بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. قال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه كشف الشؤون بسم الله الرحمن الرحيم اعلم رحمك الله ان التوحيد هو افراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة. وهو دين الرسل الذي ارسلهم الله به الى عباده فاولهم نوح عليه السلام ارسله الله الى قومه لما غلوا في الصالحين ود وسواع ويغوث اعوق ونسر واخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين الله الى اناس يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرا. ولكنهم يجعلون بعض المخلوقين وسائط بينهم وبين الله يقولون نريد منهم التقرب الى الله تعالى. ونريد شفاعتهم عنده. مثل الملائكة وعيسى ومريم واناس غيرهم من الصالحين. فبعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دينهم دين ابيهم ابراهيم ويخبرهم ان هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله تعالى لا يصلح منه شيء غيره لا لملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عن غيرهما والا فهؤلاء المشركون الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون ان الله هو الخالق وحده لا شريك له وانه لا يرزق الا هو ولا يحيي ولا يميت الا هو. ولا يدبر الامر الا هو السماوات السبع ومن فيهن والاراضين السبع ومن فيهم كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره ابتدأ المصنف رحمه الله كتابه بالبسملة مقتصرا عليها اتباعا للوارد في السنة النبوية في مكاتباته ورسائله صلى الله عليه وسلم الى الملوك والتصانيف تجري مجراها ثم بين حقيقة التوحيد فقال اعلم رحمك الله ان التوحيد هو افراد الله بالعبادة والتوحيد له في الشرع معنيان احدهما معنى عام وهو افراد الله بحقه وحق الله نوعان احدهما حق في المعرفة والاثبات والاخر حق في الارادة والطلب وينشأ من هذين الحقين ان الواجب علينا في توحيده ثلاثة انواع توحيد الربوبية وتوحيد الالوهية وتوحيد الاسماء والصفات والاخر معنى خاص وهو افراد الله بالعبادة وهذا المعنى هو المراد في خطاب الشرع عند الاطلاق ولذلك اقتصر عليه المصنف لبيان حقيقة التوحيد فقال هو افراد الله بالعبادة اعتدادا بمعهود الشرع فيما يريده من هذه الكلمة ثم بين ان التوحيد وهو افراد الله بالعبادة دين الرسل جميعا فما من رسول الا دعا قومه الى افراد الله بالعبادة قال الله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون فقال تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فالرسل جاءت الى اممهم تدعوهم الى افراد الله سبحانه بالعبادة وكان اول رسول ارسله الله الى اهل الارض يدعوهم الى التوحيد بعد ان وقعوا في الشرك نوح عليه الصلاة والسلام فبعثه الله الى قومه لما غلوا في الصالحين ود وسواع ويغوث ويعوقا ونسرع والغلو هو مجاوزة الحد المأذون فيه على وجه الافراط هو مجاوزة الحد المأذون فيه على وجه الافراط فمداره على امرين احدهما تعدي الحد المحدود شرعا مما اذن به تعد الحد المحدود شرعا مما اذن به والاخر تعلق ذلك التعدي بالافراط تعلق ذلك التعدي بالافراط اي بالزيادة على المشروع المأذون به فالصالحون ينتفع بهم في صحبتهم واستنصاحهم وطلب الدعاء منهم حال حياتهم فاذا تعدي المأذون به شرعا مما ذكر واشباهه برفعهم فوق اقدارهم بالتوجه اليهم واعتقاد النفع والضر فيهم وجعل شيء من العبادات لهم كالدعاء او الاستغاثة او النذر او الذبح يكون العبد واقعا في الشرك وكان هذا هو مبتدأ الشرك في اهل الارض كما ذكر المصنف من غلو قوم نوح في اولئك الصالحين وكان مبتدأ غلوه فيهم انهم لما ماتوا صوروا لهم صورا تذكرهم بهم ليشتاقوا الى عبادته الى عبادة الله ثم عظم هذا الامر فيهم لما نسي العلم وتناسخ الجيل الاول منهم فعبدت تلك الصور من دون الله عز وجل فلم يكن مراد واضعيها اولا ان يعبد اولئك الصالحون ما المرادهم ان يحمل النظر اليهم على الاجتهاد في عبادة الله فلم يزل الشيطان ينصب لهم حبائله ويجرهم الى الغلو فيهم حتى عبدوهم من دون الله ولم تزل عبادتهم في امم الارض جيلا بعد جيل فانه لما كتب الله الطوفان على قوم نوح القى البحر هذه التماثيل على شاطئ بحر جدة ثم سفت عليها السوافي وعلتها الرمال حتى استخرجها عمرو بن لحين الخزاعي وفرقها بين العرب وزين لهم عبادتها وكان العرب على دين ابراهيم الخليل حتى رأى عمرو بن لحي ما عليه اهل الشام من عبادة الاصنام فاعجبه ذلك وكان له ولقومه سلطة ونفوذ على مكة فزين للناس عبادة الاصنام ونصبها في مكة فابتدأت عبادة الاصنام في العرب بدعوة عمرو بن لحي ولم تزل فيهم حتى بعث الله اليهم محمدا صلى الله عليه وسلم فدعاهم الى افراد الله بالعبادة واخبرهم ان التوجه بالدعاء والخوف والاستغاثة والنذر والذبح هو لله وحده وكان الله بعثه في اناس لهم اعمال صالحة فكانوا يصومون ويحجون ويتصدقون هنا ويذكرون الله كثيرا لكنهم يعبدون الله ويعبدون غيره فابطل النبي صلى الله عليه وسلم عبادتهم ودعاهم الى توحيد الله وحده واخبرهم ان العبادة لا تكون لغيره وانما هي له ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يقوم ويقعد ويبدي ويعيد في دعوتهم وقتالهم حتى اظهره الله عليهم فكسر تلك الاصنام التي كانت تعبدها العرب وينصبونها حول الكعبة فاظهر الله دين التوحيد وجدد ملة ابراهيم عليه الصلاة والسلام بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم وكانت العرب تعتقد ان الله هو الرازق الخالق المالك المدبر لكنهم يعبدون ما يعبدون من الاصنام والملائكة والنجوم والشمس والقمر طلبا للتقرب من الله فيجعلونهم شفعاء عندهم وابطل النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذهم الشفعاء ودعاهم الى عبادة الله وحده نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله فاذا اردت الدليل على ان هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا فاقرأ عليه قل من يرزقكم من السماء والارض امن يملك السماوات الابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي. ومن يدبر الامر يقولون الله الاية وقوله تعالى قل لمن الارض ومن فيها الى قوله وغير ذلك من الايات العظيمة الدالة على ذلك. اقام المصنف رحمه الله في هذه الجملة الدليل على ان اولئك المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بتوحيد الربوبية فذكر ما يدل على انهم كانوا يعتقدون ان الله هو الخالق الرازق المدبر محي نومي ووجه دلالة ما ذكر انهم كانوا اذا سئلوا عن شيء من افراد الربوبية نسبوا تلك الافعال الى الله تعالى. فله الخلق وله الرزق وهو الذي يخلق وهو والذي يرزق وهو الذي يحيي وهو الذي يميت وهو الذي يدبر الامر قل له وكل هذه الافراد من توحيد الربوبية فان حقيقة توحيد الربوبية افراد الله بذاته وافعاله نعم