السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي صير الدين مراتب ودرجات. وجعل للعلم به اصولا ومهمات. واشهد ان لا اله الا الله حقا واشهد ان محمدا عبده ورسوله صدقا اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اما بعد فحدثني جماعة من الشيوخ وهو اول حديث سمعته منهم. باسناد كل الى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابي قابوس مولى عبدالله بن عمرو عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ومن اكد الرحمة رحمة المعلمين بالمتعلمين في تلقينهم احكام الدين وترقيتهم في منازل اليقين ومن طرائق رحمتهم ايقافهم على اصول الفنون باقراء امهات المتون وتبين مقاصدها الكلية ومعانيها الاجمالية. ليستفتح بذلك المبتدئون تلقيهم ويجد فيه المتوسطون ما يذكرهم ويطلع منه المنتهون الى تحقيق مسائل العلم وهذا المجلس الاول في شرح الكتاب الاول من برنامج مهمات العلم في سنته الثانية عشرة اثنتين اربعين واربعمئة والف لمصنفه صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي نعم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين اجمعين. قلتم حفظكم الله تعالى في مصنفكم تعظيم العلم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله ما عظمه معظم وسار اليه راغب متعلم. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة نبرأ بها من شرك الاشراك فتوجب لنا النجاة من نار الهلاك. واشهد ان محمدا عبده ورسوله وارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فبلغ رسالته واداها واسلم امانته وابداها. انتصبت بدعوته اظهر الحجج واندفعت ببيناته الشبهات واللجج فورثنا المحجة البيضاء والسنة الغراء لا يأتيه فيها ملتمس ولا يرد عنها مقتبس. صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه عدد من تعلم وعلم. اما بعد فلم يزل العلم ارثا جليلا تتعاقب عليه تماثل جيلا جيلا ليس لطلاب المعالي هم سواه ولا رغبة لهم في مطلوب عداه. وكيف لا وبه تنال وسعادة الدارين وطيب العيشين هو شرف الوجود ونور الاغوار والنجود. حلية الاكابر ونزهة النواضر من مال اليه نعم ومن جال به غنم ومن انقاد له سلم لو كان سلعة تباع لبذلت فيه الاموال العظام او صعد في السماء لسمت اليه نفوس الكرام هو من المتاجر ارباح وفي المفاخر اشرفها اكرم المآثر مآثره واحمد الموارد موارده. فالسعيد من حض نفسه عليه حث ركاب روحه اليه. والشقي من زهد فيه او زهد وابعد عنه او بعد. انفه باريج العلم مزكوم وختم فهذا عبد محروم. والعلم يدخل قلب كل موفق من غير بواب ولا استئذان. ويرده المحروم من خذانه لا تشقنا اللهم بالحرمانك وان مما يملأ النفس سرورا ويشرح الصدر ويمده نورا. اقبال الخلق على مقاعد التعليم وتلمسهم صراطهم المستقيم دل دليل واصدقه تكاثر الدروس العلمية وتوالي الدورات التعليمية حلاوة في قلوب المؤمنين وشجن في حلوق الكفرة والمنافقين فالدروس معقودة والركب معكوفة. والفوائد شارقة والنفوس فائقة. الاشياخ ينفلون درر العلم والتلامذة ينضمون عقده وان من الاحسان الى هذه الجموع الصاعدة والاجيال الواعدة ارشادها الى سر حيازة العلم الذي يظفرها بمأمولها ويبلغها ما نهى رحمة بهم من الضياع في صحراء الاراء وظلماء الاهواء واعمالا لهذا الاصل جمل الحديث ايها المؤمنون عن تعظيم العلم فان حظ العبد من العلم موقوف على حظ قلبه من تعظيمه اجلاله فمن امتلأ قلبه بتعظيم العلم واجلاله صلح ان يكون محلا له. وبقدر نقصان هيبة العلم في القلب ينقصه وحظ العبد منه حتى يكون من القلوب قلب ليس فيه شيء من العلم. فمن عظم العلم لاحت انواره عليه رسل فنونه اليه ولم يكن ولم يكن لهمته غاية الا تلقيه. ولا لنفسه لذة الا الفكر فيه ان ابا محمد الدارمي الحافظ رحمه الله تعالى لمح هذا المعنى فختم كتاب العلم من سننه المسماة بالمسند الجامع بباب في اعظام العلم واعون شيء على الوصول الى اعظام العلم واجلاله. معرفة معاقل تعظيمه وهي الاصول الجامعة المحققة لعظمة العلم في القلب فمن اخذ بها كان معظما للعلم مجلا له. ومن ضيعها فلنفسه اضاع ولهواه اطاع. فلا يلومن ان فتر عنه الا يداك اوكتا وفوق نفخ. ومن لا يكرم العلم لا يكرمه العلم. وسنأتي بالقول باذن الله على عشرين معقدا يعظم بها العلم ومن غير بسط لمباحثها فان المقام لا يحتمل والاتيان على غاية كل معقد يحتاج الى زمن مديد. والمراد هنا التفصيلة تذكير وقليل يبقى فينفع خير من كثير يلقى في رفع. فخذ من هذه المعاقد بالنصيب الاكبر تنل الحظ الاوفر من رياض الفنون وحدائق العلوم واياك والاخلاج الى مقالة قوم حجبت قلوبهم وضعفت نفوسهم فزعموا ان هذه الاحوال غلو وتنطع وتشدد غير مقنع وقد ضرب بينهم وبينها بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. فليس مع هؤلاء على دعواهم من ادلة الشرع ما يصدقها. ولا من شواهد الاقدار ما يمثل وانما هي عذر البليد وحجة العاجز. فاين الغلو والتنطع من شيء الوحي شاهده والرعيد الاول ساري فكل معقد منها ثابت باية محكمة او سنة مصدقة او اثار عن خير القرون الماضية. فاذا وثقت بصدق او عقلت خبرها وخبرها فلا تقعد همتك بخطبة الكسل والتواني تتسلل اليها وهي تجلجل هذه احوال من ومن سلف الامة وخير الورى فاين الثرى من الثريا بل من سمت نفسه الى مقاماتهم ادركها فتشبهوا ان لم تكونوا مثلهم ان التشبه بالكرام فلاح. فاشهد قلبك هذه المعاقل وتدبر من قولها ومعقولها واستنبط منطوقها ومفهومها فالمباني خزائن المعاني ابتدأ المصنف وفقه الله كتابه بالبسملة ثم ثنى بالحمدلة ثم ثلث بالشهادة لله عز وجل بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة مقرونة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه وهؤلاء الاربع من اداب التصنيف اتفاقا فمن صنف كتابا اذ تحب له الابتداء بهن وكان مما ذكره المصنف في خطبة كتابه قوله وسار اليه راغب متعلم اي وسار الى الله راغب متعلم والسير الى الله لزوم طريقه وهو سلوك صراطه المستقيم ذكره ابن رجب في كتاب المحجة في سير الدلجة والسلوك فيه يكون بتنقيل العبد قلبه في منازل العبودية فكل منزلة من منازل العبودية هي مرحلة من مراحل سلوك الصراط المستقيم فالعبد يسير الى الله بقلبه وهمته لا ببدنه وجسده ذكره ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد وقوله بالشهادة لله بالوحدانية شهادة نبرأ بها من شرك الاشراك الشرك بفتح الراء وسكونها فيقال شرك وشرك وهو حبالة الصائد التي ينصبها لقنص الصيد وهو حبالة الصائد التي ينصبها لقنص الصيد اي الفخ الذي يجعل للصيد لارادة ايقاعه فيه والشرك من اعظم حبائل الشيطان التي يضل بها الخلق وقوله في الشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم واندفعت ببيناته الشبهات واللجج اللجج بتحريك اللام مفتوحة هو التمادي في الخصومة هو التمادي في الخصومة اي الاشتداد فيها ثم ذكر المصنف مقالا جامعا في فضل العلم وكان مما قاله فيه واصفا العلم ونور الاغوار والنجود اي منورهما والاغوار جمع غور والنجود جمع نجد والغور اسم لمن خفض من الارض واطمئن والنجد اسم لما علا منها فمن فظل العلم انه نور للارض كلها لما يكون بسببه من الخير في الارض لها ولاهلها وقال ايضا في فضل العلم حلية الاكابر اي زينتهم فالحلية بكسر الحاء اسم لما يتزين به وهي نوعان احدهما الحلية الباطنة ومحلها القلب بتزيينه بانواع الكمالات ومن اعظمها العلم والاخر الحلية الظاهرة ومحلها البدن بتزيينه بما جرت به عادة الناس في التجمل به على اختلاف ازمانهم وبلدانهم والعلم من الحلية الباطنة وترى اثاره على البدن فان الولوج في طلب العلم اشتغال بتزيين القلب مما ينفعه من البصيرة بمراد الله سبحانه وتعالى من العبد في عبوديته ومتى استقرت هذه الحلية في القلب بدت اثارها على البدن في سمت صاحبه وهديه ودله وخشوعه وسيرته فيصير متميزا بذلك عن غيره اي واضحة الفرق عند النظر اليه فيميزه الناظر فيه عن غيره من الناس وقوله فيها الدروس معقودة والركب معكوفة اي محبوسة فالعكوف الاقامة فهي محبوسة بالاقامة على طلب العلم وقوله فيها الاشياخ ينثلون درر العلم ان يستخرجونها فالنسل هو الاستخراج الشيوخ العلم يستخرجون فوائده ويعرضونها بضاعة نافعة على الاخرين عنهم ثم ذكر المصنف ان من الاحسان الى ملتمس العلم ارشادهم الى سر حيازته اي السبيل الممكن من حصول العبد عليه وهو تعظيم العلم. فمن عظم العلم حصله وانتفع به ومن لم يعظمه لم يحصل منه بغيته ومما يعين العبد على تحصيل او مما يعين العبد على تعظيم العلم معرفته الاصول المحققة ذلك المؤدية الى استقرار تلك العظمة في القلب وهي معاقد تعظيمه فالمراد بمعاقد تعظيم العلم الاصول الجامعة المحققة عظمة العلم في القلب الاصول الجامعة المحققة عظمة العلم في القلب فمن اخذ بها حصل له تعظيم العلم في قلبه. فادرك منه بغيته وحصل منيته ومن فاتته هذه الاصول او ضعف اخذه لها فاته من العلم بقدر ما اعتراه من النقص وفي هذه الرسالة ذكر عشرين معقدا من معاقد تعظيم العلم مؤسسة على دلائل بينة من القرآن والسنة والاثار ومصدقة بشواهد الاحوال مما كان عليه السلف الاخيار فمتى امتثلها العبد وصار بمظمنها حصل له تعظيم العلم في قلبه فصار متهيأ لاخذه صالحا ان يكون محلا له ومن مقاصد اقراء هذا الكتاب بين يدي هذا البرنامج خاصة ايقاظ النفوس لحملها على سلوك ذلك باحياء معالم هذه الاصول فيها وبثها بينها لتجتهد في الوصول الى رتبة تعظيم العلم فاذا البست تلك النفوس تعظيما العلم تشرفت بالازدلاف اليه والدخول فيه والتمكن منه والانتفاع به ها احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الاول تطهير وعاء العلم. وهو القلب فان لكل مطلوب وعاء وان وعاء علم القلب ووسخ الوعاء يعكره ويغير ما فيه. وبحسب طهارة القلب يدخله العلم. واذا ازدادت طهارته ازدادت قابليته للعلم ومثل العلم في القلب كنور المصباح ان صفا زجاجه شعت انواره وان لطخته الاوساخ كسفت انواره. فمن اراد حيازة كالعلم فليزين باطنه ويطهر قلبه من نجاسته. فالعلم جوهر لطيف لا يصلح الا للقلب النظيف. وطهارة القلب ترجع الى اصلين عظيمين احدهما طهارته من نجاسة الشبهات والاخر طهارته من نجاسة الشهوات. ولما لطهارة القلب من شأن عظيم امر النبي صلى الله عليه وسلم في اول ما امر بقوله تعالى في سورة المدثر وثيابك فطهر في قول من يفسر الثياب بالباطن فهو قول حسن له مأخذ صحيح واذا كنت تستحي من نظر مخلوق مثلك الى وسخ ثوبك فاستحي من نظر الله الى قلبك وفيه احن وبلايا وذنوب وخطايا قال مسلم بن الحجاج رحمه الله حدثنا عمرو الناقد قال حدثنا كثير ابن هشام قال حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد الاصم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم واحذر كمائن نفسك اللاتمة خرجت عليك كسرت كسر مهاني. من طهر قلبه فيه العلم حل. ومن لم يرفع منه نجاسته ودعوا العلم وارتحل. واذا تصفحت احوال طائفة من طلاب العلم في هذا المعقد رأيت خللا بينا. فاين تعظيم العلم من امرئ تغدو والشبهات في قلبه وتروح تدعوه صورة محرمة وتستهويه مقالة مجرمة حشوه المنكرات والتلذذ بالمحرمات فيه غل وفساد وحسد وعناد ونفاق وشقاق. انى لهؤلاء وللعلم ما هم منه ولا هو واليهم. قال سهل بن عبدالله رحمه الله حرام على قلب ان يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز وجل ذكر المصنف وفقه الله المعقد الاول من معاقد تعظيم العلم وهو تطهير وعاء العلم والمراد به المحل الذي يحفظ فيه العلم من النفس المحل الذي يحفظ فيه العلم من النفس والمراد بالحفظ الجعل سواء كان ضبطا لمبانيه او اتقانا بالفهم لمعانيه ثم ابان عنه بقوله وهو القلب. فان لكل مطلوب وعاء وان وعاء العلم القلب. ثم ذكر ان القلب فله مع العلم حالان احداهما ان يكون القلب طاهرا فينتفع بالعلم ويدخله والاخرى ان يكون القلب متلطخا بالاوساخ من النجاسات القلبية فيحصل له نقص من دخول العلم واستقراره فيه بقدر ما فيه من النجاسة المذهبة نور العلم وشبهه بنور المصباح فقال ومثل العلم في القلب كنور المصباح. ان صفا زجاجه شعت انواره. وان لطخته الاوساخ كسفت اي ذهبت فالكسوف هو ذهاب النور ثم ارشد ملتمس العلم الى الحال التي ينبغي ان يكون عليها فقال من اراد حيازة العلم فليزين باطنه ويطهر قلبه من نجاسته لانه اذا كان وعاء العلم وهو القلب. صالحا له استقبل العلم واستقر فيه وان كان غير صالح ولا معد لاستقباله لم يحصل ذلك. ثم علله بقوله فالعلم جوهر لطيف لا يصلح الا للقلب النظيف فذخيرة العلم التي ينتفع بها العبد في الدنيا والاخرة موقوفة على طهارة قلبه فان العلم جوهرة نفيسة وكما يحفظ الناس نفائس جواهرهم في اماكن تليق بها فان الله لا يجعل العلم الا في قلب نظيف والمراد بهذا الجعل ان يوجد فيه العلم النافع الذي يعين العبد على عبودية الله سبحانه وتعالى. وتتفجر معه ينابيع الفهم على لسانه لا مجرد حصوله على اسم العلم اذ قد يوجد اسم العلم مع وجود مفسدات للقلب. لكن اذا قيل لا يحصل العلم اي لا يحصل العلم المراد شرعا وهو العلم النافع ثم ذكر ان طهارة القلب ترجع الى اصلين عظيمين. احدهما طهارته من نجاسة فالشبهات والاخر طهارته من نجاسة الشبهات فان هاتين النجاستين تحفان القلب وتعرضان له فالعبد يهدد قلبه بورودهما فلا يحصل له العلم الا بدفعهما عنه. ثم ذكر ما لي طهارة القلب من شأن عظيم بان النبي صلى الله عليه وسلم خوطب بالامر بها في اوائل ما انزل عليه في قوله تعالى في سورة مدثر وثيابك فطهر. قال في قول من يفسر الثياب بالباطن وهو قول حسن له مأخذ صحيح وقد ذكر ابو جعفر الطبري رحمه الله في تفسيره ان هذا القول هو قول اكثر السلف يرون ان المراد بقوله تعالى وثيابك فطهر اي طهر اعمالك من كل نجاسة والسياق يقويه وهذا معنى قول المصنف له مأخذ صحيح وهو سياق الايات فان قوله تعالى وثيابك فطهر واقع بين ايتين اية فيها الامر بتوحيد الله وهي قوله تعالى وربك فكبر واية فيها النهي عن الشرك وهي قوله تعالى والرجز فاهجر فالمناسب للمعنى في تتابع سياق الايات ان يكون قوله تعالى وثيابك فطهر اي طهر باطنك من كل ما ينجسه واصول نجاسات القلب ثلاث اولها نجاسة الشرك وتانيها نجاسة البدعة وثالثها نجاسة المعصية ذكره ابن القيم في كتاب الفوائد ثم قال واذا كنت تستحي من نظر مخلوق مثلك الى وسخ ثوبك فاستحي من نظر الله الى قلبك وفيه احن وبلايا وذنوب وخطايا والاحن جمع احنا وهي حقد القلب ووغاره وهي حقد القلب ووغره اي ما يشحنه ويملأ باطنه حنقا ثم ذكر حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم وفيه بيان محل نظر الله من العبد. وانه ينظر الى عبده في شيئين احدهما قلبه والاخر عمله فالتقوى مؤلفة من قلب طاهر وعمل صالح ظاهر ويكون كمال حال العبد بحسب كمال هذا المعنى في قلبه وعمله ثم ذكر قول ابن القيم في نونيته واحذر كمائن نفسك اللاتي متى خرجت عليك كسرت كسر مهان اي احذر دفائن نفسك المخبوءة فيها من النجاسات القلبية التي متى استدعاها داع فخرجت واستولت على القلب اضرت بصاحبها. فنال من الذلة والمهانة بحسب ما يظهر عليه من الاخلاق المذمومة ثم ذكر من احوال طائفة من طلاب العلم ما يباين هذا الاصل ويناقضه ممن تغدو قلوبهم وتروح في الشهوات والشبهات وختم بقوله سهل ابن عبد الله التستري رحمه الله حرام على قلب ان يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز وجل اي يمتنع على القلب ان يدخله النور النافع من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ما دام فيه شيء مما يكرهه الله عز وجل فيحصل حجب النور عنه بقدر ما يوجد من المكروه في قلبه واصل هذا القول من التنزيل قوله تعالى ساصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق قال سفيان ابن عيينة في تفسيره في تفسيرها احرمهم فهم القرآن وقال محمد بن يوسف الفرياب امنع قلوبهم من التدبر في امري اي في الكلام في كلامي وهو القرآن وموجب منع قلوبهم من الانتفاع بالقرآن ما فيها من الكبر فانهم لما تكبروا وصار الكبر نازلا في قلوبهم اذلهم الله بالجهل ذكر هذا المعنى او الفداء ابن كثير في تفسيره فالادواء القلبية التي تعتري الانسان تحجب عنه من العلم النافع بقدر قوتها فيكون لها اثر في منع العبد من حصول مطلوبه منه كالمذكور في الاية المتقدمة وما سبق من تفسير من لها وان العبد اذا تكبر وصار الكبر نازلا قلبه اذله الله عز وجل بالجهل عقوبة له. فلم ينتفع بما يتلقاه من كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فالمراد بالمنع امتناع حصول الانتفاع فقد يحفظ القرآن والسنن ويعيفها ويميز مراتبها لكن لا يوجد عنده انتفاع بالعلم كما ينبغي من العمل به والدعوة اليه والصبر على ذلك وآآ ظهوري اثار العلم عليه في دله وهديه وسمته وسيرته وطريقته وما يدعو اليه فينبغي ان يعتني ملتمس العلم بقلبه عناية شديدة ليطهره فيحصل له بتطهيره بغيته بغيته من العلم فالقوة الظاهرة مهما عظمت لا تصلوا الى اثر القوى الباطنة من حسن حال قلب العبد وخلوصه من الشهوات والشبهات فيحصل له من بركة ادراك العلم والاهتداء به والنور في قلبه ما يحصل بهذه القوى الباطنة اعظم مما يحصل بغيرها من القوى الظاهرة من قوة الحفظ وجودة الفهم. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الثاني اخلاص النية فيه ان اخلاص الاعمال اساس قبولها وسلم وصولها قالت تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء. وقال البخاري في الجامع المسند الصحيح ومسلم في المسند الصحيح واللفظ للبخاري حدثنا عبد الله بن مسلمة قال اخبرنا مالك عن يحيى ابن سعيد عن محمد ابن ابراهيم عن علقمة عن عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه قال الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى. وما سبق من سبق لا وصل من وصل من السلف الصالحين الا بالاخلاص لله رب العالمين قال ابو بكر المروذي سمعت رجلا يقول لابي عبد الله يعني احمد بن حنبل وذكر له الصدق والاخلاص فقال ابو عبدالله بهذا ارتفع القوم وان كما ينال المرء العلم على قدر اخلاصه والاخلاص في العلم يقوم على اربعة اصول بها تتحقق نية العلم للمتعلم اذا قصدها الاول رفع الجهل عن نفسه بتعريفها ما عليها من العبوديات وايقافها على مقاصد الامر والنهي. الثاني رفع الجهل عن الخلق بتعليمهم وارشادهم لما فيه الثاني رفع الجهل عن الخلق بتعليمهم وارشادهم لما فيه صلاح دنياهم واخرتهم. الثالث احياء العلم وحفظه من الضياع. الرابع العمل العلم فالعلم شجرة والعمل ثمرة وانما يراد العلم للعمل. وقد كان السلف رحمهم الله يخافون فوات الاخلاص في طلبهم العلم فيتبرأون عن ادعائه الى انهم لم يحققوه في قلوبهم. فهشام ادى السوائي يقول والله ما استطيع ان اقول اني ذهبت يوما اطلب الحديث بيدوا به وجه الله عز وجل. وسئل الامام احمد رحمه الله هل طلبت العلم لله؟ فقال لله عزيز ولكنه شيء حبب الي فطلبته ومن ضيع الاخلاص فاته علم كثير وخير وفير. وينبغي لقاصد السلامة ان يتفقد هذا الاصل وهو الاخلاص في امور كلها دقيقها وجليلها سرها وعلنها. ويحمل على هذا التفقد شدة معالجة النية. قال سفيان الثوري رحمه الله ما عالجت اي ان اشد علي من نيتي لانها تتقلب علي. بل قال سليمان الهاشمي رحمه الله ربما احدث بحديث واحد ولينية. فاذا اتيت وعلى بعضه تغيرت نيتي فاذا الحديث الواحد يحتاج الى نيات ذكر المصنف وفقه الله المعقل الثاني من معاقد تعظيم العلم وهو اخلاص النية فيه وحقيقة الاخلاص شرعا تصفية القلب من ارادة غير الله تصفية القلب من ارادة غير الله فمدار الاخلاص على امرين احدهما تصفية القلب بتخليصه من كل شائبة تكدره والاخر تعلق تلك التصفية بارادة الله فلا يزاحمها بشيء كطلب دنيا او محمدة او ثناء من الناس واشرت الى حقيقة الاخلاص نظما بقول اخلاصنا لله صف القلب من ارادة سواه فاحذر يا فطن اخلاصنا لله صف القلب من ارادة سواه فاحذر يا فطن وعلل المصنف طلب الاخلاص في اخذ العلم بقوله ان اخلاص الاعمال اساس قبولها وسلم وصولها فالسبيل الاعظم لقبول الاعمال ووصولها الى الله متقبلة ووقوعها على حال الاخلاص ثم قال وما سبق من سبق ولا وصل من وصل من السلف الصالحين الا بالاخلاص لله رب العالمين وذكر من شواهد احوالهم ما يدل على ما كانوا عليه من تعظيم هذا الامر والاعتناء به ثم قال وانما ينال المرء العلم على قدر اخلاصه فاذا عظم اخلاص العبد عظم حظه من العلم. واذا نقص اخلاصه فاته من العلم بقدر ما يفوته من الاخلاص وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عند ابن عساكر وغيره انه قال انما يحفظ المرء على قدر نيته اي لا يحصل للعبد ما يريده من حفظ العلم الا على القدر الذي تكون عليه نيته. فمتى خلصت هذه النية وكملت حصلت حصلت له قوة عظيمة في ضبط مدارك العلم ثم ذكر المصنف ان الاخلاص في العلم يقوم على اربعة اصول بها تتحقق نية العلم للمتعلم. فمن اراد ان يكون مخلصا في طلبه العلم فينبغي ان يراعي وجود هذه الاصول الاربعة في قلبه فالاصل الاول رفع الجهل عن نفسه بان يقصد بطلب العلم ان يرفع الجهل عن نفسه بتعريفها بطريق العبودية لله سبحانه وتعالى فيوقفها على مقاصد الامر والنهي الواردة في الشرع والاصل الثاني رفع الجهل عن الخلق بان يقصد رفع الجهل عنهم ساعيا في تعليمهم وارشادهم وهدايتهم الى الصراط المستقيم والاصل الثالث احياء العلم وحفظه من الضياع فيسعى في بثه رغبة في حفظه. لئلا ينسى ويطوى من الامة والاصل الرابع العمل بالعلم. فينوي عند اخذه ان يتحرى العمل به. فمن اراد ان يتحقق بالاخلاص في العلم فعليه ان يطلب وجود هذه الاصول الاربعة في قلبه واشرت اليها بقول ونية للعلم رفع الجهل عم عن نفسه فغيره من النسم ونية للعلم رفع الجهل عن عن نفسه فغيره من النسم وبعده التحصين للعلوم من ضياعها وعمل به زكن وبعده التحصين للعلوم منه ضياعها وعمل به زكن وقوله النسم اي الخلق جمع نسمة وهي النفس وقوله زكن اي ثبت ثم ذكر ما كان عليه السلف من تخوفهم فوت الاخلاص في اعمالهم لا انهم لم يحققوه فانهم كانوا يجتهدون في تحريه ثم يعظم خوفهم من فواته عنهم. فيكون احدهم خائفا الا يكون مخلصا في عمله ثم قال ومن ضيع الاخلاص فاته علم كثير وخير وفير. وينبغي لقاصد السلامة ان يتفقد هذا الاصل. وهو الاخلاص في اموره كلها دقيقها وجليلها سرها وعلنها. ثم ذكر الداعي الى تفقد الاخلاص في الاعمال فقال ويحمل على هذا التفقد شدة معالجة النية اي يجعل العبد حريصا على تفقد نيته مراقبا لها ما يوجد من شدة معالجة النية اي ما يكون من مكابدتها من المشقة في حملها على الامر الشرعي فان حمل النفوس على فان حمل النفوس على موافقة امر الشرع خالصا لله شديد عليها وذكر قول سفيان الثوري رحمه الله ما عالجت شيئا اي ما كابدت في المشقة شيئا اي ما كابدت في المشقة شيئا. اشد علي من نيتي لانها تتقلب علي فالنية تتغير من حال الى حال لان محلها القلب وهو عرظة للتقلب والتغيير قال الاول قد سمي القلب قلبا من تقلبه فاحذر على القلب من قلب وتحويل قد سمي القلب قلبا من تقلبه فاحذر على القلب من قلب وتحويل فاذا كان محل النية وهو القلب يتقلب فان النية الكائنة في هذا المحل تتقلب معه اي تتغير وتنتقل من حال الى حال. ثم ذكر قول سليمان الهاشمي رحمه الله ربما احدث بحديث واحد ودينية اي قصد حسن قال فاذا اتيت على بعضه تغيرت نيتي فاذا الحديث الواحد يحتاج الى نيات اي يحتاج العبد فيه الى رد نيته لقصدها الحسن الذي كانت عليه اولا قبل عروظ هذا التغير لها فالمرء مفتقر الى مراعاة نيته لما ذكره سليمان الهاشمي ويسمى تصحيح النية ويسمى تصحيح النية ومعناه رد النية الى المأمور به اذا عرض لها ما يغيرها او يفسدها رد النية الى المأمور به اذا عرض لها ما يغيرها او يفسدها فالنيات تعرض لها عوارض فلا بد من ملاحظتها كي ترد الى ما امر به العبد شرعا وما ابتدأ به المخلص اولا. اذ قد يبتدأ امره مخلصا لله ثم ترد عليه واردات تغير هذه النية بتحويلها او افسادها فيفتقر الى ملاحظة هذه النية لردها الى المأمور به شرعا نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقل الثالث جمع همة النفس عليه فان شعث النفس اذا جمع على العلم التئم واجتمع واذا شغل به وبغيره ازداد تفرقا وشتاتا وانما تجمع الهمة على المطلوب بتفقد ثلاثة امور. اولها الحرص على ما ينفع. فمتى وفق العبد الى ما ينفعه حرص عليه ثانيها الاستعانة بالله عز وجل في تحصيله. اذا لم يكن عون من الله للفتى فاول ما يجني عليه اجتهاده. ثالثها عدم العجز عن بلوغ البغية منه. وقد جمعت هذه الامور الثلاثة في الحديث الذي رواه مسلم بن الحجاج قال حدثنا ابو بكر بن ابي شيبة وابن نمير كلاهما قال حدثنا ابن ادريس عن ربيعة ابن عثمان عن محمد ابن عن محمد ابن يحيى ابن حباد عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال احرصوا على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. فمن اراد جمع همته على العلم فليشعل في نفسه شعلة الحرص عليه لانه ينفعه. بل كل خير في الدنيا والاخرة انما هو ثمرة من ثمرات العلم. وليستعن بالله عز وجل عليه ولا يعجز عن شيء منه. فانه حينئذ يدرك رؤيته ويفوز بما امله. قال الجنيد رحمه الله ما طلب احد شيئا بجد وصدق الا ناله فان لم ينله كله نال بعضه الجد بالجد والحرمان بالكسل فانصبت صبعا قريب غاية الامل فانهض بهمتك واستيقظ من الغفلة. فان العبد اذا رزق عالية فتحت له ابواب الخيرات وتسابقت اليه المسرات قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد اذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة وردفه قمر العزيمة اشرقت القلب بنور ربها ومن تعلقت همته بمطعم او ملبس او مأكل ومشرب ومن تعلقت همته بمطعم او ملبس او مأكل او مشرب لم يشم رائحة العلم. واعلم بان العلم ليس يناله من همه في في مطعم او ملبس فاحرص لتبلغ فيه حظا وافرا واهجر له طيب المنام وغلس. وان مما يعلي الهمة واسمه بالنفس اعتبار لمن سبق وتعرفه وتعرف همم القوم الماضين. فابو عبدالله احمد بن حنبل رحمه الله كان وهو في الصبا ربما اراد الخروج قبل الفجر الى حلق الشيوخ فتأخذ امه بثيابه وتقول رحمة به حتى يؤذن الناس او يصبحوا وقرأ الخطيب البغدادي صحيح البخاري كله على اسماعيل في ثلاثة مجالس اثنان منها في ليلتين من وقت صلاة المغرب الى صلاة الفجر. واليوم الثالث من ضحمة النهار الى صلاة المغرب ومن المغرب الى طلوع الفجر. قال الذهبي رحمه الله تعالى في تاريخ الاسلام. وهذا شيء لا اعلم احدا في زماننا يستطيعه. رحم الله ابا عبدالله كيف لو رأى همم اهل هذا الزمان ماذا يقول وكان ابو محمد ابن التبان اول ابتدائه يدرس الليل كله فكانت امه ترحمه وتنهاه عن القراءة بالليل فكان يأخذ المصباح ويجعله تحت الجفن شيء من الانية العظيمة ويتظاهر بالنوم. فاذا رقدت اخرج المصباح واقبل على الدرس. وقد رأيت في بعض المجموعات الخطية في مكتبة نية خاصة مما ينسب الى عبد الرحمن بن حسن ال الشيخ صاحب فتح المجيد قوله شمر الى طلب العلوم ذيولا وانهض لذلك بكرة واصيلا وصل السؤال وكن هديت مباحثا فالعيب عندي ان تكون جهولا. فكن رجلا رجله على الثرى ثابتة. وهامة همته فوق الثريا سامقة ولا تكن شاب البدن اشيب الهمة فان همة الصادق لا تشيب. كان ابو الوفاء ابن عقيل احد اذكياء العالم من فقهاء الحنابلة ينشد وهو في الثمانين ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي وانما اعتاد شعري غير صبغته والشيب وفي الشعر غير الشيب في الهمم ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثالث من معاقد تعظيم العلم. وهو جمع همة النفس عليه بان يتوجه اليه بارادته فلا يشتغل بغيره وذكر فيه ان شعث النفس اي تفرقها اذا جمع على العلم التئم واجتمع فاذا اقبل العبد بشعب قلبه على العلم وجمع نفسه عليه نال مراده منه واذا شغلت النفس بغيره ازداد شعثها تفرقا وشتاتا ثم ذكر ان جمع الهمة على المطلوب ليكونوا بوجود ثلاثة امور اولها الحرص على ما ينفع وثانيها الاستعانة بالله عز وجل في تحصيله اي في تحصيل المطلوب النافع اي في تحصيل المطلوب النافع. وثالثها عدم العجز عن بلوغ البغية منه بان لا يتقاعد العبد عن ادراك ما يريده باستسلامه ضعفا ووهنا وعجزا عن الوصول الى مقصوده ثم ذكر ان هذه الامور الثلاثة مجموعة في حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فان جمل الحديث الثلاثة دالة على هذه الامور الثلاثة واحدا واحدة ثم ذكر ان من اراد جمع همته على العلم فليشعل في نفسه شعلة الحرص عليه لانه ينفعه فالمرء اذا علم عظيم منفعة العلم اقبل بكليته عليه وتعلقت نفسه به فلم تكن له ارادة الا في طلبه. وبين عظم منفعته بقوله بل كل خير في الدنيا والاخرة انما هو ثمرة من ثمار العلم ثم قال في الحث عليه وليستعن بالله ولا يعجز عن شيء منه فانه حينئذ يدرك بغيته ويفوز بما له. وذكر من قول الجنيد والشعر الحسن ما يحرك النفس في هذا. ثم قال فانهض بهمتك واستيقظ من الغفلة. فان العبد اذا رزق همة عالية فتحت له ابواب الخيرات وتسابقت اليه المسرات وذكر كلام ابن القيم في الفوائد في هذا المعنى. ثم ذكر من احوال الاوائل الي وهمم القوم الماضين ما يحرك قلوب الخلق الى محاذاتهم والاقتداء بهم فان الناس مجبولون على التشبه بعضهم ببعض فان نفوسهم تطمح الى التشبه بغيرها مما يوافقها في مطلوبها. فاهل الكمالات والمطالب العالية يتشبهون باهلها هو اهل النقائص والمطلوبات السافلة يتشبهون باهلها قال مالك بن دينار رحمه الله الناس كاسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض الناس كاسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض والقطا نوع معروف من الطيور وذكر هذا المعنى ابو العباس ابن تيمية في بعض كلامه فمما جبلت عليه النفوس طلب تشوهها بغيرها ممن يشاركها الهم في مطلوبها فمما تقوى به نفوس طالب الكمالات ان يقتدوا بالسابقين الحاصلين عليها وذكر مما ذكره في ذلك ما كان عليه الامام احمد بن حنبل في سن الصبا انه ربما اراد الخروج قبل الفجر الى حلق الشيوخ فتأخذ امه بثيابه اي تمسك به رحمة به وشفقة عليه وتقول حتى يؤذن الناس او يصبحوا اي امسك عن الخروج حتى يؤذن الناس للفجر او يستبين الفجر تخرج قبله ثم ذكر الحالة التي اتفقت لابي بكر الخطيب من قراءة صحيح البخاري كله على اسماعيل في ثلاثة مجالس على النعت المذكور في وصفها وهذا الذي ذكره من حال الخطيب مما يستبعد وقوعه من قعدت همته. ويراه شيئا محالا وهو ثابت عنه فقد ذكره الخطيب نفسه في ترجمة شيخه اسماعيل الحيري في كتابه تاريخ بغداد وهي حكاية مشهورة معروفة واتبعها بكلام الذهبي رحمه الله الذي يريد به استعظام وقوع ذلك عند من تأخر دون جزم بامتناعه فان المنن بيد الله سبحانه وتعالى. وهو يفتح في العلم والعمل والارشاد والدعوة وانواع الخير للخلق ما يفتح فرحمة الله عز وجل لا تنحصر في احد دون غيره فقد يعرض للمتأخر ما عرض للمتقدم. وربما فاقة فانه اذا كانت المنن الالهية بيد الله فليس بمستكثر ان يجعل الله عز وجل للمتأخر ما لم يجعله للمتقدم ذكر هذا المعنى ابن مالك في مقدمة تسهيل الفوائد فهذه الاحوال المذكورة المراد بكلام اهل العلم اذا استعظموها اي يحركوا النفوس الى طلبها. لا انهم يقطعون بان الله عز وجل لا يجعل مثلها لاحد سوى من سبق بها ثم ذكر من احوال الاوائل ايضا حال ابي محمد ابن التبان انه كان يفعل ما يفعل من دراسته الليلة كله وكانت امه تشفق عليه وتنهاه فكان يأخذ المصباح ويجعله تحت الجفنة وهي انية عظيمة ويتظاهر بالنوم اي يظهر لها كأنه نام فاذا رقدت اخرج المصباح واقبل على الدرس. ثم ذكر بيتين مريحين للعلامة عبدالرحمن بن حسن صاحب فتح المجيد قال فيهما شمر الى طلب العلوم ذيولى وانهض لذلك بكرة واصيلا. وصل السؤال وكن هديت مباحثا فالعيب عندي ان تكون جهولا ثم قال فكن رجلا رجله على الثرى اي الارظ وهامة همته فوق الثريا وهي نجم معروف عند العرب. ثم قال ولا تكن شاب البدن اشيب الهمة اي لا تكن ممن هو في سن الشباب بدنا. وفي سن المشيب همة فتجده قويا فتيا في بدنه فهو معدود بذلك في الشباب. واما همته وروحه فانها في حال الشيب ونهى عن هذه الحال بقوله فان همة الصادق لا تشيب اي ان العبد اذا كان صادقا في طلاب ما يريد فانه وان ضعف بدنه طويت همته حتى تحرك بدنه فيستطيع فيستطيع مع كبر السن اشياء لا يستطيعها كثير من الشباب. لان قوة روحه حملت الات بدنه واعضائه على مطلوبه فقوي عليها ثم ذكر بيتين مليحين لابي الوفاء ابن عقيل من شيوخ الحنابلة كان ينشدهما وهو ابن ثمانين اذ يقول ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي ولا ولائي ولا ديني كرمه وانما اعتاظ شعري غير صبغته. والشيب في الشعر غير الشيب في الهمم. اي ان الذي اعتراه هو وشيب شعره فقط. واما همته فانها قوية طامحة الى المطالب العالية اه احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى المعقد الرابع صرف الهمة فيه الى علم القرآن والسنة. ان كل علم نافع مرده الى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وباقي العلوم اما خادم لهما فيؤخذ منهما تتحقق به الخدمة او اجنبي عنهما فلا يضر الجهل به. فاذا القرآن والسنة يرجع العلم كله. وبه ما امر النبي صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى فاستمسك بالذي اوحي اليك انك على صراط مستقيم. وهل اوحي الى ابي القاسم صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن والسنة؟ ومن جعل علمه القرآن والسنة كان متبعا غير مبتدع ونال من العلم اوفره. قال ابن مسعود رضي الله عنه من اراد العلم فليثور القرآن فان فيه علم الاولين والاخرين. وقال مسروق رحمه الله ما نسأل اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن شيء الا علموه في القرآن الا ان علمنا يقصر عنه وينسب لابن عباس رضي الله عنهما انه كان ينشد جميع العلم في القرآن لكن تقاصر عنه افهام الرجال. وما احسن عياض يحصل به رحمه الله في كتابه الالماع العلم في اصلين لا يعدهما الا المضل عن الطريق اللاحم علم الكتاب وعلم الاثار التي قد اسندت عن تابع عن صاحبه واعلى الهمم في طلب العلم كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نفس المراد وعلم حدود المنزل. وقد كان هذا هو علم السلف عليهم رحمة الله ثم كثر الكلام بعدهم فيما لا ينفع فالعلم في السلف اكثر والكلام في من بعدهم اكثر. قال حماد بن زيد قلت لايما السختياني رحمهما الله العلم اليوم اكثر فيما تقدم فقال الكلام اليوم اكثر والعلم فيما تقدم اكثر. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الرابع من معاقد عظيم العلم وهو صرف الهمة فيه الى علم القرآن والسنة اي انفاق همة النفس في العلم الى علم القرآن والسنة لان العلوم النافعة ترد اليهما فكل علم نافع اصله في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر ان باقي العلوم لها حالان الحال الاولى العلوم الخادمة كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وهي الات فهمهما اي ما يعين على فهم القرآن والسنة كالنحو واصول الفقه ووصفها ابن حجر في فتح الباري بقوله وهي الضالة المطلوبة اي المقصودة المنشودة فما خدم القرآن والسنة اعانة على فهمهما فانه يطلب والحال الاخرى العلوم الاجنبية عنهما والامر فيها ما ذكره بقوله فلا يظر الجهل به اي لا يضر الجهل بالاجنبي عن الكتاب والسنة وعن خدمتهما ووصفها ابن حجر في فتح الباري بقوله وهي الضارة المغلوبة اي المفسدة المطرحة التي لا يحتاج اليها. ثم ذكر قول ابن مسعود رضي الله عنه من اراد العلم فليثور القرآن اي ليبحث في فهمه بازالة القلب وتحريكه اي ليبحث في فهمه بازالة القلب وتحريكه للنظر في معانيه وعلله بقوله فان فيه علم الاولين والاخرين فالعلم الكامل علم القرآن وما دل عليه ثم ذكر قول مسروق وهو ابن الاجدع الكوفي احد التابعين قال ما نسأل اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن شيء الا علمه في القرآن الا ان علمنا يقصر عنه وتصديقه من التنزيل قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء اي مبينا موضحا كل شيء يحتاج اليه الخلق ثم ذكر ما ينسب لابن عباس رضي الله عنه انه كان يقول جميع العلم في القرآن لكن تقاصروا عنه افهام الرجال ثم ذكر بيتي عياض المالكي اذ يقول العلم في اصلين لا يعدهما الا المضل عن الطريق اللاحب علم علم الكتاب وعلم الاثار التي قد اسندت فعن تابع عن صاحبي والطريق الواضح هو الطريق اللاحب هو الطريق الواضح فالزائغ عن الطريق الواضح لا يوفق الى اصل العلم النافع وهو علم الكتاب والسنة فيفوته من العلم النافع بقدر ما حصل له من الزيغ عنه وما اعتراه من الهوى فما لا به عن الهدى فاذا سلك العبد طريق الهدى اعين بذلك على فهم القرآن والسنة واذا عدل عنه فاته من العلم من علم الكتاب والسنة بقدر ما اعتراه من الميل عن طريقهما ثم ذكر المصنف ان اعلى الهمم في طلب العلم هي همة العبد الذي يكون طلابا لعلم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نفس المراد اي ما يريده الشرع من العبد في الكتاب والسنة. اي ما يريده الشرع من العبد في الكتاب والسنة وعلم حدود المنزل من الاحكام. اي ما جاء فيهما فيفهم مراد الشرع ويعلم حدود ما اريد فيها ثم ذكر ان هذا هو علم السلف عليهم رحمة الله ثم كثر الكلام بعدهم فيما لا ينفع. فالعلم في السلف اكثر لان علمهم كان هو الكتاب والسنة والكلام في من بعدهم اكثر لان الناس اغرموا ببسط العبارات وتطويلها وحجبوا عن علم الكتاب والسنة بالعلوم الخادمة تارة وبالعلوم الاجنبية تارة اخرى وكلما تأخر الزمان قويت هذه الحجب عن العلم فبان للناظر ان علم الاوائل وان قل كلامهم هو اكمل وارفع بخلاف علم المتأخرين. وذكر قول حماد بن زيد لايوب السخطيان العلم اليوم اكثر. او فيما تقدم يعني فيما كان عليه كبار التابعين والصحابة قبلهم فقال الكلام اليوم اكثر اي ان تفريع الناس للكلام في العلم اكثر. ثم قال والعلم فيما تقدم اكثر اي ان معرفة الاوائل بمعاني الكتاب والسنة كانت عظيمة وان قل كلامه فهم يعقلون معاني الكتاب والسنة ويتكلمون بها واغنى وضوحها عندهم عن تطوير الكلام فيها. فكان كلامهم قليلا مبينا لما يحتاج اليه من معانيهما واما من تأخر فصاروا يطولون العبارات مع ضعف ثمرة تلك العبارات في النفع فالعلم ليس بكثرة كلام المتكلم فيه. وانما بصحة الكلام وان قل فلا ينبغي ان يزهد العبد في علم امرئ لقلة كلامه. متى كان هذا الكلام جاريا على قانون الاوائل في تمام الفهم لمعاني القرآن والسنة. فان الفهم الصحيح وان قلت العبارة المؤدية وعنه انفع للعبد من كلام كثير يكون الفهم فيه غير صحيح او مشوبا بانواع من الغلط وهي حال كثير من المتأخرين نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الخامس سلوك الجادة الموصلة اليه لكل مطلوب طريق يوصل اليه. فمن سلك جادة مطلوبه اوقفته عليه ومن عدل عنها لم يظفر بمطلوبه وان للعلم طريقا من اخطأها ضل ولم ينل المقصود. وربما اصاب فائدة قليلة مع تعب كثير. يقول الزرنجي رحمه الله تعالى في كتابه تعليم المتعلم. وكل من اخطأ الطريق ضل ولا ينال المقصود قد اوجل. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الفوائد الجهل بالطريق وافاتها والمقصود يوجب التعب الكثير مع الفائدة القليلة. وقد ذكر هذا الطريق من من جامع مانع محمد ومرتضى ابن محمد الزبيدي وصاحب تاج عروس في منظومة له تسمى الفية السند يقول فيها فما حوى الغاية في الف شخص فخذ من كل فن احسنه بحفظ متن جامع للراجح تأخذه على مفيد الناصح فطريق العلم وجادته مبنية على امرين من اخذ بهما كان معظما للعلم. لانه يطلبه من حيث يمكن الوصول اليه. فاما الامر فحفظ متن جامع للراجح فلابد من حفظ ومن ظن انه ينال العلم بلا حفظ فانه يطلب محالا. والمحفوظ المعول عليه هو المتن الجامع للراجح اي المعتمد عند اهل الفن فلا ينتفع طالب يحفظ المغمور في فن ويترك مشهورة كمن يحفظ الفية الاثار في النحو ويترك الفية ابن مالك واما الامر الثاني فاخذه على مفيد ناصح فتفزع يا شيخ تتفهم عنه معانيه يتصف بهذين الوصفين واولهما الافادة وهي الاهلية في العلم فيكون ممن عرف بطلب العلم وتلقيه حتى ادرك. فصارت له ملكة قوية فيه. والاصل في هذا ما اخرجه ابو داود في سننه قال حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن ابي شيبة كلاهما قال حدثنا جرير عن الاعمش عن عبد الله بن عبدالله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم واسناده قوي. والعبرة الخطاب لا بخصوص المخاطب فلا يزال من معالم العلم في هذه الامة ان يأخذه الخالف عن السالف. اما الوصف الثاني فهو النصيحة وتجمع معنيين اثنين احدهما صلاحية الشيخ للاقتداء به والاهتداء بهديه ودله وسمته والاخر معرفته بطرائق التعليم بحيث يحسن تعليم المتعلم ويعرف ما يصلح له وما يضره. وفق التربية العلمية التي ذكرها الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات ذكر المصنف وفقه الله المعقد الخامس من معاقد تعظيم العلم وهو سلوك الجادة الموصلة اليه والجادة هي الطريق وبين ان كل مطلوب له طريق. فمن سلك جادته وصل اليه. ومن عدل عنها لم يظفر بمطلوبه. ومن جملة ان للعلم طريقا فمن سلكها ناله. ومن اخطأها فان منتهاه حالين الحال الاولى ان يضل فلا ينال مقصوده ان يضل فلا ينال مقصوده والحال الاخرى ان يصيب فائدة كثيرة مع تعب ان يصيب فائدة قليلة مع تعب كثير ثم ذكر من الكلام المنقول عن من تقدم ما يدل على ذلك ومن جملته ما نقله عن ابن القيم اذ قال الجهل طريق وافاتها والمقصود يوجب التعب الكثير مع الفائدة القليلة. انتهى كلامه فالتعب الكثير الذي يعرض لطلاب العلم وطالباته ويحرزون معه فائدة قليلة منشأه من واحد من هذه الامور الثلاثة فاولها الجهل بالطريق بان يلتمس العلم جاهلا طريق الوصول اليه. فهو يخبط خبط عشواء في طريق العلم فهو يتنقل بين كتبه ومعلميه دون معرفة بما ينبغي عليه فيه. وثانيها الجهل بافات الطريق وهي الشرور التي تعرض للعبد في طريق طلب العلم فكل مطلوب نافع تعتريه افات ومن تمام تحصيل هذا المطلوب معرفتها فاذا جهلها ربما قطعته واعاقته عن مطلوبه. فمن جهل افات طريق العلم سرت اليه هذه الافات وعرضت له فتمكنت منه عزلته عن الوصول عن الى العلم. وثالثها الجهل بالمقصود اي عدم معرفة المراد الاعظم من طلب العلم وهو نيل الرفعة عند الله بعبوديته فمن شرف العلم انه الطريق الافيح للوصول الى عبودية الله عز وجل وبه يدرك العبد الرفعة في الدنيا والاخرة. ثم ذكر قولا جامعا في نعت طريق العلم نقلا عن الزبيدي من نظمه في الفية السند اذ قال فما حوى الغاية في الف سنة شخص فخذ من كل فن احسنه بحفظ متن جامع للراجح تأخذه على مفيد ناصحي هو طريق العلم وجادته مبنية على امرين. فاما الامر الاول فحفظ متن جامع للراجح فلا بد من حفظ والمحفوظ المعول عليه هو المتن الجامع للراجح والمراد به المتن المعتمد عند اهل الفن المتن المعتمد عند اهل الفن. لكونه محررا وفق ما انتهت اليه معرفة ارباب ذلك العلم فلا ينتفع طالب بحفظ المغبور في فن وترك مشهوره كمن يحفظ خلفية الاثار في النحو ويترك الفية ابن مالك فالمحفوظ المختار هو المعتمد عند اهل العلم ووصف بكونه راجحا اي لتقدمه عندهم عن غيره من المتون فيكون نخبة المرء فيما يريد حفظه هو ما استعمله اهل العلم من المتون الرائجة عندهم في انواع الفنون. ثم ذكر الامر الثاني وهو اخذ ذلك المتن على مفيد ناصح فيفزع الى شيخ يتفهم عنه معاني ذلك المتن يتصف بوصفين اولهما الافادة وهي الاهلية في العلم فيكون ممن عرف بطلب العلم وتلقيه حتى ادرك فصارت له ملكة قوية فيه. وذكر الاصل فيه وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم اي تتلقون العلم بالاخذ عني اي عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يتلقاه عنكم من بعدكم وهكذا في قرون الامة فان العبرة بعموم الخطاب لا بخصوص المخاطب فالعلم موروث في هذه الامة بالتلقي فيأخذه الخالف عن السالف والاصل ان تلقيه يكون حقيقيا بمثافنة الشيوخ اي بالاخذ عنهم في حلق الدرس والجلوس بين يديهم والاقبال عليهم فهذا هو التلقي الكامل وهو الاخذ الحقيقي وقد يعرض لاحوال الناس ما يكون فيه نوع تلق لكنه يكون حكميا لا حقيقيا كالعارض في هذا البرنامج هذه السنة من كونه يلقى عن بعد حفظا للنفوس من افة هذا الوباء عجل الله برفعه. فيكون هذا نوعا من التلقي. الذي يجعل له حكمه وان لم يكن حقيقيا ويسوغه الحال الداعية اليه. فمتى لم توجد هذه الحال؟ فان التلقي الحقيقي هو الاصل في اخذ العلم وهو خصيصة هذه الامة التي امتازت بها عن غيرها. وان خلفها يأخذ العلم سماعا وتلقيا ومثافنة في حلق الدرس عن شيوخه. واما الوصف فهو النصيحة بان يكون المعلم ناصحا وتجمع معنيين احدهما صلاحية الشيخ للاقتداء به والاهتداء بهديه ودله وسمته والاخر معرفته بطرائق التعليم فاما الاول وهو صلاحيته للاقتداء به فالمراد ان يكون على حالة على حال حسنة من امتثال الشريعة فيصلح ان يكون مقتدى به في امتثالها والاخذ بها واما الثاني وهو معرفة طرائق التعليم فالمراد بها معرفته بمسالك ايصال العلم للمتعلم فهو معرفته بمسالك ايصال العلم للمتعلمين وهي التي ارادها المصنف بقوله بحيث يحسن تعليم المتعلم ويعرف ما يصلح له وما يضره وفق التربية العلمية التي ذكرها الشاطبي في الموافقات فان من نصح المعلم للمتعلمين ان يكون متحريا ايصال العلم اليهم على الطريق التي تكون مؤدية الى ذلك فان ادراك المتعلمين واحوالهم وازمانهم وبلدانهم مختلفة متفاوتة فالمعلم الناصح المدرك طرائق التعليم يعرف ما يصلح لكل فيرقيه بحسب حاله فربما زاده شيئا وربما اوقفه عن شيء وربما نصح احدا بشيء دون احد وربما ارشد متعلما بان يزداد من هذا العلم على نحو يبينه له فهو لا يرى ان ايصال العلم الى المتعلمين مقتصر على طريق واحد فان مدارك الخلق واحوالهم مختلفة متباينة. وهذا الاختلاف والتباين يقتضي ان يراعي تنويع مسالك ايصال العلم. وقد يكون هذا في متن واحد فمثلا قد يقرئ المعلم الناصح كتابا واحدا على طرائق مختلفة فهو يقرؤه للمبتدئين على حال ويقرؤه للمتوسطين على حال ويقرؤه للمنتهين على حال ويقرؤه ايضا كفاحا اي مباشرة على حال. ويقرؤه على بعد عن على حال اخرى فان من يجلس اليك كفاحا فيشافهك ويراك تكون له قوة على احتمال ما يسمعه والجلوس له. واما من يبعد عنك ويرمقك من وراءه شاشة فان نفسه يثقل عليها الحمل على المتابعة فينبغي ان يلاحظ هذا في تخفيف ما يلقى اليه من العلم وهذا من المقطوع به في مدارك التعليم المعاصرة ان التعليم عن بعد يحتمله العبد بساعات اقل لا يحسن ان تكون مساوية للساعات التعليمية التي تكون في حال المشافهة مباشرة. فهذه سنة الله سبحانه وتعالى انا في خلقه وهو شاهد من شواهد المعرفة بطرائق التعليم وملاحظتها. نعم. احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى المعقد سادس رعاية فنونه في الاخذ وتقديم الاهم فالمهم ان الصورة المستحسنة يزيد حسنها بتمتع البصر بجميع اجزائها ويفوت من حسن عند الناظر بقدر ما يحتجب عنه من اجزائها. والعلم هكذا من رعى فنونه بالاخذ واصاب من كل فن حظا كملت الته في العلم قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره جمع العلوم ممدوح من كل فن خذ ولا تجهل به فالحر مطلع على الاسرار. ويقول شيخ شيوخنا محمد بن مانع رحمه الله في ارشاد الطلاب ولا ينبغي للفاضل ان يترك علما من العلوم النافعة التي تعين على فهم الكتاب والسنة اذا كان يعلم نفسه قوة على تعلمه ولا يصوغ له ان يعيب العلم الذي يجهله ويزري بعالمه. فان هذا نقص ورذيلة فالعاقل ينبغي له ان يتكلم من او يسكت بحلم والا دخل تحت قول القائل اتاني ادنى سهلا ذم جهلا علوما ليس يعرفها. اتاني ان سهلا ذم جهلا علوما ليس يعرفهن سهل علوما لو قرأها ما قلاها ولكن الرضا بالجهل سهل انتهى كلامه وانما تنفع رعاية فنون العلم اصلين احدهما تقديم الاهم فالمهم مما يفتقر اليه المتعلم في القيام بوظائف العبودية لله عز وجل سئل مالك بن انس رحمه الله امام دار الهجرة عن طلب العلم فقال حسن جميل ولكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح الى حين تمسي الزم قال ابو عبيدة معمر بن المثنى من شغل نفسه بغير المهم اضر بالمهم وقدم الاهم ان العلم جم والعمر طيف زار او ضيف الم والاخر ان يكون قصده في اول طلبه تحصيل مختصر في كل فن حتى اذا استكمل انواع العلوم النافعة نظر الى ما وافق طبعه منها وانس من نفسه قدرة عليه. فتبحر فيه سواء كان فنا سواء كان فنا واحدا ام اكثر. اما بلوغ الغاية في كل فن والتحقق بملكته فانما يهيأ له الواحد بعد الواحد في ازمنة متطاولة. ثم ينظر المتعلم فيما يمكنه من تحصينها افرادا للفنون ومختصراتها واحدا بعد واحد. او سمعا لها والافراد هو المناسب لعموم الطلبة ومن طيار شعر الشناقطة قول احدهم وان تريد تحصيل فن تممه وعن سواه قبل الانتهاء مه. وفي ترادف العلوم المنعجة توأم من استبقا لن يخرج ومن عرف من نفسه قدرة على الجمع جمع. وكانت حاله استثناء من العموم. ومن نواقض هذا المعقد المشاهدة الاحجام عن تنوع العلوم والاستخفاف ببعض المعارف والاشتغال بما لا ينفع مع الولع بالغرائب. وكان ما لك رحمه الله يقول شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس. ذكر المصنف وفقه الله المعقد السادس من معاقد تعظيم العلم وهو رعاية فنونه في الاخذ اي في الاقبال على تلقيها. وتقديم الاهم فالمهم. اي تقديم ما تشتد اليه حاجته وتتأكدوا في حقه طلبته ثم ذكر ان الصورة المستحسنة يزيد حسنها بتمتع البصر بجميع اجزائها. ويفوت من حسنها عند الناظر ما يحتجب عنه من اجزائها والعلم هكذا اي ان من شاهد صورة حسنة تحصل له لذة النظر اليها بقدر ما يحصل من استيفاء بصره في اجزائها وتنقص هذه اللذة بحسب ما يفوت بصره من النظر اليها. وكذلك العلم فان من اخذ منه طرفا ولم يستوعب بقية فنونه اصاب شيئا من لذته. ومن اخذ في فنونه قاطبة واصاب منها طرفا حصلت له صورة العلم التامة و لذته الكاملة ثم قال من راعى فنونه بالاخذ واصاب من كل فن حظا كملت الته في العلم اي صارت الته قوية كاملة لان اصل العلوم النافعة واحد وهو علم القرآن والسنة. فاذا ضم بعضها الى بعض قصدا وفرعا مقصدا والة اصاب العبد كمال الة العلم. ثم ذكر قول ابن الجوزي جمع العلوم ممدوح اي مما يمدح في العبد تحريه جمع العلوم وضم اطرافها بعضها الى بعض لانه تحصل بذلك قوة العلم وسلامة الفهم ثم ذكر بيتا لابن لابن الورد يقول فيه من كل فن خذ ولا تجهل فالحر مطلع على الاسرار اي ان فالحر مطلع على الاسرار اي ان حر النفس يأبى على نفسه ان يكون جاهلا بانواع من العلم. فمن كانت نفسه طماحة ناهضة مستشرفة للمعالي لم يرظى بالدون تحقيق للنفس الطماحة ان يتحرى الاطلاع على فنون العلم ثم ذكر وصيتين عظيمتين من وصايا العلامة محمد ابن مانع رحمه الله في ارشاد الطلاب الاولى انه لا ينبغي للفاضل ان يترك علما من العلوم النافعة والثانية انه لا يسوغ له ان يعيب العلم الذي يجهله ويذري بعالمه فاما الوصية الاولى ففي قوله ولا ينبغي للفاضل ان يترك علما من العلوم النافعة التي تعين على فهم الكتاب والسنة ثم ذكر شرط ذلك بقوله اذا كان يعلم من نفسه قوة على تعلمه فاذا وجد من نفسه قوة على اخذ لهذا العلم فلا يحسن به ان يترك هذا العلم النافع. واما الوصية الثانية ففي قوله ولا يسوغ له ان يعيب العلم الذي يجهله ويزري بعالمه اي يحط من قدره وعلله بقوله فان هذا نقص ورذيلة اي نقص في حق المتكلم وهو حال رذالة الله فالنقص في جهله به فالنقص في جهله به والرذيلة في ازرائه بعالمه في ازراعه بعالمه وحطه من قدره ظلما وعدوانا وحطه من قدره ظلما وعدوانا ثم قال بعده فالعاقل ينبغي له ان يتكلم بعلم او يسكت بحلم فان الكلام يمدح اذا كان بعلم والسكوت يمدح اذا كان بحلم فاذا كان الكلام بجهل والسكوت لعجز صار هذا مذموما دالا على نقص صاحبه. ثم قال والا دخل تحت قول القائل اتاني ان سهلا دم جهلا علوما ليس يعرفهن سهل علوما لو قرأها ما قلاها ولكن الرضا بالجهل سهل. ومعنى قلاها اي ابغضها فالقلى هو البغض. ثم ذكر المصنف ان رعاية فنون العلم تنفع باعتماد اصلين. احدهما تقديم الاهم مهم وبين تدريجه بقوله مما يفتقر اليه المتعلم في القيام بوظائف العبودية لله فالمراد من اخذ العلم ان تعرف ما تعبد به الله عز وجل فالمقدم في حقك ما تمس حاجتك اليه للقيام بعبوديتك لله سبحانه وتعالى فتتحرى تقديم العلوم الممكنة لك ما يلزمك من العبادة لله فمن راعى هذا عرف ان تقديمه العلم بالوضوء مقدم رأى ان تقديمه تعلم الوضوء مقدم على تعلم الصلاة فان الصلاة توقف على صحة الوضوء وذكر في هذا المعنى قول مالك ابن انس لما سئل عن طلب العلم فقال حسن جميل ولكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح الى حين تمسي فالزمه ثم ذكر الاصل الاخر فقال ان يكون قصده في اول طلبه تحصيل مختصر في كل فن بان يأخذ من كل فن طرفا مختصرا ليكون له اطلاع على انواع العلوم المستعمرة في المعارف الاسلامية فمن حسن اخذ العلم ان يطلع العبد على انواع تلك العلوم بتلقي فن بتلقي متن مختصر في كل واحد من هذه الفنون ثم قال ثم اذا استكمل انواع العلوم النافعة نظر الى ما وافق طلعه منها وانس من نفسه قدرة عليه فبحر فيه سواء كان فنا واحدا او ام اكثر. اي ان ملتمس العلم اذا استوت نفسه على اطراف العلم بقراءة مختصرات في انواع الفنون المستعملة يترقى بعد ذلك الى علم او علمين او ثلاثة بحسب قوته. لما يجد من ميل نفسه اليه وقدرة قلبه عليه ويسترشدوا في ذلك بشيوخه الذين يأخذ عنهم فيكون اصله في العلم ثابت راسخا مستقرا في انواع الفنون اصليها واليها واما ما زاد على ذلك من قوة العلم فيكون في فن او فنين او ثلاثة بحسب قوته ثم قال اما بلوغ الغاية في كل فن اي النهاية. والتحقق بملكته اي بان يصير راسخا في النفس فانما يهيئ له الواحد بعد الواحد في ازمنة متطاولة اي ان هذه الحالة الكاملة في انواع العلوم لا تكون للخلق كلهم فالاصل في تلقي الخلق المقدور عليه هو ادراك متون مختصرة في انواع الفنون ثم التبريز في فن او فنين او ثلاث واما الطلعة الذي يؤتى اطراف العلم فيكون له ادراك في فنونه واخذ لمتونه وتحقيق لمسائله فهذا قليل نادر في الناس. والنادر لا يقاس عليه. ثم بعد ذلك ان المتعلم ينظر فيما يمكنه من تحصيل العلوم افرادا للفنون ومختصراتها واحدا بعد واحد او جمعا لها والافراد هو مناسب لعموم الطلبة اي ان اخذ العلم يكون تارة بان يقبل على هذا الفن ولا يشتغل بمتن اخر فاذا فرغ من هذا المتن انتقل الى غيره. ومن المتعلمين من تكون له قوة على دراسة انواع من الفنون في وقت واحد فيدرس متنا في علم الاعتقاد ومتنا في علم الفقه ومتنا ثالثا في النحو هكذا ويلاحظ في هذا قوة المتعلم وما يمكنه منه الزمان والمكان وقل ان يقدر على الجمع اكثر الناس فالقادر على الجمع هو هم قليل من الناس فينبغي للعبد ان يسوس نفسه سياسة حسنة في اخذ العلم. فتكون له همة في الاطلاع على مختصراته ملاحظا قوته في الجمع او الافراد ثم ذكر بيتين سيارين في الارشاد الى ان من صعب عليه الجمع فلا ينبغي له ان يجمع وهما قول القائل وان تحصيل فن تممه وعن سواه قبل الانتهاء ما وفي ترادف العلوم المنعجاء ان توأمان استبقا لن يخرجا ومعنى تممه اي اتمه ومعنى مه اي انقطع وامتنع عن ذلك فما كلمة زجر فلا تدخل في غير ما تطلبه حتى تتممه لان جمع العلوم ممنوع وهو المقصود بقوله وفي تراده في العلوم المنعجة ومثل له باستباق التوأمين اي الولدين الخارجين من البطن انهما اذا استبقا فازدحما عند باب الرحم شق خروجهما معا فلم يحصل لاحدهما الخروج من رحم امه فكذلك يكون في العلم وهذا مختلف باختلاف القدر كما سبق. فالخلق مختلفون في ذلك كما قال من عرف من نفسه قدرة على الجمع جماعة وكانت حاله استثناء من العموم. فالاصل هو الافراد واما الجمع فبحسب ما تستدعيه حال المتعلم او حال الزمان والمكان كالواقع في الدراسات النظامية. فان المتعلم صار يدرس في وقت واحد اي يوم واحد عدة فنون مما يسمى بالمحاضرات او الحصص. فهذا استدعاه ترتيب الدراسة على هذه فينبغي ان يسير المتلقي فيه بما يكون مناسبا لحاله من غير اتقان ولا املال ولا تقصير ولا اهمال فينتفع بذلك دون اتقان على نفسه يوازن بين هذا التلقي وتلقيه في حلق الشيوخ في المساجد مما بين في محاضرة هموم طالب العلم وغيرها ثم ذكر ثلاثة امور من نواقض هذا المعقد اولها الاحجام عن تنوع العلوم فترى ملتمس العلم يمنع نفسه من الاطلاع على انواعها وهذا يرجع عليه بالضعف وثانيها الاستخفاف ببعض المعارف اي عدم المبالاة بها والازراء على اهلها وثالثها الاشتغال بما لا ينفع مع الولع بالغرائب فيشتغل بامور لا تنفعه ويغلب على به محبة الغرائب من مسائل العلوم نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد السابع المبادرة الى تحصيله واغتنام سن الصبا والشباب فان العمر زهرة اما ان تصير سلوك المعالي ثمرة واما ان تذبل وان مما تثمر به زهرة العمر المبادرة الى تحصيل العلم وترك الكسل والعجز واغتنام سن الصبا والشباب امتثالا للامر باستباق الخيرات كما قال تعالى فاستبقوا الخيرات. وايام الحداثة فاغتنمها الا ان فلا تدوموا قال احمد رحمه الله ما شبهت الشباب الا بشيء كان فيكم مني فسقط. والعلم في سن الشباب اسرع الى النفس واقوى تعلقا ولصوقا. قال الحسن البصري رحمه الله العلم في العلم في الصغر كالنقش في الحجر. فقوة بقاء العلم في الصغر كقوة بقاء النقش في الحجر. فمن اغتنم شبابه نال اربه وحمد عند مشيبه الاغتنم سن الشباب يا فتى عند المشيب يحمد القوم السرى واضر شيء على الشباب التسويف وطول الامل فيسوي احدهم ويركب بحر الاماني ويشتغل باحلام اليقظة. ويحدث نفسه ان الايام المستقبلة ستفرغ له من الشواغل وتصفو من المكدرات والعوائق المنظورة ان من كبرت سنه كثرت شواغله وعظمت قواطعه مع ضعف الجسم ووهن القوى ولن تدرك الغايات العظمى بالتلهف الترجي والتمني ولست بمدرك ما فات مني بلهفة ولا بليت ولا لوني. ولا يتوهم مما سبق ان الكبير لا يتعلم. بل هؤلاء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا كبارا. ذكرهم البخاري في كتاب العلم من صحيحه. وانما يعسر التعلم في الكبر. كما بينه الماردي في ادب الدنيا الدين لكثرة الشواغل وغلبة القواطع وتكاثر العلائق. فمن قدر على دفعه عن نفسه ادرك العلم. وقد وقع هذا لجماعة من طلب العلم كبارا فادركوا منه قدرا عظيما. منهم القفال الشافعي رحمه الله. ذكر المصنف وفقه الله المعقد السابع من عقد تعظيم العلم وهو المبادرة الى تحصيله اي المسارعة الى تلقيه ويكون ذلك بما ارشد اليه في قوله واغتنام سن الصبا والشباب اي بان يبادر الى ذلك في صباه وشبابه وعلله بان العلم زهرة فان الفتوة في الصبا والشباب زهرة العمر. فاذا اغتنم المرء زهرة عمره اثمرت واذا لم يغتنمها ذبلت وذهبت ومما تثمر به زهرة العلم المبادرة زهرة العمر المبادرة الى تحصيل العلم بان يعاجله في ايام الفتوة والحداثة. وذكر قول الشاعر وايام الحداثة فاغتنمها. الا ان الحداثة اتدوم اي لا تستمر بالعبد فكل شاب شب وتقدم العمر به فانه يكون الى حال الشيب. وربما لا يبلغه بان ينخرم اجله فيموت. واتبعه بقول احمد ما شبهت الشباب الا بشيء كان في كم فسقط اي ان هذا الشباب سريع التقظي بمنزلة شيء يكون في كم الثوب ثم يسقط منه فهو شريع فهو شيء سريع الذهاب. ثم ذكر ان العلم في سن الشباب اسرع الى الناس واقوى تعلم ولصوقا. فمن بادر العلم في سن الشباب قوي العلم في نفسه وثبت فيها. كقوة بقاء النقش في الحجر فمن اغتنم شبابه نال اربه اي ادرك بغيته وحاجته وحمد عند مشيبه سراه والسرعة هو السير في الليل فاذا بلغ المشيب حمد ما كان عليه من الهمة القوية التي كان يجتهد فيها حتى يطلب العلم في الليل واشرت الى هذا المعنى بقول الغتنم سن الشباب فتاة عند المشيب يحمد القوم السرى. ثم ذكر مما يضر بالشباب كثيرا في اخذهم العلم التسويف وطول الامل بان يؤجل شيئا مرة بعد مرة رجاء تحصيله في المستقبل فيقول احدهم سوف افعل وسوف افعل حتى يمضي زمانه ويذهب عمره مؤملا ان يدرك في الايام المستقبلة فراغا يتسع له في اخذه العلم وحاله كما قال فيشوه احدهم ويركب بحر الاماني ويشتغل باحلام اليقظة واحلام اليقظة تركيب يراد به ما لا حقيقة له تركيب اي بناء من الكلام على الاضافة يراد به ما لا حقيقة له. اي انه يطارد وهم التسويف حتى ينتهي بابه فلا يصيب شيئا من مطلوبه. ثم ذكر ما عليه الخلق في الحال المنظورة اي المشاهدة في الواقع ان من كبر سنه وكثرت شواغله وعظمت قواطعه فيكون حينئذ اعجز عن العلم في مستقبل ايامه ثم ذكر انه لا يتوهم مما سبق ان الكبير لا تعلم بل التعلم في الكبر ممكن فان طلب العلم في الكبر له حالان احداهما طلبه مع التقلل من الشواغل طلبه مع التقلل من الشواغل فيدافع العوائق ويقطع العلائق ويهجر العوائد فيرجى له ان يدركه ويبلغ منيته منه والاخرى طلبه مع الاستسلام للواردات من الشواغل طلبه مع الاستسلام للواردات من الشواغل. فهي تنازعه وتقاطعه وتمنعه من مطلوبه من العلم فيعسر عليه ادراك العلم واحراز امله منه. فالكبير اذا تقلل من الشواغل ودفع العوائق وحسن العلائق وهجر العوائد التي تعرض له في طريق العلم امكنه ذلك وابلغ شيء في ذلك الحال التي كان عليها اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واشار اليه البخاري في كتاب علم فقال وتعلم اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كبارا فان رؤوس العلم في هذه الامة ممن شهروا به من اصحابه صلى الله عليه وسلم عامتهم اخذ العلم كبيرا فهذا اه رأس اهل الاقراء من الصحابة وهو ابي ابن كعب رضي الله عنه. لم يتفق له اخذ القرآن الا في حال كبره من بعد الستين وحاز ابي رضي الله عنه مرتبة كونه اقرأ الصحابة رضي الله عنهم الذين هم اكمل الناس اخذا للقرآن لتلقيهم له عن النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة فالكبير لا يمتنع عليه ان يصل الى المقامات العالية في العلم. متى لاحظ حاله فتقلل من الشواغل وامتنع من العوائق وحسم العلائق وهجر العوائد ولازم العلم ملازمة تامة فيكون بهذه الحال محلا لقبول العمل محل لقبول العلم واخذه و التبريز فيه نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الثامن لزوم التأني في طلبه وترك العجلة ان تحصيل العلم لا يكون جملة واحدة اذ القلب يضعف عن ذلك وان للعلم فيه ثقلا كثقل الحجر في يد حامله. قال تعالى انا سنلقي عليك قولا ثقيلا اي القرآن. واذا كان هذا وصف القرآن الميسر كما قال تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر. فما الظن بغيره من العلوم؟ وقد وقع تنزيل القرآن رعاية لهذا الامر منجا مفرقا باعتبار الحوادث والنوازل كما قال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليهم القرآن جملته واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا. وهذه الاية حجة في نزول التاء. وهذه الاية حجة في نزوم التأني في طلب العلم. والتدرج فيه وترك العجلات كما ذكره الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه والراغب الاصفهاني في مقدمة جامع التفسير ومن شعر ابن النحاس الحلبي قوله اليوم شيء وغدا مثل من نخب العلم التي تلتقط. يحصل المرء بها حكمة وانما السيل اجتماع النقط. قال شعبة ابن حجاج رحمه الله اختلفت يا عمرو ابن دينار من خمسمائة مرة وما سمعت منه الا مئة حديث في كل خمسة مجالس حديث وقال حماد بن ابي سليمان لتلميذ له تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئا. ومقتضى نجوم التأني والتدرج البدأت بالمتون القصار والنفث في فنون العلم حفظا واستشراحا والميل عن مطالعة المطولات التي لم يرتفع الطالب بعد اليها. ومن تعرض للنظر في المطولات فقد على دينه وتجاوز الاعتدال في العلم ربما ادى الى تضييعه. ومن بدائع الحكم قول عبدالكريم الرفاعي احد شيوخ العلم بدمشق الشام في القرن الماضي عام الكبار سم الصغار وصدق فان الرضيع اذا تناول طعام الكبار مهما لذ وطاب اهلكه واعطبه ومثله من يتناول المسائل عبارة من المطولات ويوقف نفسه مع ضعف الالة على خلاف العلماء وتعدد مذاهبهم في المنقول والمعقول. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثامن من معاقد تعظيم العلم وهو لزوم التأني في طلبه هو ترك العجلة بالتدرج فيه والترقي شيئا فشيئا. وعلله بان العلم لا يحصل جملة واحدة لان القلب يضعف عن ذلك فللعلم ثقل في القلب كثقل الاثقال على الابدان. فلا يحتمل القلب جعل العلم فيه دفعة واحدة وانما يلقن العلم شيئا فشيئا ويجعل فيه مرة بعد مرة حتى يستولي عليه واتفق ذلك في نزول القرآن الكريم منجما اي مفرقا باعتبار الحوادث والنوازل ليعقل ويدرك مراد الله تعالى فيما ينزله منه وذكر قول الله تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملته واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا. وان هذه الاية حجة في لزوم التأني في طلب العلم. والتدرج في به وترك العجلة ذكره الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه والراغب الاصفهاني في مقدمة جامع التفسير فكان انزال القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فشيئا تثبيتا لفؤاده وتقوية له واعانة على حفظ وفهم ما يراد منه من النازل عليه من كلام الله سبحانه وتعالى. ثم ذكر من الشعر والنثر ما يبين هذا المعنى معه ببيان مقتضى لزوم التأني والتدرج. وانه يكون بامرين احدهما البداءة بالمتون القصار المصنفة في فنون العلم حفظا واستشراحا فيجمع نفسه عليها ويأخذها بالحفظ والفهم. والاخر الميل عن مطالعة المطولات التي لم يرتفع الطالب بعد اليها لان دخول المتلقي في مطالعة المطولات دون الة ممكنة له من ادراك ما ينفعه منها يعرضه لما يفسد قلبه بان يثقل عليه العلم او يسوء فهمه له او غير ذلك من الاحوال العارضة بسبب مطالعة المطولات دون ثبات الاصل وقوة الملكة في العلم ثم ذكر كلمة نافعة تنسب الى عبد الكريم الرفاعي احد شيوخ العلم في الشام في القرن الماضي انه قال طعام الكبار سم الصغار اي ان ما يتقوت به الكبار طعاما يكون سما للصغار ومن افراد ذلك المطولات في العلم فانها قوت للكبار الذين تضلعوا من العلوم فهم ينتفعون بها واما حديث العهد بالعلم المبتدئ فيه فانه اذا دخل في المطولات اضرت به والمطولات مورد من موارد العلم النافعة يزيد نفعها ويعظم خيرها اذا اخذت في وقتها. فالناس مع المطولات طرفان ووسط فطرف يمنعون النظر منها مطلقا ويجعلونها شيئا يسمونه بالمصادر التي يرجع اليها عند الحاجة. فلا يحتفلون بها بان تكون من مدونات العلم التي يشتغل بها المتلقي وهذه حال نقص فكما يعنى في المبادئ بالمختصرات تعنى عند الانتهاء بالمطولات وطرف اخر يقابل هؤلاء فيجعل المطولات مرتعا خصبا لكل ناظر فيشرف عليها كل احد ولو فقد الة العلم وينشأ من ذلك انواع من الشرور ووسط بين هذين الطرفين من يدعو الى قراءة المطولات في الحين المناسبة لها مما يعرفه المتعلم في نفسه وجدت عنده ملكة يدرك بها معاني هذه المطولات بعد دراسته للمتون المختصرة في انواع العلوم واخذها عن حفظا وفهما او بارشاد شيخ له يسأله عن كتاب من المطولات ينفعه فيرى حاله مناسبة له فيرشده الى ذلك فينبغي للعبد ان يعرف هذا الترتيب العلمي. وان السير بهذا هو الذي يؤدي الى حصول العلم عند المتلقي بانه يتدرج ويتأنى باخذ المختصرات حفظا وفهما ثم يرتفع بعد ذلك الى المطولات. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد التاسع الصبر في العلم تحملا واداء. اذ كل جليل من الامور لا يدرك الا بالصبر. واعظم شيء تتحمل به النفس طلب المعالي تصبيرها عليه. ولهذا كان الصبر والمصابرة مأمورا بهما لتحصيل اصل الايمان تارة ولتحصيل كماله تارة اخرى. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا وقال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. قال رحمه الله تعالى في تفسير هذه الاية هي مجالس الفقه ولن يحصل ولن يحصل احد العلم الا بالصبر. قال يحيى ابن ابي كثير رحمه الله ايضا لا العلم براحة الجسم فبالصبر يخرج من معرة الجهل. قال الاصمعي رحمه الله من لم يحتمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل ابدا. وبه تدرك لذة العلم. قال بعض السلف من لم يحتمل الم التعليم لم يذق لذة العلم. ولابد دون الشهد من سم لسعة. وكان يقال من لم يركب المصاعب لم ينل الرغائب وصبر العلم نوعان احدهما صبر في تحمله واخذه. فالحفظ يحتاج الى صبر والفهم يحتاج الى صبر وحضور مجالس العلم يحتاج الى صبر ورعاية حق الشيخ تحتاج الى صبر والنوع الثاني صبر في ادائه وبثه وتبليغه الى اهله. فالجلوس للمتعلمين يحتاج الى صبر وافهامهم يحتاج الى صبر واحتمال زلاتهم يحتاج الى صبر. وفوق وهذين النوعين من صبر العلم الصبر على الصبر فيهما والثبات عليهما لكل الى شأو العلا وثبات ولكن عزيز في ثبات ومن يلزم الصبر يظفر بالرشد. قال ابو يعلى الموصلي رحمه الله المحدث اني رأيت وفي الايام تجنبة للصبر عاقبة محمودة الاثر وقل من جد فيها من تطلبه واستصحب الصبر الا فاز بالظفر ذكر المصنف وفقه الله المعقد التاسع من معاقد تعظيم العلم وهو الصبر في العلم تحملا واداء والمراد بالتحمل التلقي والمراد بالاداء البذل والبث والمراد بالتحمل التلقي. والمراد بالاداء البذل والبث فالمرء مفتقر الى الصبر في العلم في طرفيه اخذا وتحملا له ثم اداء ونشرا له ولهذا امر بالصبر في تحصيل كل مطلوب من المطالب العظيمة تارة امر به في تحصيل اصل الايمان وتارة امر به في تحصيل كماله. ومنه قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا فامروا بالصبر ثم امروا بالمصابرة وهي طلب الصبر مع المغالبة فيكون العبد منازعا في تصبير نفسه فهو يغالبها في حملها على ذلك. ثم ذكر قوله تعالى يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. وان يحيى ابن ابي كثير قال في تفسيرها هي مجالس الفقه فيحتاج المرء الى وقف نفسه وحبسها عليها مصابرا في ذلك ثم ذكر ان العلم لا يحصل الا بالصبر. وذكر من منفعته في العلم امران احدهما انه يخرج به من معرة الجهل. فلا يتمكن المرء من دفع الجهل عنه الا بالصبر على طلب العلم. والاخر انه يدرك بصبره لذة العلم فحلاوة العلم وحسن طعمه ولذة مذاقه لا تدرك الا بالصبر عليه كما قال ولابد دون الشهد من سم لسعة و الشهد بفتح الشين وضمها هو العسل في الشمع. اي لابد اي لابد عند تحصيل العسل من شمعه ان تصيب مبتغيه لسعة من لسعات النحل. وكذلك يكون في معالي الامور. فدونها وخزات الالم. فكل شيء من يألم المرء في طلبه فهو مفتقر الى الصبر على تلك الالام. ثم ذكر ان صبر العلم نوعان احدهما صبر في تحمله واخذه اي في تلقيه كما قال فالحفظ يحتاج الى صبر والفهم يحتاج الى صبر وحضور مجالس العلم يحتاج الى صبر ورعاية الشيخ اذا احتاج الى صبر ومن جملة ما يندرج في هذا الحال التي عليها المتلقون اليوم في هذه السنة فان المنازع لهم كثير. فانهم يخلون بانفسهم وان اجتمع بعضهم مع بعض فان هذا يكون قليلا. ولو قدر وجوده فانهم محتجبون عن شيخ ينصحهم ويوجههم حفظهم في الدرس فتكون منازعة نفوسهم لهم بصرفهم عما ينفعهم كثيرة فهم مهددون بما يبدد عزائمهم ويفرق قوتهم فيحتاجون الى تأكيد الصبر في نفوسهم وان العبد يحتاج الى تصبير نفسه في هذه المجالس عن بعد لان المنازع فيها اقوى ويهون هذا الصبر على العبد ان يعلم ان ما يحفه من نقل الدرس اليه في بلد بعيدة عن مجلس الدرس نعمة عظيمة من الله عز وجل. فمن شكرها حضور هذا المعنى في القلب ويعظم اجر المتلقي حصول ذلك في حال غفلة وهي اقبال كثير من الناس ممن ينتسب الى الاسلام وغيره الى الاحتفال باشياء لم تأذن الشريعة بالاحتفال بها من اعياد غير المشروعة فالناس من جهفلون اليها مشتغلون بها موافقة مع ابتداء هذا البرنامج. فالعبد الذي يعكف على هذا البرنامج ويصبر نفسه ينبغي ان يستحضر هذه النعمة وان يقوي نفسه بكفها عن منازعة ما يرد من المنازعات حال الخلوة بنفسه بعيدا عن مجلس الدرس وان بكون هذه الطاعة واقعة في وقت غفلة فمما يعظم به اجر العمل ان يكون واقعا في زمن غفلة ودلائله كثيرة في القرآن والسنة والنوع الثاني صبر في ادائه وبثه وتبليغه الى اهله. اي نشره بين الناس. فالجلوس للمتعلمين يحتاج الى صبر وافهامهم يحتاج الى صبر واحتمال زلاتهم يحتاج الى صبر. فكل هذه من الانواع التي تحتاج الى صبر عند بث ونشره. والقول فيه في هذه السنة كالقول في نظيره بالنسبة لصبر المتعلمين. فكما يصبر المتعلمون بايقاف نفسهم وقطعها عن نوازعها ينبغي ان يصبر المتعلمون اه ان يصبر المعلمون بانهم يلقون تلك الدروس في حال لم يألفوها. فهم محجوبون عمن يحبون رؤيتهم من طلاب العلم واخذه. فتكون نفوسهم محرومة عن انواع من اللذات التي يحصل لهم تقربا الى الله عز وجل لا استكثارا بالخلق او محبة لاجتماع عددهم. وانما لما فيها من تقوية الخير ونشره واعلانه بين الناس. ومراغمة النفس وحملها على اداء التعليم على اكمل وجه يحتاج الى صبر من المعلم ايضا فنسأل الله عز وجل ان يرزقنا معلما ومتعلما الصبر على هذه الحال وان يعجل بفرجه برفع هذا الوباء ثم قال وفوق هذين النوعين من صبر العلم الصبر على الصبر فيهما والثبات عليهما. وانشد بيتا له لكل الى شأو العلا. وثبات لكن عزيز في الرجال ثبات اي لكل الى غاية العلا واثبت فالشاو هو الغاية والوتبات جمع وثبة وهي القفزة فكل احد له الى غايات العلاقة فزاد في طلابها. ولكن يعز في الرجال الثبات على مطلوبهم. والى ذلك اشرت بقولي في منظومة الهداية ان الثبات في الرجال عزى ويغنم الرجال منه العزا وقولي عز يعني قل وذكر الرجال خرج مخرج الغالب موافقة لخطاب الشرع. فالنساء مثلهم في ذلك ثم قال ومن يلزم الصبر يظفر بالرشد اي يدرك الخير. وذكر بيتين لابي يعلى الموصلي وتذكر لغيره ايضا اني رأيت وفي الايام تجربة للصبر عاقبة محمودة الاثر وقل من جد في امر تطلبه واستصحب الصبر الا فاز درش هادي نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد العاشر ملازمة اداب العلم. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين ادب المرء عنوان سعادته وفلاحه وقلة ادبه عنوان شقاوته وبواره. فما استجلب خير الدنيا والاخرة بمثل الادب. ولاستجلب حرمانه ما بمثل قلة الادب والمرء لا يسمو بغير الادب وان يكن ذا حسب ونسب. وانما يصلح للعلم من تأدب بادابه في نفسه ودرسه ومع وقرينه. قال يوسف بن الحسين رحمه الله تعالى بالادب تفهم العلم. لان المتأدب يرى اهلا للعلم فيبذل له وقليل الادب يعز العلم ان عنده. سأل رجل البقاعي رحمه الله ان يقع عليه فاذن له الوقاعي. فجلس الرجل متربعا فامتنع البقاعي من اقرائه وقال له انت احوج الى الادب منك الى العلم الذي جئت تطلبه ومن هنا كان السلف رحمهم الله يعتنون بتعلم الادب كما يعتنون بتعلم العلم. قال ابن سيرين رحمه الله كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم. بل ان ان طائفة منهم يقدمون تعلمه على تعلم العلم. قال مالك بن انس رحمه الله تعالى لفتى من قريش يا ابن اخي تعلم الادب قبل ان تتعلم العلم وكانوا يظهرون حاجتهم اليه. قال مخلد ابن الحسين ابن المبارك يوما نحن الى كثير من الادب احوج منا الى كثير من العلم. وكانوا يوصون به يفتدون اليه. قال ما لك رحمه الله كانت امي تعممني وتقول لي اذهب الى ربيعة تعلمنا ابي عبد الرحمن فقيه اهل المدينة في زمنه من ادبه قبل علمه وانما حرم كثير من طلبة وانما حرم كثير من طلبة العصر العلم بتضييع الادب فترى احدهم متكئا بحضرة شيخه بل يمد اليه رجليه ويرفع صوته عنده ولا يمتنع ولا يمتنع عن اجابة هاتفه الجوال او غيره. فاي ادب عند هؤلاء ينالون به العلم اشرف الليث ابن سعد على اصحاب الحديث فرأى منهم شيئا كانه كرهه فقال ما هذا؟ انتم الى يسير من الادب هي احوج منكم الى كثير من العلم. فماذا يقول الليث لو رأى حال كثير من طلاب العلم في هذا العصر ذكر المصنف وفقه الله المعقد العاشر من معاقد تعظيم العلم. وهو ملازمة ادب العلم. واستفتحه بكلام لابن القيم في مدارج السالكين المبين ان ادب المرء عنوان سعادته وفلاحه. لانه يستجيب به خير الدنيا والاخرة فاذا تأدب المرء سعد وافلح وذكر ايضا ان قلة ادب المرء عنوان شقاوته وبواره وبين وجهه بان حرمان الخير في الدنيا والاخرة لم يستجلب بشيء مثل قلة الادب ثم ذكر قول الاول والمرء لا يسمو بغير الادب وان يكن ذا حسب ونسب. ثم قال وانما يصلح للعلم من تأدب باداب به في نفسه ودرسه ومع شيخه وقرينه اي لا يكون صالحا للعلم سوى المتأدب. المتخلق بالاداب على اختلاف متعلقاتها في النفس والدرس والشيخ والقرين ثم ذكر قول يوسف ابن الحسين بالادب تفهم العلم وبين وجهه فقال لان المتأدب يرى اهلا للعلم فيبذل له وقليل الادب يعز العلم ان يضيع ان يضيع عنده. فان المعلم اذا رأى المتعلم تأدبا اجتهد في تفهيمه وبالغ في بذل العلم له وتوجيهه. واذا رآه سيء الادب منع العلم عنه. ويراد بها ايضا ان الله سبحانه وتعالى يجعل للمتأدب من الانتفاع بالعلم ما لا يجعله لغير المتأدب فان العلم ميراث النبوة النبوة كمال اختص الله عز وجل به من شاء من خلقه. فمن اتصف بصفات الانبياء من كمالات الاحوال اصاب من تلك النبوة في ميراثها خيرا كثيرا. ومن اولئك المتأدب. واما سيء الادب فانه يفوت ومن حصول العلم بقدر ما فاته من كمالات النبوة اي الاخلاق الفاضلة التي كان عليها الانبياء عليهم الصلاة والسلام ثم ذكر ان السلف كانوا يعتنون بتعلم الادب كما يعتنون بتعلم العلم بل ان طائفة منهم يقدمون تعلمه على تعلم العلم وكانوا يظهرون حاجتهم اليهم وهذه المشاهد الثلاثة في احوالهم تدل على شدة الحاجة الى الادب وانه بلغ شدة الحاجة اليه وانه بلغت شدة الحاجة اليه ان ان يهتم بتعلم الادب قبل تعلم ان يهتم بتعلم ادبك ما يهتم بتعلم العلم. بل بلغ عند بعضهم ان يقدم تعلمهم على تعلم العلم. بل بلغ منهم ذلك ان يظهروا شدة افتقارهم الى الادب مع كمال احوالهم. كما قال مخلد بن الحسين لابن المبارك يوما نحن الى كثير من الادب احوج منا الى كثير من العلم ان اي ان العبد يحتاج الى الادب اكثر من حاجته الى العلم فان انتفاعه بالعلم موقوف على قدر ما يكون له من الادب. فمن عظم ادبه عظم انتفاعه بالعلم. ومن ساء ادبه قل انتفاعه من العلم وهذا هو الذي يحمل العبد على تكرار العناية بالادب وحظ الطلاب عليه وملاحظتهم في فان الادب اعظم مفاتيح حصول العلم بما يندرج فيه من الادب مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم ومع شيوخ العلم ورفاق الطلب وكتب العلم ودواوينه. ثم ذكر المصنف ان هذه الابدة وهي تضييع الادب هي السبب الاعظم في حرمان كثير من طلبة العصر العلم. فتجد لاحدهم رغبة وسعيا في العلم عليه مدة مديدة لا يدرك الا شيئا يسيرا. واعظم مانع يمنعهم من حصول العلم لهم هو عدم ملازمتهم ادبه بل وقوعهم في خلافه من الاحوال المرذولة التي ذكرها المصنف. فمن اراد العلم فعليه ان يتحرى التخلق بالاداب الكاملة وان يزجر نفسه عن الاخلاق الرذيلة يتنزه عن اخلاق اهل النقص والجهل يلاحظ نفسه بالعناية في تأديبها. وهذا الامر مهما قيل فيه فانه من جماع الخير ولهذا جعله ابن القيم اساس فلاح العبد في الدنيا والاخرة واذا فقد كان اساس بواري العبد وخساره في الدنيا والاخرة. فلا ينبغي للعبد ان يزهد في تكرار التذكير بالادب وملاحظته والامر به سواء كان في ادب العلم او في غيره من الاداب. والمقصود هنا ما يتعلق بادب العلم لانه من مفاتيح اخذه نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الحادي عشر صيانة العلم عما يشين مما يخالف المروءة ويخرمها. من لم يصن العلم لم يصنه العلم. قاله الشافعي رحمه الله ومن اخل بالمروءة بالوقوع فيما يشين فقد استخف بالعلم. فلم يعظمه ووقع في البطالة فتفضي به الحال الى زوال اسم العلم عنه. قال منبه رحمه الله لا يكون البطال من الحكماء لا يدرك العلم بطال ولا كسل ولا ملول ولا من يألف البشر. واجماع وجماع كما قاله ابن تيمية الجد في المحرر وتبعه حفيده في بعض فتاويه استعمال ما يجمله ويزنه وتجنب ما يدنسه ويشينه. قيل لابي محمد سفيان قد استنبطت من القرآن كل شيء فاين المروءة فيه؟ فقال في قوله تعالى خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين ففيه المروءة وحسن ادمي ومكارم الاخلاق ومن الزم ادب النفس للطالب تحليه بالمروءة وما يحمل عليها وتنكبه خوادمها التي تخل بها كحلق لحيته كحلق لحيته فقد عده في خوارم امرأة ابن حجر الهيتمي من الشافعية وابن عابدية من الحنفية او كثرة الالتفات في الطريق وعده من خوارمها ابن شهاب الزهري وابراهيم اي من المتقدمين او مد الرجلين في مجمع الناس من غير حاجة ولا ضرورة داعية وعده من الخوارم جماعة منهم ابو بكر الطرطوشي من المالكية وابو محمد ابن قدامة فثواب الوفاء ابن عقيل من الحنابلة او صحبة الاراضين والفساق والمجان والبطالين وعده من خوارم المروءة جماعة منهم ابو حامد غزالي وابو بكر ابن الطيبين وقاضي عياض يحصبي من المالكية او مصارعة الاحداث والصغار وعده من الخوارم ابن الهمام وابن نجيم من الحنفية ومن اخل بمروءته وهو ينتسب الى العلم فقد افتضح عند الخاص والعام ولم ينل من شرف العلم الا الحطام ذكر المصنف ووفقه الله المعقد الحادي عشر من معاقد تعظيم العلم وهو صيانة العلم عما يشين اي حفظه وحمايته عما يقبح. ثم بين المشين المقبح فقال مما يخالف المروءة ويخدمها فكل شيء اتصل بمخالفة المروءة وحرمها فان العلم يحفظ منه ويحمى عنه واستفتح بيان هذا المعقد بالكلمة المأثورة عن الشافعي انه قال من لم يصن العلم لم يصنه العلم اي من لم يحفظ العلم مكرما له فان العلم لا يحفظه فلا يصيب بغيته منه. ثم ذكر ان من اخل بالمروءة بالوقوع فيما يشين فقد استخف بالعلم فلم يعظمه ووقع في البطالة فلم يعظمه ووقع في البطالة فتفضي به الحال الى زوال اسم العلم عنه. اي بان يخرج من اسم العلم والحكمة الى اسم والمجانة وذكر قول وهب منبه احد التابعين انه قال لا يكون من الحكماء اي لا يكون الماجن المشتغل بالباطل من اهل الحكمة والعلم. ثم ذكر بيتا في ذلك واتبعه ببيان حقيقة المروءة نقلا عن ابن تيمية الجد وحفيده ابي العباسي احمد ابن عبد الحليم انهما ذكرا حدها فقالا استعمال ما يجمله ويزينه وتجنب ما يدنسه ويشينه فما دار المروءة على امرين احدهما استعمال المجمل استعمال المجمل المزين احدهما استعمال المجمل المزين والاخر اجتناب المدنس المشين. والاخر اجتناب المدنس المشين ثم ذكر استنباط سفيان ابن عيينة المروءة في القرآن في قوله تعالى خذ العفو وامر بالعرف واعظ عن الجاهلين. فقوله وامر بالعرف اي اتعارف عليه الناس من انواع الكمالات في احوالهم. ثم قال ومن الزم ادب النفس للطالب تحليه بالمروءة اي اتصافه بها ثم قال وما يحمل عليها وتنكبه خوارمها التي تخل بها. اي بعده عن الخوارم اي بعده عن خوارم المروءة ومفارقته لها والخوارم جمع خرم وهو الشق جمع خرم وهو الشق. وخوارم المروءة مفسداتها وخوارم المروءة مفسداتها. سميت بذلك لانها تشق المروءة وتبعجها حتى تقطعها اربا اربا سميت بذلك هي انها تشق المروءة وتبعجها حتى تقطعها اربا اربا. ثم ذكر جملا مما يخل بالمروءة مأثورا عن اهل العلم الاوائل. فكل هذه مما يتجافاه ملتمس العلم لانه يخل بمروءته. ومنها ما هو محرم ومنها ما ليس محرما غير انها جميعا تذهب بالمروءة ثم قال بعد ومن اخل بمروءته وهو ينتسب الى العلم فقد افتضح عند الخاص والعام اي بان عواره وظهرت عورته بين الناس ثم قال بعد ولم ينل من شرف العلم الا الحطام اي لا يصل المتهتك قليل المروءة من العلم الا الى شيء يسير بمنزلة الفتات المتساقط من طعام او غيره فلا يكون له حظ عظيم من العلم فالبالغون كمال العلم هم بالغون ايضا كمال المروة. متحلون بها. متحفظون من خوارمها ومنقصاتها فينبغي ان يعظم ملتمس العلم المروءة وان يراعي ما عليه اعراف الناس في بلدانهم وازمانهم حتى يكمل اخذه للعلم فانه اذا تزيى بالاداب الكاملة والمروءة الفاضلة طاب اخذه للعلم وانتفع انتفاعا عظيما به ثم صارت له بركة في نفع الناس بهذا العلم لما هو عليه من حال حسنى في الادب الفاضل والمروءة الكاملة وهذا اخر البيان بهذه الجملة من الكتاب ونستكمل بقيته ان شاء الله تعالى بعد صلاة العصر وفق الله الجميع لما يحب ويرضى والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته