احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد التاسع الصبر في العلم تحملا واداء اذ كل جليل من الامور لا يدرك الا بالصبر واعظم شيء تتحمل به النفس طلب المعالي تصبرها عليه. ولهذا كان الصبر والمصادرة مأمورا بهما لتحصيل تارة تحصيل كماله تارة اخرى. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا وقال تعالى واصبر نفسك مع الذي حين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. قال احمى ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الاية هي مجالس ولن يحصل احد العلم الا بالصبر. قال يحيى بن ابي كثير ايضا لا يستطاع العلم براحة الجسم. فبالصبر خرجوا من معرة الجهل. قال الاصمعي من لم يحتمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل ابدا. وبه تدرك العلم قال بعض السلف من لم يتحمل الم التعليم لم يذق لذة العلم ولابد دون الشهد من سم يسعى وكان يقال من لم يركب المصاعب لم ينل الرغائب. وصبر العلم نوعان احدهما صبر في تحمله واخذه. فالحفظ يحتاج الى صبر والفهم يحتاج الى صبر وحضور مجالسهم يحتاج الى صبر. ورعاية حق شيخه تحتاج الى صبر. والنوع الثاني صبر في اداء وبثه وتبليغه الى اهله فجلوس المتعلمين يحتاج الى صبر وافهامهم يحتاج الى صبر واحتمال زلاتهم يحتاج الى صبر وفوق هذين النوعين من صبر العلم الصبر على الصبر فيهما والثبات عليهما لكل الى شؤو العلا نبات ولكن عزيز في الرجال ثبات. ومن يلزم الصبر يظفر بالرشد. قال بويع للمصني رحمه الله اني رأيتها وفي الايام تجربة للصبر عاقبة محمودة الاثر. وقل من جد في شيء تطلبه واستصحب الصبر الا فاز بالظفر. ذكر المصنف وفقه الله المعقد التاسع من معاقد تعظيم العلم وهو الفضل في العلم تحملا واداء. والمراد بالتحمل التلقي. وبالاداء البذل والبذل فالمرء مفتقر الى الصبر في العلم في طرفيه تحملا بتلقيه عن اهله واداء ببذله وبثه للاخذين عنه. وكل امر جليل نافع لا ينال الا بالصبر ملئ القرآن بالامر بالصبر والحث عليه ومدحه وذكر فضل اهله. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا فنصبروا وصابروا امرا للعبد بالصبر والمصابرة. والصبر هو حبس النفس على حكم الله صابرة هو وجود ذلك عند المنازعة. فالمصابرة حال تطلب من الانسان اذا وجد ما ينازعه بحبس نفسه على حكم الله. فمبتدأ الحبس على حكم الله يسمى صبرا. فاذا تمادى الصبر حصلت له منازعة من النفس او من الشيطان او من غيرهما. فاذا غلب تلك المنازعة صارت هذه المثابرة وذكر قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي الاية وان يحيى ابن ابي رحمه الله قال في تفسيرها هي مجالس الفقه. فالعبد مأمور بان يصبر نفسه على مجالس في العلم تقربا الى الله سبحانه وتعالى بارادة وجهه. ثم ذكر ان العلم لا يحصل الا بالصبر وذكر ان من منفعة العلم في الصبر امران. احدهما انه يخرج العبد من معرة الجهل فعيب الجهالة لا يخرج منه العبد الا بالصبر. والاخر انه تدرك به لذة العلم. فلذة العلم لا تدرك الا بالصبر كما قال الشاعر ولابد دون الشهد من سم لسعة. والشهد هو العسل في شمعه والشاهد هو العسل في شمعه فاذا اراد مجتبي العسل ان يأخذه من من الشمع اصابته وخزات ابره النحل فكذلك الامور المعظمة دونها وخزات الالم. فلا بد ان يصبر الانسان نفسه عليها. ثم ذكر ان صبر العلم نوعان احدهما صبر في تحمله واخذه اي في تلقيه. فالحفظ يحتاج الى صبر والفهم يحتاج الى صبر. وحضور مجالس العلم يحتاج الى صبر ورعاية حق الشيخ تحتاج الى صبر. فلن تحفظ الا بصبر. ولن تفهم الا بصبر. ولن مجالس العلم الا بصبر ولن ترعى حق شيخك الا بصبر. والنوع الثاني صبر في ادائه وبثه وتبليغه لا اهله اي في نشره بين الناس. لان الجلوس للمتعلمين له لذة في مبدأ الامر. ثم اذا طال الامد صار فيه ثقل على النفس. فيحتاج المعلم الى منازعة نفسه من هذا الثقل حتى يقيمها بالصبر على الجلوس المتعلمين فيصبروا بالجلوس للمتعلمين. ويصبر كذلك على افهامهم. ويصبر على زلاتهم ولا يستقيم حال معلم لا يحدث قلبه بهذا. ويريد ان يستقيم له الناس على هواه. وهذا شيء لم يكن لخير الخلق وهو محمد صلى الله عليه وسلم. فقد بلغ من اذية الناس به ان يأتي اليه الاعرابي فيجذبه من جلبابه حتى يؤثر رداؤه في عنقه صلى الله عليه وسلم اي باحمراره وتغيره. فيصبر صلى الله عليه وسلم على مشقة ما يجده من الالم. فكذلك المعلمون الصادقون يصبرون على ما ولا يبالون بهذه الحال فانها حال كتبها الله على كل من اراد اقامة دينه فانه ما من نبي الا عود كما قال ورقة ابن نوفل في الصحيحين. وكما تكون المعاداة للانبياء تكون المعاداة لوراثهم من العلماء وقد يعاديهم من ينتسب الى العلم والخير. فالمعلم الناصح يصبر على هذا ويعلم انه من الابتلاء. ولا يعامل الخلق كما يعاملونه بل يعامل الخلق بما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه. فالألم الذي قد تريه بقول فلان او فعل فلان هو من كيد الشيطان له. ومما يدفع كيد الشيطان عنه ان يتسلى الانبياء عليهم صلوات الله وسلامه. فانهم ابتلوا باقوامهم. بل ابتلي بعضهم باهل بيوتهم. بل ابتلي بعضهم بازواجهم كما ابتلي نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام بزوجيهما. فاذا كان صفوة الخلق وهم الانبياء ابتلوا بما ابتلوا به. في تعليم الناس الخير وبث الدين وهدايتهم فان من ينوب عنهم في في العلم لا بد ان يعرض له من الناس احوال ودواؤها ان يصبر كما صبر الانبياء. وان يعامل الخلق كما عامل الانبياء الخلق فيقتدي بائمته من اهل الهدى من الانبياء والعلماء والصديقين والشهداء والصالحين فيسير بسيرهم. ولا يبالي بما يحصل من الناس. لانه لا يعامل الناس. وانما يرى ان جلوس وتعليمه وصبره قربة تقربه الى الله سبحانه وتعالى. فيكون ذلك اعظم مدد يمد به الانسان من الصبر. ثم ذكر ان فوق هذين النوعين من الصبر نوع اخر اعظم وهو الصبر فيهما والثبات عليهما فان الانسان قد يصبر مدة لكن الثبات على الرشد مما يعز في نفوس الناس. فينبغي اذا الانسان للصبر ان يحدث نفسه بان الصبر لا ينتهي الى امد. قيل لابي عبد الله احمد ابن حنبل متى الفراغ يا ابا عبد الله قال الفراغ في الجنة. يعني لا يجد الانسان راحة من العنت والمشقة التي تمسه في نفسه او في اهله من الخلق الا بان يدخله الله سبحانه وتعالى الجنة جعلنا الله واياكم من اهلها. نعم