بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. قلتم احسن الله اليكم فيه مؤلفكم تعظيم العلم. المعقد الثاني عشر انتخاب الصحبة الصالحة له. فالانسان مدني بالطبع واتخاذ الزميل ضرورة لازمة في نفوس الخلق. فيحتاج طالب العلم الى معاشرة غيره من الطلاب لتعينوا هذه المعاشرة على تحصيل العلم والاجتهاد في طلبه. والزمالة في العلم ان سلمت من الغوائل نافعة في الوصول الى المقصود ولا يحسن بقاصد العلا الا انتخاب صحبة صالحة تعينه. فان للخليل في خليله اثرا قال ابو داوود والترمذي والسياق لابي داوود حدثنا ابن بشار قال حدثنا ابو عمار وابو داوود قال حدثنا زهير بن محمد قال حدثني موسى ابن عبدان عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل. يقول الرابع الاصفاني رحمه الله ليس اعداء الجليس بجليسه بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر اليه لا تصحب الغسلان في حالاته كم صالح بفساد اخر يفسد عدوى البليد الى الجليد شريعة كالجمر يوضع في الرماد فيخمد. والجريد هو الجاد الحازم. وانما يختار للصحبة من يعاشر للفضيلة لا ولا للذة فان عقد المعاشرة يبرم على هذه المطالب الثلاث الفضيلة والمنفعة واللذة كما ذكره شيخ محمد الخضر بن حسين في وسائل الاصلاح فانتخب صديق الفضيلة زميلا فانك تعرف به. قال ابن مسعود رضي الله عنه يعتبر الرجل لمن يصاحب فانما يصاحب الرجل من هو مثله. وانشد ابو الفتح الوصي لنفسه اذا ما اصطنعت امرأ فليكن شريفا يجاري زكيا الحسب. فنذل الرجال كندل النبات فذل الثمار ولا للحطب ويقول ابن مانع في ارشاد الطلاب وهو يوصي طالب العلم ويحذر كل الحذر من مخالطة السفهاء واهل الوجود والوقاحة وسيء والاغنياء والبلداء فان مخالطتهم سبب الخدمان وشقاوة الانسان. وكان هذا عين قول سفيان ابن عيينة رحمه الله اني لاحرم جلساء الحديث الغريب لموضع رجل واحد ثقيل. فقد يحرم المتعلم العلم لاجل صاحبه احذر هذا الصنف وان تزيى بزي العلم فانه يفسدك من حيث لا تحس. ذكر المصنف وفقه الله المعقدة الثانية عشر من معاقد تعظيم العلم. وهو انتخاب صحبة صالحة له. اي اختيار صفوة من الخلق يصحبهم المتعلم فيه. فالانتخاب هو الاصطفاء. والداعي الى اختيار تلك الصفوة ان الانسان مدني بالطبع. اي مجبول على طلب مصاحبة غيره من بني جنسه فقوام مصالح الانسان لا يستقيم الا باتخاذ رفقة له تعينه على قلوبه ولا جهاد قيل الانسان مدني بالطبع. اي مفتقر في طبعه الى صحبة من يؤانسه فيعينه على مطلوبه. ثم ذكر ان اتخاذ الزمين ضرورة لازمة في نفوس الخلق فالمرء مفتقر الى من يؤانسه ويعينه من المعاشرين له. ثم قال والزمالة في العلم ان سلمت من الغوائل نافعة في الوصول الى المقصود. فمن اعظم المعونة على تحصيل العلم اتخاذ صحبة تعينه المرأة على طلبه. فالمرء اذا اتخذ صاحبا له يؤاخيه في العلم بتلك الصحبة بشرطها الذي ذكره في قوله ان سلمت من الغوائل اي سلمت من الامور التي تداخلها فتحيلها عما يبتغى منها. فانه اذا صارت صحبة احد لاحد في العلم لاجل معاشرته في طبعه فقط دون طلب تقوية الناس على طلب العلم او حرص المتأخون في العلم على تزين بعضهم لبعض او حبسوا انفسهم عن التواصي بالحق فلم يقوم احدهم اخاه اذا رأى منه خللا فان الصحبة حينئذ تكون مفسدة لا تحقق مطلوبا ثم قال ولا يحسن بقاصد العلا اي المطالب العالية ومن جملتها العلم الا انتخاب صحبة صالحة تعينه وعلله بقوله فان للخليل في خليله اثرا اي ان للزميل في زميله وارفع الزمالة بلوغ الخلة اي كمال المحبة بين المتزامرين بان يملأ قلب هذه حب اخيه المصاحب له فيكونان خليلين في العلم. ثم ذكر اصل هذا من السنة وهو حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل رواه ابو داود والترمذي وهو حديث حسن. فالرجل يكون مجاريا خليله. الذي يأنس به فيما يجتمعان عليه فينبغي ان يتخير المرء من اخلائه من يكون معينا له على الخير مقويا له على اتيانه ثم ذكر من المنقول عن الاوائل نترا ونظما ما يبين اثر الجليس في جليسه. ثم ذكر ان الاواصر التي تنعقد عليها الزمالة ويتصاحب لاجلها الناس ثلاث مطالب اولها صحبة فضيلة وثانيها صحبة المنفعة. وثالثها صحبة اللذة. ذكره شيخ شيوخنا محمد ابن حسين فان الناس يتآخون تارة لاجتماعهم على فضيلة يطلبونها ويتآخون تارة لاجل منفعة يرجوها بعضهم من بعض. ويتآخون تارة اخرى لاجل لذة يحصلها بعضهم من بعض وصحبة التي هي بالمقام الاعلى هي الصحبة لاجل الفضيلة. فان الاجتماع عليها يقوي صحبة المتآخين ويعينهم على تحصيل مطلوبهم. اما الصحبة لاجل اللذة او المنفعة فانها تنقطع بانقطاع موجبها وربما رجعت على اهلها شرا فان من يصاحب احدا لاجلهم منفعة يرجوها او لاي لذة يطلبها صرعان ما ينقبض عنه اذا فقد تلك المنفعة. ولم يحصل تلك اللذة اللائق بالمرء ان يتخير من الاصحاب من يصاحبه لاجل الفضائل. قال فانتخب صديق الفضيلة اذا فانك تعرف به. اي تتميز به عن غيرك. ثم ذكر من المنقول قول ابن مسعود رضي الله عنه يعتبر الرجل بما اي صاحب اي استدلوا على الرجل واعرفوه بمن يصاحبه فانما يصاحب الرجل من هو مثله. اي اذا صحب اهل فضائل الكاملة من اهل التوحيد والسنة والطاعة فهو منهم ومعهم. واذا صحب المتلطخين بالشرك والبدعة والفسوق فانه منهم ومعهم. ثم ذكر بيتين شهيرين لابي الفتح البستي الاديب انه قال اذا اما اصطنعت امرأ فليكن شريفا يجاري زكي الحسب. فنذل الرجال كندل النبات فلا للثمار ولا للحطب والنجار الاصل وهو بكسر النون وظمها ايضا. والانساب مؤثرة في الطبائع ابن تيمية الحفيد في اقتضاء الصراط المستقيم. فخوارم المروءة وما لا يليق لا تلم الا الاصل فيتخير المرء من خيار الناس في انسابهم ما يكون ذلك النسب حاملا لهم على ابتغاء الكمالات ثم ذكر من كلام ابن مانع رحمه الله وصيته طلاب العلم في قوله ويحذر كل الحذر من السفهاء واهل المجون والوقاحة وسيء السمعة والاغبياء والبلداء فان مخالطتهم سبب حرمان وشقاوة الانسان. فما هم فيه من سفه او مجون او وقاحة او سوء سمعة او بلادة ينجذب الى من جلس اليهم. فمن صحب هؤلاء واتخذهم اخلاء له سرت فيه تلك الادواء يوصفون بها فمصاحبة السفيه تورث السفاهة. ومصاحبة البليد تورث البلاد. الى اخر ما ذكره من انواع معي الشروق واعظم من هذا مصاحبة من فسد دينه بشرك او بدعة او فسوق فان تلك الاحوال الرديئة تنجذب الى من صحبه. فيسري فيه ما كان من دينه الفاسدين. ثم ذكر قول سفيان ابن عوينة رحمه الله اني لاحرم جلسائي الحديث الغريب لموضع رجل واحد ثقيل اي انه كان يحرم ان يجلسوا اليه الحديث الغريب اي الحديث الذي يستفاد لعلوه او موضع معناه فهو حديث شريف تطلب معرفته. فربما امسك سفيان عن التعذيب به. فلم يحدث به من يجلس اليه من اصحابه بالنظر الى موضع رجل واحد ثقيل اي لا يصلح للعلم. فلما رآه جالسا اليهم وقد اتخذوه صاحبا امسك الله تعالى عن بذل ما يحبون من العلم. فصحبة اهل الفضائل تورث الفضائل. وصحبة اهل الرذائل اورثوا الرذائل واحق الناس بطلب صحبة الفضلاء هم المنتسبون الى مقامات الفضل ومن اعظمها العلم ينبغي ان يتخير طالب العلم من الاصحاب من يكون صالحا يعينه على مطلوبه. فان ما فيه من الصلاح ينجذب اليه ويقوى في نفسه. كما انه اذا صحب من لا يستحق الصحبة من البلداء والسفهاء والوقهاء سمعة صارت اليه تلك الادواء والعلل. نعم