نعم. قلت ما احسن الله اليكم المعقد الاول تطهير عائل العلم وهو القلب. فان لكل مطلوب وعاء وان وعاء القلب ووسخ الوعاء يعكره ويغير ما فيه. وبحسب طهارة القلب يدخله العلم. واذا ازدادت طهارته ازدادت ونيته للعلم ومثل العلم في القلب كنور المصباح ان صفا زجاجه شعت انواره وان لطخته الاوساخ كسفت فمن اراد حيازة العلم فليزين باطنه ويطهر قلبه بالنجاسته. فالعلم جوهر لطيف لا يصلح الا بقلب نظيف وطهارة القلب ترجع الى اصلين عظيمين. احدهما طهارته من النجاسة الشبهات. والاخر طهارته من اجازة الشهوات ولما لطهارة القلب من شأن عظيم امر بها النبي صلى الله عليه وسلم في اول ما امر قوله تعالى في سورة المدثر وثيابك فطهر. في قول من يفسر الثياب بالباطل وهو قول حسن له مأخذ صحيح واذا كنت تستحي من نظر مخلوق مثلك الى وسخ ثوبك فاستحي من نظر الله الى قلبك وفيه احن لا وذنوب وخطايا. قال مسلم بن الحجاج حدثنا عمرو الناقد قال حدثنا كثير بن هشام قال حدثنا جعفر البرقان عن يزيد الاصم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا ينظر الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم. واحذر كمائن نفسك اللاتمة خرجت عليك كسبت من طهر قلبه فيه العلم حل. ومن لم يرفع منه نجاسته ودعه العلم وارتحل واذا تصفحت احوال طائفة من طلاب العلم فيهم هذا المعقد رأيت خللا بينا فاين تعظيم العلم من امرئ تغضب الشهوات والشبهات في قلبه وتروح تدعوه صورة محرمة وتستهويه مقالة مجرمة حشوه المنكرات والتلذذ بالمحرمات فيه غل وفساد وحسد وعناد ونفاق وشقاق انى لهؤلاء وللعلم ما هم منه ولا هو اليهم. قال سهل بن عبدالله حرام على قلب ان يدخله النور فيه شيء مما يكره الله عز وجل. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الاول من معاقد تعظيم علم وهو تطهير وعاء العلم. والمراد به المحل الذي يحفظ فيه العلم والمراد به المحل الذي يحفظ فيه العلم ثم ابان عنه بقوله وهو القلب فان لكل مطلوب وعاء وان وعاء العلم القلب. ثم ذكر ان القلب له مع العلم حالان. احداهما ان يكون القلب طاهرا. فينتفع بالعلم ويدخله وتزداد قابليته له والاخرى ان يكون القلب متلطخا بالاوساخ من النجاسات القلبية فيحصل وله من نقص دخول العلم اليه واستقراره فيه بقدر ما فيه من النجاسة المذهبة كما لا النور. وشبهه بنور المصباح فقال ومثل العلم في القلب كنور المصباح ان صفا زجاجه شعت انواره والا لطخته الاوساخ كسفت انواره اي ذهبت فالكسوف هو ذهاب النور. ثم ارشد ملتبس العلم الى الحال التي ان يكون عليها فقال فمن اراد حيازة العلم فليزين باطنه وليطهر قلبه من نجاسته اي ليكون قلبه صالحا للعلم بدفع تلك النجاسات عنه. وعلله بقوله جوهر لطيف لا يصلح الا للقلب النظيف. والمراد به العلم النافع في دنيا والاخرة فان العلم النافع في الدنيا والاخرة لا يلامس القلوب الا مع طهارتها. فاذا اذا كانت القلوب طاهرة لامسها العلم النافع. وان كانت تلك القلوب نجسة ووجد فيها علم فان العلم الذي حط فيها ليس العلم الذي يطلب شرعا ان العلم المأمور بطلبه شرعا هو العلم النافع الموصل الى خشية الله سبحانه وتعالى. ثم ذكر ان طهارة القلب ترجع الى اصلين عظيمين. احدهما طهارته من نجاسة الشبهات. والاخر طهارته من نجاسة الشهوات فان هذين النوعين هما مجمع الامراض القلبية التي تحط بالقلب فان القلب بتارة يمرض ويضعف عن الخير لما يعتنيه من امراض الشهوات. وتارة تصيبه تلك بما يعتريه من امراض الشبهات. ثم ذكر انه لما لطهارة القلب من شأن عظيم فقد بودر بها النبي صلى الله عليه وسلم في اول ما انزل عليه. فكان من اول النازل عليه في القرآن في سورة مدته قوله تعالى وثيابك فطهر. في قول من يفسر الثياب بالباطن وهو قول حسن له مأخذ صحيح. وقد ذكر ابو جعفر ابن جرير في تفسيره ان هذا هو قول اكثر السلف ومأخذه الصحيح الذي اشار اليه هو رعاية سياق الايات. ومأخذه الصحيح الذي اشار اليه هو اية سياق الايات. فان الامر بتطهير الثياب وقع بين الامر بتعظيم الله وتكبيره بتوحيده وبين النهي عن الشرك. فالمناسب وبين هذا وذاك ان يكون معنى قوله تعالى وثيابك فطهر اي طهر اعمالك من الشرك. واصولنا نجاسات القلب ثلاث. اولها نجاسة الشرك واصول نجاسات القلب ثلاث. اولها نجاسة الشرك. وثانيها نجاسة البدعة وثالثها نجاسة المعصية. ذكره ابو عبد الله ابن القيم في كتاب الفوائد. والعبد مأمور بان يطهر قلبه من هذه النجاسات كلها. ثم قال واذا كنت تستحي من نظر مخلوق الى وسخ قلبك فاستحي من نظر الله الى قلبك وفيه احن وبلايا وذنوب وخطايا فان الجاري في عادة الناس كراهية احدهم ان ينظر الى وسخ عالق ببدنه او ثوبه فيعتريه الحياء لما تكون عليه تلك الحال من النقص عند الخلق. واحق بالحياء استحياؤه من الله سبحانه وتعالى ان يكون في باطنه شيء من النجاسات من الذنوب المعاصي والخطايا ثم ذكر حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم. وفيه بيان محل نظر الله من العبد. فان الله ينظر الى العبد في شيئين احدهما قلبه والاخر عمله. فالتقوى مؤلفة من قلب نقي طاهر وعمل صالح ظاهر. فالتقوى مؤلفة من قلب نقي طاهر وعمل صالح ظاهر. وبحسب كمال حال العبد في قلبه وعمله يكون كماله عند ربه سبحانه وتعالى. ثم ذكر قول ابن القيم في واحذر كمائل نفسك اللاتي متى خرجت عليك كسرت كسر مهان. وكمائن النفس هي ذنوب المختفية فيها. فان اصل الكمون هو الخفاء. والعبد يخفي في نفسه ذنوبا لا يعلمها بعد الله الا هو. فان قلب الانسان قد ينغرس فيه كبر او او غل او حقد او حسد لا يطلع عليه الا الله سبحانه وتعالى. وتلك الكمائن قلبية من الذنوب من اعظم المرديات. فانها اذا غلبت على العبد اردته واهلكته. كما قال واحذر كبائن نفسك اللاتي متى خرجت عليك اي استولت عليك فصرت مؤتمرا بامرها كسرت كسر مهان اي صرت ذليلا حقيرا فان حركة العبد وارادته تكون تبعا لها. فيكون بطغيان نفسه الذي يجره الى الذل والمهانة. وان فاتته دلة الدنيا لم يسلم من ذلة الاخرة ولهذا ثبت في الصحيح ان المتكبرين يجعلون في الاخرة في صور الذر اي في صور النمل يطأهم الناس اي باقدامهم فاصدرهم الله واذلهم بجعلهم في صورة مخلوق ضعيف مهين وهو النملة. ثم زاد اهانتهم واذلالهم بان الناس يطؤون باقدامهم. فاذا رأيت تلك الحال التي يعاقب بها المتكبرون والعقت بهم كل من كان له طغيان في نفسه علمت شدة ما ذكره ابن القيم من قوله خرجت عليك كسرت مهاني ثم ذكر من احوال طائفة من طلاب العلم ما يباين هذا المعقد ويناقضه. ممن تغدو قلوبهم وتروح في الشهوات والشبهات. وختم بقول سهل بن عبدالله التستري رحمه الله حرام على قلب ان له النور وفيه شيء مما يكرهه الله. اي يمتنع على القلب. ان يدخله العلم النافع الذي يحصل به نور القلب من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم اذا كان فيه شيء يكرهه الله اي اذا كان القلب منجمعا على مباغظ ومساخط لا يحبها الله سبحانه وتعالى ولا لا يرضاها. فحينئذ لا يصل اليه النور من العلم النافع. الذي تخرج ثمرته على النفس والخلق في الدنيا اخرة فهؤلاء محجوبون بظلمة قلوبهم عن الوصول الى ما ينفعهم. واصل في التنزيل قوله تعالى ساصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق. قال سفيان ابن عيينة في تفسير هذه الاية احرمهم فهم القرآن. احرمهم فهم القرآن وحرموا من فهم القرآن عقوبة لهم. فعاقبهم الله سبحانه وتعالى بنقيض قصدهم. فانهم على الخلق بما ينسبون انفسهم اليه من الظهور والعلو. فاذلهم الله سبحانه وتعالى بالجهل ذكره ابن كثير في تفسيره فمن العقوبات النازلة على الخلق ضرب قلوبهم بالجهل. واحق الناس بذلك هم الذين تشتمل قلوبهم على مساخط الله ومباغضه. والذي يحجبون عنه يمنعون منه هو العلم النافع. المورت خشية الله مما يرى اثره في الدنيا والاخرة وقد تجد عند اناس ينسبون الى الاخلاق الرديئة من الكبر والطغيان والحسد والغل والحقد اشياء من العلم لكنها صورة العلم لا حقيقته. فالعلم النافع الذي يثمر خيرا في الدنيا والاخرة قد منعوا منه بما اصابوا من تلك الذنوب. فيعاقبون بالجهل. فتارة يكون هذا الجهل بعدم ايقافه على ذخائر العلم من التحقيقات النافعة وتارة يكون هذا الجهل بترك العمل بموجب العلم فيكون عند احدهم علم واسع لكن لا يظهر انتفاعه به. لانه لا يعمل به فيمنع بركة علمه بحصول حال من الجهل وهي ترك العمل بالعلم فان هذا يسمى جهلا. وهذه الحال التي ذكرناها مما جاءت دلائلها في الشرع الحكيم وابان عن ذلك جماعة من السلف منهم سفيان ابن عيينة وسهل ابن عبد الله التستري ومحمد ابن يوسف الفريابي في اخر تخوف طالب العلم من الغفلة عن ملاحظة حال قلبه. وانه اذا تسللت اليه تلك واستولت عليه فانه قد يخدع نفسه بنسبتها الى العلم لما يرى من كثرة محفوظه او تردده على حلق الاشياخ او ادمانه القراءة وهو غافل عن حقيقة ما ينفعه من العلم لانه واقف مع صورة العلم لا حقيقته فيحجب بتلك الصورة عن الحقيقة النافعة. نعم