بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا للاسلام وعلمنا الحكمة والقرآن احمد الله تعالى واشكره واستعينه واستغفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى ال بيته وصحابته وسلم تسليما كثيرا اما بعد ايها الاخوة الكرام فهذه ليلة مباركة شريفة. هي ليلة الجمعة التي جعل الله تعالى فيها لاهل الاسلام اجرا وخيرا ورحمة وبركة. ومن بركاتها الصلاة والسلام على سيد الانام. صلى الله عليه واله وسلم وما منح الله الخليقة بهجة باجمل من روح الحبيب وارحم نبي تهادى النور من طلعاته هنيئا لمن صلى عليه وسلم صلى الله عليه واله وسلم وتأتي الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذه الليلة عملا جليلا مباركا وقربة يتنافس فيها الصالحين يلتمسون فيها ندبه صلى الله عليه وسلم لامته اكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة فان صلاتكم معروضة علي صلى الله عليه واله وسلم ولم يزل مجلسنا هذا ايها الكرام في كل ليلة من ليالي الجمعة ينعقد في رحاب بيت الله الحرام نستكثر به من الصلاة السلام على نبي الهدى وسيد الورى محمد صلى الله عليه وسلم. ونحن نقلب صفحات من هذا السفر المبارك من كتاب الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للامام القاضي ابي الفضل عياض ابن موسى اليحصوبي الله عليه وقد وقف بنا الحديث في اخر المجالس عند الفصل الاخير من الباب الرابع في القسم الثاني من الكتاب ولنصل ما سبق بما سيلحق ايها المباركون. فان القسم الثاني من الكتاب الذي امضينا فيه شهورا من مطلع هذا العام الهجري خصه المصنف رحمه الله لاربعة ابواب القسم الثاني من الكتاب جاء في اربعة ابواب عقدها المصنف رحمه الله لبيان حقوق المصطفى صلى الله عليه سلم على امته ورتبها على ابواب اربعة جعل في اولها حق الطاعة والتصديق والاتباع له صلى الله عليه وسلم وجعل في الثاني من هذه الابواب في حقوقه عليه الصلاة والسلام حق النصرة والاحترام والمناصحة له صلى الله عليه وسلم. ثم جعل في ثالث الابواب لهذه الحقوق للنبي صلى الله عليه وسلم حق التوقير والبر والاحترام ثم جاء الباب الرابع الذي امضينا فيه مجالس عدة في حق من الحقوق الشائعة المباركة التي يغترف فيها المسلمون من الاجر والحسنات وهو حق الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه واله وسلم. فيأتي هذا الفصل الذي نشرع فيه الليلة لله. خاتمة لهذا الحق الرابع وهو حق الصلاة والسلام. على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وان لم يكن الصلة به مباشرة لكنه لما شرع في اخر فصول هذا الباب في بيان زيارة المدينة النبوية وذكر بركاتها وما يتعين على الزائر لمسجده عليه الصلاة والسلام وما يتحلى به من الادب في حضرته صلى الله عليه وسلم عند زيارته والسلام عليه صلى الله عليه وسلم جاء هذا الفصل الاخير فيما يلزم من دخل مسجده صلى الله عليه وسلم من الادب سوى ما تقدم وبيان فضل الصلاة في المسجد النبوي وفي مسجد مكة وذكر القبر والمنبر وفضل سكن المدينة ومكة. جعل المصنف هذا الفصل خاتمة لهذا الباب فيكون تتمة لثاني اقسام الكتاب وهي اقسام اربعة ليكون الكتاب قد انتصف بنا في ذكر اقسامه وابوابه وفصوله التي كانت ولم تزل حافلة بنصوص عظيمة وشواهد واثار جمة فيها بيان هذا الاصل العظيم الذي ينمي فيه المسلم في قلبه حق المصطفى صلى الله عليه وسلم من الايمان والطاعة والمحبة والوفاء للاقتداء والاستنان بسنته عليه الصلاة والسلام كما اراد الله جل وعلا وهو القائل سبحانه لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان ارجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا نعم بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين. قال المصنف رحمه الله تعالى فصل فيما يلزم من دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من الادب سوى ما قدمناه وفضله وفضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وفضل الصلاة فيه اي في المسجد النبوي. وفضل الصلاة فيه وفي مسجد مكة وذكر قبره ومنبره صلى الله عليه وسلم وفضل سكنى المدينة ومكة قال تعالى لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل اي مسجد هو؟ قال هو مسجدي هذا وهو قول ابن المسيب وزيد ابن ثابت وابن عمر ومالك ابن انس وغيرهم وعن ابيهم وغيرهم وعن ابن عباس رضي الله عنه انه مسجد قباء. صدر المصنف رحمه الله هذا الفصل بالاية الكريمة في سورة التوبة لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله يحب المطهرين. افمن اسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير ام من اسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم. والله لا يهدي القوم الظالمين واشار رحمه الله تعالى الى الخلاف في المسجد المذكور في الاية ما المراد به لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه. ما المسجد المقصود واشار الى ذكر قولين اثر عن السلف رحمة الله عليهم وهذا الخلاف ممتد بين الصحابة والتابعين. فمن بعدهم رضي الله عنهم اجمعين فاحد القولين ان المسجد المقصود في الاية هو مسجده عليه الصلاة والسلام. المسجد النبوي والقول الاخر انه مسجد قباء وبكل من القولين قال جماعة من السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الائمة المفسرين. قال رحمه الله تعالى روي ان النبي صلى الله عليه لما سئل اي مسجد هو؟ قال هو مسجدي هذا. والحديث صحيح اخرجه مسلم. وعدد من ائمتي من اصحاب السنن رحمة الله عليهم قال وهو قول ابن المسيب وزيد ابن ثابت وابن عمر. ومالك ابن انس وغيرهم ويشير الى عدد من الائمة من الصحابة والتابعين ففيمن لم يسمي عمر بن الخطاب وابي سعيد الخدري رضي الله عنه وايضا من ائمة التابعين والمفسرين زيد ابن اسلم وغيرهم رحمهم الله جميعا. هذا القول في تفسير المسجد بانه مسجده عليه الصلاة والسلام هو الذي رجحه شيخ المفسرين الامام الطبري رحمه الله تعالى. ويراه ترجيحا معتمدا على تفسير جاء به النص. فان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد المراد في الاية ما هو فاجاب عليه الصلاة والسلام بانه مسجده وذلك في عدد من الاحاديث اخرجه الائمة احمد ومسلم والترمذي ابن ماجة وغيرهم. ففي رواية ابي داوود ان النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الاية وهو يبين معناها في عدد من الاحاديث التي رواها اصحاب السنن كما اسلفت ومن ذلك انه عليه الصلاة والسلام فيما روى سهل بن سعد قال اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي اسس على التقوى فقال احدهما هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الاخر هو مسجد قباء فبينما هما كذلك اتيا الى النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال هو مسجدي هذا ويرى الطبري رحمه الله ان الحديث فصل في المسألة وانه لما اختصم الرجلان اليه صلى الله عليه وسلم في بيان هذين القولين فقد حكم ببيان ان المراد به مسجد صلى الله عليه واله وسلم. وكذا ما روى ابو سعيد الخدري رضي الله عنه قال تمارا رجلان في المسجد الذي اسس على التقوى فقال احدهما هو مسجد قباء وقال الاخر هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عليه الصلاة والسلام السلام هو مسجدي هذا وفي غيره ايضا من الروايات التي تؤكد هذا المعنى وتبينه. والقول الاخر ان المراد به مسجد ذو قباء. قال المصنف رحمه الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه مسجد قباء. وهذا القول ايضا قال به جملة من السلف رحمة الله عليهم جميعا. وقد سمى المصنف هنا منهم الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما لكنه مروي ايضا عن عدد من السلف مثل عطية وابن بريدة والشعبي والحسن البصري وابن بزيد وعروة بن الزبير ونقله البغوي عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم رحمهم الله فانهم فسروا المسجد المراد في الاية بانه مسجد قباء وقد مال الى هذا القول الامام المفسر الحافظ ابن كثير في تفسيره رحمه الله تعالى يقول والسياق انما هو في معرض مسجد قباء. ولهذا جاء في الحديث الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مسجد قباء كعمرة. وفي الصحيح انه صلى الله عليه وسلم كان يزور مسجد قباء راكبا وماشيا وفي الحديث انه لما بناه واسسه اول قدومه ونزوله على بني عمر بن عوف كان جبريل عليه السلام هو الذي عين له جهة القبلة والله اعلم. فرجح الحافظ ابن كثير هذا المعنى وان المراد بالمسجد هو مسجد قباء ويعتمد في هذا الترجيح على سياق الايات في سورة التوبة. لانه جاء عقب ذكر مسجد الضرار الذي بناه المنافقون. قال الله في الاية قبلها والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله له من قبل وليحلفن ان اردنا الا الحسنى. والله يشهد انهم لكاذبون. ثم جاء قول الله لا تقم فيه ابدا يعني مسجد الظرار المذكور لمسجد اسس على التقوى. من اول يوم احق ان تقوم فيه. فيه رجال يحبون ان يتطهروا. فهذا اول المرجحات عند الحافظ ابن كثير وغيره. انه جاء في سياق مسجد قباء واقعي جوار مسجد الضرار والترجيح الاخر ان الله عز وجل اثنى على اهل قباء فقال فيه رجال يحبون ان يتطهروا. وقد ساق عددا من الاحاديث الواردة في السنة انه عليه الصلاة والسلام سأل اهل قباء عن مدح الله لهم وثناءه عليهم في سر عنايتهم بالطهارة حتى قال الله تعالى فيه رجال يحبون ان يتطهروا. فاجابوا رضيوان الله عنهم بانهم كانوا يتطهرون ويستنجون من النجاسة بغسلها بالماء فكان هذا عناية منهم بازالتها فامتدح الله شأنهم بعنايتهم بالطهارة قول الحافظ ابن كثير رحمه الله بعدما رجح انه مسجد قباء قال وقد ورد في الحديث الصحيح ان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو في جوف المدينة هو المسجد الذي اسس على التقوى. قال وهذا صحيح ولا منافاة بين الاية وبين هذا. لانه اذا كان مسجد قباء قد اسس على التقوى من اول اول يوم فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الاولى والاحرى. ولهذا قال الامام احمد الحديث الذي ذكرناه في صدر المجلس انه صلى الله عليه وسلم قال المسجد الذي اسس على التقوى مسجدي هذا وعلى كل حال فالقولان متقاربان ويصدق على كل من مسجد قباء ومسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم انه بني على التقوى من اول يوم في بنائه وتأسيسه فان مسجد قباء اول مسجد بناه رسولنا صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وقد نزل على ديار بني عمرو بن عوف عندهم في قباء ثم ارتحل فاتى يثرب او طيبة ثم ابتنى بها مسجده صلى الله عليه وسلم الذي غدت له من الفضائل ما لا ينافسها فيه الا المسجد الحرام فحكى المصنف رحمه الله القولين ايجازا واشار الى بيان فضيلة مسجده عليه الصلاة والسلام والمنقبة التي جاءت في كتاب الله الكريم بقوله عز وجل لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه. نعم قال القاضي عياض حدثنا هشام بن احمد الفقيه بقراءتي عليه قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا ابو عمر النمري قال حدث النمري النمري قال حدثنا ابو محمد ابن عبد المؤمن قال حدثنا ابو بكر بن داسه قال حدثنا ابو داوود ابو داوود هو الامام صاحب السنن والمصنف رحمه الله يسوق هذا الحديث بسنده اليه قال حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد ابن المسيب عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد. المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى هذا الحديث صحيح اخرجه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما وان ساق المصنف رحمه الله الحديث من طريق الامام ابي داود رحم الله الجميع. يقول نبينا صلى الله عليه وسلم في فضل ثلاثة مساجد على وجه هذه الارض لا يوازيها في الفضل والشرف مسجد قط. لا تشد الرحال الا الى ثلاثة في مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى وكل من المساجد الثلاثة انعقد له من الفضل وفضل الصلاة فيه ما جاءت به السنة المطهرة في بيانه وبيان فضله وسيأتي ذكره عند المصنف عما قريب لا تشد الرحال. الرحال جمع راحلة وهي الصالحة لان ترحل او ان يشد الرحل عليها ما الرحل؟ قالوا الرحل للبعير كالسرج للفرس كالسرج للفرس فانما يوظع على ظهر البعير يصلح للركوب عليه والاستواء والجلوس يسمى رحلا. وهو مثل السرج في ظهر الفرس قوله لا تشد الرحال يعني لا يجوز ان تمتط الابل وان تركب هذه البهائم لشد الرحال اليها سفرا وقصدا للتعبد وابتغاء للاجر والمثوبة الا الى هذه المساجد الثلاثة اما المسجد الحرام فهو بيت الله والكعبة المعظمة. واما مسجده عليه الصلاة والسلام فحيث غدا موئلا اسلامي ومنبرا ومرزا لهذا الدين ايضا في اخر الزمان. واما المسجد الاقصى فارض الانبياء ومعراج المصطفى صلى الله عليه وسلم الى السماء ومسراه من المسجد الحرام اليه. فهذه الثلاثة لها من الفضائل ما لا يشاركها فيها مسجد انقطوا على وجه الارض واتى به المصنف رحمه الله لبيان احد الفضائل المنعقدة لمسجده عليه الصلاة والسلام وقد تقدمت الاثار في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد. قوله وقد عندما تشير الى ما مضى ذكره في فصل في هذا القسم من الكتاب في هذا الباب في بيان مواضع الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ومواطنها وذكر هناك منها دخول المسجد وجاء بجملة من الاحاديث منها انه عليه الصلاة والسلام ذكر مثل هذا في حديث ابي هريرة اذا دخل احدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم افتح افتح لي ابواب رحمتك واذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم وكذا ما اخرج الائمة ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وما اخرجه ايضا ابن السني وان كان ضعيفا من حديث انس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل المسجد قال بسم الله اللهم صلي على محمد واذا خرج قال بسم الله اللهم صلي محمد صلى الله عليه واله وسلم. واراد المصنف رحمه الله ايضا ان دخول المساجد واتيانها ومسجد صلى الله عليه وسلم واحد منها يحقق به من المقاصد جملة منها الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه اله وسلم وعن عبدالله بن عمرو بن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا دخل المسجد قال اعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. ها هنا تعداد للاداب لمن اراد زيارة مسجده عليه الصلاة والسلام. وانظر كيف شرع المصنف رحمه الله في بيان الاداب من اول خطوة تخطوها عند الباب اذا اتيت المسجد انك داخل من الباب فاول الاداب ذكر اسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر هذا الدعاء الذي ذكره المصنف من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما والحديث عند الامام ابي داود في سننه وحسنه الائمة النووي وابن حجر رحم الله الجميع. يقول في الدعاء عند عتبة المسجد داخلا اللهم يقول اعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ثم اذا اظاف ما تقدم في الحديث الانف ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله من رحمته اللهم افتح لي ابواب رحمتك هذا من الادب عند دخول تجدي جملة ومسجده صلى الله عليه وسلم احدها بل هو من اعظمها وقال مالك رحمه الله سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوتا في المسجد فدعا بصاحبه فقال ممن انت؟ قال رجل من ثقيف قال لو كنت من هاتين القريتين لادبتك. ان مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت. يقول ما لك رحمه الله وهو يسوق اثر امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمن خلافته وهو جالس في المسجد النبوي اذ سمع صوتا يعني ارتفاع صوت وظجة فدعا بصاحبه يعني بصاحب الصوت. فقال ممن انت فقال رجل من ثقيف وثقيف قرية تسكن الطائف وما جاورها فقال له عمر رضي الله عنه لو كنت من هاتين القريتين لادبتك اي قريتين مكة والمدينة لما خصهما لانهما مدينتان عامرتان بالعلم والادب والايمان ولا يخفى فيهما مثل هذه الاحكام والاداب ولن يأتي احد من مكة او المدينة وهو يعيش بين ظهراني صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقع في مثل هذا التجاوز للادب فيرفع صوته في مسجده عليه الصلاة والسلام قال لو كنت من هاتين القريتين لادبتك فكأنه التمس له العذر رضي الله عنه عذر بالجهل بمثل هذه المسألة. وعدم العلم بالادب وعدم الوقوف عليه من قبل واكتفى عمر رضي الله عنه بتوبيخه وتأديبه وتعليمه قائلا ان مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت يتأول عمر رضي الله عنه قول الله عز وجل في سورة الحجرات لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون اما ان رفع الصوت في حياته عليه الصلاة والسلام ممنوع بنص الاية. محرم ادب الله عز وجل امة الاسلام به من فوق سبع سماوات. يا ايها الذين امنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي تأدب الصحابة رضي الله عنهم بهذا الادب وحافظوا عليه ثم ربوا من يأتي بعدهم على هذا الادب مات عليه الصلاة والسلام ولحق بالرفيق الاعلى لكنهم ما زالوا يفهمون ان غض الصوت وخفضه في حياته عليه الصلاة والسلام كما هو مطلوب شرعا فانه مطلوب ايضا بعد مماته عليه الصلاة والسلام اذا كان المسلم بحضرته في مسجده وقرب روضته وقبره صلى الله عليه وسلم. فيتعين ايضا التلبس بهذا الادب لا ترفعوا اصواتكم. فأدبه عمر رضي الله عنه. والحديث في الصحيح. وفي رواية اخرى وايضا عند البخاري ان رجلين ارتفعت اصواتهما فرماهما عمر رضي الله عنه بحصباء المسجد يشير اليهما فلما التفتا دعاهما فقال ممن انتما فقال من اهل الطائف قال يا امام لو كنتما اما لو كنتما من المدينة لاوجعتكما ضربا يعني مثلكما ينبغي ان يؤدب كيف لكم ان ترفعوا اصواتكم وانتم في مسجده عليه الصلاة والسلام؟ هذا اذا من الاداب يا كرام. وقد تقدم بنا في فصل سابق ان من الادب لمن زار مسجده صلى الله عليه وسلم غض الصوت وخفضه اما انه ادب في كل المساجد في كل بيوت الله اذا اتيناها ما نأتيها الا لذكر الا لطاعة الا لعبادة الا لقرآن الا لصلاة الا لدعاء ومثل هذا لا ينبغي رفع الصوت فيه غضب عليه الصلاة والسلام لما رأى رجلا ينشد ضالته في المسجد وقف ينادي من رأى لي كذا فقدت كذا من وجدها يأتيني بها غضب عليه الصلاة والسلام ثم ادبنا بادب انا من وجدناه كذلك قلنا لا راد الله عليك ضالتك من باب ان المساجد انما بنيت لامر اعظم. هي بيت لله عز وجل. واحدنا اذا دخل بيت بعض الكبار والعظماء والفضلاء تأدب وكان من جملة ادبه ان يتكلم بصوت خفيظ ونعد اليوم من سوء الادب اذا دخلنا دار بعض المحترمين ان نرفع الاصوات في بيوتهم ونعد هذا من سوء الادب فكيف الادب ببيت الله عز وجل مساجدنا بيوت الله. واذا دخلناها تأدبنا بما ادبنا الله به. فان كان هذا الادب في كل المساجد فهو اكد في مسجده عليه الصلاة والسلام. لان الله قال لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي. والله عز وجل قد جعل قبره صلى الله عليه وسلم في بيته وبيته ملاصق لمسجده عليه الصلاة والسلام عند مماته فيبقى هذا الادب حاضرا وعمر رضي الله عنه لما صنع ذلك تلقينا درس الامة الاسلام نتناقلها عبر الاجيال الى يومنا هذا. والى غد والى ما شاء الله. ونؤدب به اولادنا وطلابنا واخواننا والمسلمين جميعا يا كرام من زار مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم وقرت عينه هناك الصلاة فيه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانست روحه واستمتع ووجد من الخيرات والبركات في ذاك المكان حري به ان يتأدب بهذا الادب. لا ينبغي لمن جلس في مسجده عليه الصلاة والسلام ان يشتغل بكلام ورفع اصوات واكد ما يكون لمن جاء مسلما ووقف قبالة الحجرة النبوية الشريفة يلقي السلام بادب. هناك لا ينبغي رفع الاصوات. انت واقف للسلام على سيد البشر. صلى الله عليه وسلم على خاتم الانبياء ايها الرسل صلى الله عليه وسلم على عظيم القدر عند ربه جل جلاله صلى الله عليه وسلم فقف سلم بادب احترام والاشتغال بما سوى ذلك والله يا اخوة منقصة من الادب. الاشتغال امام الحجرة الشريفة بسوى السلام عليه هو قلة للادب ان نشتغل بقيل وقال ومزاح وكلام او مزاحمة ورفع اصوات او اشتغال بالتقاط الصور كلها مظاهر والله تنبيك عن شيء من قلة الادب لا تليق بمن جاء في ذاك المقام وهو يقف يقف مسلما على سيد البشر امام الانبياء خاتم الرسل الذي رقى الله تعالى به في المعراج الى سابع سماء وبلغ به سدرة انتهى وجعل له من الكرامات والفضائل ما لم يجعله جل جلاله قبله لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل عليه الصلاة والسلام فيأتي احدنا يوم يأتي زائرا ومسلما وواقفا امام حجرته ثم تبدو عليه بعض السلوكيات او الاخلاق او التصرفات التي يخرج بها عن حد الادب هي غفلة والله. ينبغي تداركها والالتفات اليها. والتواصي على العناية بالادب لمن جاء مسلما لمن وقف امام الحجرة لمن جاء هناك يلقي السلام ويعلن الادب والوفاء والمحبة يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام مستحضرا فضله العظيم الذي جعله الله تعالى على امته ويستحضر ايضا المنة التي اكرمنا الله بان جعلنا من امته صلى الله عليه وسلم. نأتي اليوم بعد الف واربع مئة عام من سنين عاشها صلى الله عليه وسلم حافلة بالدعوة والجهاد وتحمل العداوات واحتمال الاذى والصبر على ذلك كله في سبيل الله من اجل ان يبلغنا الاسلام فنأتي بعد مئات السنين والوفها لا يسعنا والله الا ان نقف بادب واحترام نسلم تعظيما واحتراما واداء لبعظ حقه علينا صلى الله عليه وسلم. واعترافا بهذا الفضل الكبير ورجاء من الله جل جلاله ان يكرمنا بصحبته في الاخرة. وان يحشرنا في زمرته وان يكتب لنا الفوز بشفاعته صلى الله عليه وسلم فهذا من اكد الاداب. نص عليها المصنف رحمه الله تعالى في بيان ما يتأدب به الزائر لمسجد به صلى الله عليه وسلم قال محمد بن مسلمة لا ينبغي لاحد ان يعتمد المسجد برفع الصوت ولا بشيء من الاذى وان ينزه عما يكره قال محمد بن مسلمة لا ينبغي لاحد ان يعتمد وفي نسخة صحيحة ان يتعمد المسجد برفع الصوت يعني لا ينبغي ان يقصد رفع الصوت في المسجد ولا بشيء من الاذى وان ينزه عما يكره بما جاءت به السنة ايضا فلا يباع ولا يشترى في المساجد. ولا تنشد الظاللة فيها. ولا يقضى فيه بشيء من اذى والقذر فانما جعلت للصلاة والذكر والدعاء ومناجاة الله كما قال عليه الصلاة والسلام فتنزه المساجد عن عبث تنزه عن اللعب وتنزه عن البيع والشراء وتنزه عن الخوض في الباطل وتنزه عن اي شيء يناقض به المقصد الاعظم من بناء المساجد وهو اقامة ذكر الله ورفع الصلوات فيها واقامة هذه العظيمة من شعائر الاسلام قال القاضي حكى ذلك كله القاضي اسماعيل في مبسوطه في باب فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء كلهم متفقون على ان حكم سائر المساجد هذا الحكم. حكى هذا القاضي اسماعيل وهو ابو اسحاق شيخ المالكية اسماعيل ابن اسحاق ابن اسماعيل ابن حماد ابن زيد البصري رحمه الله تعالى احد ائمة المالكية في المذهب وله كتب جمة اصبحت مرجعا معتمدا عند فقهاء المالكية في زمنه والى من جاء بعده. فان له كتابا سماه المبسوط في فقه الامام ما لك جعل فيه بابا في فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وحكى فيه الاداب المتقدمة ذكرها قال المصنف رحمه الله والعلماء كلهم متفقون على ان حكم سائر المساجد هذا الحكم نعم ليس خاصا بمسجده عليه الصلاة والسلام تشترك المساجد كلها في هذا الادب خفض الصوت وعدم الاشتغال بما يناقض المقاصد التي بنيت لها المساجد. وعدم ايصال الاذى للمساجد وتنزيهها عما يكره هذا القدر المشترك بين المساجد تستوي فيه بيوت الله كلها. لكن مع تفاوت المساجد في بهذا المعنى بتفاوت رتبها في الشريعة. فان كان المسجد الحرام مسجدا معظما. وان كان المسجد النبوي مسجدا معظما وان كان المسجد الاقصى مسجدا معظما فيبقى لهذه المساجد. مزيد عناية بهذه الاداب. وحق اوجب من غيرها من المساجد وان اشتركت معها في الاداب كلها قال القاضي اسماعيل وقال محمد بن مسلمة ويكره في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الجهر على طالين فيما يخلط عليهم صلاتهم. وليس مما يخص به المساجد رفع الصوت. قد كره رفع الصوت بالتلبية في مساجد الجماعات الا المسجد الحرام ومسجد منى يقول القاضي اسماعيل المتقدم ذكره قبل قليل ناقلا عن محمد بن مسلمة من فقهاء المالكية ايضا قال ويكره في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الجهر على المصلين فيما يخلط عليهم صلاتهم كيف يعني يعني لا يقرأ قارئ القرآن رافعا صوته فيزعج من بجواره. او قام يصلي في رفع صوته بالصلاة والقراءة والدعاء او رفع يديه يدعو فلا يكون جهره بالصوت في القراءة والدعاء او في الذكر والتسبيح او في المناجاة ونحوها لا يكون بحيث يشوش على من بجواره. فالكل جاء يذكر الله والكل جاء يقرأ القرآن. فينبغي العناية ايضا بهذا قال وليس مما يخص به المساجد رفع الصوت. قد كره رفع الصوت بالتلبية في مساجد الجماعات الا المسجد الحرام ومسجد منى. يقول التلبية وهي شعار للمحرم ما ينبغي رفع الصوت بها في المساجد لان المساجد لا يليق بها رفع الاصوات مع ان التلبية شعار الاحرام وهي ايضا خير ما يشغل به المحرم وقته. والسنة للرجال رفع الاصوات بها لكن ان كانوا في المساجد كان لهم خفظ الصوت وغظه لانه في بيوت الله قال الا المسجد الحرام ومسجد منى والسبب انه معقل قصد الحجاج فانهم اذا اتوا المسجد الحرام ما جاءوا الا محرمين. فاذا رفعوا اصواتهم هم في جوف اداء النسك. وكذا الحال في منى يوم التروية. فانهم ايضا محرمون. وينطلقون الى منى صبيحة يوم عرفة ينطلقون الى عرفة صبيحة يوم التاسع وشعارهم التلبية فترفع الاصوات في المسجد الحرام وفي مسجد منى يعني مسجد الخيف وغيره لانه في اداء النسك وهذا وظيفة وقتهم الذي هم فيه. وما عدا ذلك فينبغي خفض الصوت. على ان بعض فقهاء الحنفية وغيرهم رأى ان المسجد الحرام ومسجد منى كسائر المساجد. وادى التلبية ترفع بها الاصوات فيما عدا ساجد ويستوي في هذا ايضا المسجد الحرام ومساجد المشاعر في منى وعرفات ومزدلفة وغيرها. هذا اذا من المتعلقة ببيوت الله ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم اكدها في العناية بها وهو خفض الصوت والعناية بالادب لمن قصده مصليا وزائرا للمصطفى عليه الصلاة والسلام وقال ابو هريرة عنه عليه السلام صلاة في مسجدي هذا خير من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام حرام قال القاضي ابو الفضل اختلف الناس في معنى هذا الاستثناء على اختلافهم في المفاضلة بين مكة والمدينة. فذهب مالك في رواية اشهب انه وقال ابن نافع صاحبه وجماعة اصحابه الى ان معنى الحديث ان الصلاة في مسجد الرسول افضل من الصلاة في سائر المساجد بالف صلاة الا المسجد الحرام حرام فان الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم افضل من الصلاة فيه بدون الالف واحتجوا بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه فتأتي فضيلة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بتسعمائة وعلى غيره بالف. ها هنا مسألة مهمة يا كرام قضية فضل الصلاة في مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة وليس مسلم يخفى عنه هذا الحكم غالبا. فان عامة المسلمين يدركون ان الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالف صلاة وهي في بعض الروايات تعدل الف صلاة وفي بعضها هي افضل من الف صلاة فيما سواه وايضا مما لا يخفى على مسلم في الغالب ان الفضيلة في المسجد الحرام تعدل مئة الف صلاة وانها اما ان تعدل او انها افضل كما في بعض الروايات والمقصود هذان فضلان الصلاة في المسجد الحرام ثبت فيه الحديث بمائة الف صلاة والصلاة في المسجد النبوي ثبت فيه الحديث ايضا بالف صلاة. قال المصنف رحمه الله مشيرا الى حديث البخاري ومسلم صلاة في مسجدي هذا خير من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام. استثنى المسجد الحرام الاستثناء هنا اخراج للمسجد الحرام من هذه المفاضلة اذا فالصلاة في المسجد النبوي خير من الف صلاة في اي مسجد سواه ولو كان من مساجد المدينة كذلك مساجد احياء المدينة ولو قلت مسجد قباء او مسجد القبلتين او مسجد حي كذا وكذا وما وما سميت من مساجد المدينة. فانها لا تشارك المسجد النبوي في الفضل قال عليه الصلاة والسلام الا المسجد الحرام. يقول القاضي عياض اختلف الناس في معنى هذا الاستثناء بناء على اختلافهم في المفاضلة بين مكة والمدينة ومذهب الامام ما لك رحمه الله والذي عليه جل المالكية من فقهاء اصحابه ان المدينة افضل من مكة ومسألة ستأتي الاشارة اليه قريبا ومن فضل المدينة على مكة جعل الحديث هذا تأكيدا على تفضيل الصلاة في المدينة الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام فما به قالوا هو مسكوت عنه وليس يدل على انه افضل من المسجد النبوي غاية ما فيه ان المسجد النبوي لا ينطبق فيه الفضل بالف صلاة على المسجد الحرام. يقول القاضي عياض فذهب مالك في رواية اشهب عنه وقاله ابن نافع صاحبه وجماعة اصحابه الى ان معنى الحديث ان الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم افضل من الصلاة في سائر المساجد في صلاة الا المسجد الحرام. ما به؟ قال فان الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم افضل من الصلاة فيه ايضا لكن بدون الالف يعني الصلاة في المسجد النبوي افضل من الصلاة في مسجد قباء بكم بالف والصلاة في المسجد النبوي افضل من الصلاة في مساجد مصر والسودان وباكستان والعراق وسائر بلاد الدنيا بكم بالف الا المسجد الحرام فالمسجد النبوي افضل من الصلاة في المسجد الحرام لكن من غير التقييد بالالف فجعلوا الاستثناء الا المسجد الحرام فانه ليس المفاضلة فيه بالف. هو افضل ولكن من غير التقييد بالالف هذه طريقة التي ذكرها المصنف رحمه الله فيها بيان لمن فضل المدينة على مكة وهي مذهب لبعض العلماء قال واحتجوا بما روي عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه هذا موقوف على عمر رضي الله عنه ومن كلامه قال فتأتي فضيلة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بتسعمائة وعلى غيره بالف يعني اذا اعطينا المسجد الحرام فظيلة مئة وكان المسجد النبوي له الف فاذا خصمتها منها صارت كم تسع مئة يقول فاذا جمعت اثر عمر مع الحديث المتقدم تكون النتيجة كالتالي الصلاة في المسجد النبوي افضل من مساجد الدنيا كلها فيها بالف صلاة وافضل من المسجد الحرام بتسع مئة صلاة لان المسجد الحرام على ما جاء في اثر عمر خير من مئة صلاة. فاذا خصمت المئة بقيت تسع مئة لصالح المسجد النبوي فيكون الفضل له ايضا بهذا الطريقة التي بينها المصنف رحمه الله تعالى نعم واحتجوا واحتجوا بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه فتأتي فضيلة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بتسعمائة وعلى غيره بالف. نعم. هذه فيها نظر لانه سيأتي بعد قليل حديث صلاة في المسجد الحرام افضل من الصلاة في مسجدي هذا بمئة صلاة والحديث الاخر صلاة في المسجد الحرام افضل من مئة الف صلاة فيما سواه. على كل حال هو يحكي لك مذهبا لبعض الفقهاء وطريقة له في تقرير فهم الحديث ولو انك اخذت ذلك الحديث لتبين ان الاستثناء من التفظيل في النبوي بقوله الا المسجد الحرام فانه يخرجه من هذه المفاضلة. واذا اردت ان تبحث عن فضيلة الصلاة في المسجد الحرام تجدها منصوصة واضحة في الحديث المرفوع الاتي ذكره بعد قليل صلاة في المسجد الحرام تعدل او من مئة الف صلاة فيما سواها ويدخل في ذلك المسجد النبوي وله من الخصوصية الالف. فتكون المفاضلة بين المسجد الحرام خاصة. والمسجد النبوي بكم اذا كان المسجد النبوي بالف والمسجد الحرم بمائة الف فكم الفرق بينهما مئة صلاة مئة فيكون المئة هي الفارق بين المسجد الحرام والمسجد النبوي. يقول المصنف رحمه الله وهو يحكي هذا الخلاف قال وهذا مبني على تفضيل المدينة على مكة نعم وهذا مبني على تفضيل المدينة على مكة على ما قدمناه. وهو قول عمر بن الخطاب ومالك واكثر لاهل المدينة وذهب اهل الكوفة ومكة الى تفضيل مكة وهو قول عطاء وابن وهب وابن حبيب من اصحاب ما لك رضي الله عنه وحكاه الساجي عن الشافعي. وحملوا وحملوا الاستثناء في الحديث المتقدم على ظاهره. وان الصلاة في المسجد الحرام افضل. ما زالت هذه المسألة يا كرام محل منازعة بين اهل العلم في تفضيل مكة للمدينة او العكس والمالكية لان امام مذهبهم الامام ما لك رحمة الله عليه امام دار الهجرة كان مقيما بالمدينة وقد تعلق بها فضله ومكانته رضي الله عنه فانه يرى تفضيل المدينة. ويحتج بجملة من الادلة ليس هذا المقام وسطها وعرضها لكنها ما زالت محل جدل بين العلماء في تفضيل مكة وذكر الادلة على ذلك. وتفضيل المدينة وذكر الادلة على ذلك يقول رحمه الله في بيان الخلاف في تفضيل الصلاة في المسجدين المسجد الحرام والمسجد النبوي قال وهذا مبني على تفضيل المدينة على مكة على ما قدمناه وهو قول عمر بن الخطاب ومالك واكثر اهل المدينة ومن قال بالعكس ذهب الى العكس قال وذهب اهل الكوفة ومكة الى تفضيل مكة وهو قول عطاء وابن وهب وابن حبيب من اصحاب مالك وحكاه الساجي عن الشافعي وحملوا الاستثناء في الحديث المتقدم لما قال الا المسجد الحرام حملوه على ظاهره وان الصلاة في المسجد الحرام افضل. فما تزال المفاضلة بين البلدين قائمة. ولكل من المدينتين الكريمتين فضل والمسجد الحرام له فضله. والمسجد النبوي له فضله لكن اعلم رعاك الله ان فضل البلدين من حيث هما بلدان مكة والمدينة ليس متعلقا بالصلاة في المسجدين فقط. نعم فضل مكة في بعض وجوهها بل اعظم وجوه بتفضيل مكة فضيلة الصلاة في المسجد الحرام. واحد اعظم وجوه تفضيل المدينة فضيلة الصلاة في مسجدها. لكن لكل من المدينتين فضائل اخر. سيأتي المصنف ها هنا في هذا الفصل على بعض فضائل المدينة ومناقبها وما خصت به وكذلك مكة حرسها الله فان الله خصها بفظائل ليس ايظا هذا مقام ذكرها. لكن الاشارة الى خلاف من بين العلماء وهو خلاف سائغ في تفضيل احدى المدينتين على اخرى. بل وتفضيل سكنى احدى المدينتين على الاخرى. فمن قال ان مكة واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام لما خرج من مكة مهاجرا والله انك لاحب البلاد الى الله ولولا ان قومك اخرجوني ما خرجت وفي بعض الروايات ما سكنت غيرك ويقسم عليه الصلاة والسلام على انها احب البلاد اليه ايضا هو عليه الصلاة والسلام. فيقولون اما ترون هذا قسم به رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان مكة خير واحب من كل بلاد الدنيا الى الله والى رسول الله عليه الصلاة والسلام مهما كان هذا دليلا تراه ظاهرا قويا سيقابله الحديث الاخر فماذا تقول في هجرته وسكناه صلى الله عليه وسلم بنا فان قلت خرج مضطرا في الهجرة فماذا تقول فيما بعد فتح مكة؟ وقد دخلها فاتحا ماذا تقول وقد سأله الانصار ان يعطيهم قسمه من الغنيمة يوم حنين؟ قال يا معشر الانصار اما ترضون ان يرجع بالشاء والبعير ترجعون برسول الله الى دياركم صلى الله عليه وسلم. تفضيله المدينة وتعلق قلبه الكريم صلى الله عليه وسلم بها فيما بقي من عمره حتى مات بها فدفن. فكان مرقده ومضجعه صلى الله عليه وسلم بها جعل لها تفضيلا لا يوازيها بلد. فكل من البلدتين لها فضلها ولها مكانتها ومن اللطيف الذي يذكر في مناقشة العلماء في تفضيل مكة والمدينة يحكى ان مجلسا عقده بعض حكام مكة قديما جلس فيه عالم من اهل المدينة مع عالم من اهل مكة وتناظر في تفضيل احدى المدينتين على الاخرى وجعل كل عالم يدلي بادلته وطال بهم الليل وسمر تلك الليلة وكل يذكر دليلا على تفضيل مكة او المدينة. فلما طال المجلس واراد الحاكم انهاءه قال بلطف لا نزاع. مكة والمدينة عينان في رأس فقال عالم المدينة نعم ولكن المدينة العين اليمنى منازعة في الاصرار على ان لها مزية وفظلا ولو بوجه او نصف درجة. فيبقى لكل من محبي مكة والمدينة تعلق يبقى لكل من المدينتين فضل واذا رجح بعض اهل العلم احدى المدينتين على الاخرى لا يعني انتقاصا للثانية لكنه ترجيح بالنظر الى الدليل. وانت انت لو سألت اي المدينتين افضل؟ ستقول اما مكة واما المدينة. فهو صير الى بعض الادلة التي جاءت فيها والا فهما خير مدينتين على وجه الارض قط احداهما فيها بيت الله الحرام والثاني فيها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبره الذي ثوى فيه صلوات ربي وسلامه عليه واحتجوا بحديث وذهب اهل الكوفة وذهب اهل الكوفة ومكة الى تفضيل مكة وهو قول عطاء وابن وهب وابن حبيب من اصحاب ما لك رحمه الله. وحكاه الساجي عن الشافعي. وحملوا الاستثناء في الحديث المتقدم على ظاهره وان الصلاة في المسجد الحرام افضل واحتجوا بحديث عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث ابي هريرة. وفيه وصلاة في المسجد الحرام افضل من الصلاة في مسجدي هذا بمئة صلاة. نعم حديث عبدالله بن الزبير المذكور ها هنا وقد اخرجه الامام واحمد في مسنده وحسنه النووي في شرحه على صحيح مسلم فيه لفظ حديث ابي هريرة المتقدم الذي قال فيه صلاة في مسجدي هذا خير من الف صلاة فيما سواه المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام افضل من الصلاة في مسجدي هذا بمئة صلاة. فهذا نص واضح صريح في ان تفضيل الصلاة في المسجد الحرام يفوق المساجد كلها بما فيها المسجد النبوي. لكن الفارق لن يكون كسائر تجد لما خص به المسجد النبوي بالف صلاة وباقي المساجد يبقى الفضل فيها للمسجد الحرام بمائة الف صلاة. نعم وروق قتادة مثله فيأتي فضل الصلاة في المسجد الحرام على هذا على على الصلاة في سائر المساجد بمائة الف نعم فيأتي فضل الصلاة في المسجد الحرام على سائر المساجد بمائة الف وعلى مسجده صلى الله عليه وسلم بمئة صلاة لان المسجد النبوي قد ثبت له فضل الالف ومع ثبوت هذا الفضل للصلاة في كل من المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم يبقى المؤمن الزائر للحرمين الشريفين حريصا على نيل هذا الاجر وابتغاء هذا الفضل وسيأتي ليلة الجمعة المقبلة ان شاء الله تعالى ذكرى ما يسوقه المصنف من خلاف الفقهاء هل هذا الفضل خاص بصلاة الفريضة ام يشمل النفل ايظا؟ وهل هو ذلك بالجمع وغيرها على ما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى لكن ها هنا مسألة يحسن آآ ذكرها والاشارة اليها. وهي ما يخص اهل مكة خاصة ومن اكرمهم الله بسكناها وجوار البيت الحرام والتنعم بهذا الفضل ونيل اجر مئة الف صلاة. على ان تقول انه المسجد المحيط بالكعبة خاصة او انه على الراجح مساجد احياء مكة في حدود الحرم كله ينالها هذه المضاعفة. يبقى السؤال فهل يخرج اهل مكة الى المدينة للزيارة ان كان البحث عن فضل الصلاة فهل يتركون فضيلة المئة الف صلاة للذهاب الى المسجد النبوي من اجل الصلاة بالف هذا ليس هو المقصود وبعض الناس يوردها على هذا ويستشكله. فان كانت الفضيلة متعلقة بالصلاة فالصلاة في المسجد الحرام افضل وليس عاقل يترك الفاضل الى المفضول ويترك المئة الف لينال الفا فقط لكن الجواب ان الزائر للمدينة ليس يبحث فقط عن اجر الصلاة في المسجد هذا بعض ما يحصله الزائر للمدينة. وبعض ما يجنيه باتيانه الى مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم ان ينال اجر الصلاة في مسجده. لكن اين انت؟ عن باقي الفضائل التي يجدها الزائر للمدينة. وعلى رأس ذلك ما يتنعم به القلب من معاني الايمان والحنين والشوق وارتواء الفؤاد وامتلاء الصدر من المحبة المعاني التي يجدها الزائر في مسجده عليه الصلاة والسلام وهو يعرف ان تاريخا عظيما تحمله السيرة النبوية في كل شبر في ذلك البلد الكريم. فيتجدد عنده معاني الايمان والحب. ومعان عظيمة جعلت مشروعة لزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم فضلا عما يحصل له من الشرف بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند زيارة قبره وكذا الصلاة في الروضة وزيارة المعالم والمشاهد الاخر التي كانت ولا زالت تقصدها الجموع التي تأتي زائرة الى مسجده عليه الصلاة والسلام. وبهذا ينجلي الاشكال فان الزائر يحصل جملة من الفوائد الجمة والمعاني العظيمة. التي يرجع بها الزائر وقد ازداد ايمانا. وقد اقترب الى ربه وقد ارتوى فؤاده وامتلأ صدره من معاني الحب والايمان الايمان والتعظيم لله جل جلاله ولنبيه صلوات الله وسلامه عليه. ما يزال في الفصل بقية نأتي عليها ليلة الجمعة المقبلة ان شاء الله تعالى. فاملأوا جمعتكم هذه بما شرع لكم من الاستكثار فيه من الصلاة والسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم يا جمعة البشرى فديتك فاسكبي نور الهدى في قلب كل موحد فاغسل همومك يا تقي بها ولا تقنط وصل على النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم فاللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاما تبلغنا بها اعلى الدرجات. واجعلها يا رب صلاة وسلاما تزيدنا بها في الحسنة تناتي وتكفر عنا بها السيئات. اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين. ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم. وتب علينا انك انت تواب الرحيم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. اللهم اجعل لنا ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية يا ارحم الراحمين. اللهم انا نسألك وانت الواحد الاحد الصمد والذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد. ان تتقبل من امة الاسلام صيام رمضان وقيامه. وتجعله يا رب عندك مقبولا الخالصا لوجهك الكريم واغفر لنا ما كان فيه من الزلل والخطأ والتقصير انك انت السميع العليم. اللهم وهب لنا من فضلك وخيرك وجودك واحسانك ما نتنعم به من القرب منك يا كريم. واجعل اعمالنا صالحة يا ذا الجلال والاكرام. اللهم ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلي يا ربي وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين