السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي صير الدين مراتب ودرجات. وجعل للعلم به اصولا ومهمات واشهد ان لا اله الا الله حقا واشهد ان محمدا عبده ورسوله صدقا. اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اما بعد فحدثني جماعة من الشيوخ وهو اول حديث سمعته منهم باسناد كل الى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابي مولى عبدالله بن عمرو عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال الراحم يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ومن اكد الرحمة رحمة المعلمين بالمتعلمين في تلقينهم احكام الدين وترقيته في منازل اليقين. ومن طرائق رحمتهم ايقافهم على مهمات العلم باقرار اصول المتون وتبيين مقاصدها الكلية ومعانيها الاجمالية. يستفتح بذلك المبتدئون تلقيهم ويجد فيه المتوسطون ما يذكرهم ويطلع منه المنتهون الى تحقيق مسائل العلم وهذا المجلس الثاني في شرح الكتاب الاول من برنامج مهمات العلم في سنته الثانية عشرة اثنتين واربعين اربعمائة والف وهو كتاب تعظيم العلم لمصنفه صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي. فقد انتهى بنا البيان الى قوله المعقد عشر نعم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين اجمعين قلتم حفظكم الله تعالى في مصنفكم تعظيم العلم. المعقد الثاني عشر انتخاب الصحبة الصالحة له. فالانسان مدني الطبع واتخاذ الزميل ضرورة لازمة في نفوس الخلق فيحتاج طالب العلم الى معاشرة غيره من الطلاب لتعينه هذه المعاشرة على تحصيل العلم والاجتهاد في طلبه. والزمالة في العلم ان سلمت من الغوائل نافعة في الوصول الى المقصود. ولا يحسن بقاصد العلا الا انتخاب صحبة ريحة تعينه فان للخليل في خليله اثرا قال ابو داوود والترمذي وسياق لابي داوود حدثنا ابن بشار قال حدثنا ابو عامر وابو داوود قال احدثنا زهير بن محمد قال حدثني موسى ابن وردان عن ابي هريرة رضي الله ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل. يقول الراغب الاصفهاني ليس اعداء الجليس لجليسه بمقال وفعاله فقط بل بالنظر اليه. لا تصحب الكسلان في حالاته كم صالح بفساد اخر يفسد. عدوى البليد الى الجليد شريعة كالجمر يوضع في الرماد فيخمد. والجريد هو الجاد الحازم وانما يختار للصحبة من يعاشر للفضيلة لا للمنفعة ولا للذة فان عقد المعاشرة يبرم على هذه المطالب الثلاثة الفضيلة والمنفعة واللذة كما ذكره شيخ شيوخنا محمد الخضر بن حسين في رسائل الاصلاح انتخب صديق الفضيلة زميلا فانك تعرف به. قال ابن مسعود رضي الله عنه يعتبر الرجل بمن يصاحب. فانما يصاحب الرجل من هو مثله وانشأ اداب الفتح وانشد ابو الفتح البستي لنفسه الى ما اصطنعت امرأ فليكن شريف النجار زكي الحسب فنذل الرجال كنذل النبات فلا بالثمار ولا للحطب. ويقول ابن مانع رحمه الله في ارشاد الطلاب وهو يوصي طالب العلم ويحذر كل الحذر من مخالطة السفهاء واهل المجون والوقاحة وسيء السمعة والاغبياء والبلداء. فان مخالطتهم سبب الحرمان وشقاوة الانسان. وكان هذا عين قول سفيان ابن عيينة رحمه الله ان اين احرم جلساء حديثا غريب لموضع رجل واحد ثقيل؟ فقد يحرم المتعلم العلم لاجل صاحبه فاحذر هذا الصنف. وان تزيأ بزي العلم فان انه يفسدك من حيث لا تحس ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثاني عشر من معاقد تعظيم العلم وهو انتقام الصحبة الصالحة له اي اختيار صفوة من الخلق يصحبهم فيه فالانتخاب هو الاختيار والداعي الى اختيار تلك الصفوة في صحبة العلم ان الانسان مدني بالطبع اي مفتقر الى غيره في شد ازره وتقوية نفسه في تحصيل مصالحه العاجلة والاجلة واصله في التنزيل قول الله تعالى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا اي لتقع بينكم المعرفة التي تحصل بها منفعة بعضكم بعضا ثم ذكر ان اتخاذ الزميل ضرورة لازمة في نفوس الخلق فالمرء مفتقر الى من يؤانسه ويشاركه في مطلوبه ويجد نفسه مضطرة الى المؤانس المشارك ثم قال بعد والزمالة في العلم ان سلمت من الغوائل نافعة في الوصول الى المقصود فالرفقة في العلم معينة على تحصيله نافعة في الوصول الى المقصود منه بشرط ان تسلم من الغوائل اي العوادي المفسدة لها كتزين بعضهم لبعض او محاباة بعضهم بعضا او ترك قيام بعضهم على بعض بالنصح والتواصي بالحق ثم قال ولا يحسن بقاصد العلا اي المطالب العالية الا انتخاب صحبة صالحة تعينه. وعلله بقوله فان للخليل في خليله اثرا اي ان للزميل في زميله المشارك له اثرا ثم ذكر اصل هذا من السنة وهو حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل. رواه ابو داود والترمذي وهو حديث حسن اي ان الرجل اذا اتخذ من الناس خليلا فانه يركن اليه ويثق به فتنطبع صورته التي هو عليها في باطن صاحبه فيكون له فيه اثر فانفع الاخلاء للعبد الموحد لله المتابع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لكمال حاله وحسن صورته فتنتقل هذه الصورة الحسنة بالخلة والمصاحبة الى خليله الذي صاحبه وقارنه ثم ذكر من المنقول عن الاوائل نثرا ونظما ما يبين اثر الجليس في جليسه. ثم ذكر الاواصر التي تنعقد بها الصحبة وانها تدور على ثلاثة انواع اولها صحبة الفضيلة وثانيها صحبة المنفعة وثالثها صحبة اللذة فعلى هذه الانواع الثلاثة تدور رحا صلة الخلق بعضهم ببعض اذا تصاحبوا ثم قال بعد ذكرها فانتخب صديق الفضيلة زميلا. فانك تعرف به اي تتميز به. فينبغي ان يختار من هؤلاء من يمد اصرة الصحبة بحبل الفضيلة لان العبد يعرف به فتكون معرفته به وثيقة قائمة على ممدوح مجمع على فضله ونبل قصده ثم ذكر من المنقول عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله الرجل بمن يصاحب اي استدلوا على الرجل واعرفوه بمن يصاحبه. قال فانما يصاحب الرجل من هو مثله فاذا صاحب اهل الفضائل الكاملة من اهل التوحيد والسنة والطاعة فهو منهم ومعهم ومن صاحب المتلطخين بالشرك او البدعة او المعاصي وصار خدنا راكنا اليهم فانه منهم ومعهم. ثم قال وانشد ابو الفتح البسطي لنفسه اذا ما اصطنعت امرأ فليكن شريف النجار زكي الحسب فنذر الرجال كنذر النبات فلا للثمار ولا للحطب والنجار هو الاصل بكسر النون وتضم ايضا فيقال نجار ونجار والمقصود حثوا المرء على ان يتخير من اصحابه من يكون ذا حال كاملة من شرف الاصل وزكاء الحسب فاذا انتخب المرء زكيا الحسد شريف الاصل فالغالب ان تكون المعاشرة بينهم على الفظيلة فان كمل الخلق ينأون بانفسهم عادة عن السفاسف ولا يرضى من كملت حاله فيما ذكر ان يوصم ام بها وينسب اليها. ثم ذكر من كلام ابن مانع رحمه الله وصيته طلاب العلم في قوله ويحذر كل الحذر من مخالطة سفهاء واهل المجون والوقاحة وسيء السمعة والاغبياء والبلداء. فان مخالطتهم سبب الحرمان وشقاوة الانسان انتهى كلامه. فالمرء اذا صحب ممسوسا بسفه او جنون او مجون او وقاحة او قلة ادب ان اليه فانطبع في نفسه ما يكون من حاله فيتسلل اليها ذلك النقص الذي اعتراه فاذا دامت الصحبة بينهما انتقلت تلك الاخلاق المرذولة الى نفسه فصارت سبب حرمانه وشقاوته. ثم ذكر قول سفيان ابن عيينة اني لاحرم جلسائي الحديث الغريب اي الحديث الذي يستفاد لعلوه او محل معناه اي الحديث اي الحديث الذي يستفاد لعلوه او محل معناه. فاسم الغريب يقع عند المحدثين على معان منها ما تطلب استفادته لاجل علوه او جلالة معناه فهذا الذي ذكره سفيان بن عيينة من حرمان بعض جلسائه الحديث الغريب المراد به منعهم مما يطلب ويستفاد ويفرح به عادة. وعلله سفيان بقوله لموضع رجل واحد ثقيل اي لاجل ملاحظته واحدا من الثقلاء الذين يصحبونهم ويجلسون معهم فاراد تأديبهم بحرمانهم من العلم كي لا يركنوا الى هذا الثقيل ويتخذوه خليلا فأدبهم بحرمانهم رجاء ان ينتبه الى ما صاروا عليه من النقص بمنعهم شيئا من العلم لمصاحبتهم ذلك الناقص نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقل الثالث عشر بذل الجهد في تحفظ العلم والمذاكرة به والسؤال عنه اذ تلقيه عن الشيوخ لا ينفع بلا حفظ ظله ومذاكرة به وسؤال عنه فهؤلاء تحقق في قلب طالب العلم تعظيمه بكمال الالتفات اليه والاشتغال به. فالحفظ خلوة بالنفس والمذاكرة جلوس الى القرين والسؤال اقبال على العالم فبالحفظ يقرر العلم في القلب وينبغي ان يكون جل همة الطالب مصروفا الى الحفظ والاعادة. كما يقوله ابن الجوزي في صيد خاطره. ولم يزع العلماء الاعلام يحضون على الحفظ ويأمرون به. قال عبيد الله بن الحسن وجدت احضر العلم منفعة ما وعيته بقلبي ولكتمه بلساني. وسمعت شيخنا ابن عثيمين رحمه والله يقول حفظنا قليلا وقرأنا كثيرا. فانتفعنا بما حفظنا اكثر من انتفاعنا بما قرأنا ما العلم الا ما حواه الصدر؟ والمتلمس للعلم لا يستغني عن الحفظ ولا يجمل به ان يخلي نفسه منه ولا يجمل به ان يخلي نفسه منه. واذا قدر على ما كان يصنع ابن الفرات فليأخذ به. وقد كان لا يترك كل يوم اذا اصبح ان يحفظ شيئا وان قل. ومن عقلها هذا المعنى لم يزن من الحفظ بازدياد فلا ينقطع عنه حتى الموت. كما اتفق ذلك لابن مالك صاحب الالفية النحوية فانه حفظ في يوم موته خمسة شواهد وبالمذاكرة تدوم حياة العلم في النفس. ويقوى تعلقه بها والمراد بالمذاكرة مدارسة الاقران. وقد امرنا بتعاهد القرآن الذي هو ايسر العلوم قال البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف فقال اخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الابل المعقدة ان عاهد عليها امسكها وان اطلقها ذهبت. رواه مسلم من حديث ما لك به وذكر نحوه. قال ابن عبد البر في كتابه التمهيد عند هذا الحديث واذا كان القرآن الميسر للذكر كالابل المعطلة من تعاهد امسكها فكيف بسائر العلوم؟ وكان الزهري رحمه الله يقول انما علم النسيان وتكن مذاكرة وبالسؤال عن العلم تفتتح خزائنه. قال الزهري رحمه الله تعالى انما هذا العلم خزائن وتفتتحها المسألة. وحسن المسألة هادي نصف العلم السؤالات المصنفة كمسائل احمد المروية عنه برهان جلي على عظيم منفعة السؤال وقلة الاقبال على العالم السؤال اذا ورد على بلد تكشف مبلغ العلم فيه فهذا سفيان الثوري رحمه الله تعالى يقضي معسقلا فيمكث ثلاثا لا يسأله انسان مع شيء فيقول يا رواد من جراح احد اصحابه اكتر لي اخرج من هذا البلد هذا بلد يموت فيه العلم فمن لقي شيخا فليغتنم لقاءه بالسؤال عما يشكل عليه ويحتاج اليه. لا سؤال متعنت ممتحن. وهذه المعاني الثلاثة للعلم هي بمن وهذه المعاني ثلاثة اهل العلم بمنزلة الغرس للشجر وسقيه وتنميته بما يحفظ قوته ويدفع افته. فالحفظ غرس العلم والمذاكرة سقيه سؤال عنه تنميته. ذكر المصنف وفقه الله المعقل الثالث عشر من معاقد تعظيم العلم وهو بذل الجهد في تحفظ العلم والمذاكرة به والسؤال عنه مبينا ثلاثة اصول في اخذ العلم احدها تحفظ العلم اي الاشتغال بحفظه وثانيها مذاكرته اي مدارسته مع الاقران وثالثها السؤال عنه اي الاستفهام عنه ثم بين منزلة هؤلاء الثلاث فقال اذ تلقيه عن الشيوخ لا ينفع بلا حفظ له. ومذاكرة به سؤال عنه فهؤلاء تحقق في قلب طالب العلم تعظيمه بكمال الاشتغال بكمال الالتفات اليه غالي به. ثم ذكر منفعة الحفظ فقال فبالحفظ يقرر العلم في القلب. اي يثبت فيه فيكون راسخا وذكر مما ذكر في مدحه قول عبيد الله بن الحسن وجدت احضر العلم منفعة اي اسرعه حضورا في القلب اي اي اسرعه حضورا في النفع. قال ما وعيته بقلبي اي اتقنته وضبطته حفظا له بقلبي. قال خلقته بلساني. اي حركت به لساني متحفظا له فان من قواعد حفظ العلم ان من اراد حفظ شيء رفع صوته به ليستعين برفع الصوت على ثبات المعنى في القلب فالحفظ يستجلب بالة العين بمد البصر في المحفوظ ويستجلب بالة الاذن باسماعها المحفوظة برفع الصوت وتكرار ذلك ثم ذكر قول ابن عثيمين رحمه الله حفظنا قليلا وقرأنا كثيرا. فانتفعنا بما حفظنا اكثر من انتفاعنا بما قرأنا ثم اتبعه ببيت الخليل ابن احمد الفراهيدي رحمه الله انه انشد ليس بعلم ما حوى القمط ما العلم الا ما حواه الصدر والقي مطر بكسر القاف وفتح الميم تسمو وعاء تحفظ فيه الكتب بمنزلة الحقيبة التي يتخذها الناس اليوم في مقامه. فاعظم العلم ما كان في الصدر ثم ذكر ان المتلمس للعلم لا يستغني عن الحفظ ولا يجمل به ان يخلي نفسه منه. واذا قدر على ما كان يصنع ابن الفرات فليأخذ به فقد كان لا يترك كل يوم اذا اصبح ان يحفظ شيئا وان قل فينبغي ان يرتب ملتمس العلم نفسه في حفظه على دوام تعاطيه الحفظ وان كان قليلا فانه تبقى به الة الحفظ قوية وان تقدم به العمر وذكر من شواهد الاحوال ما اتفق لابن ما لك صاحب الالفية النحوية انه حفظ في يوم موته خمسة شواهد من الشعر اي مع دنو اجله وضعف حاله وتغير وصحته كان قادرا على الحفظ فحفظ شيئا مما كان لم يحفظ. وانما يقوى على ذلك من اراد نفسه على الحفظ فلم ينقطع عنه وصار له منه حظ كل يوم وان قل ومما يحول بين ملتمس العلم والحفظ افتان عظيمتان الاولى ترك رياضة القلب فيه بان لا يتدرج في تدريب نفسه على الحفظ شيئا فشيئا فتراه يهجم على المحفوظ مستكثرا منه وظانا انه يقوى عليه وهو وان قدر عليه مدة فانه ينقطع. بخلاف من يأخذ في الحفظ شيئا فشيئا فيحفظ قدرا يسيرا ثم يديم حفظ مثله في مدة حتى اذا قوي حفظه زاد في قدر المحفوظ فان من سار بهذه السيرة في نفسه فان انه يقوى حفظه وتكون له الة قوية في الحفظ. والافة الثانية استطالة الطريق والاستعجال فيعجل احدهم في تناول المحفوظات فهو يدخل في محفوظ راغب فيه ثم يسمع مدح غيره فيتحول اليه. فهو ينقل نفسه بين المحفوظات استعجالا. ويستطيل طريق العلم بتتابع المحفوظات وانه كيف يكون من اهله وهو يحتاج الى حفظ كذا وكذا وكذا فينقطع حينئذ عن اخذ العلم اخذا صحيحا ومن نورانيات ابن القيم رحمه الله قوله في كتاب الفوائد من استطال الطريق ضعف مشيه اي ان المرء اذا رأى ان الطريق الذي يبتغي سلوكه ومنه طريق العلم طريقا طويلا فانه يضعف عن مواصلة السير في ثم ذكر المصنف منفعة المذاكرة فقال وبالمذاكرة تدوم حياة العلم في النفس ويقوى تعلقه بها. وبين معنى المذاكرة بقوله والمراد بالمذاكرة مدارسة الاقران اي بان تجتمع انت وزميل لك في مدارسة ما تلقيتماه من العلوم حفظا وفهما ثم ذكر ان اصل المدارسة هو الامر بتعاهد القرآن الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم انما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الابل المعقلة اي المقيدة ان عاهد عليها امسكها اي ان راقبها واحاطها بعنايته امسكها وان اطلقها اي ارسل وثاقها واهملها وغفل عنها ذهبت. واذا كان هذا في القرآن الذي هو اصل العلم فكيف بسائر العلوم؟ ثم ذكر منفعة السؤال فقال وبالسؤال عن العلم تفتتح خزائنه اي ان صدور العلماء وهي من اعظم خزائن العلم تفتتح بسؤالهم عنه. فيتهيأ للمرء بسؤال اولئك من العلم ما هو محفوظ عندهم. فيستخرجه بحسن سؤاله. وذكر قول الزهري ان هذا العلم خزائن وتفتتحها المسألة. ثم قال وحسن المسألة نصف العلم. اي من كان حسن قال ادرك بحسن مسألته نصف العلم لان العلم يؤخذ تارة ابتداء بما يبذله المعلم ويسمعه المتعلم فيدركه ويضبطه. وتارة لا يبين عنه المعلم وانما اذا سئل عنه اجاب به. فصار حسن السؤال نصا للعلم لانه يستخرج به العلم الذي لم يظهره المعلم عند بيانه شرحه ثم بين ان قلة الاقبال على العالم بالسؤال اذا ورد على بلد تكشف مبلغ العلم فيه. فمن طرائق لباس العلم سؤال الاشياخ الوالدين. فانهم ربما شغلوا عن مجالس التعليم لعدم قدرتهم على عقدها ويمكنهم ان يجيبوا عن سؤالات على سؤالات السائلين. فاذا لقيت احدا من اهل العلم مشاري اليهم ولم تتمكن من القراءة عليه لاي عارض من العوارض فلا تفوت سؤاله اسئلة تحفظ اجوبته فيها فان المرء يجد من اجبت هؤلاء ما يحل له اشكالات ربما يبقى مدة طويلة لا يتهيأ له العلم بها فيكون قد اخذ العلم بهذه الطريق ثم ذكر خاتما هذه المعاقد يا اخواتي من هذا المعقد ان هذه المعاني الثلاثة للعلم بمنزلة الغرس للشجر وسقيه وتنميته بما يحفظ قوته ويدفع افته ثم قال فالحفظ غرس العلم والمذاكرة سقيه والسؤال عنه تنميته اي انك اذا حفظت العلم فقد غرزته في قلبك. فاذا ذاكرت به غيرك فقد سقيته بماء المذاكرة الذي يصل الى العلم المغروس في القلب فيحيى فيه. فاذا سألت عنه نميته اي قويته وكثرته في نفسك فربا وزاد وصارت له ثمرة نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الرابع عشر اكرام اهل العلم وتوقيرهم. ان فضل العلماء عظيم ومنصبهم منصب جليل. لانهم اباء الروح فالشيخ اب للروح كما ان الوالد اب للجسد وفي قراءة ابي ابن كعب رضي الله عنه النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وهو ابو لهم والابوة المذكورة في هذه القراءة ليست ابوة النسب اجماعا وانما هي الابوة الدينية الروحية. فالاعتراف بفضل المعلمين حق واجب. قال شعبة بن الحجاج رحمه الله تعالى كل من سمعت منه حديثا فان له عبد واستنبط هذا المعنى من القرآن محمد ابن علي الندفوي فقال اذا تعلم الانسان من العالم واستفاد منه الفوائد فهو له عبد. قال الله تعالى واذ قال موسى لفتاه وهو يوشع ابن نون ولم يكن مملوكا له وانما كان متلمذا له متبعا له فجعله الله فتاه لذلك. وقد امر الشرع برعاية حق العلماء اكراما لهم وتوقيرا واعزازا. قال احمد في المسند حدثني تناهرون قال حدثنا ابن ابي قال حدثني مالك ابن خير الزيادي وعن ابي قبيل المعافري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من امتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه. امسك ابن عباس رضي الله عنه انهما يوما بركاب زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال زيد اتمسكني وانت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس رضي الله عنهما انها هكذا بالعلماء ونقل ابن حزم رحمه الله الاجماع على توقيع العلماء واكرامهم والبصير بالاحوال السلفية يقف على حميد احوالهم في توقير علمائهم فقد كان اصحاب صلى الله عليه وسلم اذا جلسوا اليه كانما على رؤوسهم الطير لا يتحركون. وقال محمد ابن سيرين رحمه الله رأيت عبدالرحمن بن ابي ليلى واصحابه يعظمون ويسودونه ويشرفونه مثل الامير. وقال يحيى الناصري رحمه الله رأيت ما لك ابن انس غير مرة وكان باصحابه من الاعراب له والتوقي له. واذا رفع احد صوته صاحب به فمن الادب اللازم للشيخ على المتعلم مما يدخل تحت هذا الاصل التواضع له والاقبال عليه وعدم الالتفات عنه ومراعاة ادب الحديث معه واذا حدث عنه عظمه من غير غلو بل ينزله منزلته لان لا يشينه من حيث اراد ان يمدحه وليشكر تعليمه ويدعو له وليظهر ولا يظهر الاستغناء عنه ولا يؤذيه بقول او فعل وليتلطف في تنبيهه على خطئه اذا وقعت منه زلة. ومما تناسب الاشارة اليه هنا باختصار وجيز معرفة الواجب ازاء زلة العالم وهو ستة امور. الاول التثبت في صدور الزلة منه. والثاني التثبت في خطأ وهذه وظيفة العلماء الراسخين فيسألون عنها والثالث ترك والثالث ترك اتباعه فيها والرابع التماس عذر له والخامس بذل النصح له بلطف وسر لا بعنف وتشهير. والسادس حفظ جنابه. فلا تهدر كرامتهم في قلوب المسلمين. ومما احذروا منه مما يتصل بتوقيع العلماء ما صورته التوقير ومآله الاهانة والتحقير كالازدحام على العالم والتضييق عليه والجائه الى اعسر السبل. فما ماته شيم ابن بشير الواسطي المحدث الثقة الا بهذا. فقد ازدحم اصحاب الحديث عليه فطرحوه عن حماره فكان سبب موته. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الرابع عشر من معاقد تعظيم العلم وهو اكرام اهل العلم وتوقيرهم اي اجلالهم واكبارهم لما لهم من الفضل العظيم والمنصب الجليل فهم اباء الروح فالشيخ اب للروح كما ان الوالد اب للجسد والابوة الروحية هي الابوة في تلقي العلم ونبوة روحية هي الابوة في تلقي العلم والدين قال ابن تيمية الحفيد الشيخ والعالم الشيخ والمعلم والمؤدب اب للروح والوالد اب للجسد ذكره عنه ابن القيم في مدارج السالكين ومقصوده هو وغيره ممن يذكر الابوة الروحية اعظام قدر المعلم. لا انه في الطاعة منزلة الوالدين فطاعة الوالدين مقدمة على طاعة غيرهما للادلة الشرعية ومرادهم ان المعلم له حق عظيم تنبغي رعايته. ثم ذكر عن شعبة قوله كل من سمعت عنه حديثا فانا له عبد اي مقر معترف بما اوصل الي من الفضل حتى يجعل نفسه بمنزلة المملوك له فانه ملكه بما اسدى اليه من الخير في التعليم وذكر استنباط هذا المعنى من القرآن من كلام محمد بن علي الادفوي رحمه الله انه قال اذا تعلم الانسان من العالم واستفاد منه الفوائد فهو له ابدأ. قال الله تعالى واذ قال موسى لفتاه وهو يوشع ابن نون ولم يكن مملوكا له. وانما كان متلمذا له متبعا له فجعله الله فتاه لذلك انتهى كلامه ثم بين ان الشرع امر برعاية حق العلماء اكراما لهم وتوقيرا واعزازا. وذكر حديث عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من امتي وذكر اشياء منها قوله ويعرف لعالمنا حقه فالعالم له حق اثبتته الشريعة ثم ذكر من المأثور عن الصدر الاول ما اتفق لابن عباس رضي الله عنهما من امساكه بركاب زيد ابن ثابت رضي الله عنه وركاب الابل هي الرواحل منها التي تتخذ للركوب فلما اراد زيد رضي الله عنه ان يركب واحدة من تلك الابل امسك ابن عباس رضي الله عنهما بخطامها وزمامها. لتقف فتثبت فيعتليها زيد رضي الله عنه. فاستعظم زيد ذلك وكبر عنده فقال زيد اتمسك لي وانت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما انا هكذا نصنع بالعلماء اي نمتثل ما امرنا به من توقيرهم فنعاملهم بمثل هذا. ثم نقل اجماع اهل العلم على توقير العلماء واكرامهم عن ابن حزم الاندلسي ثم قال والبصير بالاحوال السلفية اي بما كان عليه سلف الامة يقف على حميد احوالهم في توقير علمائهم ثم قال فمن الادب اللازم للشيخ على المتعلم مما يدخل تحت هذا الاصل التواضع له والاقبال عليه وعدم الالتفات ومراعاة ادب الحديث معه. واذا حدث عنه عظمه من غير غلو بل ينزله منزلته لئلا يكينه اي كي لا يعيبه من حيث اراد ان يمدحه وليشكر تعليمه ويدعو له ولا يظهر الاستغناء عنه ولا يؤذيه او فعل وليتلطف في تنبيهه على خطأه اذا وقعت منه زلة ثم ذكر نبذة مستطرفة في معرفة الواجب تجاه زلة العالم فان زلة العالم من طبع العالم فان الله خلق الخلق وهم مقارنون للخطيئة والسيئة فبدور الزلة من العالم موافق للجبلة الادمية. والخلقة الطبعية التي جبل عز وجل الناس عليها. فاذا صدر عن احد من العلماء زلة روعي معه اقامة هذه الامور الستة واولها التثبت في صدور الزلة منه. اي التحقق من كون المنقول ثابتا عنه. فكم من زلة نسبت وحديثا لاحاد من اهل العلم وهم منها براء. وثانيها التثبت في كون تلك الزلة خطأ وهذه وظيفة العلماء الراسخين فيسألون اعنها فالحكم على شيء من اقوال العلماء وافعالهم انه خطأ هي وظيفة العلماء الراسخين. ذكره الشاطبي في الموافقات هو ابن رجب في جامع العلوم والحكم. لانها من جنس المتشابه الذي لا يميزه الا الراسخ فيتجاذب فيه الحق والباطل فيحتاج الى رسوخ قدم لفصل حقه عن باطله وتمييز رتبته وثالثها ترك اتباعه فيها. فمن زل لم يتبع في تلك الزلة فيترك زلله ويهجر خطأه ولا يعد دينا لاجل ان فلانا قال به مع تيقننا انه زل لا فيه. ورابعها التماس العذر له بتأويل سائغ. اي تطلب ما يحمل عليه كلامه مما يكون له وجه محتمل. تقديم لاحسان الظن به. فمن شهر بصلاح دينه واستقامة حاله وملازمته السنة لم يكن معاملا كما يعامل غيره ممن هو بعيد عنها. وخامسها بذل النصح له بلطف وسل لا بعنف وتشهير لان المقصود من بيان زلته رد خطأه ورجوعه هو عنه. فاذا احتف هذا باللطف والسر قويت نفسه على الرجوع عنه واذا احيط ذلك بالعنف والتشهير ربما اصر على خطئه وتعصب له من تعصب فازداد الامر سوءا وسادسها حفظ جنابه والجناب هو الجانب والمراد به القدر فيحفظ قدره ولا تهدر كرامته في قلوب المسلمين فتبقى له منزلته ورتبته مع رد زلته. ثم ذكر ختمة مما يحذر عنه وينأى منه مما يتصل بتوقير العلماء ما صورته التوقير ومآله الاهانة والتحقير. اي ان اراد سلوك التوقير مع من يعظمه وحقيقة الامر انه الجأه الى نوع من الاهانة والاضرار كاجتماع اهل الحديث على هشيم ابن بشير الواسطي المحدث الثقة فانهم اجتمعوا عليه وهو على حماره اكراما له ويستقبلوه فلما زاد ازدحامهم وكثر عددهم وقوي التحامهم طرحوه عن حماره فكان سبب موته رحمه الله. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الخامس عشر رد مشكله الى اهله. فالمعظم للعلم يعول على دهاقنته والجهابذة من اهله لحل ولا يعذب نفسه لما لا تطيق خوفا من القول على الله عز وجل بلا علم والافتراء على الدين. فهو يخاف سخطة الرحمن قبل ان يخاف سوق السلطان فان العلماء بعلم تكلموا وببصر نافذ سكتوا فان تكلموا في مشكل فتكلم بكلامهم وان سكتوا عنه فليسع كما وواسعهم ومن اشق المشكلات الفتن الواقعة والنوازل الحادثة التي تتكاثر مع امتداد الزمن. والناس في هذا الباب طرفان ووسط. فقوم اعرضوا عن استفتاء العلماء فيها وفزعوا الى الاهواء والاراء يستمدونها من هاجان الخطباء ورقة الشعراء وتحليلات السياسيين وارجافات المنافقين. وقوم يعرضونها على لكنهم لا يرتضون قالهم ولا يرضون مقالهم فكأنهم طلبوا جوابا يوافق هوى في نفوسهم فلما لم يجدوا مالو عنهم والناجون من نار الفتن سالمون من وهج المحن هم من فزع الى العلماء ولزم قولهم وان اشتبه عليه شيء من قولهم احسن الظن بهم فطرح قوله واخذ بقوله فالتجربة والخبرة هم كانوا احق بها واهلها. واذا اختلفت اقوالهم لزم قول جمهورهم وسوادهم ايثارا للسلامة فالسلامة لا يعدلون وما احسن قول ابن عاصم رحمه الله في مفتقى الوصول وواجب في مشكلات الفهم تحسين الظن باهل العلم ومن جملة المشكلات زلات العلماء والمقالات الباطلة اهل البدع والمخالفين. فانما يتكلم فيه العلماء الراسخون بينهم الشاطبي في الموافقات وابن رجب في جامع العلوم والحكم واذا تعرضت الناشئة والدهماء للدخول في هذا الباب تولدت فتن وبلايا. كما هو مشاهد في عصرنا فانما نشأت كثير من الفتن حين تعرض للرد على زلات والمقالات المخالفة للشريعة بعض الناشئة الاغناط. والجادة السالمة عرضها على العلماء الراسخين والاستمساك بقولهم فيها ذكر المصنف وفقه الله المعهد الخامس عشر من معاقد تعظيم العلم وهو رد مشكله الى اهله ومشكل العلم ما غمض منه وتعارضت فيه البينات فمن تعظيم العلم ان ما كان من هذا الضرب والنوع فانه يرد الى اهل العلم والحال كما قال فالمعظم للعلم يعول على دهاقنته والجهابذة من اهله لحل مشكلاته والدهاكنة والجهابدة وصفان معظمان وصفان معظمان لاهل العلم. فالدهاقنة جمع دهقان وهو قوي التصرف في حدة فهو قوي التصرف في حدة اصله اعجمي ثم عرب وهو بكسر الدار وضمها. وذكر الفتح ايضا فيقال ذي قال ودهقان ودهقان والجهابذة جمع بكسر الجيم وهو الناقد الخبير ببواطن الامور فعل معظم العلم ان يرد ما اشكل الى من كان موصوفا بالرفعة في العلم والتقدم فيه لتمكنه منه والا يعرض نفسه لما لا تطيق. اي من كلفة سؤال الله عز وجل له فهو يخاف من الله ان يقول في دينه بلا علم او ان يفتري عليه فيحجم عن ذلك ثم ذكر حال العلماء فقال فان العلماء اي من ائمة الهدى فان العلماء بعلم تكلموا وببصر سكتوا اي انهم اذا صدر منهم شيء يتكلمون فيه فانه نشأ من العلم واذا امسكوا عن شيء فانه لبصر نافذ لحظوه فلكمال عقولهم وطول تجربتهم بدا لهم ان السكوت هنا اولى في حفظ الدين وصيانته ثم ذكر ان من اشق المشكلات الفتن الفتن الواقعة والنوازل الحادثة التي تتكاثر مع امتداد الزمن وبين اقسام الناس فيها فقال والناس في هذا الباب طرفان ووسط. فهم ثلاثة اقسام فالقسم الاول قوم اعرضوا عن استفتاء العلماء فيها وفزعوا الى الاهواء والاراء يستمدونها من هيجان الخطباء ورقة الشعراء وتحليلات السياسيين وارجافات المنافقين فهو يغمض عينه ويصم اذنه عن قول العلماء. ويلتمس من قول غيرهم ما يوافق رغبته هو يجاري هواه. والقسم الثاني قوم يعرضونها على العلماء يظفر منهم بما يوافق ما في نفوسهم ثم تكون حالهم انهم لا يرتضون قالهم ولا يرضون مقالهم فكأنهم طلبوا جوابا يوافقوا هوا في نفوسهم فلما لم يجدوه مالوا عنهم. والقسم الثالث هم المذكورون في قوله والناجون من نار الفتن السالمون من وهج المحن انهم من فزع الى العلماء ولزم قولهم وان اشتبه عليه شيء من قولهم احسن الظن بهم. فطرح قوله واخذ بقوله فالتجربة والخبرة هم كانوا احق بها واهلها. واذا اختلفت اقوالهم لزم قول جمهورهم وسوادهم ايثارا سلامة فالسلامة لا يعدلها شيء والمراد بالسلامة السلامة الدينية والمراد بالسلامة السلامة الدينية من تبعات الخطأ في دين الله عز وجل. فالسلامة بين يدي الله عز وجل لا يعدلها شيء ثم قال بعد ومن جملة المشكلات اي الامور التي تغمض وتتعارض فيها البينات رد زلات العلماء والمقالات الباطلة لاهل البدع والمخالفين فانما يتكلم فيها العلماء الراسخ بينه الشاطبي في الموافقات وابن رجب في جامع العلوم والحكم. لانها كما تقدم من جنس المتشابه الذي يختلط حقه بباطله فلا يترشح لفصل الحق عن الباطل الا الراسخ في العلم وللشاطبين في ذلك كلام منثور واسع الاطراف في الموافقات والاعتصام واما ابن رجب فانه ذكر هذا في جامع العلوم والحكم. فكان مما قاله فيه ومن انواع النصح لله تعالى وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو مما يختص بالعلماء رد الاهواء المضلة بالكتاب والسنة وبيان دلالتهما على ما يخالف الاهواء كلها. وكذلك الاقوال الضعيفة من زلات العلماء وبيان دلالة والسنة على ردها. انتهى كلامه واما غيرهم فانه يتبعهم ويسير بسيرهم. فطلاب العلم في رد البدع بمنزلة المبلغين اقوالا العلماء ليسلموا من رد بدعة ببدعة او زيادة الشر الذي يريدون تخفيفه. ثم ذكر الحالة التي صار الناس عليها فقال واذا تعرضت الناشئة والدهماء للدخول في هذا الباب تولدت فتن وبلايا كما هو مشاهد في عصرنا فانما نشأت كثير من الفتن حين تعرض للرد على زلات العلماء والمقالات المخالفة للشريعة بعض الناشئة الاغمار والجادة السالمة عرضها على العلماء الراسخين والاستمساك باقوالهم نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد السادس عشر توقير مجالس العلم واجلال اوعيته فمجالس العلماء كمجالس الانبياء. قال ابن عبد الله رحمه الله من اراد ان ينظر الى مجالس الانبياء فلينظر الى مجالس العلماء. يجيء الرجل فيقول يا فلان اي شيء تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا فيقول طلقت امرأته ويجيئ اخر فيقول ما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا فيقول ليس بهذا القول وليس هذا الا لنبي او لعالم فاعرفوا لهم ذلك. وقال ما انكم انس رحمه الله ان مجالس العلماء تحتضن بالخشوع والسكينة والوقار فقد كان مالك اذا اراد ان يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن من جلوسه بوقار وهيبة ثم حدث. وكان عبدالرحمن بن مهدي لا يتحدث في مجلسه ولا عبر فيه قلم ولا يتبسم فيه احد. وكان وكيع ابن الجراح في مجلسه كأنهم في صلاة. فعلى طالب العلم ان يعرف لمجالس العلم فيجلس فيها جلسة الادب ويصغي الى الشيخ ناظرا اليه فلا يلتفت عنه من غير ضرورة ولا يضطرب لضجة يسمعها ولا يعبث بيديه او رجليه ولا يستند بحضرة شيخه ولا يتكئ على يده ولا يكثر التنحنح والحركة. ولا يتكلم مع جاره ولا عطس خفض صوته واذا تثائب ستر فمه بعد رده جهده. وينضم الى توقين العلم اجلال اوعيته التي يحفظ فيها وعمادها الكتب فاللائق بطالب العلم صون كتابه وحفظه واجلاله والاعتناء به فلا يجعله صندوق ان يحشوه بودائعه ولا يجعله بوقا. واذا وضعه وضعه بلطف وعناية. رمى اسحاق ابن راهويه يوما بكتاب كان في يده. فرآه ابو احمد ابن حنبل رحمه الله فغضب وقال اهكذا يفعل بكلام الابرار؟ ولا يتكئ على الكتاب او يضعوه عند قدميه واذا كان يقرأ فيه على شيخ رفعه عن الارض وحمله بيديه. ذكر المصنف وفقه الله المعقد السادس عشر من معاقد تعظيم العلم وهو توقير مجالس العلم اي اجلالها واكبارها واعظامها. واجلال اوعيته والاوعية ما يحفظ فيه العلم من كتاب ونحوه والداعي الى هذا المعقد هو ان مجالس العلماء كمجالس الانبياء. فان العلم ميراث نبوة واجلال هذه المجالس من اجلال النبوة. فالمذكور فيها هو من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ومن حسن الادب معه صلى الله عليه وسلم الادب في تلك المجالس التي يقسم بها ميراثه من العلم النافع ثم ذكر من الاثار السلفية ما يبين ذلك ثم قال فعلى طالب العلم ان يعرف لمجالس العلم حقها وذكر من انحاء ذلك ووجوه ان يجلس فيها جلسة الادب ويصغي الى الشيخ ناظرا اليه فلا يلتفت عنه من غير ضرورة ولا يضطرب لضجة يسمعها اي لصوت صاخب يسمعه فلا يتغير من مجلس شيخه لاجل لما يعرض فيه من صوت مرتفع. ثم قال وينضم الى توقير مجالس العلم اجلال اوعيته التي يحفظوا فيها وعمادها الكتب فاللائق بطالب العلم صون كتابه وحفظه واجلاله. والاعتناء به فلا يجعله صندوقا يحشوه بودائعه اي يملؤه بما يودعه فيه من اشياء يدخرها مكنوزة ولا يجعله بوقا بان يرد بعضه على بعض ويلفه حتى يكون في صورة البوق الذي ينفخ فيه. قال واذا وضعه وضعه بلطف عناية اكبارا له واجلالا. وذكر ما اتفق من فعل اسحاق بن راهويه رحمه الله انه رمى بكتاب في يده. فرآه ابو عبد الله احمد بن حنبل فغضب وقال اهكذا يفعل بكلام الابرار اي ان مما يعظم حفظ هذا الكتاب المشتمل على كلام صالحين ممن تقدم اما مصنفه واما من ينقل عنهم الاخبار التي الاخبار والاحكام التي فيه واذا كان هذا في كلام مجرد من كلام الابرار فان الكتاب المشتمل على الايات والاحاديث اعظم قدرا فينبغي ان يعظمه متلقي العلم وان يصونه عن كل ما هو نقص له ومن جملة ذلك الا يتكئ على الكتاب او ليضعه عند قدميه واذا كان يقرأ فيه على شيخ رفعه عن الارض وحمله بيديه توقيرا له واجلالا نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقل السابع عشر الذب عن العلم والذود عن حياضه ان للعلم حرمة وافرة توجب الانتصار او اذا تعرض لجنابه بما لا يصلح وقد ظهر هذا الانتصار عند اهل العلم في مظاهر منها الرد على المخالف فمن استبانت مخالفته للشريعة رد عليه كائنا من كان حمية للدين ونصيحة للمسلمين. ولم يزل الناس يرد بعضهم على بعض قاله الامام احمد رحمه الله. لكن المرشح لذلك هم العلماء مع لزوم الادب وترك الجور والظلم ومنها هجر المبتدع ذكره ابو يعلى الفراوي جماعة فلا يؤخذ العلم عن اهل البدع لكن اذا اضطر اليهم فلا بأس كما في الرواية عنهم لدى المحدثين وفي ذلك يقول شيخ الاسلام ابن تيمية الحفيد مقررا اصلا كبيرا تعظم الحاجة اليه في ازمنة الجاهلية والفتن فاذا تعذر اقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك الا بما فيه بدعة مضرتها دون مضرة ذلك الواجب. كان تحصيل مصلحة الواجب مع مرجوحة خيرا من العكس ومنها زجر المتعلم اذا تعدى في بحثه او ظهر منه لدد او سوء ادب. كان عبدالرحمن بن مهدي ان تحدث احد في مجلسه او بني قال من صاح ولبس نعليه ودخل وكان وكيع اذا انكر من امر الجلساء شيئا انتعل ودخل وشوهد هذا مرارا من شيخ شيوخنا محمد ابن ابراهيم ال الشيخ فكم مرة رؤي منصرفا لما سمع طالبا يتشدق في مقاله فاخذ نعليه وانصرف وحضر شاب مجلس سفيان الثوري رحمه الله فجعل يترأس ويتكلم ويتكبر بالعلم فغضب سفيان وقال لم يكن السلف هكذا لم يكن السلف هكذا. كان احدهم لا يدعي الامامة ولا يجلس في الصدر حتى يطلب حتى يطلب هذا العلم. كان احدهم لا يدعي الامامة ولا يجنس ولا يجلس في الصدر حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة. وانت تتكبر على من هو اسد منك. قم عني ولا اراك تدنو من مجلسي كان يقول اذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ وان كان قد بلغ من العلم مبلغا فايس من خيره فانه قليل الحياء. وان احتاج المعلم الى اخراج المتعلم من مجلس ان زجرا له فليفعل كما فعل سفيان رحمه الله وكما كان يفعل شعبة مع عفان ابن مسلم في درسه. وقد ينزل المتعلم بعدم الاقبال عليه وترك اجابته فالسكوت جواب قاله الاعمش. ورأينا هذا كثيرا من جماعة من الشيوخ منهم العلامة ابن باز رحمه الله فربما سأله سائل عما لا ينفعه فترك الشيخ اجابته وامر القارئ ان يواصل قراءته او اجابه بخلاف قصده ذكر المصنف وفقه الله المعقد السابع عشر من معاقد تعظيم العلم. وهو الذب عن العلم. اي الدفاع عنه والزود عن عن حياضه اي الحيلولة دون موارده من العلماء والتصانيف. لما للعلم من حرمة وافرة توجب الانتصار له. وذكر جملة من مظاهر انتصار اهل العلم له. منها الرد على المخالف فمن استبانت مخالفته للشريعة رد عليه كائنا من كان. حمية للدين ونصيحة للمسلمين. قال الامام احمد لم يزل الناس يرد بعضهم على بعض فرد القول المخالف للدليل ليس من هجر القول بل هو من العبادة التي جعلها الله عز وجل على العلماء في في حفظ الشريعة فهم الذين يوكل اليهم حفظها بالرد على من خالف ما جاء فيها. واما الدهماء وهم العامة شغل لهم بذلك وسمي العامة دهماء لانهم قد غطوا الارض فاصل الدهم التغطية واكثر اهل الارض من قبل ومن بعد هم من العوام الدهماء. ومنها هجر المبتدع ذكره ابو يعلى الفراء اجماعا. فمما يحفظ به العلم ان يهجر اهل البدع. فلا يؤخذ العلم عنهم. فالاصل تركهم والاعراض عنهم ومباعدتهم لكن اذا اضطر اليه فلا بأس كان يكون في دراسة نظامية لا سبيل له الى التخلي فيها من الاخذ عن الممسوس ببدعة او غير ذلك من الاحوال ومنها زجر علمي اذا تعدى في بحثه او ظهر منه لدد اي خصومة شديدة او سوء ادب فيزجر عن غيه اذا بدر منه شيء في ذلك حفظا للعلم وذكر من احوال السلف ما كان عليه بعضهم كعبد الرحمن ابن مهدي ووكيع ابن جراح ثم قال وشوهد هذا مرارا من شيخ شيوخنا محمد ابن ابراهيم ال الشيخ فكم مرة رؤي منصرفا لما سمع طالبا يتشدق في مقاره فاخذ نعليه وانصرف. اي انه زجره هو وغيره بالاعراض عنهم. بالاعراض عنهم وترك بتعليمهم ثم ذكر قول سفيان لما بدر من شاب طلب الرئاسة لما بدر من شاب طلب الرئاسة بالكلام والتكبر في العلم فقال لم يكن السلف هكذا لم يكن السلف وكذا كان احدهم لا يدعي الامامة ولا يجلس في الصدر حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة اي لم يكن احدهم يعد نفسه عالما ولا يتقدم في صدر المجلس حتى يطلب العلم ثلاثين سنة ثم قال في حال ذلك المتكلم من الشباب وانت تتكبر على من هو اسن منك قم عني ولا اراك تدنو من مجلسي ثم ذكر عنه قوله اذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ يعني بين ايدي اهل العلم الكبار وان كان بلغ وان كان فقد بلغ من العلم مبلغا فايس من خيره فانه قليل الحياء لان الحياء يعمل لان الحياء يحمل صاحبه على ملاحظة كوبري السن فيقدم غيره على نفسه لاجل تقدمه عليه في عمره فذلك الذي يهذر بين يدي من هو اكبر سنا منه ممن يشاركه في العلم قليل الحياء اذ لم يرعى حرمة السن. ومن قل حياؤه قل ومن قل ورعه سلب العلم والدين فان من لازم هذه الحال من التلهف الى التكلم امام من هو اكبر منه سنا فان حاله تؤول الى ذهاب العلم منه لفقده ادبا عظيما من ادابه. ثم قال وان احتاج المعلم الى اخراج المتعلم من مجلسه زجرا له فليفعل. فاذا رأى المعلم ان المتعلم ينتفع باخراجه من مجلسه فليفعل فان اخر الدواء الكي ومن الناس من لا ينتفع بتأديب معلمه حتى يكتوي بطرده وكان ما ذكر من تلك الاحوال التي مضت عند السابقين فانهم ربما زجروا بالاخراج من المجالس. ثم قال وقد يزجر المتعلم بعدم الاقبال عليه وترك اجابته فالسكوت جواب قاله الاعمش. فمن الناس من يسأل ويكون الجواب الصالح له ان يسكت عن سؤاله فلا يجاب ثم قال ورأينا هذا كثيرا من جماعة من الشيوخ منهم العلامة ابن باز. فربما سأله سائل عما لا ينفعه فترك الشيخ اجابته اي اعرض عنه وامر القارئ ان يواصل قراءته او اجابه بخلاف قصده. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الثامن عشر التحفظ في مسألة عالم فرارا من مسائل الشغب وحفظا لهيبة العالم فان من السؤال ما يراد به التشغيل وايقاظ الفتنة واشاعة السوء. ومن انس منه العلماء هذه المسائل لقي منهم ما لا يعجبه. كما مر معك في زج المتعلم لابد من التحفظ في مسألة العالم ولا يفلح في تحفظه فيها الا من اعمل اربعة اصول اولها الفكر في سؤاله لماذا يسأل؟ فيكون قصده من اي التفقه فيكون قصده فيكون قصده من السؤال التفقه والتعلم ولا التعنت والتهكم فان من ساء قصده في سؤاله يحرم بركة العلم ويمنع منفعته. وفي الناس من يسأل وله في سؤاله قصد باطل يريد التوصل به الى مقصود له. فاذا غفل عنه المفتي وافتاه بما يريد فرح به واشاعه اذا بين قصده حال بينه وبين مراده وزجره عن غيه. رحمه الله تعالى في كتابه الاحكام سئلت مرة عن عقد النكاح بالقاهرة هل يجوز ام لا؟ فارتبت وقلت له اين السائل؟ ما افتيك حتى تبين لي ما المقصود بهذا الكلام؟ فان كل احد يعلم ان عقد النكاح بالقاهرة جاهز فلا ما زال به حتى قال انا اردنا ان نعقله خارج فمنعنا لانه استحلال يعني نكاح تحليل. وهو نوع من الانكحة المحرمة. فجئنا للقائرة فقلت له لا يجوز لا بالقاهرة ولا بغيرها. ووقع مثل هذا عن ابي العباس ابن تيمية الحفيد رحمه الله تعالى في فتوى التعلق باهل الذمة ذكر تلميذه البار ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه اعلام الموقعين ردت عليه غير مرة في وجه غير الوجه السابق لها فكان يقول لا يجوز حتى قال في اخر مرة هي المسألة المعينة وان خرجت في عدة قوالب اما الاصل الثاني فالتفطن الى ما يسأل عنه فلا تسأل عما لا نفع فيه اما بالنظر الى حالك او بالنظر الى المسألة نفسها. سأل رجل احمد بن حنبل رحمه الله على ان يأجوج ومأجوج. المسلمون هم؟ فقال له احكمت العلم حتى تسأل عن ذا. ومثله السؤال عما لم يقع. او ما لا يحدث به كل احد انما يخص به قوم دون قوم. اما الاصل الثالث فانتباهها صلاحية حال الشيخ للاجابة عن سؤاله فلا يسأله في حال تمنعه ككونه مهموما. او تفكرا او ماشيا في طريق او راكبا سيارته بل يتحين طيب نفسه. قال قتادة سألت ابا الطفيل مسألة فقال ان لكل مقام مقالة وسأل رجل وسأل رجل ابن المبارك رحمه الله تعالى عن حديث وهو يمشي فقال ليس هذا من توقير العلم. وكان عبدالرحمن بن ابي ليلى يكره ان يسأل وهو ويمشي اما الاصل الرابع فتيقظ السائل الى كيفية سؤاله باخراجه في صورة حسنة متأدبة فيقدم الدعاء للشيخ ويبجله في خطابه ولا تكون مخاطبته او كمخاطبته على ولا تكون مخاطبته له كمخاطبة اهل السوق واخلاط العوام. قال جعفر بن ابي عثمان كنا عند حبل معين فجاءه رجل مستعجل فقال يا ابا زكريا فحدثني بشيء اذكرك به فقال يحيى اذكرني انك سألتني ان احدثك فلم افعل. واذا تأملت السؤالات الواردة على اهل العلم اليوم رأيت ففي كثير منها سلب التحفظ وسفساف الادب. فترى من يسأل متهكما او يسأل محتقرا يسألون عما لم يقع او ما وقع ولا ينفع ايتخيرون وقت الايراد المناسب ولا يتلطفون في عرض المطالب. فسؤالاتهم مفاتيح الفتن واسباب المحن. وويل لهم مما يصنعون وما احوج هؤلاء الى مقالة زيد ابن اسلم لما سأله رجل عن شيء فخلط عليه فقال زيد. اذهب فتعلم كيف تسأل ثم تعال فسل. وكم هم يحتاجون اليوم الى مثل مقالة زيد بن اسلم ذكر المصنف وفقه الله المعقل الثامن عشر من معاقد تعظيم العلم. وهو التحفظ في مسألة العالم اي حفظ النفس عن الخطأ. بالتوقي والاحتراز من القول فيها وموجبه هو المذكور في قوله فرارا من مسائل الشغب وحفظا لهيبة العالم. اي طلبا للخلاص من المسائل التي يشغب بها وحفظا لهيبة العالم وقدره والشغب بسكون الغين وهو تهييج الشر وتحريكه ثم ذكر ان المفلح في السؤال المتحفظ فيه هو من اعمل اربعة اصول. اولها الفكر في سؤاله لماذا يسأل اي اي شيء حمله على السؤال فيكون قصده من السؤال التفقه والتعلم لا التعنت والتهكم ثم ذكر من احوال الناس ان منهم من يسأل وله في سؤاله قصد باطن يريد التوصل به الى مقصود اي يخفي في باطنه شيئا يريد الوصول اليه كالمذكور في المسألتين المعروضتين على القرافي وابن تيمية حفيد فان السائلين له ما كانوا يصرون في انفسهم على امر عظيم ويريدون ان يروجوا بظاهر قل ما يصلون به الى باطل يزكونه بالفتوى الصادرة منهما. ثم ذكر الاصل الثاني وهو التفطن الى ما يسأل عنه فلا يسأل الا عما ينفعه واما ما لا ينفعه فلا ينبغي له ان يسأل عنه. كالذي سأل الامام احمد اعني يأجوج يا ومأجوج ومسلمون هم فقال له احكمت العلم حتى تسأل عن ذا انكارا لسؤاله فهذا لا يحتاج اليه ثم ذكر الاصل الثالث وهو الانتباه الى صلاحية حال الشيخ للاجابة عن سؤاله اي تهيؤه للجواب فربما مهموما او مغموما او مشغولا في طريق او حال فلا يحسن سؤاله حينئذ ثم ذكر الاصل الرابع وهو الى كيفية سؤاله بان يخرجه في صورة مؤدبة حسنة فيقدم الدعاء للشيخ ويبجله خطابه اي يعظمه ثم يعرض سؤاله عليه ولا تكون مخاطبته له كمخاطبته اهل السوق واخلاط العوام ممن نقصت رتبهم فيخاطبه بالخطاب اللائق به. ثم ذكر الداهية المدهية من سؤال اهل العصر فقال واذا تأملت السؤالات الواردة على اهل العلم اليوم رأيت في كثير منها سلب التحفظ وسفسافة الادب والسفساف من كل شيء هو الرديء فتجد في اسئلة قوم ممن يسأل اهل العلم اليوم يدل على سوء ادبهم وعدم تحفظهم في سؤالاتهم ثم ذكر شيئا من احوالهم فقال فترى من يسأل متهكما او يسأل محتقرا يسألون عما لم يقع او ما وقع او لا ينفع؟ لا يتخيرون وقت الايراد المناسب ولا يتلطفون في عرض المطالب. فسؤالاتهم مفاتيح الفتن باب المحن وويل لهم مما يصنعون. ثم ذكر قول زيد ابن اسلم لما خلط له سائل فقال له اذهب فتعلم كيف تسأل ثم تعالى فسل والناس الى هذا احوج من من كان في الصدر الاول. فكثير من الناس يفتقرون الادب في سؤالاتهم يحتاجون حملهم على تعلم الادب في السؤال يتمكن من السؤال عما ينفعهم على الوجه الذي يليق مقام العالم فيهم. نعم. احسن الله اليكم قلتم وفقكم الله تعالى المعقل التاسع عشر. شغف القلب بالعلم وغلبته عليه صدق الطلب له يوجب محبته وتعلق القلب. فصدق الطلب له يوجب محبته وتعلق القلب به. ولا ينال العبد درجة العلم حتى تكون لذته الكبرى فيه. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة. ومن لم يغلب لذة ادراكه وشهوته على لذة جسمه وشهوة نفسه لم ينل درجة العلم ابدا وانما تنال لذة العلم بثلاثة امور ذكرها ابو عبد الله ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه السالف احدها بذل الوسع وثانيها صدق الطلب وثالثها صحة النية والاخلاص. ولا تتم هذه الامور الثلاثة الا مع دفع كل ما يشغل عن القلب. ومن سبرها هذه اللذة في احوال السابقين من علماء الامة رأى عجبا فلسان احدهم ما لذته الا رواية مسند قد قيدت بفصاحة ومجالس فيها تحل سكينة ومذاكرات معاشر الحفاظ. ان لذة العلم فوق لذة السلطان والحكم التي تتطلع اليها نفوس وتبذل لاجلها اموال وفيرة وتسفك دماء غزيرة. بات ابو جعفر النسفي رحمه الله مهموما من ضيق البال وسوء الحال وكثرة العيال فوقع في خاطره فرع من فروع مذهبه وكان حنفيا فاعجب به فقام ينقص في داره ويقول اين الملوك وابناء الملوك؟ اين الملوك وابناء الملوك اذا خاض في بحر التفكر خاضه على درة من معضلات المطالب حقرت ملوك الارض في نيل ما حوى ونلت المنى بالكتب لا بالكتائب ولهذا كانت الملوك تتوق الى لذة العلم وتحس فقدها وتطلب تحصيلها. قيل لابي جعفر المنصور الخليفة العباسي المشهور الذي كانت ممالكه تملأ الغرب هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله؟ فقال وهو مستو على كرسيه وسرير ملكه بقيت خصلة ان اقعد على مصطبة وحولي اصحاب الحديث اي طلاب العلم فيقول المستملي من ذكرت رحمك الله يعني فيقول حدثنا فلان قال حدثنا فلان يسوق الاحاديث المسندة فانظر الى شدة افتقار هذا الخليمة الى لذة العلم وطلبه تحصيلها وجمعته اليها. ومتى عمر القلب بلذة العلم سقطت لذات العادات وذهلت النفس عنها فالنظر بن جميل رحمه الله يقول لا يجد المرء لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعه بل بل تستحين الالام لذة بهذه ومحمد بن هارون الدمشقي يقول لمحبرة تجالسني نهاري احب الي من انس الصديق ورزمتك غد في البيت احب الي من عدل الدقيق ولطمة عالم في الخد مني الذ لدي من شرب الرحيق ولا تعجب فما هذه الاحوال الا مس العلم فابن القيم رحمه الله تعالى يقول في روضة المحبين واما عشاق العلم فاعظم شغفا به وعشقا له من كل عاشق بمعشوقه وكثير منهم لا اشغله عنه اجمل صورة من البشر. فاين هذا الشغف يا طلاب العلم ممن يقدم حظه من عرسه على حظه من درسه ويكون جلوسه الى السماء وشيوخ القمراء احب اليه من الجلوس الى العلماء وتقوى عزيمته للتنقل في الفلوات ولا تقوى على السير في نقل المعلومات وينهض ويرقد كسلا عن صيد الخير. فما حظ هؤلاء وكثير هم؟ ما حظهم من تعظيم العلم وقلوبهم مأسورة بمحبة ذكر المصنف وفقه الله المعقد التاسع عشر من معاقد تعظيم العلم وهو شرف العلم وهو شرف القلب بالعلم وغلبته عليه اي محبة العلم حتى يبلغ ثقافة شغافة قلبه وشغاف القلب هو غشاؤه. فيبلغ حب العلم باطن قلبه. ثم ذكر ان المرء يحظى بلذة العلم باحراز ثلاثة امور ذكرها ابن القيم في مفتاح دار السعادة. احدها بذل الوسع وهو طاقة والجهد فيه. وثانيها صدق الطلب وثالثها صحة النية والاخلاص. ثم قال ولا تتم هذه الامور هذا الا مع دفع كل ما يشغل عن القلب. ثم ذكر بعض من اخبار الاوائل الماظين من في هذه اللذة ومحبتها والشغف بها ما يخبر عن ذلك اصدق خبر حتى وجد فقدها الملوك كل الذين تبوأوا صدور مجالس الخلق فانهم لا يزالون يرون لذة نفوسهم ناقصة لما فاتهم من لذة العلم وذكر خبر ابي جعفر المنصور وفيه قوله بقيت خصلة اي انه بقي لي من اللذات خصلة. قال ان اقعد على مصطبة وحول اصحاب الحديث اي بان يجلس على مكان مرتفع ويجتمع حوله او يجتمع حوله طلاب الحديث ليحدثهم. ويستخرج المستملي حديثه فيقول له من حدثك رحمك الله فيحدث باسانيده ويكتب عنه الجالسون بين يديه ثم ذكر ان هذه الاحوال التي سردها دعا اليها عشق العلم وغلبته على القلب. فاذا تم في القلب عشق العلم صار للعبد احوال عظيمة يفارق بها الخلق فربما غفل عن مأكوله ومشروبه وغير ذلك من انواع اللذات اجر ما يجده من لذة العلم. ثم ذكر احوالا مذمومة يقع فيها بعض المنتسبين الى العلم تدل على ضعف محبتهم له. كان منها قوله ويكون جلوسه الى السمار. اي اصحاب السمر وشيوخ القمراء احب اليه من الجلوس الى العلماء وشيوخ القمراء هم كما قال محمد بن عقبة الشيباني شيوخ دهريون اي طويلة اعماله اعمارهم شيوخ دهريون اي طويلة اعمارهم يجتمعون في ليالي القمر اي الليالي المقمرة فيتحدثون لايام الخلفاء ولا يعرف احدهم كيف يتوضأ. رواه عنه الرامهر في المحدث الفاصل فتجد من المنتسبين الى العلم من يأنس بهؤلاء ويشتغل بمسامرتهم عن الانتفاع بالعلماء نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد العشرون حفظ الوقت في العلم. اذا كان العلم اشرف مطلوب. والعمر اذا كان العلم اشرف مطلوب والعمر يطوى كجليد يذوب. فعين العقل حفظ الوقت فيه. والخوف من تقضيه بلا فائدة. والسؤال عنه يوم القيامة يحملني واياه على المبالغة في رعايته. قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره ينبغي للانسان ان يعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة ويقدم فيه الافضل فالافضل من القول والعمل. ومن هنا عظمت رعاية العلماء للوقت حتى قال محمد بن عبدالباقي البزاز ما ضيعت ساعة من عمر في لهو او لعب. فقال ابو الوفا ابن عقيل رحمه الله الذي صنف كتاب الفنون في ثمان مئة مجلد. اني لا يحل لي ان اضيع ساعة من عمري وبلغت بهم الحال ان يقرأ عليهم حال الاكل. فلقد كان احمد بن سليمان ابو القاسم المتوفى عن ثمانية وعشرين سنة يقيم القراءات في حال اكله. خوفا من ضياع وقته في غيرها فكان اصحابه يقرأون عليه وهو يتناول مأكله ومشربه. بل كان يقام عليهم وهم في دار الخلاء. فكان ابن تيمية الجد اذا دخل الخلاء لقضاء حاجة قال لبعض من حوله اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك. وتجلت هذه الرعاية للوقت من وتجلت هذه الرعاية للوقت عند القوم رحمهم الله وفي معالم عدة لم تبلغها الحضارات الانسانية قاطبة منها كثرة دروسهم فقد كان النووي رحمه الله تعالى يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على مشايخه والشوكاني يصاحبنا الى الاوطان لتبلغ دروسه في اليوم والليلة ثلاثة عشر ودرس منها ما يأخذه عن مشايخه ومنها ما يأخذه عنه تلامذته. صاحب التفسير عليهم جميعا فقد كان يدرس في اليوم اربعة وعشرين درسا. ولما الشغل بالتفسير والافتاء نقصت الى ثلاثة عشر درسا. ثم رأيت بترجمة محمد ابن ابي بكر لجماعة ان دروسه تبلغ في اليوم والليلة نحو خمسين درسا. ومنها كثرة مدروساتهم فقد درس ابن التبان المدونة نحو الف مرة وربما وجد في بعض كتب وربما وجد في بعض كتب عباس ابن الفارسي بخطه درسوا مرة وكرر غالب ابن عبد الرحمن المعروف ابن عطية والى صاحب التفسير المشهور صحيح البخاري سبعمائة مرة ومنها كثرة مكتوباتهم فاحمد ابن عبد الدائم المقدسي واحد شيوخ من الحنابلة كدها بيده الفي مجلد ووقع مثله لابن الجوز ومنها كثرة مقروءاتهم فابن الجوزي طالع وهو بعد في الطلب عشرين الف مجلد ومن كثرة شيوخهم فالذين جاوز عدد شيوخهم الالف كثير في هذه الامة واعجب ما ذكر ان ابا سعد السمعاني بلغ عدد شيوخه سبعة الاف شيخ. قال ابن النجار في نيل تاريخ بغداد وهذا شيخ وهذا شيء لم يبلغه احد. ومنها كثرة مسموعاتهم ومقروءاتهم على شيوخهم من التصانيف المطولة والاجزاء الصغيرة فقد تعد من الاف المؤلفة كما وقع لابن السمعاني المذكور وصاحبه ابن عساكر في جماعة اخرين ومنها كثرة مصنفاتهم حتى عدت الف مصنف جماعة من علماء هذه الامة منهم عبدالملك بن حبيب عالم الاندلس وابو الفرج ابن الجوزي رحمهم الله فاحفظ ايها الطالب وقتك فلقد ابلغ الوزير الصالح بن هبيرة في نصحك بقوله والوقت انفس ما عينت بحفظه واراه اسهل ما عليك ذكر المصنف وفقه الله المعقد المتمم للعشرين. وهو حفظ الوقت في العلم. لان العلم اشرف مطلوب والعمر يطوى كجليد يذوب. فلا يمكن احراز العلم الا بحفظ الوقت فيه. ومن هنا عظمت رعاية العلماء للوقت فاعظم الناس حفظا للوقت واعتناء به هم المنتسبون للعلم وذكر المصنف انه بلغت بهم الحال ان يقرأ عليهم حال الاكل حفظا للوقت في انفاقه في غير العلم. قال بل كان يقرأ عليهم وهم في دار الخلاء كالمذكور عن ابن تيمية الجد هنا ومثله في قراءة ابن ابي حاتم على ابيه وما وقع منه ما لا يباين اعظام العلم. فان القارئ يكون خارج الكنيف. وهو موضع قضاء الحاجة فيباعد هذا الموضع ويراد منه حفظ الوقت في الانتفاع بالعلم. ثم ذكر جملة من المعالم التي برزوا فيها في حفظ الوقت حتى صارت اعلاما شهيرة بهذه الامة ككثرة دروسهم وكثرة مدروساتهم وكثرة مقروءاتهم وكثرة شيوخهم وكثرة مسموعاتهم وكثرة مصنفاتهم مما لا ينال مثله الا بحفظ الوقت. ثم ختم ببيت ابن هبيرة الوزير والوقت انفس ما عنيت بحفظه واوراه اسهل ما عليك يضيع. ومعنى عنيت بحفظه اي شغلت بحفظه ومعنى تراه اسهل اي اظن انه اسهل ما عليك يضيع فاراه بالضم بمعنى اظن ويجيء ايضا بالفتح اراه وتكون بمعنى اعلم والبيت يروى بالضبطين اراه واراه نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله الخاتمة. الهنا بلغ القول التمام. وحسن قطع الكلام بالختام. فيا شداة العلم وطلابه ويا قصاد الفقه واربابه امتثلوا معاقد التعظيم وانتم تقبلون على مقاعد التعليم تجدوا نفعه وتحمده عاقبة واياكم والتهاون بها والعزوف عنها فانها مفتاح العلم ومرقاة الفهم. فبها تجمع العلوم وتؤصل وبها تيسر الفنون فشمروا عن ساعد الجد. ولا تشغلوا بميعة الجد. واحفظوا رحمكم الله قول ابي عبد الله ابن القيم طالب النفوذ الى الله والدار الاخرة بل الى كل علم وصناعة ورئاسة بحيث يكون رأسا في ذلك مقتدى به فيه يحتاج ان يكون شجاعا مقداما حاكما على وهمه مقهور تحت سلطان تخيله زاهدا في كل ما سوى مطلوبه. عاشقا لما توجه اليه. عارفا بطريق الوصول اليه. والطرق القواطع اقدام الهمة ثابت الجأش لا يثنيه عن مطلوبه لو ملائم ولا عدل عادل كثير السكون دائم الفكر غير مائل مع لذة ولا الم الذنب قائما بما يحتاج اليه من اسباب معونته لا تستفزه المعارضات شعاره الصبر وراحته التعب محبا لمكارم الاخلاق حافظا لوقته لا يخالط الناس الا على حذر كالطائر يلتقط الحب بينهم قائما على نفسه بالرغبة والرهبة طامعا في نتائج الاختصاص على بني جنسه غير مرسل شيئا من حواسه عبثا ولا ريح خواطره في مراتب الكون. وملاك ذلك هجر العوائد وقطع العلائق الحائلة بينك وبين المطلوب. انتهى كلامه. فما اجمله ذكرى وتبصره. اللهم يسر لنا تعظيم العلم واجلاله. واجعلنا ممن سعى له كذلك فناله. اللهم انا نسألك علما نافعا. ونعوذ بك من لا ينفع اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وعملا. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقواتنا ابدا ما ليتنا واجعله الوارث منا. اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا الى النار مصيرنا. ولا تسلط من لا يخافك فينا ولا يرحمنا. ختم المصنف وفقه الله كتابه بالنداء في سداة العلم. وهم من اخذ طرفا منه فالشادي في العلم هو المصيب قدرا حسنا منه. وقال في ندائه امتثلوا معاقد التعظيم. وانتم تقبلون على مقاعد تعليم تجد نفعه وتحمد عاقبته ثم ذكر من كلام ابن القيم رحمه الله ما يبين الخصال التي ينبغي ان يتحلى بها من يطلب الامامة في او غيره. فذكر اثنتين وعشرين خصلة ردها بعد ذلك الى امرين فقال وملاك ذلك اي جماع ذلك وقوامه ونظامه وملاك ذلك هجر العوائد وقطع العلائق فالخصال المتقدمة كلها تجتمع بردها الى هجر العوائد وقطع العلائق والمراد بهجر العوائد ترك ما جرت به عادة الناس ترك ما جرت به عادة الناس. والمراد بقطع العلائق قطع الصلات الحائلة بين العبد وبين مطلوبه. قطع الصلات الحائلة بين العبد وبين مطلوبه وزاد ابن القيم في موضع اخر رفظ العوائق وفرق بينها وبين العلائق بان العلائق يراد بها المتعلقات الداخلية الباطنة في نفس الانسان واما العوائق فهي الحوادث الخارجية التي تكتسح الانسان. فتحصيل المطلوبات يرجع الى ثلاثة اصول. احدها هجر العوائد وثانيها قطع العلائق وثالثها رفظ العوائق فمتى تحرى الانسان هؤلاء في طلب مقصوده ادركه واليها اشرت بقولي اهجر عوائدهم واقطع علائقهم وارفض عوائقهم ان كنت ذا طلب. اهجر عوائدهم واقطع علائقهم وارفض عوائقهم ان كنت ذات طلب فمن اراد الوصول الى مطلوب فليلزم التحقق بهذه الامور الثلاثة ومن جملة ذلك مما يناسب الحال من اراد الانتفاع ببرنامج مهمات العلم الذي يلقى عن بعد في هذه السنة فانه ينبغي ان يراعي هذه الامور الثلاثة فيهجر العوائد فان الناس اعتادوا اذا خوطبوا عن بعد ان يتخففوا كثيرا مما ينبغي ملازمته من الادب والسمت والحال الحسن وهذا انساغ في مقام فربما لا يصوغ في مقام الاقبال على العلم وحضور مجالسه فان هذا يكون له حكم المجلس وان لم يوجد حقيقة فينبغي ان يراعي قدر مجلس العلم ويحفظ رتبته ويعظمه ومثله كذلك ان يقطع العلائق فان الناس يتكثرون من العلائق في مثل هذا المقام كتقليب الجوالات او اجهزة الحاسوب او الاشتغال بمشروبات او مأكولات فينبغي ان يقطعوا هذه العلائق ما امكنهم الى ذلك سبيلا. ويتمم ذلك برفض العوائق. وهي القواطع التي ترد عليهم لتنتزعهم من متابعة القاء هذا الدرس على نحو مباشر. فاذا تم للمرء ان يتحرى هذه الامور الثلاثة تم له الانتفاع بهذا البرنامج وان كان يسمعه ملقى اليه عن بعد بهذا قد فرغنا بحمد الله من اقرأي الكتاب الاول من برنامج مهمات العلم في سنته الثالثة اي في سنته الثانية عشرة واجزت لمن شهد اقرأ هذا الكتاب في مجلسه الاول او الثاني او هما رواية هذا الكتاب عني ولو لم يتمكن من شهود الدرس كله لانقطاعه بنحو صلاة يذهب اليها او غير ذلك وينصحوا ان يستدركه. ومثل ذلك لو لم يحصل له سماع اني اجزته لاجل قاطع من قواطع اذا كان قد شهد اقراء الكتاب في مجلسه الاول او الثاني او هما معا. وهذه الاجازة يحفها امران احدهما انها اجازة خاصة بالكتاب فليست اجازة عامة في المرويات. بل اجزت له ان يروي هذا الكتاب بعينه. وكذا يكون في غيره مما سيأتي فلا يصح له ان يروي عني غيرها من مروياتي ويقول اجازني فلان فان الاجازة العامة لا تصلح في مثل هذه المجالس من مثلي في عمري وان صلحت من غيري بما يناسب حاله فاذا اراد ان يروي ولم يحصل له سماع قبل ولا بعد فيقول اروي هذا الكتاب اجازة عن فلان ثم يذكر اسناده ان كان له اسناد وان كان خاصا به فانه يقول ارويه اجازة عن مصنفيه والثاني ان هذه الاجازة الخاصة لا تعد سماعا فهي اجازة فقط لما يعتري السماع من عدم تحقق وجوده اما بانقطاع او بضعف او بانشغال او غير ذلك من الواردات التي ترد على بذلها مثل هذا الحال من نقل الدرس. فيكون سلوكنا هذا المسلك مسلكا وسطا بين الاجحاف والاسفاف فاما الاجحاف فهو ان يمنع المتلقي من هذا الخير مع عدم امكان غيره فانه لا يمكن الا تلقيه عن بعد فحين اذ يكون من المناسب الا ايحرم من ان يجازى برواية ما شهده من العلم سمعه ولا يبلغ مبلغ الاسفاف بان يشهد الملقي بان فلانا سمع فيقول سمع علي كذا وكذا والقرينة تدل على صعوبة ذلك وعدم تمكن التحقق بالشهادة به او ان يرسل قوله سمع علي فلان وهو لا يتحقق من ذلك. وهي مرتبة وسطى بين المنع للسماع دون تحقق. ثم ان هذه الاجازة المراد بها شرف الاتصال فقط. واما ما يطلب هو العلم النافع من المسائل وتصوراتها وادلتها وكلام اهل العلم فيها ثم العمل بها والدعوة وارشاد الناس بها فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم وهذا اخر هذا المجلس ونلتقي ان شاء الله تعالى بعد صلاة المغرب في الكتاب الثاني وهو كتاب ثلاثة الاصول وادلتها والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته