احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الثالث عشر بذل الجهد في تحفظ العلم والمذاكرة به والسؤال عنه للتلقيه عن شيوخ لا ينفع بها حفظ له ومذاكرة به وسؤال عنه. فهؤلاء تحقق في قلب طالب العلم تعظيمه وبكماء التفات اليه والاشتغال به فالحفظ خلوة بالنفس والمذاكرة جلوس الى القرين والسؤال اقبال على العالم. فبالحفظ يقرر العلم في القلب وينبغي ان يكون جل همتك طالب مصعوفا الى الحفظ والاعادة كما يقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره ولم يزن علماء الاعلام يحضون على الحفظ ويأمرون به الله ابن الحسن وجدت احضر العلم منفعة ما وعيته بقلبي وذكته بلساني. وسمعت شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى حفظنا قليلا وقرأنا كثيرا فانتفعنا بما حفظنا اكثر من انتفاعنا بما قرأنا ليس بعلم ما حاولت مطر وما العلم الا ما حواه الصدر والملتمس للعلم لا يستغني عن الحفظ. ولا يكمل به ان يخلي نفسه منه. واذا قدر على ما كان يرفع الفرات فليأخذ به فقد كان لا يترك كل يوم اذا اصبح ان يحفظ شيئا وين قل. ومن عقل هذا المعنى لم يزل من الحفظ بازدياد فلا ينقطع عنه حتى يموت كما اتفق ذلك لابن مالك رحمه الله صاحب الالفية المحوية فانه حفظ في يوم موته خمسة شواهد. وبالمذاكرة تدوم حياة العلم النفس ويقوى تعلقه بها والمراد بالمذاكرة وقد امرنا بتعاهد القرآن الذي هو انصر العلوم. قال البخاري رحمه الله حدثنا عبد الله يوسف وقال اخبرنا مالك عن نافع رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الابل معقدة هذا عليها امسكها ويلقلقها ذهبت. ورواه مسلم من حديث مالك به نحوه. قال ابن عبد الرضع في كتابه التمهيد عند هذا الحديث واذا كان القرآن ميسر للذكر كالابل معطلة من تعاهد فكيف بسائر العلوم؟ وكان الزهري رحمه الله يقول انما نعم النسيان وترك المذاكرة. وبالسؤال عن العلم تفتتح خزائنه. قال الزهري رحمه الله انما هذا وخزائن وتفتتحها المسألة. وحسن المسألة نصف العلم والسؤالات المصنفة عنه برهان جلي على عظيم سؤال وقلة الاقبال على العالي بالسؤال اذا ورد على بلد تكشف مبلغ العلم فيه. فهذا سفيان الثوري رحمه الله يقدم عسقلان فيمكث ثلاثا لا يسأله انسان عن شيء. فيقول رواد ابن الجراح احد احد اصحابه اكثر لي اخرج من هذا البلد هذا بلد يموت فيه العلم. فمن لقي شيخا فليتهم لقاءه بالسؤال عما يشكله عليه ويحتاج اليه. لا سؤال معنت ممتحن. وهذه عن الثلاثة علم بمنزلة الغطس للشجر وسقيه وتنميته بما يحفظ قوته ويدفع افته. فالحفظ غوص العلم والمذاكرة السقيم والسؤال وتنميته. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثالث عشر. من معاقد تعظيم العلم. وهو بذل في تحفظ العلم والمذاكرة به والسؤال عنه. ذاكرا ثلاثة اصول يحصل بها اولها تحفظ العلم اي حفظه والتحفظ هو طلب الحفظ وتانيها اي مدارسته مع الاقران. وثالثها السؤال عنه. اي الاستفهام عنه من اهله ثم افاض يبين ذلك مستفتحا كلامه بما يتعلق بالحفظ. ذاكرا منفعته. فقال اذ تلقيه عن الشيوخ لا ينفع بلا حفظ له. ومذاكرة به وسؤال عنه. فهؤلاء تحقق في قلب طالب العلم تعظيمه لكمال الالتفات اليه والاشتغال به. فالحفظ خلوة بالنفس. والمذاكرة جلوس الى القرين والسؤال اقبال على العالم. ثم ذكر منفعة الحفظ فقال فبالحفظ يقرر العلم في القلب ان يجعلوا قارا ثابتا فيه فان العلم لا يرسخ في القلب حتى يكون ملاصقا له الا مع الحفظ ترى فيما ذكر من مدحه قول عبيد الله بن الحسن وجدت احضر العلم منفعة اي اسرعه حضورا في النفس والنفع ما وعيته بقلبي. اي ما اتقنته وضبطته حفظا بقلبي. ولقته بلساني اي حركت به لساني متحفظا له. فان من قواعد اخذ العلم ان من اراد حفظ شيء حرك لسانه به رافعا صوته عند ارادة حفظه. فيجتمع على تحفظه التان. احداهما العين بالنظر في المحفوظ. والاخرى الة الاذن بالقاء السمع. فاذا اردت حفظ شيء فاقرأه رافعا صوتك فيجتمع على الحفظ التان. وهذا اقوى في تحصيل الحفظ. فالذين يحفظون بخفض اصواتهم يفوتون تارة سرعة الحفظ ويفوتون تارة اخرى ثبات المحفوظ في القلب. فثبات المحفوظ في القلب وسرعة الحفظ مناطتان باجتماع التين عظيمتين هما العين والسمع. فاذا اردت ان تحفظ شيئا فانظر الى توظي رافعا صوتك به عند قراءته وارادة تحفظه. كما ان من اراد ان يفهم شيئا خفض او حبسه عند ارادة فهمه. فان مما يجمع القلب عند ارادة فهم شيء ان تخفض صوتك به لئلا تشوش على سمعك وقلبك برفع الصوت. فيتبدد شمل قوتك القلبية في فهم العلم. فاذا اردت ان تحفظ شيئا فارفع صوتك. واذا اردت ان تفهم شيئا فاخفض صوتك. ثم ذكر قول ابن عثيمين رحمه الله قليلا وقرأنا كثيرا فانتفعنا بما حفظنا اكثر من انتباعنا بما قرأنا ثم انشد بيتا للخليل باحمد الفراهيدي صاحب العين انه قال ليس بعلم ما حوى القمط ما العلم الا ما حواه الصدر والق مطر وعاء تحفظ فيه الكتب. يشبه الحقيبة المعروفة في زماننا. فاخبر ان العلم النافع ليس هو ما يجعل في ذلك القمط او الحقيبة من الكتب. بل العلم النافع الذي يتميز به المرء عن غيره من حملة العلم هو ان يكون العلم محفوظا في صدره. ثم ذكر ان المتنمس للعلم لا يستغني عن الحفظ ولا به ان يخلي نفسه منه. واذا قدر على ما كان يصنع ابن الفرات فليأخذ به فان ابن الفرات كان لا يترك كل يوم اذا اصبح ان يحفظ شيئا وان قل. ومن لازم هذا بقيت قوته على الحفظ حتى يتوفاه الله فان المرء وان تقدمت به السن لا يعجز عن الحفظ اذا اعتاده. ما لم يفقد عقله فاذا فقد عقله صار حفظوا عليه ممتنعا واما مع تطاول العمر وكبر السن فانه اذا كان ملازما للحفظ يصير الحفظ عليه هينا كما اتفق لابن مالك صاحب الالفية انه حفظ خمسة شواهد في يوم موته رحمه الله تعالى. ومما يحول بين ملتمس العلم وبين الحفظ افتان عظيمتان. احداهما عدم رياضتهم على الحفظ فيسمع احدهم متكلما يتكلم عن فضيلة الحفظ في العلم. فيقبل على الحفظ وهو يريد ان يحفظ في المدة اليسيرة مادة كثيرة من العلم. فيضعف عن ذلك قدر عليه اول مرة او ثاني مرة ثم ينقطع عن ذلك. فمن اراد ان يترقى في الحفظ ويقوى فيه فانه ينبغي ان يأخذ نفسه شيئا فشيئا في حفظ قدرا يسيرا. ثم يرتقي بعد مدة مديدة لا زيادة ثم يلتقي بعد ذلك الى زيادة. واما الهجوم بالمبادرة عند ارادة الحفظ دون رياضة النفس فهذا يرجع عليها بالانقطاع تارة بعد قطع شيء يسير من الحفظ او عدم القدرة عليه. وقد ذكر ابو هلال العسكري في كتاب الحث على العلم انه راض نفسه على الحفظ وكان يعجز عنه فاخبر انه كان يبقى طويلة في شيء يسير فلم يزل يمارس الحفظ ويتعاطاه ويقوي نفسه عليه حتى بلغت قوته في انه حفظ في سحر واحد قصيدة لرؤبة ابن العجاج. قاتم الاعماق خاوي المخترق. وهي ثلاث ثم يأتي بيت وتلك القوة لم تكن معه اولا ولكنه درج نفسه شيئا فشيئا حتى بلغ تلك القوة فاذا اردت ان تحفظ في العلم فخذ شيئا يسيرا وابقى على هذا مدة ثم اذا ارتظت نفسك الحفظ انقلها الى زيادة يسيرة فاذا قويت عليها فانقلها الى زيادة اخرى. والنقل على حسب القوة فاذا عرفت انك اتقدر الا على شيء معين فلا تتجاوزه الى غيره. ولو كان يسيرا فاذا ابتدأ امرؤ ان يحفظ شيئا من القرآن فانه اخذوا حفظ شيء يسير كخمس ايات او عشر ايات او ربع وجه كما يقدر اليوم فاذا اخذ فيه مدة نقل نفسه لشيخه الى نصف صفحة فاذا اخذ على هذا مدة نقلها الى صفحة كاملة وربما يكون في الناس من يقدر على نقل نفسه شيئا فشيئا حتى يحفظ في يوم واحد جزءا واحدا كاملا. وقد كان عند ابتداء حفظه لا يقدر الا على شيء يسير وذلك ظاهر في القوى الباطنة كظهوره في القوى الظاهرة فان المرء اذا اراد ان يرفع شيئا من الاثقال احتاج ان عضلاته عليه في رفع في اليوم الاول خمسة اكيال ثم يلزم ذلك مدة ثم يزيده في رفع عشرة اكيال ثم يزيد بعد مدة في رفع عشرين كيلا حتى يصل الى مطلوبه مما يرفعه من الاثقال. فهؤلاء الذين نراهم في قوة ابدانهم يرفعون اثقالا شديدة لم يكونوا يقدرون على ذلك في ابتداء امرهم وانما اخذوا ذلك رياضة شيئا فشيئا ذلك العلم يؤخذ بالحفظ رياضة شيئا فشيئا. فينبغي ان يحذر طالب العلم من هذه الافة وهي الهجوم بالمبادرة على تكفير الحفظ قبل تقوية القلب. واما الافة الثانية فهي استطالة الطريق والاستعجال قالوا فيه فان من الناس من اذا رغب في الحفظ هجم على المحفوظات فتناولها واستعجل فيها فتراه يوم يحفظ في شيء ثم يقطعه بعد مدة وينقل نفسه الى شيء اخر ثم يقطعه بعد مدة وينقل نفسه الى علم اخر فهو مرة سمع انسانا يمدح حفظ القراءات فاقبل على الحفظ فيها. ثم سمع اخر يعيب حفظ القراءات قبل حفظ العقيدة فنقل نفسه الى حفظ متونها ثم سمع ثالثا يعجب من حفظ الكتب المدونة في مئة السابعة فما بعد بعدها ويترك حفظ السنة فينتقل الى حفظ كتب السنة. فلا يزال ينقد نفسه بين المحفوظات لانه استطاع قال الطريق واستعجل فيضعف سيره حينئذ. قال ابن القيم رحمه الله تعالى من استطال الطريق ضعف مشي من استطال الطريق ضعف مشيه اي من رأى طريق مطلوبه طويلا فانه يضعف في سيره اليه. ثم ذكر المصنف منفعة المذاكرة فقال وبالمذاكرة تدوم حياة العلم في النفس ويقوى تعلقه بها. وبين معنى المذاكرة فقال والمراد بالمذاكرة مدارسة الاقران. اي بان يجلس طالب العلم الى احد من زملائه في فيما اخذوه من العلم حفظا وفهما. ثم ذكر اصل المدارسة وهو الامر بتعاهد القرآن. في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الابل المعقلة اي المقيدة ان عاهد عليها امسكها اي ان راقبها ولاحظها حفظها وان اطلقها باهمالها والغفلة عنها ذهبت اذا كان هذا امرا متحققا في اصل العلم وهو ايسره فكيف بسائر العلوم كما قال ابن عبد البر؟ ثم ذكر منفعة السؤال عنه فقال وبالسؤال عن العلم تفتتح خزائنه وذكر قول ابن شهاب الزهري انما هذا العلم وتفتتحها المسألة. فاذا سأل المتعلم اشياخه استخرج منهم كثيرا من كنوز العلم. ثم قال حسن المسألة نصف العلم. فمما يدرك به الانسان مطلوبه من العلم ان يخرج سؤاله في صورة حسنة متأدبة فيتخير من احوال اهل العلم اوقات يسألهم فيها عما يغمض ويشكل من العلم فان ان الاستفادة بالسؤالات من طرائق استفادة العلم. وربما يصف لاحدنا لقاء عالم ينتفع بالقراءة عليه. الا ان ان حاله او زمانه او مكانه لا تمكنه من القراءة عليه. فلا ينبغي له ان يفرغ نفسه من الاستفادة به بان يعرض عليه اسئلة يقيد عنه الجوابات التي اجاب بها. وقد كان هذا اصلا من اصول العلم. وبه تعرف قدره المقيدات عن الامام اعبد كسؤالات ابنه صالح او سؤالات ابنه عبد الله او سؤالات اسحاق ابن منصور هو وغيره من اهل للعلم الذين حفظ عنهم علم كثير بسؤال طلاب العلم لهم. فاذا كنت تعرف عالما تعجز عن القراءة عنه لامر يعرض لك او له فينبغي لك ان تغتنم ملاحظتك له في سيره او في جلوسه فتتخير من الاوقات ما تطرح عليه به اسئلة تحفظ بها اجيبتها منتفعا لك ولغيرك. ثم قال فمن لقي شيخا لقاءه بالسؤال عما يشكل عليه ويحتاج اليه. لا سؤال متعنت ممتحن. فان من ابتغى في سؤال العلماء العنت بهم وانزال المشقة عليهم رجع عليه ذلك بالخيبة والحرمان. ثم ختم هذا المعقد بقوله وهذه المعاني الثلاثة للعلم بمنزلة الغرس للشجر وسقيه وتنميته بما يحفظ قوته ويدفع افته. فالحفظ العلمي فاذا حفظت العلم غرزته في قلبك. قال والمذاكرة سقيه اي بمنزلة الماء الذي يجرى الى ذلك العلم سقيا له. قال والسؤال عنه تنميته. اي تزكيته وتقويته وتكفيره في النفس نعم