السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمد مدى عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما عقدت مجالس التعليم وعلى اله وصحبه المقدمين في بالتكريم. اما بعد فهذا هو الدرس الاول في الكتاب الاول من برنامج التعليم المستمر في سنته الاولى سنة ثلاثين بعد الاربعمائة والالف. وهو كتاب تذكرة السامع والمتكلم في ادب العالم والمتعلم للعلامة محمد ابن ابراهيم ابن جماعة الكناني رحمه الله تعالى. نعم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله الا بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله البر الرحيم الواسع العليم ذي الفضل العظيم. افضل الصلاة واتم التسليم على سيدنا محمد النبي الكريم المنزل عليه بالذكر الحكيم وانك لعلى خلق عظيم وعلى اله واصحابه جواره جواره في دار النعيم. اما بعد فان من اهم ما يبادر به اللبيب شرخ شبابه ويذهب نفسه في تحصيله واكتسابه حسن الادب الذي شهد الشرع والعقل بفضله. واتفقت الاراء والالسنة على في اهله وان احق الناس بهذه الخصلة الجميلة واولاهم بحيازة هذه المرتبة الجليلة اهل العلم الذين حلوا بها الذين حلوا به ذروة المجد والثناء. واحرزوا به قصبات السبق الى وراثة الانبياء. لعلمهم مكارم اخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وادابه. وحسن سيرة الائمة الاطهار من اهل بيته واصحابه. وبما كان عليه ائمة علماء السلف واقتدى بهديهم فيه مشايخ الخلف. ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة جلالة حسن الادب واهميته. فذكر انه من اهم ما يبادر به اللبيب شرخ شبابه نفسه في تحصيله واكتسابه. واللبيب هو ذو اللب قل لب العقل. وشرخ الشباب اوله ومعنى قوله يدئب نفسه في تحصيله واكتسابه اي يجهد نفسه ويتعبها في تحصيله واكتسابه فاهم ما يبادر به اللبيب اول عمره. ويجعل فيه قوته وجهده. تحصيل حسن الادب الذي شهد الشرع والعقل بفضله واتفقت الاراء والالسنة على شكر اهله الشرع والعقل متواطئان على بيان فضيلة الادب. والاراء والالسنة متفقتان على شكر اهله الاراء هي حكم الاذهان. والالسنة هي حكم البيان. فاجتمع حكم الاذهان وحكم البيان على شكر اهل الادب. واحق الناس بهذه الخصلة الجميلة في اكتساب الاداب واولاهم بحيازة هذه المرتبة الجليلة هم اهل العلم المشتغلون بتحصيله. فان العلم جمال ولا يناسب الجمال الا الجمال فحسن الادب جمال في الظاهر والباطن يزداد به العلم جمالا. وقد قال في وصف اهل العلم قال الذين حلوا به ذروة المجد والسناء اي اعلى المجد والسناء. فان الذروة بضم الذال تكسر وذكر الفتح ايضا هي اعلى الشيء. ومن وصفهم ايضا انهم احرزوا قصبات السبق. وقصبات سبق كانت العرب فيما سلف فيما تعقده من سباق تجعل غايته الى قصبة اي نبات له ساق فان القصبة اسم للنبات الذي له ساق طويل. ومنه نبات القصب المعروف. فالذي يسبق الى هذه وينتزعها فهو المقدم على غيره. ثم استعمل هذا التركيب قصب السبق للدلالة على الجد تشميري والاجتهاد فاذا قيل فلان ممن حاز قصب السبق اي تقدم على غيره بجده واجتهاده وتشميله واهل العلم هم بعلمهم في ذروة المجد في ذروة المجد والسناء وقد احرزوا اعظم السبق بما به من وراثة الانبياء فان العلم ميراث النبوة كما سيأتي. ويحدوهم الى تحصيل حسن الادب علمهم بمكارم اخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وادابه وحسن سيرة الائمة الاطهار من اهل بيته واصحابه. وبما كان عليه ائمة علماء السلف واقتدى بهديهم فيه مشايخ الخلف فهم حينئذ اولى ان يسيروا بسيرهم وان يهتدوا بهديهم وان يمتثلوا طريقتهم نعم. احسن الله اليك. قال ابن سيرين كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم. وقال الحسن ان كان الرجل لا يخرج في ادب يكسبه السنين ثم السنين. وقال سفيان ابن عيينة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الاكبر عليه تعرض الاشياء على خلقه وسيرته وهديه. فما فما وافقها فهو الحق وما خالفها فهو الباطل وقال حبيب ابن الشهيد وقال حبيب ابن الشهيد لابنه يا بني اصحب الفقهاء والعلماء وتعلم منهم وخذ من ادبهم فان ذلك احب الي من كثير من الحديث. وقال بعضهم لابنه يا بني لان تعلم بابا من الادب احد. ان تعلم بتشديد الله يدل عليها مقابلها احب الي من ان تتعلم. فهو بالادغام لان تعلم بابا. احسن الله اليك وقال بعضهم لابنه يا بني لان تعلم بابا من الادب احب الي من ان تتعلم سبعين بابا من العلم. وقال مخلد ابن الحسين ابن المبارك نحن الى كثير من الادب احوج منا الى كثير من الحديث. وقيل للشافعي رضي الله عنه كيف شهوتك للادب قال اسمع بالحرف منه مما لم اسمعه فتود اعضائي ان لها اسماعا تتنعم به. قيل وكيف طلبك له قال طلب المرأة المضلة ولدها وليس لها غيره. لما ذكر المصنف رحمه الله تعالى جلالة حسن الادب اهميته اردف ذلك بذكر جملة من الاثار المروية عن ائمة الهدى من التابعين فمن بعدهم في بيان علو حسن الادب واهميته. وقدم اولا قول ابن سيرين وهو محمد قال كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم. والهدي اسم يطلقه السلف يريدون به الادب. وقد يطلقون يريدون به ما يشمل الطريقة كلها. فيقولون فلان على هدي حسن اي على طريقة حسنة وقد يقصدون به معنى خاصا يريدون به الادب. ومنه هذا المعنى في كلام ابن سيرين. فان ابن سيرين اراد بالهدي هنا الادب لانه ذكر بعض الطريقة بعده اذ قال كما يتعلمون العلم قوله كانوا اي المشيخة السابقة التي ادركها وهم الصحابة رضوان الله عنهم التابعين فان كانوا اذا جاءت في الاثار الواردة عن التابعين واتباع التابعين فمن بعدهم يراد بها احد معنيين احدهما معنى عام يراد به المشيخة المتقدمة. ممن ادركهم المتكلم. فاذا كان المتكلم قد ادرك الصحابة صار مراد الصحابة واذا كان قد ادرك التابعين صار مراده التابعين. وهلم صار مراده التابعين وهلم جرا الثاني معنى خاص وهو اذا جاء في كلام ابراهيم النخعي قوله كانوا يفعلون او كانوا يأمرون او كانوا يرون فالصحيح ان ابراهيم النخاعي اذا قال هذا فالمراد به اصحاب عبدالله ابن مسعود في اصح قوله اهل العلم بل اثار المذكورة في كلام ابراهيم النخعي من قوله كانوا يرون او كانوا يأمرون او كانوا يحسبون المراد بها اصحاب عبد الله ابن مسعود من مشيخته الذين ادركهم في الكوفة. وسبق الانباه الى جلالة هذا الاصل وعظمته فانه شائع في كلام ابراهيم النخعي لعظمة تلك المدرسة العلمية التي اسسها عبدالله ابن مسعود في الكوفة ثم اتبعه بقول الحسن وهو البصري فان الحسن اذا اطلق لم ينصرف الا الى قال ان كان الرجل ليخرج في ادب يكسبه السنين ثم السنين اي ان كان الرجل لا يسافر في ادب يطلبه فان الخروج يطلق ويراد به السفر. فمن جلالة الادب انهم كانوا يخرجون في طلبه سنين عددا. ثم ثلث بقول سفيان ابن عيينة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الاكبر تعرض الاشياء على خلقه وسيرته وهديه فما وافقها فهو الحق وما خالفها فهو الباطل قاد بذلك بيان ان المعيار الاعظم في تجلية الاداب الفاضلة الكريمة هو ملاحظة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خلقه وسيرته وهديه. فما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فهو اكمل من هدي غيره وبه يعلم ان من طرائق غرس الاداب في النفوس الخبر عن هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته وما كان عليه فان النفوس المؤمنة تتشوف الى متابعة هديه صلى الله عليه وسلم في دقيق الامور وجليلها فاذا الخلق بما كان عليه صلوات الله وسلامه عليه من خلق كريم كان ذلك احرى في قبولهم له وتتبعهم صلى الله عليه وسلم ثم ذكر اثرا رابعا عن حبيب ابن الشهيد رحمه الله انه قال لابنه يا بني اصحب الفقهاء والعلماء وتعلم منهم وخذ من ادبهم فان ذلك احب الي من كثير من الحديث اي ما تأخذه من بهم وعلمهم من ادبهم ودلهم وهديهم هو احب الي مما تأخذه من علمهم. وقد جاء في سيره ما لك بن انس الاصبحي مولاهم امام دار الهجرة رحمه الله ان امه كانت تعممه وتقول يا بني اذهب الى ربيعة يعني ربيعة الرأي فقيه فقيه اهل المدينة يا بني اذهب الى فتعلم من ادبه قبل علمه. فكانوا يرون ان من مقاصد صحبة الشيوخ التأدب بادابهم ويحضون على ذلك ويقدمونه في الاخذ على العلم. كما قال مالك رحمه الله تعالى ببعض القرشيين يا ابن اخي تعلم الادب قبل ان تتعلم العلم. فاعظم مقاصد صحبة الاشياخ امتثال ما هم عليه من هدي ودل. ولما عقل ائمة الهدى فيما سلف هذا الاصل العظيم كانت صحبتهم لاشياء تطول كما روى ابو نعيم الاصبهاني في كتاب الحلية بسند صحيح عن العباس ابن عبد العظيم عن مالك ابن انس قال كان الرجل يختلف الى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه العلم. ومرادهم بهذه الصحبة ملاحظة احوالهم والتحلي بكمالاتهم ومراقبة هديهم ودلهم في تعليمهم وارشادهم وافتاء وما يكونون عليه في اوقات النوازل والشدائد فان هذا المعنى من اعظم معاني صحبة الاشياخ. ثم اتبعه باثر خامس عن بعضهم انه قال لابنه يا بني لان تعلم بابا من الادب احب الي من ان تتعلم سبعين بابا من العلم وفيه بيان جلالة الادب حتى قدم تعلم الباب الواحد منه على تعلم سبعين بابا من العلم لان انتفاع الانسان بالادب اعظم من انتفاعه بالعلم بل لا يصل الانسان الى مقصوده من العلم الا ادب كما قال يوسف بن الحسين رحمه الله بالادب تفهم العلم. ومعنى هذه الجملة احد شيئين اولهما هو ان الاشياخ يلاحظون اداب المتعلمين فما وجدوه متأهلا بأدبه اعطوه ما شاء من العلم ومن وجدوه سيء الادب حرموه. والثاني ان الله سبحانه وتعالى يلاحظ في خلقه هذا المعنى فمن كان حسن الادب فتح له ابواب الفهم لان العلم حر مصون لا يجعله الله وتعالى عند كل احد وانما يضعه سبحانه وتعالى في النفوس الصالحة له. فانه ميراث النبوة. وكما ان النبوة فان ميراثها التام هو اصطفاء ايضا. فيلاحظ الله عز وجل ذلك في قلوب الخلق. فمن وجده متأهلا بما عليه من ادب سهل له فهم العلم. ثم اتبعه باثر سادس. عن مخرج ابن الحسين انه قال نحن الى كثير من الادب احوج منا الى كثير من العلم. هذا يقوله في زمانه واهله فكيف القول في زماننا واهله فصدق الضمير نحن علينا اصدق من صدقه عليهم رحمهم الله تعالى فلنحن احوج الى كثير من الادب منا الى كثير من العلم كما قال ابن المبارك رحمه الله تعالى لا تأتين بذكرنا مع ليس الصحيح اذا مشى كالمقعد. وقد اشرف الليث ابن سعد رحمه الله تعالى على بعض اصحاب اهل الحديث كانه كره منهم شيئا فقال انتم الى يسير من الادب احوج منكم الى كثير من الحديث الذي لتطلبون فحاجة الانسان الى الادب عظيمة جدا. ثم ختم باثر سابع عن الشافعي رحمه الله تعالى ان انه سئل كيف شهوتك للادب؟ والمقصود بالشهوة كيف ميل قلبك وطلبته ادب فان المطلوبات من المرادات لا تتحرك الا بحب وارادة. ومن جملة ذلك الشهوة التي يحترم الانسان في طلب امر ما ومن جملة تلك الشهوات شهوة العلم وهي موجودة في كلام كثير من اعلام الهدى رحمهم الله تعالى وهي من اجل الشهوات النفسية. فاجاب رحمه الله تعالى عن ذلك فقال اسمع بالحرف منه. والحرف عندهم اشمل من المعنى الذي قصر عليه عند المتأخرين فانهم قد يريدون بالحرف الجزء من الكلمة وقد يريدون بالح الكلمة وقد يريدون بالحرف الجملة من الكلام وقد يريدون بالحرف الكلام كله فيطلقون امر مستطيل مستطيل من الكلام حرفا كما سميت القراءات حروفا بهذا الاعتبار. فقال بالحرف منه اي من الادب مما لم اسمعه فتود اعضائي ان لها اسماعا تتنعم به. فجعل من شهوته في طلب الادب ان يود ان يكون لاعضائه كلها اسماع كي تتنعم بلذة ما تسمعون من الادب ثم سئل وكيف طلبك له؟ فقال طلب المرأة المضلة ولدها وليس لها غيره وهذا اقصى غاية الطلب. فقد جمعت بين اوصاف ثلاثة. اولها انها امرأة اضعف من الرجل وثانيها انها امرأة مضلة ولدها الذي هو فلذة كبدها والمرأة اذا ضلت ولدها انتابها من الحال ما تعلمون وتشهدون. ثم هي امرأة اضلت ولدها ليس لها غيره. فهي اذا فقدت هذا الولد لم تجد بعده معينا وناصرا ووليا من ذرية فهو ولدها الوحيد. وهذه الحال هي ابلغ ما تكون في طلب المقصود. فكانت حال الشافعي رحمه الله تعالى في طلب الادب هذه الحالة العظيمة. واذا اردت ان تعرف حالنا وحالهم فانظر الى حالك اثناء استذكارك لاختباراتك في مقرراتك الدراسية النظامية. فانك تجد فيها من الاقبال وشدة الطلب معنى لا تجده في غيري وكانت تلك حالهم رحمهم الله تعالى فانهم كانوا يحفظون ويتذاكرون ويطالعون ولهم نهمة شديدة في ذلك دون ملاحظة حال امتحان ترجى اليها فصل احوالهم في الدنيا وانما كان طلبهم للعلم لذة وتنعما به دون سائق يسوقهم اليه بمثل ما يساق اليه الناس من الترغيب والترهيب في الدراسة النظامية وهكذا ينبغي ان يكون طالب العلم متحليا بطريقة السلف رحمهم الله تعالى في شدة حرصه وطلبه للعلم فان المرء اذا كان له شهوة في العلم اعانه ذلك على فهمه فان المرء اذا لم تكن له شهوة وميل لم يستطع الفهم واذا كان له شهوة وارادة وميل ورغبة فيما يطلب كان ذلك من اعظم ما يعينه على تحصيل مقصوده. واذا حجب الانسان عن هذه الشهوة والطلبة فانه لا ينال مقصوده مما طلب. وقد لقيت رجلا اقام ثلاثين سنة في في المانيا وهو لا يحسن الا الفاظا يسيرة من اللغة الالمانية. فسألته كيف عشت هناك ولم تتعلم اللغة فقال ان الانسان اذا لم تكن له ارادة لم يتعلم. وصدق فان هذا الرجل لم تكن له ارادة في تعلم تلك اللغة ولا رغبة فيها فلم يتعلمها. فاذا كان للانسان رغبة وارادة وميل وشهوة في طلب شيء ما حصله ومن جملة ذلك العلم فينبغي ان يذكي الانسان في قلبه شهوة طلبه وان يؤنس التلذذ بهذه اللذة العظيمة في تفتيش العلم وجمعه فانها من اعظم اللذات النفسانية. نعم. احسن الله اليك ولما بلغت رتبة الادب هذه المزية وكانت مدارك مفصلاته خفية. تعاني ما رأيت من احتجاج من احتياج اليه وعسر تكرار توقيتهم عليه اما لخياء فيمنعهم الحضور او لجهاء فيورثهم النفور الى جمع هذا مختصر مذكرا للعالم ما جعل اليه ومنبها للطالب على ما يتعين عليه وما يشتركان فيه من الادب وما معي سلوكه في مصاحبة الكتب ثم ادب من يسكن المدارس منتهيا او طالبا لانها مساكن طلبة العلم في هذه الازمنة وجمعت ذلك مما اتفق في المسموعات او سمعته من المشايخ السادات او مررت به في المطالعات او استفدته وفي المذاكرات وذكرته محذوف الاسانيد والادلة كي لا يطول على مضارعه او او يمله. وقد دمعت فيه بحمد الله تعالى من تفاليق اداب هذه الابواب ما لم اره مجموعة في كتاب وقدمت على ذلك بابا مختصرا في فضل العلم والعلماء على وجه التبرك والاقتداء قد رتبته على خمسة ابواب تحيط بمقصود الكتابة. الباب الاول في فضل العلم واهله وشرف ونبله الباب الثاني في اداب العالم في نفسه ومع طلبته ودرسه. الباب الثالث في ادب المتعلم في نفسه ومع شيخه ورفقته ودرسه الباب الرابع في مصاحبة الكتب وما يتعلق بها من الادب. البعض الخامس في ادب سكنى المدارس وما يتعلق به من النفائس فقد سميته تذكرة السامع والمتكلم في ادب العالم والمتعلم. والله تعالى يوفقنا للعلم والعمل ويبلغنا من رضوانه نهاية الامل. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة الحاملة له على تأليف الكتاب وطريقته في جمعه ونسقه في ترتيبه ثم صرح باسمه. فاما الحامل له على تأليف هذا الكتاب فان محصل ما ذكره انه صنف هذا الكتاب لامور ثلاثة. اولها رعاية رتبة الادب ومزيتها وثانيها ان مدارك الادب يخفى تفصيلها وثالثها احتياج الطلبة الى الادب. وعسر تكرار توقيفهم عليه اما لحيائهم او لجفائهم. ثم ذكر مصدر اخذه لهذه الاداب فذكر انه جمعها مما اتفق في مسموعاته او سمعه على بعض مشايخه او التقطه ما طالعه او استفاده في المذاكرات. ثم بين انه يذكرها محذوفة الاسانيد والادلة. لئلا يطول الكتاب وما ذكره من حذف الاسانيد هو شيء التزمه واما حذف الادلة فانه ذكر في مواضع ادلة لجملة من الاداب واغفل ذلك في مواضع اخرى. ثم ذكر ان كتابه هذا قد جمع من تفريق اداب هذه الابواب ما لم يره مجموعة في كتاب. وصدق رحمه الله فان كتابه هذا من احسن الكتب المصنفة في ادب الطلب. وقدم بين يدي هذا الكتاب بابا مختصرا في فضل العلم والعلماء على وجه التبرك بما فيه من الايات والاحاديث وطلبا للاقتداء بما كانوا عليه رحمهم الله تعالى. ثم ذكر انه رتب الكتاب في خمسة ابواب تحيط بمقصوده. وعقد رحمه الله تراجم لهذه الابواب ناقضها في مواضعها من الكتاب فانه في كل موضع من مواضع هذه الابواب كما سيأتي ترجم الفاظ اخرى اما مقاربة واما مباعدة. والاصل ان يبقى المرء فيما ترجم به على الحال نفسها سواء ذكر ذلك في مقدمة كتابه او ذكره في ثنايا كتابه. فاذا قال ان الباب الاول هو كذا وكذا لزمه ان يكون ان تكون هذه الترجمة في موضعها دون تغيير. ثم صرح رحمه الله تعالى باسم كتابه فقال وقد سميته تذكرة السامع والمتكلم في ادب العالم والمتعلم. والتذكرة تفعيلة من الذكر وهو التذكر فاراد ان تكون مذكرة للمشتغل بطلب العلم بهذه الاداب طالب ان التذكرة انما تكون مساقة لمن عنده بصيرة متقدمة فيحتاج الى مذكر بها بخلاف التبصرة. فالتبصرة في الابتداء والتذكرة في الانتهاء. كما قال العراقي في الفيته جعلتها تبصرة للمبتدي تذكرة للمنتهي والمسند. فالمناسب للمبتدئين تبصيرهم فيما يحتاجون اليه والمناسب للمنتهين تذكيرهم بما هم عليه فكأنه هو مراد المصنف رحمه الله تعالى نعم الباب الاول في فضل العلم والعلماء وفضل تعليمه وتعلمه قال الله تعالى قبل ما تكمل بعظ الاخوان ارسلوا لي بخصوص الكتاب الثالث الذي هو كتاب اه بلوغ القاصد جل المقاصد انهم لم يجدوه ولم يضع احد من الاخوان عند التصوير. فارى ان النبدأ به الاسبوع القادم ملاحظة لحال الاخوان. لعل احد من الاخوان الليلة نوكل اليه التصوير لاني كنت في سفر والا كان قد وضع لكني كنت في سفر ولم اتي الا صلاة العصر فلعلنا ان نضعه ان شاء الله تعالى في التصوير ونبدأ به الاسبوع القادم. وهذا الاسبوع نستغله في القراءة في هذين الكتابين. نقسم الوقت بين كتاب التذكرة وبين كتاب الشيخ بن سعدي. نعم. الباب الاول في فضل العلم والعلماء وفضل تعليمه وتعلمه. قال الله تعالى لا هكذا قال المصنف في هذا الموضع الباب الاول في فضل العلم والعلماء وفضل تعليمه وتعلمه. وتقدم انه ترجم له بقوله الباب الاول في فضل العلم واهله وشرف العالم ونبله. واختلاف التصرف مما يورث الضعف والاصل ان الانسان اذا تصرف في العلم بكلام ان يبقى على ما تصرف به اولا. فاذا اشار انه يذكر وكيت فانه يذكره في محله كما ذكره في المحل المقدم. وابن جماعة كان من اذكياء الناس. ولكن قد يعرض للمخلوق من النقص ما يتبين به كمال الخالق سبحانه وتعالى فكأنها الحال التي عرظت رحمه الله نعم. قال الله تعالى يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم يرفع الله الذين امنوا من والذين اوتوا العلم درجات. قال ابن عباس العلماء فوق المؤمنين بسبع مئة درجة ما بين الدرجتين مئة عام. وقال الا شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم الاية بدأ سبحانه بنفسه وثنى بملائكته باهل العلم وكفاهم ذلك شرفا وفضلا. ودلالة ونبلا. وقال تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وقال فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. وقال وما يعقلها الا العالمون. وقال تعالى بل هو بينة في صدور الذين اوتوا العلم. وقال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء. وقال اولئك هم خير البرية الى قوله ذلك لمن خشي ربه. فاقتضت الايتان ان العلماء هم الذين يخشون الله يخشون الله تعالى وان الذين يخشون يخشون الله تعالى هم خير البرية فينتج ان العلماء هم خير البرية رحمه الله تعالى في ذكر الادلة المفصحة عن فضل العلم والعلماء وفضل تعلمه وتعليمه. فذكر بين يدي ذلك مقدما لها على غيرها اية من القرآن الكريم عدتها سبع ايات اولها قول الله تعالى يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجة. وفضيلة العلم فيها بما ذكر الله سبحانه وتعالى من رفعة اهل العلم بالدرجات. وقد روي عن ابن عباس انه قال العلماء فوق المؤمنين بسبع مئة لدرجة ما بين الدرجتين مائة عام. والمقطوع به وجود الرفعة. واما ترتيب قدرها فلم يثبت فيه شيء لا عن ابن عباس ولا عن غيره من اهل العلم رحمهم الله تعالى. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الرفعة في موضع اخر فقال نرفع درجات من نشاء. قال مالك بن انس في تفسير هذه الاية نرفع درجات من نشاء قال زيد ابن اسلم بالعلم رواه الامام احمد في مسنده في مسند عثمان ابن عفان من المسند واسناده صحيح وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة ان الله سبحانه وتعالى لم يذكر في القرآن الرفعة الايمان والعلم فاعظم ما تحصل به الرفعة في الدنيا والاخرة هما هذان الامران العظيمان العلم والايمان ثم ذكر اية ثانية في فضل العلم هي قول الله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو الاية استنبط المصنف رحمه الله تعالى شرف اهل العلم منها بقوله بدأ سبحانه بنفسه وثنى بملائكته وثلث باهل العلم فجعل المبين لفظل اهل العلم ان الله سبحانه وتعالى تلت بهم بعد البداءة بنفسه والتثنية بملائكته واحسن من هذا ان يقال ان الله سبحانه وتعالى قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته على وحدانيته فان معنى الاقتران لا تظهر فيه فضيلة عظمى. وانما الفضيلة العظمى في كونهم شهودا. اشهدهم الله سبحانه وتعالى على امر عظيم هو وحدانية الله سبحانه وتعالى. وهذه الاية تدل على فضل العلم وشرف اهله بعشرة وجوه بسطها ابن القيم في مفتاح دار السعادة ولخصها ابن سعدي في تفسيره عند هذه الاية فلتنظر هنا ثم ذكر اية ثالثة وهي قول الله عز وجل قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وهذا استفهام على سبيل الانكار فليس المراد بالاستفهام الاستخبار فما هي حقيقته؟ وانما المراد الانكار فكان الاية لا يستوون فلا يستوي اهل العلم ولا يستوي فلا يستوي اهل العلم مع اهل الجهل. فالاية في تفضيل اهل العلم. ثم ذكر اية رابية وهي قوله تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون المراد بالذكر ها هنا الكتاب المنزل من الله عز وجل. فان الذكر له معنيان اثنان. احدهم هما الكتاب القدري. ومنه قوله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر فان الذكر في هذه الاية يراد بها الكتاب القدري وهو اللوح المحفوظ. والثاني ان الذكر الكتاب الشرعي المنزل من الله تعالى. ومنه التوراة كما في هذه الاية فانها هي المرادة في السياق ومنه القرآن كما في قوله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ذكر هذين المعنيين للذكر ابن القيم رحمه الله تعالى. ثم ذكر اية خامسة في فضل العلم وهي قول الله تعالى وما يعقلها الا العالمون. بعد قوله عز وجل وتلك الامثال نضربها للناس. وما يعقلها الا العالمون. وفيها هذا بيان شرف العلم لان اهل العلم هم اهل العقل. فالامثال التي يضربها الله سبحانه وتعالى لا يعقلها ويفهم مغزاها ومرادها الا اهل العلم. ففي ذلك وصفهم بالعقل الكامل بخلاف غيرهم فانه لا عقلا فانهم لا عقل لهم. ثم ذكر اية سادسة وهي قوله تعالى بل هو ايات بينات كن في صدور الذين اوتوا العلم. والمراد بقوله تعالى بل هو ايات بينات الضمير راجع الى القرآن الكريم فالقرآن الكريم ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم. وهذه الاية في السياق متعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو وصف بمحل الايات البينات منه صلى الله عليه وسلم. ولذلك جعل الطاهر ابن عاشور في تفسيره الجمع في هذه الاية للتعظيم لان المراد بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم فجمع صدره ثم ذكر الاسم الموصول الدال على الجمع وهو الذين تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا الذي قاله الطاهر ابن عاشور صحيح باعتبار دلالة السياق فان سياق الايات متعلق به صلى الله عليه وسلم. وباعتبار المعنى فانه اذا صح ذلك له صلى الله عليه وسلم فانه يصح من كان متبعا له من اهل القرآن من اهل العلم به وتفسيره والعمل به فالقرآن في حقهم ايات بينات في صدورهم. وهذه الاية ذكر الله عز وجل فيها الاوسع لنزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وانه الصدر. ثم ذكر في اية اخرى ان لن اخص من ذلك فقال سبحانه وتعالى نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين. فذكر ما هو اخص من الصدر وهو القلب؟ فانزال القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم محله القلب من الصدر كله. ثم ذكر في ثالثة محلا اخص وهو الفؤاد فقال تعالى كذلك لنثبت به فؤادك والفؤاد اخص من القلب فانه بعض القلب. فانزالوا القرآن محله وادراكه من النبي صلى الله عليه وسلم هو الفؤاد في القلب الكائن في الصدر. وذكر في هذه الاية بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم. ذكر المحل الاوسع الارحب ثم ثم بين في اية الشعراء بين فيها محله من الصدر وهو القلب ثم بين ثالثا محله من قلب النبي صلى الله عليه وسلم وهو فؤاده. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى اية سابعة وهي قول الله تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء. ومعنى هذه الاية ان العلماء هم اهل خشية الله سبحانه وتعالى وانما كانوا اهل خشيته لان قلوبهم تجتمع على خوف مقرون بعلم. فان الخوف عبادة من العبادات التي تعبد الله عز وجل بها خلقه ثم قسم سبحانه وتعالى بينهم حظوظهم منها ومن جملة هذه الحظوظ الخشية فان خشية مختصة بالخوف المقترن بالعلم. ولا يكون هذا الا للعلماء. ولذلك خص الله عز وجل هذه عبادة بهم وكونهم اهل خشية الله سبحانه وتعالى يستحقون الجزاء الوالد في سورة البينة اذ وصفهم الله عز وجل في اهل خشيته فقال اولئك هم خير البرية فالعلماء الذين هم اهل الخشية هم خير البرية ولهم من الجزاء ما ذكر الله سبحانه وتعالى في اخر سورة البينة. وهؤلاء الايات السبع هي من جملة الاية الدالة على فضل العلم وشرف اهله. وقد بسط ابن القيم رحمه الله تعالى الادلة القرآنية على فضل العلم في كتاب مفتاح دار السعادة بسطا لا تراه لغيره. فكتابه هو اوسع الكتب التي ذكرت فضائل العلم الواردة في القرآن الكريم اولا ثم اتبعها بعد ذلك بذكر فضائل القرآن الكريم في سنة النبي صلى الله عليه عليه وسلم. نعم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وعن صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الانبياء وحسبك بهذه الدرجة مجدا وفخرا وبهذه الرتبة شرفا وذكرى فكما لا رتبة فوق رتبة النبوة فلا شرف فوق شرف وارث تلك الرتبة. وعنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر عنده رجلان احدهما عابد والاخر عالم فقال فضل العالم على العابد كفضلي على ادناكم. وعنهم صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يطلب فيه من سلك به طريق من طرق الجنة. وان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا الله عنه. فان العالم فيستغفر له من في السماوات ومن في الارض حتى الحيتان في جوف الماء وان فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر كواكبه وان العلماء ورثة الانبياء وان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن اخذه اخذ بحظ وافر واعلم انه لا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وغيرهم بالاستغفار والدعاء له. وتضع له اجنحتها وانه لينافس في دعاء الرجل الصالح او من يظن صلاحه فكيف بدعاء الملائكة؟ وقد اختلف في معنى وضع اجنحتها التواضع له وقيل النزول عنده والحضور معه. وقيل التوقير والتعظيم له. وقيل معناه تحمله عليها فتعينه على بلوغ مقاصده. واما الهام الحيوانات بالاستغفار لهم فقيل لانها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم. والعلماء هم الذين يبينون ما يخل منها وما يحرم ويوصون بالاحسان اليها ونفي الضرر عنها. وعنه المصنف رحمه الله تعالى من الادلة القرآنية اتبعها بجملة من الاحاديث النبوية جعل صدرها قول النبي صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين المخرج في الصحيحين. وفيه بيان فضيلة الفقه في الدين وان من اراد الله عز وجل به خيرا يسر له الفقه في الدين. وتقدم ان الفقه هو ادراك خطاب الشرع مع العمل به قد نقل ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة اجماع اهل العلم على ان اسم الفقه لا يكون الا لا اذا اجتمع العلم مع العمل. ثم اتبعه بحديث تام وهو وعنه صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الانبياء فهو قطعة من حديث يأتي قريبا ثم ذكر بعد ذلك حديثا ثالثا وهو عنه صلى الله الله عليه وسلم لما ذكر عنده رجلان احدهما عابد والاخر عالم فقال فظل العالم على العابد كفظلي على ادناكم هذا حديث رواه الترمذي وغيره ولا يثبت. وفي قوله صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلي على ادناكم بيان ان فضيلة العالم على العابد كفظيلته صلى الله عليه وسلم على ادنى اصحابه مرتبة فمرتبة النبوة جعلت بمنزلة مرتبة العلم لانها ميرات النبوة كما سيأتي. والنبي صلى الله عليه وسلم في فضلها افضل متقدم صلوات الله وسلامه عليه على كل الصحابة وفضله يبلغ في فرق في فرق العالم على العابد كالفرق بين فظله صلى الله عليه وسلم على ادنى الصحابة. ثم ذكر حديث رابعا وهو حديث ابي الدرداء المشهور من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك سلك به طريق من طرق الجنة وان الملائكة تضع اجنحتها لطالب العلم الى اخره. وهذا حديث اخرجه الاربعة الا النسائي واسناده حسن. وهو من اجل الاحاديث في بيان فضيلة العلم. ولابي الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى كتاب مفرد في شرح هذا الحديث او في بيان معانيه فليرجع اليه. ومن المعاني التي اشتمل عليها هذا الحديث في فضل العلم ما ذكره المصنف واعلم انه لا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وغيرهم بالاستغفار والدعاء له وتضع له اجنحتها. فمن اعظم فضائل العلم واهله ان الملائكة تستغفر لاهل العلم وتدعو لهم وتضع اجنحتها لهم. ثم قال وانه ينافس في دعاء الرجل الصالح او من يظن صلاحه فكيف بدعاء ملائك؟ اي انه لينافس في التماس دعاء الرجل صالح او من يظن ويغلب على الظن صلاحه فان من المقاصد المشروعة في التوسل التوسل بدعاء رجل صالح لكن هذه المنافسة ليست على ما اطلق المصنف رحمه الله تعالى فان المنافسة انما تكون في شيء اعز من غيره وليس دعاء الرجل الصالح كذلك بل اعز منه دعاء الرجل لنفسه فان دعاء الرجل لنفسه اكمل من التماسه دعاء من رجل صالح ولهذا كان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الاكابر منهم كابي بكر وعمر وعثمان وعلي لا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء له وانما كان يسأله ذلك افراد الناس من الاعراب وغيرهم كما ذكر ابو العباس ابن تيمية الحفيظ رحمه الله تعالى في القاعدة الجليلة. فالحال الاكمل هي ان يدعو الانسان لنفسه. وعلى هذا جرى عمل السلف رحمهم الله تعالى ثم قوله فكيف بدعاء الملائكة يوهم ان دعاء الملائكة افضل من دعاء الرجل الصالح وهذا مخرج على مسألة شهيرة هي مسألة القول بفضل الملائكة وانهم افضل من صالح البشر. والصحيح ان صالح البشر افضل من الملائكة لان الله عز وجل تعبدهم بالامر والنهي فاذا وفوا كانوا على حال اكمل من حال غيرهم. ثم ذكر بعد ذلك الاختلاف في معنى وضع الاجنحة فقال فقيل التواضع له وقيل النزول عنده والحضور معه وقيل التوقير والتعظيم له وقيل معناه تحمله عليها فتعينه على بلوغ مقصوده. وهذه المعاني التي ذكرها رحمه الله تعالى كلها مما يدخل في جملة معنى وضعية الاجنحة واما الاخير وهو الحمل فيحتاج الى دليل مصرح بانها تحمله وتعينه على بلوغ مقاصده وانما الذي جاء به الدليل هو الوضع. والوضع انما يراد به التواضع والحضور معه والتوقير والتعظيم فهذه المعاني دلت عليها ادلة اخرى. اما المعنى الاخير فانه يفتقر الى دليل يدل عليه. ثم ذكر ان السر في الهام الحيوانات بالاستغفار لهم لانها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم والعلماء هم الذين يبينون ما يحل منها وما يحرم ويوصون بالاحسان اليها ونفي الضرر عنها. وبكلام مختصر يقال ان الحامل للحيوانات على الاستغفار لهم هو ان ما يصلها من الاحسان هو بسبب تعليم العلماء. فما يصلها من احسان في الصيد او احسان في القتلة او احسان في السقيا والاطعام فكله بتعليم العلماء فالهمت الحيوانات الاستغفار لهم لما اوصلوا اليها من خير بما علموا الناس من وجوه الاحسان الى الحيوانات وهذا اخر ما يحتاج اليه من بيان هذه المعاني من الكتاب الاول