احسن الله اليكم قال رحمه الله اذا تحققت ان الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اصح عقولا واخف شركا من هؤلاء فاعلم ان لهؤلاء شبهة يريدونها على ما ذكرنا وهي من اعظم شبههم. فاصغ سمعك لجوابها وهي انهم يقولون قل ان الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم وينكرون البعث يكذبون القرآن ويجعلونه سحرا ونحن نشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصدق القرآن ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل اولئك؟ فالجواب انه لا خلاف بين العلماء كلهم ان الرجل اذا تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء انه كافر لم يدخل في الاسلام وكذلك اذا امن ببعض القرآن بعضه كمن اقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة او اقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة او اقر بهذا كله وجحده طوب الصوم او اقر بهذا كله وجحد وجوب الحج. ولما لم ينقد اناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للحج انزل الله الله تعالى في حقهم ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. ومن كفر فان الله غني عن العالمين ومن اقر بهذا كله وجحد البعث كفر بالاجماع وحل دمه وماله كما قال تعالى بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله. فاذا كان الله تعالى قد صرح في كتابه ان من امن البعض هو كفر ببعض فهو كافر حقا زالت هذه الشبهة وهذه هي التي ذكرها بعض اهل الاحساء في كتابه الذي ارسل الينا ويقال اذا كنت تقر ان من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء وجحد وجوب الصلاة فهو كافر حلال الدم والمال بالاجماع وكذلك اذا اقر بكل شيء الا البعث وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وصدق بذلك كله لا يجحد هذا ولا تختلف المذاهب فيه وقد نطق به القرآن كما قدمنا. فمعلوم ان التوحيد هو اعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وهو اعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج. فكيف اذا جحد الانسان شيئا من هذه الامور كفر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم واذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر سبحان الله ما اعجب هذا الجهل! ويقال ايضا لهؤلاء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وقد اسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله ويصلون ويؤذنون فان قال مسيلمة نبي قلنا هذا هو المطلوب. اذا كان من رفع رجلا في رتبة النبي صلى الله عليه وسلم كفر قل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة. فكيف بمن رفع شمسا او يوسف او صحابيا او نبيا او غيرهم في بمرتبة جبار السماوات والارض سبحانه ما اعظم شأنه. كذلك يطلع الله على قلوب الذين لا يعلمون ويقال ايضا الذين حرق قوم علي بن ابي طالب رضي الله عنه من النار كلهم يدعون الاسلام وهم من اصحاب علي رضي الله وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي رضي الله عنه مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وامثالهما فكيف اجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم وكفرهم اتظنون ان الصحابة يكفرون المسلمين ام تظنون ان الاعتقاد في تاج وامثال لا يضر والاعتقاد في علي ابن ابي طالب رضي الله عنه يكفر ويقال ايضا بنو عبيد قداح الذين ملكوا المغرب روى مصر في زمن بني العباس كلهم يشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويدعون الاسلام ويصلون الجمعة والجماعة فلما اظهروا مخالفة الشريعة في اشياء دون ما نحن فيه اجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وان بلادهم بلاد حرب وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بايديهم من بلدان المسلمين. ويقال ايضا اذا كان المشركون الاولون لم يكفروا الا لانهم جمعوا بين الشرك بالرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن وانكار البعث وغير ذلك. فما معنى الباب الذي ذكره العلماء في كل مذهب؟ باب حكم المرتد وهو المسلم الذي يكفر بعد اسلامه ثم ذكروا اشياء كثيرة كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله حتى انهم ذكروا اشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلب او كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب ويقال ايضا الذين قال الله فيهم يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم اما سمعت الله كفر بكلمة مع كون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجاهدون معه ويصلون معه ويحجون ويوحدون الله وكذلك الذين قال الله تعالى فيهم قل ابالله واياته ورسوله كنتم استهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم. فهؤلاء الذين صرح الله فيهم انهم كفروا بعد ايمانهم وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قالوا كلمة ذكروا انهم قالوها على وجه المزح. فتأملها هذه الشبهة وهي قولهم تكفرون المسلمين. اناس يشهدون ان لا اله الا الله ويصلون ويصومون ويحجون. ثم تأمل جوابها فانه من انفع ما في هذه الاوراق. ومن الدليل على ذلك ايضا ما حكى الله عز وجل عن بني اسرائيل مع اسلامهم وصلاحهم انهم قالوا لموسى اجعل لنا اله وقال اناس من الصحابة اجعل لنا يا رسول الله ذات انوار كمالهم ذات انواط فحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا مثل قول بني اسرائيل لموسى لنا الها ، ولكن المشركين شبهة يبنون بها عند هذه القصة وهي انهم يقولون ان بني اسرائيل لم يكفروا لذلك وكذلك الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ان يجعل لهم ذات انواط لم يكفروا. فالجواب ان تقول ان بني اسرائيل لم ذلك وكذلك الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلوا ذلك ولا خلاف ان بني اسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا كذلك لا خلاف ان الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يطيعوه واتخذوا ذات انواط بعد نهيه لكفروا هذا هو المطلوب. ولكن هذه القصة تفيد ان المسلم بل العالم قد يقع في انواع من الشرك لا يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز. ومعرفة ان قول الجاهل التوحيد فهمنا ان هذا من اكبر جهل ومكايد الشيطان وتفيض ايضا ان المسلم المجتهد الذي اذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك وتاب من ساعته انه لا يكفر كما فعل بنو اسرائيل والذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفيد وايضا انه لو لم يكفر فانه يغلظ عليه الكلام تغليظا شديدا. كما فعل رسول الله صلى الله عليه سلم اللهم صلي وسلم لما فرغ المصنف رحمه الله من ابطال الشبه المتعلقة بدعاوى من يزعم ان تلك الافعال ليست شركا كرر رحمه الله على شبه من يزعم ان اولئك وان وقعت منهم تلك الافعال الشركية فانهم لا يكفرون ولا يقاتلون فالشبه المذكورة في هذا الكتاب المراد ابطالها ترجع الى اصلين الشبه المذكورة في هذا الكتاب المراد ابطالها ترجع الى اصلين. احدهما شبه يراد بها ان ما عليه المتأخرون ليس بشرك شبه يراد بها ان ما عليه المتأخرون ليس بشرك والاخر شبه يراد بها دفع التكفير والقتال عمن فعل ذلك والاخر شبه يراد بها دفع التكفير والقتال عمن فعل ذلك وهذه الجملة الطويلة المسلوكة في نسق واحد هي في ابطال الشبه المتعلقة بالاصل الثاني وهي من انفع ما في هذه الاوراق كما قال المصنف فان كثيرا من العلماء وافقوه رحمه الله على ان ما وقع فيه اولئك هو من الشرك لكنهم امتنعوا عن تكفير اولئك وعن قتالهم فاراد المصنف رحمه الله ان يقيم من الحق ما يبدد ظلمات تلك الشبهات وان ما وقعوا فيه من الشرك يستلزم تكفيرهم وقتالهم فذكر تحقيق ذلك من ثمانية وجوه اولها ان من امن ببعض الاحكام وكفر ببعضها فهو كافر بالجميع ان من اقر ان من امن ببعض الاحكام وكفر ببعضها فهو كافر بالجميع كمن اقر بالصلاة وانكر الحج او انكر الصيام او اقر بالحج وانكر الزكاة فانه لا يقبل منه ايمانه ويكون كافرا لانه امن ببعض الدين وكفر ببعض الديني واذا كان كذلك فمن امن بالصلاة وكفر بالتوحيد فانه كافر. والوجه الثاني اطباق العلماء ومنهم الصحابة على تكفير بعض من وقعت منهم بعض اعمال الكفر اطباق العلماء ومنهم الصحابة على تكفير بعض من وقعت منهم اعمال الكفر. وقتالهم على ذلك فهو استدلال بالاجماع العملي فهو استدلال بالاجماع العملي في تتابع العلماء على تكفير اولئك الذين وقع منهم ما وقع وقتالهم وذكر المصنف ثلاث وقائع الواقعة الاولى واقعة الصحابة مع بني حنيفة فانهم كانوا يصلون ويصومون ويشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله. لكنهم كانوا يقولون ان مسيلمة نبي الله ايضا فاكبرهم فاكثرهم الصحابة وقاتلوهم على هذا واذا كان هذا كفرا يقاتل عليه اذا رفع عبد الى مرتبة النبوة بعد محمد صلى الله الله عليه وسلم فكيف بمن رفع عبدا الى مقام الله عز وجل فجعل له شيئا من عبادته في دعائه ورجائه وتوكله وخوفه واستغاثته به فهو احق بالكفر والقتال من مسيلمة وقومه. وهذا وجه بديع من الفهم ابداه المصنف رحمه الله. والواقعة الثانية واقعة علي رضي الله عنه في تكفير الغاليين فيه الزاعمين ما زعموا له من الالوهية فاكثرهم رظي الله عنهم وحرقهم بالنار ووافقه الصحابة على تكفيرهم ولم يخالفه احد من ذلك في ذلك. وانما خالفه من خالفه منهم كابن عباس في تحريقهم ورأوا ان حقهم هو قتلهم حدا بالسيف. فهم يوافقونه في التكفير والقتل والواقعة الثالثة واقعة العبيديين من ابناء عبيد القداح لما نجم شرهم بارض مصر حتى استولوا عليها وعلى غيرها من البلدان. وكانوا يتسمون زورا بالفاطميين. ويدعون انهم من ذرية فاطمة رضي الله عنها وليسوا كذلك. ووقع منهم ما وقع مما يخالف حكم الشرع فاجمع العلماء على تكفيرهم ولم يختلفوا في ذلك ونقل اجماعهم جماعة منهم القاضي عياض يحصبي. فانه نقل الاجماع على كفر اولئك وصنف ابو الفرج ابن الجوزي الحنبلي كتابا اسمه النصر على مصر. يدعو فيه الى تشريد هؤلاء وتطهير بلاد المسلمين منهم. فهذه الوقائع من الاجماع العملي تدل على ان من وقع بالكفر فانه يكفر ويقاتل وان زعم انه مسلم فان هؤلاء جميعا كانوا يدعون انهم على الاسلام والوجه الثالث ان العلماء في كل مذهب عقدوا بابا في كتاب الحدود يقال له باب الردة ذكروا فيه نواقض الاسلام ومقصودهم من الباب ان من وقع في شيء من الكفر من قول او فعل او اعتقاد فقد انتقض ايمانه وصار مرتدا خارجا من ملة الاسلام فمقصود الباب عندهم بيان ما يخرج به المسلم من دينه. فاذا وقع فيه صار مرتدا كافرا وان زعم انه مسلم. والوجه الرابع ان الله حكم بكفر اناس لكلمة تكلم ان الله حكم بكفره اناس لكلمة تكلموا بها كما قال تعالى يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم فاكثرهم الله مع كونهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلون ويصومون ويزعمون انهم من اهل الاسلام ولاجه الخامس ما وقع من المستهزئين من الكلام في غزوة تبوك. ما وقع من المستهزئين من الكلام في غزوة تبوك فاكثرهم الله عز وجل مع كونهم كانوا غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقدم بيان هذا في كتاب التوحيد والوجه السادس ان الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون ان لا اله الا الله ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم وهؤلاء المتأخرون يزعمون انهم يشهدون ان لا اله الا الله ويصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم. لكنهم يصدقونه في شيء ويكذبونه في شيء اخر فهم مثلا يصدقونه صلى الله عليه وسلم في اثبات الشفاعة له ويكذبونه صلى الله عليه وسلم في اخلاص الدعاء لله وحده والوجه السابع ان من جحد وجوب الحج كفر. ان من جحد وجوب الحج كفر. وان كان يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويصلي ويصوم كما وقع في سبب نزول هذه الاية ولله على الناس حج البيت من اطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين. ان قوما اقروا بالصلاة وغيرها ثم لما امروا من حج ابوا فلما فنزلت الاية في كفرهم وهذا شيء تروى فيه اثار عن بعض التابعين وليس فيه شيء من المرفوع ولكن الاية دالة اتفاقا على ان من جحد وجوب الحج فقد كفر فاذا كان هذا في حق من جحد شيئا من دين الله دون توحيد الله فكيف بمن جحد توحيد الله؟ وان صام وصلى وزكى وحج الثامن حديث ذات انواط المروية عند الترمذي عن ابي واقد الليثي رضي الله عنه باسناد صحيح وفيه ان بني اسرائيل وقع فيهم الكفر لما قالوا لموسى اجعل لنا الها كما لهم الهة لما مروا الى قوم لهم اصنام فابتغوا ذلك من موسى فنهاهم موسى عن ذلك وزجرهم عنه. ووقع نظيره في الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين فمروا بشجرة عظيمة فسألوه ان يجعل لهم ذات انوار اي شجرة ذات تعاليق انوطون بها اي يعلقون بها اسلحتهم. فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم بانهم وقعوا بما فيما وقع فيه اصحاب موسى. وذكر قصة موسى مع اصحابه لما سألوه ما سألوه فارتكبوا فعلا لم يشفع لهم الايمان في دفع الكفر عنهم لما سألوا ما سألوا فاخبر ان الذي سألوه هو من تأليه غير الله لكنهم لما نهوا عنه فكفوا لم يكفروا بذلك وظاهر كلام المصنف هنا ان ما سأله الصحابة في قصة ذات انوار هو من الشرك الاكبر وله في كتاب التوحيد ما يدل على انه يرى انه من الشرك الاصغر والجمع بينهما ممكن فيكون فيهم افراد سألوا الشرك الاكبر ويكون فيهم افراد سألوا الشرك الاصغر وكان هؤلاء من حدثاء العهد بالاسلام. اما كبراء الصحابة وقدمائهم رضي الله عنهم فان هذا لم يكن صادرا منهم. ثم ذكر المصنف رحمه الله ثلاث فوائد من قصة وفي ذات انواط اولها اولاها الحذر من الشرك الحذر من الشرك هو من عيون تراجم كتاب التوحيد التي تقدمت معنا باب الخوف من الشرك. فالعبد مأمور ان يخاف الشرك ويحذره وثانيها وثانيتها الاعلام بان العبد اذا وقع منه شيء من الكفر ان العبد اذا وقع منه شيء من الكفر من قول او عمل ثم نبه عليه وتاب من ساعته فانه لا يكفر ونبه عليه ثم تاب من ساعته فانه لا يكفر وثالثتها ان من لم يكفر بكلمة الكفر اذا قالها جهلا ان من لم يكفر بكلمة كفر اذا قال هجانا فان انه لا يتساهل معه بل يغلظ عليه في الانكار بل يغلظ عليه في الانكار كما غلظ موسى عليه الصلاة والسلام القوم لاصحابه ثم غلظ محمد صلى الله عليه وسلم القول لاصحابه لشدة ما جاءوا به مما يتعلق بحق الله في التوحيد نعم