمدينة ومعاهده. يعني كل مكان عهد انه صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيه او له به صلة من مكة والمدينة ثم قال وما لمسه عليه الصلاة والسلام او عرف به الشروع فيما اورد المصنف في هذا الباب او في هذا الفصل من الاثار يحسن بنا يا كرام ان نتبين هذا المعنى ما المقصود بتعظيم واكبار واجلال مشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم. وامكنته ومكة والمدينة وما عهد انه كان من اماكن او يرتاده صلى الله عليه وسلم مما خص به عليه الصلاة والسلام. المقصود بهذا الباب الكبير ان يعلم يا امة الاسلام ان لنا من نبينا صلى الله عليه وسلم حظا عظيما خصه الله جل جلاله بما لم يؤته احدا من البشر قبله. وهذا يؤصل اصلا عظيما انه صلى الله عليه وسلم جعل الله فيه من البركة بما ثبتت به الادلة الصحيحة الصريحة. البركة في ذاته عليه الصلاة والسلام. والبركة في قوله وفعله صلى الله عليه وسلم. والبركة في امره ونهيه صلى الله عليه وسلم. والبركة في كل ما جاءنا به. واتصل بنا اليه الله عليه وسلم ووجوه البركة في هذه المعاني عظيمة وافرة. اما بركة ذاته عليه الصلاة والسلام فالمقصود به جسده الشريف صلى الله عليه وسلم وما اتصل به وما انفصل عنه فشعره وعرقه وريقه صلى الله عليه وسلم كل ذلك مبارك وقد ثبتت الادلة فيما مر بنا من فصول عدة كيف تحصل البركة وكيف اقر صلى الله عليه وسلم من الصحابة من تبرك كبشيء من شعره او ريقه او عرقه عليه الصلاة والسلام. وكذلك البركة التي تحل بما اذا وضع يده صلى الله الله عليه وسلم او ريقه او دعا او برك او نفث او تفل صلى الله عليه وسلم في شيء من انسان او مكانة او حيوان او طعام او شراب. وكل ذلك فيه فصول عديدة مرت. بما تقرر فيها من الادلة والاثار وما اجتمع مع فيها من النصوص هذا القدر ليس فيه خلاف في بركته عليه الصلاة والسلام وان التبرك به صلى الله عليه وسلم ثابت صحيح مشروع وهو من الوجوه التي خصه الله عز وجل بها صلى الله عليه وسلم. والصحيح ان هذا لا يتعدى الى غيره من الصالحين في الامة والعلماء والاولياء والفضلاء لان احدهم لا يبلغ مبلغه عليه الصلاة والسلام وليست البركة فيه صلى الله عليه وسلم خصه الله تعالى به وما خصه ربنا به لا يشركه فيه احد من الامة قط ولا يبلغ مبلغه احد عليه الصلاة والسلام فهذا من شأنه الذي جعله الله خصوصا به صلوات ربي وسلامه عليه. واما المعنى الذي يريده المصنف ها هنا. وفيه بعض الاثار التي تشارك في النوع الاول فهي قسم اخر هي البركة التي تحل في المكان الذي جلس فيه والمنبر الذي صعد عليه. والمكان الذي صلى فيه صلى الله عليه وسلم. فلا شك ان البركة التي كانت به عليه الصلاة والسلام تنال كل مكان تطأه قدماه. او يجلس فيه او يرتقي عليه او يأتي اليه صلى الله عليه وسلم لكن السؤال هل تشرع البركة والتبرك بالمكان الذي حل به والجلوس الذي جلس فيه والمكان او الموضع الذي مسه صلى الله عليه وسلم هذا ما سيعرض فيه المصنف رحمه الله مع بيان المراد من هذا الاعظام الإكبار ثم اعلموا رعاكم الله ان الائمة ما زالوا رحمة الله عليهم يقررون هذا الاصل العظيم فقد بوب الامام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب الصلاة في ابواب استقبال الصلاة بوب بابا فقال باب المساجد التي على طرق المدينة والمواظع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم. واورد فيه رحمه الله عن موسى ابن عقبة قال رأيت سالم بن عبدالله بن عمر يتحرى الاماكن او يتحرى اماكن من الطريق فيصلي فيها ويحدث ان اباه يعني عبد الله ابن عمر ويحدث ان اباه كان يصلي فيها. وانه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الامكنة قال وحدثني نافع عن ابن عمر انه كان يصلي في تلك الامكنة قال وسألت سالما فلا اعلمه الا وافق نافعا في الامكنة التي في الامكنة كلها الا انهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء وساق المصنف ايضا رحمه الله تعالى في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مواضع عدة كان يرقبها ويحددها في طريقه من المدينة الى مكة ويراها مواضع صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم فكان ابن عمر رضي الله عنهما يتحراها وينزل فيها ويصلي بها يلتمس التأسي برسول الله صلى الله عليه واله وسلم وها هنا ينبغي تبين موقف عبد الله ابن عمر. فانه اشهر من ثبت عنه من السلف. من الصحابة فمن بعدهم رضي الله عنهم اشهر من عرف عنه هذا الاعتناء الجليل وهذه الحفاوة العظيمة بانه كان يتحرى بدقة كل مكان في الطريق بين المدينة الى مكة فينزل به ويصلي فيه لعلمه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصده وقد ساق البخاري رحمه الله حديثا بطوله فيه ذكر المواضع التي حددها عبدالله بن عمر ثم ذكر الحافظ بن حجر وهو في القرن التاسع الهجري انه لم يبق من تلك مواضع الا مسجدين. وذكر ولم يبق الا مسجدان وذكر احدهما مسجد قباء. والمقصود ان تلك المواظع التي بها عبدالله بن عمر رضي الله عنهما انما تنزل على وجه لا يختلف فيه اهل العلم. وهو ما عرف عنه رضي الله عن من شدة التحري والاقتداء والاكتساء. فقد كان رضي الله عنه شديد الحفاوة. بكل شيء ان نبينا صلى الله عليه وسلم كان يفعله. او كان يقوله او كان يصنعه او كان يحبه. او كان يهتم لاجله كان شديد العناية بذلك جدا وقصصه في ذلك محفوظة واثاره في هذا الباب مشهورة. وهو من اكثر الصحابة رضي الله عنهم من عرف عنه به العناية الشديدة كلهم كانوا رضي الله عنهم على هذا القدر. الا انه يزداد عليهم في ذلك بان يتجاوز مواضع التعبد المقصود الى مواضع التشبه الذي يحمله عليه حبه الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فطفق رضي الله عنه يتشبه به في لباسه في ثوبه في نعاله في صبغه في طيبه في تختمه في كل شأن من شؤونه كان يرى الا يترك موضع يسعوه فيه ان يتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم الا فعل. رضي الله عنه وارضاه. وقد عرف هذا الباب عنه جدا حتى ان نافعا مولاه يقول فيما اخرجه عنه اهل العلم يقول لو رأيت الى ابن عمر رضي الله عنهما في شدة تحريه واقتدائه برسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت هذا مجنون يشير الى انه قد بلغ حدا اذا رآه احد ونظر اليه يتابعه في شدة التحري والاقتداء يقول هذا مجنون ما الذي يجعله ينحدر من طريق يسلكه مع قافلة في حج او عمرة بين مكة والمدينة فيترك الطريق ويعمد الى ناحية عند شجرة او في واد او في مطلع ثنية ويعمد الى مكان فيجلس فيه ويستظل او يقضي حاجته هناك او يصلي ها هنا فلما يسأل ابن عمر ويباحث في ذلك ليس عنده جواب الا انه علم ان النبي صلى الله عليه وسلم ارتادها هذه البقاع ونزل بتلك المواضع واتى هذه الاماكن. فلم يكن يسعه الا ان يفعل مثله صنيع ابن عمر رضي الله عنهما ها هنا لا ينزل الا على هذا المعنى الكبير الذي عاش عليه رضي الله عنه. وعرف به رضي الله عنه اريد ان اقول ما كان يقصد تلك المواظع تبركا بها لقصد التبرك لذاته بل انه رضي الله عنه عرف عنه شدة التحري والاقتداء والائتساء. فكان رضي الله عنهما لا يترك شيئا يعلم فيه شيئا ما برسول الله صلى الله عليه وسلم الا فعله الا اتاه الا قصده رضي الله عنه. وليس يعارض هذا بحال ما صح عن ابيه عمر رضي الله عنه وارضاه وهو الخليفة الراشد وهو الفاروق وهو احد من امرت الامة اتباعهم والسير على سنتهم والتمسك بها عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عظوا عليها بالنواجذ فانه قد صح عن ابيه عمر رضي الله عنه وارضاه انه كان يسأل عن الاماكن التي يقصدها بعض ويقصدون الصلاة عندها فلما اخبر رضي الله عنه ان ذلك كان منهم قصدا الى تعظيم تلك المواضع والتبرك بها كان يأمر بازالة تلك الاشجار حتى لا يتعلق اعتقاد الناس بها لفضيلة في عبادة مقصودة فتنقلب الامور الى ومحدثات، وكان رضي الله عنه وهو الملهم المسدد يعمد الى تأصيل ابواب الشريعة. والحفاظ على سننها والحيلولة دونها ودون المحدثات والبدع ان تنفتح ابوابها على امة الاسلام فتأتي عليهم في عباداتهم بما يهدم قصيدة تشريع فكان يعمد الى اغلاق هذه الابواب وهو رظي الله عنه ليس يخالف بصنيعه صنيع ابيه فان هذا باب ذاك باب كما سمعت فنفرق يا كرام بين التبرك به صلى الله عليه وسلم بعرقه بريقه بمس يده صلى الله عليه وسلم بل بشعره اذا حلقه وهذا كله صحيح ثابت. وبين التبرك بمكان لانه جلس فيه صلى الله عليه عليه وسلم او موضع لانه اتاه واقصد بذلك المواضع التي علم انه اتاها او قصدها او كان فيها كأن تقول مثلا غار حراء او تقول الموضع الذي اختبأ فيه في الشعب في جبل احد يوما حاز بصحبه الكرام رضي الله عنهم في اخر المعركة اذ اوى الى اكل مكان فحفظه الله ونصره صلى الله عليه وسلم. المكان ذاته الذي حل به صلى الله عليه وسلم هل يشرع الاتيان بعد مماته عليه الصلاة والسلام الى تلك البقاع لاجل التماس البركة بها باخذ ترابها مثلا او التمسح بها او مسح الثياب بها لاخذها رجاء ان تنال بركة موضعه صلى الله عليه وسلم او قدومه او جلوسه في تلك البقاع والمواضع والاماكن هذا باب تكلم فيه بعض اهل العلم ذكروا ان هذا فرع عن التبرك به صلى الله عليه وسلم. والصواب التفريق بين الامرين التبرك به عليه الصلاة والسلام في عرقه في طيبه في شعره في ريقه في مس يده في تفله في نفثه في كل بما صنعه عليه الصلاة والسلام حق وبركة وباب عظيم. مشروع تلتمس فيه البركة. واما الاماكن التي قصدها والمواضع التي جلس فيها او اتى اليها او ارتقى عليها او صلى فيها فتلك مواضع ليس فيها ما تلتمس به البركة بالمكان ذاته لا بترابه ولا بمكانه ولا باخذ شيء منه فان الله ما جعل فيه شيئا يلتمس فيه البركة اما هو بابي وامي صلوات الله وسلامه عليه. فمبارك طيب مطيب جعل الله في شأنه العظيم. وفي دينه قويم ما هو بركة للامة كلها الى يوم القيامة. يسوق المصنف رحمه الله عددا من القصص والاثار والروايات في هذا فصل المهم وروي عن صفية بنت نجدة قالت كان لابي محذورة قصة في مقدم رأسه اذا قعد وارسلها اصابت الارض فقيل له الا تحلقها؟ فقال لم اكن بالذي احلقها وقد مسها رسول صلى الله عليه وسلم بيده صلى الله عليه وسلم. ابو محذورة صحابي رضي الله عنه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسجد الحرام في مكة. كما كان بلال بن رباح رضي الله عنه مؤذنا بالمسجد النبوي في المدينة. لما فتحت مكة واسلم اهلها. اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم ابا محذورة رضي الله عنه مؤذنا بالمسجد الحرام وفي قصة اسلامه فيما يذكر امر عجيب فانه كان ورفقة من صبيان مكة يهزأون بالاذان يسخرون به فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم في مقدمه من حنين فدعاه فسمعه ندي الصوت عذبه فامره ان يؤذن وعلمه الاذان ثم اذن له بالاذان في المسجد الحرام بقي يؤذن بمكة حتى مات رضي الله عنه سنة تسع وخمسين من الهجرة ثم بقي الاذان في ولده وولد ولده الى ما شاء الله. وكان رضي الله عنه من اندى الناس صوتا ومن اطيبهم في الصوت حتى اتخذه صلى الله عليه وسلم مؤذنا. قال كان لابي محذورة قصة في مقدم رأسه شعر الرأس الذي يأتي فوق الجبهة يسمى قصة. فكانت وافرة الشعر طويلة. فكان اذا قعد وارسلها اصابت الارض يعني من طولها فقيل له الا تحلقها؟ قال لم اكن بالذي احلقها وقد مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وذلك انه لما اتاه واراد ان يأمره بالاذان عليه الصلاة والسلام وضع يده على رأسه حتى سكن قلبه. ثم دعا له وبرك عليه فانطلق رضي الله وعنه مؤذن النبي عليه الصلاة والسلام هذا الاثر كما ترى وهو يذكر في عامة كتب السير وفي ترجمة ابي محذورة رضي الله عنه فيها تبرك بمس يده صلى الله عليه سلم وهذا مما لا يختلف فيه. اما وقد مسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة فهذا موضع مبارك ولا شك واذا صح هذا عن ابي محذورة فهو موضع يحافظ فيه على جزء من جسده نال البركة بمس يد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. اللهم صلي وسلم عليه. وكانت في وكانت في قلنسوة خالد ابن الوليد شعرات من من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت قلنسوته في بعض حروبه فشد عليها شدة انكر عليه اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كثرة من قتل فيها. فقال لم افعلها بسبب القلنسوة. بل لما من شعره عليه السلام لئلا اسلب بركتها وتقع في ايدي المشركين. قصة خالد رضي الله عنه سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لما القائد المجاهد المغوار الذي فتح الله على يديه كثيرا من وقعات المسلمين وحروبهم زمن الصحابة رضي الله عنهم وارضاه. خالد رضي الله عنه كما اخرج الحاكم في المستدرك واخرج ابو يعلى في واخرج الطبراني في المعجم الكبير من طريق هشيم قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن ابيه ان خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك. والقلنسوة هي الخوذة التي يضعها المقاتل على رأسه ثم يشد عليها العمامة فتكون القلنسوة في اعلى الرأس يتقي بها ضرب السيف الرماح تكون غالبا من حديد يتقي بها في القتال ما قد يصيب رأسه او يؤذيه يقول في الرواية ان خالد بن الوليد رضي الله عنه فقد قلنسوة له يوم اليرموك. فقال اطلبوها امر امر الجيش بالبحث عنها. قال فلم يجدوها. ثم طلبوها فوجدوها. واذا هي قلنسوة خليقة يعني قديمة بالية ليست مما يعتنى بالحرص عليها والبحث عنها. واذا هي قلنسوة خلقة فقال خالد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه وابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم الى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة. فلم اشهد قتالا وهي معي الا رزقت النصر فيحكي رضي الله عنه انه بالشعرات التي حافظ عليها. وكان يجعلها ثقلنسوته في الغزوات كان يلتمس بها البركة الحديث اخرجه الحاكم وسكت عنه. لكن الذهبي رحمة الله على الجميع اعل الحديث بالانقطاع صحيح انه حديث منقطع السند فان جعفرا راوي الحديث لم يدرك من الصحابة الكبار مثل خالد وقد تقدمت وفاته في لخلافة عمر رضي الله عنه. وقد اشار الحافظ ابن كثير ايضا الى ضعف هذا الحديث فانه لما عرض له صدره بقوله تروي ان خالدا سقطت قلنسوته يوم اليرموك وهو في الحرب وذكر القصة. وعلى كل حال فان صح فالمحمل في قصة خالد رضي الله عنه هو الجزء الذي لا خلاف فيه بين اهل العلم وهو التبرك بشيء من جسده صلى الله عليه وسلم مثل شعره فان التبرك به مشروع لا يخالف فيه العلماء ورؤي ابن عمر واضعا يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه ولهذا قصة قصة ابن عمر رضي الله عنهما قال رؤيا ابن عمر واضعا يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه. يعني اتى الى المنبر فوظع يده موظع جلوس النبي الله عليه وسلم ثم وظعها على وجهه يعني يتبرك بها يتمسح وهذا الاثر كما ترى يختلف عن سابقيه فقصة ابي محذورة وقصة خالد فيها تبرك اما بمس يده صلى الله عليه وسلم كما في قصة ابي محذورة وقد وضع يده على ناصيته واما تبرك بشعره كما في قصة خالد اما اثر ابن عمر هذا فان فيه تبركا بالمكان. ياتي الى المكان فيضع يده ثم يتمسح به او يضعه على ثيابه هذا التماس للبركة ومثله يقال في كل موضع يأتي فيه الشخص مثلا الى موضع الغار في غار حراء فيأتي ويضع يده في المكان الذي يقال انه الموضع الذي كان فيه يتعبد نبينا صلى الله عليه وسلم فهل يشرع ايضا وضع اليد لالتماس البركة والتمسح او اخذه بقطعة ثوب او قماش ومسح المكان التماسا للبركة هذا ينبغي ان يفهم على ما صدرته في بداية المجلس يا كرام. هذا النوع من التبرك لو ثبت به الدليل الصحيح لكان امرا مشروعا واما اثر ابن عمر رضي الله عنهما ها هنا فلا يصح اخرجه ابن حبان في كتابه الثقات قال ابراهيم بن عبدالرحمن بن عبد القاري يضوي عن ابن عمر روى عنه حمزة ابن ابي جعفر من حديث ابن ابي ذؤيب قال رأيت ابن عمر ووضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وظعها على وجهه. هذا اسناد منقطع فان بين ابن حبان وبين ابراهيم الذي لقي ابن عمر وروي وروى عنه انقطاع كما ذكر ذلك البخاري في التاريخ الكبير هذا الاسناد المنقطع لا يصلح ان يكون دليلا وحجة لنقول هذا ابن عمر صحابي جليل وقد فعله فنستشهد به هذا ضعيف السند للانقطاع كما سمعت فكيف وقد عارضه عن ابن عمر رضي الله عنه بالسند الصحيح ما يخالف هذا فانه قد اخرج الذهبي في السير وغير واحد عن يحيى ابن معين قال حدثنا ابو اسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما انه كان يكره مس قبر النبي صلى الله عليه وسلم والمقصود بمس القبر عندما كان لم يبن بعده جدار وحائل وحاجز سوى جدار الحجرة. فكانت الناس اذا زارت قبره الشريف صلى الله عليه وسلم وذلك في اوائل ايام الخلافة الراشدة كان ليس بينهم وبين القبر الا جدار فربما وضع بعضهم يده على الجدار والا فذات القبر ليس احد يفضي اليه بالدخول وكذلك القول في الجدران المحيطة اليوم او الحجاز الحاجز او الشبك الذي يكون في الخارج. وترى بعض الزائرين اذا قدم بل السلام في المواجهة من تلقاء الروضة او من الصفوف في مقدمة المسجد يعمد الى مس الشبك ثم يمسح به صدره او وجهه او ثوبه. يقول كان ابن عمر رضي الله عنهما يكره مس قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال الذهبي معلقا على هذا الاثر قال كره ذلك لانه رآه اساءة ادب كيف يكون اساءة ادب يعني لو كان النبي صلى الله عليه وسلم حاضرا هل يشرع او هل سمعت او قرأت ان احدا من الصحابة كان يأتي فيرمي بثوبه عليه يلتمس البركة او يضع يده على رأسه صلى الله عليه وسلم متمسحا او على وجهه يلتمس البركة ما كانوا يفعلون هذا وان كان هو صلى الله عليه وسلم مباركا والتماس البركة فيه مشروعا. فلم لم يكن احدهم يضع يده على شعره او على يده او على رأسه صلى الله عليه وسلم يمسح يلتمس البركة وقد قلنا انه مبارك. وان التبرك به مشروع ما كانوا يفعلون ذلك احتراما وادبا وفي ذلك من تجاوز حد الادب ما هو ظاهر. فانك لو رأيت انسانا محترما عظيما لا يجرؤ احد الى ان يأتي اليه فيمسح اعليه ولو كان بقصد حسن. يقول الذهبي رحمه الله قلت كره ذلك لانه رآه اساءة ادب ونقل النووي رحمه الله وعدد من اهل العلم فيما يتعلق بالتمسح بجدران القبر او بالشبك الذي يواجه الشريفة او بكل موضع مثل المنبر ومثل المحراب هل تلتمس البركة بالتمسح؟ تتابع اهل العلم يا كرام على بيان عدم مشروعية ذلك. وانها من افعال العوام التي لا يقرون عليها. يقول النووي رحمه الله في كتاب تاب الزيارة وهو ينقل عن فقهاء خراسان. قال المستحب في زيارة القبور ان يقف مستقبل القبلة مستدبر القبلة وجه الميت يسلم يعني عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم. قال ولا يمسح القبر ولا يقبله ولا يمسه فان ذلك من عادة النصارى. قال وما ذكروه صحيح لانه قد صح النهي عن تعظيم القبور ثم نقل ابن قدامة ايضا رحمه الله قال لا يستحب التمسح بحائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقبيله قال الامام احمد ما اعرف هذا؟ قال ابن الاثرم رأيت اهل العلم من اهل المدينة لا يمسون قبر النبي صلى الله عليه سلم يقومون من ناحية فيسلمون. وقال الغزالي رحمه الله ولا يمس قبرا ولا حجارة فان ذلك من عادة النصارى وقال ايضا في احياء علوم الدين فان المس والتقبيل للمشاهد يعني للقبور والاضرحة من عادة اليهودي والنصارى. هذا النقل عن غير واحد من علماء الاسلام. على اختلاف المذاهب على اختلاف ما كان منهم رضي الله عنهم في لاجتهاد الا انهم يتتابعون على ذكر هذا المعنى العظيم. وهم يؤصلون اصلا شرعيا ان التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم. كما التمسح بالموضع الذي كان يجلس عليه على المنبر. المقصود لما كان المنبر موجودا فان ذلك مما كرهه علماء وذكروا ذلك على وجه المنع والذم والتحذير. لانه ليس من شيء من ذلك مشروع. ليست البركة في المكان الذي جلس فيه لتحل البركة بمن مسه ثم في هذا الصنيع ايها المباركون. ما يشاهد ويعلم ضرورة ان فيه انصراف عن صلب ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام. فان الناس اذا اوغلت في هذا الباب واعتدمت واعتمدت على البركة بالجدران والحواجز والحوائط والبقاع والاماكن تعلقت قلوبها بها ثم انصرفت عن التماس الاتصال بربها اعتمادا وتوكلا وثقة وحسن ظن وتفويظا للامر اليه جل جلاله عولت على ما تلتمسه من البركة في تلك البقاع. في تلك الاتربة في تلك الحجارة في تلك الحيطان في تلك الجدران وهذا خلاف مقصود الشريعة ما مقصود التوحيد الا تعليق القلوب برب العبيد؟ فاذا انصرفت القلوب الى الاحجار والى الاتربة اشبهت الوثنيين في تعليق قلوبها بغير ربها. ولهذا يقول الغزالي ان من عادة اليهود والنصارى. فاما المؤمن الموحد فلا يصنع شيئا من ذلك يعلق قلبه به. فان قيل هو تبرك عادت المسألة الى الاصل الذي ما زلنا في تقريره. وان انما يصح بما باشر جسده الشريف صلى الله عليه وسلم او كان من اثره عليه الصلاة والسلام وما عدا ذلك فتوسعة لباب لا يسعف الدليل على اثباته. واهل العلم في تقرير هذا المعنى ونقله لهم فيها نصوص يطول المقام بذكرها وكل ذلك تأصيل لباب عظيم وهو تعليق القلب بربه وخالقه والتماس البركة اذا اريد بها الدنيا في سعة رزق ودفع ضر وشفاء مرض وكشف فانما يلتمس من الله جل جلاله. واما تعليق القلوب بذلك في صرفها عن التعبد لله الى الانصراف. بتلك الافعال وتلك الصنائع ثم شيئا فشيئا يستدرج الشيطان عامة المسلمين بهذا الصنيع فيتعدى بهم التبرك ثاني صلى الله عليه وسلم الى النزول عن ذلك بالتبرك بغيره من البشر. وكل هذا مشاهد معلوم في كثير من مواضع بلاد الاسلام فقاسوا على ذلك التبرك بقبور الصالحين. والاولياء والائمة والعلماء والفقهاء. وكل من قيل عنه في البلد فانه رجل صالح او ولي او عالم او امام فعلت الناس به كما فعلوا بقبر المصطفى صلى الله عليه وسلم. وشيئا فشيئا تتبع الخطوات الخطوات حتى تزل الى القدم فتصرف من العبادة ما لا يجوز صرفه الا لله. فتجد النذور والدعاء والذبح والقرابين التي التمس في تلك البقاع فيراق معها ماء التوحيد. جهارا نهارا. وليس ذلك شيء مما جاءت به الشريعة من قريب ولا من بعيد ونصوص الشريعة واصول الدين قامت على ربط العباد بربهم وتعليق القلوب بخالقها جل وعلا وليس بغيره من البشر. واما التمسح بالمنبر لما كان حاضرا في المسجد النبوي انذاك. وقد ذكر السمهودي عن ابن عساكر انه لما احترق المنبر في مسجده صلى الله عليه وسلم في الحريق الذي اصاب المسجد كان قد بقي من المنبر بقايا فكان بعض الفقهاء اذا ذكروا صفة الحج والعمرة والزيارة ربما تطرق بعضهم الى ما يستحب اذا زار المسجد النبوي ان يفعله فيذكرون من ذلك ان يعمد الى المنبر وان يجعل يده على رأس الرمانة التي كانت على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. والرمانة المقصود بها مثل هذا التدوير المخشب الذي يكون على طرف المنبر يضع عليه الخطيب يده اذا صعد يقال لها رمانة المنبر فكانوا يذكرون مما يستحب للمسلم اذا جاء للزيارة ان يضع يده على تلك الرمانة ويستشهدون ايضا باثر لا يصح اثباته عن ابن عمر رضي الله عنهما انه جاء الى المنبر فوضع يده على موضع جلوس النبي صلى الله عليه وسلم او على الرمانة ثم وسح بها وجهه او رأسه. وهذا لا يثبت عن ابن عمر ولا يصح نسبته اليه رضي الله عنه. بل الصحيح الثابت عنه ما تقدم قبل قليل انه كريه مس قبر النبي صلى الله عليه واله وسلم. وكل هذا المقصود منه بيان هذا الاصل العظيم. وان ما ساقه عن ابن عمر لا يصح اولا ثم هو معارض بالصحيح الثابت عنهم في نهيه عن مس قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ولهذا كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة وكان يقول استحي من الله ان اطأ تربة فيها الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة وروي عنه انه وهب للشافعي قراعا كثيرا كان عنده فقال له الشافعي امسك منها دابة فاجابه بمثل هذا الجواب. الامام ما لك ابن انس رحمة الله عليه ورفع الله درجته في عليين وجزاه كما يجزي علماء الامة البررة افضل الجزاء وقد مر بكم في غير ما مجلس عن هذا الامام الحبر العلم امام دار الهجرة غير مموضع فيه التعظيم الجليل لكل شيء يتصل بالادب مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم. ولا عجب فهو العالم الذي تربع على عرش العلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاع المثل لا يفتى ومالك المدينة كان رحمة الله عليه عظيم التعظيم للادب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرت بك جملة من مقولاته ومواقفه رحمة الله عليه. قال هنا كان ما لك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة وكان يقول استحي من الله ان اطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم دابة هذه الرواية مشهورة في كتب المالكية في نسبة هذا الصنيع للامام ما لك فهي ان صحت لا تتجاوز ما عرف عنه من حدود الادب والورع وما قذف الله في بهذا الامام العلم من عظيم التعظيم للادب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ادب تعداه رحمة الله عليه ونور الله الله قبره الى تلامذته والاخذين عنه بل الى امة الاسلام وطلبة العلم على مر الزمان يقرأون في اخباره وفي سيرته وفي عباراته ما يتأدبون بها مع نبي الامة صلى الله عليه وسلم. ما يتعلمون كيف يكون الادب في ذكر الحديث وروايته فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلمون كيف يكون الادب في زيارة مسجده والسلام عليه في قبره صلى الله عليه وسلم يقول انه كان لا يركب بالمدينة دابة وهذا كثير النقل في كتب المالكية في ترجمة امامهم. رحمة الله عليه. يقول ابن رشد ومما يؤيد ذلك؟ يعني ان تكون هذه القصة صحيحة مما يؤيد ذلك ان رواة سيرته واخباره ومن نقل جميع صفاته واحواله حتى نقلوا نعاله وجملة تركته قال لم اعلم احدا ذكر له دابة كان يركع كابوها فانهم رصدوا شيئا عظيما من سيرته ونقلوا اشياء دقيقة لكنك لا تجد فيما نقل عنه في سيرته رحمه الله انه كانت له داب انه كان له فرس مثلا يركبها او ناقة او بغلة لن يذكر هذا فيقول لعل هذا يشهد لانه رحمة الله عليه كان يعمد الى ترك ذلك ثم هو قد ابان لك فيقول ان ذلك تعظيم منه وادب ان يطأ بحافر دابة يركبها ان يطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. واما القصة الاخرى مع تلميذه الامام الشافعي رحمة الله عليه ايضا الامام القرشي المطلبي امام الامة وعالمها وفقيهها فهو امام تلميذ امام وعالم من ثمرة عالم رحمة الله عليهم اجمعين. روي عنه انه وهب للشافعي قراعا كثيرا كان عنده اسم لمجموعة الخيل اذا كانت وافرة كثيرة يقال لها كراع. فوهب للشافعي تلميذه قراعا كثيرا كان قال له الشافعي امسك منها دابة فاجابه بمثل هذا الجواب. والقصة كما اخرجها ابن شاس في عقد الجواهر الثمينة في مذهب بعالم المدينة يقول الشافعي رأيت على باب مالك كراعا كثيرا من افراس خراسان وبغال مصر يعني رأى عند باب الامام مالك عددا من الدواب بهية المنظر في عدده في جماله في انواعه وجودتها قال من خرسانا وبغال مصر. يشير الى جودة النوع. يقول فقلت يقول الشافعي فقلت له ما احسنها فقال له الامام مالك هي هبة مني اليك قال الشافعي فقلت دع لنفسك منها دابة تركبها. فقال انا استحي من الله ان اطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفون بحافر دابة. فهذه الروايات عن الامام ما لك رحمة الله عليه تشير الى وهذا منه من باب الادب كما اسلفت من باب الورع لكنه رحمة الله عليه ما عرف عنه انه منع الناس ركوب الدواب بالمدينة ولا كان يفتي بعدم جوازها ولا كان يقول بكراهتها فماذا تفسر هذا؟ تفسر هذا من ادب الرجل لنفسه وورعي هذا الامام في شخصه رحمة الله عليه لان ادب الانسان لنفسه وورعه في ذاته شيء والفتية بالحلال والحرام شيء اخر. والورع لا يفتى به ادب الانسان وما يلزم به نفسه من رفيع المقام ليس بالضرورة ان ينزله على الاخرين لكنه رحمه الله كان يبتغي الاسماء اه والاجل والاعلى ولذلك اورد المصنف هذه الاثار لبيان صنيع السلف وكيف كانت مواقفهم رحمة الله عليهم وقد حكى ابو عبدالرحمن السلمي ابو عبدالرحمن السلمي عن احمد بن فضلويه الزاهد وكان من الغزاة الرماة انه قال ما ما مسست القوس بيدي الا على طهارة منذ بلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم اخذ القوس بيده. ايضا هذه حكاية عن بعض اهل العلم ان انه كان يجل ان يمس القوس بغير طهارة لما علم ان نبينا صلى الله عليه وسلم ثبت عنه مس القوس بيده فكان يفعل ذلك ايضا من باب الادب والاحترام وهذا كله جعله المصنف من تعظيم السلف كما قال لمشاهده وامكنته الصلاة والسلام. نعم. وقد افتى ما لك رحمه الله فيمن قال تربة المدينة ردية. يضرب ثلاثين درة وامر بحبسه وكان له قدر وقال ما احوجه الى ضرب عنقه تربة دفن فيها خير البشر النبي صلى الله عليه وسلم يزعم انها غير طيبة ورد للامام مالك رحمه الله ان بعض اهل بلده نقلت عنه تلك الجملة قال تربة المدينة رديئة. يعني فاسدة وقصد بها عدم صلاحيتها لبعض الزراعة او الغرس ونحوه فغضب ما لك رحمه الله من اطلاق مثل تلك العبارات. ورأى ان فيها مساسا مما يخل بالادب بجناب رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر مالك رحمه الله بضربه ثلاثين درة يعني ثلاثين سوطا يضرب بها تعزيرا وتأديبا وكان الرجل القائل له قدر يعني محترم المكانة لكن مالكا رحمه الله ان رأى ان جلالة قدره لا تعفيه عن التأدب بمثل تلك الاداب والا يتجاوز ولو بلفظ اللسان شيئا لم يكن يقصده وحتما فان القائل ما كان يقصد بقوله ان تربة المدينة رديئة ان يقصد بها شيئا يمس النبي صلى الله عليه وسلم قط هذا لا يمكن ان يذكر او يخطر ببال. ومع ذلك فان مالكا رحمه الله رأى ان من الادب الزام الناس بهذا. بل قال ما احوجه الى ضرب عنقه. تربة دفن فيها خير البشر صلى الله عليه وسلم يزعم انها غير طيبة وهذا كله كما اسلفت من عظيم صنيع هذا الامام المبارك رحمة الله عليه في تأدبه بما يليق برسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم صلي وسلم وفي الصحيح انه قال عليه السلام في المدينة من احدث فيها حدثا او اوى محدثا فعليه لعنة الله الملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. الحديث صحيح اخرجه الشيخان. وفيها من فضائل المدينة ما ذكر من احدث فيها حدثا يعني احدث فيها بدعة واحداثا في دين الله. او اوى محدثا يعني نصره وازره. فعليه لعنة الله ولم والناس اجمعين. لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. اما مناقب المدينة النبوية وفضائلها فكثيرة جمة ظفيرة وكلها جعل الله فيها من عظيم البركة بحلول رسول الله صلى الله عليه وسلم بها. وهجرته اليها ومقامه بها وموته بها ودفنه في تربتها صلوات الله وسلامه عليه وحكي ان جهجاه الغفاري اخذ قضيب النبي صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله عنه وتناوله على ركبته فصاح به الناس فاخذته الاكلة في ركبته فقطعها ومات قبل الحول. القصة في ترجمته في بعض كتب تراجم الصحابة حكاية مرسلة لا يدرى ما سندها لكن الشاهد فيها اخذه لقضيب النبي صلى الله عليه وسلم والمقصود بالقضيب العصا عصا النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يتوارثها الخلفاء فكلما مات خليفة ورثها الخليفة من بعده يصعد بها المنبر ويخطب بها يقتدي فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم وانه لما هم بها ليكسرها فوضعها على ركبته اخذته الاكلة والله اعلم بصحة القصة وقال عليه السلام من حلف على منبري كاذبا فليتبوأ مقعده من النار. لما خص المنبر الا لمزيد خصوصية به اما منبره صلى الله عليه وسلم فليس كالمنابر اطلاقا. كيف وقد علاه نبي الامة صلى الله عليه وسلم؟ وفيه من الفضل ما صلى الله عليه وسلم ان ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. قال ومنبري على ترعة فذكر عليه الصلاة والسلام ان المنبر وان الروضة الشريفة وان ما بين البيت والمحراب منه عليه الصلاة والسلام او ما بين البيت والمنبر روضة من رياض الجنة ففيهم للخصوصية ما جعل هذا الوعيد اكد. اما الحلف بالله كاذبا فجناية عظيمة. واما الحلف وعلى منبره صلى الله عليه وسلم فالمراد به الا يفعله الا ذو سلطان وامارة وولاية. فمن فعل هذا كذبا فانه قد ارتكب محظورين. اولهما الحلف بالله على كذب وثانيهما هذا القدر الذي تناوله بالجناية على موضع منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الوعيد فليتبوأ مقعده من النار وحدثت ان ابا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائرا وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا يوسف. ترجل يعني مشى على رجليه. يحكي القاضي عياض عن ابي الفضل الجوهري هذا الانشاد من البيتين الاتيين لما اتى المدينة زائرا واتاها راكبا سواء كان على بعير او على خيل او على غيرها من دواب. قال لما قرب من بيوت المدينة ترجل. نزل من على ظهر الدابة ومشى باكيا. نعم ومشى باكيا ينشد ولما رأينا رسم من لم يدع لنا فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا انزلنا عن الاكوار نمشي كرامة لمن بان عنه ان نلم به ركبا. هذان بيتان للمتنبي كان يمدح فيهما سيف الدولة الحمداني ولما رأينا رسم من لم يدع لنا رسما يعني اثرا وعلامة لمن لم يدع لنا فؤادا لعرفان عن الرسوم ولا لبى نزلنا عن الاكوار يعني عن ظهور الدواب. نمشي كرامة لمن بان عنه ان نلم به ركبا فاستعار بيتي المتنبي لهذا المعنى وان اعظم من يجل وان يلتمس فيه هذا المعنى ويستشعر فيه هذا المقام هو القدوم الى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزلون عن ظهور الدواب اكراما واجلالا واحتراما لقدومهم مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم اللهم صلي وسلم وحكي عن بعض المريدين انه لما اشرف على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم انشد يقول متمثلا رفع الحجاب لنا فلاح لناظر قمر تقطع دونه الاوهام تقطعوا. قمر تقطع دونه والاوهام واذا المطي بنا بلغن محمدا صلى الله فظهورهن على الرجال حرام قربننا من خير من وطأ الثرى ولها علينا حرمة وذمام. هذا معنى شعري بديع ايضا من وجه اخر. يقول هذا المتمثل اولي المعنى رفع الحجاب لنا يعني لما قدموا برواحلهم الى المدينة واشرفوا على مساكنها ووقعت ابصارهم على مواضع تلك البقاع الجليلة. قال رفع الحجاب لنا. فلاح لناظر قمر تقطعوا دونه الاوهام واذا المطي يقصد بها ايضا الدواب التي يركبونها. واذا المطي بنا بلغن محمدا صلى الله عليه وسلم فظهورهن على الرجال حرام. يعني ينزلون عن ظهورها اجلالا انت اذا اتيت على موكب امير او قصري عظيم او رجل من الكبراء وكنت تركب سيارتك فاذا اتيت داره او سلطانه ومشيت اليه ولا تجد ان احدا يبقى راكبا الى باب يريد الوصول اليه الا اذا كان هو العظيم في ذاك المكان اما من كان ادنى مرتبة يقصد من هو اعلى منه واجل. فان من الادب الا يصل الى بابه راكبا بل يقف على مقربة ثم ماشيا يظهر الادب والاجلال. فكانوا يتمثلون هذا المعنى بقدومهم لزيارة المدينة. قال واذا المطي بنا بلغن محمدا صلى الله عليه وسلم فظهورهن على الرجال حرام. قربننا من خير من وطئ الثرى صلى الله عليه وسلم. ولها علينا وذمام يعني بقى لظهور بقي لظهور هذه النوق والدواب حرمة بالا تركب طالما بلغت بنا هذا الموضع المباركة من زيارة مدينته صلى الله عليه وسلم. اللهم صلي وسلم. وحكي عن بعض المشايخ انه حج ماشيا. فقيل له في ذلك فقال العبد الابق لا يأتي الى بيت مولاه راكبا. لو قدرت ان امشي على رأسي ما مشيت على قدمي. هذا جزء ومن شواهد المعنى يا كرام هذا التعظيم. هذا ليس تحريما لحلال وليس امتناعا عن مباح هي مشاعر تفيض بها القلوب اذا مرت فيها خفقات من تلك المشاعر يقول حج بعض المشايخ قماشيا فقيل له في ذلك فقال العبد الابق يعني الهارب الشارد من سيده لا يأتي الى بيت مولاه راكبا ولو ان امشي على رأسي ما مشيت على قدمي. يعني لو استطعت ان اتي ماشيا على رأسي لفعلت. اجلالا للبيت الحرام وهذا الذي يحكى من صنيع بعض العلماء والصالحين في مشاعرهم التي تجيش بها الافئدة عند قدومهم الى مكة بلد الله الحرام. او الى طيبة بلد رسول الله عليه الصلاة والسلام هي كلها من هذا القبيل الذي تقرر قبل قليل وان احدهم يستشعر في تلك المواقف عظمة وجلالة في هاته بقعتين وان الادب يقتضي ممن اقبل عليهما ان يترسم بالادب. وان يكون في ثوب يظهر فيه التعظيم والاجلال هذا هو الاحترام ذاك يخبر متمثلا ابيات الشاعر في النزول عن ظهور الدواب. والقدوم مشيا باجلال وادب اخر يقول العبد الابق لا يأتي الى بيت مولاه راكبا كل ذلك اجلال لتلك المواضع. واراد المصنف رحمه الله ان يبين ان تعظيم المدينة النبوية انما عظم قدرها وجل مكانها بمكث رسول الله صلى الله عليه سلم فيها واختيار الله جل جلاله لها مهاجرا لنبيه صلى الله عليه وسلم ومرقدا حتى يحشر الناس يوم يبعثون وما زالت تلك المشاعر تفيض على السنة الشعراء يصفون فيها مشاعر القلوب تجاه بلد اكتنف في تربة به سيد البشر صلى الله عليه وسلم. فتعلقت القلوب حبا بطيبة. فانشد احدهم ما تحسبه انه مشاعر كل من اقبل على المدينة واحب طيبة وزارها وتردد اليها يقول احدهم يا طيبة النور قلبي والي هن دنف انا عنا على ابوابكم اقفوا يا طيبة الخير ضميني على عجل طفلا اتيت وفي اضلاعي لهفوا مذغبت عن حضنك الدافي وفي كبدي نار توقدوا لا تطفى ولا تقف برد الحنان على اكناف مهجتها عافقتها وعيوني دمعها سرف. ويقول اخر ان قيل طيبة طابت نواحيها فذاك احمد اضحى نوره فيها صلى الله عليه وسلم. صلى الاله على اختار سيدنا شفيعنا رحمة الدنيا وهاديها. ما زال في الفصل تتمة لكلام القاضي عياض رحمة الله عليه في ذكر ابيات يبين فيها ايضا وجه التعظيم لتلك البقعة العظيمة العامرة ببقاء المصطفى صلى الله عليه وسلم فيها نأتي عليها في ليلة الجمعة المقبلة ان شاء الله تعالى. استفتحوا ليلتكم بما استقبلتموها به من كثرة الصلاة والسلام عليه. فانها ادراك للبر من اعظم ابوابها فاستكثروا من الصلاة عليه تزدادون من صلاة ربكم عليكم. فيا رب صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى امام الهدى وسيدي الورى من بعثه الله رحمة للعالمين وشفيعا لنا يوم الدين. فاللهم صلي وسلم وبارك عليه صلاة وسلاما دائمين ابدا. اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. اللهم ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين. واملأ قلوبنا الهي بحبك واجلالك وتعظيمك يا رب العالمين وحب نبيك صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره يا اله العالمين. اللهم احينا مسلمين وتوفنا مسلمين والحقنا اللهم بالصالحين اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا واهدي ضال لنا. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل يا ربي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى اله وصحبه اجمعين