قلتم احسن الله اليكم المعقد الخامس سلوك الجادة الموصلة اليه لكل مطلوب طريق يوصل اليه فمن سلك جادة مطلوبه اوقفه عليه ومن عدل عنها لم يظفر بمطلوبه. وان العلم طريقا من اخطأها ضل ولم ينل المقصود وربما اصاب فائدة قليلة مع تعب كثير. يقول السرنجي في كتابه تعليم وتعلم. وكل من اخطأ الطريق ضل ولا ينال المقصود لقل اوجل. وقال ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد الجهل بالطريق وافاتها والمقصود يوجب التعب الكثير مع القليلة وقد ذكر هذا الطريق بلفظ جامع مانع محمد مرتضى ابن محمد الزبيدي صاحب تاج العروس في منظومة له تسمى الفية يقول فيها فما حوى الغاية في الف سنة شخص فخذ من كل فن احسنه بحفظ متن جامع للراجح خذه على مفيد الناصحين. فطريق العلم وجادته مبنية على امرين من اخذ بهما كان معظما للعلم. لانه يطلبه من حيث اذ يمكن الوصول اليه. فاما الامر الاول فحفظ متن جامع للراجح فلابد من حفظ. ومن ظن انه ينال العلم بلا حفظ فانه يطلب محالا والمحفوظ المعول عليه هو المتن الجامع للراجح اي المعتمد عند اهل الفن. فلا ينتفع طالب يحفظ المغمور في فن ويترك مشهورة. كمن يحفظ الاثاري في النحو يترك الفية ابن مالك. واما الامر الثاني فاخذوه على مفيد ناصح فتفزع الى شيخ تتفهم عنه معادية يتصف بهذين الوصفين اولهما الافادة وهي الاهلية في العلم فيكون ممن عرف بطلب العلم وتلقيه حتى ادرك فصارت له قوية فيه والاصل في هذا ما اخرجه ابو داوود في سننه قال حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن ابي شيبة قال حدثنا جري الاعمش عن عبدالله بن عبدالله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تسمعون يسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم واسناده قوي. والعبرة بعموم الخطاب لا بخصوص المخاطب. فلا يزال من معالم العلم في هذه الامة ان يأخذه الخالف عن السالف. اما الوصف الثاني فهو النصيحة وتجمع معنيين اثنين. احدهما صلاحية الشيخ للاقتداء به والاهتداء بهديه ودله وسمته والاخر معرفته بطرائق التعليم بحيث يحسن تعليم المتعلم ويعرف ما يصلح له وما يضره وفق التربية العلمية التي ذكرها الشاطبي رحمه الله في الموافقات. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الخامس من معاقد تعظيم العلم وهو سلوك الجادة الموصلة اليه. والجادة هي الطريق. وذكر ان كل مطلوب له طريق من سلكه وقف عليه. ومن عدل عنه لم يظفر بمطلوبه. ومن جملة ذلك ان علمي طريقا من سلكها وصل الى بغيته منه. ومن اخطأها فان منتهاه الى حالين الحال الاولى ان يضل فلا ينال مقصوده. ان يضل فلا ينال مقصوده. والحال الاخرى ان يصيب فائدة قليلة مع تعب كثير. ان يصيب فائدة قليلة مع تعب كثيرة فالمخطئون جادة العلم تارة ينتهي بهم سلوكهم الى فراغ النفس من العلم. فلا يحصل منه شيئا وتارة ينتهي امره الى تحصيله شيئا قليلا. مع كونه بدل تعبا كثيرا في طلب العلم ثم ذكر من الكلام المنقول عمن تقدم ما يدل عليه ومن جملته قول ابن القيم رحمه الله الجهل بالطريق وافاتها والمقصود يوجب التعب الكثير مع الفائدة القليلة. فالتعب الكثير الذي يعرض لا بالعلم اليوم ويحرزون معه فائدة قليلة منشأه واحد من هذه الامور الثلاثة الجهل بالطريق. فيلتمس العلم جاهلا الطريق الموصل اليه. وتانيها الجهل افات الطريق وهي الشرور التي تعرض للعبد فيه. فان كل طريق يسلك عليه شرور قاعدة لمن؟ سلكه. وثالثها الجهل بالمقصود. اي بالمراد الاعظم من طلب بالعلم وهو الرفعة عند الله سبحانه وتعالى بامتثال شرعه. فلما وجدت هذه المعاني كلها او بعضها عند اكثر المنتسبين الى العلم اليوم صارت الحال التي ذكرها ابن القيم متحققة فيهم فتجده يتعبون تعبا كثيرا. لكنهم لا ينالون من العلم الا قليلا. وقد ذكر شيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله ان طالب العلم كان يطلبه سبع سنين ثم ينبل فيه القضاء او الافتاء بل ذكر ابن بدران في المدخل ان طلب العلم لا يستغرق من صاحبه سوى ست سنين او اكثر يسيرا. وهذه المدة التي ذكرها ليست بمستبعدة على الحال التي كانوا عليها. فانهم كانوا في طريق العلم بمن سبقهم فيأخذون عن الاشياخ الذين تلقوا العلم ممن سلك جادة اخذه. فيكون في امنة لهم في طلب العلم ويحصلونه سريعا. واما اليوم فقد تحقق تلك الاحوال التي ذكرها ابن القيم. فتارة يوجد الجهل بالطريق وتارة يوجد الجهل بافاتها. وتارة يوجد الجهل بالمقصود من سلوك تلك الطريق. وتارة توجد هذه الامور الثلاثة كلها فيحصل من التعب الكثير ما تقصر العبارة حالا عن وصفه ولا اولئك الذين انهكوا ابدانهم وانفقوا اموالهم سوى بعلم يسير ومنشأ ذلك من هذه العلل التي ضربت في الناس بعطن حتى صاروا محرومين من العلم مع شدة رغبتهم فيه. ثم ذكر ممن نعت الطريق الموصل الى العلم محمد مرتضى الزبيدي في الفية السند اذ قال فما حوى الغاية في الف سنة شخص فخذ من كل فن بحفظ متن جامع للراجح تأخذه على مفيد ناصح. فطريق العلم وجادته مبنية على امرين. فاما الامر الاول فحفظ متن جامع للراجح. والمراد بجمعه للراجح جمعه للمعتمد عند اهل ان جمعه للمعتمد عند اهل الفن فلابد من حفظ والمحفوظ المعول عليه هو المتن لما انتهى اليه ارباب علم من العلوم. فلا ينتفع طالب يحفظ المغمور في فن ويترك مشكورا كمن يحفظ الفية الاثار في النحو ويترك الفية ابن مالك. فمن معائب اخذ العلم اليوم عدم حفظ اصول المعتمدة عند اهله. فلا بد من العناية بالحفظ. وان يكون محل المحفوظ منك هو المتن المعتمد عند اهل الفن. ومما يخل بحفظ المتن المعتمد افتان عظيمتان احداهما حفظه من نسخة غير وثيقة فيعمد محب العلم وملتمسه الى الاخذ من النسخ التي لا يبالي بصحتها وسلامتها واتقانها. فيحفظ من شيء صحيح كنسخة رائجة من كتاب مراقي السعود ادخل فيها بيتان ليسا من السعود فيحفظها طالب العلم ضانا ان هذين البيتين من ذلك المتن ولهذا نظائر فالنسخ فاسدة اليوم كثيرة بان العلم صار اليوم تجارة فصار الناشرون والتابعون له اكثرهم تجار ولم تكن هذه حال العلم من سبق فان تجارة العلم غالبا كانت عند اهله من العلماء الذين كانوا يسمون الى اختهم قريب بالقطبيين فكانوا علماء يشتغلون بالكتب جمعا وبيعا ثم طباعة لما نشأت المطابخ وقل ان تجد احدا ممن ابتدى علم في بلد الا وكانت له مطبعة سواء كان هذا في مطابع الشام او مطابع مصر او مطابع الجزائر او مطابع البحرين فالسابقون الى في العالم الاسلامي هم العلماء وهم الذين ادخلوا هذه التقنية عند المسلمين لاجل طباعة الكتب. ثم صار تجارة نشأت هذه النسخ الفاسدة. والافة الثانية الحفظ من نسخ دخلها الاصلاح. الحفظ من نسخ دخلها الاصلاح وهي النسخ التي تصرف فيها من تصرف من المعتنين بالكتب الذين يعمدون الى تحويل الفاظها بحسب ما يرونه راجحا. فيعمد احدهم الى متن معتمد ويغير كلمة او يغير بيتا ممن ويقول ان النظم الاصلي فيه العيب الفلاني من عيوب علم العروض او علم القافية. فالحفظ من هذه النسخ المصلحة معيب ايضا. فاذا حفظ الانسان فليحفظ من النسخ المعتمدة التي ابقت على وظع الكتاب الاصلي ان كان منظوما او كان منثورا وكانت هذه جادة من سبق فان من سبق اكثر تصحيحا واصلاحا للمتون من اهل العصر لكنهم كانوا يجعلونها في الشروح. واذا طالعت شرح ابن غازي المكناسي الفية ابن مالك وجدته اصلح في شرح كثيرا من ابياته لكن لا يعرف في بلاد المغرب احد حفظ الالفية بتصحيحات ابن غازي اي بتحويلاته لنص الفية ابن مالك لما رآه اختيارا بل بقي الناس يحفظون الفية ابن مالك وفق نصها الذي جعله عليه فلا ينبغي ان يشتغل طالب العلم بالنسخ المصلحة سوى النسخ التي وقع الاصلاح فيها في خطاب الشرع. فهذا امر لا بأس به. كالذي اليه علماء هذا العصر من نحو مئة سنة لما طبعوا العقيدة الواسطية فانهم طبعوا فيها على رواية حفص عن عاصم مع ان اصل الكتاب ليس على هذه القراءة فان المصنف رحمه الله كان يقرأ على ابي عمرو ابن العلا ولكنه طبع وفق هذه القراءة لتحقق حصول الانتفاع الاكمل بها. وكذلك مثله اصلاح الفاظ الحديث نبوي وفق ما انتهى الينا من النسخ التي بايدينا. فهذا لا بأس به فيستثنى من هذه الافة الامران المذكوران في الكتاب والسنة. ثم ذكر الامر الثاني وهو اخذ ذلك المتن على مفيد ناصح. فيفزع الى شيخ عنه معاني ذلك المتن يتصف بوصفين. اولهما الافادة وهي الاهلية في العلم. فيكون ممن عرف بطلب العلم وتلقيه حتى صارت له ملكة قوية فيه. وذكر الاصل في ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم تسمعون ويسمع منكم يسمع ممن سمع منكم فان الاصل في العلم في هذه الامة انه يؤخذ بالتلقي فيتلقاه الخلف عن السلف لهم. واما الوصف الثاني فهو النصيحة بان يكون المعلم ناصحا. وتجمع معنيين احدهما صلاح الشيخ للاقتداء به والاهتداء بهديه. ودله وسمته. والاخر معرفته بطرائق التعليم اما الاول وهو صلاحيته للاقتداء به اي بان يكون على حال حسنة من امتثال الشريعة فيصلح ان يكون مقتدى به امتثالها ويهتدى به في هديه ودله وسمته. والهدي اسم بالطريقة التي عليها العبد والهدي اسم للطريقة التي يكون عليها العبد. وعطف الدل والسمت عليه من عطف الخاص على العام من عطف الخاص على العام فاصل العام الهدي وهو الطريقة التي يكون عليها الانسان. واما الدل فهو الهدي المتعلق بالصورة الظاهر. هو الهدي المتعلق بالصورة الظاهرة واما السمت فهو الهدي المتعلق بالافعال اللازمة او المتعدية الهدي المتعلق بالافعال اللازمة للانسان في حركته او المتعدية الى غيره الصورة يسمى دلا. وانضباط الحركات يسمى سمتا. وكلاهما يرجعان الى الهدي فهو الوعاء الجامع لهما واما معرفته بطرائق التعليم فالمراد بها معرفته بمسالك ايصال العلم للمتعلمين وهي التي ارادها بقوله بحيث يحسن تعليم المتعلم ويعرف ما يصلح له وما يضره وفق التربية العلمية التي الشاطبي في الموافقة فان ايصال العلم للناس يكون على ادحاء مختلفة وليس وفق صورة واحدة لا يفرج عنها. وتقدير تلك الصورة بحسب ما يصلح للناس ويصلحون به في وامكنتهم واحوالهم فقد يحدث المرء الناس من الاحوال التي تعينهم على طلب العلم ما يحفظ به العلم. واصل ذلك قول عمر ابن عبد العزيز رحمه الله تحدث للناس اقضية بقدر ما يحدثون من الفساد اي يحصل لهم من انواع القضاء في الردع والزجر اشياء لم تكن في من تقدمهم ابتغاء زجرهم عن الشر الذي تمادوا فيه وتطاولوا متسابقين اليه. وكذلك يكون في الخير. فان الناس يحدث لهم من الاحوال التي تعينهم على حفظ الخير ما يبقي الدين فيهم. فمثلا كان في علم القراءات لا سيء اسمه الجمع الى المئة الخامسة. ثم لما ضعفت همم الناس وتغيرت احوالهم وجد ما ما يسمى بجمع القراءات. ولو اراد احد ان يبطله بدعوى ان السلف لم يكونوا يجمعون كان صادقا فانه لا يعرف جمع القراءات عن السلف. لكن المأخذ الذي عمد اليه اهل العلم بجمع القراءات حملهم عليه ابتغاء لئلا تضيع. فاعان جمع القراءات على حفظ القراءات الى يومنا هذا. ولو قدر ان المشتغل بالقراءة اليوم يريد ان يفرد لكل راوي ختمة مع ضيق اوقات الناس وكثرة اشغالهم صار امرا شاقا القراءات في النفس فمثله تلك الاحوال التي تحدث للناس في العلم فان الامر ليس توقيفيا وانما اصلحوا للناس من الاحوال ما يعينهم على حفظ العلم فيهم. فيكون ما يمدون به من طرائق التعليم ووسائله وسبله ما يعينهم على حفظه وبقائه فيه. ومن جملة ذلك ترتيب هذا البرنامج على هذا الوضع فان المقصود به معونة الناس على حفظ العلم فيهم. لا انه غاية المراد وروضة المرتاد بان لا يطلب الا بهذه الطريقة وان من حضره قد اصاب العلم. بل يحتاج الى اعادة النظر في هذه المتون حفظا وفهما مرات ويقسم ذلك في سنته كلها. لكن لا يمنع من هذه الحال. لان حفظ الدين في الناس صار اليوم لا يمكن الا بمثل هذه المسالك. ومن جملته وجود المعاهد والكليات والمدارس. فانها لم كانت لم تكن مرتبة عند السلف على هذه الحال ثم احتيج الى حفظ العلم بايجاد اماكن يخص بها مما يسمى بالمعاهد او المدارس او الكليات فالامر في ذلك يرجع الى ملاحظة اصل نافع وهو التربية العلمية التي يحفظ بها العلم والدين في الناس اهل العلم اذا الخلق فيكون مع ايصال العلم اليهم ولو كان قليلا ما يحفظ العلم فيه شواهده حاصلة في احوال الناس فان من عرف احوال الناس رأى ان مما يعينهم على ذلك حسن التلطف في الاخذ بايديهم الى العلم ومن بدائع الكلمات ما كان يذكره العلامة طاهر الجزائري رحمه الله انه كان يقول لاصحابه ومنهم بهجة البيطار الذي نقل عنه هذه الكلمة انه كان يقول لهم اذا جاءكم رجل يريد ان يتعلم هو في ثلاثة ايام فقولوا له يمكنك. وعلموه في هذه الايام الثلاثة ما يحب به النحو فيبقى في بطلبه فان من الناس من قد يأتيه احد يريد العلم فيقول اريد ان اطلبه في ثلاثة ايام. فيقول لا تقدر على ذلك فينقطع عن العلم نية ومن الناس من اذا جاءه ملتمس للعلم فقال ذلك قال احضر معنا وستدرك خيرا ثم يجلس عنده ثلاثة ويبقى عنده ربما ثلاث سنوات لما احب العلم. واذكر ان احد من ادركت من المشايخ وهو الشيخ محمد ابن حنطي رحمه الله جاء الى حلقة عالم مشهور في بلدة عنيزة نسبه بعض الحاسدين له الى مقالات الباطلة مكذوبة عليه. قال فاتيت من الرياض لزيارة اهلي في شقرا. فوصلت الى عنيزة ارادة ان اشق على هذا الرجل بالكلام واستخرج ما عنده من المقالات التي يذكرونها عنده. فأتيت اليهم ووافقت درسه في العقيدة دينية فجلست وراء الحلقة استكبارا ان اجلس في حلقته وهو ينسب الى تلك البقالة. فلما سمعت درسه بالتحرير الباهر والعلم النافع. قال فلما قام قمت معه فسألته اسئلة في العقيدة يرمى بالمخالفة فيها كان جوابه فيها بكلام ابن تيمية وكلام ابن القيم. قال فعرفت ان الرجل محسود. فرجعت واخذت اغراضي ومتاعي ولازمته حتى مات. فكان هذا الرجل لما سمع شيئا في مجلس واحد فارق ما كان عليه من المعلمين وتحول الى هذا المعلم ولازمه حتى مات وهو الشيخ عبدالرحمن ابن ناصر ابن سعدي رحمة الله على الجميع. نعم